لخّصلي

حفل العصر السلجوقي بطائفة من مشهوري النحاة، نخص بالذكر منهم أبا البركات عبد الرحمن الأنباري (ت ‎٥٧٧‏ ه). وقد رحل إلى بغداد في صباه وقضى بقية حياته فيها، وتلقى العلم بالمدرسة النظامية، ودرس اللغة على أبي منصور الجواليقي ونبغ في الأدب . وقد عهد إليه بتدريس النحو بالمدرسة النظامية، وصنف فيه كتاب «أسرار العربية» وكتاب الميزان».‏
ومن مشهوري النحاة أبو نزار البغدادي. وكان من المبرزين في النحو حتى صار «أنحى طبقته». وكان يعجب بنفسه حتى لقد لقب نفسه ملك النحاة، وكان يسخط على من يخاطبه بغير هذا اللقب. وقد تلقى أبو نزار الحديث وأصول الدين والفقه وعلم الكلام على أئمة زمانه، وأخذ النحو على القصبجي الذي أخذه على عبد القادر الجرجاني. ثم رحل أبو نزار إلى جرجان وكرمان وغزنة ثم إلى الشام، واتخذ مدينة دمشق موطنا له وتوفي بها سنة 568 ه.
ومن مشهوري النحاة أيضا ابن الدهان، وكان يسمى (سيبويه»‏ عصره. وقد وضع كثيرآ من المصنفات القيمة في النحر، منها وشرح الإيضاح والتكملة» ويقع في ثلاثة وأربعين مجلداً و (الفصول الكبرى» و (الفصول الصغرى». كما شرح كتاب (اللمع» لابن جني (بكسر الجيم والنون مع التشديد) في مجلدين وسماه (الغرة). وألف في النحو كتاب (العروض» وكتاب (الدروس» وكتاب «الرسالة السعيدية في المآخذ الكندية» (ويشتمل على سرقات المتنبي كما ذكر ابن خلكان). كما ألف ابن الدهان كتاب «زهر الرياض» في سبعة مجلدات، وكتاب «الغنية في الطاء والظاء»، وكتاب االعقود في المقصور والممدود والراءم، وكتاب (الغنية في الأضداد).
وقد عاصر ابن الدهان كثير من أئمة النحاة كالجواليقي، وابن الخشاب، واشتهر في النحو وبرز فيه حتى كان العلماء يفضلونه على هؤلاء النحاة مع ذيوع شهرتهم في هذا المضمار.
ترك ابن الدهان بغداد إلى الموصل، فتلقاه الوزير جمال الدين بالقبول وأحسن إليه، ولكن كتبه التي خلفها ببغداد قد تلفت بسبب فيضان دجلة ووصول مائه إلى داره. وما حملت هذه الكتب إلى ابن الدهان على هذه الصورة، أشير عليه بإصلاح ما أمكن إصلاحه منها، فقام تبخيرها بنفسه بثلاثين رطلا من اللاذن، فصعد البخار إلى رأسه وعينيه حتى قيل إن ذلك أفقده بصره، ولم يحل ذلك دون انتفاع الطلاب بتصانيفه .
وكان ابن الدهان فوق تفوقه في النحو ينظم الشعر، كما كان ابنه أبو زكريا يحيى بن سعيد أديبا شاعرا.
وقد. توني ابن الدهان بالموصل سنة ‎569 ه.
ومن أئمة النحو في هذا العصر ابن الخشاب البغدادي، وكان متبحرا في النحو والأدب والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب والقراءات، كما اشتهر بجودة الخط. وقد شرح كتاب (الجمل» لعبد القادر الجرجاني وسماه (المرتجل في شرح الجمل»، كما شرح كتاب «اللمع» لابن جني (ولم يكملها) وتوفي سنة ‎٥٦٧‏ .
وقد أخذ النحو على ابن الخشاب: أبو البقاء (الضرير) العكبري الأصل البغدادي المولد والدار. وقد اشتهر بالفقه على المذهب الحنبلي، كما اشتهر بالحساب والفرائض، وأخذ النحو على ابن الخشاب وغيره من أئمة النحو في عصره. ووضع أبو البقاء كتبا قيمة في النحو وشرح كتاب (الإيضاح» لأبي علي الفاسي. كما شرح ديوان المتنبي. وألف من الكتب النافعة كتاب إعراب القرآن الكريم (في مجلدين)؛ و «إعراب الحديث» و(شرح اللمع» لابن جني و (اللباب في علل النحو) و (إعراب شعر الحماسة» لأبي تمام، و«شرح المفصل» للزمخشري، و (الخطب النباتية» و (المقامات الحريرية)، وكذلك ألف في النحو والحساب وانتفع به الطلاب وذاع اسمه في البلاد.
وتوفي أبو البقاء سنة 616 ه.
ومن أثمة النحو أبو البقاء ويعرف بابن الصائغ. وكان موصلي الأصل. ولد بحلب ونشأ بها وأخذ العلم فيها وفي دمشق والموصل وبغداد وغيرها. واتصل به عدد من جلة علماء عصره مثل بهاء الدين بن شداد قاضي حلب وصاحب كتاب (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» (ت 632 - 1234)‏ وابن الأثير (ت 630 - 1232)‏ صاحب كتابي (الكامل في التاريخ) و (أسد الغابة في تمييز الصحابة). وقد شرح أبو البقاء كتاب (المفصل» للزمخشري وكتاب تصريف الملوكي لابن جني، وتوني بحلب سنة ‎٦٤٣‏ ه.
وفي عهد بني نجاح في اليمن ظهر كثير من العلماء والشعراء والفقهاء. وكان الحسن بن أبي عباد إمام النحاة في عصره. وقد صنف في النحو مختصرا ذاع صيته في أوائل القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، كما كان الحسن من أئمة اللغة، وكذلك كان ابن أخيه إبراهيم من بعده.
ومن العلماء الذين ذاع صيتهم في هذا العصر أبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي القيرواني (وكان لغويا نحويا)، وأبو طاهر النحوي في عهد الخليفة الحاكم، وأبو يعقوب النجيرمي في عهد الخليفة الظاهر، وابن البركات (ت ‎٤٢٠‏ ه)، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن الأغلب، وقد صنف في النحو كتابا كبيرا، كما صنف في إعراب القرآن كتابا بقع في عشرة مجلدات. وكان فوق ذلك عالما بالتفسير واللغة، وتوفي في أوائل عهد الخليفة المستنصر.
ومن نحاة العصر الفاطمي أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ (ت ‎٤٦٩‏ ه). وقيل انه ديلمي الأصل، وكان إمام عصره في علم النحو. وقد صنف كثيرا من الكتب القيمة، نذكر من بينها: المقدمة، وشرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب الأصول لابن السراج. كما جمع وهو في عزلته طائفة كبيرة من المسائل النحوية قيل إنها لو نسخت لقاربت خمس عشرة مجلدة، وقد سماها النحاة الذين جاءوا بعده (تعليق الغرفة»، وقد انتقلت هذه التعاليق إلى تلميذه أبي عبد الله محمد بن بركات النحوي، ثم إلى صاحبه ابن بري (بفتح الباء وكسر الراء مع التشديد)، ثم إلى صاحبه أبي الحسين النحوي . وكان كل من هؤلاء النحاة المشهورين يعهد بها إلى تلميذه ويعهد إليه بحفظها .
ومن نحاة هذا العصر أيضا: إسماعيل بن خلف المتوفى سنة ‎٤٥٠‏ ه. وقد أتقن القراءات ونبغ في الأدب. وكان من أهل سرقسطة في شرقي الأندلس. ومن نحاة الأندلس أيضا: عبد الله البطليوسي، ومن مؤلفاته كتاب (الحلل في شرح أبيات الجمل» و(الحلل في أغاليط الجمل» و (شرح كتاب سقط الزند» (لأبي العلاء المعري)،‏ وكتاب (شرح‏ الموطأ» للإمام مالك، وقد أقام البطليوسي بمدينة بلنسية شرقي الأندلس، وأخذ عنه كثير من الطلاب، وكان يجيد نظم الشعر؛ فمن قوله في نظم العالم:
أخو العلم حي خالد بعد موته وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى يظن من الأحياء وهو عديم
وممن نبغ في النحو في الأندلس أبو الحجاج يوسف المتوفى سنة ‎٤٧٦‏ ه. وكان من أهل شنتمرية. وقد رحل إلى قرطبة واخذ العلم بها، وكان عالما باللغة حافظا للأشعار عالما بمعانيها حريصا على ضبطها وإتقانها. وقد قصده الطلاب من البلاد لأخذ العلم عنه. وقد كف بصره في آخر أيامه .
وقد شرح أبو الحجاج كتاب «الجمل» في النحو لأبي القاسم الزجاجي، وشرح أبيات الجمل في كتاب مفرد.
ومن أئمة نحاة الأندلس أيضا أبو علي عمر (بن محمد بن عبيد الله الأزدي) الشلوبيني، وكان إماما في علم النحو حتى كان أهل الأندلس يعتزون بعلمه ويقولون: (ما يتقاصر الشيخ أبو علي الشلوبيني عن الشيخ أي علي الفاسي)، وقد شرح الشلوبيني المقدمة الجزولية (في القراءات والنحو) شرحا موجزآ. ومن مؤلفاته في النحو كتابه الكبير (التوطئة» . وقد أقام الشلوبيني بإشبيلية مسقط رأسه. وذكر ابن خلكان أن الشلوبيني كان
خاتمة أئمة النحو في الأندلس.