لخّصلي

مما لا شك فيه أن مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية يعتبر من أسمى الأهداف التي يسعى إليها القانون، هذا المبدأ يقتضي محاسبة كل فرد على الأفعال والتصرفات التي يقوم بها، وهذا يتطلب العديد من الإجراءات والقواعد التي تحكم تصرفات الأفراد داخل المجتمع وتضمن حقوقهم. ومن ضمن هذه الإجراءات نجد تدابير الوضع تحت الحراسة النظرية كإجراء ذو أهمية كبيرة في إطار قانون المسطرة الجنائية، نظرا للدور المهم الذي يلعبه لتحقيق العدالة. فمن خلال الحراسة النظرية يمكن التثبت من مرتكب الجريمة، ولهذا خص المشرع المغربي هذا الإجراء تحديدا بالعديد من الضمانات وقيده بمجموعة من الشروط.
وبالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن المشرع لم يعرف الحراسة النظرية بشكل دقيق ومباشر، وإنما اكتفى بالتعرض لأحكامها في إطار قانون المسطرة الجنائية. وترك مهمة التعريف للفقه، الذي لم يضع لها تعريفا موحدا.
حيث عرفها الأستاذ الحسن هوداية بكونها ''المدة التي تبقي خلالها الضابطة القضائية تحت تصرفها المظنون أنه ارتكب الجريمة لأجل حاجيات البحث والتحري''.

بينما عرفها الأستاذ أحمد الخمليشي بأنها ''احتفاظ ضابط الشرطة القضائية في مركز عمله بالمشبوه فيه لحاجيات البحث التمهيدي أو تنفيذ الإنابة القضائية''.

والحراسة النظرية هي إجراء قانوني يسمح للسلطات القضائية باحتجاز الشخص المشتبه به لمدة زمنية محددة اقبل إحالته على المحكمة.
والوضع تحت الحراسة النظرية هو إجراء اشترعه القانون المغربي في المادتين 66 من قانون المسطرة الجنائية (في نطاق الجرائم المتلبس بها)، و80 من ذات القانون (بالنسبة للجرائم غير المتلبس بها) بمقتضاه يسمح لضباط الشرطة القضائية إبقاء شخص أو عدة أشخاص (وهم المعدودون في المادة 65 من قانون المسطرة الجنائية، وسواء كانوا مشبوها فيهم أم شهود أم غيرهم ممن وجد في مكان الجريمة كمن أريد مجرد التحقق من هويتهم...) رهن إشارته لحاجيات يقتضيها البحث التمهيدي.

والجدير بالذكر أن إجراء الحراسة النظرية يختلف في تسميته بين العديد من الدول، حيث يسمى في فرنسا (la garde de la vie)، بينما يسمى في التشريع المغربي ب ''الحراسة النظرية''، وفي مصر ''التحفظ''، وفي الجزائر ''التوقيف للنظر''، وفي موريتانيا يسمى ب ''الإيقاف''، وفي لبنان ''الاحتجاز رهن التحقيق''.
كما عرفها المجلس الأعلى بأنها ''الفترة التي يقضيها المتهم في الحجز الإداري تحت إشراف ومراقبة الضابط المكلف بالبحث''
وتعتبر الحراسة النظرية أخطر منطلق يبدأ منه الصراع بين حرية الفرد الموضوع رهن الحراسة النظرية وبين حق الدولة في الكشف عن الجريمة.
فإجراء الحراسة النظرية له أهميته في مسار حماية حقوق الإنسان، لذلك اهتم القانون المغربي بضبط هذا الإجراء المهم والخطير الذي يمارسه ضباط الشرطة القضائية، والذي يمس على قدر كبير بالحرية الشخصية في مرحلة قد لا تتوفر فيها دلائل بعد على ارتكاب الشخص للجريمة، اللهم إذا تعلق الأمر بحالة التلبس.

كما لا يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى أن الحراسة النظرية أفرزت العديد من المواقف الفقهية بين مؤيد ومعارض، حيث اعتبر المعارضون لإجراء الحراسة النظرية بأنه يجب على كل نظام دمقراطي الاعتراف بحالتين فقط، إما حالة جعل شخص حرا، أو حالته محبوسا، أما الحراسة النظرية فتتراوح بين الحالتين، وهذا غير مقبول قانونا.
يبدو من خلال ما سبق أن الحراسة النظرية تشكل نوعا من الضغط الذي تمارسه السلطات القضائية على الشخص المشتبه به للإدلاء بتصريحاته، ولكشف علاقته بالجريمة، غير أنها قد تكون وسيلة قهر، وأحيانا قد تكون غير عادلة، خاصة إذا كان الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية بريئا.
وهذا ما جعل المشرع المغربي يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من الحماية القانونية للأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية.
بالرجوع إلى الاجتهادات القضائية التي لها علاقة بالحراسة النظرية والمقتضيات القانونية المنظمة لها نجد أن هذا الموضوع يحظى بأهمية كبيرة نظرا لارتباطه بحقوق الأفراد وحرياتهم من جهة، وصلاحيات الدولة في التحقيق الجنائي والتحري والبحث عن المجرمين من جهة أخرى.

يهدف هذا البحث إلى تحليل ودراسة موضوع الحراسة النظرية في القانون المغربي، ولتحقيق ذلك يجب دراسة الأسس القانونية للحراسة النظرية، وتحديد المفاهيم الأساسية المتعلقة بها، والأجهزة المكلفة بها، والإجراءات المتبعة لتنفيذها، وأيضا الحقوق والضمانات المتاحة للمتهم الموضوع تحت تدابير الحراسة النظرية