لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (12%)

٦- وشاور عمر في تدوين الدواوين، وكان قد اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس في الأعطية، ١ انظر ص ١٩١ وما بعدها في هذا الكتاب. فبرهطه نبدأ، أنزلهم على قدر منازلهم من السوابق، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو" تدخل الأرض في البلاد المفتوحة عنوة في عموم الغنيمة التي قال الله فيها: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ١ وسد حاجة المعوزين من ووافق عمر على رأيه جماعة من الصحابة، وبلال، وقد حاول بعض الفقهاء تبرير فعل عمر كما رواه أبو يوسف في الخراج، لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} ١، وقد أورد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، إن رأي أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها، فذلك له، ١ الحشر: ٨- ١٠. أو نصفه إذا كانت تسقى بالسقاية. " فقال عمر: لا، فكان حكم عمر في السواد وغيره أن جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا، وحكى هذا القول ابن القيم عن جمهور الصحابة ورجحه، قال أبو عبيد: وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء، وذلك أن الوجهين جميعا داخلان فيه، وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم براد لفعل عمر، فهذه آية الغنيمة، وقال الله عز وجل: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فرأى عامتهم أن يقسم. ثم قال عمر رضي الله عنه: إني قد وجدت حجة. فكيف نقسم لهؤلاء وندع من تخلف بعدهم بغير قسم؟ فأجمع على تركه وجمع خراجه. حتى كان آخر إمره عمر فجلد أربعين، رواه البخاري وأحمد. واستخفوا العقوبة، استشار الصحابة كعادته في ذلك، ودعوى اجماع الصحابة غير مسلمة فقد جلد على الوليد بن عقبة أربعين، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ٢، والربا الذي كان معلوما في الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة، ولا خلاف فيه. والملح بالملح، " ١ هناتك: أشياؤك. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، عجز المسجد عن أهله، وكان الناس يقومون أوله" ١ لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ٦- الطلاق عند اختلاف الزوجين في الحرية والرق: وزيد بن ثابت وعمر وابن عباس: بأن الحرة تكون زوجة للعبد تحرم الحرمة المؤبدة بطلقتين، فعلى الحامل المتوفي عنها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، يقول غيرهم: إذا وضعت ذات بطنها فقد حلت. فتوفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل ابن بعكك، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم نفست، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق، " وأخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت، أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ طلقت طلقة بائنة، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فذكرت ذلك له؛ فقال: "ليس لك عليه نفقة ولا سكنى" . والثابت أنه ما كان للمطلقة المبتوتة نفقة ولا سكنى لا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر،


النص الأصلي

عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: "ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" ادفنوه في موضع فراشه.


وفي كتاب الجنائز من سنن أبن ماجه عن ابن عباس: لما اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون: يدفن في مسجده وقال قائلون يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض "."


٥- ومن القضايا التي اتفقوا عليها كذلك "جمع القرآن" فقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن قد جمع في مصحف واحد، وليس هناك من كتاب أو سنة ما يدل على جمعه، ولكن عمر رأي ضرورة ذلك بعد موقعة اليمامة كما ذكرنا من قبل، وظل يراجع أبا بكر حتى اقتنع بذلك، وصار هذا إجماعا من الصحابة١.


٦- وشاور عمر في تدوين الدواوين، وكان قد اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس في الأعطية، فلما جاء فتح العراق رأي التفضيل فيما بينهم بقدر بلاء الرجل وجهاده، واستشار في ذلك فأقره الصحابة.


يقول عمر: "ما من أحد إلا له في هذا المال، وما أنا فيه إلا كأحدهم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته" .


ويذكر المؤرخون أن عمر أراد آخر حياته أن يرجع إلى المساواة كما صنع أبو بكر، ومات قبل أن يفعل ذلك.


١ انظر ص ١٩١ وما بعدها في هذا الكتاب.


جاء في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، باب فرض الأعطية من الفيء ومن يبدأ به فيها، عن محمد بن عجلان، قال: لما دون لنا عمر الديوان قال: بمن نبدأ؟ قالوا: بنفسك فابدأ، قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامنا، فبرهطه نبدأ، ثم بالأقرب فالأقرب.


وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج، في فصل "كيف كان فرض عمر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم" أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقسم العطاء بين الناس بالسوية، على الصغير والكبير، والحر والمملوك والذكر والأنثى، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: يا خليفة رسول الله: إن قسمت هذا المال فوسيت بين الناس، ومن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فصلت أهل السوابق والفضل بفضلهم؟ فقال: أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفني بذلك، وإنما ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة، فلما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجاءت الفتوح، فضل، وقال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه، ففرض لأهل السوابق والقدم من المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا خمسة آلاف، ولمن لم يشهد بدرا أربعة آلاف، وفرض لمن كان إسلامة كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدرا دون ذلك، أنزلهم على قدر منازلهم من السوابق، وساق أبو يوسف الروايات التفصيلية الواردة في ذلك، ثم ذكر رواية محمد بن السائب عن زيد١ عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "والله الذي لا إله إلا هو ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه، وما أحد أحق به من أحد إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرجل وتلاده في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته في الإسلام، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو"


١ هو زيد بن أسلم العدوي مولى عمر، روى عن أبيه وعن ابن عمر.


مكانه قبل أن يحمر وجهه - يعني في طلبه - قال: ولما رأي المال قد كثر، قال: لئن عشت إلى هذه الليلة من قابل لألحقن أخرى الناس بأولاهم حتى يكونوا في العطاء سواء، قال: فتوفى رحمه الله قبل ذلك.


ودلت الروايات على أنه فرض لأزوج النبي صلى الله عليه وسلم لكل واحدة اثنا عشر ألف درهم في السنة، ومثلها لعمه العباس، وثلاثة آلاف لأبناء المهاجرين والأنصار، فرتب العطاء حسب السبق والبلاء والحاجة.


أهم القضايا التي اختلفوا فيها
١- الغنائم:


تدخل الأرض في البلاد المفتوحة عنوة في عموم الغنيمة التي قال الله فيها:


{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ١


ويقضي هذا أن تقسم الأرض المفتوحة قسم الغنائم، فيكون أربعة أخماسها للغزاة، والخمس للمصالح العامة المذكورة في الآية.


ولما فتحت الفتوحات في زمن عمر سأله الصحابة قسمة الأرص التي فتحت عنوة بين الغانمين، ولكن عمر رأي مستقبل المسلمين في هذه البلاد، وما تحتاجه من نفقات في إدارتها، وتنظيم شئونها، وتحقيق مصالح الناس فيها، يستدعى التفكير في إبقاء هذه الأرض دون أن تقسم، حتى يبقى لمن يجيء بعد الغانمين شيء، وذلك بوقفها على مصالح المسلمين، لهذا رأي عمر ترك الأرض لأهلها على أن يوضع عليهم ما يحتملون من خراج، تكون منه أعطيات للمسلمين، وما يحتاجون إليه من نفقات للجند والقضاة، والعمال، وسد حاجة المعوزين من


١ الأنفال: ٤١.


اليتامي والمساكين، ووافق عمر على رأيه جماعة من الصحابة، منهم عثمان، وعلى، ومعاذ بن جبل، وطلحة، وخالفه آخرون منهم: عبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، وبلال، ورأوا أن تخمس الأرض، ويقسم أربعة أخماسها على الغزاة، والخمس لمن ذكروا في كتاب الله تمسكا بآية الغنيمة.


وقد حاول بعض الفقهاء تبرير فعل عمر كما رواه أبو يوسف في الخراج، وذلك لقول الله تعالى:


{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} ١، ونقل عن عمر أنه قال في هذه الآية: "فكيف أقسم لكم وأدع من يأتي بغير قسم، فأجمع على تركه، وجمع خراجه وإقراره في أيدي أهله، ووضع الخراج على أيديهم والجزية على رؤوسهم."


وقد أورد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، الروايات الواردة في ذلك ٢، وقال: وجدنا الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها، فهي لهم ملك أيمانهم، وهي أرض عشر لا شيء عليهم فيها غيره٣، وأرض افتتحت صلحا على خرج معلوم، فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه. وأرض أخذت عنوة فهي التي اختلف فيها المسلمون، فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة فتخمس وتقسم، فيكون أربعة أخماسها خططا بين الذين افتتحوها خاصة، ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله تبارك وتعالى، وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام، إن رأي أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فذلك له، وإن رأي أن يجعلها فيئا فلا يخمسها ولا يقسمها، ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة ما بقوا كما صنع عمر بالسواد.


١ الحشر: ٨- ١٠.


٢ انظر كتاب فتح الأرضين صلحها وسننها وأحكامها باب "فتح الارض تؤخذ عنوة" بالجزء الأول.


٣- المراد الزكاة، وهو العشر إذا كانت تسقي بماء السيح، أو نصفه إذا كانت تسقى بالسقاية.


وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول. لولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر "رواه البخاري. وهذا يعني أن ترك عمر قسمة السواد كان باجتهاد منه."


وقال بلال لعمر بن الخطاب في القرى التي افتتحها عنوة: اقسمها بيننا وخذ خمسها، فقال عمر: لا، هذا عين المال، ولكني أحبسه فيما يجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه.


فكان حكم عمر في السواد وغيره أن جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا، ولم يخمسه. وهذا الرأي الذي أشار به عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل رحمه الله.


وبهذا أخذ الإمام مالك فقد ذهب إلى أن الأرض المفتوحة لا تقسم، بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة، وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير، إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات ان المصلحة تقتضي القسمة، فإن له أن يقسم الأرض. وحكى هذا القول ابن القيم عن جمهور الصحابة ورجحه، وقال: إنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين.


فالخيار في أرض العنوة إلى الإمام، إن شاء جعلها غنيمة فخمس وقسم، وإن شاء جعلها فيئا عاما للمسلمين ولم يخمس ولم يقسم.


قال أبو عبيد: وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء، إلا أن الذي اختاره من ذلك يكون النظر فيه إلى الإمام، كما قال سفيان، وذلك أن الوجهين جميعا داخلان فيه، وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم براد لفعل عمر، ولكنه صلى الله عليه وسلم اتبع آية من كتاب الله تبارك وتعالى فعمل بها، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها، وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين، فيصير غنيمة أو فيئا، قال اللن تبارك وتعالى:


{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل} ١.


فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس، وبها عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله عز وجل:


{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} ٢. فهذه آية الفيء، وبها عمل عمر، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، وإلى هذه الآية ذهب على ومعاذ حين أشاروا عليه بما أشارا، فيما نرى. والله أعلم.


والذي أورده أبو يوسف في الخراج في "فصل الفيء والخراج" يوضح هذا المعنى الأخير الذي أورده أبو عبيد في تأويل عمر لآية الفيء. فقد روى أبو يوسف عن محمد بن إسحاق عن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الناس في السواد - أي أرض العراق - حين افتتح، فرأى عامتهم أن يقسم. وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك، وكان رأي عمر رضي الله عنه أن يتركه ولا يقسمه، فقال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه، ومكثوا في ذلك يومين أو ثلاثة أو دون ذلك. ثم قال عمر رضي الله عنه: إني قد وجدت حجة.


١ الأنفال: ٤١.


٢ الحشر: ٧- ١٠.


قال الله تعالى في كتابه: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،} ١ حتى فرغ من شأن بني النضير، فهذه عامة في القرى كلها، ثم قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ،} ٢ ثم قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} ٣ ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ٤ فهذا فيما بلغنا والله أعلم للأنصار خاصة ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم، فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ،} ٥ فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم. فقد صار هذا الفيء بين هؤلاء جميعا، فكيف نقسم لهؤلاء وندع من تخلف بعدهم بغير قسم؟ فأجمع على تركه وجمع خراجه.


قال أبو يوسف: والذي رأي عمر رضي الله عنه من الامتناع من قسمة الأرضين بين من افتتحها عندما عرفه الله ما كان في كتابه من بيان ذلك توفيقا من الله كان له فيما صنع وفيه كانت الخيرة لجميع المسلمين وفيما رآه من جمع خراج ذلك وقسمته بين المسلمين عمود النفع لجماعتهم، لأن هذا لو لم يكن موقوفا.


١ الحشر: ٦.


٢ الحشر: ٧.


٣ الحشر: ٨.


٤ الحشر: ٩.


٥ الحشر: ١٠.


على الناس من الأعطيات والأرزاق لم تشحن الثغور ولم تقو الجيوش على السير في الجهاد، ولما أمن رجوع أهل الكفر إلى مدنهم إذا خلت من المقاتلة والمرتزقة، والله أعلم بالخير حيث كان.


ونقل أبو عبيد رأيا آخر، وهو أن عمر رضي الله عنه إنما فعل ذلك برضا من الذين افتتحوا الأرض حيث استطاب نفوسهم، فإن الأرض حق الغانمين بنص الآية، فلولا أن عمر استطاب نفوسهم لما وسعه أن يحرمهم حقهم.


٢- حد الخمر:


كان العمل قبل خلافة عمر في عقوبة شارب الخمر على الضرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، دون حد مقدر، حيث لم يفرض الرسول صلى الله عليه وسلم في الخمر حدا، ولم يسن سنة، فلما جاء عمر استشار الناس بعد أن كثر شرب الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر.


روى عن السائب بن زيدأنه قال: "كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمره أبي بكر، وصدرا من إمرة عمر، فتقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمره عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" . رواه البخاري وأحمد.


وعن علي رضي الله عنه أنه قال: "ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت وأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه" . متفق عليه.


فلما كان عهد عمر ورأي الناس قد انهمكوا في الخمر، واستخفوا العقوبة، استشار الصحابة كعادته في ذلك، فأشار عليه بعضهم بالجلد ثمانين لأنه أخف الحدود، وهو حد القذف فأمر به عمر.


عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدة نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر. متفق عليه، واللفظ لمسلم.


قال ابن دقيق العيد: وفيه دليل على المشاورة في الأحكام والقول فيها بالاجتهاد، وقيل: إن الذي أشار بالثمانين هو على بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد يستدل به من يرى الحكم بالقياس أو الاستحسان.


وأخرج مالك في الموطأ أن عمر استشار الناسفي الخمر فقال له على بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، فجلد عمر في الخمر ثمانين. قال ابن حجر وهذا حديث معضل. وقد وصله النسائي والطحاوي - وأنكره ابن حزم وفي معناه نكارة، لأنه قال: إذا هذي افترى، والهاذي لا يعد قوله فرية، لأنه لا عمد له، ولا فرية إلا عن عمد، والثابت الصحيح أن الذي أشار بالجلد ثمانين عبد الرحمن بن عوف كما في الحديث المتفق عليه.


وذكرت بعض الروايات سبب استشارة عمر، أخرج أبو داود والنسائي: "أن خالد بن الوليد كتب إلى عمر، إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة. قال: وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم، فأجمعوا على أن يضرب ثمانين" .


وحكاية الإجماع هذه عن الحاضرين، لم تثبت فإن الخلاف كان قائما في حد الخمر ولا زالهذا الخلاف بين الفقهاء كذلك، فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية والشافعي في أحد قوليه إلى أنه يجب الحد على السكران ثمانين جلدة للإجماع عليه في عهد عمر، وذهب أحمد في رواية والشافعي في المشهور عنه وداود إلى أنه أربعون لأنها التي كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر،


ودعوى اجماع الصحابة غير مسلمة فقد جلد على الوليد بن عقبة أربعين، وكأنه عدل عن إجتهاده السابق.


٣- ربا الفضل:


حرم الله الربا في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ١ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ٢، والربا الذي كان معلوما في الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلا من الأجل، وهذا الذي يسمى بالربا الجلي، أو ربا الديون، أو ربا النسيئة، ولا خلاف فيه.


واختلفوا في ربا الفضل.


فذهب ابن عباس إلى أن الربا المحرم هو ربا النسيئة، وأن ربا الفضل جائز لا حرمة فيه، ووافقه على ذلك بعض الصحابة ذكر منهم أسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، وابن الزبير.


قال ابن قدامة في المغني: وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة، فحكى عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنهم قالوا: إنما الربا في النسيئة لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ربا إلا في النسيئة" رواه البخاري. وفي رواية لمسلم "إنما الربا في النسيئة" ثم قال: والمشهور من ذلك قول ابن عباس. ثم إنه رجع إلى قول الجماعة.


١ البقرة: ٢٧٥.


٢ البقرة: ٢٧٧- ٢٨٠.


وفي حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". وفي رواية أبي سعيد الخدري" فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء "."


والثابت الذي لا مجال للجدل فيه إجماع التابعين على تحريم ربا الفضل، وهذا الإجماع يرفع قول ابن عباس وغيره.


٤- الطلاق الثلاث:


وأمضى عمر بن الخطاب الطلاق الثلاث على خلاف ما كان عليه الأمر قلبه روى مسلم في صحيحه عن طاوس عن ابن عباس، أنه قال:


كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر - طلاق الثلاث - واحدة فقال عمر بن الخطاب: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم" فأمضاه عليهم "."


وفي رواية: أن أبا الصهباء قال لابن عباس، هات من هناتك١، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر واحدة؟ فقال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق، فأمضاه وأجازه عليهم.


فعمل عمر كما ترى، كان بناء على سد الذرائع، لأن الناس قد تتابعوا فيما حرم الله عليهم، فاستحقوا العقوبة على ذلك، فعوقبوا بلزومه، فإن سنة الطلاق مرة بعد أخرى حيث يتاح للزوجين فرصة التراضي والوفاق.


١ هناتك: أشياؤك. جمع هن كأخ، وهو الشيء، فكأنه قال: هات من الأشياء التي عندك.


ولم يتفق الصحابة على ذلك بل وافق عمر معظم الصحابة وخالفه آخرون منهم على وأبو موسى وابن عباس والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف.


وفي هذا اختلاف مشهور عند العلماء على مذاهب:


المذهب الأول: إذا طلق الرجل زوجه ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا.


المذهب الثاني: إذا طلق الرجل زوجه ثلاثا بلفظ واحد وقعت واحدة دخل بها أو لا.


المذهب الثالث: إذا طلق الرجل زوجه ثلاثا بلفظ واحد فإنه يقع في المدخول بها ثلاثا وفي غير المدخول بها واحدة.


المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا لأن إيقاع الطلاق على ذلك الوجه بدعة محرمة.


٥- صلاة التراويح:


ومما ينسب إلى عمر جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان.


وقد جاء قيام رمضان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى رسول الله بصحابته جماعة، ثم ترك ذلك مخافة أن تجب عليهم.


وقد صلاها الناس فرادي في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر، فخرج عمر ليلة فرأى الناس أوزاعا يصلون في المسجد، فقال: لو جمعتهم على إمام، فأمر أبي بن كعب فصلى بهم، ثم خرج ليلة أخرى فرآهم مجتمعين على أبي بن كعب فسر بهم.


كما ينسب إليه زيادة النفل في رمضان أو غيره على إحدى عشرة ركعة إلى عشرين ركعة أو أكثر، وهذا أمر لم يتم الاتفاق عليه.


ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضي صلاة الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال: "أما بعد فإنه لم يخف على شأنكم الليلة، ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها" .


وفي رواية لمسلم: "وذلك في رمضان" وفي رواية البخاري: "فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك" .


وروى البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاريء أنه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله" ١


قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة. وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأقسام الخمسة "."


ولمالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال: "كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة" .


١ القاري: بتشديد الياء، ينسب إلى القارة، وهي قبيلة مشهورة بجودة الرمي.


وأخرج البخاري وغيره عن عائشة قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا" .


وقد استنبط عمر من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في الليالي الثلاث مشروعية التجمع لصلاة التراويح، وإنما كره الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لهم خشية أن تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم حصل الأمن من ذلك، وترجح لدى عمر التجمع، لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد انشطة لكثير من المصلين.


وإلى قول عمر جنح الجمهور وعن مالك في إحدى الروايتين وأبي يوسف وبعض الشافعية: الصلاة في البيوت أفضل عملا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" .


٦- الطلاق عند اختلاف الزوجين في الحرية والرق:


واختلفوا في الطلاق عند اختلا الزوجين في الحرية والرق، فأفتى عثمان ابن عفان، وزيد بن ثابت وعمر وابن عباس: بأن الحرة تكون زوجة للعبد تحرم الحرمة المؤبدة بطلقتين، واعتبر الطلاق بالزوج، لأنه الموقع للطلاق، وهو الذي بيده عصمة النكاح، فاعتبروا الطلاق بالرجل، وخالفهم على وابن مسعود فقالا: لا تحرم إلا بثلاث تطليقات: أما الأمة تكون زوجة للحر فتحرم بطلقتين، فاعتبروا الطلاق بالزوجة، لأنها هي التي وقع عليها الطلاق.


٧- عدة الحامل المتوفى عنها زوجها:


قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ١.


وقال: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ٢؛ فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكر الله في المطلقات أن عدة الحوال أن يضعن حملهن، وذكر في المتوفى عنها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، فعلى الحامل المتوفي عنها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، وأن تضع حملها حتى تأتي بالعدتين معا؛ فهي تعتد بآخر الأجلين، إذ لم يكن وضع الحمل إنقضاء للعدة نصا إلا في الطلاق، وروي هذا عن علي وابن عباس وأبي السنابل، يقول غيرهم: إذا وضعت ذات بطنها فقد حلت.


وروى البخاري والنسائي عن ابن مسعود أنه قال: من شاء باهلته، إن سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولي -يعنى البقرة- ومآله تخصيص آية البقرة بآية الطلاق.


روى الجماعة إلا أبا داود وابن ماجه عن أم سلمة: "أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها، فتوفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل ابن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين. فمكثت قريبا من عشر ليال ثم نفست، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" أنكحي "."


وجاء في رواية أخرى للجماعة إلا الترمذي في معناه من رواية سبيعة قال: "فأتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي" .


١ الطلاق: ٤.


٢ البقرة: ٢٣٤.


٨- وقت وقوع الطلاق في الإيلاء:


قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ١.


فقال كثير من الصحابة إذا مضت أربعة أشهر وقف المولى؛ فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وهذا مذهب ابن عمر رواه البخاري، وقال: ويذكر عن عثمان، وأبي الدرداء، وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عن غيرهم من الصحابة: عزمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر، وهو قول ابن مسعود وزيد بن ثابت وعلي.


عن ابن عمر قال: "إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق، يعني المولى" أخرجه البخاري وقال: ويذكر ذلك عن عثمان وعلى وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب، قال عمر وعثمان وعلي وابن عمر: يوقف المولى بعد الأربعة فإما أن يفي وإما أن يطلق "."


وأخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت، أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ طلقت طلقة بائنة، وروي عن ابن عباس مثل ذلك.


٩- النفقة والسكنى للمبتوتة:


أفتى عمر بن الخطاب بأن المبتوتة لها النفقة ولها السكنى ولما بلغه حديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها نفقة ولا سكنى بعد الطقة الثالثة، قال: "لا نترك كتاب ربنا لقول امرأة لعلها حفظت أو نسيت" .


وكتاب الله قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة} ١. وأفتى غيره بألا نفقه لها ولا سكنى، احتجاجا بحديث فاطمة بنت قيس، وقد جاء فيه، إن زوجها طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له؛ فقال: "ليس لك عليه نفقة ولا سكنى" . فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك.


وأفتى آخرون بألا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت حاملا لمفهوم قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ٢.


وتحقيق هذه المسألة، أنه إذا طلق الرجل زوجه؛ فإما أن يكون الطلاق رجعيا أو بائنا، فإن كان الطلاق رجعيا كان لها النفقة والسكنى بلا خلاف؛ لأن ملك النكاح قائم، وإن كان الطلاق بائنا وكانت حاملا فلها النفقة إجماعا لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} ، واختلفوا إذا كانت مبتوتة غير حامل.


والثابت أنه ما كان للمطلقة المبتوتة نفقة ولا سكنى لا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر، لحديث فاطمة بنت قيس، روى مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب؛ فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة" . وفي رواية "لا نفقة لك ولا سكنى" وفي رواية: "فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة" .


ولكن عمر رضي الله عنه فهم من عموم قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، لا


١ الطلاق: ١.


٢ الطلاق: ٦.


تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ١.


وقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنّ} ٢. فهم عمر من هاتين الآيتين أن لا فرق بين رجعية ومبتوتة، فجعل للمبتوتة النفقة السكنى، ولما بلغه أن فاطمة بنت قيس تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها نفقة ولا سكنى، قال: "لا نترك كتاب ربنا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، قال الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِن} ٣."


وما جاء في بعض الروايات من زيادة "وسنة نبينا" غير صحيح، فإن السنة الثابتة في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها نفقة ولا سكنى، ووافق عمر على ذلك بعض الصحابة كعائشة وابن مسعود وابن عمر، وخالفه آخرون.


وبرأي عمر أخذ أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي: لها السكنى دون النفقة، وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وابن أبي ليلى لا نفقة لها ولا سكني لأن الآية لا تتناول المطلقة البائنة.


١ الطلاق: ١.


٢ الطلاق: ٦.


٣ رواه مسلم ومالك وأبو داود والنسائي والترمذي.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

أُعُلن، اليوم ا...

أُعُلن، اليوم السبت، حالة الإغلاق المؤقت لجميع مراكز توزيع المساعدات الأمريكية في قطاع غزة، عقب إصاب...

This paragraph ...

This paragraph is a description about ... The relation).. I am ... (name of the person)....•• is thi...

عام. يمكن القول...

عام. يمكن القول إن نظام المعلومات يعزز شفافية السوق من خلال توفير المعلومات اللازمة ويعزز تداولية ال...

In this present...

In this presentation, I will focus on main points: First, I will provide a definition of the concep...

في خسائر فادحة ...

في خسائر فادحة للذرة، والمحاصيل السكرية، والأعلاف النجيلية، والكينوا. لمواجهة هذه التحديات بفعالية،...

أدى الإنترنت وا...

أدى الإنترنت والتطور الرقمي إلى إحداث تحول جذري في أساليب التواصل وتبادل المعلومات بين الأفراد. فنحن...

تم في هذا المشر...

تم في هذا المشروع تطبيق مكونات الواجهة الأمامية (Front-end) والواجهة الخلفية (Back-end) الشائعة لضما...

تُعد عدالة الأح...

تُعد عدالة الأحداث من أهم القضايا التي تشغل الأنظمة القانونية والاجتماعية في مختلف دول العالم، نظرًا...

كان تحالف ديلوس...

كان تحالف ديلوس في البداية قوة دفاعية ناجحة، لكنه تحول مع الوقت إلى أداة للسيطرة الأثينية، مما أدى إ...

--- ### **التع...

--- ### **التعريف:** عوائق التعلم التنظيمي هي **عوائق إدراكية، أو ثقافية، أو هيكلية، أو شخصية** تم...

أولا شعر الحزب ...

أولا شعر الحزب الزبيري بدا يتنصيب عبد الله بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز، واستمر تسع سنوات، وانته...

ث‌- الصراع: يع...

ث‌- الصراع: يعتبر من المفاهيم الأقرب لمفهوم الأزمة، حيث أن العديد من الأزمات تنبع من صراع بين طرفين...