لخّصلي

يضطلع القانون المقارن بمهمة مقارنة القوانين من حيث المكان بغض النظر عن درجة اختلافها وتمايزها مثل مقارنة القانون المغربي بالقانون الفرنسي، أو مقارنة قانون الأسرة المغربي بقانون الأسرة التونسي 20. ولكون آلية "المقارنة" (La comparaison) تشكل صلب منهجية علم الاجتماع القانوني، ومنهجية القانون المقارن على حد سواء، ولأن القانون يشكل موضوع كلا الحقلين أو الفرعين، فإن الحديث عن الاستفادة المتبادلة بينهما تبدو مقنعة جدا، لا تنفي، في الوقت نفسه الحديث عن الاختلاف والتمايز بينهما.

فكل من علم الاجتماع القانوني والقانون المقارن يعتمد المنهج المقارن في دراسته للقانون، كل من منظوره الخاص؛ فالإشكاليات الأولى لعلم الاجتماع القانوني انصبت بشكل كبير، على دراسة الفروق بين
الأنظمة القانونية الكبرى النظام القانوني الروماني، النظام القانوني الأنجلوساكسوني... وكذلك داخل كل نظام قانوني على حده.

فعلى سبيل المثال، درس مونتسكيو الذي يعد من الممهدين لنشأة علم الاجتماع القانوني، الإرث بمنهجية مقارنة؛ وذلك في كتابه "روح القوانين" (Esprit des lois)، بحيث قارنه في تشريعات مختلفة، ولاحظ أن الإرث في بعض التشريعات، يعود بإرادة الوالدين إلى الابن الأصغر؛ كما هو الشأن عند التتار في آسيا، وفي إنجلترا، وفي الشمال الغربي لفرنسا لأنه يحقق فائدة للأب؛ لكون الابن الأصغر سيعيش أطول، ويتأخر في الزواج، وهو ما سيؤثر في أموال العائلة. وقد توصل إلى أن هذا النوع من الإرث يسود في مجتمعات فلاحية بالدرجة الأولى، ويعكس الانشغال

الكبير للآباء بمصيرهم، في حين تسود في بعض المجتمعات، ظاهرة تخصيص الإرث للابن البكر 2.

إن اشتراك كل من علم الاجتماع القانوني والقانون المقارن في توظيف المنهج المقارن لم يحل دون اختلافهما في الأهداف والوسائل والتقنيات؛ فالقانون المقارن يهدف إلى تحسين النظام القانوني، عبر الاستفادة من اختلاف الأنظمة القانونية، في حين يهتم علم الاجتماع القانوني بمعرفة السلوكيات والتأثيرات والتوجهات المجتمعية مسبقا

التي تساعد المشرع في العملية التشريعية.

وإذا كان فقهاء القانون يسلمون بأهمية الاستفادة من القوانين الأجنبية، فإن علماء الاجتماع القانوني لا يهتمون بهذه الأهمية، ولا يسلمون بها.. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن القانون المقارن يشكل مصدرا للمعلومات بخصوص أنظمة قانونية مختلفة، تنحصر في ما هو قانوني فقط، ولا تمتد إلى ما هو سوسيولوجي. ولذلك تبقى استفادة المشرع منه محدودة وضيقة، رغم أنها مباشرة. في حين يركز علم الاجتماع القانوني في مقارنته بين الأنظمة القانونية على ما هو اجتماعي، ويمتد إلى دراسة

تفاعل الظاهرة القانونية مع الظواهر الاجتماعية الأخرى، في مختلف المجتمعات، وهو ما يسمح بإمكانية الاطلاع على أنظمة اجتماعية وعلى قواعد ليست قانونية بالضرورة، لكنها تعد فعالة في حل المشاكل والمنازعات بين الناس. ففي العديد من المجتمعات، نجد انتشارا لقواعد اجتماعية لحل النزاعات بعيدا عن المحاكم؛ فعلى سبيل المثال، تسود

في المجتمع الياباني قاعدة كيري La regle de Giri)، التي تحتم على الأفراد اتباع الحلول السلمية بين المتخاصمين استجابة لإرادة الجد الأكبر.

إن تركيز كل من سوسيولوجيا القانون والقانون المقارن على موضوع مخصوص، وهو القانون، يتيح استفادة كل علم من خلاصات العلم

الآخر ونتائجه، ويسمح بإغناء مجاليهما ومناهجهما.