لخّصلي

انتشار الاسلام »
كانت عدالة النظام الإسلامي في مختلف وحدات عالم الإسلام ، وانتقال الناس إليه ، فإن تخليص الإسلام للجماعات المختلفة من الجور والظلم كخطوة أولى . ثم ما حققه من حرية لجماعاتها ودياناتها كتطبيق عملي للإسلام نفسه ، في حدود ما أذاعته تعاليمه وما رسمه عمر بن الخطاب وغيره من الولاة في العقود التي عقدوها كعقد بين المقدس وغيره . وزاد في ذلك ما عرف عن بساطة الإسلام وبعده عن التعقيد . وصدق توماس أرنولد حين قال : إن القوة لم تكن عاملاً حاسماً في تحويل الناس إلى الإسلام ، وقد تولت جماعات من العلماء والفقهاء في مختلف الوحدات الجديدة إذاعة مبادىء الإسلام وشرطها ، وقد ردّ المسلمون ( الجزية ( لأهل حمص عندما تحولوا عنها ، » ولم يستطيعوا أن يمنعوا أهلها . وقد شهد لحرية الارادة في إسلام المجموعات المختلفة كثير من الباحثين المنصفين . -۱۷۳ -
أو عن أي اضطهاد منظم قصد به استئصال الدين المسيحي ، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها ( فرديناند وإيزابيلا ) دين الاسلام من أسبانيا ، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهباً يعاقب عليه معتنقوه في فرنسا ، وان مجرد بقاء الكنائس الشرقية في آسيا حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الاسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم . والمعروف أن المسيحيين في بداية دخول العرب لبلادهم قد انتقلوا إلى الاسلام في جموع هائلة . واتسمت الفترة التي تولى فيها عمر بن عبد العزيز الخلافة ( ۹۹ - ۱۰۱ ) بتعميق ضخم لدعوة الاسلام وتحول واسع النطاق إلى الاسلام ، فقد أرسل عشرات الرسائل يدعو الرؤساء والأمراء في مختلف وحدات عالم الاسلام إليه ، وكانت شخصيّته عاملاً هاماً في هذه الحركة ، وكانت هي أساساً مصدر ما تحقق من نجاح بعيد المدى في هذا السبيل حتى دخلت ألوف مؤلفة من الناس إلى الاسلام عن طريق الولاة النادرين الذين اختارهم ، الذي كان قد وضع قبلاً ، فأعفى من يدخل في الاسلام من دفع ضريبة الرأس ودفع ضريبة الأراضي واستبدلها بضريبة أخف هي ضريبة العشر ، وخصوم الاسلام . والمأمون ( ۱۹۸ - ۲۱۸ هـ ( مثل بارز في هذا المجال . فقد كان شديد الحماسة للجهود التي تبذل في نشر الاسلام . وقد أرسل إلى كثير من الأمراء ممن كانوا يقيمون في أقصى أجزاء عالم الاسلام كبلاد ما وراء النهر ، وفرعانة يدعوهم إلى الاسلام ) البلاذري ) . ***
منذ أن توقف التوسع الإسلامي إلى أن بدأ الغزو الخارجي لعالم الإسلام بالحملات الصليبية ، فكر أمة واحدة. ومؤامرات خصوم الإسلام . ومن هنا بدأ ذلك الصراع الضخم بين الفقهاء والفلاسفة والصوفية ، في معركة كبرى ذات نحل وفرق مختلفة متعارضة ، كان قوامها سياسياً في الأغلب . غير أنها لم تلبث بعد أجيال متعددة أن تبلورت عن قيام ( أسس كاملة ) للفكر الإسلامي دعامتها القرآن نفسه ، على قواعد الإسلام الأصلية ، ولم يبق الخلاف قائماً إلا في الفرعيات والقضايا والمسائل التي لا بد من الخلاف فيها نتيجة اختلاف الأجناس والأوطان والظروف
وطبعت الفكر الإسلامي بطابع فلسفي معتزلي من ناحية ، والواقع أن الإسلام في جوهره ليس إلا امتزاجاً دقيقاً وواعيا بين العقليات والروحانيات ، فلا يمكن الفصل بينهما ، ولا يرجح أحدهما عن الآخر ، وكل ادعاء بأن جانبا بمفرده مثل مفهوم الإسلام هو ادعاء مردود
وقد كان رجحان العقليين في مرحلة من مراحل تاريخ الاسلام مدعاة للاضطراب . ومن هنا كانت حتمية الاستمرار في الاسلام قادرة على تصحيح المفاهيم ، ورد كل انحراف ينشأ بين حين وحين ، ***
-100-
وفي خلال مرحلة التبلور والانصهار ظهرت دعوات المعتزلة والفقهاء
والفلاسفة ، ومحاربة النفس والتوكل على الله . وقد اتصلت بأصحاب الدعوة إلى الصوفية الفلسفية ، شبهات التأمر على الإسلام فإن كلا من الحلاج والسهر وردي قد اتهم بموالاة حركة من حركات الانتفاض على الإسلام
وقد قدم التصوف الإسلامي في تياره الأول ( الزهد » روحاً جديدة إلى الفكر الإسلامي تخفف من جفاف الطابع العقلى الذي سيطر على دعوات الفلسفة والاعتزال والفقه، غير أنه لم يلبث أن دخل في متاهات فلسفية أذهبت عنه أصالته وسماحته وبساطته المستمدة من ( جوهر الإسلام ) حين أخذ يبحث في قضايا المعرفة والأحوال ، والمواجد والأذواق . قد استطاع أن يقضي على هذا التمزق الذي أصاب الفكر الإسلامي بانقسامه إلى فقه وتصوف ، فأعاد صياغة الفكر الاسلامي من جديد ، وكان هذا مقدمة للوحدة الاسلامية التي استطاعت من بعد أن تواجه الغزو الصليبي . غير أن التصوط ، كان قد تحول إلى مرحلة جديدة ، هذه الفرق التي توسعت في مرحلة الغزو الخارجي من بعد
عن مفهوم الإسلام في التحرر من الفقر ، والدعوة إليه ، -١٧٦ -
الإسلام نفسه ، وإن كان قد قام في خلال تلك الفترات من دعا إلى الإصلاح ومناصحة الولاة وتحرير مفهوم الإسلام من انحراف التصوف كدعوة جزئية تتسم بطابع الروحية ، وقد خرجت الصوفية بذلك عن بساطة الاسلام وفطرته وعباداته البسيطة ومظهره السمح حين تحولت إلى رموز ومعميات وانفصمت به عروة فلسفة الاسلام التي تجمع بين حصول المعرفة عن طريق القلب والعقل
معاً

في خلال هذا التوسع كانت معركة أخرى على وشك أن تدور ، معركة من طرفين :
والآخر في الخارج ، وقد تنبه المسلمون لهذين الخطرين .