لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

ها انا في طريقي إلى الانتقال إلى مسكن آخر. حولي تتراكم كتل من الكتب التي ظهرت فجأة إلى العيان بعد تحريك قطع الأثاث من مكانها، كتب تبدو بطبقة الغبار السميكة التي تلفها كصخور نحتتها الرياح في منطقة صحراوية. في الوقت الذي أقوم فيه بتكديس الكتب التي أعرفها، كما فعلت من ذي قبل مراراً وتكراراً، يا ترى لماذا أجمع هذا الكم الهائل من الكتب التي أعرف تمام المعرفة بأنني لن أعيد قراءتها مطلقاً. أما الجواب فأعرفه أيضاً: بعد كل مرة أنفصل فيها عن أحد الكتب أشعر بعد بضعة أيام بحاجة ماسة إليه. أو: أنني لا أعرف كتاباً (أو لنقل قلة قليلة من الكتب) إلا ويحتوي على جملة شيقة واحدة على الأقل، أو: أنني أقتني الكتاب لسبب معين بالذات، سيبرهن في المستقبل أيضاً على ضرورته. ثم إنني أعلل نفسي بأن امتلاك مكتبة عامرة قد يكون ذا نفع، وكيف أن الأمر يتعلق في الواقع بكتب نادرة تمنحني بطريقة ما ميزة العالم المتبحر في الأمور. مع كل هذا فإنني أعرف أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن. الاستغناء عن هذا الحجم الهائل المتزايد من الكتب ما هو إلا نوع من الجشع لا حدود له. عدم ثم إنني أتمتع كثيراً بمنظر الرفوف المكدسة بالكتب وبرؤية الكتب التي أعرفها جميعها. كما وأتلذذ بالأفكار التي توحي إلي بأنني محاط بفهرست لقسم مهم من محتويات حياتي ولما يخبئه لي مستقبلي. وكم اتمتع عندما أعثر داخل كتب منسية تقريباً على آثار قراءات تعود إلى سنوات عديدة مضت: خربشات على حافة الكتاب، بطاقات سيارات نقل الركاب، قصاصات عليها أسماء وأعداد غريبة، وفي بعض الأحيان كتابة المكان والتاريخ على غلاف كتاب ما يعيدني إلى مقهى معين، أو إلى غرفة في أحد الفنادق، أو إلى فصل صيف ولى منذ مدة طويلة. وإذا ما اقتضى الأمر فإنني أستطيع أن أخلف هذه الكتب وراثي وأن أبدأ بطريقة ما من جديد، كما فعلت ذلك مراراً بجمع الكتب من جديد. إلا أن ذلك كان يعني خسارة فادحة لا يمكن تعويضها. أنا أعرف تماماً أن شيئاً ما يموت في داخلي عندما أستغني عن كتبي، وان ذكرياتي تعود إليها دوماً وأبدأ وتصيبني بحنين مؤلم للغاية. مع مرور السنوات لم يبق عالقاً ذاكرتي سوى بعض الكتب القليلة إلى درجة تبدو فيها ذاكرتي كمكتبة تعرضت إلى عملية نهب غرف عديدة باتت موصدة في وجهي، وكلما لالتقاط كتاب ما أجد أمامي فراغات كثيرة وفجوات في الرفوف. وكلما ضعفت الذاكرة، روائح عبقة، لقد أصبحت حيازة هذه الكتب نفيسة على قلبي أريد حماية الماضي بكل جوارحي. مددت يدي لأنني كان أحد أهـداف الثورة الفرنسية هو الـقـضـاء عـلـى الـتـصـورات القائلة إن للأرستقراطية فقط ماضياً تفتخر به في نقطة واحدة فقط لم يتكلل مسعاها هذا بالنجاح أصبح تجميع الأثريات هواية برجوازية، في البداية على عهد نابليون عاشق الديكورات الرومانية، ومن ثم في عهد الجمهورية أيضاً، في بداية القرن التاسع عشر أصبح تكديس الخردوات المغيرة، وألواح الفنانين الكبار والمخطوطات الثمينة هواية حديثة لهدر الوقت وتمضيته في أوروبا، مما جعل محلات بيع الأشياء المستعملة تزدهر، وحقق تجار التحف الأثرية ثروات طائلة من وراء بيع درر ما قبل الثورة التي كانت تختطف من بين أيديهم وتعرض للمشاهدة والتبجح في فيلات ومنازل الأثرياء الجدد إن من يجمع، كتب والتر بنيامين، الوقت نفسه. (۱) عام ١٧٩٢ تم تحويل قصر اللوفر إلى متحف، وفتحت أبوابه أمام عامة الشعب، باحتجاج مملوء بالغطرسة ضد الرأي الجديد القائل بإن التاريخ ملك للجميع، لا للتخيلات ولا للقلوب. وعندما افتتح بعد ذلك بسنوات الفنان وبائع التحف الأثرية الكسندر لنوار متحفاً للتماثيل الفرنسية من أجل إنقاذ فن النحت وصنع الأثاث في القصور والأديرة والقلاع التي كانت الثورة قد نهبتها، وصف شاتوبريان هذا العمل باحتقار قائلاً إنه «تجميع خرائب وتوابيت من غرف أديرة اوغسطينس الصغير. ۲) غير أن نقد شاتوبريان لم يلاق أي صدى في صفوف الرأي العام ولا في العالم الخاص بأصحاب المجموعات الأثرية. في تفعيل أعداد كبيرة كانت قد نجت من الثورة، علماً بأن المكتبات الخاصة في فرنسا ما قبل الثورة كانت تعتبر ثروات عائلية تصان وتغنى من جيل إلى آخر، وكانت ترمز إلى المكانة الاجتماعية والأناقة والفخامة ونوع المعيشة. دعونا نتصور الدوق دو اوم، ۳) أحد أشهر جامعي ومحبي عاماً عصره (توفي عن أربعين وهو يسحب من خزائنه المكدسة بالكتب نسخة من خطابات شيشرون، وعدم النظر إليها على أنها نسخة من النسخ العديدة الموجودة بالمئات والآلاف في العديد من المكتبات، وإنما كنسخة وحيدة فريدة من نوعها مجلدة حسب رغبته ومزودة بخط يده بملاحظات على حافاتها ومزدانة بختم ذهبي يمثل شعار عائلته النبيلة. في مع حلول القرن الثاني حصلت الكتب على مكانة السلع التجارية، وأصبحت قيمة كتاب ما أساساً للتثمين مما جعل الدائنين يعترفون بالكتب كضمان. هناك العديد من الملاحظات المدونة العديد من كتب العصور الوسطى تشير إلى عقد مثل هذه الصفقات، 4) . القرن الخامس وفي عشر استقرت تجارة الكتب كعامل اقتصادي إلى درجة أصبحت فيه في الأسواق والمعارض التجارية في فرانكفورت ونوردلينغن بمثابة السلع التجارية. 5) كان بعض الكتب النادرة يملك بالطبع قيمة لا تقدر بثمن، وكان حتى ذلك الحين يحقق أسعاراً خيالية (بيعت نسخة كتاب رسائل (Epistolae) الذي وضعه پیتروس دلفينوس عام ١٥٢٤ بمبلغ 1000 ليرة عام 1719 - القيمة الحالية نحو ۳۰۰۰۰ دولار أميركي، إلا أن معظم الكتب كانت ملكاً عائلياً لم يكن الوصول إليها بالأمر الهين باستثناء صاحبها وورثته من بعده لهذا السبب بالذات كان الثوار ينهبون المكتبات (3) الخاصة. في انتهت المكتبات المصادرة من رجال الدين والنبلاء «أعداء الجمهورية، إلى مستودعات ضخمة باريس وليون وديجون وفي غيرها من المدن الفرنسية، وأصبحت عرضة للأوساخ والرطوبة والعث، خاصة أن حكومة الثورة لم تكن تهتم بالقرارات المتعلقة بمصير هذه الكتب مع مرور الوقت أصبح تخزين هذه الكتب من المشاكل الكبيرة التي دفعت الدوائر الرسمية إلى التخلص منها وبيعها بأبخس الأثمان. على الأقل حتى تأسيس أول بنك أهلي في فرنسا عام ١٨٠٠، كانت غالبية جامعي الكتب الفرنسيين من الفقر بمكان (هذا إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة أو داخل البلاد) لا يمكنهم من اقتناء الكتب، الانتفاع بهذه العروض، مما دفع التجار المحليين إلى التركيز على الزبائن الأجانب. خلال إحدى عمليات البيع بالجملة في باريس عام ١٨١٦ اقتنی تاجر الكتب والناشر جاك ـ سيمون مرلان كميات هائلة من الكتب ملأت منزلين بطابقين من القبو إلى السقف كان قد اشتراهما خصيصاً لهذا الغرض. وكان سعر الكتب يتقرر بالوزن بغض النظر عن النسخ الثمينة والنادرة الموجودة بينها وبرغم ارتفاع أثمان الكتب الجديدة. على سبيل المثال، ثلث ما كان عامل زراعي يتقاضاه من أجر خلال شهر واحد، في حين أن الطبعة الأولى من رواية الكوميديين لپول سكارون (١٦٥١) بیعت بعشر هذا السعر. 1) في نهاية الأمر جرى توزيع الكتب المصادرة وغير البالية وغير المباعة إلى الخارج، على مختلف المكتبات العامة برغم ضعف إقبال القراء عليها، علماً بأن زيارة المكتبات العامة كانت في النصف الأول من القرن قليلة جداً نتيجة لنظام الملابس المفروض على مرتادي المكتبات العامة. 1) لكن الأمور تغيرت بسرعة. في عام 1803 أبصر النور غوغليلمو بروتو إتسيليو تموليونه، دوق ليبري - کاروچي ديلا سومايا في فلورنسا لعائلة نبيلة من توسكانا، في عام ۱۸٣٠ هاجر، على أكثر احتمال بسبب ضغوط حركة كاربوناري الوطنية، إلى باريس وأصبح بعد فترة قصيرة مواطناً فرنسياً، حيث جرى اختصار اسمه الرنان الطويل إلى الدوق ليبري الذي استقبل من الأكاديميين الفرنسيين بكل حفاوة وترحيب، وكأستاذ للعلوم الطبيعية في جامعة باريس تم انتخابه عضواً في معهد فرنسا وبعدئذ في جوقة الشرف. بل كان عبداً عاشقاً للكتب. هناك تقارير تشير إلى أنه كان يملك في عام ١٨٤٠ مجموعة محترمة من الكتب، إلى جانب متاجرته ببعض النسخ والمطبوعات النادرة. وبرغم كفاءاته العالية لم يتمكن من الحصول على منصب في المكتبة الوطنية، لكنه أصبح في عام ١٨٤١ سكرتيراً لهيئة رسمية مكلفة بالإشراف على إعداد «كاتالوج كامل ومفصل لجميع المخطوطات في اللغات القديمة والجديدة الموجودة في جميع المكتبات العامة التابعة لجميع المناطق أكتيف اذهب إلى الإدارية في البلاد. أيار/مايو ١٨٤٦ في باريس كما يلي: «يوحي مظهره الخارجي كأنه لم ير في حياته الصابون أو الماء أو الفرشاة. لم يكن عرض الغرفة التي أدخلنا إليها يتعدى نحو خمسة أمتار، ومع هذا فإن الرفوف المكدسة بالكتب كانت تحيط بنا من كل جانب ناطحة سقف الغرفة. كانت النوافذ مزودة بستائر مزدوجة والنار مشتعلة داخل الموقد الممتزجة حرارته برائحة أوراق البردي. لاحظ ليبري عدم ارتياحنا ففتح نافذة الغرفة، غير أننا لاحظنا أن الهواء النقي لا يتلاءم مع مزاجه، لكنها آخذه بالعرض. »(۱۱) ما لم يكن السر فريدريك يعرفه في حينه: كان الدوق ليبري أكبر سارق للكتب على مر العصور والأزمان. حسب رأي الكاتب الاجتماعي من القرن السابع عشر تالمان دي ريو، لم تكن سرقة الكتب جريمة يعاقب عليها إن لم يقم السارق ببيع الكتب. بهدوء، الصفحات التي لا يحق لكل من هب ودب أن يمسها، كان دون شك أحد الدوافع وراء أفعاله. إلا أننا لا نعرف إن كان منظر هذا العدد الكبير من الكتب النفيسة قد أغراه بسرقتها، أم أن الجشع بحيازة هذه الكتب كان وراء نزواته. كان ليبري المزود بالتصاريح الرسمية واللابس عباءة فضفاضة يخبئ في طياتها فرائسه، يزور جميع مكتبات فرنسا بحكم منصبه مستغلاً معارفه الخاصة لالتقاط نفائس الكتب من الرفوف. في كاربتراس وديجون وغرنوبل وليون ومونبلييه وأورليان وبواتييه وتور لم يسرق كتباً بكاملها وحسب، ۱۳) لم تسلم منه إلا مدينة أوكسير. إذ سمح أمين مكتبتها الدؤوب على العمل للموظف الحكومي الدوق ليبري، بالمبيت ليلا في المكتبة، إلا أنه أصر على تخصيص أحد حراس المتحف لخدمته ولتحقيق جميع رغباته. ١٤) تعالت أولى أصوات الاتهام ضد الدوق ليبري عام ١٨٤٦، لكنها لم تلاق أي اهتمام لعدم مصداقيتها مما جعل الدوق ليبري يستمر في فعلته في نهب المكتبات. ثم تحول إلى بيع القسم الأكبر من الكتب المسروقة معداً من أجل ذلك كاتالوجاً مفصلاً بالمحتويات. ١٥) لماذا أقدم جامع الكتب المتحمس على بيع الكتب بعد أن كان قد حصل عليها بشق الأنفس وبطريقة محفوفة بالمخاطر؟ ربما كان يظن مثل الكاتب بروست أن الحاجة «تجعل الأشياء تزدهر في حين أن التملك يذبلها». ١٦) أو ربما أراد فقط التركيز على تجميع أغلى قطع اللؤلؤ في الكنز المسروق، أو أن الجشع في الحصول على المال دفعه إلى بيع الكتب ـ أكثر التبريرات المخيبة للآمال في الواقع. وازدادت الاتهامات الموجهة ضده، مما جعل المدعي العام بعد عام واحد يأمر بفتح تحقيق في الموضوع حاول رئيس الوزراء م. غويزو التعتيم عليه لأنه كان صديقاً عزيزاً للدوق ليبري وشاهداً على زواجه. هذه التحريات كانت ستتوقف دون شك عند هذا الحد لو لم تضع ثورة ١٨٤٨ نهاية لملكية تموز/يوليو وإعلان الجمهورية الثانية. فجأة ظهرت إضبارة ليبري المحفوظة حتى ذلك الحين في درج غويزو. لكن ليبري حذر ففر مع زوجته إلى إنكلترا مصطحباً ثمانية عشر صندوقاً من الكتب تقدر قيمتها بنحو ٢٥٠٠٠ فرنك. ١٧) كانت أجرة العامل اليومية آنئذ تبلغ 4 فرنكات. ^ مریمیه (۱۹) مجموعة كبيرة من السياسيين والفنانين والكتاب انبرت للدفاع عن الدوق ليبري (دون جدوى). وكان الآخرون يثقون بنزاهته. كان الكاتب بروسير من أبرز المدافعين عن ليبري. وعندما قال مريميه، إنه كان قد شاهد هذا الكتاب في تور، صدقه مريميه. في رسالة بعث بها إلى إدوارد دلسوت في 5 حزيران/يونيو ١٨٤٨ أصر مريميه على ما يلي: «بالنسبة إلي، أنا الذي قال مراراً وتكراراً إن هواية الجمع تغوي الناس بارتكاب الجرائم، باستثناء ليبري، يعيد كتاباً إلى محله في الرف كان شخص آخر قد سرقه. (۲۰) حتى بعد مرور عامين على صدور الحكم القضائي بحق ليبري، أصـر مريميه في مجلة La Revue des Deux Mondes(۲۱) بكل ما أوتي من قوة على براءة صديقه الحميم مما أدى إلى تقديمه إلى القضاء وعوقب بتهمة عدم احترام الأحكام الصادرة عن المحكمة. أدى ثقل الأدلة والبراهين إلى الحكم على ليبري غيابياً بالسجن عشر سنوات، رحب اللورد آشبورنهايم، الذي كان قد ابتاع من ليبري بواسطة تاجر الكتب جوزيف باروا نسخة نادرة مصورة أخرى من كتاب البنتاتوغ (نسخة كان قد سرقها من المكتبة العامة في ليون)، بالحكم الصادر بحق ليبري وأعاد الكتاب إلى السفارة الفرنسية في لندن. كان هذا هو الكتاب الوحيد الذي أعاده اللورد آشبورنهايم إلى أصحابه الشرعيين. «إن التهانئ المتقاطرة من جميع الجهات والأطراف على صاحب هذه الفعلة النبيلة لم تستطع بالطبع حثه على تكرار نفس المبادرة ما يتعلق بالكتب الأخرى الموجودة في مكتبته»، كما علق ليوبولد الذي كان قد أصدر عام ١٨٨٨ كاتالوجاً يتضمن الكتب التي كان ليبري قد سرقها. كان في هذه الأثناء اختتم ليبري الصفحة الأخيرة في حكاية سرقة الكتب، إذ انتقل من إنكلترا إلى فيزول قرب فلورنسا حيث توفي في ٢٨ أيلول/سبتمبر ١٨٦٩ فقيراً معدم الحال دون أن يرد إليه اعتباره ـ لكن ليس دون الانتقام من متهميه. في العام الذي توفي فيه ليبري اقتنى عالم الرياضيات ميشيل شاسليه، الذي خلف ليبري على كرسي الأستاذية في المعهد الفرنسي، مجموعة من المخطوطات الثمينة الأصلية | التي متأكداً من أنها ستجلب له الشهرة والمجد وتجعله محسوداً. ومريم المجدلية الإنجيلية. لكن سرعان ما تبين أن هذه الرسائل كانت مزيفة من عمل فران - لوكاس الذي كان ليبري قد أوعز له بزيارة خليفته في المنصب. ۲۳) لم تكن سرقة الكتب في عهد ليبري جنحة جديدة. ويعود تاريخ سرقة الكتب إلى بداية المكتبات الأوروبية الغربية، ودون شك إلى زمن المكتبات الإغريقية والشرقية»، تومبسون. من مخطوطات إغريقية، نظراً لأن الرومان كانوا قد نهبوا الممتلكات الإغريقية عن بكرة أبيها. ومكتبة مثريداتس من بونتوس، ومكتبة أبيليكون من تيوس (استخدمها شيشرون في وقت لاحق) ونقلوها برمتها إلى روما. وحتى القرون المبكرة من المسيحية لم تكن خالية من عمليات سرقة الكتب، إذ كان الراهب القبطي باخوميوس، مؤسس المكتبة في بداية القرن الثالث دير تابينيسي المصري، يقوم كل مساء بجرد الكتب الموجودة في المكتبة للتأكد من إعادة جميع المخطوطات المستعارة. ٢٥) وخلال حملات السلب والنهب التي شنها الفايكنك على إنكلترا الأنغلو ـ سكسونية سرقوا الكتب المصورة من الرهبان طمعاً في نزع الذهب من أغلفتها. كان أحد هذه الكتب النفيسة النادرة Codex Aureus ، قد شرق في فترة ما من القرن الحادي عشر، وأعيد إلى أصحابه لقاء مبلغ من المال لأن السارقين لم يستطيعوا العثور على مشتر لغنيمتهم النفيسة. واستمر سارقو الكتب يمارسون أفعالهم عبر العصور الوسطى وعصر النهضة؛ وفي عام ١٧٥٢ أصدر البابا بنيديكتس الرابع عشر مرسوماً يهدد السارقين بتحريمهم كنسياً ثم صدرت عقوبات صارمة بحق هؤلاء السارقين كما ورد في أحد الكتب الثمينة من عصر النهضة: اسم صاحب الكتاب تراه مقروءاً إحذر فإنك تسرقه، ولا تسرقني إذ إنك لو فعلت ذلك دون تلكؤ فإن رقبتك ستكون الثمن صورة عمود المشنقة أنظر إلى الأسفل وسترى لذا إحذر في الوقت المناسب قبل أن تعلق على هذا العمود. ٢٦) أو هذا التحذير المعلق في مكتبة دير سان بدرو في برشلونة: من يسرق كتباً، أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها، عسى أن يتحول الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يصاب بشلل ارتجافي قاهر وأن تشل أطرافه، جميع أن يصرخ عالياً طالباً الرحمة وعسى | الا تنقطع آلامه إلى عسى أن يتحول إلى رمة متفسخة، وأن تعشعش الديدان في أحشائه مثل دود الموتى الذي لا يفني. وعندما يمثل أمام يوم الدين لتلتهمه نار جهنم إلى الأبد. ٢٧) غير أن اللعنات لم تثن أولئك القراء الذين كانوا يريدون الحصول على كتاب معين بأي ثمن. فالإلحاح للحصول على كتاب وتملكه هو نوع من الشهوة التي لا يمكن مقارنتها بأي شهوة أخرى. ويصبح الكتاب أفضل على القراءة»، وعندما يكون ملكنا، ويصبح معروفاً من قبلنا مدة طويلة، فإننا نعرف كل دقائقه وثناياه وخباياه ونستطيع تقفي آثار الوسخ عليه وقطع الخبز بالزبدة التي تناولناها عند قراءته. والأذن ترجع صدى الكلمات المقروءة، والأنف يشم رائحة الورق والصمغ والحبر والورق المقوى أو الجلد، والتجليد الناعم أو القاسي، وحتى حاسة الذوق تشارك في العملية عندما يرفع القارئ إلى فمه الإصبع الموجودة على الصفحة (الطريقة التي سم فيها القاتل ضحاياه في رواية أمبرتو إيكو اسم الوردة). جميع نملكها هي هذه المشاعر لا يريد القراء تقاسمها مع الآخرين - وعندما يكون الكتاب الذي يريدون الحصول عليه ملك شخص آخر، فإن المحافظة على التملك تصبح صعبة مثل المحافظة على الإخلاص في الحب. ثم إن تملك الكتاب يصبح في بعض الأحيان رديفاً للملكة الثقافية، حيث نصبح شاعرين بان الكتب التي الكتب التي نعرفها، تسعة أعشار القانون، وكيف أن نظرة واحدة إلى الكتب التي نعتبرها ملكنا والتي تملأ رفوف مكتباتنا طائعة والمخصصة لتكون تحت تصرفنا فقط، تعطينا حق القول: إن كل هذه الكتب هي ملكي. إن مجرد وجودها يبدو وكأنه يغدق علينا الحكمة حتى دون قراءتها. في هذا الصدد أصبحت مذنباً مثل الدوق ليبري. حتى في يومنا هذا حيث نغرق في عشرات الطبعات وفي آلاف النسخ من نفس الكتاب، هذه النسخة، هي بالنسبة إلي الكتاب. إن الملاحظات على صفحات الكتاب والبقع الموجودة عليه وعلامات القراءة داخله من هذا النوع أو ذاك، لحظة أو مكان معين - جميع هذه الأمور تميز كتابي وتجعله نسخة فريدة من نوعها، قد نكون عرضة لتبرير سرقات الدوق ليبري.


النص الأصلي

ها انا في طريقي إلى الانتقال إلى مسكن آخر. حولي تتراكم كتل من الكتب التي ظهرت فجأة إلى العيان بعد تحريك قطع الأثاث من مكانها، كتب تبدو بطبقة الغبار السميكة التي تلفها كصخور نحتتها الرياح في منطقة صحراوية. في الوقت الذي أقوم فيه بتكديس الكتب التي أعرفها، أسأل نفسي، كما فعلت من ذي قبل مراراً وتكراراً، يا ترى لماذا أجمع هذا الكم الهائل من الكتب التي أعرف تمام المعرفة بأنني لن أعيد قراءتها مطلقاً. أما الجواب فأعرفه أيضاً: بعد كل مرة أنفصل فيها عن أحد الكتب أشعر بعد بضعة أيام بحاجة ماسة إليه. أو: أنني لا أعرف كتاباً (أو لنقل قلة قليلة من الكتب) إلا ويحتوي على جملة شيقة واحدة على الأقل، أو: أنني أقتني الكتاب لسبب معين بالذات، سيبرهن في المستقبل أيضاً على ضرورته. ثم إنني أعلل نفسي بأن امتلاك مكتبة عامرة قد يكون ذا نفع، وكيف أن الأمر يتعلق في الواقع بكتب نادرة تمنحني بطريقة ما ميزة العالم المتبحر في الأمور. مع كل هذا فإنني أعرف أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن. الاستغناء عن هذا الحجم الهائل المتزايد من الكتب ما هو إلا نوع من الجشع لا حدود له. عدم ثم إنني أتمتع كثيراً بمنظر الرفوف المكدسة بالكتب وبرؤية الكتب التي أعرفها جميعها. كما وأتلذذ بالأفكار التي توحي إلي بأنني محاط بفهرست لقسم مهم من محتويات حياتي ولما يخبئه لي مستقبلي. وكم اتمتع عندما أعثر داخل كتب منسية تقريباً على آثار قراءات تعود إلى سنوات عديدة مضت: خربشات على حافة الكتاب، بطاقات سيارات نقل الركاب، قصاصات عليها أسماء وأعداد غريبة، وفي بعض الأحيان كتابة المكان والتاريخ على غلاف كتاب ما يعيدني إلى مقهى معين، أو إلى غرفة في أحد الفنادق، أو إلى فصل صيف ولى منذ مدة طويلة. وإذا ما اقتضى الأمر فإنني أستطيع أن أخلف هذه الكتب وراثي وأن أبدأ بطريقة ما من جديد، كما فعلت ذلك مراراً


وتكراراً لعدم وجود حيلة أخرى لدي، بجمع الكتب من جديد. إلا أن ذلك كان يعني خسارة فادحة لا يمكن تعويضها. أنا أعرف تماماً أن شيئاً ما يموت في داخلي عندما أستغني عن كتبي، وان ذكرياتي تعود إليها دوماً وأبدأ وتصيبني بحنين مؤلم للغاية. مع مرور السنوات لم يبق عالقاً ذاكرتي سوى بعض الكتب القليلة إلى درجة تبدو فيها ذاكرتي كمكتبة تعرضت إلى عملية نهب غرف عديدة باتت موصدة في وجهي، وكلما لالتقاط كتاب ما أجد أمامي فراغات كثيرة وفجوات في الرفوف. هكذا أتناول احد الكتب المتبقية وأفتحه فأرى أن الونداليين قد مزقوا صفحات كثيرة منه، وكلما ضعفت الذاكرة، تزداد حاجتي إلى حماية تجاربي هذه مع القراءة والمحافظة عليها - نسيج أفكار، أصوات، روائح عبقة، لقد أصبحت حيازة هذه الكتب نفيسة على قلبي أريد حماية الماضي بكل جوارحي. مددت يدي لأنني كان أحد أهـداف الثورة الفرنسية هو الـقـضـاء عـلـى الـتـصـورات القائلة إن للأرستقراطية فقط ماضياً تفتخر به في نقطة واحدة فقط لم يتكلل مسعاها هذا بالنجاح أصبح تجميع الأثريات هواية برجوازية، في البداية على عهد نابليون عاشق الديكورات الرومانية، ومن ثم في عهد الجمهورية أيضاً، في بداية القرن التاسع عشر أصبح تكديس الخردوات المغيرة، وألواح الفنانين الكبار والمخطوطات الثمينة هواية حديثة لهدر الوقت وتمضيته في أوروبا، مما جعل محلات بيع الأشياء المستعملة تزدهر، وحقق تجار التحف الأثرية ثروات طائلة من وراء بيع درر ما قبل الثورة التي كانت تختطف من بين أيديهم وتعرض للمشاهدة والتبجح في فيلات ومنازل الأثرياء الجدد إن من يجمع، كتب والتر بنيامين، «لا يحلم أنه موجود في عالم بعيد أو ماض، وإنما، في عالم أفضل، الوقت نفسه. (۱) عام ١٧٩٢ تم تحويل قصر اللوفر إلى متحف، وفتحت أبوابه أمام عامة الشعب، باحتجاج مملوء بالغطرسة ضد الرأي الجديد القائل بإن التاريخ ملك للجميع، تذمر الروائي النبيل فرانسوا - رينيه دو شاتوبريان مشيراً إلى أن عرض هذه الأعمال الفنية ولم يعد لديه ما يقوله، لا للتخيلات ولا للقلوب.. وعندما افتتح بعد ذلك بسنوات الفنان وبائع التحف الأثرية الكسندر لنوار متحفاً للتماثيل الفرنسية من أجل إنقاذ فن النحت وصنع الأثاث في القصور والأديرة والقلاع التي كانت الثورة قد نهبتها، وصف شاتوبريان هذا العمل باحتقار قائلاً إنه «تجميع خرائب وتوابيت من غرف أديرة اوغسطينس الصغير..(۲) غير أن نقد شاتوبريان لم يلاق أي صدى في صفوف الرأي العام ولا في العالم الخاص بأصحاب المجموعات الأثرية. في تفعيل أعداد كبيرة كانت قد نجت من الثورة، علماً بأن المكتبات الخاصة في فرنسا ما قبل الثورة كانت تعتبر ثروات عائلية تصان وتغنى من جيل إلى آخر، وكانت ترمز إلى المكانة الاجتماعية والأناقة والفخامة ونوع المعيشة. دعونا نتصور الدوق دو اوم،(۳) أحد أشهر جامعي ومحبي عاماً عصره (توفي عن أربعين وهو يسحب من خزائنه المكدسة بالكتب نسخة من خطابات شيشرون، وعدم النظر إليها على أنها نسخة من النسخ العديدة الموجودة بالمئات والآلاف في العديد من المكتبات، وإنما كنسخة وحيدة فريدة من نوعها مجلدة حسب رغبته ومزودة بخط يده بملاحظات على حافاتها ومزدانة بختم ذهبي يمثل شعار عائلته النبيلة. في مع حلول القرن الثاني حصلت الكتب على مكانة السلع التجارية، وأصبحت قيمة كتاب ما أساساً للتثمين مما جعل الدائنين يعترفون بالكتب كضمان. هناك العديد من الملاحظات المدونة العديد من كتب العصور الوسطى تشير إلى عقد مثل هذه الصفقات، خاصة عندما كانت ملكية هذه الكتب تعود إلى الطلبة.(4) . القرن الخامس وفي عشر استقرت تجارة الكتب كعامل اقتصادي إلى درجة أصبحت فيه في الأسواق والمعارض التجارية في فرانكفورت ونوردلينغن بمثابة السلع التجارية.(5) كان بعض الكتب النادرة يملك بالطبع قيمة لا تقدر بثمن، وكان حتى ذلك الحين يحقق أسعاراً خيالية (بيعت نسخة كتاب رسائل (Epistolae) الذي وضعه پیتروس دلفينوس عام ١٥٢٤ بمبلغ 1000 ليرة عام 1719 - القيمة الحالية نحو ۳۰۰۰۰ دولار أميركي، إلا أن معظم الكتب كانت ملكاً عائلياً لم يكن الوصول إليها بالأمر الهين باستثناء صاحبها وورثته من بعده لهذا السبب بالذات كان الثوار ينهبون المكتبات (3) الخاصة. في انتهت المكتبات المصادرة من رجال الدين والنبلاء «أعداء الجمهورية، إلى مستودعات ضخمة باريس وليون وديجون وفي غيرها من المدن الفرنسية، وأصبحت عرضة للأوساخ والرطوبة والعث، خاصة أن حكومة الثورة لم تكن تهتم بالقرارات المتعلقة بمصير هذه الكتب مع مرور الوقت أصبح تخزين هذه الكتب من المشاكل الكبيرة التي دفعت الدوائر الرسمية إلى التخلص منها وبيعها بأبخس الأثمان. على الأقل حتى تأسيس أول بنك أهلي في فرنسا عام ١٨٠٠، كانت غالبية جامعي الكتب الفرنسيين من الفقر بمكان (هذا إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة أو داخل البلاد) لا يمكنهم من اقتناء الكتب، ولم يكن إلا بمقدور الأجانب، في المقام الأول الألمان والإنكليز، الانتفاع بهذه العروض، مما دفع التجار المحليين إلى التركيز على الزبائن الأجانب. خلال إحدى عمليات البيع بالجملة في باريس عام ١٨١٦ اقتنی تاجر الكتب والناشر جاك ـ سيمون مرلان كميات هائلة من الكتب ملأت منزلين بطابقين من القبو إلى السقف كان قد اشتراهما خصيصاً لهذا الغرض. وكان سعر الكتب يتقرر بالوزن بغض النظر عن النسخ الثمينة والنادرة الموجودة بينها وبرغم ارتفاع أثمان الكتب الجديدة. في الأول من القرن التاسع عشر كان سعر رواية واحدة يعادل، على سبيل المثال، ثلث ما كان عامل زراعي يتقاضاه من أجر خلال شهر واحد، في حين أن الطبعة الأولى من رواية الكوميديين لپول سكارون (١٦٥١) بیعت بعشر هذا السعر.(1) في نهاية الأمر جرى توزيع الكتب المصادرة وغير البالية وغير المباعة إلى الخارج، على مختلف المكتبات العامة برغم ضعف إقبال القراء عليها، علماً بأن زيارة المكتبات العامة كانت في النصف الأول من القرن قليلة جداً نتيجة لنظام الملابس المفروض على مرتادي المكتبات العامة. هكذا عاد الغبار يتراكم من جديد على كتل الكتب النفيسة.(1) لكن الأمور تغيرت بسرعة. في عام 1803 أبصر النور غوغليلمو بروتو إتسيليو تموليونه، دوق ليبري - کاروچي ديلا سومايا في فلورنسا لعائلة نبيلة من توسكانا، درس الحقوق والرياضيات وكان في الأخيرة نابغاً إلى درجة جعلت جامعة بيزا تمنحه كرسي الرياضيات وهو لا يزال في العشرين من عمره. في عام ۱۸٣٠ هاجر، على أكثر احتمال بسبب ضغوط حركة كاربوناري الوطنية، إلى باريس وأصبح بعد فترة قصيرة مواطناً فرنسياً، حيث جرى اختصار اسمه الرنان الطويل إلى الدوق ليبري الذي استقبل من الأكاديميين الفرنسيين بكل حفاوة وترحيب، وكأستاذ للعلوم الطبيعية في جامعة باريس تم انتخابه عضواً في معهد فرنسا وبعدئذ في جوقة الشرف. إلا أن الدوق ليبري لم يكن خادماً أميناً للعلم وحسب، بل كان عبداً عاشقاً للكتب. هناك تقارير تشير إلى أنه كان يملك في عام ١٨٤٠ مجموعة محترمة من الكتب، إلى جانب متاجرته ببعض النسخ والمطبوعات النادرة. وبرغم كفاءاته العالية لم يتمكن من الحصول على منصب في المكتبة الوطنية، لكنه أصبح في عام ١٨٤١ سكرتيراً لهيئة رسمية مكلفة بالإشراف على إعداد «كاتالوج كامل ومفصل لجميع المخطوطات في اللغات القديمة والجديدة الموجودة في جميع المكتبات العامة التابعة لجميع المناطق أكتيف اذهب إلى الإدارية في البلاد. أيار/مايو ١٨٤٦ في باريس كما يلي: «يوحي مظهره الخارجي كأنه لم ير في حياته الصابون أو الماء أو الفرشاة. لم يكن عرض الغرفة التي أدخلنا إليها يتعدى نحو خمسة أمتار، ومع هذا فإن الرفوف المكدسة بالكتب كانت تحيط بنا من كل جانب ناطحة سقف الغرفة. كانت النوافذ مزودة بستائر مزدوجة والنار مشتعلة داخل الموقد الممتزجة حرارته برائحة أوراق البردي. لاحظ ليبري عدم ارتياحنا ففتح نافذة الغرفة، غير أننا لاحظنا أن الهواء النقي لا يتلاءم مع مزاجه، علماً بأن أذنيه كانتا محشوتين بالقطن كما لو كان مضطراً دوماً لحماية نفسه من التيار الهوائي، ليبري إنسان جثيث، ذو ملامح لطيفة، لكنها آخذه بالعرض.»(۱۱) ما لم يكن السر فريدريك يعرفه في حينه: كان الدوق ليبري أكبر سارق للكتب على مر العصور والأزمان. حسب رأي الكاتب الاجتماعي من القرن السابع عشر تالمان دي ريو، لم تكن سرقة الكتب جريمة يعاقب عليها إن لم يقم السارق ببيع الكتب.(١٢) إن الشعور بحيازة كتاب ثمين وتقليب صفحاته، بهدوء، الصفحات التي لا يحق لكل من هب ودب أن يمسها، كان دون شك أحد الدوافع وراء أفعاله. إلا أننا لا نعرف إن كان منظر هذا العدد الكبير من الكتب النفيسة قد أغراه بسرقتها، أم أن الجشع بحيازة هذه الكتب كان وراء نزواته. كان ليبري المزود بالتصاريح الرسمية واللابس عباءة فضفاضة يخبئ في طياتها فرائسه، يزور جميع مكتبات فرنسا بحكم منصبه مستغلاً معارفه الخاصة لالتقاط نفائس الكتب من الرفوف. في كاربتراس وديجون وغرنوبل وليون ومونبلييه وأورليان وبواتييه وتور لم يسرق كتباً بكاملها وحسب، بل كان يسرق صفحات مفردة أيضاً ويقوم بعرضها أو بيعها أحياناً.(۱۳) لم تسلم منه إلا مدينة أوكسير. إذ سمح أمين مكتبتها الدؤوب على العمل للموظف الحكومي الدوق ليبري، الذي كان يصف نفسه بالسيد السكرتير أو السيد المفتش العام، بالمبيت ليلا في المكتبة، إلا أنه أصر على تخصيص أحد حراس المتحف لخدمته ولتحقيق جميع رغباته.(١٤) تعالت أولى أصوات الاتهام ضد الدوق ليبري عام ١٨٤٦، لكنها لم تلاق أي اهتمام لعدم مصداقيتها مما جعل الدوق ليبري يستمر في فعلته في نهب المكتبات. ثم تحول إلى بيع القسم الأكبر من الكتب المسروقة معداً من أجل ذلك كاتالوجاً مفصلاً بالمحتويات.(١٥) لماذا أقدم جامع الكتب المتحمس على بيع الكتب بعد أن كان قد حصل عليها بشق الأنفس وبطريقة محفوفة بالمخاطر؟ ربما كان يظن مثل الكاتب بروست أن الحاجة «تجعل الأشياء تزدهر في حين أن التملك يذبلها».(١٦) أو ربما أراد فقط التركيز على تجميع أغلى قطع اللؤلؤ في الكنز المسروق، أو أن الجشع في الحصول على المال دفعه إلى بيع الكتب ـ أكثر التبريرات المخيبة للآمال في الواقع. على أي حال: لم يكن التستر على بيع الكتب بالأمر الهين أبدأ. وازدادت الاتهامات الموجهة ضده، مما جعل المدعي العام بعد عام واحد يأمر بفتح تحقيق في الموضوع حاول رئيس الوزراء م. غويزو التعتيم عليه لأنه كان صديقاً عزيزاً للدوق ليبري وشاهداً على زواجه. هذه التحريات كانت ستتوقف دون شك عند هذا الحد لو لم تضع ثورة ١٨٤٨ نهاية لملكية تموز/يوليو وإعلان الجمهورية الثانية. فجأة ظهرت إضبارة ليبري المحفوظة حتى ذلك الحين في درج غويزو. لكن ليبري حذر ففر مع زوجته إلى إنكلترا مصطحباً ثمانية عشر صندوقاً من الكتب تقدر قيمتها بنحو ٢٥٠٠٠ فرنك.(١٧) كانت أجرة العامل اليومية آنئذ تبلغ 4 فرنكات.(^ مریمیه (۱۹) مجموعة كبيرة من السياسيين والفنانين والكتاب انبرت للدفاع عن الدوق ليبري (دون جدوى). علماً بأن العديد من هؤلاء الأشخاص كانوا قد انتفعوا من الاعيبه ولم يريدوا التورط في هذه الفضيحة، وكان الآخرون يثقون بنزاهته. كان الكاتب بروسير من أبرز المدافعين عن ليبري. كان ليبري قد عرض على مريميه في بيت أحد الأصدقاء نسخة من كتاب البنتاتوغ (السفر الخامس من أسفار موسى) المشهور المصور الذي يعود إلى القرن السابع عشر. وعندما قال مريميه، الكثير السفر والمطلع على المكتبات الفرنسية، إنه كان قد شاهد هذا الكتاب في تور، رد عليه ليبري بسرعة بأن ما شاهده لم يكن إلا النسخة الفرنسية من الكتاب الأصلي الذي كان قد اشتراه في إيطاليا. صدقه مريميه. في رسالة بعث بها إلى إدوارد دلسوت في 5 حزيران/يونيو ١٨٤٨ أصر مريميه على ما يلي: «بالنسبة إلي، أنا الذي قال مراراً وتكراراً إن هواية الجمع تغوي الناس بارتكاب الجرائم، يعتبر ليبري من أصدق الجامعين، ولا أعرف أي شخص آخر، باستثناء ليبري، يعيد كتاباً إلى محله في الرف كان شخص آخر قد سرقه. (۲۰) حتى بعد مرور عامين على صدور الحكم القضائي بحق ليبري، أصـر مريميه في مجلة La Revue des Deux Mondes(۲۱) بكل ما أوتي من قوة على براءة صديقه الحميم مما أدى إلى تقديمه إلى القضاء وعوقب بتهمة عدم احترام الأحكام الصادرة عن المحكمة. أدى ثقل الأدلة والبراهين إلى الحكم على ليبري غيابياً بالسجن عشر سنوات، ونُزعت عنه جميع مناصبه العامة التي كان يشغلها، رحب اللورد آشبورنهايم، الذي كان قد ابتاع من ليبري بواسطة تاجر الكتب جوزيف باروا نسخة نادرة مصورة أخرى من كتاب البنتاتوغ (نسخة كان قد سرقها من المكتبة العامة في ليون)، بالحكم الصادر بحق ليبري وأعاد الكتاب إلى السفارة الفرنسية في لندن. كان هذا هو الكتاب الوحيد الذي أعاده اللورد آشبورنهايم إلى أصحابه الشرعيين. «إن التهانئ المتقاطرة من جميع الجهات والأطراف على صاحب هذه الفعلة النبيلة لم تستطع بالطبع حثه على تكرار نفس المبادرة ما يتعلق بالكتب الأخرى الموجودة في مكتبته»، كما علق ليوبولد الذي كان قد أصدر عام ١٨٨٨ كاتالوجاً يتضمن الكتب التي كان ليبري قد سرقها. كان في هذه الأثناء اختتم ليبري الصفحة الأخيرة في حكاية سرقة الكتب، إذ انتقل من إنكلترا إلى فيزول قرب فلورنسا حيث توفي في ٢٨ أيلول/سبتمبر ١٨٦٩ فقيراً معدم الحال دون أن يرد إليه اعتباره ـ لكن ليس دون الانتقام من متهميه. في العام الذي توفي فيه ليبري اقتنى عالم الرياضيات ميشيل شاسليه، الذي خلف ليبري على كرسي الأستاذية في المعهد الفرنسي، مجموعة من المخطوطات الثمينة الأصلية | التي متأكداً من أنها ستجلب له الشهرة والمجد وتجعله محسوداً. كانت المجموعة تتضمن رسائل يوليوس قيصر، وبيثاغوروس، ونيرون، وكليوباترا، ومريم المجدلية الإنجيلية. لكن سرعان ما تبين أن هذه الرسائل كانت مزيفة من عمل فران - لوكاس الذي كان ليبري قد أوعز له بزيارة خليفته في المنصب.(۲۳) لم تكن سرقة الكتب في عهد ليبري جنحة جديدة. ويعود تاريخ سرقة الكتب إلى بداية المكتبات الأوروبية الغربية، ودون شك إلى زمن المكتبات الإغريقية والشرقية»، كما يقول لورنس س. تومبسون.(٢٤) ومن الجدير بالذكر أن المكتبات الرومانية المبكرة كانت تتكون، في المقام الأول، من مخطوطات إغريقية، نظراً لأن الرومان كانوا قد نهبوا الممتلكات الإغريقية عن بكرة أبيها. في سرق الرومان المكتبة الملكية المقدونية، ومكتبة مثريداتس من بونتوس، ومكتبة أبيليكون من تيوس (استخدمها شيشرون في وقت لاحق) ونقلوها برمتها إلى روما. وحتى القرون المبكرة من المسيحية لم تكن خالية من عمليات سرقة الكتب، إذ كان الراهب القبطي باخوميوس، مؤسس المكتبة في بداية القرن الثالث دير تابينيسي المصري، يقوم كل مساء بجرد الكتب الموجودة في المكتبة للتأكد من إعادة جميع المخطوطات المستعارة.(٢٥) وخلال حملات السلب والنهب التي شنها الفايكنك على إنكلترا الأنغلو ـ سكسونية سرقوا الكتب المصورة من الرهبان طمعاً في نزع الذهب من أغلفتها. كان أحد هذه الكتب النفيسة النادرة Codex Aureus ، قد شرق في فترة ما من القرن الحادي عشر، وأعيد إلى أصحابه لقاء مبلغ من المال لأن السارقين لم يستطيعوا العثور على مشتر لغنيمتهم النفيسة. واستمر سارقو الكتب يمارسون أفعالهم عبر العصور الوسطى وعصر النهضة؛ وفي عام ١٧٥٢ أصدر البابا بنيديكتس الرابع عشر مرسوماً يهدد السارقين بتحريمهم كنسياً ثم صدرت عقوبات صارمة بحق هؤلاء السارقين كما ورد في أحد الكتب الثمينة من عصر النهضة: اسم صاحب الكتاب تراه مقروءاً إحذر فإنك تسرقه، ولا تسرقني إذ إنك لو فعلت ذلك دون تلكؤ فإن رقبتك ستكون الثمن صورة عمود المشنقة أنظر إلى الأسفل وسترى لذا إحذر في الوقت المناسب قبل أن تعلق على هذا العمود.(٢٦) أو هذا التحذير المعلق في مكتبة دير سان بدرو في برشلونة: من يسرق كتباً، أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها، عسى أن يتحول الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يصاب بشلل ارتجافي قاهر وأن تشل أطرافه، جميع أن يصرخ عالياً طالباً الرحمة وعسى | الا تنقطع آلامه إلى عسى أن يتحول إلى رمة متفسخة، وأن تعشعش الديدان في أحشائه مثل دود الموتى الذي لا يفني. وعندما يمثل أمام يوم الدين لتلتهمه نار جهنم إلى الأبد.(٢٧) غير أن اللعنات لم تثن أولئك القراء الذين كانوا يريدون الحصول على كتاب معين بأي ثمن. فالإلحاح للحصول على كتاب وتملكه هو نوع من الشهوة التي لا يمكن مقارنتها بأي شهوة أخرى. ويصبح الكتاب أفضل على القراءة»، كما اعترف تشارلز لام أحد معاصري الدوق ليبري، وعندما يكون ملكنا، ويصبح معروفاً من قبلنا مدة طويلة، فإننا نعرف كل دقائقه وثناياه وخباياه ونستطيع تقفي آثار الوسخ عليه وقطع الخبز بالزبدة التي تناولناها عند قراءته..(۲۸) أكتي يشكل فعل القراءة علاقة حميمية وجسدية مع الكتاب بمشاركة جميع الحواس: العين تجمع الكلمات على الصفحة، والأذن ترجع صدى الكلمات المقروءة، والأنف يشم رائحة الورق والصمغ والحبر والورق المقوى أو الجلد، والأنامل تتحسس الصفحات الناعمة أو الخشنة، والتجليد الناعم أو القاسي، وحتى حاسة الذوق تشارك في العملية عندما يرفع القارئ إلى فمه الإصبع الموجودة على الصفحة (الطريقة التي سم فيها القاتل ضحاياه في رواية أمبرتو إيكو اسم الوردة). جميع نملكها هي هذه المشاعر لا يريد القراء تقاسمها مع الآخرين - وعندما يكون الكتاب الذي يريدون الحصول عليه ملك شخص آخر، فإن المحافظة على التملك تصبح صعبة مثل المحافظة على الإخلاص في الحب. ثم إن تملك الكتاب يصبح في بعض الأحيان رديفاً للملكة الثقافية، حيث نصبح شاعرين بان الكتب التي الكتب التي نعرفها، كما لو أن الحيازة تشكل في المكتبات كما في المحاكم، تسعة أعشار القانون، وكيف أن نظرة واحدة إلى الكتب التي نعتبرها ملكنا والتي تملأ رفوف مكتباتنا طائعة والمخصصة لتكون تحت تصرفنا فقط، تعطينا حق القول: إن كل هذه الكتب هي ملكي. إن مجرد وجودها يبدو وكأنه يغدق علينا الحكمة حتى دون قراءتها. في هذا الصدد أصبحت مذنباً مثل الدوق ليبري. حتى في يومنا هذا حيث نغرق في عشرات الطبعات وفي آلاف النسخ من نفس الكتاب، فإنني لا أرى سوى الكتاب الذي هو بين يدي. هذه النسخة، هذه النسخة لوحدها فقط، هي بالنسبة إلي الكتاب. إن الملاحظات على صفحات الكتاب والبقع الموجودة عليه وعلامات القراءة داخله من هذا النوع أو ذاك، لحظة أو مكان معين - جميع هذه الأمور تميز كتابي وتجعله نسخة فريدة من نوعها، قد نكون عرضة لتبرير سرقات الدوق ليبري. إذ أن الرغبة الكامنة والإلحاح، وإن كان للحظة واحدة، للقول بأن هذا الكتاب هو «ملكي» أمر عادي بالنسبة إلى الكثيرين من الناس الشرفاء أكثر مما نحن على استعداد للاعتراف به لاحقاً


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لقد حاولت هذه ا...

لقد حاولت هذه الدراسة تسليط الضوء على تمثلات النسق القيمي السلبي في الإشهارات التلفزيونية الجزائرية،...

تطورت هندسة وتك...

تطورت هندسة وتكوين ملفات التردد الراديوي (RF coils) في أنظمة التصوير بالرنين المغناطيسي بشكل كبير لم...

، أتوقع أن أتمك...

، أتوقع أن أتمكن من تطوير مهاراتي في إدارة الفرق متعددة الجنسيات بشكل أكثر فاعلية، بحيث ستساعدني الم...

4. Causes of Mi...

4. Causes of Migraines  Migraines are complex neurological conditions characterized by recurrent ep...

تقل اﻵن إلى الت...

تقل اﻵن إلى التعرف على التاريخ المشترك لﻸمة العربية كعامل وحدة وتفكك في الوقت نفسه ... قبل انتشار اﻹ...

المطلب الثاني: ...

المطلب الثاني: القيمة المضافة للبحث يعد تحليل أي موضوع بحثي عنصرا أساسيا في إثراء المعرفة العلمية و...

في التجويد الحر...

في التجويد الحروف الساكنه بيتحطلها قواعد ودا لفت انتباهي لشئ متكرر فى الدين الا وهو ان مينفعش حاجه...

هَدَفَت الدِراس...

هَدَفَت الدِراسَةُ لِتَقْيِيمِ فَعّالِيَّةِ الخَلايا المُشْتَقَّةِ مِن نُخاعِ العَظْمِ فِي عِلاجِ دا...

لقد احتفى ابن ا...

لقد احتفى ابن الفارض بإيراد ضمير المتكلم ( الياء) في نصوصه، حتى صارت المنبع الفياض له، واحتلت حيزا و...

La morphologie ...

La morphologie des fibres végétales influence de manière déterminante leur capacité d’adhérence avec...

Gossiping means...

Gossiping means talking about someone when they are not around. It may seem fun to share secrets or ...

. 2العينة: لغة...

. 2العينة: لغة: كلمة "العينة" مشتقة من الجذر "عين"، والذي يدل في اللغة العربية على الأخذ من الشيئ أ...