لخّصلي

ترتب عن التطور التكنولوجي الذي صاحب عمليات إنتاج السلع و الخدمات اختفاء النموذج المبسط للسلعة التي كانت تتكون من بعض المواد الطبيعية أو الخامات الأولية، وكذا زوال مفهوم المنتج العادي الذي حلّ محله الشركات الكبرى.
فإذا كان استعمال المواد الكيميائية والأنظمة الكهربائية أدى إلى رفاهية المجتمعات، إلا أنه في المقابل عرض صحة الإنسان وسلامته إلى خطر كبير.
كما تشهد الأسواق المحلية والعالمية في الوقت الحاضر غزارة كبيرة في الإنتاج، بسبب حرص المنتجين على الوصول إلى أعلى نسب من التسويق دون الاهتمام بمصالح المستهلك الاقتصادية وسلامته الصحية، مع ملاحظة زيادة معتبرة في معدلات الاستهلاك دون وعي من المستهلك بمدى ملائمة السلع والخدمات المطروحة للتداول لصحته وسلامته.
إزاء هذه التحولات، تعاظمت أهمية وضع سياسة شاملة وناجعة لحماية المستهلكين و إقرار مسؤولية المنتجين عن الأضرار التي تسببها منتجاتهم، مع مراعاة كافة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، خاصة مع سيطرة المؤسسات الاقتصادية الكبرى على السوق و اختلال التوازن في عقد البيع بين البائع و المشتري الذي أضحى في موقف ضعف.
كان المشرع الجزائري يحمي المستهلك طبقا للقواعد العامة في القانون المدني وفقا لنظريات عيوب ا لإرادة والعيوب الخفية، فكان يوقع التزام المتدخل طبقا للمسؤولية العقدية التي يرتبها على البائع في حالة إخلاله بالتزام تعاقدي، إضافة إلى إمكانية تحميله المسؤولية التقصيرية إذا كان المستهلك لا تربطه بالبائع المسؤول علاقة تعاقدية حسب ما تشترطه المادة 421 من القانون المدني.
بتحرير التجارة الخارجية و إقرار مبدأ المنافسة الحرة الهادفة إلى زيادة الفعالية الاقتصادية و تحسين معيشة المستهلكين ، عرفت السوق الجزائرية انتشارا رهيبا للمنتوجات المستوردة المقلدة التي لا تستجيب أغلبها للمقاييس العالمية و نحن نسمع يوميا عن الإصابات و الحوادث التي تسببها المنتجات، ليس لعيب فيها فقط، و إنما لكونها لا تستجيب لمتطلبات أمن وسلامة المستهلك، خاصة في ظل ظهور منتجات بالغة التعقيد أو الخطورة ، والتي لا تضر بالمشتري المتعاقد فقط بل أيضا بالغير الذي لا علاقة له بالبائع، كالمستعملين للمنتوج.
هذا ما أدى إلى قصور الحماية المقررة للمشتري، حيث أصبحت الحماية العقدية للمستهلك في القانون المدني الجزائري لا تستجيب إلى متطلبات الواقع، وعجزت النظريات التقليدية عن ضمان سلامة المستهلك.
لقد أدرك المشرع الجزائري اتساع مشكلة اختلال التوازن بين المستهلك الضعيف اقتصاديا، وبين المتدخلين الذين يملكون القوة الاقتصادية والكفاءة التقنية في مجال الإنتاج والتوزيع، فأصدر قانون رقم 02-98 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك، الذي كرس المبادئ الأساسية لمراقبة جودة المنتوجات و الخدمات المعروضة للاستهلاك و أهمها إجبارية توفر المنتوج على ضمانات ضد كل المخاطر التي من شأنها أن تمس بصحة المستهلك.
مع ارتقاء الإصلاحات الاقتصادية في بلادنا والمتميزة بتفكيك الاحتكار، فتح السوق الخارجية، تحرير الأنشطة الاقتصادية و تكريس المنافسة الحرة، أصبح تكريس وسائل الضبط و مراقبة السوق موضع عناية و اهتمام أكثر من أي وقت مضى ، حيث تقرر النظر كليا في القانون 89-02 الملغى الذي ثبث عدم ملائمته لمتطلبات الوقت الراهن في مجال رقابة الجودة وقمع الغش و حماية المستهلك.
نظرا لإتساع حجم المستهلكين وتعاظم الحاجة لحمايتهم فإنّ مفهوم الحماية و وسائلها تطورت تطورا هائلا في الفترة الأخيرة ، فلقد تطور تدخل الدولة وأصبح يشمل العديد من الخطوات و الإجراءات و التنظيمات التي تحمي المستهلك في كل الشؤون الاستهلاكية و متعلقاتها بدءا بالسلعة الاستهلاكية ذاتها من حيث الجودة و السعر و المواصفات وانتهاء بالضمانات القانونية التي تكفل صيانة هذه السلعة أداءها و الغرض المقصود عند الاستعمال وهذا ما جاء به قانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع و الذي تم تعديله مؤخرا و إتمامه بموجب قانون 18-09 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش.