لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

(تلخيص بواسطة الذكاء الاصطناعي)

ينصب هذا النصّ على دراسة أصول المسرح، مُسلّطاً الضوء على مساهمة مصر القديمة فيه. يشير النص إلى نصب جنائزي يُشير لجولات ممثل اسمه إمحب مع أستاذه، مما يُثبت وجود ممثلين متجولين في مصر القديمة كانوا يُقدمون عروضًا مسرحية غنائية ورقصية في المناسبات العامة. يُؤكد النص على وجود محاكاة درامية كجزء من الممارسات الاجتماعية اليومية، مُبيّناً أن الممثلين كانوا يُقدمون عروضًا وفق برامج مُحددة. كما يُناقش النص العلاقة بين الدين والحياة في مصر القديمة، مؤكداً على أن المسرح، رغم ارتباطه بالطقوس الدينية، كان يحمل أيضًا طابعًا شعبيًا.

يُشير النص إلى تأثر المسرح الإغريقي بالمسرح المصري، مستشهدًا بمسرحية "الضارعات" لإيسخيلوس، التي تُظهر حضورًا مصريًا واضحًا في الشخصيات والحبكة. كما يُناقش النص كتابات هيرودوت عن عروض مسرحية مصرية، ويكشف عن بردية من البهنسا تُثبت أن قصة "الضارعات" سبقت وفاة إيسخولوس. يُبيّن النص أن إيسخولوس أضاف تطويرات على المسرح اليوناني، مستلهمًا ربما من المسرح المصري، كزيادة عدد الممثلين والاهتمام بالأزياء والأقنعة. يُبرز النص أيضًا وجود الإيمان بالإله الواحد في الديانة المصرية القديمة، كما هو الحال عند إيسخولوس.

يُسلّط النص الضوء على أهمية كتاب "المسرح المصري القديم" للأب دريوتون، مُشيرًا إلى جهود ثروت عكاشة في إحياء هذا الإرث الحضاري، وخاصةً "لعبة الرياح الأربعة"، وهي قطعة غنائية راقصة تحتوي على إرشادات مسرحية واضحة، جمعها عكاشة من مصادر مُتعددة. يُناقش النص معنى "لعبة الرياح الأربعة" وتفسيرها المحتمل في سياق الديانة المصرية القديمة، مُشيراً إلى إمكانية تقديمها كعرض مسرحي معاصر. يختتم النص بالتأكيد على أسبقية المسرح المصري القديم على الإغريقي، ودعوته إلى إعادة تقديمه للجمهور المعاصر.


النص الأصلي

‎وهو نصب يدل علي رقة حال صاحبه، وأنه ليكاد يوحي أنه من صنع عابر سبيل من النحاتين أو الرسامين دفعه الوفاء لصاحبه إلي أن يقيم علي قبره هذا النصب الجنائزي، ومنقوش علي هذا النصب تفصيل لجولاته المسرحية مع أستاذه، فنعرف منه أنه انحدر معه إلي الجنوب حتي بلده (ميو) علي أطراف النوبة، كما يصعد معه إلي الشمال حتي مدينة (ألوريس) التي كانت قد استخلصت للمرة الثانية من أيدي الهكسوس، وإن هذا ليلقى الضوء علي شئ كان لا يزال مجهولا لنا، ونكاد نلحظ مثله فيما يجري في ريفنا إلي اليوم، من قيام الممثلين الجائلين بتمثيل مسرحيات مثيرة ورقص وغناء في الأعياد والحفلات علي مشهد من الفلاحين الذين يخفون إليهم ويجتمعون حولهم . (۱)
‎وهو الأمر الذي يدل علي وجود المحاكاة الدرامية كجزء من الممارسات الاجتماعية اليومية للمصريين القدماء، فلقد كان الممثلون المتجولون يقومون في الميادين أو الدور، ويمثلون المسرحيات وفقا لبرامج مرسومة لهم، ومما لاشك فيه أن الغناء والرقص المصحوبين بالمحاكاة كانا يشغلان في العروض المصرية القديمة مكانا هاما، ورغم الصيغة الدينية التي كانت تحيط بتلك العروض خارج المعبد، إلا أن فهم العلاقة بين الدين والحياة في مصر القديمة التي كانت سبيكة واحدة، لا ينفي عن المسرح المصري القديم صفته الدينية، ولا يحرم عروضه خارج المعبد من صفتها الشعبية، وبالإشارة إلى الصلة بين مصر القديمة واليونان، يصل الاعتقاد في بعض الروايات بأن المصريين كانوا يدعون أن أهل أثينا ينحدرون من مستعمرة أقامها بعض من المهاجرين في مدينة سايس المصرية، ويستشهدون على ذلك بانقسامهم ثلاث طبقات، كما كان ينقسم المصريون، رجال الدين والملاك والزراع، ثم يلاحظ أن بعض من قواد أثينا كانوا ينحدرون حقيقة من أصل مصري مثل (Peses) الذي اشترك في حرب طروادة، وارتقى عرشها ، وأن الأثينيين كانوا يُكرمون إيزيس على أيامه على الطريقة المصرية، ويشبهون المصريون في آرائهم وعاداتهم أكثر من أي شعب إغريقي آخر
‎وبالعودة لمسرحية الضارعات لإيسخيلوس يمكننا ملاحظة الحضور المصري الواضح في النص الإغريقي لواحد من أهم الكتاب المسرحيين الإغريق وأشهرهم، وهم الذين وضع أرسطو كتابه فن الشعر عن إبداعهم إيسخيلوس، وسوفوكل، ويوربيدس وفي مسرحية الضارعات يأتي هذا الحوار:
‎الرسول: إنتحبي واصرخي واستعطفي الآلهة فلا مفر لك على السفينة المصرية،
‎فأصرخي ما شئت وأصدري أنينا مريرا يثير العطف.
‎بنات داناؤوس
‎واحسرتاه، واحسرتاه ياللإعتداء الصارخ، الذي أفضت به على الأرض بنباحك أيها التمساح. ليت النيل العظيم الذي يرعاك، يتحول عنك أيها الأحمق، ويقضي على
‎عجرفتك . "(۱) وفي مسرحية الضارعات تظهر جوار بنات داناؤوس الهارب بهن،
‎وبيلا سجوس ملك أرجوس، جوقة رئيسية من البنات الهاربات المصريات، وجوقة
‎وبيلاسجوس
‎ثانوية تتألف من أتباع الرسول المصري.
‎هذا والاتصال بالثقافة المصرية والحضور المصري لشخصيات مسرحية تعرض على الجمهور الإغريقي العام، يؤكد التواصل الحضاري والتثاقف المتبادل الذي يظهر جليا في فن
‎المسرح.
‎كما أن الكورس وقائده ، يشبه الكورس المصري القديم الحاضر في نصوص درامية طقوسية ونصف طقوسية، وأيضا الحوار الذي يدور بين شخصيتين ولا يزيد عن ذلك مثل ما هو حاضر في نص الدراما المنفية، ونص السر حول وراثة الملك. هذا والكورس أو المجموعة وعلى رأسها كاهن التلاوة تتعدد مثل الجوقة اليونانية عند
‎إيسخيلوس، وكثيرا ما تسرد أفعالا درامية مضارعة.
‎وجديد بالذكر أن هيرودوت يسجل مشاهدات في رحلته لمصر تؤكد هذا التفاعل الثقافي التاريخي، فهو يصف مسرحيات سماها بالأسرار، أو قل دراما طقوسية شاهدها ذات صلة بالعبادة، فهو يقول:
‎..... وفي هذه البحيرة يقوم المصريون بالليل بتمثيل آلامهم التي يسميها المصريون
‎أسرارا، وبالرغم من معرفتي التامة بكل هذه المراسم، فإني سألتزم الصمت الخاشع بشأنها. أما فيما يتعلق بعيد ديميتر الذي يسميه اليونانيون (ثمسموز فوريا) (وهو عيد ديميتر المفتتة، كانت الأثينيات يحيينه في (الخريف) فسألتزم الصمت الخاشع بشأنه أيضا، إلا فيما يمكنني أن أصفه من مراسم، وبنات داناؤوس هن اللاتي أدخلن هذا العيد من مصر، وعلمنه للنساء البلا سجيات ولكنه ضاع بعد ذلك، عندما أجلى دناؤوس عن البيلوبونيز بأسره على يد الدوريين، واحتفظ به الأركاديون وحدهم ، لأنهم هم الذين بقوا من البيلوبونيزيين، ولم يجلو
‎عنه"(۱)
‎هذا وبالعودة للضارعات نلحظ إثباتا تاريخيا لأصل المسرحية الذي قامت عليها حبكتها، وهو يعود إلى مصر القديمة، فالضارعات تعتبر أقدم مسرحية وصلت إلينا من الطراز القديم، والجوقة تتألف من الفتيات الضارعات أنفسهن، ولو حذفت أغاني الجوقة كلها من هذه المسرحية، لما بقى منها مسرحية.
‎إلا أنه في سنة ١٩٥١ وجدت برديه في بلدة البهنسا من أعمال محافظة المنيا، قلبت
‎الأمر رأسا على عقب.


‎فقد تبين من هذه البردية أن قصة الضارعات كتبت قبل موت إيسخولوس بخمس عشرة سنة، ولما كنا نعلم أن إيسخولوس وافته المنية (٤٥٦ - ٤٥٥ ق.م)، فمسرحيته إذن كشفت حوالي (٤١٦ ٤٦٠ ق.م) وكان الظن قديما أنها عرضت (٤١٢ - ٤٩١ ق.م) وهكذا يتضح حضور القصة المصرية القديمة وعلاقتها بالنص المسرحي الضارعات، الذي يحكي خط الحبكة فيها عن الفتيات الهاربات من الزواج القسري.


‎وهذا الأمر على صعيد التأثير في بناء الحبكة أما البناء الدرامي فهو يستخدم الممثل مع الجوقة المتعددة، كما يظهر الممثلات مع الكورس وقائد التلاوة في الدراما
(۱)
‎الطقوسية المصرية القديمة.
‎فقد زاد إيسخولوس عدد الممثلين إلى أثنين، واهتم بالملابس، وخصص لكل مسرحية أزياءها واستخدم الأحذية العالية، وأدخل كثيرا من الصقل على الأقنعة، فأصبحت تغير إلى حد كبير من ملامح الممثل وعواطفه، وجدير بالذكر أن مسرحية الضارعات وغيرها تجعلنا نلحظ إيمان إيسخولوس بالإله الذي يعتبره الوحيد القادر على إيجاد الحقيقة (٢) وهو ما نجده في الديانات المصرية القديمة من وجود الإله الواحد رغم تعدد الآلهة
‎وتنوعها حتى ظهور تلك الوحدانية بشكل واضح عند إخناتون.
‎كما أن الجوقة المكونة من الفتيات المصريات في مسرحية إيسخولوس الضارعات يشرن إلى ذلك الاتصال الديني بين مصر القديمة واليونان الإغريقية القديمة في بعض من المعتقدات، فها هي الجوقة تقول:
‎الجوقة: "أهناك من تقول أن أيوا 10 كانت في وقت ما كاهنة معبد هيرا Hera في أرض أرجوس هذه ؟(۳)
‎وبالبحث عن أيوا Io تلك الآلهة يتحدث هيردوت فيقول:
‎"كان اليونانيون يعتقدون أن زيوس أحب (أيوا)، فغارت زوجته هيرا، ومسخت (أيوا) بقرة، وظلت هذه تنتقل على هذا الحال من أوروبا إلى آسيا، إلى أن حطت رحالها في مصر،
‎وفيها إستعادت هيئتها الأولى ، وأنجبت أيوا باخوس"(4)
‎وباخوس هو إله الخمر والمرح عند الإغريق القدماء.
‎وفي محاولة إحصائية وعبر كتاب إيتين دريوتون الذي ترجمه د. ثروت عكاشة بمقدمة ضافية تتضمن بحثه العميق في الموضوع، وفيها يعترف عكاشة لدريوتون بأن


‎الكتاب هام وملهم لدرجة أنه هو حصيلة بحوث كل من سبقوه من علماء الآثار المصرية في
‎هذا الصدد.
‎هذا ويندر الاهتمام في اللسان العربي بالدراما المصرية القديمة لانقطاع العلاقة العلمية والتعاون الضروري بين علماء الآثار والحضارة الفرعونية وأساتذة وفناني المسرح المصري المختصين، وحتي نعرف كم نحن مقصرين في هذا الصدد، فإن معظم البحوث الجادة في هذا المجال تأتي من علماء أجانب وبعض من المستشرقين، بل إن هذا الاهتمام بالمسرح المصري القديم جاء من المثقف العام الكبير المصري ثروت عكاشة الذي تحمس لهذا الإرث الحضاري الرائد في تاريخ الإنسانية، أكثر من حماس أهل المسرح له. وبالعودة لنصب إدفو ، نعرف أن الممثل كان اسمه (إمحب)، وهو بحديثة عن جولاته وعن سيده يسجل على النصب:
‎"كنت ذاك الذي يتبع سيده في كل جولاته دون ضعف في الأداء... ولقد كنت أرد
‎على سيدي في كل أدواره:
‎أنه
‎فإذا قام بدور الإله، كنت أقوم بدور الحاكم ، وإذا أمات أحييت..." كما يحكي كان يدق الطبول الكبرى إعلانا عن بدء العرض وإن هذا يلقى ضوءا على شيء كان لايزال مجهولا لنا، ونكاد نلحظ مثله فيما يجري في ريفنا إلى اليوم من قيام الممثلين الجائلين بتمثيل مسرحيات مثيرة، ورقص وغناء في الأعياد والحفلات على مشهد من الفلاحين الذين يخفون إليهم، ويجتمعون حولهم.
‎وهكذا يكون عهد مصر بهؤلاء الممثلين قد بدأ ببداية الأسرة الثامنة عشرة، وظل ممتدا إلى أيامنا هذه، وبهذا الدليل الذي كشف لنا عن وجوده ذاك الممثل الحق، أصبحنا لا نفتقد ما ندفع به إدعاء الإغريق بأنهم هم الأرباب الأول للمسرح"(۱)
‎وتجدر الإشارة إلى ان عصر الممثل إمحب كان عصر نصر وقوة، " إنه عهد الأسرة
‎الثامنة عشرة، كان هو عهد أحمس المنتصر


‎وكان قد خلص البلاد من ربق العبودية الأجنبية، ووجه عنايته نحو إصلاح ما أفسده
‎الدهر من آثار إلهه العظيم آمون، والذي كان يعينه في النصر على الأعداء."(۱) ورغم كل ذلك فجدير بالذكر الدراما المصرية القديمة لا يتم تدريسها في برامج المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون المصرية، ولا في معظم أقسام الدراما والمسرح بالجامعات المصرية العامة والخاصة، والتي تقيم برامجها علي نمط برامج تدريس تاريخ المسرح الغربي، والتى تراه يبدأ عند الإغريق، بل إن الإستلهامات العائدة للحضارة المصرية القديمة من كتاب المسرح المصري، لهي استلهامات للقصص الغنائي أو للأساطير الشهيرة مثل رائعة الحكيم إيزيس والتي صاغها في قالب المسرح الغربي التقليدي، مستلهما الأسطورة ليفسرها تفسيره الخاص المعاصر، دون النظر في إمكانية استلهام الصياغات الدرامية المصرية القديمة في قالب معاصر وهو الاستلهام الذي تحول لمطلب مصري اهتمت به وزارة الثقافة والحكومة المصرية، عندما زاوج د. ثروت عكاشة آنذاك بين التفكير والمقدرة علي التنفيذ، وهو الأمر الذي أفرد له عكاشة خاتمة ضافية متممة لمقدمته البحثية لكتاب المسرح المصري القديم، وأطلق علي خاتمته تعبير كلمة أخيرة، سجل فيها محاولاته الهامة المتعددة لإعادة إطلاق المسرح المصري القديم في قالب معاصر لمصر وللعالم كله، لولا ظروف وأحداث مصر السياسية التي حالت دون تنفيذ هذا المشروع القومي الثقافي الهام، والذي يستهدف الباحث من سطوره هذه استعادته والتذكير به ولفت الأنظار لأهمية الحركة نحو إنجازه لصالح مصر ولاسترداد أسئلة الهوية والحضارة، بل ولجذب الاهتمام للآثار المصرية القديمة عبر عمل ثقافي يعيد إدماجها كمكان وتاريخ ومبني ومعني داخل الممارسات الاجتماعية المصرية اليومية في إطار الصناعة الثقافية التي تستهدف القيمة بكل مترادفاتها الثقافية الحضارية ومردودها الوطني في الداخل لمحاولة استعادة العلاقة بين مصر الآن وحضارتها الأولي العظيمة، ومردودها الإنساني في علاقتنا بالعالم بتقديم إنجازنا الحضاري وإسهامنا المعاصر في تنوع وثراء الفكر والفن والحضارة الإنسانية. ربما يجد إرادات فنية تتحمس له وتحفظ الحق لصاحب الفكرة والمشروع ألا وهو د. ثروت عكاشة، هذا وقد سعى د. ثروت عكاشة لتقديم نموذجا أصليا من المسرح المصري
‎القديم وتشاور وأجري ترتيبات لهذا الأمر مع المخرج العالمي فرانكوريريسي العلمية لمسرحية لعبة الرياح الأربعة الفرعونية السيدة الفرنسية المختصة في الحضارة المصرية القدية كريستيان ديروش نوبلكور . ثم عهد بالأمر للمخرج الفرنسي الكبير جان لوي بارو، ثم المخرج الفرنسي اللامع جان فيلار، واستغرقت تلك التحضيرات المتعددة من عام ١٩٦٨ حتي ۱۹۷۰ ، وفي كل مرة يشاء القدر لأسباب سياسية كبري أن يتم تأجيل المشروع، إلا أن المشروع له تاريخ علي مائدة اليونسكو ويمكن إعادة طرحه مرة أخرى، هذا كما أن الحكومة الفرنسية آنذاك قد عرضت مع واحدة من رعاة الثقافة الأثرياء تمويل المشروع، وهو الأمر المتاح الآن مع شركات إنتاج كبري يمكنها فعل ذلك داخل المحيط المصري والإقليمي والدولي، وإن كان الأمر يقتضى بالضرورة البحث عن الجهد العلمي والفني الذي أنجزه عكاشة قبل توقف المشروع ورحيله عن وزارة الثقافة المصرية.
‎لعبة الرياح الأربعة:
‎يري ثروت عكاشة أنها رغم كونها تبدو قطعة تنتمي للغناء الراقص إلا أنها تحتوي علي ميزتين فهي وإن لم تكن نصا مسرحيا مكتملا فإن الحوار الذي ينتظمها حوار تخاطبي يتصل بالمسرح أكثر من اتصاله بالطقوس الدينية (١).
‎أما الملاحظة الثانية فهي ما أسماه عكاشة خطوط الإخراج المسرحي) فهي إرشادات مسرحية واضحة ينطبق عليها المصطلح المسرحي القديم والمتداول حتي الآن وهـو (الإرشادات المسرحية التي تصف المكان والملابس والإطار العام الذي يدور فيه الحوار والحدث وتتحرك في عالمه الشخصيات المسرحية.
‎وجدير بالذكر أن لعبة الرياح الأربعة تم تجميعها وفهم عقدتها وتفسيرها من أكثر من مصدر منها برديات بمتحف برلين وبرديات بالمتحف البريطاني وجزء من نص متون التوابيت وأثر يشير إليها بنصب تذكارى للممثل المسرحي المكتشف في إدفو ومصادر علمية أخري، فهي لم تصل إلينا حتي الآن كمسرحية مكتملة شأنها شأن الشذرات المسرحية الناقصة الكثيرة التى تم اكتشافها في التراث المسرحي المصري القديم.
‎النص منشور ضمن مقدمة .د ثروت عكاشة لكتاب المسرح المصري القديم للأب دريوتون، مرجع سابق. (1) المرجع السابق، ص ١٣.
‎الهام للغاية أن ما تمكن عكاشة من تجميعه قد أصبح متنا أساسيا يمكن الاستناد طورة ايزيس أوزوريس في أحد الأماكن
‎عليه لتقديم لعبة الرياح


‎الهام للغاية أن ما تمكن عكاشة من تجميعه قد أصبح متنا أساسيا يمكن الاستناد عليه لتقديم لعبة الرياح الأربعة ضمن سياق أسطورة إيزيس أوزوريس في أحد الأماكن الأثرية الحية بسفح الهرم أو بمدينة الأقصر، ليراها الجمهور طوال العام، كعرض ثابت ضمن سياق حي لعروض سردية فيلمية مثل الصوت والضوء، لكنه بالتأكيد سيكون أكثر حيوية وإنسانية مع إمكانية تقديمه في قالب مسرحي معاصر يستند للمسرح الشامل، الذي يحتوي الغناء والرقص والإضاءة والسينما، مع الاحتفاظ التام بالنص الأصلي المصري القديم الذي رأي عكاشة ضرورة صياغته بالعربية الفصحي، وإن كان من الممكن تقديمه بالعامية المصرية، وضرورة استلهام الموسيقي المصرية القديمة علي ندرة المختصين فيها.
‎والمسرحية ذات طابع عالمي فكل شخصية من الفتيات تمثل ريحا يرمز للجهات الأربعة الأصلية الشمال والجنوب والشرق والغرب، وفيها إشارات لوحدة الكون ووحدة الإنسانية، أما الشخصية الخامسة التي تحاول سرقة الرياح وإغواء الفتيات، فلما فشلت تلك الشخصية الخامسة التي يشار إليها (بالعالمة) بمعني العارفة بالأمور ، فهى تضرب الفتيات وتملك الرياح الأربعة بالقوة.
‎من هي؟ هل هي إيحاء بروح مركزي قوي يريد إدارة رياح الكون؟ هل هي إشارة إلي ضرورة وجود قوة تدير رياح العالم ؟ إن العالمة هنا تستخدم القوة للسيطرة علي نظام الكون، وهو التفسير الإنساني الدنيوي، أما مسألة ديمومة الروح وخلودها بالسيطرة علي رياح الدنيا الأربعة، فربما تأخذنا لأمر يمكن تفسيره في إطار الديانة المصرية القديمة المولعة بالخلود؟ هل هي مصر التي أرادوها مركزا لمعرفة العالم هل هي روح مصرية ملكت العلوم والفنون والحضارة واحتفلت بكل جهات الأرض الأربعة.
‎وبتأمل لعبة الرياح الأربعة يمكن فهمها على نحو أنها "محاكاة الرقص لحركات الظواهر الطبيعية، حيث يرمز الفنان إليها بكلمة ريح، فهذا اللفظ والرسم كذلك يسمحان لنا بتخيل ما كانت عليه الرقصة كاملة"


‎وبشكل موضوعي ينظر لها نظرة تاريخية بعيدا عن إمكانية استلهامها استلهاما معاصرا، إذ يمكن وصفها بأنها قطعة من الأدب الغنائي المصري القديم، وهي مع أنها لم ترد بين الأعمال المسرحية التي ورد ذكرها في كتاب الأب دريتون في المسرح المصري القديم، فإن فيها حوارا يصاحب حركات المحاكاة البهلوانية.
‎ولكنها على هذا لم تبلغ المستوى المسرحي المعروف لاختفاء نصها، فظهوره كان في
‎كتاب سحري في النص رقم ١٦٢، من متون التوابيت"(١)
‎وما بقى منها من أناشيد محفوظة للآن هو إنشاد الفتيات لريح الشمال بأنها الريح
‎العظيمة ريح الحياة، التي تحمل سفن الأيونيين، ثم فتيات ينشدن لريح الجنوب التي تحمل الماء، والتي تهب في صورة زنجي الجنوب.
‎إلا أن غناء ريح الشرق والغرب يبقى مفقودا ، ولكن ما بقي لنا هو تلك الفتاة المندسة التي تقوم بدور عالمة، وتحاول أن تنتزع من الفتيات كنزهن الثمين، وتحاول خداعهن وتخاطبهن بألقابهن ملقية السلام عليهن، وتحاول استمالتهن بالطعام وإستغلال فضول الفتيات حتى تستولي على كنزهن.
‎ثم تظهر لوحة في مقبرة أمير من أمراء بني حسن، وهو خمنمحوتبي الذي عاش في
‎عصر سنوسرت الثاني (۱۹۸۷) - ۱۸۷۷ ق.م) ... لنرى فيها الريح الخامسة، وهنا حل لاختفاء نهاية اللعبة، فقد ظهرت على جدران مقبرة خمنمحوتبي العالمة، الفتاة الخامسة وهي


‎التي ترفع قبضتها اليمنى وتمسك بشعر الفتاة فتاة الرياح - ، وترفع قبضتها اليمنى كما لو كانت تهم بضربها ". (۲) إنها إذا محاكاة تمثيلية راقصة مصحوبة بالغناء والإنشاد، وقد كانت كما هو واضح من مصدرها مرتبطة بالتمثيل في المعبد، ربما أمامه، ربما داخله، إلا أنها تعد من القطع التمثيلية الغنائية الراقصة المرتبطة بالدين، والرقص المصري القديم كان في رابطة وثيقة بالديانات في مصر القديمة.


‎وما يمكن ملاحظته من الرسوم وهي تعرض لتلك الأجساد الممشوقة الحرة، أن الراقصات في مصر القديمة كن يرتدين أردية طويلة فضفاضة صنعت من نسيج رقيق شفاف، تسمح بمشاهدة شكل وحركة أعضاء الجسم، كما كن يرتدين في بعض المناسبات مجرد أحزمة ضيقة مزخرفة.
‎وقد صورت الفتيات في بعض الأحيان دون أن يبدو على أجسامهن أي أثر لملبس، وكأنهن عرايا تماما، ولكن من الصعب الجزم بذلك، إذ لعله يرجع لاختفاء خطوط الرداء من الرسم، أو إغفال الرسام رسمه نظريا لشفافية الأردية المستخدمة (۱)
‎ويبقى السؤال: أين كانت لعبة الرياح الأربعة تقدم آنذاك، وتجدر الإشارة إلى هذا النص الدرامي كان يقدم ممزوجا بالتمثيل الغنائي أمام موكب يسبقه خمسة أشخاص منشدون، ينشدون نشيدا منقوشا على المنظر في مقبرة الأمير خمنمحوتبي "الذي عاش في
11
‎عصر سنوسرت الثاني (۱۸۹۷ - ۱۸۷۷ ق.م).
‎ففوق جدران هذه المقبرة منظرا لناووس أبوابه مفتوحة ثم يظهر أمام الموكب
...
‎خمس من المهرجات توشحن بازار قصير، وقد سرحن شعورهن على هيئة الأقماع المقطوعة الرؤوس، وهن ترقصن رقصة بهلوانية، وهكذا تتحول أغنية المحاكاة الرياح الأربعة من كونها ترفيها علمانيا إلى شعائر دينية، إذ أن روح تمثال الملك الميت هي الريح العالمة الخامسة التي تستطيع الإمساك بزمام رياح الجهات الأربع الأصلية، وتستطيع بها أن تعيش إلى
‎الأبد. (۲)
‎ولهذا يمكن فهم ملاحظات عديدة عبر تأمل ما سبق: الملاحظة الأولى: وجود المهرجات، وهن لسن من الكاهنات، إنهن راقصات يلعب ويمارسن
‎التهريج والحركات البهلوانية وهي صفة دنيوية واضحة.
‎الملاحظة الثانية: حضور واضح للتمثيل الغنائي في صلة باهتة، لكنها قائمة بالإنشاد
‎الديني


‎الملاحظة الثالثة: حضور فكرة القوة القادرة على السيطرة على ما يأتي من الجهات الأربعة
‎المحيطة بالبلاد المصرية.
‎ولذلك ربما كانت تلك العروض تقدم في الدور الخاصة، أو تقدم أمام المعبد، أو في
‎قاعته الكبرى.
‎وحضور الطابع الديني هنا باهت نسبيا في إطار فهم محتمل لإشارة الممثل إمحب الحاضر في وصف نصب إدفو كممثل جوال، والذي حصل على لقب "المدير العظيم للقاعة – أوسخت – فلقد كان يقصد القاعة الواسعة، من قاعات الدور الخاصة، والتي كان يهيئها له ولفرقته كبار الأعيان، عندما كانوا يرغبون أن يرفهوا عن أنفسهم بمشاهدة عرض من العروض المسرحية، كما قد يكون في هذا اللقب إشارة إلى القاعة القائمة في كل معبد، والتي تحمل الاسم نفسه القاعة أوسخت والتي لم تكن غير الفناء أو بهو الأعمدة، ولقد كان يكفي الإتفاق مع الكهنة من أجل استخدامها للتمثيل. (۱)
‎ما يمكن ملاحظته هنا إمكانية الانفصال النسبي الواضح عن الطقس الديني رغم وجود الصلة بين لعبة الرياح الأربعة وبين الدين، ولكنها تلك الصلة القائمة والحاضرة دوما في مصر القديمة بين الدين والحياة.
‎مما يؤكد إمكانية وجود ذلك التمثيل الدنيوي خاصة أنه مرتبط بالغناء والرقص، مما
‎يفتح المجال أمام فهم لذلك الممثل الجوال إمحب صاحب نصب إدفو، وفرقته وجولاته في كل أرجاء مصر القديمة.
‎وإن بقيت النصوص الطقوسية ونصف الطقوسية وبعض من شذرات أخرى كلعبة الرياح الأربعة لأنها حفظت في المعابد وأثار الملوك ، فما يمكن تصور وجوده من نصوص أخرى علمانية ودنيوية صرفة ، لهو أمر مرتبط بالكشف المحتمل عن بيوت المصريين القدماء الطينية التي ذهبت مع الزمن كما ذهبوا ، وبقى من الحضارة المصرية القديمة ما هو مرتبط بالمعابد ومقابر الملوك والأمراء ولربما تكشف الأيام القادمة عن بعض من تلك


‎النصوص الدرامية الخالصة كشفها عن حضور للممثلين وللفرق الجوالة، التي لا تزال امتداداتها حاضرة في ريف مصر، ومدنها المتعددة.
‎لكن الأمر الهام في لعبة الرياح الأربعة يأتي من كونها تمثيلية غنائية موسيقية راقصة لا صلة لها بأعياد تتويج الملوك ولا عالم الآلهة، والأساطير القديمة رغم الصلة الملك المسيطرة على رياح الدنيا الأربعة.
‎الباهتة مع روح
‎ويتضح لنا من تأمل ما سبق إمكانية أخذ مسألة أسبقية المسرح المصري القديم على
‎المسرح الإغريقي محمل الجد، كما يتضح من المقاربات التاريخية، والتأثر الواضح عند ايسخيلوس بالمسرح المصري القديم. كما يمكننا ملاحظة أن المسرح المصري القديم على ارتباطه بالدين وإنتاجه لدراما
‎طقوسية، أمكن رصد دراما نصف طقوسية ظهرت بوضوح. أما المسرح الشعبي المصري المرتبط بالتجوال والتواصل مع الجماهير خارج دور
‎العبادة، وبعيدا عن حفلات تتويج الملوك، فهو أيضا يظهر بوضوح. الأمر الهام الذي يجب تأكيده أن المسرح المصري القديم قد عرف الإيهام المسرحي
‎بشكل واضح في حضور الممثلين والجمهور.
‎إن الإيهام الدرامي المسرحي والوعي به هو جوهر فكرة المسرح والدراما، مما يؤكد صحة افتراضنا بوجود المسرح المصري القديم، وأن المصريين القدماء هم الذين عرفوا المسرح، وقدموه للبشرية.
‎ويجدر الإشارة لأهمية النظرة المعاصرة التي يمكن أن تقدم النصوص الأصلية
‎المصرية القديمة للجمهور العام الآن، فهي نصوص ملهمة تتجاوز فكرة البحث العلمي لإمكانية العرض المعاصر وإعادة التفسير


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لقد حقق قسم بحو...

لقد حقق قسم بحوث أمراض البذور إنجازات بارزة تعزز من الأمن الغذائي وتدعم القطاع الزراعي في مصر. فقد ت...

Introduction Gl...

Introduction Global warming is one of the most pressing environmental issues of our time. It refers ...

في إيطاليا، سبق...

في إيطاليا، سبق عصر النهضة الأصلي "نهضة ما قبل النهضة" الهامة في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن...

لاحظات هامة: • ...

لاحظات هامة: • لا تنقضي شركة التوصية البسيطة بوفاة أحد الشركاء الموصين (غير المتضامنين) أو بالحجر عل...

يطلق مصطلح الفن...

يطلق مصطلح الفن الإسلامي على جميع الفنون التي تم إنتاجها في البلدان التي كان الإسلام فيها هو الدين ا...

This rule place...

This rule places minimum responsibility on the seller, who merely has to make the goods available, s...

Macbeth, set pr...

Macbeth, set primarily in Scotland, mixes witchcraft, prophecy, and murder. Three "Weïrd Sisters" ap...

يشارك القسم بشك...

يشارك القسم بشكل فعال مع مكون تربية الأرز بمعهد المحاصيل الحقلية في تطوير أصناف أرز متحملة للأمراض، ...

(٣) أسرار نجاح ...

(٣) أسرار نجاح العمل أما نجاح العمل فيتوقف على بذل القوى في محالِّها وأوقاتها الملائمة بالحكمة وحسن ...

بدايات سورة الح...

بدايات سورة الحج تتحدث عن من يصد عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبح...

أفادت مصادر طبي...

أفادت مصادر طبية بمقتل 78 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم بينهم 38 من منتظري المساعدا...

الفصل الأول: ال...

الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للمدن الذكية شهدت المدن تطورا تاريخيا كبيرا بدأ منذ نشأتها كمدن كلاسيك...