لخّصلي

‎الصحافة
‎في حملته الفرنسية على مصر حرص قائدها الجنرال بونابرت على أن يصطحب معه مطبعة، حيث زودها بحروف عربية ويونانية وفرنسية، بل وأحضر أيضا حروفًا عبرية وسريانية وقبطية، وكانت له عناية خاصة برجال المطبعة ومعداتها . فقد كانت المطبعة هي الأداة الرئيسية والوسيلة الحديثة التي استخدمتها الحملة لنشر المطبوعات المختلفة، والتي تقدم في الأغلب الأعم خدمات دعائية لهم . لاسيما وأن الحملة الفرنسية قد لجأت في إذاعة أخبارها إلى عدة وسائل منها المنادون في الشوارع والمنشورات المطبوعة، وثالثًا الصحافة ...
‎ففي العام الأول (۱۷۹۸م) أنشأ بونابرت صحيفتين باللغة الفرنسية، ومن جهته عزم الجنرال مينو - القائد الثالث للحملة بعد بونابرت وكليبر ـ على إصدار صحيفة باللغة العربية تحمل اسم (التنبيه) حيث أصدر أمره بإنشائها ولكنها ل

‎الأخير منها في شهر يونيو من عام ۱۸۰١م) . وكان الهدف من هذه الصحيفة هو نشر أخبار مصر الداخلية فى القاهرة والأقاليم للجنود الفرنسيين والجالية الفرنسية المقيمة بمصر أما الصحيفة الثانية هى (لا) ديكاد إجبسيين La Decade Egypteinne، والتي صدر أول أعدادها في أول أكتوبر ،۱۷۹۸م ، وكان قد تقرر إنشاء تلك الصحيفة في الاجتماع الأول للمجمع العلمى المصرى حتى تكون لسان حاله وتنشر محاضر جلساته وتسجل بحوثه . ومن ثم فهى صحيفة علمية لدراسة شئون مصر في شتى النواحي الاجتماعية والأدبية والاقتصادية، فكانت بذلك . وحسب إبراهيم عبده - (وثيقة رسمية أو سجل لنشاط الحملة العلمي، تصدر في القاهرة للفرنسيين المقيمين فيها الذين تعنيهم شئون الأدب والاقتصاد أكثر مما تعنيهم شئون الحرب أو أخبار المدن والأقاليم وصور الحياة المصرية العارضة)، وحسب محمود نجيب أبو (الليل فإن La Décade Egyptinne قد قامت بهذه المهمة
6
‎(خیر ،قیام فأرضت بونابرت وسجلت له بوجودها صفحة ناصعة في تاريخ العلم والأدب ، وأرضت العلماء من رجال حملته، فكانت سجلاً حافلاً ببحوثهم وأوجه نشا

‎بل أنه لما تم جلاء الفرنسيين عن مصر فإنهم أخذوا معهم مطابعهم بكل عددها وآلاتها وعتادها ، التي كان قد أحضروها معهم مع بداية غزوهم لمصر عام
‎۱۷۹۸م.
‎. نشأة الصحافة الرسمية
‎بعد أن توقفت صحيفتا الحملة الفرنسية، التي رحلت عن مصر ومعها مطابعها ، أصبحت البلاد بلا مطابع أو صحف، وذلك منذ أواخر العام ١٨٠١م، حيث استمرت تلك الحالة إلى ما بعد تولى محمد على حكم مصر : بسنوات عدة . إلا أنه في عام ۱۸۱۹م وضع محمد على حجر أساس مطبعة بولاق، وذلك حين عاد مبعوثان مصريان من إيطاليا وقد تعلما صناعة الطباعة، وقد اقتصر نشاط المطبعة أول الأمر على طبع المطبوعات الرسمية والكتب المدرسة كما تأسست بعد مطبعة بولاق عدد من المطابع الصغيرة ألحق بعضها بالمدارس والبعض الآخر بالديوان الخديوى، وكانت مطابع المدارس تقوم بطبع الكتب العلمية المختلفة بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، ومن ذلك مثلاً مطبعة مدرسة الطب بأبي زعبل ومطبعة الطوبجية بطره، بالإض

‎جورنال الخديوي)0),
‎في حوالي العام ۱۸۱۳م حسبما يشير عبد اللطيف حمزة ١٤) ، أي قبل ظهور المطبعة واعتمادا على النسخ بخط اليد، أو العام ۱۸۲۲م وبعد ظهور المطبعة حسبما يذكر إبراهيم عبده (۱۹) ، أو في ۱۸۲۷م حسب أديب مروة(١٦)، أصدر محمد على (جرنال الخديو) باللغتين العربية والتركية، كملخص أو تقرير عن حسابات الأقاليم وشئون الدولة والأخبار الحكومية وبعض قصص من ألف ليلة وليلة، وكان يطبع منه حوالي مائة نسخة في مطبعة القلعة، وقد سمح الوالي لبعض موظفى الحكومة بالإطلاع عليه ، أما الشعب فلم يكن له صلة بهذا الجرنال . ومن الواضح أن جرنال الخديو) كان صحيفة رسمية إخبارية، ومع ذلك فإن صفتها الرسمية لم تمنعها من نشر بعض القصص المسلية، وبذلك فإن الصحافة المصرية تكون قد بدأت رسمية إخبارية (۱۷) .
‎. الوقائع المصرية ۱۸۲۸م
‎تبين لمحمد على أن الشعب المصرى يجب أن يطلع على أعمال الحكومة، وأن يتعرف جيداً على إصلاحات الوالى، وأن جرنال الخديو) لا يؤدى هذا الغرض (۱۸) ، ومن ثم رأى الوالى ضرورة أن
‎وبصفة عامة فقد كانت الوقائع المصرية ) صحيفة إخبارية في المقام الأول، حيث قلت المقالات كما انعدمت الفنون الصحفية الأخرى فيها كالأحاديث والتحقيقات الصحفية وغيرها (۲۳) ، ولا عجب في ذلك فقد كانت (الوقائع المصرية وحسب توصيف إبراهيم عبده لها (سجل للحكومة وصدى لنشاط رجالها)(٢٤).
‎. الجريدة العسكرية ١٨٣٣م
‎لم تستطع (الوقائع المصرية) أن تنفرد وحدها بتسجيل التفاصيل المتعلقة بالجيش المصرى، وبالأخص بعد الحملة المصرية على بلاد الشام (٢٥) ، ومن ثم فکر محمد علی في إنشاء صحيفة جديدة هي (الجريدة العسكرية)، والتي ظهرت سنة ۱۸۳۳ م ، وكانت تطبع كل يومين بمطبعة الجهادية، وقد اقتصرت عنايتها تقريباً على نشر الجرائم التي تقع في آلايات الجيش مع نشر الأحكام التي تصدر ضد أصحاب هذه الجرائم (٢٦) . وحسبما تذهب كلاً من عواطف عبد الرحمن ونجوى كامل فإن (الجريدة العسكرية) تُعد أولى الصحف المتخصصة التي صدرت
‎في مصر
(۲۷)
‎. الحوادث التجارية والإعل
‎تعدل أسمها إلى تقويم الأخبار عن الحوادث التجارية والإعلانات الملكية) وتولت طباعتها مطبعة قلم الترجمة المصرية بالقلعة (٣٠) .
‎وهكذا فإن الصحافة المصرية تكون قد بدأت بداية رسمية بحتة، ذلك أنها نشأت فى حجور الحكام وعاشت على أموالهم ونمت وترعرعت بسلطانهم، وخضعت لتوجيهاتهم، ولم يكن لها بد من هذا الخضوع) (۳۱) .
‎. تدهور أوضاع الصحافة فى عهدى عباس الأول وسعيد
‎ربما كان من الطبيعي أن تتدهور أوضاع الصحافة في عهدى عباس الأول وسعيد، إنه تدهو استمرر لما يقرب من خمسة عشرة سنة، لا سيما بعد أن تدهورت الحالة المجتمعية في البلاد بتجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية . فعباس الأول (١٨٤٨ م