لخّصلي

ناقش مؤتمر الامارات الدولي حول اخلاقيات الرعاية الصحية الذي تنظمه وزارة الصحة خلال الفترة من 10- 13 مارس الجاري، بفندق انتركونتيننتال أبوظبي امس اول محاوره المتعلقة بالدين والثقافة واخلاقيات الرعاية الصحية والمعضلات الاخلاقية في ممارسة المهن الطبية. ففي الجلسة الاولى التي رأسها الدكتور محمد الخياط من المكتب الاقليمي لشرق البحر المتوسط بمنظمة الصحة العالمية والبروفيسور ديفيد ج من المملكة المتحدة قدم البروفيسور جمال سرور استشاري امراض النساء والتوليد، وعميد كلية الطب بجامعة الازهر السابق دراسة حول المنظور الثقافي حول العقم وتخفيف حدته في منطقة الشرق الاوسط. وقال ان الاخلاقيات الطبية تعتمد على اسس اخلاقية ودينية وفلسفية في المجتمعات التي تمارس فيها، ولذلك ليس من المستغرب أن تجد فرقا واضحا في التعاطي حول هذه المسألة بين مجتمع وآخر ويصبح من الواجب على الاطباء وغيرهم من العاملين أن يدركوا خلفية المجتمع قبل الحكم على القرارات المتعلقة بالممارسات الطبية، وقال أنه في منطقة الشرق الاوسط التي تعتبر مهد الديانات الثلاث مازالت التعاليم الدينية تلقي بتأثيرها على كثير من السلوكيات والمواقف والممارسات، مما يفسر الاختلاف الواقع بين هذه المنطقة والمناطق الاخرى التي شهدت الاخلاقيات الطبية وفقدان التأثير الديني عليها خلال العقدين الماضيين. العقم وعلاجه وقال.. وكما أن العقم وعلاجه يتعلقان بالخلق والمحافظة على البشر، فإن المواقف والاتجاهات الثقافية عليه وعلاجه هي قضايا حساسة جدا للسكان في هذه البقعة من العالم، وتعد الوقاية من العقم هي امر في غاية الاهمية في الشرق الاوسط فمكانة المرأة الاجتماعية وكرامتها وعزتها بنفسها ترتبط ارتباطا وثيقا بقدرتها على الانجاب في الاسرة والمجتمع على حد سواء. فانجاب الاطفال وتربيتهم ينظر اليهما كواجب عائلي وليس فقط عملية بيولوجية او مهمة اجتماعية فحسب. وحول علاجات العقم الحديثة اشار الى أنه يوجد عدة اساليب لمعالجة العقم عند الزوج او الزوجة بحسب طبيعة واسباب العقم وبعض هذه الاساليب تمارس منذ مئات السنين ولم تثر اي جدل اخلاقي. فالعلاج الطبي والهرموني والجراحات هي بعض هذه الاساليب. والمبدأ العام لاخلاقيات المهنة يشمل الطب بشكل عام وينطبق على الاساليب التي اعتمدت في السابق. فجميع هذه الاساليب لم تثر الجدل من الناحية الاخلاقية لانها لم تفصل العامل الجنسي عن الانجاب. فالانجاب يحدث نتيجة ممارسة الزوجين للجماع ضمن اطار الزواج. ولكن عند قدوم التخصيب الصناعي وولادة اول طفلة انابيب لويز بروان في المملكة المتحدة في العام 1978، اصبح من الممكن فصل الجماع كعامل اساسي للانجاب فالتخصيب الصناعي ART في الانابيب او داخل الرحم مكن النساء من الانجاب بدون جماع مما اثار الافكار والنقاش كما أفسح ART المجال لدخول طرف ثالث في عملية الاخصاب عن طريق منح البويضة او الحيوان المنوي او الجنيني او الرحم، ومكن ايضا العلماء ولاول مرة من السيطرة الى الاجنة الانسانية في المختبر. واكد البروفيسور سرور في دراسته على أن هناك عدة عوامل تؤثر على المواقف الثقافية للمجتمع فيما يتعلق بالتخصيب الصناعي، كما عرض اهم القضايا الاخلاقية والاسس المتعلقة بالتكنولوجيا في علاج العقم. الصحة الانجابية وطرحت الدكتورة كرستين هانمنفيلدت استاذ امراض النساء والولادة وعميد التعليم الطبي فوق الجامعي بمؤسسة كاولنسكا السابق بالسويد بحثا حول القوانين المتبعة بشأن الخصوبة والعقم وقالت أن الصحة الانجابية والانشطة المخالفة لها من وجهة نظر اخلاقيات مهنة الطب هما وجهان لعملة واحدة. فالصحة الانجابية توحي بأن الناس لديهم القدرة على انجاب الاطفال، التحكم بخصوبتهم والتمتع بالعلاقات الجنسية. ولقد جعلت التكنولوجيا المدينة للتخصيب الصناعي بالامكان معالجة كل انواع العقم المعروفة عند الرجال والنساء كما أن التكنولوجيا الحديثة لمنع الحمل التي تم تطويرها خلال العقود الاخيرة وفرت وسائل مأمونة وفعالة تناسب كل الازواج هذه التطورات، خاصة في حقل معالجة العقم، اثارت صراعات مستمرة بين الخيارات الشخصية للزوج الاجراءات العامة التي تحد من هذه الخيارات. وقد برزت ثلاث قواعد اخلاقية، من وجهة نظر الفلسفة الاخلاقية الغربية هي الحرية الشخصية، والعدالة والمنفعة المالية، وتنطبق جميعها على مسائل علاج العقم وتنظيم الانجاب. واشارت الى انه بعد مؤتمر القاهرة وبروز موضوع الصحة الانجابية للزوج بدلا من السيطرة على التضخم السكاني، بدأ عهد جديد يسوده احترام الخيارات الشخصية، ولكن يوجد نقص في طرق تنظيم الحمل، حيث تشير توقعات منظمة الصحة العالمية الى وفاة نصف مليون امراة في العام من مضاعفات الحمل والولادة، وفي عدة دول يشكل الاجهاض نسبة 25- 50% من مجموع حالات الوفاة عند الامهات بسبب عدم توفر الخدمة المناسبة لتنظيم الاسرة. وصرح الدكتور يوسف عبد الرزاق بدائرة طب الاطفال في جامعة الامارات ورئيس تحرير مجلة جمعية الامارات الطبية ورقة عمل حول الخيارات العلاجية لحديثي الولادة اكد فيها أن اتخاذ قرار بوقف علاج الحالات التي لديها تشوهات خلقية قاتلة او عدم النضوج الحاد، قد يسأل الطبيب عنه وأن الدراسات عادة ما تسيء تقدير فرص حياة حديثي الولادة حيث اظهرت دراسة استرالية بأن 40% من وحدات علاج حديثي الولادة اوقفت التنفس الصناعي لعدة اسباب اهمها رغبة الاهل وارتفاع تكلفة العلاج اوعدم توفر الرعاية الصحية المطلوبة. واشار الى أن دراسة اخرى اظهرت أن 65% من اجمالي وفيات حديثي الولادة كانت نتيجة ايقاف التنفس الصناعي وأن 70% من هذه الوفيات كانت محتومة و 35% تمت معالجتها حتى الوفاء. وخلص الى القول بأن القرارات المتعلقة بالخيارات غير العلاجية لحديثي الولادة تبقى شخصية وحميمة وعلى الطبيب احترام فرص حياة حديثي الولادة وخصوصية قرار الاهل واحترام الهموم العاطفية للفريق الصحي. القتل الرحيم وقدم الدكتور جوهانس فان ديلون استشاري وباحث في مجال الاخلاقيات الحيوية بمركز الاخلاقيات الحيوية والقانون الصحي بجامعة اتريخت بهولندا ورقة عمل حول جدلية مرحلة انتهاء الحياة في هولندا اكد خلالها على أن النقاش حول هذا الموضوع تركز على قتل الرحمة والذي فهم على أنه انهاء الحياة بناء على طلب المريض، ومن قرار المحكمة الاول عام 1973 استمر الجدل مما ادى الى اصدار قانون برلماني جديد بشأن قتل الرحمة في ابريل 2001، والذي اصبح ساري المفعول مع بداية هذا العام، وبالرغم من اعتبار هذا القانون خاتمة للجدل القائم بشأن قتل الرحمة، الا انني متأكد بأن الجدل سيستمر، وسأقوم في محاضرتي هذه بمناقشة بعض القضايا الممكنة لهذا الجدل المستمر من خلال التركيز على بعض الانتقادات الخاصة بالسياسة الهولندية حول قتل الرحمة. حقوق عائلة المريض وناقش الدكتور عبد الله الخياط استشاري طب الاطفال، ورئيس جمعية الامارات الطبية ومدير عام مستشفى الوصل بدبي مشاركة الاسرة في توفير الرعاية للمريض ومراعاة حقوق عائلة المريض عندما يفتقر المريض الى القدرة على اتخاذ القرار. وقال يمكن للعائلة ممارسة كافة حقوق المريض اذا كان قاصرا بما فيها الحصول على الملفات الطبية الا أن هناك بعض الاستثناءات في بعض البلدان وافقت المحكمة على انهاء حياته بوقف التنفس او التغذية الاصطناعية. الا أن قانون عدد كبير من الدول لا يدعم قرار المريض بوقف الاجهزة المساعدة، قد يكون من حق الاهل أن يختاروا الشهادة، ولكن هذا لا يفيد منح الحرية لجعل اطفالهم شهداء قبل بلوغ سن الرشد. ولأخصائيي الصحة العامة القدرة على المعارضة قرار المريض بالسرية والاعلام الاهل بخطورة العوامل خاصة فيما يتعلق بالامراض المعدية مثل الايدز. ومن المهم اعلام الاهل كافة المعلومات المتعلقة بالمرض الوراثي للعائلة. واضاف لقد حدث تقدم مشهود في مجال تقبل الاهل لاجراء فحص الثلاسيميا بناء على فتوى اسلامية في مجموعات دينية بالدول الاسلامية ولكن توجد حيرة كبيرة فيما يتعلق بالفحوصات الوراثية قبل حدوث المرض. وخلال محاضرته حدد البروفيسور رعنان جيلون استاذ الاخلاقيات الطبية في كلية العلوم التكنولوجية والطب بلندن اسسا اربعة للاخلاقيات الحيوية وهي نفع الاخرين وعدم ايذائهم واحترام استقلالية الافراد والعدالة، خاصة الرعاية الصحية وتوزيع الموارد الشحيحة في اطار احترام حقوق الناس المبنية على العدالة وكذلك في اطار وجود قوانين اخلاقية والعدالة القانونية. وقال أن هذه الاسس ليست مجردة بل متغيرة باعتبار انها قادرة على التشابك فيما بينها في حالات محددة وعند ظهور هذه الاختلافات يجب ايجاد طرق لحلها. وحول حقوق وواجبات المريض الاخلاقية في البلدان النامية والموافقة المسبقة منه تحدث البروفيسور ادو شاكلينك رئيس قسم الاخلاقيات الحيوية بجامعة ديتوانير سراند في كلية العلوم الصحية بجنوب افريقيا وقال انه يجب اولا الحصول على الموافقة طوعا قبل القيام بأي اجراء تشخيص او علاجي واشار الى أن هناك عدة نزاعات حول حقوق المرضى بالحصول على خدمات تخصصية تكون في متناول يديهم مثل خدمات الاجهاض في المجتمعات التي تقره وحث الاطباء على منعهم من القيام بمثل هذه العمليات. تحديات الهيئة التمريضية وقدمت الدكتورة انيتا فان دي ميروي استشاري التمريض بوزارة الصحة بأبوظبي بحثا حول المناظرات في الرعاية الصحية عكست من خلاله التحديات المتعلقة بالتمريض والعلوم التمريضية وقالت أن الهيئة التمريضية حملت صفة مقدمي الرعاية مؤكدين بذلك اخلاقية الرعاية او اخلاقية النبل. وقد تم دعم هذه الصفة بعدة تحاليل حول معنى ومناسبة الرعاية واعتبار الممرضين مقدمين للرعاية من خلال توفير النظريات والنماذج والاسس وخلافها. كما خلق هذا الجدل طرحا للنقد مع او ضد مبدأ الرعاية. كما قدمت الفلسفة النسائية دعما اضافيا لحمل قضية التمريض الى مصاف جديدة من خلال التركيز على قيمة المشاعر والتربية والروابط ومن الملابسات التي ظهرت هي اعتبار الرعاية جزءا اساسيا من الاختصاص. وقالت أن العاملين في مهنة التمريض يواجهون بصورة يومية حقائق اخلاقية ويجدون صعوبة في التعامل معها في اطار المرسوم لهم وقد يختلف فهم العاملين في هذه المهنة للاولويات الاخلاقية والمسئوليات واتخاذ القرارات عن فهم زملائهم الاخرين وسيتم التطرق لعدة امثلة حول التحديات الاخلاقية التي يواجهها العاملون في مهنة التمريض على صعيد العمل الاكلينيكي والذي يعكس الحقائق الاخلاقية المغروسة فيهم والتي تتمثل في الثقة والسيطرة والخوف والرعاية من اجل تحقيق الجدارة الاخلاقية والثقافية. وقدم البروفيسور فواز شيخ تراب استاذ الجراحة في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الامارات بحثا حول العوامل المؤثرة في اخلاقيات الجراحة بدولة الامارات ذكر من خلاله ان الوعي بالمسائل الاخلاقية يهم الجراح اكثر من الطبيب المعالج، ونظرا للاساليب الجراحية الحديثة وزيادة الضغوط المالية وتوسع حدود العلاج يواجه الجراحون حاليا ضغوطا اخلاقية اضافية، وعلى الرغم من وجود عوامل اخلاقية عدة في مجال رعاية المصابين بالامراض المستعصية وتوحيد طرق ممارسة الجراحة في العالم، يوجد اختلافات محلية تؤثر على اخلاقيات ممارسة الجراحة. وقدم البروفيسور فواز نقاشا حول الشئون الاخلاقية التي تهم جراحي دولة الامارات والعلاقة بين الجراح والمريض خاصة في مجال الرعاية المنزلية. كما تطرق الى الموافقة المسبقة، وتجنب الكذب بشأن تطور المرض وقبول متابعة العلاج من جهة المريض وافراد اسرته. واستعرض العوامل التي تؤثر على عملية اتخاذ القرار ورغبة بعض الافراد بالعلاج في الخارج. وقال أن تشابك طرق العلاج يمثل المجموعة الثالثة من المخاطر كنتيجة لعدم وجود توصيف وظيفي واضح مما يؤدي الى زيادة ضغط العمل، كذلك عدم التنظيم خاصة في وحدات العناية المركزة. الاخلاقيات والصحة العامة وطرح الدكتور فيشات شوكو فيفات السكرتير العام لادارة الصيدلة والتغذية بتايلند دراسة حول الاخلاقيات والصحة العامة.. وقال أن الاخلاقيات في مجال الطب والصحة العامة تستحوذ على اهتمام بالغ منذ الاف السنين وأن الهدف الاساسي هو تأمين العدالة في الرعاية الصحية في العالم وأن منظمة الصحة العالمية عملت لاكثر من عقدين لتأمين الصحة للجميع في عام 2000. ومن المقرر أن يستعرض المؤتمر اليوم خلال جلستين صباحية ومسائية اخلاقيات البحث الطبي واخلاقيات الجينوم البشري والمجتمع. وقدم الدكتور عز الدين ابراهيم مستشار صاحب السمو رئيس الدولة دراسة تناول فيها موقف الاسلام من نقل وزراعة الاعضاء قال فيها أن زراعة ونقل الاعضاء يعتبر مفهوما جديدا في الطب من جهة وكذلك لعلاقته بالقضايا الدينية والاخلاقية من جهة ثانية، وقبل العقود الاخيرة لم تتوفر دراسات اسلامية محددة الا في هذين المجالين اولا اعداد قواعد عامة حول تأكيد الكرامة الانسانية وقدسية الجسم البشري والتأكيد على أن الجسد ليس سلعة تباع وتشترى وثانيا، صدور عدد من الفتاوى في قضايا محددة مثل السماح ببيع ام بديلة لمصلحة والسماح باستعمال عظام الميت لعلاج عظام شخص حي. ولكن مع تطور العلوم الطبية قام بعض العلماء المسلمين بالتشاور مع الاطباء باصدار بعض الاحكام فيما يتعلق بالقضايا المطروحة كنقل الدم لانقاذ الحياة وزراعة عضو من شخص حي اذا كان العضو مزدوجا مثل الكلى. واشار الى انه لا يجوز السماح بالتبرع بعضو من حي اذا كان مفردا مثل الكبد وتميزه وخلص الى القول بأنه في كل الاحوال يجب تحويل موضوع زراعة ونقل الاعضاء الى لجنة طبية بما يضمن معرفة المتبرع والمتلقى لكافة المعلومات والمضاعفات الناجمة عن هذه العملية مؤكدا أن هناك اجماعا تاما لعملاء المسلمين حول تحريم بيع الاعضاء، ولكن اذا قدم المتبرع العضو طواعية وقام المريض المتلقي للعضو بعرض مبلغ من المال للمتبرع من تلقاء نفسه دون وجود عقد شراء، فإن ذلك مسموح به.