خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
يُحدِّدُ هذا النَّصُّ قواعدٍ في صفاتِ اللهِ تعالى، مُؤكِّدًا على أنَّها صفاتُ كمالٍ خاليةٌ من النقص. يُستدلُّ على ذلك بالسمع والعقل والفطرة، مُبيِّنًا بطلانَ وصفِ اللهِ بالنقص كما في الآيات الكريمة التي تُنفي عن الأصنامِ الكمال. يُبيِّنُ أيضًا أنَّ الصفات التي تُعَدُّ كمالًا في بعضِ الأحوال، ونقصًا في أخرى، لا تُثبتُ ولا تُنفى مطلقًا، بل تُفصَّلُ بحسب الحال، كالمكر والكيد والخديعة التي تُعَدُّ كمالًا في مواجهةِ من يُعامِلُ اللهَ بمثلها. ثمَّ يُفصِّلُ النصُّ بين الصفات الثبوتية، وهي ما أثبتها اللهُ لنفسه في كتابه أو على لسانِ رسوله، والصفات السلبية، وهي ما نفاه اللهُ عن نفسه. يُشدِّدُ على وجوبِ إثباتِ الصفات الثبوتية ونفي السلبية مع إثباتِ ضدِّها، مُوضِّحًا أنَّ النفي قد يُضمِنُ الكمال. كما يُبيِّنُ أنَّ الصفات الثبوتية صفاتُ مدحٍ وكِمالٍ، وأنَّ الصفات السلبية تُذكرُ غالبًا لبيانِ عُمومِ كمالِه أو نفي ما ادَّعاه الكاذبون أو دفعِ وهمِ نقصٍ. أخيرًا، يُقسمُ الصفاتِ النبوية إلى ذاتية وفعليَّة، مُشدِّدًا على ضرورةِ التحلِّي عن التمثيل والتكييف في إثباتِ الصفات، مُؤكِّدًا على توقيفيَّةِ الصفات، وأنَّها تُثبتُ بما دلَّ عليه الكتابُ والسنة.
قواعِدُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى
القَاعِدَةُ الأُولَى صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، لَا نَقْصَ فِيهَا بِوَجْهِ مِنَ الوجوه، كالحياة ، والعِلْمِ، والقُدرَةِ، والسَّمْعِ، والبَصَر، والرَّحْمَةِ، والعِزَّةِ، والحِكْمَةِ، والعُلُو، والعَظَمَةِ ، وغيرِ ذَلِكَ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هذا السمع، والعقل، والفطرة.
أَمَّا السَّمْعُ فَمِنْهُ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النحل : ٦٠] ، والمثلُ الأَعْلَى هُوَ الوصْفُ الأَعْلَى.
وأَمَّا العَقْلُ فَوَجْهُهُ: أَنَّ كُلَّ مَوجُودٍ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ صِفَةٌ، إِمَّا صِفَةُ كمال، وإمَّا صفَةُ نَقْصٍ، والثَّانِي بَاطِلُ بالنِّسبَةِ إِلَى الرَّبِّ الْكَامِلِ الْمُسْتَحِقِّ للعِبَادَةِ، ولهذا أظهَرَ اللهُ تَعَالَى بُطَلَانَ أُلوهِيَّةِ الأَصْنَامِ باتِّصَافِهَا بِالنَّقْصِ وَالعَجْزِ، فَقَالَ تَعَالَى:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَابِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف: ٥]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتُ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل: ٢٠-٢١]، وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يَحْتَجٌ عَلَى أَبِيهِ : يَتَأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا [مريم: ٤٢]، وعَلَى قومِهِ : أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أَنِّي لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: ٦٦-٦٧].
ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بالحِسٌ والمُشاهَدَة أَنَّ للمخْلُوقِ صِفَاتِ كَمَالٍ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ تعَالَى، فَمُعطِي الكَمَالِ أُولَى بِهِ.
وأما الفِطْرَةُ فَلأَنَّ النُّفوسَ السَّلِيمَةَ مَجبُولَةٌ مَفطُورةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وتعظيمه وعبادَتِهِ، وهَلْ تُحِبُّ وتُعظَّمُ وتَعبُدُ إِلَّا مَنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الكَمَالِ اللَّائِقَةِ بربوبيَّتِهِ وأُلوهِيَّتِهِ ؟!
وإِذَا كَانَتِ الصِّفَةُ نَقْصًا لَا كَمَالَ فِيهَا فَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَالمَوْتِ، والجَهْلِ، والنِّسيَانِ، وَالعَجْزِ، والعَمَى، وَالصَّمَمِ، وَنَحْوِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: ٥٨]، وقولِهِ عَنْ مُوسَى: ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى﴾ [طه: ٥٢]، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [فاطر: ٤٤]، وقوله: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَنَهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: ٤٨٠ ، وقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الدَّجَّالِ: «إِنَّهُ أَعْورُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْور)، وقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ، (۲) وَلَا غَائِبًا» (٢) .
وَقَدْ عَاقَبَ اللهُ تَعَالَى الوَاصِفِينَ لَهُ بِالنَّقْصِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: ٦٤]، وقوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٌّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: ١٨١].
ونزه نفسَهُ عَمَّا يَصِفُونَهُ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ ، فَقَالَ سَبحَانَهُ: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ )) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: ۱۸۰ - وقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ لهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهِ إِذَا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَيْهِم بِمَا ،[١٨٢ خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: ٩١].
وإِذَا كَانَتِ الصِّفَةُ كَمَالًا فِي حَالٍ، ونَقْصَا فِي حَالٍ، لم تَكُنْ جَائِزَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ، ولَا مُمْتَنِعَةٌ عَلَى سَبِيلِ الإطْلَاقِ، فَلَا تُثَبَتُ لَهُ إِثْباتًا مُطلَقًا، ولا تُنفَى عنه نفيًا مُطلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفصيل : فَتَجُوزُ فِي الحَالِ الَّتِي تَكُونُ كَمَالًا، وَتَمْتَنِعُ فِي الحَالِ الَّتِي تَكُونُ نقصا، وذلِكَ كالمَكْرِ ، والكَيْدِ، والخِدَاعِ ، ونحوهَا، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ تَكُونُ كَمَالًا إِذَا كَانَتْ فِي مُقابَلَةِ مَنْ يُعامِلُونَ الفَاعِلَ بِمِثْلِهَا؛ لأنَّهَا حِينَئِذٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهَا قَادِرٌ عَلَى مُقَابَلَةِ عَدُوِّهِ بمثلِ فعلِهِ أو أشدَّ ، وتَكُونُ نقصا في غير هذه الحال، ولهذا لم يَذْكُرْهَا اللهُ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى سَبِيلِ الإطْلَاقِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي مُقابِلَةِ مَنْ يُعامِلُونَهُ وَرُسُلَهُ بِمِثْلِهَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال: ٣٠]، وقوله: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: ١٥-١٦]، وقوله: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِنَايَتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينُ ﴾ [الأعراف: ۱۸۲-۱۸۳]، وقوله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ * [النساء : ١٤٢]، وقوله: قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ١٤
[البقرة: ١٤-١٥].
ولهذا لَمْ يَذكُرِ اللَّهُ أَنَّهُ خَانَ مَنْ خَانُوهُ ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: ٧١]، فَقَالَ: ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ، ولَمْ يَقُلْ : «فَخَانَهُمْ»؛ لأنَّ الخِيانَةَ خدعَةٌ فِي مَقَامِ الاحْتِمَانِ، وَهِيَ صِفَةُ ذَمِّ مُطلَقًا.
وبِذَا عُرِفَ أَنَّ قولَ بَعْضِ العَوَامٌ: «خَانَ اللَّهُ مَنْ يَخُونُ مُنكَرُ فَاحِشُ، يَجِبُ النَّهِي عَنْهُ.
القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَابُ الصِّفَاتِ أَوسَعُ مِنْ بَابِ الأَسْمَاءِ، وَذَلِكَ لأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مُتضمِّن لِصِفَةٍ - كَمَا سَبَقَ فِي القَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ قَواعِدِ الأَسْمَاءِ - وَلأَنَّ مِنَ الصَّفَاتِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى، وأفعَالُهُ لا مُنتَهَى لَهَا ، كَمَا أَنَّ أَقوالَهُ لَا مُنتَهَى لَهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ، سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: ٢٧].
ومِنْ أمثلَةِ ذَلِكَ : أَنَّ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى: المَجِيءَ، والإتيان، والأخْذَ، والإمساك، والبَطْشَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكِ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تُحصَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾ [الفجر: ٢٢] ، وَقَالَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ﴾ [البقرة: ٢١٠]، وَقَالَ: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران:۱۱]، وَقَالَ: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [الحج: ٦٥]، وَقَالَ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدُ [البروج: ١٢]، وقَالَ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: ١٨٥]، وقَالَ النَّبِيُّ : يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا » (١) ، فَنَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِهَذِهِ الصَّفَاتِ عَلَى الوَجْهِ الوَارِدِ، وَلَا نُسَمِّيهِ بِهَا ، فَلَا تَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ: الجَائِي، وَالْآتِيَ، والآخِذَ، والمُمسِكَ، والبَاطِشَ، والمريد، والنَّازِلَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا نُخْبِرُ بِذَلِكَ عنْهُ، وَنَصِفُهُ بِهِ.
القَاعِدَةُ الثَّالثَةُ : صِفَاتُ اللهِ تَعَالَى تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَينِ : ثُبوتِيَّةٌ، وَسَلبيَّةٌ.
فالثبوتِيَّةُ: مَا أَثْبَتَهُ اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ، وَكُلُّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، لَا نَقْصَ فِيهَا بِوَجْهِ مِنَ الوُجُوهِ ، كالحَيَاةِ، والعِلْمِ، والقُدرَةِ، والاستِوَاءِ عَلَى العَرْشِ ، والنُّزولِ إِلَى السَّماءِ الدُّنيا، والوجه، واليَدَينِ، ونحْوِ ذَلِكَ، فَيَجِبُ إثباتها للهِ تَعَالَى حقيقَةٌ عَلَى الوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ بَدَلِيلِ السَّمَعِ والعَقْلِ:
أَمَّا السَّمْعُ فَمِنْهُ قُولُهُ تَعَالَى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: ١٣٦]، فالإيمَانُ بِاللهِ يتضمَّنُ الإِيمَانَ بصِفَاتِهِ ، والإِيمَانُ بِالكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ يَتَضمَّنُ : الإِيمَانَ بكُلِّ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَكَونُ محمَّد ﷺ رسولَهُ يَتَضمَّنُ : الإِيمَانَ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ مُرْسِلِهِ، وَهُوَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ.
وأمَّا العَقْلُ فلأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا مِنْ غيرِهِ، وأَصدَقُ قِيلًا، وأحسَنُ حَدِيثًا مِنْ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ إِثْبَاتُهَا لَهُ كَمَا أَخْبَرَ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَردُّد؛ فَإِنَّ التَّردُّدَ فِي الخَبَرِ إِنَّمَا يَتَأَنَّى حِينَ يَكُونُ الخَبَرُ صَادِرًا تَمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الجَهْلُ، أَوِ الكَذِبُ، أو العِيُّ بحيث لا يُفصِحُ بِمَا يُرِيدُ، وَكُلُّ هَذِهِ العُيوبِ الثَّلَاثَةِ ممتَنِعَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ، فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وهكذا نقُولُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْلَمُ النَّاسِ بربه، وأَصْدَقُهُم خَبَرًا، وأنصَحُهُم إرادة، وأفصحُهُم بَيَانًا، فَوَجَبَ قَبُولُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.
والصِّفَاتُ السَّلبيَّةُ : مَا نَفَاهَا اللهُ ُسبحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ، وَكُلُّها صِفَاتُ نَقْصٍ فِي حَقِّهِ، كالموت، والنَّومِ، والجَهْلِ، والنِّسيَانِ، والعَجْزِ، والتَّعَبِ، فَيَجِبُ نفيها عَنِ اللهِ تَعَالَى - لِمَا سَبَقَ - مَعَ إِثْبَاتِ ضِدَّهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وَذَلِكَ لأَنَّ مَا نَفَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ: بَيَانُ انتِفَائِهِ؛ لثُبوتِ كَمَالِ ضِدِّهِ، لَا مُجرَّدِ نَفْيِهِ؛ لأنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِكَمَالٍ إِلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ مَا يَدُلُّ عَلَى الكَمَالِ، وذَلِكَ لأَنَّ النَّفِي عَدَمُ، والعَدَمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فضلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا، ولأَنَّ النَّفْيَ قَدْ يَكُونُ لِلعَدَمِ قَابِليَّةِ المَحَلَّ لَهُ ، فَلَا يَكُونُ كَمَالًا، كَمَا لَوْ قُلْتَ: الجِدَارُ لَا يَظْلِمُ. وَقَدْ يَكُونُ للعَجْزِ عَنِ القِيَامِ بِهِ ، فَيَكُونُ نَقْصًا، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ ) :
قبَيَّلَةٌ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ
وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
وقول الآخرِ (۲) :
لَكِنَّ قَوْمِي وَإِنْ كَانُوا ذَوِي حَسَبٍ
لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا
مثَالُ ذَلِكَ : قولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: ٥٨]، فَنَفْي المَوتِ عَنْهُ يَتضمَّنُ كَمَالَ حَيَاتِهِ.
مثال آخَرُ: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: ٤٩]، نَفْيُّ الظُّلْمِ عَنْهُ يَتضَمَّنُ كَمَالَ عَدْلِهِ.
مثَالُ ثَالِثُ : قولُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي
الْأَرْضِ ﴾ [فاطر: ٤٤]، فَنَفْيُّ العَجْزِ عَنْهُ يَتضمَّنُ كَمَالَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ ولهذا قَالَ بَعْدَهُ:
إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) ؛ لأَنَّ العَجْزَ سَبَبُهُ: إِمَّا الجَهْلُ بأَسبَابِ الإِيجَادِ، وَإِمَّا قُصُورُ القدرة عنْهُ، فَلِكَمالِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى وقُدرَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِيُعْجِزَهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ.
وبهذا المثالِ عَلِمْنَا أَنَّ الصَّفَةَ السَّلبَيَّةَ قَدْ تَتَضَمَّنُ أَكْثَرَ مِنْ كَمَالٍ.
القَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ : الصَّفَاتُ الثَّبوتِيَّةُ صِفَاتُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ، فَكُلَّمَا كَثُرَتْ وَتَنَوَّعَتْ دَلَالَا تُهَا ظَهَرَ مِنْ كَمَالِ المَوصُوفِ بِهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ ، ولهذا كَانَتِ الصِّفَاتُ النُّبُوتِيَّةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ السَّلبِيَّةِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
أَمَّا الصِّفَاتُ السَّلبَيَّةُ فَلَمْ تُذكَرْ غَالِبًا إِلَّا فِي الأَحْوَالِ التَّالِيَةِ :
الأُولَى: بَيَانُ عُمُومِ كَمَالِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
[الشورى: ١١]، ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : ٤].
الثَّانِيَةُ : نَفْيُّ مَا ادَّعَاهُ فِي حَقِّهِ الكَاذِبُونَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: ٩١-٩٢].
الثَّالِثَةُ : دَفْعُ تَوهُم نَقْصٍ مِنْ كَمَالِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بهذا الأَمْرِ الْمُعَيَّنِ، كَمَا فِي قَولِهِ :
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ [الأنبياء : ١٦]، وقوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُغُوبٍ ﴾ [ق:٣٨].
القَاعِدَةُ الخَامِسَةُ : الصِّفَاتُ النُّبُوتِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى قسمين : ذَاتِيَّةٍ وفعليَّة:
فالذَّاتِيَّةُ : هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُتَّصِفًا بها، كالعِلْمِ، والقُدرَةِ، والسَّمْعِ،
والبَصَرِ ، والعِزَّةِ، والحِكْمَةِ، والعُلو، والعظَمَةِ.
ومِنْهَا : الصِّفَاتُ الخبريَّةُ، كالوَجْهِ، واليَدَينِ، والعَينَينِ.
والفعلية: هِيَ الَّتِي تَتعلَّقُ بِمَشيئَتِهِ، إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْهَا، كالاستواء عَلَى العَرشِ، والنُّزولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
وقد تكونُ الصِّفَةُ ذاتية فعلية باعتبارين، كالكَلَامِ، فَإِنَّهُ باعتبار أصلِهِ صفَةٌ ذاتية؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُتَكَلَّها، وباعتبارِ آحَادِ الكَلَامِ صِفَةٌ فعليَّةٌ؛ لأنَّ الكَلَامَ يَتعلَّق بمشيئَتِهِ ، يَتَكَلَّمُ مَتَى شَاءَ بِمَا شَاءَ، كَمَا فِي قُولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [يس: ٨٢].
وكُلُّ صِفَةٍ تعلَّقَتْ بمشيئَتِهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِحِكْمَتِهِ، وَقَدْ تَكُونُ الحِكْمَةُ مَعْلُومَةً لَنَا، وَقَدْ نَعجزُ عَنْ إدراكِهَا ، لكننا نعلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُ سَبحَانَهُ لَا يَشَاءُ شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ مُوافِقُ للحِكْمَةِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان: ٣٠].
القَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: يَلزَمُ فِي إِثْبَاتِ الصَّفَاتِ التَّحْلِّي عَنْ مَحَذُورَينِ عَظِيمَينِ: أحدهما: التمثيل، والثَّانِي: التكييف.
فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فَهُوَ اعْتِقَادُ المُثبِتِ أَنَّ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مُمَائِلٌ لِصِفَاتِ المخلوقِينَ، وهذا اعتقَادُ بَاطِلٌ بِدَلِيلِ السَّمْعِ والعَقْلِ.
أما السَّمْعُ فَمِنْهُ : قولُهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١]، وقَولُهُ: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ١٧]، وقوله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سميًّا [مريم: ٦٥] ، وقولُهُ: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : ٤].
وأَمَّا العَقْلُ فَمِنْ وُجُوهِ:
الأَوَّلُ : أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بالضَّرُورَةِ أَنَّ بَيْنَ الخَالِقِ والمَخْلُوقِ تَبَايُنَا فِي الذَّاتِ، وهذا يَسْتَلْزِمُ أَن يَكُونَ بينَهُمَا تَبايُنٌ فِي الصَّفَاتِ؛ لأَنَّ صِفَةَ كُلِّ مَوصُوفٍ تَلِيقُ بِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ فِي صِفَاتِ المَخْلُوقَاتِ المُتبَايِنَةِ فِي الدَّواتِ، فقوَّةُ البَعِيرِ - مَثَلًا - غيرُ قَوَّةِ الذَّرَّةِ، فإِذَا ظَهَرَ التَّبايُنُ بَيْنَ المَخْلُوقَاتِ مَعَ اشْتِرَاكِهَا فِي الإِمْكَانِ والحُدُوثِ فَظُهُورُ التَّبايُن بينها وبينَ الخَالِقِ أَجْلَى وأَقْوَى.
الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ الرَّبُّ الخَالِقُ الكَامِلُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ مُشَابَهَا في صِفَاتِهِ للمخلوقِ المربُوبِ النَّاقِصِ المُفتَقِرِ إِلَى مَنْ يُكَمِّلُهُ؟ وَهَلِ اعتقَادُ ذَلِكَ إِلَّا تَنقُصُ لحقِّ الخَالِقِ ؟! فَإِنَّ تَسْبِيهَ الكَامِلِ بِالنَّاقِصِ يَجْعَلُهُ نَاقِصًا.
الثَّالِثُ : أَنَّنَا نُشَاهِدُ في المخلُوقَاتِ مَا يَتَّفِقُ في الأسماء ويَختَلِفُ في الحقيقة والكيفية، فتُشَاهِدُ أَنَّ للإِنسَانِ يَدًا لَيْسَتْ كَيْدِ الفِيلِ، وَلَهُ قُوَّةٌ لَيْسَتْ كَقُوَّةِ الْجَمَلِ، مَعَ الاتِّفَاقِ فِي الاسْمِ، فَهَذِهِ يَدٌ وهَذِهِ يَدٌ، وَهَذِهِ قُوَّةٌ وهَذِهِ قَوَّةٌ، وبينَهُما تَبايُنٌ في الكيفية والوَصْفِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ : أنَّ الاتَّفَاقَ فِي الاسْمِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الاتَّفَاقُ في الحقيقة.
والتشبيه كَالتَّمْثِيلِ، وقَدْ يُفَرَّقُ بينَهُما بأنَّ التَّمْثِيلَ التَّسْوِيَةُ فِي كُلِّ الصِّفَاتِ، والتشبيه التسوية في أكْثَرِ الصَّفَاتِ، لكِنَّ التَّعبيرَ بنَفْيِ التَّمْثِيلِ أَوْلَى؛ مُوافَقَةِ القُرآنِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١].
وأما التكييف فهُوَ أَنْ يَعتَقِدَ المُثبِتُ أَنَّ كيفيَّةَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقيِّدَها بِمُمائِلٍ، وَهذَا اعْتِقَادُ بَاطِلٌ بِدَلِيلِ السَّمْعِ والعَقْلِ :
أَما السَّمْعُ فَمِنْهُ: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: ١١٠]، وقولُهُ:
وَلَا نَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَبِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) [الإسراء:٣٦]، ومِنَ المَعلُومِ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَنَا بكيفيَّةِ صِفَاتِ رَبِّنَا؛ لأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنَا عَنْهَا، وَلَمْ يُخْبِرْنَا عَنْ كَيْفِيَّتِهَا ، فَيَكُونُ تَكييفنَا قَفْوًا لِمَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ، وَقَولًا بِمَا لَا يُمْكِنُنَا الإحَاطَةُ بِهِ.
وأما العقلُ فَلأَنَّ الشَّيْءَ لَا تُعرَفُ كيفيَّةُ صِفَاتِهِ إِلَّا بَعْدَ العِلْمِ بكيفيَّةِ ذَاتِهِ، أَوِ العِلْمِ بِنَظِيرِهِ المُساوِي لَهُ، أَوْ بِالخَبَرِ الصَّادِقِ عَنْهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الطُّرقِ مُنتفِيَةٌ فِي كيفيَّةِ صِفَاتِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ، فَوَجَبَ بُطَلَانُ تكييفها .
وأيضًا فَإِنَّنَا نَقُولُ : أَيُّ كيفيَّةٍ تُقدِّرُهَا لِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ؟! إِنَّ أَيَّ كيفيَّةٍ تُقدِّرُهَا في ذِهْنِكَ فاللهُ أعظم وأجلَّ مِنْ ذَلِكَ، وأيُّ كيفية تُقدِّرُهَا لِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّكَ ستَكُونَ كَاذِبًا فِيهَا؛ لأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَكَ بذَلِكَ، وحينَئِذٍ يَجِبُ الكَفُّ عَنِ التَّكْبِيفِ؛ تَقْدِيرًا بالجَنَانِ، أَوْ تَقْرِيرًا بِاللَّسَانِ، أَوْ تَحْرِيرًا بالبَنَانِ.
ولهَذَا لَمَّا سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه:٥]: كَيْفَ اسْتَوَى ؟ أَطْرَقَ رَحِمَهُ اللهُ بِرأْسِهِ حَتَّى عَلَاهُ الرُّحَضَاءُ - العَرَقُ - ثُمَّ قَالَ: «الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، والكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولِ، وَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ) ، ورُوِيَ عَنْ شِيخِهِ ربيعة أيضًا: «الاستِوَاءُ غَيْرُ مجهول، والكَيْفُ غَيْرُ معقول ) ، وقَدْ مَشَى أَهْلُ العِلْمِ بعدَهُمَا عَلَى هذا الميزَانِ، وَإِذَا كَانَ الكَيْفُ غَيْرَ
معقول، ولم يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ ، فَقَدِ انْتَفَى عَنْهُ الدَّلِيلَانِ : العقلِيُّ، والشَّرعيُّ، فَوَجَبَ الكف عنه.
فالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ التَّكييفِ أَوْ مُحاوَلَتِهِ فَإِنَّكَ إِن فَعَلْتَ وقَعْتَ فِي مَفَاوِزَ لَا تَسْتَطِيعُ الخَلَاصَ مِنْهَا ، وإِنْ أَلقَاهُ الشَّيْطَانُ في قَلْبِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ نَزَغَاتِهِ، فَالجَأْ إِلَى رَبِّكَ؛ فَإِنَّهُ مَعَاذُكَ، وافْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ طَبِيبُكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: ٣٦].
القَاعِدَةُ السَّابِعَةُ : صِفَاتُ اللهِ تَعَالَى تَوقيفيَّةٌ ، لَا تَجَالَ لِلعَقْلِ فِيهَا، فَلَا نُثَبِتُ اللَّهِ تعَالَى مِنَ الصَّفَاتِ إِلَّا مَا دَلَّ الكِتَابُ والسُّنَّةُ عَلَى ثُبوتِهِ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «لَا يُوصَفُ اللهُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أو وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، لَا يُتجَاوَزُ القُرآنُ والحديث» (١) ، انظر : القاعِدَةَ الخَامِسَةَ في الأسماء ().
ولدَلَالَةِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الصِّفَةِ ثَلاثَةُ أَوجُهِ:
الأول: التصريح بالصّفَةِ، كالعِزَّة، والقُوَّةِ، والرَّحمَةِ، والبطش، والوجه، واليدين، ونحوها.
الثَّانِي: تَضَمُّنُ الاسْمِ لَهَا ، مثل : (الغَفُورُ) مُتضمِّنُ للمغفِرَةِ، و(السَّمِيعُ) متضمن للسَّمْعِ، ونحو ذَلِكَ، انظُرِ القَاعِدَةَ الثَّالثَةَ فِي الأسماء .
الثَّالِثُ : التصريح بفِعْلٍ أو وَصْفٍ دال عَلَيْهَا، كالاسْتِوَاءِ عَلَى العَرْشِ،
والنزول إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، والمَجِيء للفَصْلِ بَيْنَ العِبَادِ يومَ القِيامَةِ، والانتقامِ مِنَ المجرمِينَ، الدَّالُ عَلَيْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ - قَولُهُ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه:٥]، وقولُ النَّبِيِّ ﷺ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا...» الحَدِيثَ ، وَقَولُ اللهِ تعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفَا [الفجر: ۲۲] ، وقولُهُ: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: ٢٢].
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
العين 27 يناير 1950.ً زايد، نحتاج إلى المال، ويلزمنا خصوصاً معدات للقيام بأعمال الحفر. أخشى ألا نتمك...
بالطبع، هذا هو النص المكتوب من الصورة التي أرسلتها: --- مفهوم كلمة (أدب): قبل الحديث عن معنى (ال...
يتبادر أحياناً إىل أذهاننا عندما نش يإىل سيكولوجية التـدريب أن نتـساءل ماذا تعلمنـا، ولمـاذا، وكيـف ...
يتبادر أحيانا إلى أذهاننا عندما تشير إلى سيكولوجية التدريب أن نتساءل ماذا تعلمنا، ولماذا، وكيف ؟، فإ...
خصائص الشمس • تحوي الشمس معظم كتلة النظام الشمسي وتتسم بالكثیر من السمات كغیرھا من النجوم. • تبعد ا...
The package: On the package you can find a Jabena, a brewing method used in Ethiopia. Ethiopia has a...
وظيفة **"التدريب والتطوير"**: تهتم بتعزيز مهارات الموظفين وتطوير أدائهم من خلال برامج تدريبية مخصص...
المقدمة في مواجهه الحياه المعقده في عصرنا الحالي ففي سبيل القيام في المسؤوليه والوظائف يحتاج الناس ...
The Otto cycle is an air-standard cycle which approximates the processes in petrol or diesel engines...
الفصل الأول: الإطار النظري للدراسة المبحث الأول: التكنولوجيا الرقمية والإدارة المالية مفهوم التكنولو...
المنطقة الشرقية تُعتبر من أهم المناطق عندنا في المملكة، سواء من ناحية موقعها الاستراتيجي، أو من ناحي...
قواعِدُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى القَاعِدَةُ الأُولَى صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا صِفَاتُ...