لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

لعب رواد المسرح في كل من سوريا ولبنان دورا هاما ومفصليا في وضع اللبنات الأولى للمسرح العربي،
لكن هذا الفن تطور وانتعش في مصر.
يعزى ذلك إلى شبه الاستقلال الذي تمتعت به مصر،
في تلك الحقبة الزمنية،
وبعدها الجغرافي عن مركز الخلافة العثمانية.
فقد قام الخديوي اسماعيل ببناء دار للأوبرا (1869)،
بينما تعرضت بلاد الشام،
في تلك الفترة،
لحركة قمع فكرية عثمانية تركية،
مما حدا بكثير من الفنانين والشعراء إلى النزوح من بلاد الشام إلى مصر.
وكانت أول فرقة مسرحية وفدت آنذاك (1876-1877) هي فرقة سليم النقاش حيث نزلت في الاسكندرية الأكثر تحررا.
تألفت الفرقة من اثني عشر ممثلا وأربع ممثلات،
قامت بتقديم بعض التمثيليات المترجمة عن اللغة الفرنسية،
خلف سليم النقاش في الإشراف على الفرقة زميله يوسف خياط (1877-1895).
كما ظهرت فرق شامية أخرى لعبت دورا مهما على ساحة المسرح المصري وهي فرقة سليمان القرداحي (1882-1909)،
وفرقة سليمان الحداد (1887)،
وفرقة اسكندر فرح (1881-1909)،
هذا إضافة إلى فرقة أبو خليل القباني التي وصلت مصر هي الأخرى في نفس الفترة الزمنية (1884-1909) لتتابع عملها المسرحي الذي بدأته في سوريا.
يؤكد الباحث محمد مندور على أهمية ما قام به أهل الشام،
مشيرا إلى انتقال أهم تلك الفرق من هناك والإقامة في مصر،
كما ذكرنا أعلاه،
ويضيف أنه كان لهؤلاء السوريين،
بنوع خاص،
فضل في ظهور رائد فن الأوبرا والأوبريت المصري الشيخ سلامة حجازي (1852-1917) الذي أخذ هذا الفن عن القباني قبل أن يستقل ويكون فرقته الخاصة التي عملت من سنة 1905-1914.
لم يقتصر دور السوريين على دورهم الريادي في إنشاء الفرق والمسارح بل ساهموا مساهمة كبرى في ترجمة وتعريب وتحضير الكثير من المسرحيات الغربية قبل وأثناء وبعد مساهمة المصريين في تلك الحركة.
إن ظهور هذه الفرق الشامية في سنوات السبعين على أرض مصر مثلت نهاية مرحلة وبداية لمرحلة جديدة،
فقد أصبح المسرح تجاريا وأكثر تنظيما عما كان عليه من قبل.
قدمنا أعلاه استعراضا موجزا لدور رواد المسرح في بلاد الشام،
وبالتحديد في لبنان وسوريا،
وبدا للقارئ والمتابع أن هذا الفن الحديث قد وضع لبناته الأولى هناك.
يشير الباحثون إلى عدم وجود فن مسرحي عربي في مصر،
بشكله المألوف اليوم،
في القرن الثامن عشر،
بل نراهم يتحدثون عن انتشار الفنون الشعبية الاستعراضية على اختلافها،
وهم يعتمدون في معلوماتهم هذه على ما رواه بعض الرحالة،
واولهم الدانمركي كارستين نيبور الذي وصل الاسكندرية سنة 1761.
يتحدث نيبور عن عروض الشوارع بشكل دقيق،
مشيرا،
أولا،
إلى فن الغوازي اللواتي يعملن لقاء أجر زهيد.
تتكون هذه الفرق من مجموعة راقصات غجريات غير متزوجات يرقصن في الأماكن العامة وفي البيوت في مناسبات الأفراح.
وكان مصدر رزقهن الزهيد يتقاضينه حين يؤدين رقصاتهن مقابل بيوت الأوروبيين المنتشرة عند الشاطئ.
بعد ذلك يتحدث نيبور عن فني الأراجوز وخيال الظل.
فيقول إن فن الأراجوز منتشر في أرجاء القاهرة،
وإن لم يتطور،
برأيه،
رغم تقادم السنين،
ويضيف انه فن جدير بالاهتمام لولا ان متفرجي القاهرة يجعلون تمثيلياته مقززة.
أما خيال الظل فهو محبوب جدا في الشرق،
وإن لم ترق له باباته نظرا لسخريتها من عادات الأوروبيين ولباسهم.
كما يتحدث عما شاهده من فنون شعبية أخرى واستخدامهم الحيوانات في ألعابهم،
خاصة القرود،
للإمتاع والمؤانسة.
بعد ذلك ينتقل للحديث عن فن المسرح الذي فاجأه حين يكتشف أن هناك عددا كبيرا من الممثلين من مسلمين،
مسيحيين ويهود يمثلون حيثما يدعون،
وفي الهواء الطلق،
لقاء أجر زهيد جدا.
فقام نيبور باستدعائهم ليمثلوا في بيت صديق إيطالي لم يُعجب بهذا التمثيل لا هو ولا أصدقاؤه.
كانت بطلة المسرحية امرأة قام رجل ملتح بأداء دورها دون أن يوفق في إخفاء لحيته.
بعد خمسة وثلاثين عاما يمر بمصر سائح أوروبي آخر يدعى بلزوني،
وهو إيطالي الجنسية قام بتسجيل بعض ما شاهده من تمثيل الفنانين الجوالين المعروفين باسم "المحبظين"،
شاهد مسرحيتين قدمتها فرقة شعبية مصرية في احتفال أقيم في شبرا سنة 1815.
بعد هذا التاريخ بحوالي خمسة عشر عاما نجد المستشرق إدوارد لين يتحدث عن فرق "المحبظين" الذين يضحكون الناس بنكات هابطة مفسدة.
وكان هؤلاء يُشاهدون في حفلات الزواج والختان في بيوت الكبراء،
وأحيانا في ميادين القاهرة العامة يتحلق المشاهدون حولهم.
لم يكن بين هؤلاء "المحبظين" أي امرأة،
بل كان يقوم بهذا الدور رجال وصبيان في لباس امرأة.
هذه "الفنون" الشعبية لم تخلق مسرحا عربيا حديثا،
أما المسرح بمفهومه الحديث فقد عرف طريقه إلى مصر مع حملة نابليون إلى مصر (سنة 1798)،
فقد شهدت قيام أول مسرح أوروبي للتمثيل في العالم العربي،
أنشأه الجنرال مينو سنة 1799 وأطلق عليه،
كما يقول جرجي زيدان،
"مرسح الجمهورية للفنون"،
وقد ذكر الجبرتي أن أفراد الجالية الفرنسية كانوا يعرضون فيه مسرحياتهم أمام الفرنسيين للتسلية والترفيه،
مرة كل عشرة أيام،
ولكنه كان قصير العمر.
ثم لا تذكر المصادر شيئا عن اهتمام الغربيين بالتمثيل في مصر حتى وصل إلى الحكم محمد علي باشا (1805)،
فمُهدت الطريق أمام الأجانب بالذات الفرنسيين منهم لإقامة مسرح جديد،
ومن ثم إقامة مسارح أوروبية حديثة في عصر سعيد باشا،
بالذات في القاهرة التي سبقت الاسكندرية في هذا المجال.
شهدت فترة الخديوي اسماعيل،
الذي حكم مصر ست عشرة سنة (1863-1879)،
انتعاشا وانتشارا للعديد من الفنون،
وقد عرف عنه ميله إلى تمدين مصر لتقترب أكثر من الغرب،
فاهتم،
بشكل خاص،
بإقامة مسارح أوروبية على أرض مصر أواخر الستينات من القرن التاسع عشر.
فقد أنشأ مسرح الأزبكية سنة 1868،
ليقدم خدماته للفرق الأجنبية الوافدة إلى مصر،
ثم بنى مسرح دار الأوبرا ليتمكن من استيعاب عرض أوبرا "عايدة" بمناسبة افتتاح قناة السويس سنة 1869،
كانت هاتان القاعتان أوروبيتي الطابع كليا.
بعد ذلك تم بناء عدد من المسارح في القاهرة والاسكندرية لخدمة الفرق الأوروبية الوافدة إلى مصر.
لعل أول خطوة جدية في سبيل إقامة مسرح عربي في مصر هي تلك الخطوة التي قام بها يعقوب صنوع (1839-1912)،
المولود في القاهرة لأبوين يهوديين.
كان صنوع ذا ثقافة واسعة ومتشعبة،
درس في صباه التوراة ثم درس الإنجيل والقرآن.
كان أبوه مستشارا للأمير أحمد يكن حفيد محمد علي فأرسله الأمير إلى إيطاليا،
بعد أن لاحظ عليه سمات الذكاء والنبوغ.
درس على نفقته ثلاث سنوات (1852-1855)،
فتسنى له بذلك أن يطلع على ثقافة البلاد.
وكان يتقن العربية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والأسبانية والمجرية والروسية والبولونية والعبرية.
انهمك حال عودته إلى مصر في العمل الصحفي يكتب المقالات في الصحف والمجلات،
ويكتب الدراسات والقصص القصيرة والشعر في عدة لغات،
العربية،
الفرنسية،
الإيطالية والإنجليزية.
عاشر صنوع الكبراء ودخل بيوتهم وعلم أبناءهم اللغات والعلوم الأوروبية،
وبناتهم الفنون الزخرفية والموسيقى.
رأى،
بفضل ذكائه وخبرته التي اكتسبها في إيطاليا،
أنه من الضروري بناء مسرح حديث على طراز غربي لإيمانه أن المسرح أداة فعالة في إنهاض الشعوب،
فقام باختيار الممثلين وتعليمهم فن المسرح،
ومن ثم التأليف لهم،
وهناك من يقول إن المصلح جمال الدين الأفغاني قد نصحه بإنشاء مسرح يتعرض للأوضاع السياسية في مصر وأن ينشر هذه الأفكار بين طبقات الشعب الفقيرة.
يقر صنوع هو أيضا بفضل المسرح الأوروبي عليه،
كما أقر بذلك من قبله مارون النقاش،
وذلك في محاضرة له كان قد ألقاها في باريس سنة 1903 يتحدث فيها عن مسرحه وعن مساهمته في إنشاء المسرح العربي الحديث،
جاء فيها: "ولد هذا المسرح في مقهى كبير،
كانت تعزف فيه الموسيقى في الهواء الطلق،
وذلك في وسط حديقتنا الجميلة (الأزبكية)،
في ذلك الحين أي في سنة 1870.
كان ثمة فرقة فرنسية قوية تتألف من الموسيقيين والمطربين والممثلين،
وفرقة تمثيلية إيطالية،
وكانتا تقومان بتسلية الجاليات الأوروبية في القاهرة.
وكنت أشترك في جميع تلك التمثيليات التي تقدم في ذلك المقهى [.
]، وإذا كان لا بد لي من أن أعترف،
فلأقل إذن،
إن الهزليات والملاهي والغنائيات والمسرحيات العصرية التي قدمت في ذلك المسرح هي التي أوحت إلي بفكرة إنشاء مسرحي العربي،
[.
] وقبل أن أقدم على إنشاء مسرحي المتواضع،
قمت بدراسة جدية للكتاب والمسرحيين الأوروبيين،
[.
] وعندما أحسست بأنني أصبحت متمكنا،
إلى حد ما،
من الفن المسرحي،
كتبت غنائية في فصل واحد،
باللغة العامية،
وأقحمت فيها بعض الأغاني الشعبية [.
] ولقد شجعني نجاح هذه المسرحية على ألا أتوقف أبدا،
بل مضيت في سبيلي قدما،
وكان علي أن أؤلف فرقة تمثيلية حقيقية تضم ممثلات من النساء،
لا من رجال تنكروا في أزياء نساء.
ولقد وفقت في ذلك الحين على العثور على فتاتين فقيرتين جميلتين كانتا على جانب كبير من الخلق القويم.
[.
] وبعد مرور أربعة أشهر على قيام هذا المسرح القومي،
دعاني الخديوي إسماعيل وفرقتي إلى التمثيل على مسرحه الخاص في قصر النيل،
وبعد أن مثلت مسرحيتين،
قال لي أمام الوزراء وكبار رجال القصر: نحن ندين لك بإنشاء مسرحنا القومي فإن كوميدياتك وغنائياتك ومآسيك قد عرّفت الشعب على الفن المسرحي،
فاذهب فإنك موليير مصر،
وسيبقى اسمك كذلك أبدا".
تابع صنوع في مسيرته يؤلف المسرحيات ويخرجها ويدرب الممثلين على تأدية أدوارهم حتى بلغت مسرحياته اثنتين وثلاثين،
معظمها تصوير للواقع الذي تعيشه مصر وانتقاد للتخلف والواقع الاجتماعي في تلك الأيام،
"وفي هذه المسرحيات يسير الأثر الأوروبي والأثر الشعبي جنبا إلى جنب داخل القالب الغربي،
وإن كانت الحياة العملية الحافلة التي عاشها صنوع،
قد جعلته أكثر من سلفيه قربا من الناس العاديين وأقدر على ملاحظتهم وهم يضطربون في حياتهم اليومية".
لفت صنوع نظر المؤرخين والمحللين والدارسين حتى رأينا محرر الساتردي ريفيو يصف،
في عددها الصادر في 26 يوليو سنة 1876،
دور صنوع بخالق المسرح العربي وحده لكونه المؤلف والممثل والمدير والملقن،
ويضيف ان ما يثير الاعجاب حقا هو تقمصه شخصية الفلاح المصري حين يقوم بهذا الدور فيحلو لك سماع ملاحظاته اللاذعة وضحكاته البريئة،
إلى جانب عبراته الصامتة وهي تتساقط على خديه الضامرين،
فهو قادر على ان يجمع في شخصه شعبا بأكمله.
يلاحظ الراعي بعد قراءته لإنتاج صنوع المسرحي ان تصويره للسادة في مسرحه تصوير ضعيف،
فهم عادة أناس باهتون،
بينما شخصياته الشعبية قوية وواضحة.
ويرى أنه قد لجأ إلى كل الحيل الفنية لكي يستنبط الضحك،
فاستخدم النكات اللفظية والجنسية،
كما استعمل الهزل والفكاهة الراقية،
فقدم من ناحية تهريجا وقدم ايضا أفكارا،
لقد فهم ان المسرح فرجة ولكن يجب أن يحمل رسالة وهدفا.
استمر صنوع في تقديم عروضه على المسرح الذي أنشأه مدة سنتين،
ولكن بعض موضوعاته كتعدد الزوجات،
ونقده للإدارة الحكومية وللخديوي نفسه بسبب بعض المظالم،
وقيام علماء الأزهر بتقليده وتأليف مسرحيات عربية وتمثيلها،
ولأسباب أخرى جعلت الخديوي إسماعيل يصدر قراره سنة 1872 بإغلاق المسرح.
يرى علي الراعي بختام صنوع لأعماله يكون قد اكتمل للمسرح العربي "المجلوب" الأنماط الثلاثة التي ظل يصب فيها أعماله منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن وهي: المسرحية الجادة،
التي تعتمد بالأساس على النص الأدبي،
والمسرحية الكوميدية الانتقادية ذات الأساس الشعبي،
والأوبريت،
أو المسرحية الغنائية.
ويضيف أن المسرح العربي ظل يقدم الأنماط الثلاثة "مقتبسة أو مؤلفة تأليفا متهافتا" حتى أن ظهر المؤلف المحلي،
الذي سنأتي على ذكره لاحقا.
بعد إغلاق مسرح صنوع توقف التمثيل العربي في مصر مدة أربع سنوات إلى أن بدأت الفرق الشامية التي أشرنا إليها سابقا،
تفد إلى مصر،
وتقوم بدور فاعل في نشر المسرح العربي في مصر بل وبعض الدول العربية الأخرى،
كتونس والجزائر.
ومن الأمور الهامة التي تنسب لهذه الفرق أنها فتحت المجال لتعاون شامي مصري،
كمشاركة الشيخ سلامة حجازي في فرقة يوسف الخياط والقرداحي والحداد واسكندر فرح مغنيا أحيانا،
ومغنيا وممثلا أحيانا أخرى،
ومشاركة المغني المصري الشهير عبده الحمولي (1836-1901) في فرقة القباني.
ومع ذلك فإن "بعض النقاد المصريين أمثال لويس عوض يدّعون أن هذه المرحلة الشامية في تاريخ المسرح المصري هي مرحلة عابرة،
رغم أنها امتدت حتى أواخر سنوات العشرين من القرن العشرين،
وظلت قادرة على إيقاف تطور مسرح مصري قومي مثل ذلك الذي أنشأه صنوع ومحمد جلال عثمان".
ذكرنا أن من أهم إفرازات اللقاء الشامي المصري هو بروز فنانين مهمين في تاريخ المسرح العربي الحديث ومنهم الشيخ سلامة حجازي الذي يبدأ تاريخه الخاص في أوائل سنة 1905 حين ألف أول جوق خاص به،
وفيه يقول محمود تيمور: "في شخصية الشيخ سلامة التقت موهبتان أصيلتان،
موهبة التلحين وموهبة التمثيل.
بهما أصبح طرفة فنية نادرة [.
] وأذكر أن الشيخ سلامة حجازي عرّج على إيطاليا في بعض جولاته،
وأحيا هناك حفلات سمعه فيها المغني العالمي كاروزو وشهد له،
ويروى أن الفنانين الايطاليين قالوا: "لو ان ذلك الفنان المصري كان من قومنا لجعلنا منه كاروزو آخر".
لقد جدد الشيخ حجازي كثيرا في مجال الغناء إذ الغى التواشيح والمقدمات والليالي والتقسيمات الموسيقية التي كانت تسبق الغناء وتمهد له تمهيدا طويلا،
وبذلك يكون قد مهد للموسيقى والغناء المسرحيين ومهد الطريق لعملاق الموسيقى المسرحية الشيخ سيد درويش.
أما في مجال التمثيل فهناك من يرى أن التمثيل قد انتقل من طوره الأول إلى طوره الثاني يوم ان احترف الشيخ سلامة التمثيل العربي،
ففي عهده ارتقى اسلوب المعربين وترجمت عدة روايات عن الفرنسية والانجليزية.
وقبل الانتقال الى الحديث عن المؤلف المحلي علينا أن نوضح نقطة هامة جدا وهي أن معظم المسرحيات التي عرضتها الفرق الشامية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر هي مسرحيات مترجمة أو معدة،
بالأساس عن اللغة الفرنسية،
لكتاب معظمهم شاميون،
فاللغة الأوروبية الأساس في مصر منذ محمد علي وحتى الاحتلال الانجليزي لمصر (1882)،
هي اللغة الفرنسية.
ويذكر أن مسرحية "هملت" التي عرضتها فرق القباني وحجازي ويوسف وهبي ترجمت عن الفرنسية لا عن اللغة الانجليزية.
ولعل ما قام به الباحث علي الراعي ما يعطي الإجابة الوافية لهذه القضية بالتحديد حين يتحدث عن الإرهاصات التي سبقت ظهور الكاتب المحلي،
ويتوقف عند المسرحية الاجتماعية "صدق الإخاء" (1894) لمؤلفها إسماعيل عاصم التي ناقشت ترف الأغنياء وتبذيرهم،
والخلل في حرية التعليم وحق تكوين الأحزاب،
وتفرق أهل مصر عن حقهم الذي فتح المجال للأطماع الغربية،
وسهل للغريب احتلال أرضهم.
تكمن أهمية المسرحية في كونها "البشير الأول بقيام المسرحية الاجتماعية المؤلفة [.
] أما المصدر الثاني لأهمية هذه المسرحية على وجه الخصوص،
فهي أنها مضت قدما مع رحلات الفرق الفنية،
فاقتحمت تونس الخضراء".
وكما هو الأمر بالنسبة للرواية العربية الحديثة،
التي سبقتها إرهاصات عديدة،
من تعريب وتمصير وترجمة إلى أن ظهرت رواية التسلية والترفيه والرواية التاريخية،
هكذا حدث في مجال المسرح أيضا.
يشير الراعي إلى المؤلف إبراهيم رمزي (1884-1949) الذي كتب عددا من المسرحيات التاريخية،
الاجتماعية والغنائية وأهمها: "الحاكم بأمر الله" (حوالي 1914)،
و"أبطال المنصورة" (1915)،
و"بنت الإخشيد" (1916)،
و"البدوية" (1918)،
و"إسماعيل الفاتح" (1937)،
و"شاور بن مجيد" (1938)،
والمسرحية الاجتماعية "صرخة طفل" (1923).
وفي الفترة نفسها يظهر كاتب مصري آخر وهو محمد تيمور (1892-1921) الذي أخرج مسرحيات: "العصفور في القفص" (1918)،
و"عبد الستار أفندي" (1918)،
و"الهاوية" (1921)،
وهي مسرحيات ذات أسس أجنبية فرنسية في الغالب الأعم،
قام تيمور بتمصيرها وتقريبها من الواقع المصري،
مبتكرا شخصيات وحوادث قريبة من الواقع المحلي.
وأخيرا يظهر الكاتب الكبير توفيق الحكيم (1898-1987) الذي كان له دور هام جدا في دعم الحركة المسرحية في مصر ابتداء من مسرحيته المفقودة "الضيف الثقيل" (1919)،
حتى أول مسرحية وصلتنا كاملة وهي "المرأة الجديدة" (1923).
يعتبر الكثيرون العقد الثاني من القرن العشرين إحدى أهم المحطات في تاريخ المسرح العربي الحديث،
ويعود الفضل فيه للمسرحي جورج أبيض (1880-1957).
ولد أبيض في بيروت وانهى مرحلته الأولية من الدراسة ولما يبلغ الثانية عشرة،
فترك مدرسة الفرير والتحق بمدرسة الحكمة في بيروت،
وفيها اتقن اللغة العربية التي كانت تهتم بها هذه المدرسة،
ونال شهادتها سنة 1897.
ثم عين في بعض الوظائف،
ولكنه لم يستقر بها إذ غادر لبنان إلى مصر وحل في الاسكندرية أواخر سنة 1898.
ويعتبر عمله "أول خطوة حقيقية نحو إيجاد فن صحيح،
مبني على الدراسة الأصولية،
ومتصل بتراث المسرح الأوروبي العتيد".
فإلى جانب ظهور المؤلف المحلي والملحن المسرحي ظهر لأول مرة الممثل المدرب بالأسلوب العلمي،
فقد عاد من فرنسا في عام 1910 على رأس فرقة فرنسية لتقديم العروض باللغة الفرنسية،
وذلك بعد ان كان الخديوي عباس حلمي قد أوفده إلى هناك سنة 1904،
ودرس فيها أصول المسرح على يدي الممثل الفرنسي المرموق سيلفان،
فأتيح له بذلك أن يلتقي بأساتذة كبار وأن يشاهد الفرق الفنية الكبيرة.
وفي عام 1911 كان الزعيم المصري سعد زغلول وزيرا للمعارف الذي قام بتعديل كل المناهج الدراسية الانجليزية التي وضعها الانجليز لتصبح عربية،
فدعا إليه جورج أبيض الذي قام على الفور بحل فرقته الفرنسية وإرجاع أعضائها إلى فرنسا،
وألف بدلها فرقة عربية،
وعكف بعد ذلك عاما كاملا على إعداد وتعريب المسرحيات التي مثلها باللغة الفرنسية.
وما لبث ان استقطب حوله مجموعة من أفضل المواهب والمحترفين،
مما حفز كبار رجال القلم على التفرغ لأعمال الترجمة والتأليف،
ومن أوائل الترجمات كانت "أوديب ملكا" لسوفوكليس ترجمها فرح أنطون،
و"عطيل" ترجمها خليل مطران.
وكان أول ما افتتحت به الفرقة نشاطها مسرحية شعرية بعنوان "جريح بيروت" من تأليف الشاعر الكبير حافظ إبراهيم.
لقد لاقت خطوة جورج ابيض،
سنة 1912،
العربية ترحيبا وتشجيعا واسعا فأقبل عليه الجمهور للمشاهدة من جميع الطبقات،
وانضم إلى فرقته نخبة من المثقفين ومن ذوي المكانة الاجتماعية الذين كانوا حتى ذلك الحين يرفضون الانخراط في هذه الفنون مثل الممثل والكاتب المسرحي الكبير يوسف وهبي (بك)،
مما أدى إلى ارتفاع مكانة الممثل والنص المسرحي معا.
هذه الخطوة جعلت البعض يعلن أنها بداية مرحلة وانتهاء مرحلة لها خصائصها المميزة،
فقد قدم جورج أبيض مسرحية "مصر الجديدة ومصر القديمة" للكاتب المسرحي فرح أنطون،
وقد اعتبرت آنذاك بأنها أول مسرحية مصرية.
ومن الخطوات الهامة الجديرة بالدراسة والمتابعة هي الخطوة التي قام بها عزيز عيد (1884-1942) حين بدأ يهتم بفن الإخراج،
بصفته فنا مفصولا عن التمثيل أو إدارة الفرق المسرحية،
فعمل مع أبرز الأسماء في تلك الحقبة الزمنية،
فشهد له الكثيرون بدوره الهام مثل الفنانة روز اليوسف والأستاذ زكي طليمات.
في هذه الأثناء كانت الحرب العالمية الأولى تهز العالم كله من مشرق الأرض وحتى مغربها،
وكان من الطبيعي أن يحدث تراجع مؤقت في المسرح وفي غيرها من الفنون ،
لكن ما ان وضعت الحرب أوزارها حتى انتعشت الحركة المسرحية في مصر،
وشهدنا تواصلا أكبر وتبادلا ثقافيا بين الشرق والغرب،
مما أفرز فرقا مسرحية جديدة وجيلا من المثقفين من كتاب ومترجمين ومسرحيين.
كما بدأنا نسمع بأسماء ممثلات ومغنيات مصريات بدأن يظهرن على خشبة المسرح ويأخذن بعض الأدوار المركزية مثل منيرة المهدية (1885-1965) وغيرها.
رأينا أن المسرح بمفهومه الحديث قد وفد إلينا من الغرب،
وبالتحديد منذ حملة نابليون على مصر،
ما يذكرنا بمسيرة القصة والرواية الحديثتين،
رغم الاختلاف بين الموروثين.
لكننا نرى أن الموروث القصصي أعمق واوسع من الموروث التمثيلي.
يقر المسرحيون الاوائل بتأثرهم من المسرح الغربي،
في أخذهم عن المؤلفات الغربية،
لكنهم خنعوا للموروث،
فحاولوا أن يمزجوا بين الحضارتين لجذب المشاهدين،
ثم في فترة لاحقة كان عليهم أن يؤلفوا مسرحيات ذات طابع عربي شرقي.
ونحن نجزم هنا أن التحول في المواضيع والمضامين قد حدث بصورة تدريجية.
بالرغم من تأثر كل من مارون النقاش وصنوع من المسرح الأوروبي وبالرغم من تقليدهما لأصوله،
إلا أننا لاحظنا لجوء كل منهما إلى المواءمة بين الشرق والغرب،
فكلاهما أدخل عناصر شعبية.
فقد اشتهر صنوع،
بالذات،
بدور ابن البلد،
فيما أن ابو خليل القباني قد حافظ على العديد من عناصر الفنون الشعبية الشائعة في أيامه.
لقد اضطر بعض الرواد إلى إدخال بعض الفنون الشرقية لاجتذاب المشاهدين الذين اعتادوا على الفنون الشعبية السابقة للمسرح الحديث،
ولنقل إنها عملية مجاراة للذوق السائد لتسويق أعمالهم من ناحية،
ولإيمانهم بأهمية المسرح الحديث ودوره في يقظة الأمة.
فمن المعروف أن مارون النقاش،
على سبيل المثال قد عرض مسرحية هزلية محلية معروفة في الاستراحة بين الفصول أثناء عرضه لمسرحية "أبو الحسن المغفل" إرضاء للحضور الذي تجاوب معها بانفعال شديد.
يستطيع المتابع للدراسات أن يرى أن الفنون الشعبية كانت منتشرة في العالم العربي منذ مئات السنين،
وأنها أخذت أشكالا مختلفة من قطر لقطر،
وإن كان هناك الكثير من التشابه بين هذه الفنون.
كما نلاحظ أن هذه الفنون قد سبقت ظهور المسرح الحديث،
وقد اختلفت آراء الدارسين في تقييم دور هذه الفنون،
فمنهم من يرى أن لها دورا سلبيا في جعل البعض ينظر إلى المسرح والسينما في بداياتها نظرة استخفاف،
والبعض يرى أنها،
رغم ذلك،
مهدت لظهور المسرح والسينما.
وفي هذا يقول الباحث جوزيف زيدان: "بدون أن أضع نفسي في موقف حرج بالقول إن خيال الظل المعروف للعرب منذ سنة 1171م هو مسرح ذو مكانة عالية رغم أنه لا يخضع للنموذج الأرسطوطاليسي،
فإني أريد أن أقترح وجود علاقة بين هذا النوع وبين المسرح العربي الحديث الذي ظهر حوالي منتصف القرن التاسع عشر".
أما فيما يتعلق بدور المرأة فقد وجدنا تجاهلا شبه تام لدورها،
بل إن مجرد قيام ذكور بأداء دور المرأة كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى إغلاق مسرح النقاش ومسرح القباني.
وحين عملت في الفنون الشعبية فإنها لم تلق تشجيعا ولا تقديرا،
بل استنكارا وتحقيرا.
وكانت عملية تجنيدهن عملية مضنية وشاقة وتحمل نوعا من المغامرة.
إنني اعتقد أننا أحوج ما نكون إلى القيام ببحث يتناول دور المرأة في هذا المجال لنتمكن من إعطاء الإجابة الوافية.
لا شك أن المراحل اللاحقة هي مراحل مهمة في تاريخ المسرح العربي الحديث،
وبالتحديد المرحلة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الأولى وهي تستحق دراسات موسعة يجب أن تشمل دولا وأقطارا عربية شتى لأن المسرح لم يعد يقتصر على مصر وبلاد الشام،
بل تعدى مجمل العالم العربي من مشرقه حتى مغربه.
إننا على دراية أن هناك العديد من الدراسات التي تناولت هذا الجانب ولا تزال أقلام عديدة تتناوله في شتى أقطار الوطن العربي،
آملين أن نجد نحن وغيرنا الوقت الكافي لتناول مسيرة المسرح الفلسطيني.
سيظل بعض الدارسين والباحثين مصرين على تناول موضوع الشرق والغرب وعملية المثاقفة،
ما دام هناك إبداع،
إذ لا يضيرنا أبدا ،
برأيي،
أي اقتباس من الآخر او أي تبادل ثقافي،
ألم نأخذ من الفرس والرومان واليونان في القرون الوسطى؟ ألم تتمكن لغتنا العربية بفضل هذا التبادل الثقافي أن ترقى وتتوسع أكثر؟ وهل يتنكر أحد لدور العرب في "ألف ليلة وليلة"،
و "كليلة ودمنة"،
هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المشابهة قد تمت الإجابة عليها من خلال ما أفرزه التاريخ،
وما كرمت به قرائح المبدعين.


النص الأصلي

لعب رواد المسرح في كل من سوريا ولبنان دورا هاما ومفصليا في وضع اللبنات الأولى للمسرح العربي، لكن هذا الفن تطور وانتعش في مصر. يعزى ذلك إلى شبه الاستقلال الذي تمتعت به مصر، في تلك الحقبة الزمنية، وبعدها الجغرافي عن مركز الخلافة العثمانية. فقد قام الخديوي اسماعيل ببناء دار للأوبرا (1869)، بينما تعرضت بلاد الشام، في تلك الفترة، لحركة قمع فكرية عثمانية تركية، مما حدا بكثير من الفنانين والشعراء إلى النزوح من بلاد الشام إلى مصر. وكانت أول فرقة مسرحية وفدت آنذاك (1876-1877) هي فرقة سليم النقاش حيث نزلت في الاسكندرية الأكثر تحررا. تألفت الفرقة من اثني عشر ممثلا وأربع ممثلات، قامت بتقديم بعض التمثيليات المترجمة عن اللغة الفرنسية، خلف سليم النقاش في الإشراف على الفرقة زميله يوسف خياط (1877-1895). كما ظهرت فرق شامية أخرى لعبت دورا مهما على ساحة المسرح المصري وهي فرقة سليمان القرداحي (1882-1909)، وفرقة سليمان الحداد (1887)، وفرقة اسكندر فرح (1881-1909)، هذا إضافة إلى فرقة أبو خليل القباني التي وصلت مصر هي الأخرى في نفس الفترة الزمنية (1884-1909) لتتابع عملها المسرحي الذي بدأته في سوريا.
يؤكد الباحث محمد مندور على أهمية ما قام به أهل الشام، مشيرا إلى انتقال أهم تلك الفرق من هناك والإقامة في مصر، كما ذكرنا أعلاه، ويضيف أنه كان لهؤلاء السوريين، بنوع خاص، فضل في ظهور رائد فن الأوبرا والأوبريت المصري الشيخ سلامة حجازي (1852-1917) الذي أخذ هذا الفن عن القباني قبل أن يستقل ويكون فرقته الخاصة التي عملت من سنة 1905-1914. لم يقتصر دور السوريين على دورهم الريادي في إنشاء الفرق والمسارح بل ساهموا مساهمة كبرى في ترجمة وتعريب وتحضير الكثير من المسرحيات الغربية قبل وأثناء وبعد مساهمة المصريين في تلك الحركة. إن ظهور هذه الفرق الشامية في سنوات السبعين على أرض مصر مثلت نهاية مرحلة وبداية لمرحلة جديدة، فقد أصبح المسرح تجاريا وأكثر تنظيما عما كان عليه من قبل.
قدمنا أعلاه استعراضا موجزا لدور رواد المسرح في بلاد الشام، وبالتحديد في لبنان وسوريا، وبدا للقارئ والمتابع أن هذا الفن الحديث قد وضع لبناته الأولى هناك. وعليه يطرح السؤال ما هو الدور الذي لعبته مصر نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؟




يشير الباحثون إلى عدم وجود فن مسرحي عربي في مصر، بشكله المألوف اليوم، في القرن الثامن عشر، بل نراهم يتحدثون عن انتشار الفنون الشعبية الاستعراضية على اختلافها، وهم يعتمدون في معلوماتهم هذه على ما رواه بعض الرحالة، واولهم الدانمركي كارستين نيبور الذي وصل الاسكندرية سنة 1761. يتحدث نيبور عن عروض الشوارع بشكل دقيق، مشيرا، أولا، إلى فن الغوازي اللواتي يعملن لقاء أجر زهيد. تتكون هذه الفرق من مجموعة راقصات غجريات غير متزوجات يرقصن في الأماكن العامة وفي البيوت في مناسبات الأفراح. وكان مصدر رزقهن الزهيد يتقاضينه حين يؤدين رقصاتهن مقابل بيوت الأوروبيين المنتشرة عند الشاطئ.
بعد ذلك يتحدث نيبور عن فني الأراجوز وخيال الظل. فيقول إن فن الأراجوز منتشر في أرجاء القاهرة، وإن لم يتطور، برأيه، رغم تقادم السنين، ويضيف انه فن جدير بالاهتمام لولا ان متفرجي القاهرة يجعلون تمثيلياته مقززة. أما خيال الظل فهو محبوب جدا في الشرق، وإن لم ترق له باباته نظرا لسخريتها من عادات الأوروبيين ولباسهم. كما يتحدث عما شاهده من فنون شعبية أخرى واستخدامهم الحيوانات في ألعابهم، خاصة القرود، للإمتاع والمؤانسة.
بعد ذلك ينتقل للحديث عن فن المسرح الذي فاجأه حين يكتشف أن هناك عددا كبيرا من الممثلين من مسلمين، مسيحيين ويهود يمثلون حيثما يدعون، وفي الهواء الطلق، لقاء أجر زهيد جدا. فقام نيبور باستدعائهم ليمثلوا في بيت صديق إيطالي لم يُعجب بهذا التمثيل لا هو ولا أصدقاؤه. كانت بطلة المسرحية امرأة قام رجل ملتح بأداء دورها دون أن يوفق في إخفاء لحيته.
بعد خمسة وثلاثين عاما يمر بمصر سائح أوروبي آخر يدعى بلزوني، وهو إيطالي الجنسية قام بتسجيل بعض ما شاهده من تمثيل الفنانين الجوالين المعروفين باسم "المحبظين"، شاهد مسرحيتين قدمتها فرقة شعبية مصرية في احتفال أقيم في شبرا سنة 1815.
بعد هذا التاريخ بحوالي خمسة عشر عاما نجد المستشرق إدوارد لين يتحدث عن فرق "المحبظين" الذين يضحكون الناس بنكات هابطة مفسدة. وكان هؤلاء يُشاهدون في حفلات الزواج والختان في بيوت الكبراء، وأحيانا في ميادين القاهرة العامة يتحلق المشاهدون حولهم. لم يكن بين هؤلاء "المحبظين" أي امرأة، بل كان يقوم بهذا الدور رجال وصبيان في لباس امرأة.




هذه "الفنون" الشعبية لم تخلق مسرحا عربيا حديثا، أما المسرح بمفهومه الحديث فقد عرف طريقه إلى مصر مع حملة نابليون إلى مصر (سنة 1798)، فقد شهدت قيام أول مسرح أوروبي للتمثيل في العالم العربي، أنشأه الجنرال مينو سنة 1799 وأطلق عليه، كما يقول جرجي زيدان، "مرسح الجمهورية للفنون"، وقد ذكر الجبرتي أن أفراد الجالية الفرنسية كانوا يعرضون فيه مسرحياتهم أمام الفرنسيين للتسلية والترفيه، مرة كل عشرة أيام، ولكنه كان قصير العمر. ثم لا تذكر المصادر شيئا عن اهتمام الغربيين بالتمثيل في مصر حتى وصل إلى الحكم محمد علي باشا (1805)، فمُهدت الطريق أمام الأجانب بالذات الفرنسيين منهم لإقامة مسرح جديد، ومن ثم إقامة مسارح أوروبية حديثة في عصر سعيد باشا، بالذات في القاهرة التي سبقت الاسكندرية في هذا المجال.
شهدت فترة الخديوي اسماعيل، الذي حكم مصر ست عشرة سنة (1863-1879)، انتعاشا وانتشارا للعديد من الفنون، وقد عرف عنه ميله إلى تمدين مصر لتقترب أكثر من الغرب، فاهتم، بشكل خاص، بإقامة مسارح أوروبية على أرض مصر أواخر الستينات من القرن التاسع عشر. فقد أنشأ مسرح الأزبكية سنة 1868، ليقدم خدماته للفرق الأجنبية الوافدة إلى مصر، ثم بنى مسرح دار الأوبرا ليتمكن من استيعاب عرض أوبرا "عايدة" بمناسبة افتتاح قناة السويس سنة 1869، كانت هاتان القاعتان أوروبيتي الطابع كليا. بعد ذلك تم بناء عدد من المسارح في القاهرة والاسكندرية لخدمة الفرق الأوروبية الوافدة إلى مصر.




لعل أول خطوة جدية في سبيل إقامة مسرح عربي في مصر هي تلك الخطوة التي قام بها يعقوب صنوع (1839-1912)، المولود في القاهرة لأبوين يهوديين. كان صنوع ذا ثقافة واسعة ومتشعبة، درس في صباه التوراة ثم درس الإنجيل والقرآن. كان أبوه مستشارا للأمير أحمد يكن حفيد محمد علي فأرسله الأمير إلى إيطاليا، بعد أن لاحظ عليه سمات الذكاء والنبوغ. درس على نفقته ثلاث سنوات (1852-1855)، فتسنى له بذلك أن يطلع على ثقافة البلاد. وكان يتقن العربية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والأسبانية والمجرية والروسية والبولونية والعبرية. انهمك حال عودته إلى مصر في العمل الصحفي يكتب المقالات في الصحف والمجلات، ويكتب الدراسات والقصص القصيرة والشعر في عدة لغات، العربية، الفرنسية، الإيطالية والإنجليزية.
عاشر صنوع الكبراء ودخل بيوتهم وعلم أبناءهم اللغات والعلوم الأوروبية، وبناتهم الفنون الزخرفية والموسيقى. رأى، بفضل ذكائه وخبرته التي اكتسبها في إيطاليا، أنه من الضروري بناء مسرح حديث على طراز غربي لإيمانه أن المسرح أداة فعالة في إنهاض الشعوب، فقام باختيار الممثلين وتعليمهم فن المسرح، ومن ثم التأليف لهم، وهناك من يقول إن المصلح جمال الدين الأفغاني قد نصحه بإنشاء مسرح يتعرض للأوضاع السياسية في مصر وأن ينشر هذه الأفكار بين طبقات الشعب الفقيرة.
يقر صنوع هو أيضا بفضل المسرح الأوروبي عليه، كما أقر بذلك من قبله مارون النقاش، وذلك في محاضرة له كان قد ألقاها في باريس سنة 1903 يتحدث فيها عن مسرحه وعن مساهمته في إنشاء المسرح العربي الحديث، جاء فيها: "ولد هذا المسرح في مقهى كبير، كانت تعزف فيه الموسيقى في الهواء الطلق، وذلك في وسط حديقتنا الجميلة (الأزبكية)، في ذلك الحين أي في سنة 1870. كان ثمة فرقة فرنسية قوية تتألف من الموسيقيين والمطربين والممثلين، وفرقة تمثيلية إيطالية، وكانتا تقومان بتسلية الجاليات الأوروبية في القاهرة. وكنت أشترك في جميع تلك التمثيليات التي تقدم في ذلك المقهى [...]، وإذا كان لا بد لي من أن أعترف، فلأقل إذن، إن الهزليات والملاهي والغنائيات والمسرحيات العصرية التي قدمت في ذلك المسرح هي التي أوحت إلي بفكرة إنشاء مسرحي العربي، [...] وقبل أن أقدم على إنشاء مسرحي المتواضع، قمت بدراسة جدية للكتاب والمسرحيين الأوروبيين، [...] وعندما أحسست بأنني أصبحت متمكنا، إلى حد ما، من الفن المسرحي، كتبت غنائية في فصل واحد، باللغة العامية، وأقحمت فيها بعض الأغاني الشعبية [...] ولقد شجعني نجاح هذه المسرحية على ألا أتوقف أبدا، بل مضيت في سبيلي قدما، وكان علي أن أؤلف فرقة تمثيلية حقيقية تضم ممثلات من النساء، لا من رجال تنكروا في أزياء نساء. ولقد وفقت في ذلك الحين على العثور على فتاتين فقيرتين جميلتين كانتا على جانب كبير من الخلق القويم. [...] وبعد مرور أربعة أشهر على قيام هذا المسرح القومي، دعاني الخديوي إسماعيل وفرقتي إلى التمثيل على مسرحه الخاص في قصر النيل، وبعد أن مثلت مسرحيتين، قال لي أمام الوزراء وكبار رجال القصر: نحن ندين لك بإنشاء مسرحنا القومي فإن كوميدياتك وغنائياتك ومآسيك قد عرّفت الشعب على الفن المسرحي، فاذهب فإنك موليير مصر، وسيبقى اسمك كذلك أبدا".
تابع صنوع في مسيرته يؤلف المسرحيات ويخرجها ويدرب الممثلين على تأدية أدوارهم حتى بلغت مسرحياته اثنتين وثلاثين، معظمها تصوير للواقع الذي تعيشه مصر وانتقاد للتخلف والواقع الاجتماعي في تلك الأيام، "وفي هذه المسرحيات يسير الأثر الأوروبي والأثر الشعبي جنبا إلى جنب داخل القالب الغربي، وإن كانت الحياة العملية الحافلة التي عاشها صنوع، قد جعلته أكثر من سلفيه قربا من الناس العاديين وأقدر على ملاحظتهم وهم يضطربون في حياتهم اليومية".
لفت صنوع نظر المؤرخين والمحللين والدارسين حتى رأينا محرر الساتردي ريفيو يصف، في عددها الصادر في 26 يوليو سنة 1876، دور صنوع بخالق المسرح العربي وحده لكونه المؤلف والممثل والمدير والملقن، ويضيف ان ما يثير الاعجاب حقا هو تقمصه شخصية الفلاح المصري حين يقوم بهذا الدور فيحلو لك سماع ملاحظاته اللاذعة وضحكاته البريئة، إلى جانب عبراته الصامتة وهي تتساقط على خديه الضامرين، فهو قادر على ان يجمع في شخصه شعبا بأكمله.
يلاحظ الراعي بعد قراءته لإنتاج صنوع المسرحي ان تصويره للسادة في مسرحه تصوير ضعيف، فهم عادة أناس باهتون، بينما شخصياته الشعبية قوية وواضحة. ويرى أنه قد لجأ إلى كل الحيل الفنية لكي يستنبط الضحك، فاستخدم النكات اللفظية والجنسية، كما استعمل الهزل والفكاهة الراقية، فقدم من ناحية تهريجا وقدم ايضا أفكارا، لقد فهم ان المسرح فرجة ولكن يجب أن يحمل رسالة وهدفا.
استمر صنوع في تقديم عروضه على المسرح الذي أنشأه مدة سنتين، ولكن بعض موضوعاته كتعدد الزوجات، ونقده للإدارة الحكومية وللخديوي نفسه بسبب بعض المظالم، وقيام علماء الأزهر بتقليده وتأليف مسرحيات عربية وتمثيلها، ولأسباب أخرى جعلت الخديوي إسماعيل يصدر قراره سنة 1872 بإغلاق المسرح.
يرى علي الراعي بختام صنوع لأعماله يكون قد اكتمل للمسرح العربي "المجلوب" الأنماط الثلاثة التي ظل يصب فيها أعماله منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن وهي: المسرحية الجادة، التي تعتمد بالأساس على النص الأدبي، والمسرحية الكوميدية الانتقادية ذات الأساس الشعبي، والأوبريت، أو المسرحية الغنائية. ويضيف أن المسرح العربي ظل يقدم الأنماط الثلاثة "مقتبسة أو مؤلفة تأليفا متهافتا" حتى أن ظهر المؤلف المحلي، الذي سنأتي على ذكره لاحقا.
بعد إغلاق مسرح صنوع توقف التمثيل العربي في مصر مدة أربع سنوات إلى أن بدأت الفرق الشامية التي أشرنا إليها سابقا، تفد إلى مصر، وتقوم بدور فاعل في نشر المسرح العربي في مصر بل وبعض الدول العربية الأخرى، كتونس والجزائر. ومن الأمور الهامة التي تنسب لهذه الفرق أنها فتحت المجال لتعاون شامي مصري، كمشاركة الشيخ سلامة حجازي في فرقة يوسف الخياط والقرداحي والحداد واسكندر فرح مغنيا أحيانا، ومغنيا وممثلا أحيانا أخرى، ومشاركة المغني المصري الشهير عبده الحمولي (1836-1901) في فرقة القباني. ومع ذلك فإن "بعض النقاد المصريين أمثال لويس عوض يدّعون أن هذه المرحلة الشامية في تاريخ المسرح المصري هي مرحلة عابرة، رغم أنها امتدت حتى أواخر سنوات العشرين من القرن العشرين، وظلت قادرة على إيقاف تطور مسرح مصري قومي مثل ذلك الذي أنشأه صنوع ومحمد جلال عثمان".
ذكرنا أن من أهم إفرازات اللقاء الشامي المصري هو بروز فنانين مهمين في تاريخ المسرح العربي الحديث ومنهم الشيخ سلامة حجازي الذي يبدأ تاريخه الخاص في أوائل سنة 1905 حين ألف أول جوق خاص به، وفيه يقول محمود تيمور: "في شخصية الشيخ سلامة التقت موهبتان أصيلتان، موهبة التلحين وموهبة التمثيل. بهما أصبح طرفة فنية نادرة [...] وأذكر أن الشيخ سلامة حجازي عرّج على إيطاليا في بعض جولاته، وأحيا هناك حفلات سمعه فيها المغني العالمي كاروزو وشهد له، ويروى أن الفنانين الايطاليين قالوا: "لو ان ذلك الفنان المصري كان من قومنا لجعلنا منه كاروزو آخر".
لقد جدد الشيخ حجازي كثيرا في مجال الغناء إذ الغى التواشيح والمقدمات والليالي والتقسيمات الموسيقية التي كانت تسبق الغناء وتمهد له تمهيدا طويلا، وبذلك يكون قد مهد للموسيقى والغناء المسرحيين ومهد الطريق لعملاق الموسيقى المسرحية الشيخ سيد درويش. أما في مجال التمثيل فهناك من يرى أن التمثيل قد انتقل من طوره الأول إلى طوره الثاني يوم ان احترف الشيخ سلامة التمثيل العربي، ففي عهده ارتقى اسلوب المعربين وترجمت عدة روايات عن الفرنسية والانجليزية.




وقبل الانتقال الى الحديث عن المؤلف المحلي علينا أن نوضح نقطة هامة جدا وهي أن معظم المسرحيات التي عرضتها الفرق الشامية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر هي مسرحيات مترجمة أو معدة، بالأساس عن اللغة الفرنسية، لكتاب معظمهم شاميون، فاللغة الأوروبية الأساس في مصر منذ محمد علي وحتى الاحتلال الانجليزي لمصر (1882)، هي اللغة الفرنسية. ويذكر أن مسرحية "هملت" التي عرضتها فرق القباني وحجازي ويوسف وهبي ترجمت عن الفرنسية لا عن اللغة الانجليزية.
ولعل ما قام به الباحث علي الراعي ما يعطي الإجابة الوافية لهذه القضية بالتحديد حين يتحدث عن الإرهاصات التي سبقت ظهور الكاتب المحلي، ويتوقف عند المسرحية الاجتماعية "صدق الإخاء" (1894) لمؤلفها إسماعيل عاصم التي ناقشت ترف الأغنياء وتبذيرهم، والخلل في حرية التعليم وحق تكوين الأحزاب، وتفرق أهل مصر عن حقهم الذي فتح المجال للأطماع الغربية، وسهل للغريب احتلال أرضهم. تكمن أهمية المسرحية في كونها "البشير الأول بقيام المسرحية الاجتماعية المؤلفة [...] أما المصدر الثاني لأهمية هذه المسرحية على وجه الخصوص، فهي أنها مضت قدما مع رحلات الفرق الفنية، فاقتحمت تونس الخضراء".
وكما هو الأمر بالنسبة للرواية العربية الحديثة، التي سبقتها إرهاصات عديدة، من تعريب وتمصير وترجمة إلى أن ظهرت رواية التسلية والترفيه والرواية التاريخية، هكذا حدث في مجال المسرح أيضا. يشير الراعي إلى المؤلف إبراهيم رمزي (1884-1949) الذي كتب عددا من المسرحيات التاريخية، الاجتماعية والغنائية وأهمها: "الحاكم بأمر الله" (حوالي 1914)، و"أبطال المنصورة" (1915)، و"بنت الإخشيد" (1916)، و"البدوية" (1918)، و"إسماعيل الفاتح" (1937)، و"شاور بن مجيد" (1938)، والمسرحية الاجتماعية "صرخة طفل" (1923). وفي الفترة نفسها يظهر كاتب مصري آخر وهو محمد تيمور (1892-1921) الذي أخرج مسرحيات: "العصفور في القفص" (1918)، و"عبد الستار أفندي" (1918)، و"الهاوية" (1921)، وهي مسرحيات ذات أسس أجنبية فرنسية في الغالب الأعم، قام تيمور بتمصيرها وتقريبها من الواقع المصري، مبتكرا شخصيات وحوادث قريبة من الواقع المحلي. وأخيرا يظهر الكاتب الكبير توفيق الحكيم (1898-1987) الذي كان له دور هام جدا في دعم الحركة المسرحية في مصر ابتداء من مسرحيته المفقودة "الضيف الثقيل" (1919)، حتى أول مسرحية وصلتنا كاملة وهي "المرأة الجديدة" (1923).




يعتبر الكثيرون العقد الثاني من القرن العشرين إحدى أهم المحطات في تاريخ المسرح العربي الحديث، ويعود الفضل فيه للمسرحي جورج أبيض (1880-1957). ولد أبيض في بيروت وانهى مرحلته الأولية من الدراسة ولما يبلغ الثانية عشرة، فترك مدرسة الفرير والتحق بمدرسة الحكمة في بيروت، وفيها اتقن اللغة العربية التي كانت تهتم بها هذه المدرسة، ونال شهادتها سنة 1897. ثم عين في بعض الوظائف، ولكنه لم يستقر بها إذ غادر لبنان إلى مصر وحل في الاسكندرية أواخر سنة 1898.
ويعتبر عمله "أول خطوة حقيقية نحو إيجاد فن صحيح، مبني على الدراسة الأصولية، ومتصل بتراث المسرح الأوروبي العتيد". فإلى جانب ظهور المؤلف المحلي والملحن المسرحي ظهر لأول مرة الممثل المدرب بالأسلوب العلمي، فقد عاد من فرنسا في عام 1910 على رأس فرقة فرنسية لتقديم العروض باللغة الفرنسية، وذلك بعد ان كان الخديوي عباس حلمي قد أوفده إلى هناك سنة 1904، ودرس فيها أصول المسرح على يدي الممثل الفرنسي المرموق سيلفان، فأتيح له بذلك أن يلتقي بأساتذة كبار وأن يشاهد الفرق الفنية الكبيرة.
وفي عام 1911 كان الزعيم المصري سعد زغلول وزيرا للمعارف الذي قام بتعديل كل المناهج الدراسية الانجليزية التي وضعها الانجليز لتصبح عربية، فدعا إليه جورج أبيض الذي قام على الفور بحل فرقته الفرنسية وإرجاع أعضائها إلى فرنسا، وألف بدلها فرقة عربية، وعكف بعد ذلك عاما كاملا على إعداد وتعريب المسرحيات التي مثلها باللغة الفرنسية. وما لبث ان استقطب حوله مجموعة من أفضل المواهب والمحترفين، مما حفز كبار رجال القلم على التفرغ لأعمال الترجمة والتأليف، ومن أوائل الترجمات كانت "أوديب ملكا" لسوفوكليس ترجمها فرح أنطون، و"عطيل" ترجمها خليل مطران. وكان أول ما افتتحت به الفرقة نشاطها مسرحية شعرية بعنوان "جريح بيروت" من تأليف الشاعر الكبير حافظ إبراهيم.
لقد لاقت خطوة جورج ابيض، سنة 1912، العربية ترحيبا وتشجيعا واسعا فأقبل عليه الجمهور للمشاهدة من جميع الطبقات، وانضم إلى فرقته نخبة من المثقفين ومن ذوي المكانة الاجتماعية الذين كانوا حتى ذلك الحين يرفضون الانخراط في هذه الفنون مثل الممثل والكاتب المسرحي الكبير يوسف وهبي (بك)، مما أدى إلى ارتفاع مكانة الممثل والنص المسرحي معا. هذه الخطوة جعلت البعض يعلن أنها بداية مرحلة وانتهاء مرحلة لها خصائصها المميزة، فقد قدم جورج أبيض مسرحية "مصر الجديدة ومصر القديمة" للكاتب المسرحي فرح أنطون، وقد اعتبرت آنذاك بأنها أول مسرحية مصرية.
ومن الخطوات الهامة الجديرة بالدراسة والمتابعة هي الخطوة التي قام بها عزيز عيد (1884-1942) حين بدأ يهتم بفن الإخراج، بصفته فنا مفصولا عن التمثيل أو إدارة الفرق المسرحية، فعمل مع أبرز الأسماء في تلك الحقبة الزمنية، فشهد له الكثيرون بدوره الهام مثل الفنانة روز اليوسف والأستاذ زكي طليمات.
في هذه الأثناء كانت الحرب العالمية الأولى تهز العالم كله من مشرق الأرض وحتى مغربها، وكان من الطبيعي أن يحدث تراجع مؤقت في المسرح وفي غيرها من الفنون ، لكن ما ان وضعت الحرب أوزارها حتى انتعشت الحركة المسرحية في مصر، وشهدنا تواصلا أكبر وتبادلا ثقافيا بين الشرق والغرب، مما أفرز فرقا مسرحية جديدة وجيلا من المثقفين من كتاب ومترجمين ومسرحيين. كما بدأنا نسمع بأسماء ممثلات ومغنيات مصريات بدأن يظهرن على خشبة المسرح ويأخذن بعض الأدوار المركزية مثل منيرة المهدية (1885-1965) وغيرها.




رأينا أن المسرح بمفهومه الحديث قد وفد إلينا من الغرب، وبالتحديد منذ حملة نابليون على مصر، ما يذكرنا بمسيرة القصة والرواية الحديثتين، رغم الاختلاف بين الموروثين. لكننا نرى أن الموروث القصصي أعمق واوسع من الموروث التمثيلي.
يقر المسرحيون الاوائل بتأثرهم من المسرح الغربي، في أخذهم عن المؤلفات الغربية، لكنهم خنعوا للموروث، فحاولوا أن يمزجوا بين الحضارتين لجذب المشاهدين، ثم في فترة لاحقة كان عليهم أن يؤلفوا مسرحيات ذات طابع عربي شرقي. ونحن نجزم هنا أن التحول في المواضيع والمضامين قد حدث بصورة تدريجية.
بالرغم من تأثر كل من مارون النقاش وصنوع من المسرح الأوروبي وبالرغم من تقليدهما لأصوله، إلا أننا لاحظنا لجوء كل منهما إلى المواءمة بين الشرق والغرب، فكلاهما أدخل عناصر شعبية. فقد اشتهر صنوع، بالذات، بدور ابن البلد، فيما أن ابو خليل القباني قد حافظ على العديد من عناصر الفنون الشعبية الشائعة في أيامه.
لقد اضطر بعض الرواد إلى إدخال بعض الفنون الشرقية لاجتذاب المشاهدين الذين اعتادوا على الفنون الشعبية السابقة للمسرح الحديث، ولنقل إنها عملية مجاراة للذوق السائد لتسويق أعمالهم من ناحية، ولإيمانهم بأهمية المسرح الحديث ودوره في يقظة الأمة. فمن المعروف أن مارون النقاش، على سبيل المثال قد عرض مسرحية هزلية محلية معروفة في الاستراحة بين الفصول أثناء عرضه لمسرحية "أبو الحسن المغفل" إرضاء للحضور الذي تجاوب معها بانفعال شديد.
يستطيع المتابع للدراسات أن يرى أن الفنون الشعبية كانت منتشرة في العالم العربي منذ مئات السنين، وأنها أخذت أشكالا مختلفة من قطر لقطر، وإن كان هناك الكثير من التشابه بين هذه الفنون. كما نلاحظ أن هذه الفنون قد سبقت ظهور المسرح الحديث، وقد اختلفت آراء الدارسين في تقييم دور هذه الفنون، فمنهم من يرى أن لها دورا سلبيا في جعل البعض ينظر إلى المسرح والسينما في بداياتها نظرة استخفاف، والبعض يرى أنها، رغم ذلك، مهدت لظهور المسرح والسينما. وفي هذا يقول الباحث جوزيف زيدان: "بدون أن أضع نفسي في موقف حرج بالقول إن خيال الظل المعروف للعرب منذ سنة 1171م هو مسرح ذو مكانة عالية رغم أنه لا يخضع للنموذج الأرسطوطاليسي، فإني أريد أن أقترح وجود علاقة بين هذا النوع وبين المسرح العربي الحديث الذي ظهر حوالي منتصف القرن التاسع عشر".
أما فيما يتعلق بدور المرأة فقد وجدنا تجاهلا شبه تام لدورها، بل إن مجرد قيام ذكور بأداء دور المرأة كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى إغلاق مسرح النقاش ومسرح القباني. وحين عملت في الفنون الشعبية فإنها لم تلق تشجيعا ولا تقديرا، بل استنكارا وتحقيرا. وكانت عملية تجنيدهن عملية مضنية وشاقة وتحمل نوعا من المغامرة. إنني اعتقد أننا أحوج ما نكون إلى القيام ببحث يتناول دور المرأة في هذا المجال لنتمكن من إعطاء الإجابة الوافية.
لا شك أن المراحل اللاحقة هي مراحل مهمة في تاريخ المسرح العربي الحديث، وبالتحديد المرحلة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الأولى وهي تستحق دراسات موسعة يجب أن تشمل دولا وأقطارا عربية شتى لأن المسرح لم يعد يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل تعدى مجمل العالم العربي من مشرقه حتى مغربه. إننا على دراية أن هناك العديد من الدراسات التي تناولت هذا الجانب ولا تزال أقلام عديدة تتناوله في شتى أقطار الوطن العربي، آملين أن نجد نحن وغيرنا الوقت الكافي لتناول مسيرة المسرح الفلسطيني.
سيظل بعض الدارسين والباحثين مصرين على تناول موضوع الشرق والغرب وعملية المثاقفة، ما دام هناك إبداع، إذ لا يضيرنا أبدا ،برأيي، أي اقتباس من الآخر او أي تبادل ثقافي، ألم نأخذ من الفرس والرومان واليونان في القرون الوسطى؟ ألم تتمكن لغتنا العربية بفضل هذا التبادل الثقافي أن ترقى وتتوسع أكثر؟ وهل يتنكر أحد لدور العرب في "ألف ليلة وليلة"، و "كليلة ودمنة"، رغم أن أصولهما ليست عربية؟ ألم يتبوأ العرب حينذاك موقع الصدارة في العلم والأدب بعد أن كانوا قد استفادوا وأفادوا؟
هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المشابهة قد تمت الإجابة عليها من خلال ما أفرزه التاريخ، وما كرمت به قرائح المبدعين.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

من وجهة نظر الد...

من وجهة نظر الدكتور علي عجوة، الهدف الرئيسي للبحوث في مجال العلاقات العامة هو فهم أعمق للعلاقات بين ...

My family and I...

My family and I had a very great holiday, we found a very flight to Mecca and we went there. we stay...

نحو تنمية مستدي...

نحو تنمية مستديمهة التنمية المستديمة هي التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال...

Приступая к изу...

Приступая к изучению этого вопроса, необходимо выделить цель Новой Экономической Политики, которая, ...

Home Technology...

Home Technology Engineering Mechanical Engineering History The laser is an outgrowth of a suggestion...

. بإمكان وسائل ...

. بإمكان وسائل الإعلام أن ينجم عنها نتائج إيجابية أو سلبية. غالباً ما يقال – ونقوله هنا – إنّ وسائل ...

أنواع المقاصد ب...

أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم التشريع وخصوصه نتناول في هذا المقال - بمشيئة هللا تعالى - تقسيم ا...

Early in fetal ...

Early in fetal development, primitivegerm cells in the ovaries differentiate into oogonia. These ...

يتكون الطبع pri...

يتكون الطبع print عندما تترك المخلوقات طبعة أثارها على المواد الرسوبية الطرية، وعندما تجف هذه الرواس...

Democratic and ...

Democratic and Popular Algerian Republic Ministry of Higher Education and Scientific Research Ahmed ...

❑ معاملةالسطح •...

❑ معاملةالسطح • ترتبط معاملةالسطح بصفةأساسيةباألنماط، حيث أن معاملةالسطح هي الطريقةأو الطرق التي اتب...

Diana Taurasi I...

Diana Taurasi Issues Five-Word Warning to Caitlin Clark Amid WNBA Struggles.Caitlin Clark's WNBA car...