لخّصلي

تلخص هذه المقالة البراجماتية، وهي منهج فلسفي نشأ في أمريكا على يد بيرس وجيمس ودوي، يرى أن حقيقة الأفكار تُقاس بمدى فائدتها العملية. تنقسم البراجماتية إلى عدة أقسام: إنسانية، اسمية، بيولوجية، وتجريبية. يمتاز منهجها بتتبع نتائج الأفكار العملية، وتجاهل المبادئ الأولية، والتركيز على تغيير الواقع. تُعد التجربة العلمية وتتبع النتائج العملية من أهم أسسها. جذورها تعود للرواقية والوضعية. تُعارض البراجماتية القيم الأخلاقية الثابتة، وتعتبر الحقائق نسبية، ويرى الإسلام أنها منهج خاطئ لتعارضه مع تعاليمه، خاصة في تحديد الخير والشر، ونسبية الأخلاق، وتجاهل الماضي. انتشرت البراجماتية في الولايات المتحدة وأوروبا.

أنت قلت:
البراجماتية

أولاً: التعريف بالبراجماتية .
أ ) البرجماتية لغة :
البراجماتية : لفظ مشتق من اللفظ اليوناني برغما (Pragma) ومعناه العمل، وتأتي منه كلمة (مزاولة)، والبراجماتي : المزاول للعمل .

ب البراجماتية اصطلاحاً:

تعددت تعريفات المتخصصين حول معنى البراجماتية اصطلاحاً، والتي يطلق عليها أيضاً ( الذرائعية )، ولعل من أهمها :

. البراجماتية: تيار - منهج - فلسفي أنشأه " تشارلز بيرس" و "وليام جيمس" يدعو إلى أن حقيقة كل المفاهيم الفكرية لا تثبت إلا بالتجربة العلمية؛ لا مجرد التأمل النظري، وأن معيار صدق الآراء والأفكار إنما هو في قيمة عواقبها النفعية عملاً.

البراجماتية: أحد المناهج الفلسفية التي ظهرت في أميركا على يد " تشارلز ساندرس بيرس " وتطورت على يد " وليم جيمس " و "جون دوي " والذي يرى أن : العقل لا يبلغ غايته إلا إذا قاد صاحبه إلى العمل الناجح، فالفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة أي الفكرة التي تحققها التجربة. ولا يقاس صدق القضية إلا بنتائجها العملية النفعية.

. البراجماتية: فلسفة معاكسة للفلسفة القديمة التي تبدأ بالتصورات وبقدر صدق هذه التصورات تكون النتائج، فهي تدع الواقع يفرض على البشر معنى الحقيقة، وليس هناك حق أو حقيقة ابتدائية تفرض نفسها على الواقع .

أ) أقسام البراجماتية:

ثانياً : أقسام البراجماتية ومنهجها الفكري
تنقسم البراجماتية ( الذرائعية ) إلى عدة أقسام، من أهمها :

1- البراجماتية الإنسانية: وهي التي ترى أن كل ما يحقق رغبات الإنسان وحاجاته فهي حق، وأن كل ما لا يحقق هذه الرغبات فهو باطل !! .

٢ - البراجماتية الاسمية: وهي التي ترى أن نتائج الأفكار هي ما نتوقعه في صورة وقائع جزئية مدركة في الخبرات التي تحدث في المستقبل .
البراجماتية البيولوجية : وهي التي ترى أن الفكر إنما ٣ . يهدف المساعدة الكائن العضوي ليتوافق مع بيئته، وبمعنى آخر فإن التأقلم الناجح المؤدي إلى البقاء والنمو هو بمثابة المعيار على صدق الأفكار.

• البراجماتية التجريبية (المتطرفة) وهي التي ترى أن الحق هو ما يؤدي إلى عمل تجريبي متحقق أمام الإنسان، وأن كل ما تقوم عليه التجربة فهو حقيقي واقعي، وكل ما هو واقعي يجب أن تقوم عليه التجربة.

ب منهج البراجماتية الفكري

أكد كثير من المتخصصين في الفكر الغربي أن المنهج البراجماتي يعد محاولة لتفسير كل فكرة بتتبع واقتفاء أثر نتائجها العملية على سلوك الإنسان كل على حدة .

وبناء على ذلك فإن منهج البراجماتية منهج بعيد كل البعد عن المبادئ والأصول والقيم والمعتقدات الثابتة المعروفة قبلاً، والرغبة في الاتجاه نحو مزاولة العمل الواقعي النفعي للإنسان المغير لسلوكه وتصرفاته .
خلاصة القول : البراجماتية منهج فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة
الإنسانية، وأن صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه، وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى .

ثالثاً : نشأة البراجماتية، وأبرز شخصياتها

ج) نشأة البراجماتية:

البرجماتية ثورة ضد الفكر النظري البعيد عن الواقع وعن الإنسان خاصة والذي لا يخدم الإنسان في حياته العملية، وقد نشأت كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية، خير تربة للنمو الازدهار .

ح أبرز شخصياتها :

قامت البراجماتية على يد عدد من المفكرين الغربيين وأغلبهم من الأمريكيين ومن أهمهم (١٤٩):

تشارلز بيرس (۱۸۳۹ - ١٩١٤م) : يعد مبتكر كلمة البرجماتية في الفلسفة المعاصرة ، وقد عمل محاضراً في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان متأثراً بدارون ووصل إلى مثل آرائه.. وكان أثره عميقاً في الفلاسفة الأمريكيين

. وليم جيمس (١٨٤٢ - ١٩١٠م) : هو عالم نفسي وفيلسوف أمريكي من أصل سويدي بني مذهب الذرائعية البرجماتية على أصول أفكار بيرس، ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها، من أهم مؤلفاته: كتاب مبادئ علم النفس، وكتاب إرادة الاعتقاد.

جون ديوي (١٨٥٦ - ١٩٥٢م): فيلسوف أمريكي، تأثر بالفلسفة الذرائعية، وكان له تأثير واسع في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية، من مؤلفاته: دراسات في النظرية المنطقية، وكيف تفكر .

٤. شيلر (١٨٦٤) - (۱۹۳۷م) هو فيلسوف بريطاني، كان صديقاً لوليم جيمس، وتعاطف معه في فلسفة الذرائعية: وقد آثر أن يطلق على آرائه وموقفه المذهب الإنساني أو المذهب الإرادي .

رابعاً: أسس البراجماتية الفكرية، أكد كثير من المتخصصين على أن هناك أسس فكرية قامت عليها البراجماتية، ومن أهمها:

الأساس الأول: التجربة العلمية

ويراد به الاهتمام بالتجربة العلمية، ونبذ الجمود والتأمل والحكم على الأشياء دون سابق تجربة لها؛ لأن التجربة هي المعيار التي من خلالها يتم الحكم على الأشياء.

الأساس الثاني: تتبع النتائج العلمية:

ويراد به أن تكون الأفكار قابلة للتنفيذ العملي، وأن تكون لدينا اعتقاداً بإمكانية تطبيقها فعلاً، وأن الأفكار التي ليست لها نتائج عملية أو تأثير في السلوك الإنساني هي أفكار لا وجود لها.

الأساس الثالث: الانطلاق من المستقبل وتجاهل الماضي:

ويراد به رفض البحث في المبادئ الأولية ونشوء الأفكار وكيفيتها، وإنما البحث عن نتائجها العملية التي تقود الإنسان إلى تغيير الواقع الذي يعيشه نحو الأفضل .

الأساس الرابع: الوعي الواقعي للأفكار والنظريات المغيرة في أسلوب الحياة الإنسانية:

ويراد به أن يكون الإنسان ذا وعي شديد عند مناقشة الأفكار وتجربتها وتتبعها، والتأكد من صدقيتها، وأثرها في السلوك الإنساني الواقعي .

خامساً: الجذور الفكرية والعقائدية للبراجماتية

تعود جذور البراجماتية إلى الرواقية القديمة التابعة للفكر اليوناني الوثني، التي ترى أن الخير الحقيقي يكمن في حكمة الاختيار وليس في الشيء المختار الذي يصطفيه، كما تنسب البراجماتية كذلك إلى فلسفة الوضعية، التي ترى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي، وما تقوم عليه من إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، خاصة فيما يتعلق بما وراء المادة وأسباب وجودها .
سادسا : أهم أفكار ومعتقدات البراجماتية.
هناك العديد من المعتقدات و الأفكار التي تتبناها البراجماتية ، ولعل أهمها ما يأتي :
١ . يعتقدون أن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً، ثم السير نحو السمو والكمال ثانياً.
٢ . يعتقدون بأنه لا مجال للقيم الأخلاقية والإنسانية، حيث أن أساس التعامل بين الناس هو المصلحة بينهم.
٣ . يعتقدون أن الحقائق والقيم الأخلاقية نسبية متغيرة بحسب الزمان والمكان .
٤ . ينظرون إلى الدين بنظرة الاستهتار إذ يرون أن فائدته تكمن في المنفعة العينية التي تنتج عنه. ٥ . يعتقدون أنه عند تعارض آراء الإنسان وأفكاره، كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو
الذي تنهض التجربة العملية دليلاً على فائدته.
٦ . يعتقدون أن العقل لخلق كأداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب
المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.
يرون أن الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع وما يؤدي إليه من كمال، بما فيه من تنظيم وحيوية.
٨ . يقولون أن المبادئ البشرية والذكاء البشري يعبران عن الواقع الذي يعيشه البشر، وعلى هذا فهي
تنبذ الماضي، وتقف ضد كل ما هو قديم ثابت.
٩ . يؤمنون بأن الشيء النافع أو المفيد بطريقة عملية هو فقط الشيء الحقيقي أو الذي يجب وضعه في الاعتبار.
. يعتقدون أن ما يمكن وصفه بالحقيقي هو ما يمكن أن يساهم في جعل أكثرية البشر في حالة جيدة لأطول فترة زمنية ممكنة.
۱۱. ينفون المعاني العقلية الراسخة والتصورات والمعتقدات المسبقة، بزعم أنها وحدها هي الصحيحة دون ما عداها، وإنما ترتبط هذه الأشياء بالواقع التجريبي، وتنظر بعين الاعتبار إلى ما هو نفعي له .
١٢. يقيسون صحة المفاهيم والقيم والمعتقدات الواقعية بما حققته من عائد نفعي على الإنسان .
۱۳ . يؤمنون بأن التفكير ليس مجرد عملية تلقائية، لأنه لا وجود له إلا حيث تكون هناك حاجة ومناسبة
تدعو إليه، ومقياس نجاحه هو في مقدار قدرته في التغلب على المشكلة أو قدرته على أن يبدد الشك و الحيرة

: سابعا : موقف الإسلام من البرجماتية

الإسلام يرفض البراجماتية جملة وتفصيلاً، وذلك لما اشتملت عليه من الأفكار والمعتقدات التي تخالف
دين الإسلام وتناقضه، ولعل من أهم ما ينتقده عليهم ما يأتي :

1. زعمهم بأن أساس صحة الأعمال وحسنها أو قبحها إنما يكون من خلال النتائج النفعية المترتبة عليها، بمعنى أن الخير يكون خيراً إذا كان نافعاً، وإن لم يكن نافعاً فهو ليس بخير، بينما الخير في

الإسلام يحدد بالشرع ويستمد إلزامه منه، حتى وإن قصر العقل عن إدراكه، قال تعالى: كتب

عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهُ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ] [البقرة: ٢١٦] ، وليس ذلك فحسب بل قد يكون في الأمر نفعاً ويحرمه الشرع؛ لترجح مفسدته على منفعته، قال تعالى : [ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ

وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ] [البقرة : ٢١٩].

٢. قولهم أن صميم الدين كائن في العاطفة والشعور الديني، وليس في ما يشتمل عليه من المعتقدات أو الفرائض الشرعية، بمعنى إخضاع الاعتقاد بالدين أو رفضه للحالة المزاجية للإنسان، بينما يرى الإسلام أن الدين هو الاساس الذي تتبعه العاطفة، وتتقيد به، حتى لا تحيد فتتحول إلى هوى كما هو واقع

حالهم، قال تعالى وقد بين فساد قولهم : [ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن

فيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ] [المؤمنون: ٧١].

مناداتهم بتجاهل الماضي، بينما يدعو الإسلام إلى الاعتبار بالماضي، عن طريق أخذ العظة والعبرة بما

حل بالأمم السابقة، وأخذ الدروس منها للاستفادة في الحاضر والمستقبل، قال تعالى: [ أَفَلَمْ يَهْدِهُم

كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى [ طه : ۱۲۸].

. قولهم بنسبية الأخلاق والقيم وأنه ينبغي تجاهلها، في حين أن الإسلام يقرر ثبات القيم وفطريتها، قال

صلى الله عليه وسلم : "النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا " (١٥٤) ،

كما أنه أثنى على أصحابها وحث على اكتسابها، قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا (١٥٥).
ثامناً: مواقع نفوذ البراجماتية وأماكن الانتشار
تأسس المذهب في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل منها إلى أوروبا وانتشر في بريطانيا بشكل خاص .