لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

القول بأن الحد من التجريم يؤدي إلى إلغاء تجريم السلوك، يعني أن الحد من التجريم إجراء ينصب على السلوك بمعزل
وبالتالي فإن للحد من التجريم طابعا موضوعيا مجردا، وذلك على سبيل االستثناء. وعلى ضوء التحديد السابق يقترح األستاذ "محمود طه جالل" تعريفا للحد من
التجريم بقوله: "هو إلغاء للوجود القانوني للقاعدة الجنائية وذلك بشقيها، يؤدي إلى نزع الصفة الجرمية عن السلوك، جنائيا مع إمكانية استمرار خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جنائية، 1 تستند إلى اعتبارات من المالءمة تمليها السياسة الجزائية". وإن كان هذا التعريف قد يعد أدق وأوضح التعريفات المقترحة، عليه قصره نطاق الحد من التجريم في صورة واحدة وهي إلغاء نص التجريم برمته، وذلك حينما قال "إلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجنائية"، بينما الحد من التجريم قد
وذلك بنزع وصف التجريم عن إحدى
كالصورة غير العمدية للسلوك دون الصورة العمدية، أو
األشخاص. يلغي وجودها القانوني. ومن خالل ما سبق يمكن االعتماد على التعريف السابق مع بعض اإلضافة
المشرع وفقا لسلطته في المالءمة، وذلك
أي بنزع الصفة الجرمية
وبالتالي إعادة
الجزائية، الفرع الثاني
صور الحد من التجريم وتطبيقاتها في التشريع الجزائري
أوال: صور الحد من التجريم. ميزت اللجنة األوربية لمشاكل التجريم المنبثقة عن المجلس األوربي بين نوعين
للحد من التجريم: األول قانوني واآلخر فعلي. الذي يتم بناء على التشريع، بمشروعيته قانونيا واجتماعيا، عقوبات تجاه هذا السلوك. 2 والزنا، والعالقات الجنسية المثلية الذي تم بأغلب الدول األوربية. أما الحد من التجريم الفعلي فيتمثل في اآلليات المتخذة من قبل الدولة للتخفيف
من وطأة المتابعة الجزائية وتسليط العقاب، وذلك بالتخفيف من ردود فعل أجهزة
العدالة حين تطبيقها للنصوص الجزائية في مواجهة بعض أنواع السلوك المج ّرم، وهذا النوع من التجريم
-Conseil de l’Europe, 14. الجرائم، 4 الجرائم، 5 أخرى أولى بالرعاية. قرار حفظ الملف لعدم األهمية، المالءمة، وقد
يُعمل بهذا األسلوب في جرائم األعمال الشكلية، التي قد ال تصل فيها خطورة الفعل
مبلغا يهدد المصالح المحمية. 3 -ويظهر هذا النوع أيضا من خالل مبدأ تفريد العقوبة، بحيث يمنح لقضاة
الموضوع سلطة واسعة في تقدير العقوبة، قانونا. 4 -وأخيرا وحسب ما ذهبت إليه اللجنة األوربية فإنه يمكن أن يتم إلغاء
للحد من التجريم، أما إذا كان النص
داخال في إطار السلطة التقديرية للمشرع، فإنه ال يمكن لهذه المحاكم إلغاء التجريم، وذلك احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات المقرر دستوريا. 6 التجريم، من التجريم، السلوك جزائيا، فهي مجرد تعطيل
ظرفي للنصوص الجزائية مراعاة العتبارات معينة. 7 التكييف الجزائي للسلوك، فأما الصورة
األولى فتقتضي إلغاء النص المج ّرم من النظام القانوني، وبالتالي تزول الجريمة
- ولعل مثال ذلك جرائم التسول والتشرد، قد يضطرها إلى
توجيه تعليمات لرجال الضبط القضائي للتغاضي عن مالحقة مرتكبي هذه المخالفات، هذه النصوص قضائيا. - كجرائم التهريب الجمركي التي تتم على الحدود مثال، حفاظا
على األمن العام وتفاديا لوقوع الفوضى بسبب احتجاج سكان المناطق الحدودية، وتكييفها القانوني، اإلباحة مطلقا، صورته ومهما كانت صفة مقترفه، الطابع الزجري. المادية منها أو المعنوية، قائمة، عنصر االعتياد مثال، للجريمة واستبعاد الصورة غير العمدية. أحدهما مطلق والثاني نسبي، والذي تشكل مخالفته جريمة، مع إلغاء العقوبة الجزائية التي تقابله دون إحالل
جزاء آخر مهما كانت طبيعته محلها، بحيث يتم االعتراف القانوني التام بمشروعية
السلوك الذي كان مج ّرما. وهذا النوع يفترض أن السلوك محل الحد من التجريم كان
يشكل اعتداء على مصلحة واحدة، وبالتالي
10 فإن إلغاء تجريمه يجعله مشروعا بالنسبة لباقي الفروع القانونية. أما الحد من التجريم النسبي فهو إلغاء وصف عدم المشروعية الجزائية وإحالل
وصف عدم المشروعية القانونية المدنية أو اإلدارية أو التأديبية أو المهنية بدال منه، فروع القانون، وهذا النوع يفترص
قانونية بحمايتها، القواعد القانونية غير الجزائية. وذلك طبقا
لما يوافق أهدافه المؤسسة على اعتبارات المالءمة التي تفرضها سياسته الجزائية، 260. ثانيا: تطبيقات الحد من التجريم في التشريع الجزائري. لسياسة الحد من التجريم، ذلك أن مساءلة
مؤسساتهم. وقد تعالت األصوات المطالبة برفع التجريم عن المخالفات التي يرتكبها هؤالء
12 فبراير 2011 ، وتجسد ذلك من خالل تعديل المادة 119 مكرر من قانون العقوبات، 13 والمادتين 26 و29 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته. "وذلك بغرض زرع المزيد من الثقة في نفوس اإلطارات والمسيرين العموميين
للنهوض بمهامهم في كنف الطمأنينة، العدالة المستقلة، على أال يعني ذلك تخويال للعقاب )لالعقاب( أو اإلفالت من
بالمال العام". مزاجيا، مجهولة، وهو ما يمنح المسيرين متنفسا
للعمل بحرية ويطلق روح المبادرة لديهم، وهو ما سيعود بالنفع على المؤسسات
14 االقتصاد الوطني". سوى تحديد صفة
م. وهو في الحقيقة تعديل منطقي كون المادة
ع.ج، والتي تم إلغاؤها
وجمعية البنوك والمؤسسات المالية. 11
س.2001، ص.16؛ س.2011 ، ص.4. - بالقانون رقم 11-15المؤرخ في 2 رمضان 1432 13
س.2011 ، ص. و.ف. م.
التجريم؟
119 مكرر عدم تحريك الدعوى العمومية بخصوص جريمة اإلهمال في التسيير، إال
بتقديم شكوى من أجهزة الشركة المنصوص عليها في القانون التجاري، أو في
عندما ترتب الجريمة إضرارا
بالمؤسسات العمومية االقتصادية، 16 الرأسمال المختلط. التعديل البالغة 14 اقتراحا، والمقدمة من النواب، خلصت إلى حذف الفقرة الثانية
أما بخصوص تعديل المادتين 26 و29 من ق. و.ف. م، فالمالحظ أن المشرع قد
الواردة بالمادتين، وألغى الصورة غير العمدية لها، أي أن األخطاء التي يرتكبها
المسيرون دون قصد، أصبحت غير مج ّرمة وغير معاقب عليها بعقوبة جزائية. فبالنسبة للمادة 26من ق. و.ف. م المتضمنة لجريمة المحاباة في الصفقات
العمومية، فقد كانت الصياغة السابقة لها تسوي بين جميع أنواع مخالفة األحكام
سواء ارتكبها سهوا بدون عمٍد أو
ً، فأصبحت الصياغة الجديدة تقصر التجريم
فقد ر ّكز مشروع التعديل وفقا لما ص ّرح به وزير العدل على
إذ اعتبر أن: "الصياغة السابقة كانت تجرمه وتعاقب عليه بصفة مطلقة، وعلى وجه العموم دون اعتبار لطبيعة المشاريع والمؤسسات االقتصادية فيما يقوم
به في القائمين على إدارة
من سرعة وائتمان، ص.147. المرجع السابق، ص. ر.م، 17
238 ، م الموافق لـ 13 يوليو 2011
4-3. والمتابعات الجزائية ضد الموظف العمومي عن صور التبديد التي تندرج
وال يأتيها المسير
عمدا يقترح المشروع إضافة شرط لتجريم فعل التبديد، 18 بحيث ال يسأل الموظف العمومي أو يتابع إال إذا تعمد فعل التبديد". والمالحظ أن الصياغة الجديدة للمادة 29 ق. م وإن رفعت اللبس عن فعل
التبديد باشتراطها ركن العمد، الحد من التجريم، باالختالس واإلتالف واالحتجاز بدون وجه حق واالستعمال غير المشروع لألموال
19 العمومية، وهذا في إطار تجسيد سياسة رفع التجريم عن فعل التسيير، فيكون من غير المنطقي
أن يُضيّ م باقي األفعال. سنتين )2 )إلى عشر )10 )سنوات وبغرامة من 000. 000. موظف عمومي يقوم عمدا بتبديد أو اختالس أو إتالف أو احتجاز دون وجه حق أو
أي ممتلكات أو
وظيفته أو بسببها". عن فعل التسيير، ولما
بالمقابل سلبيات عديدة، ويبين ذلك من خالل تقدير هذه السياسة بالمطلب الموالي. 18
ع. 236، كل موظف عمومي يبدد عمدا أو يختلس أو يتلف أو يحتجز بدون 19
وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أي ممتلكات. "؛ بينما كانت الصياغة
السابقة كالتالي: "يعاقب. كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو
غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أي ممتلكات. ".
تقدير سياسة الحد من التجريم
الفرع األول
أوال: اآلثار السلبية للحد من التجريم. السياسة، أي أن رفع الوصف الجرمي على السلوك سيؤدي إلى 20 معتبر في معدل ارتكابه، وذلك لغياب الردع الذي كان يوفره النص
التجريمي، بما يحمله من عقوبة ومتابعة جزائية. ويرى البعض أنه يمكن التقليل من هذا األثر السلبي، وذلك بحرص المشرع
واالقتصادية، ومن جهة أخرى يشير الفقه المعارض إلى أن الحد من التجريم سيؤثر سلبا على
ويضعف ثقتهم به، معين سيجعل األفراد يعتقدون بأن المشرع لم يبني تجريمه للفعل سابقا على أسس
وهذا ما يؤثر 23 ومبررات كافية، سلبا على ثقتهم بحرصه على حماية حقوقهم وحرياتهم، تعرضوا للمتابعة والعقاب بسبب اقترافهم لذلك السلوك، 2 (étude de
comité européen pour les problèmes criminels, op. p. 62. HULSMAN, op. cit, 26. كافية في زمن الحق، بسبب التطورات التي مست المجتمع، 24 والقيم والمصالح، مما استوجب بالنتيجة إلغاء التجريم. وعلى العكس يرى هذا االتجاه المؤيد للحد من التجريم أن االستمرار بتجريم
وغابت المصلحة التي تقتضيه، هو ما يؤدي إلى إضعاف
إذ في هذه الحالة سيصبح أداة لالستبداد والطغيان، فالمجتمع 25 الثقة بالنظام الجزائي، إقرار هذا الخطأ، بل إن تراجعه عن هذا التجريم هو ما سيكسبه ثقة أفراد المجتمع
ومن اآلثار السلبية للحد من التجريم احتمال إقدام ضحايا السلوك الذي ألغي
يقت َّص ممن ألحقوا األذية بحقوقهم وحرياتهم، يحقق التوازن بين مختلف المصالح 27 الخاصة، في ظل غياب نظام عام للعقاب، المتعارضة دون إفراط أو تفريط. األفعال، والتي قد يثير رفع التجريم
274. cit, 27
comité européen pour les problèmes criminels, op. cit, 62. -محمود طه جالل، المرجع السابق، ص. وفقا لما أشارت إليه
اللجنة األوربية لمشاكل التجريم، والتي تؤثر على الدولة المطبقة لسياسة الحد من
أن إلغاء تجريم سلوك معين بهذه الدولة، الدول التي لم تسلك نفس النهج للهجرة والنزوح إلى تلك الدولة، وهذا طمعا في
وخاصة
29 إذا تعلق األمر ببعض المزايا االقتصادية. الدول التي توفر لهم قدرا من الحرية والخصوصية، وترفع عنهم بعض القيود
وبالرغم من اآلثار اإليجابية على هذه الدول الناتج عن جلب
االستثمارات بما ينعش اقتصادها، فإنه بالمقابل قد يؤدي إلى نتائج عكسية غير
كاستغالل التسهيالت الضريبية والجمركية لتحويل الفوائد من العملة الصعبة
إلى الخارج. انحسر عنه التجريم من قبل أفراد أجنبيين، مواطني الدولة المستقبلة، خصوصا وأن الحد من التجريم كما سبق توضيحه، وإن
عن الشعور بمزاحمة األجانب. والحراس الليليين للبنوك
op. cit, 69. 30
المرجع السابق، 44. المرجع السابق، ص. حيث يلجأ األفراد إلى حماية 32 والمصارف والمحالت الكبرى والفنادق الفاخرة. بعيدا عن تدخل
التي أخذت أبعادا
خطيرة تنذر بالتهديد للحقوق والحريات الفردية، وذلك نتيجة الممارسات التي يسلكها
القائمون على هذا النظام األمني الخاص، والتي تدخل ضمن صالحيات سلطة الضبط
كالتفتيش واالستجواب والتهديد باالستعمال غير الشرعي للسالح، وغيرها
تظهر
إشكاالت أخرى تتعلق بالدول التي لم تطبق الحد من التجريم، وتتعلق هذه اإلشكاالت
على العموم في مسألتين، 35 األحكام األجنبية. فبالنسبة لنظام تسليم المجرمين فإن اإلشكال يثور في حال عدم وجود اتفاقية
الشخص الذي ارتكب هذا السلوك على إقليمها ثم فر هاربا إلى الدولة التي ألغت
أساس مبدأ االختصاص الشخصي، 277. -Conseil de l’Europe, comité européen pour les problèmes criminels, op. 70. 35
المرجع السابق، ص. - سليمان عبد المنعم، النظرية العامة.


النص الأصلي

لحد من التجريم.
الفرع األول
تعريف الحد من التجريم
القول بأن الحد من التجريم يؤدي إلى إلغاء تجريم السلوك، وبالتالي إعادته إلى
دائرة اإلباحة من جديد، يعني أن الحد من التجريم إجراء ينصب على السلوك بمعزل
عن شخصية مرتكبه، وبالتالي فإن للحد من التجريم طابعا موضوعيا مجردا، وهذا
ما يميزه عن أسباب اإلباحة، التي لها طابع موضوعي نسبي، إذ تؤثر فيه بعض
العناصر الشخصية، وذلك على سبيل االستثناء.
وعلى ضوء التحديد السابق يقترح األستاذ "محمود طه جالل" تعريفا للحد من
التجريم بقوله: "هو إلغاء للوجود القانوني للقاعدة الجنائية وذلك بشقيها، على نحو
يؤدي إلى نزع الصفة الجرمية عن السلوك، وبالتالي االعتراف بمشروعيته، وإباحته
جنائيا مع إمكانية استمرار خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جنائية، وذلك ألسباب
1 تستند إلى اعتبارات من المالءمة تمليها السياسة الجزائية".
وإن كان هذا التعريف قد يعد أدق وأوضح التعريفات المقترحة، إال أنه يالحظ
عليه قصره نطاق الحد من التجريم في صورة واحدة وهي إلغاء نص التجريم برمته،
وذلك حينما قال "إلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجنائية"، بينما الحد من التجريم قد
يكون من خالل تعديل مضمون هذه القاعدة، وذلك بنزع وصف التجريم عن إحدى


1



  • محمود طه جالل، المرجع السابق،ص.251.
    حاالت السلوك المجرم، كالصورة غير العمدية للسلوك دون الصورة العمدية، أو
    قصر نطاق التجريم على فئة من األشخاص بعدما كان التجريم يشمل كافة
    األشخاص. وبالتالي فالحد من التجريم قد يحد من نطاق القاعدة التجريمية دون أن
    يلغي وجودها القانوني.
    ومن خالل ما سبق يمكن االعتماد على التعريف السابق مع بعض اإلضافة
    وذلك كالتالي: "الحد من التجريم هو إجراء تشريعي ذو طابع موضوعي، يتخذه
    المشرع وفقا لسلطته في المالءمة، استناد إلى معيار الضرورة والتناسب، وذلك
    بإلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجزائية أو تقليص نطاقها، أي بنزع الصفة الجرمية
    للسلوك برمته أو إحدى حاالته وما يقابل ذلك من عقاب جزائي، وبالتالي إعادة
    السلوك إلى دائرة اإلباحة من خالل االعتراف بمشروعيته القانونية من الناحية
    الجزائية، مع إمكانية خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جزائية".
    الفرع الثاني
    صور الحد من التجريم وتطبيقاتها في التشريع الجزائري
    أوال: صور الحد من التجريم.
    ميزت اللجنة األوربية لمشاكل التجريم المنبثقة عن المجلس األوربي بين نوعين
    للحد من التجريم: األول قانوني واآلخر فعلي. فأما الحد من التجريم القانوني فهو
    الذي يتم بناء على التشريع، بحيث يتم اإلعالن عن إلغاء تجريم السلوك، واالعتراف
    بمشروعيته قانونيا واجتماعيا، وبالتالي إلغاء اختصاص النظام الجزائي بفرض
    عقوبات تجاه هذا السلوك. ولعل أهم مثال لهذا النوع إلغاء تجريم اإلجهاض
    2 والزنا،
    والعالقات الجنسية المثلية الذي تم بأغلب الدول األوربية.
    أما الحد من التجريم الفعلي فيتمثل في اآلليات المتخذة من قبل الدولة للتخفيف
    من وطأة المتابعة الجزائية وتسليط العقاب، وذلك بالتخفيف من ردود فعل أجهزة
    العدالة حين تطبيقها للنصوص الجزائية في مواجهة بعض أنواع السلوك المج ّرم،
    وذلك بصفة تدريجية لمواجهة شدة وقسوة النظام الجزائي؛وهذا النوع من التجريم
    يمكن أن يتخذ أشكاال متعددة حسب ما أوردته اللجنة األوربية لمشاكل التجريم ضمن
    3 تقريرها:


2



  • أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ص.47-48.
    3
    -Conseil de l’Europe,comité européen pour les problèmes criminels, op.cit, p.14.
    1 -فيمكن أن يظهر من خالل عدم تدخل الجهات المعنية بضبط ومالحقة
    الجرائم، من خالل منحهم السلطة التقديرية أو سلطة المالءمة في متابعة نوع من
    4 الجرائم، التي قد ال تشكل مالحقتها ضرورة اجتماعية،
    أو لتعارضها مع مصلحة
    5 أخرى أولى بالرعاية.
    2 -وقد يظهر ذلك من خالل وقف إجراءات سير الدعوى العمومية، كإصدار
    قرار حفظ الملف لعدم األهمية، الذي تصدره النيابة العامة إعماال لسلطتها في
    المالءمة، أو القرار بأال وجه للمتابعة الصادر عن جهات التحقيق القضائي؛ وقد
    يُعمل بهذا األسلوب في جرائم األعمال الشكلية، التي قد ال تصل فيها خطورة الفعل
    مبلغا يهدد المصالح المحمية.
    3 -ويظهر هذا النوع أيضا من خالل مبدأ تفريد العقوبة، بحيث يمنح لقضاة
    الموضوع سلطة واسعة في تقدير العقوبة، والنزول بها إلى حدها األدنى المقرر
    قانونا.
    4 -وأخيرا وحسب ما ذهبت إليه اللجنة األوربية فإنه يمكن أن يتم إلغاء
    النصوص الجزائية بواسطة المحاكم أو المجالس الدستورية للدولة، كحالة خاصة
    للحد من التجريم، وذلك متى كان النص مخالفا للمبادئ الدستورية، أما إذا كان النص
    داخال في إطار السلطة التقديرية للمشرع، فإنه ال يمكن لهذه المحاكم إلغاء التجريم،
    وذلك احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات المقرر دستوريا.
    ويرفض بعض الفقه هذا التقسيم الذي أخذت به اللجنة األوربية لمشاكل
    6 التجريم،
    إذ إن ما تعتبره اللجنة حدا فعليا للتجريم ال يدخل أصال ضمن مفهوم الحد
    من التجريم، إضافة إلى أن ما أوردته من أساليب هذا النوع ال تضفي إلى إباحة
    السلوك جزائيا، وإنما ينحصر دورها في نطاق العقوبة فقط، فهي مجرد تعطيل
    ظرفي للنصوص الجزائية مراعاة العتبارات معينة.
    ويقترح رأي آخر صورتين مستقلتين للحد من التجريم، األولى تتضمن إلغاء
    7 التكييف الجزائي للسلوك، واألخرى تتضمن تقليص نطاق التجريم؛
    فأما الصورة
    األولى فتقتضي إلغاء النص المج ّرم من النظام القانوني، وبالتالي تزول الجريمة


4



  • ولعل مثال ذلك جرائم التسول والتشرد، فعدم قدرة بعض الدول عن توفير مناصب الشغل وأماكن السكن، قد يضطرها إلى
    توجيه تعليمات لرجال الضبط القضائي للتغاضي عن مالحقة مرتكبي هذه المخالفات، وهو ما يفسر التعطيل الواقعي لتطبيق
    هذه النصوص قضائيا.
    5

  • كجرائم التهريب الجمركي التي تتم على الحدود مثال، إذ قد تضطر الجهات القضائية إلى غض الطرف عنها أحيانا، حفاظا
    على األمن العام وتفاديا لوقوع الفوضى بسبب احتجاج سكان المناطق الحدودية، لنقص الموارد والمؤونة بالمنطقة.
    6

  • محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.260.
    7

  • فتوح عبد هللا الشاذلي، المرجع السابق، ص.13-14.
    وتكييفها القانوني، وعليه يخرج السلوك برمته من دائرة التجريم ويعود إلى دائرة
    اإلباحة مطلقا، فال متابعة وال عقوبة مستحقة على إتيان هذا السلوك مهما كانت
    صورته ومهما كانت صفة مقترفه، وهذه الصورة هي أعلى درجات التحول عن
    الطابع الزجري.
    أما الصورة الثانية المتعلقة بتقليص نطاق التجريم، فتتم عن طريق تعديل
    األركان المكونة للجريمة، المادية منها أو المعنوية، ففي هذه الحالة تبقى الجريمة
    قائمة، غير أن نطاق التجريم فيها ينحسر عن بعض عناصر الركن المادي كتطلب
    عنصر االعتياد مثال، أو عن بعض صور الركن كقصر العقاب على الصورة العمدية
    للجريمة واستبعاد الصورة غير العمدية.
    8 ويميز اتجاه آخر بين نوعين للحد من التجريم، أحدهما مطلق والثاني نسبي،
    فأما الحد من التجريم المطلق فيتمثل في إلغاء االلتزام المفروض بعمل أو االمتناع
    9 عنه، والذي تشكل مخالفته جريمة،
    مع إلغاء العقوبة الجزائية التي تقابله دون إحالل
    جزاء آخر مهما كانت طبيعته محلها، بحيث يتم االعتراف القانوني التام بمشروعية
    السلوك الذي كان مج ّرما. وهذا النوع يفترض أن السلوك محل الحد من التجريم كان
    يشكل اعتداء على مصلحة واحدة، تختص بحمايتها القاعدة الجزائية فقط، وبالتالي
    10 فإن إلغاء تجريمه يجعله مشروعا بالنسبة لباقي الفروع القانونية.
    أما الحد من التجريم النسبي فهو إلغاء وصف عدم المشروعية الجزائية وإحالل
    وصف عدم المشروعية القانونية المدنية أو اإلدارية أو التأديبية أو المهنية بدال منه،
    أي أن السلوك يصبح مباحا من الناحية الجزائية مع بقائه غير مشروع بالنسبة لباقي
    فروع القانون، وبالتالي ال يستوجب عقوبة جزائية وإنما يكون موجبا لجزاء مدني أو
    إداري أو تأديبي أو مهني، أو لصورة أو أكثر من هذه الجزاءات. وهذا النوع يفترص
    أن االعتداء الذي يسببه السلوك محل التجريم ينال من عدة مصالح تختص عدة قواعد
    قانونية بحمايتها، فإذا تم إلغاء الحماية الجزائية بقيت الحماية المقررة بموجب باقي
    القواعد القانونية غير الجزائية.
    ويختلف موقف المشرع في األخذ بأحد الصور أو األشكال السابقة، وذلك طبقا
    لما يوافق أهدافه المؤسسة على اعتبارات المالءمة التي تفرضها سياسته الجزائية،
    لتحقيق التوازن بين المصالح المحمية قانونا على ضوء مبادئ الضرورة والتناسب


8




  • محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.260-261.
    9
    10فتوح عبد هللا الشاذلي، المرجع السابق، ص.14.
    -محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.260.
    ثانيا: تطبيقات الحد من التجريم في التشريع الجزائري.
    يشكل رفع التجريم عن فعل التسيير أهم التطبيقات التشريعية في الجزائر
    لسياسة الحد من التجريم، والمتعلقة أساسا بالقانون الجزائي لألعمال، ذلك أن مساءلة
    المسيرين جزائيا عن هذه األخطاء ش ّكل عائقا أساسيا في طريقهم حين تسيير
    مؤسساتهم.
    وقد تعالت األصوات المطالبة برفع التجريم عن المخالفات التي يرتكبها هؤالء
    وكانت االستجابة من خالل اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 03 11 المسيرين،
    12 فبراير 2011 ،وتجسد ذلك من خالل تعديل المادة 119 مكرر من قانون العقوبات،
    13 والمادتين 26 و29 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
    "وذلك بغرض زرع المزيد من الثقة في نفوس اإلطارات والمسيرين العموميين
    للنهوض بمهامهم في كنف الطمأنينة، واضعين ثقتهم في الدولة التي يخدمونها وفي
    العدالة المستقلة، على أال يعني ذلك تخويال للعقاب )لالعقاب( أو اإلفالت من
    القصاص ما تثبته العدالة من جريمة أو جنحة من جرائم وجنح الفساد والمساس
    بالمال العام".
    وأيضا "لإلسهام في حماية المسيرين من الضغوط التي كانوا يتعرضون لها
    مزاجيا، إذ كانت الدعوى العمومية تح ّرك في كثير من األحيان بناء على رسائل
    مجهولة، ألشخاص ال تكون نواياهم دائما سليمة، وهو ما يمنح المسيرين متنفسا
    للعمل بحرية ويطلق روح المبادرة لديهم، وهو ما سيعود بالنفع على المؤسسات
    العمومية االقتصادية وعلى المؤسسات ذات الرأسمال المختلط، وبالتالي على
    14 االقتصاد الوطني".
    في الواقع إن تعديل المادة 119 مكرر ق.ع.ج لم يأتي بالجديد، سوى تحديد صفة
    الجاني باإلحالة إلى المادة 2 من ق.و.ف.م. وهو في الحقيقة تعديل منطقي كون المادة
    119 مكرر كانت تحيل قبل التعديل إلى المادة 119 ق.ع.ج، والتي تم إلغاؤها




  • وذلك من طرف منظمات أرباب العملوخاصة االتحاد الوطني للمقاولين العموميين، وجمعية البنوك والمؤسسات المالية. 11




  • أضيفت بموجب القانونرقم01-09 المؤرخ في 4 ربيع الثاني 1422 12
    ه
    م الموافق لـ 26 يونيو 2001
    ، المعدل والمتمم لقانون
    ه العقوبات، ج.ر، ع.34 ،س.2001،ص.16؛ وتم تعديل المادة بالقانون رقم11-14 المؤرخ في 2 رمضان 1432
    الموافق لـ 2 غشت
    م 2011
    ، المعدل لقانون العقوبات، ج.ر، ع.44 ،س.2011 ،ص.4.




  • بالقانون رقم 11-15المؤرخ في 2 رمضان 1432 13
    ه
    م الموافق لـ 2 غشت 2011
    ، المعدل والمتمم للقانون 06-01 المتعلق بالوقاية
    من الفساد ومكافحته، ج.ر، ع.44 ،س.2011 ،ص.5.




  • التقرير التمهيدي للجنة الشؤون القانونية واإلدارية والحريات بخصوص مشروع القانون 11-14،ج.ر.م، ع.235،المرجع 14
    السابق، ص.5.
    وهو ما يثير التساؤل عن أثر ذلك في الحد من 15 وتعويضها بالمادة 29 من ق.و.ف.م.
    التجريم؟
    لكن بالرجوع إلى مشروع التعديل يمكن الوقوف على اشتراط مسودة المادة
    119 مكرر عدم تحريك الدعوى العمومية بخصوص جريمة اإلهمال في التسيير، إال
    بتقديم شكوى من أجهزة الشركة المنصوص عليها في القانون التجاري، أو في
    التشريع المتعلق برؤوس األموال التجارية للدولة، عندما ترتب الجريمة إضرارا
    بالمؤسسات العمومية االقتصادية، التي تملك الدولة كل رأسمالها أو الشركات ذات
    16 الرأسمال المختلط.
    إال أن لجنة الشؤون القانونية واإلدارية والحريات بعد االستماع إلى اقتراحات
    التعديل البالغة 14 اقتراحا، والمقدمة من النواب، خلصت إلى حذف الفقرة الثانية
    والثالثة منها، لتترك المبادرة في تحريك الدعوى العمومية إلى النيابة العامة باعتبار
    17 ذلك من أصيل أعمالها.
    أما بخصوص تعديل المادتين 26 و29 من ق.و.ف.م، فالمالحظ أن المشرع قد
    ضيّق من نطاق النص التجريمي، إذ أبقى على تجريم الصورة العمدية للجرائم
    الواردة بالمادتين، وألغى الصورة غير العمدية لها، أي أن األخطاء التي يرتكبها
    المسيرون دون قصد، أصبحت غير مج ّرمة وغير معاقب عليها بعقوبة جزائية.
    فبالنسبة للمادة 26من ق.و.ف.م المتضمنة لجريمة المحاباة في الصفقات
    العمومية، فقد كانت الصياغة السابقة لها تسوي بين جميع أنواع مخالفة األحكام
    التشريعية والتنظيمية التي يمكن للموظف ارتكابها، سواء ارتكبها سهوا بدون عمٍد أو
    ارتكبها عمدا على المخالفة العمدية فقط. ً، فأصبحت الصياغة الجديدة تقصر التجريم
    أما بالنسبة للمادة 29 من ق.و.ف.م المتعلقة بجرائم االختالس والتبديد وغيرها
    إضرارا بالمال العام، فقد ر ّكز مشروع التعديل وفقا لما ص ّرح به وزير العدل على
    فعل التبديد، إذ اعتبر أن: "الصياغة السابقة كانت تجرمه وتعاقب عليه بصفة مطلقة،
    وعلى وجه العموم دون اعتبار لطبيعة المشاريع والمؤسسات االقتصادية فيما يقوم
    به في القائمين على إدارة
    ّ
    عليه تسييرها بصفة عامة، من سرعة وائتمان، وما يتطل
    هذه المشاريع والمؤسسات االقتصادية من مبادرة أو إقدام على المخاطرة كلما دعت
    إلى ذلك حاجة أو ضرورة... وتفاديا لالختالف والتباين حول مدلول التبديد في هذه




  • الحاج علي بدر الدين، جرائم الفساد وآليات مكافحتها في التشريع الجزائري، رسالة دكتوراه في القانون الخاص، كلية 15
    الحقوق والعلوم السياسية – جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، 2015/2016 ،ص.147.
    16




  • ج.ر.م، ع.235،المرجع السابق، ص.4.




  • التقرير التكميلي للجنة الشؤون القانونية واإلدارية والحريات حول مشروع تعديل قانون العقوبات )القانون 11-14،)ج.ر.م، 17
    ه ع.238 ،المؤرخ في 12 شعبان 1432
    م الموافق لـ 13 يوليو 2011
    .4-3.ص،
    المادة، والمتابعات الجزائية ضد الموظف العمومي عن صور التبديد التي تندرج
    ضمن المخاطر المعتادة في التسيير االقتصادي بمفهومه الواسع، وال يأتيها المسير
    عمدا يقترح المشروع إضافة شرط لتجريم فعل التبديد، وهو أن يكون التبديد عمدا
    18 بحيث ال يسأل الموظف العمومي أو يتابع إال إذا تعمد فعل التبديد".
    والمالحظ أن الصياغة الجديدة للمادة 29 ق.و.ف.م وإن رفعت اللبس عن فعل
    التبديد باشتراطها ركن العمد، بما يقلص ذلك من نطاق التجريم الذي يمثل صورة من
    الحد من التجريم، إال أنها قد تثير التساؤل عن باقي األفعال الواردة بالنص والمتعلقة
    باالختالس واإلتالف واالحتجاز بدون وجه حق واالستعمال غير المشروع لألموال
    19 العمومية، فهل يشترط فيها العمد أم ال؟
    الظاهر من خالل عرض مشروع التعديل أن غاية المشرع كانت تتجه نحو
    تضييق نطاق التجريم، بقصره على الصورة العمدية دون الصورة غير العمدية،
    وهذا في إطار تجسيد سياسة رفع التجريم عن فعل التسيير، فيكون من غير المنطقي
    ِّق من نطاق تجريم فعل التبديد وبالمقابل يُو ِّّسع من نطاق تجري
    أن يُضيّ م باقي األفعال.
    لذا ولرفع هذا اللبس يُقترح أن تكون الصياغة كالتالي: "يعاقب بالحبس من
    سنتين )2 )إلى عشر )10 )سنوات وبغرامة من 000.200 دج إلى 000.000.1 دج، كل
    موظف عمومي يقوم عمدا بتبديد أو اختالس أو إتالف أو احتجاز دون وجه حق أو
    استعمال غير مشروع لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر، أي ممتلكات أو
    أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء ذات قيمة عهد بها إليه بحكم
    وظيفته أو بسببها".
    وعلى العموم فإن الخطوة التي خطاها المشرع الجزائري في إطار رفع التجريم
    عن فعل التسيير، لم ترق إلى المستوى المطلوب وفقا لمفهوم الحد من التجريم، ولما
    كان مأموال من قبل المسيرين، ولعل ذلك راجع إلى عدم رسوخ هذه السياسة بذهن
    المشرع، أو لتخوفه من التبعات السلبية للتخلي عن الحل الجزائي في غياب اآلليات
    البديلة لحماية المال العام، فسياسة الحد من التجريم رغم ما تقدمه من مزايا فإن لها
    بالمقابل سلبيات عديدة، ويبين ذلك من خالل تقدير هذه السياسة بالمطلب الموالي.




18



  • كلمة وزير العدل لتقديم مشروع تعديل قانون الوقاية من الفساد ومكافحته،ج.ر، ع.236،المرجع السابق، ص.10.

  • إذ جاءت الصياغة الجديدة على النحو اآلتي: "يعاقب ... كل موظف عمومي يبدد عمدا أو يختلس أو يتلف أو يحتجز بدون 19
    وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أي ممتلكات..."؛ بينما كانت الصياغة
    السابقة كالتالي: "يعاقب...كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو
    غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أي ممتلكات...".
    المطلب الثاني
    تقدير سياسة الحد من التجريم
    الفرع األول
    االنتقادات الموجهة لسياسة الحد من التجريم.
    أوال: اآلثار السلبية للحد من التجريم.
    أورد الفقه المعارض لسياسة الحد من التجريم بعض اآلثار السلبية لهذه
    السياسة، ومن بين أهم هذه اآلثار أن إلغاء تجريم سلوك معين يؤدي إلى ارتفاع
    أي أن رفع الوصف الجرمي على السلوك سيؤدي إلى 20 معتبر في معدل ارتكابه،
    تشجيع أفراد المجتمع على إتيانه، وذلك لغياب الردع الذي كان يوفره النص
    التجريمي، بما يحمله من عقوبة ومتابعة جزائية.
    ويرى البعض أنه يمكن التقليل من هذا األثر السلبي، وذلك بحرص المشرع
    وهو بصدد تجريم أو إلغاء تجريم سلوك ما على احترام القيم االجتماعية
    واالقتصادية، على أن يسترشد في ذلك برأي األغلبية التي تكون رأيا عاما يجب
    21 احترامه.
    ومن جهة أخرى يشير الفقه المعارض إلى أن الحد من التجريم سيؤثر سلبا على
    ويضعف ثقتهم به، ذلك أن إلغاء تجريم فعل 22 احترام وتقدير األفراد للنظام الجزائي،
    معين سيجعل األفراد يعتقدون بأن المشرع لم يبني تجريمه للفعل سابقا على أسس
    أي أنه قد استبد بسلطته في تقييد حرياتهم دون داع، وهذا ما يؤثر 23 ومبررات كافية،
    سلبا على ثقتهم بحرصه على حماية حقوقهم وحرياتهم، وخاصة األشخاص الذين
    تعرضوا للمتابعة والعقاب بسبب اقترافهم لذلك السلوك، مما ينمي الشعور لديهم
    بالظلم والالمساواة.
    ويرد البعض على هذا القول بأن إلغاء تجريم سلوك ما ال يعني بالضرورة أن
    تجريمه في الماضي لم يكن مبنيا على أسس ومبررات كافية، إذ أن المشرع والبد أنه
    قد استند إلى أسس ومبررات كانت قائمة زمن إقرار التجريم، إال أنها أصبحت غير


20
-Lodewijk Henri Christiaan HULSMAN, défense sociale nouvelle et critères de décriminalisation, T.2 (étude de
science pénal et politique criminelle), Paris, 1975, p.26.
21



  • أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ص.46.
    22
    -Conseil de l’Europe,comité européen pour les problèmes criminels, op.cit, p.62.
    23
    -L.H.C. HULSMAN,op.cit, p.26.
    كافية في زمن الحق، بسبب التطورات التي مست المجتمع، وأدت إلى تغير المفاهيم
    24 والقيم والمصالح، مما استوجب بالنتيجة إلغاء التجريم.
    وعلى العكس يرى هذا االتجاه المؤيد للحد من التجريم أن االستمرار بتجريم
    السلوك الذي فقد ضرورته، وغابت المصلحة التي تقتضيه، هو ما يؤدي إلى إضعاف
    إذ في هذه الحالة سيصبح أداة لالستبداد والطغيان، فالمجتمع 25 الثقة بالنظام الجزائي،
    ال يضيره خطأ المشرع في تجريم سلوك ما بقدر ما يضيره التعنت واإلصرار على
    إقرار هذا الخطأ، بل إن تراجعه عن هذا التجريم هو ما سيكسبه ثقة أفراد المجتمع
    في قدرته على مسايرة التطورات.
    ومن اآلثار السلبية للحد من التجريم احتمال إقدام ضحايا السلوك الذي ألغي
    تجريمه على الثأر واالنتقام، واقتضاء حقوقهم بوسائلهم الخاصة ممن ارتكبوا في
    حقهم الفعل الذي كان مج ّرما،
    وذلك أن الحد من التجريم لم يراع مشاعرهم، ولم 26
    يقت َّص ممن ألحقوا األذية بحقوقهم وحرياتهم، وهذا ما يدفع بالعودة إلى نظام العدالة
    يحقق التوازن بين مختلف المصالح 27 الخاصة، في ظل غياب نظام عام للعقاب،
    المتعارضة دون إفراط أو تفريط.
    لكن في الواقع أنه على فرض التسليم بعدم وجود ضحايا في هذه الجرائم بشكل
    مباشر إال أن ذلك ال يحول دون استياء أفراد المجتمع من رفع التجريم عن بعض
    األفعال، خصوصا ما تعلق منها ببعض جرائم األعمال، والتي قد يثير رفع التجريم
    عنها حفيظة بعض األفراد، من منطلق عدم المساواة، والشعور بالتمييز الطبقي، لذا
    فالحذر مطلوب بشدة من قبل المشرع الجزائي، من االنجراف وراء مطالب بعض
    الجماعات الضاغطة دون تب ّصر منه.
    ثانيا: صعوبات تطبيق الحد من التجريم.
    يثير تطبيق الحد من التجريم بأرض الواقع إشكاالت عديدة، يتعدى تأثيرها
    حدود الدولة التي تبنت هذه السياسة، إلى باقي الدول التي لم تتبع نفس االتجاه، مما قد
    28 يحول دون تحقيق األهداف المرجوة للحد من التجريم بشكل فعّال.


24



  • محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.274.
    25
    26محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.274-275.
    -L.H.C. HULSMAN,op.cit, p.26.
    27
    -Conseil de l’Europe,comité européen pour les problèmes criminels, op.cit, p.62.
    28
    -محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.275-276.
    فمن الصعوبات والعراقيل التي تعترض الحد من التجريم، وفقا لما أشارت إليه
    اللجنة األوربية لمشاكل التجريم، والتي تؤثر على الدولة المطبقة لسياسة الحد من
    التجريم، أن إلغاء تجريم سلوك معين بهذه الدولة، قد يشكل إغراء وحافزا ألفراد باقي
    الدول التي لم تسلك نفس النهج للهجرة والنزوح إلى تلك الدولة، وهذا طمعا في
    ممارسة ذلك السلوك والتحرر من الحظر المفروض عليه بدولهم األصلية، وخاصة
    29 إذا تعلق األمر ببعض المزايا االقتصادية.
    فرجال األعمال وأصحاب المال يسعون إلى توجيه استثماراتهم وأموالهم نحو
    الدول التي توفر لهم قدرا من الحرية والخصوصية، وترفع عنهم بعض القيود
    اإلدارية والمالية،وبالرغم من اآلثار اإليجابية على هذه الدول الناتج عن جلب
    االستثمارات بما ينعش اقتصادها، فإنه بالمقابل قد يؤدي إلى نتائج عكسية غير
    متوقعة، كاستغالل التسهيالت الضريبية والجمركية لتحويل الفوائد من العملة الصعبة
    إلى الخارج.
    كما أن هذا النزوح واإلقبال سيؤدي إلى ارتفاع معدل ارتكاب السلوك الذي
    انحسر عنه التجريم من قبل أفراد أجنبيين، وهو ما قد يثير المشاعر الغيرية لدى
    مواطني الدولة المستقبلة، خصوصا وأن الحد من التجريم كما سبق توضيحه، وإن
    أدى إلى االعتراف القانوني بإباحة السلوك فإنه ال يؤدي في كل األحوال إلى
    وهذا ما يؤدي إلى وجود احتقان اجتماعي متولد 30 االعتراف بمشروعيته اجتماعيا،
    عن الشعور بمزاحمة األجانب.
    ويشير الفقه إلى أن الحد من التجريم ال يعني دائما تغاضي المشرع عن النتائج
    التي يفرزها السلوك الملغى تجريمه، والتي تبقى موضع قلق واهتمام المجتمع، بل
    يمكنه العمل على معالجتها وصدها، من خالل اعتماد بدائل وأساليب غير جزائية، أو
    حتى غير قانونية، وذلك انسجاما مع الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية
    31 المميزة لهذا المجتمع.
    وتضيف اللجنة األوربية لمشاكل التجريم صعوبة أخرى للحد من التجريم،
    تتمثل في انتشار ظاهرة الحماية الذاتية ضد الجرائم الواقعة على الملكية الخاصة،
    والتي تتخذ عدة أشكال كالبوليس الشخصي أو الخاص، والحراس الليليين للبنوك


29
-Conseil de l’Europe,comité européen pour les problèmes criminels, op.cit, p.69.
30
31أمين مصطفى محمد، المرجع السابق، ص.44.
-محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.277.
حيث يلجأ األفراد إلى حماية 32 والمصارف والمحالت الكبرى والفنادق الفاخرة...إلخ.
ممتلكاتهم الخاصة من االعتداءات التي خرجت من نطاق التجريم، بعيدا عن تدخل
33 الدولة التي تتبع سياسة الحد من التجريم.
وما زاد من قلق أعضاء اللجنة تفاقم ظاهرة الدفاع الذاتي، التي أخذت أبعادا
خطيرة تنذر بالتهديد للحقوق والحريات الفردية، وذلك نتيجة الممارسات التي يسلكها
القائمون على هذا النظام األمني الخاص، والتي تدخل ضمن صالحيات سلطة الضبط
اإلداري، كالتفتيش واالستجواب والتهديد باالستعمال غير الشرعي للسالح، وغيرها
34 من اإلجراءات التي تستأثر بها الدولة نظرا لكونها تمس بالحريات الفردية.
وإلى جانب المعوقات التي تؤثر على الدول المطبقة للحد من التجريم، تظهر
إشكاالت أخرى تتعلق بالدول التي لم تطبق الحد من التجريم، وتتعلق هذه اإلشكاالت
على العموم في مسألتين، تتعلق األولى بنظام تسليم المجرمين؛ واألخرى بتنفيذ
35 األحكام األجنبية.
فبالنسبة لنظام تسليم المجرمين فإن اإلشكال يثور في حال عدم وجود اتفاقية
تربط بين دولتين، إحداهما تقر على خالف األخرى رفع التجريم عن سلوك معين،
وبالتالي فإنه يصعب على الدولة التي لم تلغي تجريم السلوك المطالبة باستالم
الشخص الذي ارتكب هذا السلوك على إقليمها ثم فر هاربا إلى الدولة التي ألغت
تجريمه، إذ أن هذه األخيرة ستمتنع عن تسليم ذلك الشخص، بحجة أن الفعل المطلوب
ألجله التسليم لم يعد مجرما في نظامها الجزائي، فقواعد تسليم المجرمين تقتضي
36 إزدواجية التجريم في البلدين.
كما أن الدولة التي لم تلغي تجريم الفعل، لن يكون بمقدورها المطالبة أيضا
باستالم رعاياها ممن اقترفوا الفعل داخل إقليم الدولة التي ألغت تجريم الفعل، على
أساس مبدأ االختصاص الشخصي، وذلك استنادا لنفس األسباب الموضحة سابقا؛
وهذا ما سيفوت على الدولة طالبة التسليم إمكانية االقتصاص ممن ع ّرضوا مصالحها
وسمعتها للضرر.


32
-Conseil de l’Europe,comité européen pour les problèmes criminels, op.cit, p.70.
33
34محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.277.
-Conseil de l’Europe,comité européen pour les problèmes criminels, op.cit, p.70.
35
36محمود طه جالل، المرجع السابق، ص.279-283.



  • سليمان عبد المنعم، النظرية العامة...، المرجع السابق، ص.149.
    وتزداد هذه الخطورة بالنسبة لجرائم األعمال، كجرائم حيازة العملة األجنبية
    وتداولها وإخراجها خارج حدود الدولة، والسندات المحررة بالعملة الصعبة، وهذه
    خاصة بالدول األوربية. 37 كلها أفعال لم تعد محال للتجريم في معظم النظم العقابية،
    أما فيما يتعلق بتأثير الحد من التجريم على تنفيذ األحكام األجنبية، فإنه إذا لم
    توجد معاهدة تربط بين دولتين أحداهما ألغت تجريم الفعل المراد تنفيذ الحكم بشأنه،
    وحتى في حالة وجود المعاهدة وكانت هذه الدولة تعتبر المعاهدة في مرتبة مساوية أو
    أدنى من مرتبة قانونها الداخلي، فإنه في كلتا الحالتين يتعذر تنفيذ الحكم الصادر عن
    الدولة التي لم تلغي التجريم على إقليم الدولة التي ألغت تجريم الفعل، وذلك لكونه
    مخالفا لتشريعها الداخلي


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

أصبحت وسائل الإ...

أصبحت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة جزءا من حياة الناس مثل الماء والهواء, وغدت هذه الوسا...

بينا أنا في منز...

بينا أنا في منزلي صبيحة يوم إذ دخل علي رجل صياد يحمل في شبكة فوق عاتقه سمكة كبيرة، فعرضها علي، فلم أ...

Procedures: Gra...

Procedures: Grain length measured with calipers.1 2.Nitrogen cylinder connected to porosimeter; nitr...

9 أسالٔب الحْاز...

9 أسالٔب الحْاز في الشيرٗ اليبْٓ٘ تمَٔد9 في حشً البٔاٌ اليبْٖ ٫ يملذٟ عاقٌ في إٔ يٮهًٛب َهاْت٘ ايعً...

التعليم الجامعي...

التعليم الجامعي والعالي . تشمل مؤسسات التعليم العالي الجامعات والكليات • . يتبع التعليم ، وبالنسبة...

يشير الانحراف ا...

يشير الانحراف السلوكي (الإساءة) إلى جميع أشكال الإساءة من جانب طرف تجاه الآخر، بما في ذلك جميع أشكال...

• . اختبارات ا...

• . اختبارات التفاصيل لبند الرخل من مصادر اخرى يفحص الاستثمارات في في الاستاذ ذ العام وتقصي أي أي ...

“المغفلة” قصة ل...

“المغفلة” قصة للكاتب الروسي انطوان شيخوف ،ملخص القصة أن يوليا فاسيليفنا مربية أطفال تعمل عند أسرة بر...

هو مخطط تنظيمي ...

هو مخطط تنظيمي يستخدم في مرحلة التخطيط للمشروع الريادي من اجل تدارك الاخطار التي يمكن ان تنجم عنه قد...

Epididymis It h...

Epididymis It has three parts: its thick "head" covers the upper pole of the testicle; its "body" fo...

مفهوم النظم : ...

مفهوم النظم : أن مصلح النظام System يقصد به ذلك الكل المنظم والمركب الذي يجمع ويربط بين أشياء أو أج...

ما أشار إليه ال...

ما أشار إليه الكاتب بين العلاقة التي تكون بين الرجال والنساء، أنه الرجال قادرين على التسلط واستهزاء ...