لخّصلي

فَتَحَتْ أُمِّي عُقْدَةَ مِنْدِيلِهَا وَمَدَّتْ لَنَا الْقِطْعَةَ الْبَيْضَاءَ وَقَالَتْ لَنَا : اشْتَرَيَا كَعْكًا، فَالْكَعْكَ أَحْسَنُ مِنَ الْحَلْوَى . » أجَبْنَاهَا بِصَوْتٍ وَاحِدٍ : نَعَمْ ، نَعَمْ، سَنَشْرِي كَعْكًا. نَحْنُ نُحِبُّ الْكَعْكَ. نَظَرَتْ إِلَيْنَا مَلِيًّا وَقَدِ أَحْمَرَّ وَجْهَانَا، ثُمَّ قالَت فِي لَهْجَة صَوَا صَارِمَةٍ، وَهِيَ تَرْفَعُ سَبَّابَةَ يَدِهَا الْيُمْنَى : تَشْتَرِيَانِ الْكَعْكَ وَتَأْكُلَانِهِ فَذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رُكُوبِ الدَّرَّاجَاتِ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟» نَزَلَتْ عَلَيْنَا كَلِمَاتُهَا كَالصَّاعِقَةِ ، فَأَضْطَرَبْنَا لَحْظَةً، ثُمَّ تَنَاوَلْنَا الدِّينَارَ وَخَرَجْنَا مِنَ الدَّارِ وَقَصَدْنَا دُكّانَ عَم العروسي . شاهَدْنَا الدَّرَاجَاتِ عَنْ بُعْدِ، فَأَسْرَعْنَا نَرْكُضُ ونَعْدُو وَنَظِيرُ ، وَقَفْنَا أَمَامَهَا نَلْهَتُ وَنَبْحَثُ بِأَعْيُنِنَا الْأَرْبعِ عَنِ الدَّرَّاجَةِ الصَّفْرَاءِ .
إِثْتَبَهَ إِلَيْنَا عَمْ العَرُوسِي، فَقَالَ خَرَجَتِ الصَّفْرَاءُ مُنْذُ حِين. عُودَا بَعْدَ نِصْفِ سَاعَةٍ، سَوْفَ تَجِدَانِهَا
نُفَضِّلُ الإِنْتِظَارَ نَنْتَظِرُ الآنَ هُنا كَيْ لَا يَكْتَرِيَهَا طِفْلٌ آخَرُ. خُذِ الدِّينَارَ الآنَ
ا فَنَظَرَ إِلَيْنَا مُبْتَسِمًا ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ الْغَلِيظَةَ فَوَضَعْنَا لَهُ الْقِطْعَةَ النَّقْدِيَّةَ فِي كَفْهِ فَتَلَقَّاهَا في هدوء...
وَعَادَتْ الدَّرَاجَةُ الصَّفْرَاءُ فَأَخَذْنَاهَا وَتَابَعْنَا سَيْرَنَا رُوَيْدًا، أَنَا عَلَى يَمِينِهَا وَأَخِي ا عَلَى يَسَارِهَا ، وابْتَعَدْنَا عَنِ الدُّكَّانِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، ثُمَّ انْعَرَجْنَا يَسْرَةً فَجَمَعَ أَخِي الْكَبِيرُ شَجَاعَتَهُ وَقَالَ لِي : «شُدَّ بِيَ الْمِقْوَدَ. سأَرْكَبُ أَنَا أَوَّلاً.» وامْتَطَى الدَّرَّاجَةَ وَكَأَنَّهُ يَتَسَلَّقُ ا جَبَلاً، وأَنَا مَاسِكَ بِالْمِقْوَدِ بِكُلِّ قَوَايَ، ثُمَّ سِرْنَا بِصُعُوبَةٍ. سَارَتِ الدَّرَّاجَةُ بِبُطْءٍ وَأَخِي ا مُنْكِى عَلَيَّ بِحِسْمِهِ كُلِّهِ يَكَادُ يُهَشِّمُنِي وَيَطْرَحُنِي أَرْضًا. جَعَلَ يُدِيرُ سَاقَيْهِ بِجِدٌ وَعَنَاءٍ. ٥ مِلْنَا يَمْنَةً فَكِدْنَا نَقْتَحِمُ الْحَوَانِيتَ. أَدارَ أَخِي الْمِقْوَدَ بِكُلِّ مَا لَدَيْهِ مِنْ قُوَّةٍ، فَمَالَتْ بِنَا الدَّرَّاجَةُ يَسْرَةً وَكِدْنَا نَصْطَدِمُ بِالْعَرَبَاتِ الْمَارَةِ وَالْجُدْرَانِ وَكُلِّ مَا يَعْتَرِضُ طَرِيقَنَا.
تَصَبَّبَ عَرَقْنَا وَتَابَعْنَا سَيْرَنَا بِجُهْدٍ جَهِيدٍ وَشَجَاعَةٍ نَادِرَةٍ، أَنَا مَاسِكَ بِالْمِقْوَدِ لَا أَتْرُكُهُ يَحِيدُ وأَخِي يُدِيرُ سَاقَيْهِ بِصُعُوبَةٍ وَيَنْظُرُ إِلَى العَجَلَةِ الأَمَامِيَّةِ مَاسِكًا الْمِقْوَدَ مُتَشَبِّنا ا بِهِ عَاضًا شَفَتَيْهِ وَلِسَانَهُ ... وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَإِذَا هُوَ يَسْتَقِيمُ فَوْقَ الدَّرَّاجَةِ بِثِقَةٍ وَيَرْفَعُ ع رَأْسَهُ أَمَامَهُ فِى ثَبَات فَتَنْسَابُ الدَّرَّاجَةُ مُتَزنَةَ انْسِيَابًا رَائِعًا... إِبْتَعَدَ عَنِّي أَخِي حَتَّى صَارَ صَغِيرًا جدًّا لاَ يَكَادُ يُرَى تَمَلَّكَنِي خَوْفٌ شَدِيدٌ فَالْتَصَقْتُ بِالْجِدَارِ وَكِدْتُ أَفْقِدُ صَوَابِي مَرَّتْ دَقَائِقُ كَأَنَّهَا سَاعَاتٌ وَإِذَا بِأَخِي يُقْبِلُ نَحْوِي مُشْرِقَ الْوَجَهِ مُنْشَرِحًا.