لخّصلي

المقدمة
يعتبر تحقيق التنمية المستدامة أحد أهم أهداف الدول من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية وتخفيض
تكاليف المنتجات والحفاظ على البيئة من اآلثار الضارة للنشاطات الصناعية وبما أن المحاسبة هي أحد العلوم
اإلجتماعية كان البد من تطوير هذا العلم لكي يتوافق مع التوجهات الحديثة, فكان ظهور المحاسبة البيئية كأحد
النتائج لمواكبة علم المحاسبة للتطورات المجتمعية الحاصلة في العالم فبرزت بوصفها أداة رقابية للنشاطات
البيئية في المنشآت الصناعية من أجل الحد من اإلنتهاكات البيئية وتقليل اإلنبعاثات الضارة وتخفيض تكاليف
تصنيع المنتجات على المدى الطويل.

1. مفهوم التنمية المستدامة:
   لقد تعددت المفردات المتداولة لتعريب مصطلح Development Sustainable الوارد في تقرير اللجنة
   العليا للبيئة والتنمية )WCED )لسنة ,1987 من قبيل :التنمية المتواصلة, التنمية القابلة لإلدامة والتنمية
   المستدامة أو المستديمة, إلى أن استقر التعريب
   أخيرا على مصطلح التنمية المستدامة, ومع ذلك تعددت تعاريفها
   محل للعديد من االنتقادات ويرجع االختلف في مفهومها إلى عدة عوامل )األمم إلى الحد الذي جعل مفهومها
   المتحدة, 1997(:
    المستويات المختلفة التي يتم تناول التنمية المستدامة عبرها: فالحديث عن االستدامة يتم على المستوى
   الوطني وعلى المستوى الدولي, ويختلف من مستوى آلخر.
    إن التنمية المستدامة ليست مجرد خطط لرفع النمو االقتصادي في الدول النامية بل هي مفهوم تتبناه
   ُلمتقدمة منها والنامية والمنظمات الدولية في صياغة استراتيجيات للقرون المقبلة
   جميع الدول ا
   البايولوجيون
    إن التنمية المستدامة لم تكن مقصورة على االقتصاديين فقط, بل تناولها أيضا
   والجيولوجيون وعلماء البيئة وعلماء الطبيعة, باإلضافة إلى علماء االجتماع والسياسة والمهتمون
   بقضايا السكان وقضايا المرأة والمهتمون بالصحة .
   َّق باإلنتاج واالستهلك.
    صعوبة تحديد النماذج االقتصادية المستدامة فيما يتعل
   يعرف Howitt and Aghion التنمية المستدامة على أنها "التنمية التي تأخذ بعين اإلعتبار ليس فقط
   رفاهية األجيال الحالية, ولكن رفاهية أجيال المستقبل أيضا, حيث تحدد الرفاهية بوضوح, وتؤخذ بعين االعتبار
   كافة إمكانيات اإلحلل التقني بين السلع الرأسمالية, وكافة العوائق التي تطرحها محدودية الموارد والتكاليف
   البيئية لإلنتاج واالستهلك" .
   ويعرفها الخولي بإنها "عملية التغيير التي يتناغم فيها إستغلل الموارد وتوجهات اإلستثمار ونواحي
   التنمية التقنية وتغيير المؤسسات على نحو يعزز كل من إمكانيات الحاضر والمستقبل للوفاء باحتياجات اإلنسان
   وتطلعاته".
   أما الصعيدي فيعرف التنمية المستدامة على أنها "التنمية الحقيقية ذات القدرة على اإلستقرار واالستمرار
   البيئي كمحور ضابط والتواصل من منظور استخدامها للموارد الطبيعية, والتي يمكن أن تتخذ التوازن
   لها, والذي
   يتحق من خلل اإلطار االجتماعي البيئي الذي يهدف إلى رفع مستوى معيشة األفراد من خلل النظم السياسية َّق
   واالقتصادية واالجتماعية والثقافية, التي تحافظ على تكامل اإلطار البيئي من خلل استخدام األساليب العلمية
   التي تنظم استخدام الموارد البيئية وتعمل على تنميتها في نفس الوقت" .

1
[email protected]
2
غير أن اإلستراتيجية الجديدة للتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة الذي يعود إليه الفضل في استخدام
مصطلح التنمية المستدامة, وبرنامج األمم المتحدة للبيئة أعادا صياغة تعريف التنمية المستدامة سنة 1991
بالقول أن " التنمية المستدامة هي فعل تحسين شروط وجود التجمعات البشرية, مع البقاء في حدود قدرة تحمل
أعباء األنظمة البيئية" .
2. أهداف التنمية المستدامة:
تختلف أهداف التنمية المستدامة وفقا 1( أهم أهداف التنمية المستدامة. لكل نطاق, ويوضح الشكل )
الشكل )1( : أهداف التنمية المستدامة
3. مميزات وخصائص التنمية المستدامة :
لقد أوضح Zaccai إلى أن تعاريف التنمية المستدامة وشروط تحققها تعتمد على المضمون الثقافي وأقر
بأربعة مميزات عملية كخطوط للنقاش أضيف إليها خامس وهي )2000 ,Zaccai) :
 ترقية حماية البيئة
 الرؤية العالمية للتنمية
 االهتمام بالتوازن بين الحاضر والمستقبل
 البحث عن التكامل بين مكونات التنمية
 التأكيد على حداثة مشروع التنمية المستدامة
َّل في كونها:
ولقد أوضح Barbier الى أن التنمية المستدامة تتميز بمجموعة من السمات تتمث
َّق بما هو طبيعي وما هو
 تختلف عن التنمية في كونها أشد تدخل وأكثر تعقيدا, وخاصة فيما يتعل
اجتماعي في التنمية .
 تتوجه أساسا لتلبية احتياجات أكثر الشرائح فقرا, وتسعى للحد من تفاقم الفقر في العالم.
 تحرص على تطوير الجوانب الثقافية واإلبقاء على الحضارة الخاصة بكل مجتمع .
 ال يمكن فصل عناصرها عن بعضها البعض؛ وذلك لشدة تداخل األبعاد والعناصر الكمية والنوعية لهذه
التنمية
4. مفهوم المحاسبة البيئية :
وظهرت العديد من الجوانب السلبية في إستغلل البيئة والعمل على
بالبيئة محاسبيا
بدأ اإلهتمام مؤخرا
اإلفصاح عن تلك الجوانب أو وصف أثارها نتيجة إستغلل اإلنسان للبيئة أو ممارسة نشاطاته من خللها وقد
ظهرت عدة مسميات في مجال المحاسبة تشير الى هذا الجانب ومن هذه المسميات )المحاسبة الخضراء( وتعني
المحاسبة البيئية أو الخضراء شمول وتكامل عملية القياس واإلفصاح المحاسبي واإلقتصادي لألنشطة والبرامج
التي تؤثر على البيئة والتي تمارسها الوحدات اإلقتصادية للوفاء بإحتياجات األطراف المختلفة في المجتمع
ويتوسع أخرون في تحديد مفهوم المحاسبة البيئية فيعرفونها على أنها "تحديد وقياس تكاليف األنشطة البيئية
3
وإستخدام تلك المعلومات في صنع قرارات اإلدارة البيئية بهدف تخفيض اآلثار البيئية السلبية لألنشطة واألنظمة
البيئية وإزالتها" .
تقوم المحاسبة البيئية بقياس وتخصيص التكاليف البيئية التي يجب أخذها بنظر اإلعتبار عند إتخاذ
القرارات اإلدارية لتوصيل المعلومات المتعلقة بمعرفة أثر منتجات وخدمات وأنشطة الشركة على ذوي المصلحة
)حملة األسهم والسندات, مجالس إدارة الوحدات وواضعي السياسات, المستهلكين, الموردين, المجتمع المحلي,
والجماعات البيئية( حول اآلثار البيئية لمنتجات وخدمات وأنشطة الشركة, ومن ثم قياس هذه اآلثار في شكل
, وبعد ذلك تقوم
أو بما يعادلها نقدا
تكاليف ومنافع بما يسمح بإتخاذ قرارات سليمة, وقد يكون القياس كميا
الوحدات محل النشاط بتطوير نظم التقارير إلعلم متخذي القرارات.
ّ لقد عرف Roger and Peter المحاسبة البيئية بأنها "عبارة عن نظام محاسبي ممتد للنظام المحاسبي
التقليدي ومبني على تحليل نتائج ومسببات حدوث التكلفة من أجل تحديد وتعيين أثر التكاليف البيئية التي تسببت
بها الوحدة".
كما عرفها بعض الباحثين على أنها "المحاسبة الخضراء التي تكون مهمتها قياس تكلفة األنشطة المختلفة
للشركة وأثرها على الموارد الطبيعية وإستخدام نتائج هذه القياسات لمساعدة الجهات المختصة بإتخاذ القرارات
بهدف إدراك وتصحيح التأثيرات السلبية لنشاط الشركة على البيئة", كما أكد مكتب التلوث والسموم على
ضرورة تضمين التأثيرات البيئية في الدراسات اإلقتصادية من خلل المعلومات المستمدة من النظام المحاسبي.
للمحاسبة المالية على أن تتضمن وتشمل كافة الجوانب
وإمتدادا
إذن فإن المحاسبة البيئية تعد تطورا
للنشاط أو الخدمة التي تقوم بتقديمها الشركة مما يعد تحديا للمحاسبين .
5. أهمية المحاسبة البيئية :
تتمثل أهمية المحاسبة البيئية في مساعدة الشركات في االمور األتية:
 مساعدة المدراء في إتخاذ القرارات التي تسهم في تخفيض التكاليف واألعباء البيئية.
 توسيع نطاق عملية التقييم وتحليل اإلستثمار لكي يشمل اآلثار البيئية المحتملة.
 التوصل الى فهم أفضل للتكاليف البيئية وإلداء العمليات والمنتجات وتسعيرها بدقة.
 المساعدة في تطوير وتشغيل نظام إداري بيئي للوحدة ككل.
 إن تجاهل قياس التكاليف البيئية الناتجة عن التلوث البيئي وعدم اإلفصاح عنها يضلل العديد من
مؤشرات قياس االداء ويضخم النتائج.
فإن ذلك يفرض عليه ضرورة التفاعل مع مشكلة تلوث البيئة ونفاذ
إجتماعيا
 كون المحاسبة علما
مواردها ألن تأخرها سيؤدي الى تأخر هذا العلم مقارنة بالعلوم األخرى مثل علم اإلقتصاد واإلدارة.
 تستمد المحاسبة وجودها من إعتراف المجتمع بنتائجها من خلل وظيفتي القياس والتوصيل
للمعلومات المالية واإلقتصادية للمجتمع وإستمرار الطلب على خدمات مهنة المحاسبة والتدقيق مما
يستلزم تلبية اإلحتياجات المتزايدة للمعلومات البيئية واإلجتماعية بجانب المعلومات المالية .
 لغرض ترشيد القرارات اإلدارية وضمان دقة المعلومات المحاسبية التي على أساسها يتم صنع
القرارات اإلدارية من خلل المساعدة على المفاضلة بين البدائل اإلدارية وعند المفاضلة بين اإللتزام
وعدم اإللتزام بالبرامج البيئية .
6. أهداف المحاسبة البيئية :
ظهر مفهوم المحاسبة البيئية ليستكمل دور المحاسبة التقليدية التي ال تأخذ بعين اإلعتبار الموارد الطبيعية
والتكلفة البيئية لألنشطة االقتصادية, ِّ ليؤكد أنه على الشركات التجارية والصناعية والناس بصفة عامة, دفع تكلفة
كامل الضرر الذي يتم إلحاقه بالبيئة وبالناس اآلخرين ضمن عمليات اإلنتاج؛ فتنتقل التكاليف لتصبح على كاهل
ا أو ِ لمستخدم؛ ُلمستهلِك
ا مما يشجع المستهلكين على ابتياع لمنتجات ُ
ُ
ا التي تسبب َّ أقل األضرار؛ ألنها ستكون أقل
سعرا, وهو ما يعني ضرورة بيع السلع والخدمات بأسعارها الفعلية بعد أن نكون قد أدمجنا كل التكاليف, وهو ما
يعني إرتفاع األسعار مع الزمن بسبب التأثيرات الجانبية للعمليات اإلنتاجية, وبسبب نضوب الموارد بإعتبار أن
يحق التوازن بين الكمية المعروضة والكمية المطلوبة وهو ما أشار إليه ِّ السعر سوف يتحدد عند المستوى الذي ق
Hotelling عام 1931 .
ويمكن توضيح أهداف المحاسبة البيئية في الشكل (2) :
4
الشكل )2( : أهداف المحاسبة البيئية
7. عالقة المحاسبة بالتلوث البيئي والتنمية المستدامة :
في هذه التنمية
هنالك علقة مابين التنمية اإلقتصادية والبيئة كما تشير المرزوقي في أن للمحاسبة دورا
هو البعد
جديدا
وبعدا
جديدا
من خلل المعلومات المحاسبية اللزمة التي يوفرها النظام المحاسبي الذي أخذ مسارا
البيئي, مما يستدعي وضع هذه التكاليف في القوائم المالية الخاصة بالشركة واإلفصاح عنها بحيث تفيد اإلدارة
والمستثمرين في إتخاذ قراراتهم وإلعطاء صورة واضحة تعكس الواقع الحقيقي لهذه التكاليف وأن ال تقتصر
على البيانات والمعلومات المالية فقط بل أن تشمل البيانات والمعلومات التي تعكس األثار البيئية.
تؤثر المشكل على التنمية كالتلوث واإلستخدام المسرف للموارد اإلقتصادية
مباشرا
ت البيئية تأثيرا
في ظل إتساع قطاع الصناعة والتطور التكنولوجي, وهنا البد للشركة أن تراعي اإللتزام
المحدودة وخصوصا
بمسئولياتها نحو المجتمع عند أداء نشاطاتها من خلل عدم اإلضرار بالبيئة التي يعيش فيها المجتمع والحد من
التلوث الذي تسببت فيه الشركة مما يترتب عليه تكاليف ومصروفات إضافية تستدعي ضرورة تحديد وقياس هذه
التكاليف من أجل الوصول الى ميزة تنافسية من خلل الشفافية في المعلومات المنشورة إلضفاء الثقة من قبل
المستخدمين لهذه المعلومات وبالتالي فإن الدور المحاسبي يبرز لمواجهة مثل هذه المشاكل المتعلقة بكيفية معالجة
التكاليف البيئية وخاصة في ظل الوعي المتزايد من قبل الشركات بضرورة اإلهتمام بالعلقة مابين التنمية والبيئة
إذ أن المنافع الناجمة عن ممارسة النشاط التي تؤثر على الدخل القومي التعد منفعة حقيقية إذا لم تأخذ عناصر
التكاليف البيئية بنظر اإلعتبار واإلفصاح عنها وإدراج هذه التكاليف ضمن تكلفة المنتج النهائي.
اإلستنتاجات والتوصيات
إن سياسات اإلفصاح عن المعلومات البيئية أصبحت من أهم عناصر المحاسبة البيئية لتعزيز التنمية
المستدامة في القطاع الصناعي بشكل خاص والقطاعات األخرى بشكل عام في معظم دول العالم, حيث توصل
الباحثان في أن شركات تكرير النفط تفصح بشكل أساسي عن المعلومات المتعلقة بالمنتجات والمستهلكين
والموظفين والمشاركة المجتمعية كما أن هذه الشركات تفصح عن المعلومات بشكل نقدي قابل للقياس وذلك
بسبب توجهاتها نحو إحتساب التكاليف البيئية وخلق صورة جذابة حول المسؤولية اإلجتماعية والبيئية للشركة,
كما توضح بأن ممارسة اإلفصاح البيئي مازالت فتية وطوعية وبحاجة الى المزيد من التحديث والتشجيع.
لذلك يوصي الباحثان بضرورة تطوير معايير محلية أو تبني معايير دولية لإلفصاح البيئي في القطاع
الصناعي بشكل خاص والقطاعات األخرى بشكل عام ومساهمة الدولة في توفير بيانات بيئية قابلة للقياس الكمي
ورفع سقف القيود المفروضة على الشركات الصناعية خاصة من أجل إتباع القوانين البيئية وتشجيعها من خلل
فرض خصومات ضريبية للشركات الخضراء التي تهتم بالبيئة وتعمل على تقليل اإلنبعاثات الضارة مع ضرورة
سن قوانين تجبر الشركات على اإلفصاح عن نسبة محددة من البيانات البيئية بشكل دوري باإلضافة الى تطوير
قدرات المدققين الخارجيين من أجل مراجعة تلك البيانات