خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
إن تطور الفكرة الصليبية في الغرب الأوروبي الكاثوليكي كان نتاجا للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نجمت عن انهيار سلطة الإمبراطورية الرومانية في الغرب في القرن الخامس الميلادي، فقد كانت الحركة الصليبية نتاجا للتفاعل بين الكنيسة والإقطاع وتجلى هذا في أوضح صورة من خلال النزاع بين الكنيسة والدولة من جهة، والنزاع بين الدولة وأمراء الإقطاع من جهة أخرى. تعبيرا عن هذا الاتجاه الذي جعل الحملة الصليبية مشروعا لحل مشكلات أوروبا القرن الحادي عشر الميلادي على حساب المنطقة العربية وتحويلها إلى مجال حيوي للنفوذ السياسي والاقتصادي لأوروبا الكاثوليكية. والحملات التي تلتها عن معادلة هامة تحكم التاريخ السياسي لهذه المنطقة، فقد نجحت الحملة الأولى بفضل التشرذم والتمزق السياسي الذي جعل المنطقة نهبا للنزاع بين السنة في بغداد والشيعة في القاهرة وأتباعهما في بلاد الشام، وبين السلاجقة والعرب، وقد تعين على الغرب الأوروبي أن يدفع بموجات تلو موجات للدفاع عن النصر الذي حققته الحملة الأولى. الوحدة والعمل المشترك في الجانب الإسلامي يقابلهما تدهور وهزيمة في الجانب الصليبي والعكس صحيح تماما. إن حصاد المواجهة الإسلامية الصليبية كان سلبيا على الجانب العربي الإسلامي، إذ تعين على المنطقة أن تحشد كل مواردها وإمكاناتها في خدمة المجهود الحربي، وكان الإفراز السياسي هو نموذج الدولة العسكرية الإقطاعية، ولكنها فشلت في إدارة المجتمع على أسس مدنية، وحين تدهور نظامها السياسي بدأت تمارس التسلط على شعوبها وهو الأمر الذي أدخل المنطقة في منحنى التدهور الحاد منذ القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي. جاء في نيوزويك تحت عنوان آخر الصليبيين ما يلي : اقتلوهم كلهم، سمعت هذا المبدأ الدموي للمرة الأولى في بيروت في الثمانينات، حيث كان مكتوبا على قمصانهم ومنقوشا في شكل وشم على سواعدهم. (كان المسيحيون المتشددون يبيدون غيرهم من المسيحيين بالأعداد نفسها التي كانوا يقتلون بها المسلمين في تلك الأيام). وترك مسألة فرز الطيب من الخبيث للرب هذا النوع من التفكير ليس مسألة تاريخية قديمة بالنسبة إلى تنظيم القاعدة. فأسامة بن لادن وأتباعه الشباب يرون أنفسهم - من دون مزاح - وهم کفرسان إسلاميين في تلك الحروب الدينية التي مضت عليها 900 سنة . يخلقون هالة من الفروسية في أوساط المتدينين ويستشهدون بالقرآن بحماسة مجردة من الإنسانية مطابقة تماما لتلك التي كان يحس بها رئيس دير شينو عندما استشهد بالإنجيل في بلدة بيزيي الفرنسية. ففي أذهان الكثير من العرب والمسلمين أن قيام أتباع بن لادن بمهاجمة الولايات المتحدة المغرورة وإسرائيل المولعة بالحرب شيء، حتى المتدينون المتعصبون لا يؤمنون بفكرة العصور الوسطى القائلة أن الله يتولى تصحيح الأخطاء التي يرتكبها المتدينون المتعصبون باسمه. ولذلك بدأنا نقرأ في مواقع الحوار المؤيدة لبن لادن عادة على شبكة الإنترنت محاولات لإيجاد تبريرات لمذبحة الرياض يقول بعضها إنها مؤامرات شنيعة من تدبير الأمريكيين أو الإسرائيليين أو الحكومة السعودية لإشانة سمعة فرسان القاعدة البواسل. فلشبكة القاعدة تاريخ طويل من العنف الذي كان وبالا عليها . فعلى سبيل المثال، لم تتمكن الحكومة المصرية في التسعينات من سحق الجماعات الإسلامية بالإجراءات القمعية وحدها، فقد حاولت تلك الجماعات قتل رئيس الوزراء عام 1993 بتفجير قنبلة، كما حاول الإسلاميون تدمير الاقتصاد فقتلوا 58 سائحاً في الأقصر عام 1997. وعليه فإن القاعدة جلبت لنفسها مشكلة بما فعلته في الرياض. والسؤال المهم هو كيف سيتم استغلال هذه المسألة ليس فقط لإضعاف أنصار بن لادن، فهل تستطيع الحكومة السعودية أن تفعل ما فعلة المصريون في التسعينيات؟ يقول : أندرو سيلك، وكان سيلك يعد دراسة عن التأثير السياسي للعمليات الإرهابية التي تسفر عن وقوع ضحايا بين الأطفال. فهو يقول ( من وجهة نظر الإرهابيين يستطيعون فعل أشياء للحد من الأثر السلبي لتلك العمليات». فالجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت على سبيل المثال، اعتذر وتنازل بهدوء عن الأساليب التي أدت إلى مقتل ولدين في وارنغتون عام 1993، كما وجد الجيش الجمهوري الحقيقي نفسه مضطر للدخول على مضض في وقت لإطلاق النار بعد تفجير أو ماغ عام 1998 الذي أسفر عن وفاة 12 طفلاً بين ضحايا التفجير البالغ عددهم 29 قتيلاً. بالنسبة إلى هجوم السعودية يقول سيلك : «سيتلقى تنظيم القاعدة ضربات لهذا الهجوم. وقد يؤدي ذلك إلى كشف أعداد منهم لأجهزة الأمن على المدى القريب، لماذا؟ يرى سيلك أن السبب في ذلك يعود إلى أن مأساة الحرب المتصاعدة في العراق تساهم باستمرار في تقويض الجهود التي تقوم بها الحكومتان السعودية والأمريكية لهدم مصداقية الإرهابيين في الواقع، بحلول نهاية هذا الأسبوع أصبح العنف العشوائي المتزايد الذي تقوم به القوات الأمريكية في عملية المطرقة الحديدية» يستحوذ على معظم الاهتمام في العالم الإسلامي. وكما كان عليه الحال بالنسبة إلى الجنود الأمريكيين المحبطين في بيروت في أوائل الثمانينات، أصبح الأمريكيون في بغداد يشعرون باستحالة التمييز بين العدو والصديق وعليه فقد لجأوا للاستخدام المفرط للقوة بهدف إخافة الأعداء المشتبه فيهم. أصبح الاحتلال يتحول شيئًا فشيئا إلى عمليات قتال رئيسية. إذا كنا لا نستطيع التمييز بين العدو والصديق، فنحن لا نستطيع قتلهم جميعاً. وعلى الرغم من أن بن لادن يريد منا أن نفعل ذلك إلا أننا لم نتحدر إلى العصور المظلمة على الأقل حتى الآن(1). وبما لا يتناسب والمكانة السياسية الهامة للملكية البريطانية آنذاك على الرغم من المبالغ الطائلة التي أغدقها الملوك بريطانيا عامة على المؤسسات العسكرية والدينية الصليبية في الأرض المقدسة، والتي بلغت ذروتها في عهد هنري الثاني علها تكون بديلاً عن إخافتهم في الذهاب شخصياً إلى هناك ليصبح النذر الصليبي بالنسبة لجميع ملوك إنجلترا مجرد وعود جوفاء، وعلى مدى القرنين الثاني عشر والثالث عشر بات واضحا اتساع هوة التباعد بين المصالح والأولويات السياسية لملوك بريطانيا، والذهاب في حملة صليبية إلى الشرق، ليصبح قيام أي ملك إنجليزي بحملة صليبية أمراً بعيد المنال. والتي كان لها أكبر الأثر في ضمان إحياء مملكة بيت المقدس لمدة قرن آخر سرعان ما ضاع هذا الانتصار هباء، والحملة الصليبية للأمير إدوارد وأخوة ايدموند وحملة وليم لونج سبي، ما عدا النجاح الدبلوماسي الذي أسفرت عنه صليبية إيرل كورنول . نستطيع أن نقول أنه لو قدر لملوك بريطانيا في أضواء السياسية للملكة آنذاك الذهاب شخصياً في حملة صليبية إلى الأرض المقدسة، وكيف أدت إلى نتائج سيئة سواء بالنسبة له أو لرعاياه، وقد تكلفت دولة سلاطين المماليك في مصر والشام (648) - 922 هـ / 1250 - 1517م) بمواجهة هذا العبث الصليبي. إعلانا بنهاية المواجهة العسكرية. وانتهاء آخر فصول المواجهة العسكرية لم يكونا ليحولا دون تفاعل الآثار التي خلفتها الحروب الصليبية على العالم العربي، إذ استمرت تداعياتها تفرز استجاباتها للتحدي الحضاري الذي فرضه العدوان الصليبي على المنطقة العربية والعالم الإسلامي. فإن الاستجابات التي خلفتها هذه المواجهة تجلت في عدة مستويات سياسية وعسكرية، واقتصادية واجتماعية وثقافية ومن نافلة القول أن ننبه إلى أن التفاعل بين هذه الجوانب جميعا أمر تحتمه ضرورة حركة التاريخ، واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتبرز الاستجابة السياسية للتحدي الذي فرضه العدوان الصليبي على العالم العربي في الحقيقة القائلة إن نموذج دولة الخلافة قد انتهى عمليا في خضم الصراع ضد الفرنج على الرغم من بقاء الخلافة لتلعب دور الرمز الديني والواجهة الشرعية. ومع أننا تسلم بأن عوامل التدهور والاضمحلال كانت تهدم نموذج دولة الخلافة، وتنخر في بنيانه منذ فترة قبل الحروب الصليبية، فإن حقائق المواجهة العسكرية السياسية کرست نموذج الدولة العسكرية التي يقودها ملك محارب بدلا من الدولة التي يقودها خليفة لا يتمتع بأي سلطة حقيقية مثلما كان حال كل من الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الفاطمية في القاهرة عندما بدأت قوات الصليبيين تطأ أرض المنطقة العربية. أو في الإمارات والدويلات التي مزقت بلاد الشام والجزيرة عشية الحروب الصليبية) غير قادرة على قيادته سياسيا وعسكريا في مواجهة الهجوم الصليبي الاستيطاني. وأدان الرأي العام تخاذل الخليفة العباسي عندما توجه إليه عدد من أهل الشام بصحبة القاضي أبي سعد الهروي» بعد سقوط بيت المقدس بأيدي الصليبيين عام 492هـ / 1099م. الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين ما الجديد فيه والوصف الصليبي للإسلام والمسلمين متى تغير وتبدل وقسيس الفاتيكان الأخير ما الجديد في كلماته السيئة التي طالما لامست أسماعنا. فلا نكاد ننسى كيف بادر وبدون مقدمات بعد أن استلم مهمته الجديدة في الفاتيكان بإطلاق كلماته المؤيدة لعصابات العدوان والقتل والتشريد من اليهود وكيانهم في أول حفل استقبال لسفراء السلك الدبلوماسي المعتمدين في دولة الفاتيكان. ولعل التقارير التي يقرأها حول انتشار الإسلام وأعداد المهتدين الجدد تتجاوز توقعاتهم، مع كل إعداداتهم وإمكاناتهم الكبيرة أفقدته صوابه وأنطقته بكلمات ظالمة من المعاناة النفسية التي هو فيها ولهذا نقول : شئتم أم أبيتم الدين الإسلامي هو آخر الأديان، ومحمد هو خاتم الأنبياء، كلمات ومواقف وشهادات ونصوص نقدمها لمن لم يقرأ كتاب ربنا ولا سنة نبينا، ليقف عندها كل منصف أراد الحقيقة، ولم يحظ الإنسان - أيا كان جنسه أو مكانه أو مكانته أو زمان عيشه - بمنزلة أرفع من تلك التي ينالها في ظلال الدين الحنيف الإسلام» وما ذلك إلا لأن الإسلام دين عالمي ورسوله أرسل للعالمين كافة. وكان يداوم على برهم، حتى إن امرأة يهودية وضعت له السم في ذراع شاة أهدته إياها. وشواهد التاريخ ملأى بتلك الحوادث التي يشهد لها المنصفون، وثقت بمعاهدات نذكر صورة منها وهي العهدة العمرية التي أعطاها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسكان القدس من النصارى عند فتحها والتي جاء فيها : ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود». وتحرير بيت المقدس على يد المجاهد صلاح الدين الأيوبي كانت صورة للفاروق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين احتلوا بيت المقدس وعاثوا فيه الفساد من ذبح وقتل أكثر من سبعين ألفا من المسلمين في عام 492هـ. وبقاء غير المسلمين على دينهم قرونا متتالية في الشام ومصر والأندلس دليل على سماحة الإسلام، فها هم يهود السامرة ويطلق عليهم السامريون كانوا وما زالوا يسكنون مدينة نابلس وقد حفظ المسلمون منذ الفتح العمري إلى اليوم وها هي كنائس النصارى في فلسطين وغيرها من الأوطان يدل وجودها إلى الآن أنها برعاية المسلمين. كما سمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية (الأحوال الشخصية على تشريعاتهم الخاصة كالزواج والطلاق ونحو ذلك. يقول «غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): «كان يمكن أن تعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم، ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم . فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة أن النظم والأديان ليست مما يفرض قسراً، فعاملوا كما رأينا أهل سوريا ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا علية بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقا، في مقابل حفظ الأمن بينهم، ومن الصور المشرقة لحماية المسلمين موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حينما تغلب التتار على الشام، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال : لا نرضى إلا بإطلاق سراح جميع الأسارى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا، هكذا عامل الصليبيون المسلمين في القدس عندما احتل الصليبيون بيت المقدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان 492هـ ، وظل الصليبيون محتلين لبيت المقدس إحدى وتسعين عاما، وأصبحت مدينة بيت المقدس مخاضة واسعة من دماء المسلمين أثارت خوف الغزاة واشمئزازهم. وأوضح غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) كيف عامل الصليبيون المسلمين في القدس، ووثق ذلك بشهادة ريمون أجيل» الذي وصف بشاعتها بالآتي : لقد حدث ما هو عجيب عندما استولى قومنا الصليبيون على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعض العرب وبقرت بطون بعضهم وقذف بعضهم من أعلى الأسوار وحرق بعضهم في النار، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولدا ولا شيخا . فقد فر بعض القوم من الذبح فألقى بنفسه من أعلى الأسوار، غير أن هذا كله لم يخفهم عن أعين النصارى الذين كانوا يتبعونهم أينما ساروا، ومشى أولئك المنتصرون فوق أكوام من الجثث الهامدة وراء أولئك الذين يبحثون عن ملجأ أو مأوى. لقد ضرب صلاح الدين مثلا عظيما في سماحة الإسلام وقوته وعزته، استقر رأي صلاح الدين في مجلس الشورى الذي عقده أن يؤخذ من الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير والطفل من الذكور والبنات دينارين، والمرأة خمسة دنانير فمن أدى ذلك إلى أربعين يوما فقد نجا، وسنكتفي كذلك بوصف سماحة الإسلام وعدالته بما شهد به الصليبيون أنفسهم : يقول استيفن سن): «إن السلطان قد سمح لعدد كبير بالرحيل دون فدية». ويقول المؤرخ البريطاني (مل): ذهب عدد من المسيحيين الذين غادروا القدس إلى إنطاكية المسيحية فلم يكن نصيبهم من أميرها إلا أن أبى عليهم أن يضيفهم، فطردهم فساروا على وجوههم في بلاد المسلمين، فقيل الصلاح الدين لم لا تصادر هذا فيما يحمل، وفي ذلك يقول (ستانلي لين بول): قد وصل الأمر إلى أن سلطانا مسلما يلقي على راهب مسيحي درسا في معنى البر والإحسان. فهذا هو الفارق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين يحكمون (1) . أثبتت الأمة العربية - عبر تاريخها الطويل - والتي وجدت في الإسلام معينا لا ينضب قدرتها على تحدي الغزاة والطامعين وسد الطرق على الحكام الذين يحاولون الانحراف بها إلى طريق الخيانة واعتماد أساليب الضغط والإرهاب للحيلولة دون توحيد كلمتها . لقد برهنت هذه الأمة على حيويتها المتجددة في الدفاع عن مصالحها وطرد الدخلاء من أوطانها فمنذ أن وطأت أقدام الغزاة الصليبيين أرض المشرق العربي ومحاولات المسلمين تجري لاستبعاد عوامل الفرقة والتشتت وعدم السماح بظهور الانقسامات والانشقاقات بين صفوفهم، إن التأكيد على وحدة المسلمين في بلاد الشام أصبحت ضرورة تاريخية لمواجهة الصليبيين الذين تفاقم خطرهم واستحوذوا على مناطق من بلاد الشام والجزيرة وتمركزوا في مواقع وراحوا يتوسعون فيها على حساب المسلمين وسخروا حفنة من المتخاذلين وتعاونوا معهم، ومن أمثال هؤلاء مجير الدين أبق جمال الدين محمد بن تاج الملوك بوري ومدبر دولته معين الدين أثر اللذين حكما من 534 549هـ، وقد رفضا التحالف مع عماد الدين زنكي ضد الصليبيين، كما رفضا أن تكون دمشق مركزا لانطلاق الجيوش الإسلامية لدك مواقع الصليبيين ومطاردتهم في بلاد الشام والجزيرة، بل تماديا بمراسلة الصليبيين والتعاون معهم عماد الدين زنكي، وقد أجابهم الصليبيون إلى ذلك، غير أن عماد الدين زنكي راح يهاجم الصليبيين بالقرب من حوران، إن الهجوم الذي شنه عماد الدين زنكي على جيش الصليبيين أفسد تحالفهم مع حكام دمشق و حال دون دخولهم المدينة - ) . إن تفاقم الخطر الصليبي في بلاد الشام والجزيرة أوجد ضرورة للتحالف بين القوى الإسلامية في المنطقة كما أن اهتمام المسلمين بتكوين الجبهة الإسلامية لمجابهة هذا الخطر، الذي كان يهدد العالم الإسلامي في بداية القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي يرجع إلى مشاريع عماد الدين زنكي أمير الموصل، الداعية إلى توحيد المسلمين في قلب بلاد الشام، فقد صادف المسلمون في عماد الدين زنكي رجلا قادرا على توحيد القوى الإسلامية، فيشير المؤرخون إلى أن أمير الموصل انهمك في هذه الفترة بوضع خطط بتوحيد الدول والمماليك الإسلامية، كي يكون أكثر قدرة على مجابهة الصليبيين، ولأجل ذلك قام بعدة عمليات عسكرية ومناورات سياسية في جهات الشام والجزيرة الفراتية، إخضاع الإمارات والدول الإسلامية وضمها لإمارته والاتجاه إلى بلاد الشام، لتوحيدها وتكوين دولة واحدة ذات حكم مركزي، تقوى على الصمود أمام تحديات القوى المناوئة وتكون قادرة على مواجهة الصليبيين وأطماعهم. واستطاع عماد الدين أن يفرض الحصار على دمشق وكاد أن يسقطها لولا استنجاد أمرائها بصليبي بيت المقدس واستجابة هؤلاء رغبة منهم في القضاء على الخطر المشترك الذي يتأتى إليهم من وجود عماد الدين زنكي في المنطقة، إن تجميع القوى الإسلامية في هذه الفترة تعترضه بعض الصعوبات فعوامل التجزئة والانقسام كانت على أشدها نتيجة لعدم وجود الرأي الموحد فيما يتعلق بالموقف من الصليبيين وكذلك وجود عدد كبير من إمارات المدن والإمارات الصغيرة التي تبدو ضعيفة ومفككة أمام الغزو الصليبي، ولكن عماد الدين زنكي استطاع أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين فعمل على تجميع القوى الإسلامية وقضى على عوامل التفرقة والانقسام، وسعى إلى توحيد المدن والإمارات المنفصلة واستطاع أن يحقق برنامجه ذا الشقين، وهو بذلك أول قائد إسلامي قام بتجميع هذه القوى وفق برنامج معين ليجابه بها تزايد الخطر الصليبي الذي لم توقفه على ما يبدو المحاولات التي سبقته وخاصة تلك التي تمت على يد كل من مودود التونتكين 502 - 518هـ وابلغازي الارتقي 512 - 518 وآق سنقر البرسقي 518 - 520هـ. كان عماد الدين زنكي يسلك طريق الهجوم العسكري لإخضاع الأمراء المتعاونين مع الصليبيين والمترددين أو الذين يقفون على الحياد، وبذلك يقضي على احتمال تشكيل حلف دفاعي مضاد من هؤلاء الأمراء وربما يتحول هذا الحلف فيما بعد إلى حلف هجومي ضده، كما حدث بالنسبة للارائقة. إن إزالة العقبات التي تقف أمام توحيد هذه الإمارات والمدن المتفرقة والمبعثرة في جبهة إسلامية موحدة، كان أهم عمل يشغل عماد الدين زنكي لكي تستطيع هذه الجبهة أن توقف الزحف الصليبي أولا ومن ثم تبدأ بالهجوم وفق أساليب وخطط منظمة على قواعد الصليبيين في بلاد الشام والجزيرة الفراتية . غير أن هذه الإمارات لم تكن تقوى على الوقوف بوجه هذا الخطر الصليبي الزاحف نحو الشرق وهي غير موحدة وستظل تشكل بنفس الوقت خطراً ضد إمارة عماد الدين زنكي في الموصل لقربها منها ولاستراتيجية مواقعها. شعر عماد الدين زنكي، إن السياسة الانعزالية للأمراء تجاه الخطر الصليبي سينجم عنها تشتيت لإمكانات المسلمين البشرية والعسكرية والاقتصادية ويؤدي بالتالي إلى تثبيت أقدام الغزاة الصليبيين في الشرق العربي. لذلك سعى الأمراء والقادة المسلمون أمثال مودود التونتكين ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي إلى القضاء على أسباب هذه الفرقة، فأحرزوا من الانتصارات ما أدى إلى توحيد مصر والشام وأعالي الجزيرة الفراتية، وبذلك تم حصر الصليبيين على الساحل وتحققت الوحدة الروحية للعالم الإسلامي. لقد تركز اهتمام المسلمين والصليبيين معا للاستيلاء على مدينة حلب، ومن قادة المسلمين الذين كانوا تطلعون إليها الأتابك آق - سنقر البرسقي وعماد الدين زنكي، حيث عول الأخير على إقامة إمارة مستقلة تضم حلب والموصل، فضلا عما اشتهرت به من مواردها وثروة مما يزيد في قوة المسلمين المادية . وقد استطاع عماد الدين زنكي أن يضع خطة للاستيلاء على حلب. واتخذ من مدينة نصيبين قاعدة عسكرية في المنطقة تكون منطلقا للهجوم على مواقع القوى المناوئة، وحاول إسقاط حكم بني ارتق الذي كان يقف عائقا آنذاك دون تحقيق هدفه الرئيسي في توحيد بلاد الموصل والجزيرة وشمالي بلاد الشام فاستولى على عدة مدن وحصون لتوسيع نواة الدولة الموحدة وتعلم كيف يحافظ عليها ضد الغزاة والطامعين واعتبر نفسه مسؤولا عن قتال الصليبيين والجهاد ضدهم واشتبك معهم في قتال مرير طيلة فترة حكمه وأصبح بذلك يمثل بطلا للمسلمين في جهادهم ضد الصليبيين ومن أجل توحيد كلمتهم كما انصرف اهتمام عماد الدين زنكي للاستيلاء على دمشق وذلك لأنها تشكيل أهمية خاصة في تجميع القوى السياسية وتحالفها للقتال ضد الصليبيين غير أن أميرها معين الدين أثر كان قد تحالف مع الصليبيين واستعان بهم مما حال دون تحقيق هدف عماد الدين زنكي في توسيع رقعة الدولة الإسلامية الموحدة مؤقتا والانصراف إلى تثبيت إمارته الجديدة وتعزيز إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية وتوحيد ما يمكن توحيده من الإمارات والمدن الصغيرة المتناثرة المحيطة بها من جميع الجهات، حيث يشكل وجودها عائقا أمام أية خطوة يستهدف من ورائها إعلان الجهاد العام ضد الصليبيين. سار نور الدين محمود على سياسة أبيه عماد الدين زنكي في محاولاته الاستيلاء على دمشق لإتخاذها قاعدة لتوسيع دولته وتكوين الجبهة الإسلامية المتحدة بوجه الصليبيين كما سنذكره في الفصل القادم. تعرض العالم الإسلامي في بداية القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي إلى الغزو الصليبي الذي استهدف الاستيلاء على الشرق وإنشاء مؤسسات سياسية يستطيعون بواستطها أن يكرسوا احتلالهم العسكري، فأسسوا فيه إماراتهم اللاتينية الأربع في الشام وفلسطين والجزيرة الفراتية، واستمر المسلمون بعد تدعيم جبهاتهم الداخلية، غير أن هذه الجموع الغفيرة من الصليبيين الغربيين أخذت تنتظم في نهاية عام 490هـ / 1096م على شكل حملة ضخمة وراء بطرس الناسك ووالتر المفلس وهي مؤلفة من أناس من جهات عديدة ومن فئات مختلفة وقد اصطحبوا معهم زوجاتهم وأطفالهم وكانوا من مختلف المهن فبعضهم من الفلاحين وسكان المدن وصغار النبلاء وأغلبهم قطاع طرق مجرمين ولم يجمع بينهم سوى الحماس الديني بالوصول إلى الشرق والحصول على الفردوس الذي ينشدونه. ثم راح هؤلاء الصليبيون يزحفون على المناطق الإسلامية في آسيا الصغرى وقاموا بالإغارة عليها وسلبوا ونهبوا القرى القريبة من مدينة بنقية وهي عاصمة السلاجقة في عهد السلطان قلج أرسلان بن سليمان واستاقوا ما صادفوه من الماشية والأغنام وقتلوا السكان، وقد تمكن الجيش الإسلامي أن ينزل الهزيمة بكمين أعده الصليبيون ثم حاصر القلعة واستولى المسلمون على النبع الذي يزود المدينة بالمياه وكان الصليبيون يهلكون عطشاً حتى أنهم عمدوا إلى امتصاص رطوبة الأرض وشقوا عروق خيولهم ومصوا دماءها، ثم قرر الصليبيون أن يستسلموا وقد استبد بهم الكرب ثماني أيام فتحوا الأبواب للمسلمين بعد أن حصل قادتهم على وعد بالإبقاء على حياتهم فأسروا وأرسلوا بعضهم إلى إنطاكية والبعض إلى حلب وآخرين إلى خراسان. فراح المسلمون يقتربون بجيوشهم من كيفيتوت) وهو المعسكر القريب من اكسير يجوردون) عندئذ اجتمع مجلس حرب الصليبيين المكون من (والتر المفلس ورينالد برايس ووالتر بريتيل وفولك أورليان وهيوتوبنجن ووالتر تيك) وقرروا أن لا يتخذ أي قرار إلا بعد وصول بطرس الناسك، ولكن الصليبيين انشقوا على أنفسهم وقرر جفري بوريل يسانده الرأي العام في الجيش الصليبي الزحف نحو المسلمين فتحرك الصليبيون بأكملهم وبعدتهم التي تزيد على العشرين ألف رجل وعلى مسافة ثلاثة أميال وعند قرية (دراكون) نصب المسلمون كمينا لهم، بينما سار الصليبيون دون أن يلتزموا النظام واشتدت جبلتهم وضوضاؤهم وسار الفرسان في المقدمة، فانهال عليهم سيل من السهام فاصابت خيولهم فسادت بينهم الفوضى والاضطرابات وسقط الفرسان عن ظهر خيولهم فهاجمهم المسلمون وحاولوا أن يردوا عليهم، فتكبد الصليبيون كثيراً من القتلى حيث قتل منهم والتر المفلس ورينالد برايس وفولك أورليان ولم ينج منهم إلا جفري بوريل الذي أدى تهوره إلى وقوع هذه الكارثة التي حلت بالصليبيين، كما قتل أيضا عدد من قادة الصليبيين بعد هر بهم من المعركة وهم هيو توبنجن ووالترتيك وكزاد الجوت تسمرن ووالتر بريتيل ووليم بواس وهنري سفارتز ينبرج وفردريك تسمرن وردولف برانديز .
إن تطور الفكرة الصليبية في الغرب الأوروبي الكاثوليكي كان نتاجا للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نجمت عن انهيار سلطة الإمبراطورية الرومانية في الغرب في القرن الخامس الميلادي، ثم الغزوات الجرمانية، ثم تبلور سلطة الكنيسة والبابوية، وصولا إلى نمو النظام الإقطاعي وبداية ظهور البورجوازية . فقد كانت الحركة الصليبية نتاجا للتفاعل بين الكنيسة والإقطاع وتجلى هذا في أوضح صورة من خلال النزاع بين الكنيسة والدولة من جهة، والنزاع بين الدولة وأمراء الإقطاع من جهة أخرى.
كان المشروع الصليبي مشروعا استيطانيا في مصطلحات كاثوليكية ولذلك فهمته كل طبقة من طبقات المجتمع الفرنسي - صاحب النصيب الأكبر في الحركة - وغيره من المجتمعات التي انضمت فيما بعد إلى الحملات الصليبية بالطريقة التي توافق مصالحها الطبقية وتطلعاتها نحو حياة أفضل عجزت ظروف أوروبا المتردية في ذلك الحين عن تحقيقها، وتأتي الحملة الشعبية، أو حملات العامة، تعبيرا عن هذا الاتجاه الذي جعل الحملة الصليبية مشروعا لحل مشكلات أوروبا القرن الحادي عشر الميلادي على حساب المنطقة العربية وتحويلها إلى مجال حيوي للنفوذ السياسي والاقتصادي لأوروبا الكاثوليكية. كشفت أحداث الحملة الصليبية الأولى، والحملات التي تلتها عن معادلة هامة تحكم التاريخ السياسي لهذه المنطقة، فقد نجحت الحملة الأولى بفضل التشرذم والتمزق السياسي الذي جعل المنطقة نهبا للنزاع بين السنة في بغداد والشيعة في القاهرة وأتباعهما في بلاد الشام، وبين السلاجقة والعرب، وبين زعماء البدو وأمراء العرب في المناطق الحضرية. ومضت السكين الصليبية في الزبد العربي بسهولة ويسر بسبب هذه الفرقة السياسية . وقد تعين على الغرب الأوروبي أن يدفع بموجات تلو موجات للدفاع عن النصر الذي حققته الحملة الأولى. وخلال الصراع الطويل على مدى قرنين من الزمان كانت المعادلة واضحة دون لبس أو غموض، الوحدة والعمل المشترك في الجانب الإسلامي يقابلهما تدهور وهزيمة في الجانب الصليبي والعكس صحيح تماما. إن حصاد المواجهة الإسلامية الصليبية كان سلبيا على الجانب العربي الإسلامي، إذ تعين على المنطقة أن تحشد كل مواردها وإمكاناتها في خدمة المجهود الحربي، وكان الإفراز السياسي هو نموذج الدولة العسكرية الإقطاعية، وقد نجحت هذه الدولة - التي تطورت نظمها عبر سنوات طوال من التجارب والخبرات السياسية والعسكرية - في مهمتها التاريخية، وضرب الوجود الصليبي حقا، ولكنها فشلت في إدارة المجتمع على أسس مدنية، وحين تدهور نظامها السياسي بدأت تمارس التسلط على شعوبها وهو الأمر الذي أدخل المنطقة في منحنى التدهور الحاد منذ القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي. جاء في نيوزويك تحت عنوان آخر الصليبيين ما يلي : اقتلوهم كلهم، وسيميز الله الطيب من الحبيث منهم. سمعت هذا المبدأ الدموي للمرة الأولى في بيروت في الثمانينات، وكان شائعا بين أفراد المليشيات المسيحية والجنود الأمريكيين، حيث كان مكتوبا على قمصانهم ومنقوشا في شكل وشم على سواعدهم. تذكرته مرة أخرى بعد التفجير الذي وقع في السعودية الأسبوع الماضي، وما أعقبه من تصعيد في الحرب في العراق. مما لا شك فيه أن فكرة القتل الجماعي في حرب مقدسة فكرة نابعة من أعماق العصور الوسطى. وقد صاغ تلك العبارة الجنود الذين شاركوا في الحملات الصليبية في القرن الـ 13 عندما كانوا يرتكبون المجازر ضد المنشقين المسيحيين (المهرطقين) في جنوب فرنسا. (كان المسيحيون المتشددون يبيدون غيرهم من المسيحيين بالأعداد نفسها التي كانوا يقتلون بها المسلمين في تلك الأيام). في 22 يوليو 1209 قام فرسان الصليب بمحاصرة عشرات الآلاف من الناس في بلدة بيزيي الفرنسية، وكان بعض أولئك المحاصرين من المهرطقين، ولكن البعض الآخر لم يكونوا كذلك. كيف يعرف الفرسان من ينبغي أن يقتل؟ استشهد الراهب الذي كان المستشار الروحي لأولئك الفرسان بنص من الإنجيل (2) تيموثي) 192 «الرب يعرف أحبابه». فهم الفرسان من ذلك أنه ينبغي عليهم قتل الجميع، وترك مسألة فرز الطيب من الخبيث للرب هذا النوع من التفكير ليس مسألة تاريخية قديمة بالنسبة إلى تنظيم القاعدة. فأسامة بن لادن وأتباعه الشباب يرون أنفسهم - من دون مزاح - وهم کفرسان إسلاميين في تلك الحروب الدينية التي مضت عليها 900 سنة . يخلقون هالة من الفروسية في أوساط المتدينين ويستشهدون بالقرآن بحماسة مجردة من الإنسانية مطابقة تماما لتلك التي كان يحس بها رئيس دير شينو عندما استشهد بالإنجيل في بلدة بيزيي الفرنسية. غير أن المجزرة التي وقعت في الرياض الأسبوع الماضي وصلت إلى حد من الفظاعة يجعل من العسير تبريرها حتى بمنطق المتعصبين المعوج. فتعمد قتل 17 شخصاً من المسلمين في شهر رمضان الكريم، وبينهم خمسة أطفال، وجرح 122 شخصاً آخر، مسألة مقززة للمسلمين إلى حد قد يجعلها أشد ضربة توجه للقدسية التي يدعيها تنظيم القاعدة. ففي أذهان الكثير من العرب والمسلمين أن قيام أتباع بن لادن بمهاجمة الولايات المتحدة المغرورة وإسرائيل المولعة بالحرب شيء، وقيامهم بقتل أطفال صغار في أسرتهم شيء آخر . معظم الناس في هذه الأيام، حتى المتدينون المتعصبون لا يؤمنون بفكرة العصور الوسطى القائلة أن الله يتولى تصحيح الأخطاء التي يرتكبها المتدينون المتعصبون باسمه. ولذلك بدأنا نقرأ في مواقع الحوار المؤيدة لبن لادن عادة على شبكة الإنترنت محاولات لإيجاد تبريرات لمذبحة الرياض يقول بعضها إنها مؤامرات شنيعة من تدبير الأمريكيين أو الإسرائيليين أو الحكومة السعودية لإشانة سمعة فرسان القاعدة البواسل. حسنا، لا ينبغي أن نصدق هذه الأقوال. فلشبكة القاعدة تاريخ طويل من العنف الذي كان وبالا عليها . فعلى سبيل المثال، لم تتمكن الحكومة المصرية في التسعينات من سحق الجماعات الإسلامية بالإجراءات القمعية وحدها، ولكن أخطاء تلك الجماعات هي التي مكنت الحكومة من ذلك. فقد حاولت تلك الجماعات قتل رئيس الوزراء عام 1993 بتفجير قنبلة، ولكنها قتلت بدلاً من ذلك طالبة عمرها 12 عاما بدلاً منه، كما حاول الإسلاميون تدمير الاقتصاد فقتلوا 58 سائحاً في الأقصر عام 1997. وفي الحالتين تمكنت الحكومة المصرية من استغلال الحادثتين بذكاء، فقد حزن الناس على الطفلة ولعنوا قتلتها. كما تم تحميل الإسلاميين المسؤولية عن المصاعب الاقتصادية التي أعقبت مذبحة الأقصر، ولم يتم تحميلها للنظام. وعليه فإن القاعدة جلبت لنفسها مشكلة بما فعلته في الرياض. والسؤال المهم هو كيف سيتم استغلال هذه المسألة ليس فقط لإضعاف أنصار بن لادن، بل السحقهم. فهل تستطيع الحكومة السعودية أن تفعل ما فعلة المصريون في التسعينيات؟ يقول : أندرو سيلك، الأستاذ بجامعة ليستر في إنجلترا، وهو خبير في السياسة الواقعية لأعمال العنف، إن السعوديين لن يفعلوا ذلك على الأرجح. وكان سيلك يعد دراسة عن التأثير السياسي للعمليات الإرهابية التي تسفر عن وقوع ضحايا بين الأطفال. فهو يقول ( من وجهة نظر الإرهابيين يستطيعون فعل أشياء للحد من الأثر السلبي لتلك العمليات». فالجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت على سبيل المثال، اعتذر وتنازل بهدوء عن الأساليب التي أدت إلى مقتل ولدين في وارنغتون عام 1993، كما وجد الجيش الجمهوري الحقيقي نفسه مضطر للدخول على مضض في وقت لإطلاق النار بعد تفجير أو ماغ عام 1998 الذي أسفر عن وفاة 12 طفلاً بين ضحايا التفجير البالغ عددهم 29 قتيلاً. بالنسبة إلى هجوم السعودية يقول سيلك : «سيتلقى تنظيم القاعدة ضربات لهذا الهجوم. فمن المرجح أن يبدأ السعوديون الغاضبون في الكشف عن مؤيدي القاعدة الذين ربما كانوا سيصمتون عنهم لولا وقوع هذا الهجوم، وقد يؤدي ذلك إلى كشف أعداد منهم لأجهزة الأمن على المدى القريب، ولكني أتوقع أن ذلك الغضب يتلاشى مع مرور الوقت. لماذا؟ يرى سيلك أن السبب في ذلك يعود إلى أن مأساة الحرب المتصاعدة في العراق تساهم باستمرار في تقويض الجهود التي تقوم بها الحكومتان السعودية والأمريكية لهدم مصداقية الإرهابيين في الواقع، بحلول نهاية هذا الأسبوع أصبح العنف العشوائي المتزايد الذي تقوم به القوات الأمريكية في عملية المطرقة الحديدية» يستحوذ على معظم الاهتمام في العالم الإسلامي. وكما كان عليه الحال بالنسبة إلى الجنود الأمريكيين المحبطين في بيروت في أوائل الثمانينات، أصبح الأمريكيون في بغداد يشعرون باستحالة التمييز بين العدو والصديق وعليه فقد لجأوا للاستخدام المفرط للقوة بهدف إخافة الأعداء المشتبه فيهم. فطائرات أيه سي 130 العنيفة بدأت تطلق مدافعها وصواريخها كما تم استدعاء طائرات F16 لدخول المعركة. أصبح الاحتلال يتحول شيئًا فشيئا إلى عمليات قتال رئيسية. ولكن المشكلة الرئيسية لا تزال قائمة.
إذا كنا لا نستطيع التمييز بين العدو والصديق، فليكن الله في عوننا، فنحن لا نستطيع قتلهم جميعاً. وعلى الرغم من أن بن لادن يريد منا أن نفعل ذلك إلا أننا لم نتحدر إلى العصور المظلمة على الأقل حتى الآن(1). يتضح أن الدور الإنجليزي في الحركة الصليبية - باستثناء الحملة الصليبية للملك ريتشارد الأول - جاء متواضعا، وبما لا يتناسب والمكانة السياسية الهامة للملكية البريطانية آنذاك على الرغم من المبالغ الطائلة التي أغدقها الملوك بريطانيا عامة على المؤسسات العسكرية والدينية الصليبية في الأرض المقدسة، والتي بلغت ذروتها في عهد هنري الثاني علها تكون بديلاً عن إخافتهم في الذهاب شخصياً إلى هناك ليصبح النذر الصليبي بالنسبة لجميع ملوك إنجلترا مجرد وعود جوفاء، أملتها الضرورة السياسية في ضوء الأولويات السياسية والوضع السياسي القائم سواء في الداخل أو الخارج. وسرعان ما ابتلعت هذه الوعود في طموحات السياسة الخارجية، ومستنقع السياسة البابوية في إطار صراع لا يهدأ مع الإمبراطورية الألمانية من جهة، والعداء التقليدي مع ملوك آل كابية في فرنسا، ومحاولات البابوية المتكررة العزف على الوتر الصليبي لملوك إنجلترا لخدمة أغراضها السياسية في مواجهة أعدائها السياسيين، وعلى مدى القرنين الثاني عشر والثالث عشر بات واضحا اتساع هوة التباعد بين المصالح والأولويات السياسية لملوك بريطانيا، والذهاب في حملة صليبية إلى الشرق، وكأنهما يمثلان خطين متوازنين لا يمكن أن يلتقيا، ليصبح قيام أي ملك إنجليزي بحملة صليبية أمراً بعيد المنال. ومن جهة أخرى فإن ما حققه الصليبيون البريطانيون جاء ضئيلاً للغاية، وإذا كانت الحملة الصليبية لريتشارد الأول قد أسفرت عن تأسيس مملكة فبرص، والتي كان لها أكبر الأثر في ضمان إحياء مملكة بيت المقدس لمدة قرن آخر سرعان ما ضاع هذا الانتصار هباء، ولم تشهد مملكة قبرص أي تواجد أو تأثير إنجليزي فعال. وكما رأينا فقد شهد النصف الثاني من القرن الثالث عشر بلوغ النشاط الصليبي البريطاني أوج ذروته، مثل الحملة الصليبية لريتشارد أيرل كورنول، والحملة الصليبية للأمير إدوارد وأخوة ايدموند وحملة وليم لونج سبي، وأخيراً أو توجر اندسون، وقد أخفقت هذه الحملات جميعا في تحقيق أي نجاح عسكري حاسم، ما عدا النجاح الدبلوماسي الذي أسفرت عنه صليبية إيرل كورنول .
نستطيع أن نقول أنه لو قدر لملوك بريطانيا في أضواء السياسية للملكة آنذاك الذهاب شخصياً في حملة صليبية إلى الأرض المقدسة، ربما أدى ذلك إلى نتائج سياسية وخيمة، ولعل في الحملة الصليبية لريتشارد الأول ما يؤكد صحة ذلك، وكيف أدت إلى نتائج سيئة سواء بالنسبة له أو لرعاياه، وتبديد موارد المملكة، والتي كان من الممكن أن تكون أكثر فائدة لو سخرت لصالح منفعة المملكة (1) . لم يكن سقوط عكا تحت سنابك خيول فرسان المماليك عام 690 هـ / 1291م، وما أعقب ذلك من نهاية الوجود الصليبي على أرض فلسطين سوى أخر فصول المواجهة العسكرية الطويلة التي استمرت حوالي قرنين من الزمان، بيد أن هذا الفصل الأخير في قصة المواجهة العسكرية لم ينته على تراب عكا ورمال الساحل الفلسطيني. إذ فلول الصليبيين، من القادة والفرسان، إلى قبرص ورودس لتتخذهما مقر للقرصنة والإغارات السريعة على شواطئ الشام ومصر في القرن الرابع عشر الميلادي، وبداية القرن الخامس عشر الميلادي. وقد تكلفت دولة سلاطين المماليك في مصر والشام (648) - 922 هـ / 1250 - 1517م) بمواجهة هذا العبث الصليبي. وكان مشهد ملك قبرص الصليبي من آل لوزنيان، وهو يمشي ذليلاً والأصفاد تكبله في شوارع القاهرة في القرن الخامس عشر الميلادي، إعلانا بنهاية المواجهة العسكرية. بيد أن هذه ليست كل القصة .
إذ إن خروج الصليبيين من المنطقة العربية، وانتهاء آخر فصول المواجهة العسكرية لم يكونا ليحولا دون تفاعل الآثار التي خلفتها الحروب الصليبية على العالم العربي، إذ استمرت تداعياتها تفرز استجاباتها للتحدي الحضاري الذي فرضه العدوان الصليبي على المنطقة العربية والعالم الإسلامي. وقد برز بعض هذه الاستجابات في زمن مبكر عندما كانت المعارك لا تزال محتدمة فوق رمال الشام والعراق ومصر، وشبه الجزيرة، وأخذ بعض الاستجابات الأخرى وقتها اللازم، بحكم طبيعتها، لتفرز في الناهية ظاهرة واضحة في تاريخ المنطقة .
ولأن المواجهة الصليبية / العربية الإسلامية لم تكن مجرد صدام عسكري، وإنما كانت صداما بين حضارتين، فإن الاستجابات التي خلفتها هذه المواجهة تجلت في عدة مستويات سياسية وعسكرية، واقتصادية واجتماعية وثقافية ومن نافلة القول أن ننبه إلى أن التفاعل بين هذه الجوانب جميعا أمر تحتمه ضرورة حركة التاريخ، ومن ثم يصعب الفصل بينها بشكل قاطع. سنحاول رصد تأثير الحروب الصليبية في العالم العربي سياسيا، واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتبرز الاستجابة السياسية للتحدي الذي فرضه العدوان الصليبي على العالم العربي في الحقيقة القائلة إن نموذج دولة الخلافة قد انتهى عمليا في خضم الصراع ضد الفرنج على الرغم من بقاء الخلافة لتلعب دور الرمز الديني والواجهة الشرعية. ومع أننا تسلم بأن عوامل التدهور والاضمحلال كانت تهدم نموذج دولة الخلافة، وتنخر في بنيانه منذ فترة قبل الحروب الصليبية، فإن حقائق المواجهة العسكرية السياسية کرست نموذج الدولة العسكرية التي يقودها ملك محارب بدلا من الدولة التي يقودها خليفة لا يتمتع بأي سلطة حقيقية مثلما كان حال كل من الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الفاطمية في القاهرة عندما بدأت قوات الصليبيين تطأ أرض المنطقة العربية. ومن ناحية أخرى، فإن أول ما يلفت النظر في تاريخ الحروب الصليبية هو ذلك التشرذم السياسي والتفرق والتنازع التي سادت المنطقة قبيل قدوم الحملة الأولى وبعدها بحوالي نصف قرن من الزمان. لقد أدرك العالم العربي - وقد حدث هذا بعد خمسين سنة من قدوم الصليبيين - أن مؤسساته السياسية القائمة سواء كانت ممثلة في نظام الخلافة، أو في الإمارات والدويلات التي مزقت بلاد الشام والجزيرة عشية الحروب الصليبية) غير قادرة على قيادته سياسيا وعسكريا في مواجهة الهجوم الصليبي الاستيطاني. وأدان الرأي العام تخاذل الخليفة العباسي عندما توجه إليه عدد من أهل الشام بصحبة القاضي أبي سعد الهروي» بعد سقوط بيت المقدس بأيدي الصليبيين عام 492هـ / 1099م. أما فكان أكثر سوءا بطبيعة الحال. ولم يكن هذا كله سوى تعبير واقعي عن ميراث قرن من الحروب المتبادلة، والشك والحقد والمرارة التي نجمت عن التشرذم السياسي في المنطقة العربية. الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين ما الجديد فيه والوصف الصليبي للإسلام والمسلمين متى تغير وتبدل وقسيس الفاتيكان الأخير ما الجديد في كلماته السيئة التي طالما لامست أسماعنا. لا نشك في كرهه وحقده على الإسلام والمسلمين، وحبه لليهود وكيانهم الغاصب الذي أعمى بصره وبصيرته عن الحق والإنصاف، فلا نكاد ننسى كيف بادر وبدون مقدمات بعد أن استلم مهمته الجديدة في الفاتيكان بإطلاق كلماته المؤيدة لعصابات العدوان والقتل والتشريد من اليهود وكيانهم في أول حفل استقبال لسفراء السلك الدبلوماسي المعتمدين في دولة الفاتيكان. ولعل التقارير التي يقرأها حول انتشار الإسلام وأعداد المهتدين الجدد تتجاوز توقعاتهم، مع كل إعداداتهم وإمكاناتهم الكبيرة أفقدته صوابه وأنطقته بكلمات ظالمة من المعاناة النفسية التي هو فيها ولهذا نقول : شئتم أم أبيتم الدين الإسلامي هو آخر الأديان، ومحمد هو خاتم الأنبياء، والإسلام هو دين الله في الأرض، الذي يصلح كل زمان و مكان عدل الإسلام مع غير المسلمين. كلمات ومواقف وشهادات ونصوص نقدمها لمن لم يقرأ كتاب ربنا ولا سنة نبينا، ولم ينظر في تاريخنا، ليقف عندها كل منصف أراد الحقيقة، وقد سجلت صفحات التاريخ بأحرف من نور صور العدل الذي قام به المسلمون مع غير المسلمين، فالإسلام يحفظ للإنسان الحقوق الأساسية في الحياة التي لا غنى له عنها، ولم يحظ الإنسان - أيا كان جنسه أو مكانه أو مكانته أو زمان عيشه - بمنزلة أرفع من تلك التي ينالها في ظلال الدين الحنيف الإسلام» وما ذلك إلا لأن الإسلام دين عالمي ورسوله أرسل للعالمين كافة. ودراسة سيرة الرسول ﷺ تنبئ عن صفحات مشرقة في حسن تعامله - عليه أفضل الصلاة والسلام - مع غير المسلمين، فقد كان له جيران غير مسلمين، وكان يداوم على برهم، ويعود مرضاهم، ويهدي لهم، ويقبل هداياهم، حتى إن امرأة يهودية وضعت له السم في ذراع شاة أهدته إياها. روى البخاري في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم، فمرت به يوما جنازة، فقام، فقيل له : إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفا؟. وقد راعي الخلفاء المسلمون كرامة غير المسلمين، وشواهد التاريخ ملأى بتلك الحوادث التي يشهد لها المنصفون، وثقت بمعاهدات نذكر صورة منها وهي العهدة العمرية التي أعطاها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسكان القدس من النصارى عند فتحها والتي جاء فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عبد الله؛ عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم : أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر ملتها أن لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود». وتحرير بيت المقدس على يد المجاهد صلاح الدين الأيوبي كانت صورة للفاروق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين احتلوا بيت المقدس وعاثوا فيه الفساد من ذبح وقتل أكثر من سبعين ألفا من المسلمين في عام 492هـ. وبقاء غير المسلمين على دينهم قرونا متتالية في الشام ومصر والأندلس دليل على سماحة الإسلام، فها هم يهود السامرة ويطلق عليهم السامريون كانوا وما زالوا يسكنون مدينة نابلس وقد حفظ المسلمون منذ الفتح العمري إلى اليوم
حقوقهم وخصوصيتهم، ما داموا في عهد المسلمين، وها هي كنائس النصارى في فلسطين وغيرها من الأوطان يدل وجودها إلى الآن أنها برعاية المسلمين. ومن تسامح الإسلام مع غير المسلمين أنه لم يلزمهم دفع الزكاة ولم يفرض عليهم الجهاد مع المسلمين، كما سمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية (الأحوال الشخصية على تشريعاتهم الخاصة كالزواج والطلاق ونحو ذلك. يقول «غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): «كان يمكن أن تعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة، ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم ... ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة أن النظم والأديان ليست مما يفرض قسراً، فعاملوا كما رأينا أهل سوريا ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا علية بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقا، في مقابل حفظ الأمن بينهم، فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينا مثل دينهم. ومن الصور المشرقة لحماية المسلمين موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حينما تغلب التتار على الشام، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال : لا نرضى إلا بإطلاق سراح جميع الأسارى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له. هكذا عامل الصليبيون المسلمين في القدس عندما احتل الصليبيون بيت المقدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان 492هـ ، قتلوا نحو سبعين ألفا من المسلمين، وكثير من القتلى كانوا أئمة وعلماء وعباداً ممن فارق الأوطان، وجاروا بذلك المسجد الأقصى، وظل الصليبيون محتلين لبيت المقدس إحدى وتسعين عاما، هتكوا خلالها الحرمات، وأزالوا الأمن والأمان، وسنكتفي بوصف المجزرة في بيت المقدس بنقولات عن مؤرخيهم الذين شاهدوا وعايشوا ذلك الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم. يذكر وليم الصوري) المؤرخ الصليبي، أنه حدثت مذبحة رهيبة، وأصبحت مدينة بيت المقدس مخاضة واسعة من دماء المسلمين أثارت خوف الغزاة واشمئزازهم. وأوضح غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) كيف عامل الصليبيون المسلمين في القدس، ووثق ذلك بشهادة ريمون أجيل» الذي وصف بشاعتها بالآتي : لقد حدث ما هو عجيب عندما استولى قومنا الصليبيون على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعض العرب وبقرت بطون بعضهم وقذف بعضهم من أعلى الأسوار وحرق بعضهم في النار، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها وأرجلهم فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولدا ولا شيخا .
يذهب مؤرخ صليبي آخر إلى أنه لم يستطع غداة المذبحة الرهيبة «أن يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلا في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه». ويصفه المؤرخ مل بقوله : كان المسلمون القتلى في الشوارع والبيوت ولم يكن للقدس من ملجأ يلجأ إليه، فقد فر بعض القوم من الذبح فألقى بنفسه من أعلى الأسوار، وانزوى بعضهم الآخر في القصور والأبراج وحتى في المساجد، غير أن هذا كله لم يخفهم عن أعين النصارى الذين كانوا يتبعونهم أينما ساروا، ومشى أولئك المنتصرون فوق أكوام من الجثث الهامدة وراء أولئك الذين يبحثون عن ملجأ أو مأوى. لقد ضرب صلاح الدين مثلا عظيما في سماحة الإسلام وقوته وعزته، فحين تسلم المسلمون بيت المقدس في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب، استقر رأي صلاح الدين في مجلس الشورى الذي عقده أن يؤخذ من الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير والطفل من الذكور والبنات دينارين، والمرأة خمسة دنانير فمن أدى ذلك إلى أربعين يوما فقد نجا، ومن انقضت الأربعون يوما عنه ولم يؤد ما عليه فقد صار مملوكا، وسنكتفي كذلك بوصف سماحة الإسلام وعدالته بما شهد به الصليبيون أنفسهم : يقول استيفن سن): «إن السلطان قد سمح لعدد كبير بالرحيل دون فدية». ويروي استانلي لين بول): «إن السلطان قد قضى يوما من أول بزوغ الشمس إلى غروبها وهو فاتح الباب للعجزة والفقراء تخرج من غير أن تدفع الجزية». ويقول المؤرخ البريطاني (مل): ذهب عدد من المسيحيين الذين غادروا القدس إلى إنطاكية المسيحية فلم يكن نصيبهم من أميرها إلا أن أبى عليهم أن يضيفهم، فطردهم فساروا على وجوههم في بلاد المسلمين، فقوبلوا بكل ترحاب». ولقد خرج البطريك ستانلي» بأمواله وذخائره الكثيرة دون أن يصرف منها شيئا في فداء الفقراء والمساكين، فقيل الصلاح الدين لم لا تصادر هذا فيما يحمل، وتستعمله فيما تقوي به أمر المسلمين؟ «فقال لا أخذ منه غير العشرة دنانير ولا أغدر به»، وفي ذلك يقول (ستانلي لين بول): قد وصل الأمر إلى أن سلطانا مسلما يلقي على راهب مسيحي درسا في معنى البر والإحسان. وبعد، فهذا هو الفارق بين سماحة الإسلام حين يحكم وتكون كلمته هي العليا، وبين الحقد الصليبي وغدرهم حين يحكمون (1) . أثبتت الأمة العربية - عبر تاريخها الطويل - والتي وجدت في الإسلام معينا لا ينضب قدرتها على تحدي الغزاة والطامعين وسد الطرق على الحكام الذين يحاولون الانحراف بها إلى طريق الخيانة واعتماد أساليب الضغط والإرهاب للحيلولة دون توحيد كلمتها . لقد برهنت هذه الأمة على حيويتها المتجددة في الدفاع عن مصالحها وطرد الدخلاء من أوطانها فمنذ أن وطأت أقدام الغزاة الصليبيين أرض المشرق العربي ومحاولات المسلمين تجري لاستبعاد عوامل الفرقة والتشتت وعدم السماح بظهور الانقسامات والانشقاقات بين صفوفهم، والوقوف صفا واحدا أمام هذا الغزو الذي استهدف كيانهم وأوطانهم. إن التأكيد على وحدة المسلمين في بلاد الشام أصبحت ضرورة تاريخية لمواجهة الصليبيين الذين تفاقم خطرهم واستحوذوا على مناطق من بلاد الشام والجزيرة وتمركزوا في مواقع وراحوا يتوسعون فيها على حساب المسلمين وسخروا حفنة من المتخاذلين وتعاونوا معهم، ومن أمثال هؤلاء مجير الدين أبق جمال الدين محمد بن تاج الملوك بوري ومدبر دولته معين الدين أثر اللذين حكما من 534 549هـ، وقد رفضا التحالف مع عماد الدين زنكي ضد الصليبيين، كما رفضا أن تكون دمشق مركزا لانطلاق الجيوش الإسلامية لدك مواقع الصليبيين ومطاردتهم في بلاد الشام والجزيرة، بل تماديا بمراسلة الصليبيين والتعاون معهم عماد الدين زنكي، وقد أجابهم الصليبيون إلى ذلك، غير أن عماد الدين زنكي راح يهاجم الصليبيين بالقرب من حوران، حيث كان هؤلاء يبذلون محاولاتهم في احتلال دمشق بالاتفاق مع حكامها. إن الهجوم الذي شنه عماد الدين زنكي على جيش الصليبيين أفسد تحالفهم مع حكام دمشق و حال دون دخولهم المدينة - ) . إن تفاقم الخطر الصليبي في بلاد الشام والجزيرة أوجد ضرورة للتحالف بين القوى الإسلامية في المنطقة كما أن اهتمام المسلمين بتكوين الجبهة الإسلامية لمجابهة هذا الخطر، الذي كان يهدد العالم الإسلامي في بداية القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي يرجع إلى مشاريع عماد الدين زنكي أمير الموصل، الداعية إلى توحيد المسلمين في قلب بلاد الشام، فقد صادف المسلمون في عماد الدين زنكي رجلا قادرا على توحيد القوى الإسلامية، فيشير المؤرخون إلى أن أمير الموصل انهمك في هذه الفترة بوضع خطط بتوحيد الدول والمماليك الإسلامية، كي يكون أكثر قدرة على مجابهة الصليبيين، ولأجل ذلك قام بعدة عمليات عسكرية ومناورات سياسية في جهات الشام والجزيرة الفراتية، وقد استهدفت هذه العمليات والمناورات، إخضاع الإمارات والدول الإسلامية وضمها لإمارته والاتجاه إلى بلاد الشام، لتوحيدها وتكوين دولة واحدة ذات حكم مركزي، تقوى على الصمود أمام تحديات القوى المناوئة وتكون قادرة على مواجهة الصليبيين وأطماعهم. واستطاع عماد الدين أن يفرض الحصار على دمشق وكاد أن يسقطها لولا استنجاد أمرائها بصليبي بيت المقدس واستجابة هؤلاء رغبة منهم في القضاء على الخطر المشترك الذي يتأتى إليهم من وجود عماد الدين زنكي في المنطقة، مما اضطر الأخير إلى الانسحاب في حينها وترقب فرصة أخرى يمكن استغلالها في هذا الصدد. إن تجميع القوى الإسلامية في هذه الفترة تعترضه بعض الصعوبات فعوامل التجزئة والانقسام كانت على أشدها نتيجة لعدم وجود الرأي الموحد فيما يتعلق بالموقف من الصليبيين وكذلك وجود عدد كبير من إمارات المدن والإمارات الصغيرة التي تبدو ضعيفة ومفككة أمام الغزو الصليبي، ولكن عماد الدين زنكي استطاع أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين فعمل على تجميع القوى الإسلامية وقضى على عوامل التفرقة والانقسام، وسعى إلى توحيد المدن والإمارات المنفصلة واستطاع أن يحقق برنامجه ذا الشقين، الأول تشكيل الجبهة الإسلامية من تجميع القوى الإسلامية والثاني ضرب الصليبيين، وهو بذلك أول قائد إسلامي قام بتجميع هذه القوى وفق برنامج معين ليجابه بها تزايد الخطر الصليبي الذي لم توقفه على ما يبدو المحاولات التي سبقته وخاصة تلك التي تمت على يد كل من مودود التونتكين 502 - 518هـ وابلغازي الارتقي 512 - 518 وآق سنقر البرسقي 518 - 520هـ.
ولاجل تكوين الجبهة الإسلامية، كان عماد الدين زنكي يسلك طريق الهجوم العسكري لإخضاع الأمراء المتعاونين مع الصليبيين والمترددين أو الذين يقفون على الحياد، وبذلك يقضي على احتمال تشكيل حلف دفاعي مضاد من هؤلاء الأمراء وربما يتحول هذا الحلف فيما بعد إلى حلف هجومي ضده، كما حدث بالنسبة للارائقة. إن إزالة العقبات التي تقف أمام توحيد هذه الإمارات والمدن المتفرقة والمبعثرة في جبهة إسلامية موحدة، كان أهم عمل يشغل عماد الدين زنكي لكي تستطيع هذه الجبهة أن توقف الزحف الصليبي أولا ومن ثم تبدأ بالهجوم وفق أساليب وخطط منظمة على قواعد الصليبيين في بلاد الشام والجزيرة الفراتية . غير أن هذه الإمارات لم تكن تقوى على الوقوف بوجه هذا الخطر الصليبي الزاحف نحو الشرق وهي غير موحدة وستظل تشكل بنفس الوقت خطراً ضد إمارة عماد الدين زنكي في الموصل لقربها منها ولاستراتيجية مواقعها. شعر عماد الدين زنكي، إن السياسة الانعزالية للأمراء تجاه الخطر الصليبي سينجم عنها تشتيت لإمكانات المسلمين البشرية والعسكرية والاقتصادية ويؤدي بالتالي إلى تثبيت أقدام الغزاة الصليبيين في الشرق العربي. لذلك سعى الأمراء والقادة المسلمون أمثال مودود التونتكين ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي إلى القضاء على أسباب هذه الفرقة، فأحرزوا من الانتصارات ما أدى إلى توحيد مصر والشام وأعالي الجزيرة الفراتية، وبذلك تم حصر الصليبيين على الساحل وتحققت الوحدة الروحية للعالم الإسلامي. لقد تركز اهتمام المسلمين والصليبيين معا للاستيلاء على مدينة حلب، لأنها كانت في الواقع مركزاً للتوازن السياسي. ومن قادة المسلمين الذين كانوا تطلعون إليها الأتابك آق - سنقر البرسقي وعماد الدين زنكي، حيث عول الأخير على إقامة إمارة مستقلة تضم حلب والموصل، نتيجة لما تتمتع به حلب من أهمية عسكرية بسبب موقعها الاستراتيجي وباعتبارها قلعة يمكن استخدامها ضد الصليبيين. فضلا عما اشتهرت به من مواردها وثروة مما يزيد في قوة المسلمين المادية . وقد استطاع عماد الدين زنكي أن يضع خطة للاستيلاء على حلب. والمناطق المجاورة للموصل وتهيأت له الفرصة المناسبة للتدخل وبذلك جعل من الموصل وحلب إمارة واحدة تخضع لسلطانه وهي نواة للدولة الإسلامية الموحدة، كما قضى فترة من حكمه تمتد من 523 - 540هـ لإخضاع الرائقة وصرفهم عن التحالف مع الصليبيين وتكوين جبهة ضد الغزاة، واتخذ من مدينة نصيبين قاعدة عسكرية في المنطقة تكون منطلقا للهجوم على مواقع القوى المناوئة، وحاول إسقاط حكم بني ارتق الذي كان يقف عائقا آنذاك دون تحقيق هدفه الرئيسي في توحيد بلاد الموصل والجزيرة وشمالي بلاد الشام فاستولى على عدة مدن وحصون لتوسيع نواة الدولة الموحدة وتعلم كيف يحافظ عليها ضد الغزاة والطامعين واعتبر نفسه مسؤولا عن قتال الصليبيين والجهاد ضدهم واشتبك معهم في قتال مرير طيلة فترة حكمه وأصبح بذلك يمثل بطلا للمسلمين في جهادهم ضد الصليبيين ومن أجل توحيد كلمتهم كما انصرف اهتمام عماد الدين زنكي للاستيلاء على دمشق وذلك لأنها تشكيل أهمية خاصة في تجميع القوى السياسية وتحالفها للقتال ضد الصليبيين غير أن أميرها معين الدين أثر كان قد تحالف مع الصليبيين واستعان بهم مما حال دون تحقيق هدف عماد الدين زنكي في توسيع رقعة الدولة الإسلامية الموحدة مؤقتا والانصراف إلى تثبيت إمارته الجديدة وتعزيز إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية وتوحيد ما يمكن توحيده من الإمارات والمدن الصغيرة المتناثرة المحيطة بها من جميع الجهات، حيث يشكل وجودها عائقا أمام أية خطوة يستهدف من ورائها إعلان الجهاد العام ضد الصليبيين. سار نور الدين محمود على سياسة أبيه عماد الدين زنكي في محاولاته الاستيلاء على دمشق لإتخاذها قاعدة لتوسيع دولته وتكوين الجبهة الإسلامية المتحدة بوجه الصليبيين كما سنذكره في الفصل القادم. تعرض العالم الإسلامي في بداية القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي إلى الغزو الصليبي الذي استهدف الاستيلاء على الشرق وإنشاء مؤسسات سياسية يستطيعون بواستطها أن يكرسوا احتلالهم العسكري، واستغلالهم الاقتصادي، فأسسوا فيه إماراتهم اللاتينية الأربع في الشام وفلسطين والجزيرة الفراتية، وكانت الحملة الصليبية الأولى، تعبيرا عن هذا الغزو الذي بدأ ينتشر في أطراف العالم الإسلامي الشرقي، غير أن المسلمين حاولوا التصدي لهذا الغزو في بداياته الأولى، ولكن جبهتهم الداخلية كانت لا تقوى على الوقوف بوجه هذا السيل الجارف من الغرب، واستمر المسلمون بعد تدعيم جبهاتهم الداخلية، يقاومون الغزاة طيلة القرن الخامس وحتى النصف الثاني من القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي، حتى استطاعوا أن يجتثوا جذور الغرباء الغاضبين من تربة بلادهم ويحرروها ويطردوا الغزاة الدخلاء والراجح أن أولى محاولات المسلمين للوقوف بوجه هذه الزوبعة هي التي وقعت قبل سنة 490هـ / 1096م بقليل وذلك عندما طرد المسلمون الأتراك بطرس الناسك وهو الراهب الطواف الذي كان يبشر بالحرب الصليبية من الديار الإسلامية في آسيا الصغرى ويبدو أنه كان طيلة هذه الفترة، يتدفق على الشرق من حين إلى آخر سيل مستمر من الصليبيين ومن أتباع بطرس الناسك الذين لم يتول أحد قيادتهم، ولم يجمعهم نظام، وكان البابا يأمل أن يصل هؤلاء الصليبيون سالمين إلى القسطنطينية وأن ينتظروا بها حتى يقدم المندوب البابوي والقادة العسكريون فيدخلهم في صفوف الجيش المسيحي الكبير الذي سوف يقدر له أن يخوض المعارك مع المسلمين للوصول إلى بيت المقدس (1). غير أن هذه الجموع الغفيرة من الصليبيين الغربيين أخذت تنتظم في نهاية عام 490هـ / 1096م على شكل حملة ضخمة وراء بطرس الناسك ووالتر المفلس وهي مؤلفة من أناس من جهات عديدة ومن فئات مختلفة وقد اصطحبوا معهم زوجاتهم وأطفالهم وكانوا من مختلف المهن فبعضهم من الفلاحين وسكان المدن وصغار النبلاء وأغلبهم قطاع طرق مجرمين ولم يجمع بينهم سوى الحماس الديني بالوصول إلى الشرق والحصول على الفردوس الذي ينشدونه. ثم راح هؤلاء الصليبيون يزحفون على المناطق الإسلامية في آسيا الصغرى وقاموا بالإغارة عليها وسلبوا ونهبوا القرى القريبة من مدينة بنقية وهي عاصمة السلاجقة في عهد السلطان قلج أرسلان بن سليمان واستاقوا ما صادفوه من الماشية والأغنام وقتلوا السكان، فخرجت من المدينة سرية من الجيش الإسلامي لقتالهم ووقع بين الطرفين قتال عنيف وتسرب بعض الصليبيين حتى بلغوا قلعة اكسير يجوردون) فأخضعوها فأرسل المسلمون أحد كبار القادة العسكريين على رأس جيش كبير لاسترداد القلعة، وقد تمكن الجيش الإسلامي أن ينزل الهزيمة بكمين أعده الصليبيون ثم حاصر القلعة واستولى المسلمون على النبع الذي يزود المدينة بالمياه وكان الصليبيون يهلكون عطشاً حتى أنهم عمدوا إلى امتصاص رطوبة الأرض وشقوا عروق خيولهم ومصوا دماءها، ثم قرر الصليبيون أن يستسلموا وقد استبد بهم الكرب ثماني أيام فتحوا الأبواب للمسلمين بعد أن حصل قادتهم على وعد بالإبقاء على حياتهم فأسروا وأرسلوا بعضهم إلى إنطاكية والبعض إلى حلب وآخرين إلى خراسان. ومن المحاولات الأخرى التي قام بها المسلمون للوقوف بوجه الزحف الدخيل إنه في السنة التالية لحملة الشعوب التي خذلها المسلمون اجتمع قادة الصليبيين للتشاور على أثر الهزيمة التي تعرضوا لها في قلعة السير يجوردون، وقرروا انتظار وصول بطرس الناسك من البيزنطيين غير أنه لم يعد، فراح المسلمون يقتربون بجيوشهم من كيفيتوت) وهو المعسكر القريب من اكسير يجوردون) عندئذ اجتمع مجلس حرب الصليبيين المكون من (والتر المفلس ورينالد برايس ووالتر بريتيل وفولك أورليان وهيوتوبنجن ووالتر تيك) وقرروا أن لا يتخذ أي قرار إلا بعد وصول بطرس الناسك، ولكن الصليبيين انشقوا على أنفسهم وقرر جفري بوريل يسانده الرأي العام في الجيش الصليبي الزحف نحو المسلمين فتحرك الصليبيون بأكملهم وبعدتهم التي تزيد على العشرين ألف رجل وعلى مسافة ثلاثة أميال وعند قرية (دراكون) نصب المسلمون كمينا لهم، بينما سار الصليبيون دون أن يلتزموا النظام واشتدت جبلتهم وضوضاؤهم وسار الفرسان في المقدمة، فانهال عليهم سيل من السهام فاصابت خيولهم فسادت بينهم الفوضى والاضطرابات وسقط الفرسان عن ظهر خيولهم فهاجمهم المسلمون وحاولوا أن يردوا عليهم، غير أنهم لم يستطيعوا وقف ما استبد بالجيش الصليبي من الذعر، ولم تمض لحظات حتى أخذ كل الجيش في الهرب دون نظام فاقتفى المسلمون أثرهم وقضوا عليهم ولم ينج منهم إلا القليل ووقع بعضهم أسرى بيد المسلمين، فتكبد الصليبيون كثيراً من القتلى حيث قتل منهم والتر المفلس ورينالد برايس وفولك أورليان ولم ينج منهم إلا جفري بوريل الذي أدى تهوره إلى وقوع هذه الكارثة التي حلت بالصليبيين، كما قتل أيضا عدد من قادة الصليبيين بعد هر بهم من المعركة وهم هيو توبنجن ووالترتيك وكزاد الجوت تسمرن ووالتر بريتيل ووليم بواس وهنري سفارتز ينبرج وفردريك تسمرن وردولف برانديز .
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...
Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...
يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...
نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...
نفيد بموجب هذا الملخص أنه بتاريخ 30/03/1433هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن/ صالح أحمد الفقيه، ...
العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...
آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...
Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...
السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...
حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...
رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...