لخّصلي

الیوم ھو السادس من ديسمبر 2017. لم أتناول إفطاري حتى الساعة الحادية عشرة صباحا؛ كنت مشغولا بإطلاق مشروع جديد. تعودت على
ًًُُّ
إطلاق الكثیر من المشاريع، لكن ھذه المرّة المشروع مختلف، لأنه
سیكسر حاجزا جديدا أمامنا كشع ٍب ودولة. أعشق تحطیم حواجز ًًُ َُ
جديدة أمام شعبي، أح ُّب الوصول إلى قم ٍم غیر متو َّقعة، وأؤمن بأن ما
يقود الشعو َب نحو التطور لیس الوفرة المادية فقط بل الطموح، الطموح
العظیم. نحن بشر، يحركنا الإلھام والطموح أكثر من أي شيء آخر، لذلك ِّ ُ ُ
كنت حريصا على إطلاق المشروع بطريقة مناسبة وملھمة. ًُ
نعم ُل على المشروع منذ أعوام بھدوء. تأكد ُت من إتمام كافة الاتفاقیات
الدولیة في ھذا الخصوص، وأن الفريق مھیّأ للبدء في إجراء الاختبارات
في أقرب فرصة. تأكدت أيضا بأن المشروع يحمل الرسالة التي أريد ًُُُ
إيصالھا، وھي: لا مستحیل أمام دولة الإمارات، ولا قوّة يمكن أن تق َف أمام إرادة شعبھا.

في منزل جدي الشیخ سعید بن مكتوم آل مكتوم | عام 2018
أعلن ُت المشرو َع عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 15 ملیون متابع: نريد إرسال أربعة إماراتیین للفضاء؛ نعم إرسال روّاد فضاء من دولة الإمارات إلى الفضاء الخارجي، لنستكمل بذلك أكب َر مشروعٍ عرب ٍّي وإسلامي من نوعه، بحیث يش ِكّل مع بقیة المشاريع منظومة فضاء
ٍّ
إماراتیة متكاملة: رحلة للمريخ، وروّاد فضاء إماراتیون، وأول مدينة على
الأرض تحاكي الظروف المناخیة على الكوكب الأحمر، وأول مجمع عربي لتصنیع الأقمار الصناعیة بالكامل، ومركز للفضاء، ووكالة اتحادية لتنظیم ل ق ط ا ع . م ش ر و ٌع ي ب ع ُث ع ل ى ا ل ف خ ر و ا ل س ع ا د ة .
بعد الإطلاق مباشرة، تابع ُت بعض ردود الأفعال، وخاصة من الشباب، عبر ًً
كانت مفاجأ ًة مفرح ًة للجمیع مع احتفالاتنا بالیوم الوطني. وكن ُت أقرأ تعلیقات الشباب الحماسیة، وأقول: محطة جديدة بلغناھا، وقمة جديدة ارتقیناھا، ولن نتوقّف.
ًً
كان صباحا جمیلا على وطني الإمارات، وصلنا فیه إلى مرحلة جديدة من
وسائل التواصل الاجتماعي. كانت المشاعر في أوجھا فخرا واعتزازا. ُ
التنمیة، ونتطلع للوصول إلى مراحل أعظم وأكبر. لا أدري ما الذي دفعني ً
يومھا للتّفكیر في البدايات المتواضعة والجمیلة أيضا.
بیت ج ّدي الشیخ سعید في الشندغة، الجدران الطینیة التي تتخل َّلھا
الحجارة المرجانیة للسماح لنسمات الھواء بأن تمرّ الغرف ذات السقوف
المنخفضة، الساحة التي كن ُت ألع ُب فیھا أمام البیت، غرفة أبي وأمي،
وغرف إخوتي وأخواتي، ج ّدي.. نعم، تذكّر ُت ج ّدي الشیخ سعید بلحیته ً
إن ما يقود الشعوب نحو التطور ليس الوفرة المادية بل الطموح، الطموح العظيم. نحن بشر، يحر ِّكنا الإلهامُ والطموحُ أكثر من أي شيء آخر
البیضاء ووجھه المتلألئ نورا.

حفل إطلاق رحلة الإمارات لاستكشاف المريخ | عام 2015
بیت الشیخ سعید بن مكتوم آل مكتوم في منطقة الشندغة
تذكّر ُت ج ّدي وطیبته وإيمانه الكبیر. جال في نفسي أن ج ّدي عمل من ً
أجل ھذه اللحظة أيضا، وشارك معنا في صناعتھا. و ّسع آفاق التجارة في دبي، وفتح الأبواب للجمیع، وأدخل الكھرباء، وتضاعف عدد السكان في عھده ثلاث مرات.
غیر أن أعظم إنجازاته كانت سیرته وعلاقته مع شعبه. كان يحبّھم ويحبّونه. يروون عنه أنه كان يقوم قبل صلاة الفجر، يذھب إلى بئر بعیدة،
ًً
يملأ دلوا كبیرا بالماء، ويأتي به للمسجد، لیتوضأ المصلون لصلاة الفجر.
أي إنسان كنت يا ج ّدي! أي قوّة وأي طیبة ورحمة! لم يحكم ج ّدي بالخوف، بل بالمحبة والرحمة. ربما لذلك تذكر ُته يومھا.
الرحمة والمحبة لا ينساھما الإنسان، ولا تمحوھما الأيام. أذكر يوم وفاته. كنت في التاسعة تقريبا. أسلم الروح بعد صلاة الفجر
ًَُُ بقلیل. كان والدي بجانبه. أذك ُر انتحا َب النساء، وبكا َء رجال لم أحسب
ً
أنھم يبكون. أذك ُر تنكی َس الأعلام، وأذك ُر جموعا غفیر ًة ودّعته إلى مثواه
الأخیر. أذك ُر الصورة التي انطبعت في ذھني عنه، قبل صلاة الفجر، بمائه وطھوره، عند المسجد ينتظر أبناء شعبه. عل َّمتنا خدم َة الناس يا أبا راشد. رحمك الله، وجعل الفردوس مثواك.