لخّصلي

إن قيام المرفق العام على مبدأ قابليته للتغيير والتبديل ، فرض عليه ضرورة مواكبة جميع التطورات والمستجدات الحاصلة ليتكيف معها ويقدم الخدمات للمواطنين في أحسن صورة ليحقق بذلك الغرض الذي أنشأ من أجله وهو تحقيق النفع العام وتحقيق الأمن والاستقرار.
و إن الجزائر وفي إطار سياستها المنتهجة لإصلاح مرافقها العمومية المتمثلة في الإدارة العمومية وتطويرها، عملت على الاعتماد على هذه الآلية الحديثة كخطوة جديدة فرضتها الرقمنة لإصلاح المرفق العمومي، فكانت أول خطوة لذلك إطلاقها لمشروع الجزائر الالكترونية من قبل وزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال لسنة 2008، حيث اعتبر هذا المشروع مشروعا طموحا رصدت له مبالغ مالية، وسعت لتجسيده على أرض الواقع حرصا منها على تقديم خدمات عمومية للمواطنين ذات جودة هدا من جهة،ومن جهة أخرى في محاولة لردع الممارسات السلبية من رشوة وبيروقراطية وفساد إداري أدى إلى فاصل كبير بين المرفق العام والمواطن.
إن حرص الحكومة الجزائرية على تجسيد هذا المشروع كخطوة جديدة ،أدى إلى تدخل المشرع الجزائري لوضع الإطار القانوني لتطبيقه، فصدرت بذلك ترسانة من النصوص القانونية لتأطير هذه العملية، كما تم الاستعانة بآليات أخرى مؤسساتية تدعيما لهذا المسار، لتباشر بعد ذلك العديد من القطاعات في تطبيقه فكانت البداية بوزارة الداخلية والجماعات المحلية بإطلاق مشروع البلدية الالكترونية ثم وزارة العدل من خلال إطلاقها للعديد من الخدمات الرقمية ليشكل هذين القطاعين التجربة النموذجية الأولى لتطبيق الإدارة الالكترونية ، ليتم بعد ذلك تعميمها تدريجيا على باقي القطاعات الأخرى.
إن اعتماد الجزائر على الإدارة الالكترونية كآلية لرقمنة المرفق العام سيؤدي لا محالة إلى محاربة الفساد الإداري بشتى أنواعه، لأن المواطن الجزائري سيجد نفسه أمام منصات رقمية يتعامل معها وتتيح له الخدمة بعيدا عن العلاقة المباشرة مع الموظفين، وهو الأمر الذي استحسنه المواطن الذي بقي يعيش ولسنوات طول الانتظار في الطوابير والانتقال إلى مسافات بعيدة لتلقي الخدمة، لكن اليوم أصبح كدلك بمجرد ضغطة زر مما ساهم في إرجاع الثقة له وتحسين علاقته مع المرفق العمومي.
كما لا يخفى على أحد أن جائحة كوفيد 19 كان لها الدور البارز والفعال في تسريع وتيرة الرقمنة، وهدا بسبب تداعياتها التي فرضت على المواطنين تدابيرا احترازية من ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي وتجنب التجمعات، مما أثر على مبدأ سير الادارة العمومية بانتظام واستمرار، وترتب على ذلك إطلاق العديد من الخدمات والمنصات الرقمية لمجابهة الوضع.
وعليه تظهر أهمية دراسة موضوع اثر الرقمنة في الإدارة العمومية في القانون الجزائري كونه من المواضيع الهامة والجديدة المواكبة للتطور التكنولوجي العالمي، حيث أن كل دول العالم تسعى اليوم إلى تطبيق الرقمنة على اداراتها العمومية والاستفادة منها لأنها أصبحت من بين المعايير والمؤشرات العالمية المعتمدة في قياس التقدم الحضاري و آلية فعالة لمحاربة الفساد الإداري بشتى أنواعه، والجزائر تسعى كغيرها من دول العالم إلى مجابهة ذلك فيمكن الاعتماد عليها كضمانة أساسية وفعالة للتصدي لذلك والقضاء عليه.
انطلاقا من أهمية الموضوع جاءت الرغبة في اختياره محلا للدراسة والبحث بناء على أسباب ذاتية وأخرى موضوعية، حيث تظهر الأسباب الذاتية في رغبتنا في معالجة المواضيع المستحدثة وبما أن الرقمنة لا تقل شأنا عن هذه المواضيع فقد ارتأينا معالجتها من خلال تسليط الضوء على تطبيقاتها في الإدارة العمومية، ودورها في تحسين الخدمة العمومية ضف إلى ذلك أن الموضوع يعد من المواضيع التي تدخل ضمن مجال القانون الإداري وهذا له علاقة بمجال تخصصنا العلمي.
أما الأسباب الموضوعية فتظهر في معرفة الوضعية والمستوى الذي وصلت إليه الادارة العمومية بعد الشروع في تطبيق الرقمنة على خدماتها خاصة وأن الطرق التقليدية لم تعطها المكانة الحقيقية بسبب انتشار العديد من الممارسات السلبية كالفساد الإداري، مما انعكس على العلاقة بين المواطن والادارة، كما أن الجزائر اليوم وفي إطار توجهها إلى إعادة بناء جمهورية الجزائر الجديدة فإن إبراز دور الرقمنة كقيمة مضافة إلى جانب الآليات الأخرى التي من شانها تحقيق الإصلاح الإداري باعتباره رؤية جديدة، تعيد النظر في الأشكال القائمة للجهاز الإداري للدولة وتعرض صيغا حديثة لهذه الأخيرة بشكل يحقق أهداف السياسة العامة للدولة بكفاءة وفعالية من خلال التغيير الشامل في القيم السائدة في التنظيم ،و بالتالي القضاء على الفساد الذي تسعى الدولة للحد منه.
وفي سبيل الوصول إلى فهم افضل لمفهوم التحول الرقمي لاسيما والظروف الغير مسبوقة التي يعيشها العالم اليوم في رحلة التحول الرقمي، ولعل الخطورة الأولى هي وضع استراتيجية لنجاح مشروع التحول الرقمي الذي يرسم معالم الطريق ويحدد المحطات الفصلية والأهداف الاستراتيجية واطر العمل و نماذج مؤشرات قياس الاداء الرقمي،ولمعرفة أدق لهذا المنهج المعاصر وجب طرح الإشكالية التالية:
ماهو واقع التحول الرقمي وماهي متطلبات نجاعته في ظل عالم متغير باستمرار ومامدى تأثيره على الإدارة العمومية في الجزائر؟
للإجابة على هذه الإشكالية والإحاطة بجميع جوانبها ارتأينا أن نعتمد في دراستينا هذه المنهج الوصفي، لأننا قمنا بتحديد المصطلحات والمفاهيم وعرض تجربة بعض النماذج الرقمية للخدمة العمومية، والمنهج التحليلي الذي يظهر من خلال دراسة وتحليل الوثائق الرسمية التي صدرت في إطار عملية رقمنة المرفق العام في الجزائر.
لقد واجهتنا عدة عوائق و صعوبات اثناء عملية جمع المادة العلمية في بحثنا هذا، بحيث كان لها حديث اخر في توجيه مسارنا وتنصيب الخطة التي يستند عليها ،ففي حين كان مبرمجا في المبحث الثاني من الفصل الثاني قطاع الصحة بمعية كل من قطاع العدالة و التعليم العالي كدراسة حالة بسبب الندرة التي واجهتنا بالنسبة لكمية المعلومات ،كون قطاع الصحة لم يرقى بعد الى الدرجة المنشودة بعد في مجال التحول الرقمي، اذ لا زال منحصرا على المعلومات الشخصية للمريض وما شابهها...ولعل هدا العائق من اقوى المواقف التي حزت في نفوسنا واعطتنا دفعة قوية نحوى الامام لاستضهار معالم الريادة الجزائرية في هدا المجال في الوقت ذاته.
بالاضافة الى:
-الندرة في المراجع المتخصصة وذات العلاقة المباشرة بالموضوع خاصة فيما يخص التحول الرقمي في الادارة العمومية الجزائرية.

• قلة الدراسات والأبحاث السابقة في موضوع البحث كون الموضوع حديث .
  -قلة المراجع المتخصصة فيما يتعلق بمسألة تطبيقات الرقمنة على الادارة العمومية في الجزائر، مما دفعنا إلى الاستعانة أحيانا بالمواقع الالكترونية الخاصة بالقطاعات التي تم اختيارها كنماذج للدراسة.
  و لدراسة الموضوع وضبط جوانبه ، تم الاعتماد على خطة منهجية مقسمة إلى فصلين وكل فصل يحتوي على ثلاثة مباحث ،اذ تناول الفصل الأول التحول الرقمي مفهوم ومنهج معاصر،اما الفصل الثاني فهو تحت عنوان تطبيقات التحول الرقمي في الجزائر.