لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

أولاً: تعريفات حول اليوم الآخر ٢- سبب تسميته بذلك: لأنه لا يوم بعده؛ 1. معنى الإيمان باليوم الآخر: التصديق الجازم بإتيانه، والعمل بموجب ذلك . 2. مفهوم الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر يشمل كل ما ورد في أخبار ذلك اليوم، فيدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها، وبالموت وما بعده من فتنة القبر، الذي أعلاه النظر إلى وجه اللّٰه - عز وجل - وبالنار وعذابها الذي أشده حجب أهلها عن ربهم - عز وجل(٢) 3. ٥- أسماء اليوم الآخر: عدد بعض العلماء أسماء اليوم الآخر، وشرع في شرحها . للإيمان باليوم الآخر أهمية عظمى، ومما يدل على ذلك ما يلي: واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)(١) . 1. كثرة وروده في نصوص الشرع: فقل أن تمر على صفحة من القرآن الكريم إلا وتجد فيها حديثاً عن اليوم الآخر، وما فيه من ثواب وعقاب . 2. كثرة ارتباطه بالإيمان بالله - تعالى -: فكثيراً ما يرد في القرآن الكريم، والسنة النبوية ذكر اليوم الآخر مرتبطاً بالإيمان بالله. 
قال اللّٰه - تعالى -: ( لَيْسَ البرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ البَرَّ مَنْ آمَنَ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِر) [البقرة: ١٧٧]. 
وقال النبي - عليه الصلاة والسلام - : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»(٢) . 3. كثرة الثناء على المؤمنين به، والذم للكافرين به: قال اللّٰه - تعالى - في وصف المؤمنين: (وَهُم بِالآخرَةِ هُمْ يُوقَنُونَ ٣ وقال في وصف الكافرين : ( وَهُم بالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) [هود: ١٩] . وذكر تفاصيله. 2. كثرة أسماء اليوم الآخر: فلليوم الآخر أسماء كثيرة، وكثرة هوله . ١) كلام العرب . وله نظائر؛ فالقيامة لما عظم أمرها، هذا وقد ورد شيء من أسماء ذلك اليوم في فقرة سابقة. وهذا ما سيتبين في الفقرة التالية. ثالثاً: ثمرات الإيمان باليوم الآخر وعبوديات متنوعة، ومن ذلك ما يلي : ١- أداء عبادة اللّٰه - عز وجل -: فالإيمان باليوم الآخر مما تعبدنا اللّٰه

  • تعالى - به . وكمال المخلوق في تحقيقه العبودية لربه. التي لا يصح إيمان بدونها. وعلت درجته . 2. انبعاث الرجاء والخوف: فالإيمان باليوم الآخر يحمل على فعل الطاعات؛ خوفاً من عقاب ذلك اليوم. وما فيه من النعيم المقيم لأهل الطاعة، وعدله، وحكمته: حيث يجازي من يستحق العذاب عدله، ويجازي من يستحق الثواب بفضله . 
وإنما يُعلم ذلك بمعرفة ما يكون في الآخرة من الجزاء والحساب . وإن كانت الضراء أعد لها الصبر . وليس ذلك لأحد غير المؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»(١). قال القرطبي - رحمه اللّٰه _: ((فاعلم أن ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج من هذه الدار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية . ونعمة ومحنة، والموت أصعب منه، لقطعه عنها» (٢) . ٦- قيام الأخلاق الجميلة: فالإيمان باليوم الآخر يورث للإنسان أخلاقاً فيورثه - على سبيل المثال - خُلُق البذل، والإنفاق ؛ فتراه يُؤثِر أعمال البر بجانب من ماله ولو كان به خصاصة، وتراه بنفق إنفاق من لا يخشى الفقر . فتراه يُقدِم في سبيل اللّٰه غير هياب من الموت؛ وأهنأ راحة، والإيمان باليوم الآخر يورث صاحبه خلق التواضع؛ لعلمه بأن الكبر الله وحده، وبذلك لا ينزعج لحلول مكروه، أو (النقل) ويقابله مصطلح آخر وهو مصطلح (العقل) . ومصطلح السمعيات من مصطلحات أهل الكلام، وإن كان الأولى استعمال المصطلح الشرعي. وبما أن هذا المصطلح يرد كثيراً، وأن معظم مباحث هذا الكتاب داخلة في باب السمعيات - فهذه وقفة حوله، ثم يُعرَّج بعد ذلك إلى ما يقابله وهو (العقل) ثم يبين أنه لا تعارض بينهما. حيث تدل عليه، ٢- النقل ٧- الأدلة من الكتاب والسنة ٨- الأدلة الشرعية ٩- الشرع وتصديقها سواء أدرك الإنسان معناها أم لم يدركه؛ على التسليم لله، وتصديق خبره، والانقياد لأمره. وهو من أجمع التعاريف (١) ب- ابتداء وجود العقل: يقول الفيروز بادي : ((وابتداء وجوده عند أو بصفات الأشياء من حسنها وقبحها، وكمالها ونقصانها . ولهيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه. ويحجزها عما لا ينبغي من اعتقاد فاسد، ورفع مناره؛ والثناء على من كانوا كذلك. كما أنه مليء بذم الذين عطلوا عقولهم، ز - وظيفة العقل: العقل نور أودعه اللّٰه في الإنسان ؛ ليكشف لها الأشياء، وليفهم به عن اللّٰه ورسوله - صلى اللّٰه عليه وسلم - ولينظر من خلاله في ملكوت السموات والأرض، وليدرك به أسرار الكون، ويتدبر في نفسه وآيات اللّٰه من حوله، ويبحث من طريقه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه. هذه - بإجمال - وظيفة العقل . والروح، والجنة، والنار، ذلك أن العقل البشري له مجاله الذي يعمل فيه؛ فإذا ما حاول أن يتخطى هذا المجال فإنه سَيَضِل ويتخبط في متاهات لا قبل له بها؛ فمجال العقل كل ما هو محسوس. أما الغيبيات التي لا تقع تحت مداركه فلا مجال للعقل أن يخوض فيها، بل يعتقدون أن للعقل مكانة سامية، له مجالات النظر والتفكير . وفي الوقت نفسه لا يؤلهون العقل، ولا يجعلونه حاكماً على نصوص الشرع؛ أما غيرهم فما بين مُفْرِط ومُفَرِّّط في هذا الباب؛ والفلاسفة، وأهل الكلام عموماً - الَّهوا العقل، مع أن عقولهم مختلفة، بل إن الواحد منهم قد يختلف حتى مع نفسه. وفي مقابل هؤلاء نجد أن أهل الدجل والخرافة قد ألغوا العقل، وقبلوا ما لا يقبل ولا يعقل . فالخيال والوهم لا يصلحان أساسا للعقيدة والمعرفة الصحيحة . والعقيدة الإسلامية حقيقة ثابتة دل عليها الشرع بالقواطع من الأدلة النقلية . فإذا كان العقل هو الذي دلنا على معرفة اللّه - عز وجل - وعلى أن محمدا رسول اللّٰه حقاً _ فإن أي معارضة تُفْرَض بين العقل وما جاء في الكتاب والسنة، أو رَدّ خبر الله، وخبر رسوله؛ والعقل الصريح: هو الخالي من الشبهات والشهوات، والنقل الصحيح هو السالم من العلل والقوادح. القاعدة الأخرى تقول: ((إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل)). لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل دل على صحة السمع، فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة العقل، فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه ؛ وهذا بيِّنٌ واضح؛ فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلا صحيحاً لم بجز أن يتبع بحال، فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل . أولاً: الموت: ونقيضها . ومفارقته، وتَبَدَّل حالٍ، * الموت يأتي فجأة: قال القرطبي - رحمه اللّٰه _: ((وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سنٌ معلوم، مستعدا لذلك)). ٢) ثانياً: البرزخ:
  • تعريفه في اللغة: البرزخ في كلام العرب هو الحاجز بين الشيئين. قال: ليس هو في دار الدنيا، وقال ابن القيم - رحمه اللّٰه - : (البرزخ: هو ما بين الدنيا والآخرة، أ - تعريفه: القبر مدفن الإنسان، والمقبُرةُ بفتح الباء وضمها موضع القبور، ٣) منها الاختبار والامتحان، كما قال - تعالى -: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيه ) [طه: ١٣١]. وتطلق على الشرك، كما قال - تعالى -: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لا تَكُونَ فَتْنَةَ ) [البقرة: ١٩٣]. وفتنة القبر: هي سؤال الملكين الميتَ بعد دفنه عن ربه، فَيُسأل، ويضل اللّٰه الظالمين، فيقول الكافر: هاه، هاه لا أدري . ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً قلته . الحديث وفيه عن العبد المؤمن «فتعاد له روحه في جسده، فيأتيه ملكان ليجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما عِلمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فينادي منادٍ من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وفيه عن العبد الكافر ((ويأتيه ملكان فيجلسانه، هاه لا أدري، فيقول هاه هاه لا أدري، هاه لا أدري؛ د- وصف الملكين وتسميتها: جاء في بعض الأحاديث وصف الملكين الموكلين بفتنة القبر، فعن أبي هريرة - رضي اللّٰه عنه - قال: قال النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - ((إذا قبر أحدكم- أو الإنسان - أتاه ملكان أسودان أزرقان، وللآخر: النكير)) . ه - هل تفتن الأمم السابقة في قبورها أو أن ذلك خاص بهذه الأمة؟: قال بعض العلماء: إن الأمم السابقة لا تفتن في قبورها؛ فعوجلت بالعذاب وأن هذه الأمة قد أُمسك عنها العذاب، وهذا القول محل نظر، والصحيح أن الأمم السابقة تفتن في قبورها، وتعذب أو تنعم . اللّٰه عنها - قالت: ((دخل عليَّ رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرتِ أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - وقال: ((إنما تفتن اليهود)) . قالت عائشة: فلبثنا ليالي، قالت عائشة: (فسمعت رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر)) . (١) قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - بعد أن ذكر الخلاف في هذه المسألة : وأنهم معذبون في قبورهم بعد السؤال لهم، وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال، والله - سبحانه وتعالى - أعلم). - هل يفتن الكافر في قبره؟: الصحيح أنه يفتن، فالفتنة عامة للكافر وغيره، ز - هل الأطفال يمتحنون في قبورهم؟: الجواب أن هذه المسألة قد اختلف فيها على قولين : الأول: قول من قال: إنهم يسألون، وحجة أولئك أنه يشرع الصلاة عليهم، الثاني: قول من قال بأنهم لا يسألون؛ لأن السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمُرْسِل، فيسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا . والذي يظهر من كلام ابن تيمية، وابن القيم - رحمهما اللّٰه - أنهما بميلان إلى القول الأول . ح - هل يفتن غير المكلف؟: الجواب أن هذه المسالة قد اختلف فيها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّٰه _: ((وقد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - في هذه الفتنة من حديث البراء ابن عازب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة وغيرهم - رضي اللّٰه عنهم. وهي عامة للمكلفين إلا النبيين فقد اختلف فيهم، وكذلك اختلف في غير المكلفين كالصبيان والمجانين؛ فقيل يفتنون وقيل لا يفتنون؛ وهذا قول القاضي وابن عقيل . وعلى هذا فلا يلقنون بعد الموت. وقيل يلقنون، وهذا قول أبي حكيم، ونقله عن أصحابه، واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد). (١) وقال في موضع آخر بعد كلام قريب من الكلام السابق بعد أن ذكر حجة القائلين بالقول بأنهم يفتنون (ومن قال بالأول: يستدل بما في الموطأ عن أبي هريرة - رضي اللّٰه عنه - أنه صلى على صغير لم بعمل خطيئة قط فقال: ((اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر)) وهذا يدل على أنه يفتن . وأيضا فهذا مبنيٌّ على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة. وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة؛ فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره: الوقف في أطفال المشركين كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - أنه سئل عنهم فقال: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين)). وثبت في صحيح البخاري أن منهم من يدخل الجنة . وثبت في صحيح مسلم أن الغلام الذي قتله الخَضِر طُبعَ يوم طُبعَ كافراً . لكن هذا مبني على أنه لا يُشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، فالطفل قد يكون منافقاً بين مؤمنين، والله أعلم)) . قال ابن القيم - رحمه اللّٰه -: ((وأما حديث أبي هريرة(٢) - رضي اللّٰه عنه - فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة على الطفل على ترك طاعة، أو فعل معصية؛ فإن اللّٰه لا يعذب أحداً بلا ذنب عمله. أي يتألم، وهذا كقول النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم -: (السفر قطعة من فالعذاب أعم من العقوبة. فيتألم به؛ والله أعلم)) . (١) أولاً تعريفه: هو اسم لنعيم البرزخ وعذابه، وعذابه للظالمين من المنافقين والكافرين. ثانياً: تواتر الأخبار في نعيم القبر وعذابه: يقول شارح الطحاوية: لقد تواترت الأخبار عن رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان أهلا لذلك؛ فيجب اعتقاد ذلك، والإيمان به). بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى، والثواب والعقاب في البرزخ - ما بين الموت إلى القيامة - هذا قول السلف قاطبة، وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع)) . (٢) ثالثاً: نعيم القبر وعذابه في القران الكريم: نعيم القبر وعذابه في البرزخ مذكور في غير ما آية ؛ وقد ترجم البخاري - رحمه اللّٰه - في كتاب الجنائز لعذاب القبر، فقال: ((باب ما جاء في عذاب القبر). وقوله - تعالى -: (وَحَاقَ بآلِ فَرْعَوْنَ سُوءُ العَذَاب (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} [غافر: ١) . ٤٦, والآية الأولى التي ساقها البخاري إنما هي في تعذيب الملائكة الكفار في حال الاحتضار، والآية الثانية تدل على أن هناك عذابين سيصيبان المنافقين قبل عذاب يوم القيامة. وإما بأيدي المؤمنين . والأخرى نحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع، أو السبي، وغير ذلك)) . والآية الثالثة حجة واضحة لأهل السنة الذين أثبتوا عذاب القبر ؛ فإن الحق - تبارك وتعالى - قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، لأنه - عز وجل - قال بعد ذلك: (ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَاب) [غافر: ٤٦]. قال القرطبي: (الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر)) . رابعاً: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه بلا كيفية: قال شارح الطحاوية - رحمه إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له به في هذه الدار . ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول؛ بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا) . (٣) سواء قبر أم لم يقبر، أو احترق حتى صار رماداً ونسف بالهواء، أو صلب، أو غير ذلك؛ فالعذاب أو النعيم يصل إليه كما يصل إلى المقبور . فالمصلوب، والحَرِق، فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حُرِق جسده بالنار، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك، فأمر اللّٰه البحر فجمع ما فيه، ثم قال: قم؛ فإذا هو قائم بين يدي الله، سأله: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: خشيتك يا رب وأنت أعلم؛ فلم يَفُتْ عذاب البرزخ ونعيمه هذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال، حتى لو كان علق ١) الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه. ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم وخالقها يُصَرِّفها كيف يشاء، ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين، وكفر به، (٣) وما دينك، وما نبيك؟ والجواب عن هذا الإشكال : ويجيب عنه، ولو لم يكن يعرف العربية . فالمؤمن يجيب الجواب الصحيح، أو أعجمياً. وأما الكافر والمنافق فمن كان في الدنيا غير مؤمن بما جاء به الرسول - فإنه يستعجم عليه الجواب ولو كان أعلم الناس، وأفصحهم كما قال - تعالى -: ( وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم: ١) . (([٢٧) سابعاً: هل عذاب القبر ونعيمه على البدن أو على الروح؟: الجواب أن عذاب القبر ونعيمه يكون على البدن والروح معاً . وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمةً أو معذبةً، وقال: ((العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس، وتعذب متصلة بالبدن، فيكون العذاب والنعيم عليهما في هذه الحال مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن)) . (١) ثامناً: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟: عذاب القبر على نوعين: أحدهما: دائم، ويدل على هذا قوله - تعالى -: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فَرْعَوْنَ أَشَدَ العَذَاب ) [غافر : ٤٦]. وكذلك في حديث البراء ابن عازب في قصة سؤال الكافر في قبره، وقد مر الحديث عن ذلك قبل قليل النوع الثاني: أنه إلى مدة ثم ينقطع: وهو عذاب بعض العصاة الذين حفت جرائمهم، ثم يخفف عنه، أو صدقة، أو غيرهم. تاسعاً : أسباب عذاب القبر: قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - في كتابه الروح: المسألة التاسعة، جوابها من وجهين: مجمل ومفصل . وأحبته، وامتثلت لأمره، وسخطه على عبده؛ ومات على ذلك - كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب اللّه، ثم شرع - رحمه اللّٰه - بعد ذلك في بيان أسباب عذاب القبر على والمجال لا يتسع لذكرها . (٢) وبعد أن ذكر ذلك على وجه التفصيل قال في نهاية حديثه: ((ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والحيات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها ويحق لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها . تالله لقد وَعَظتْ فما تركتْ لواعظ مقالاً، وهذه محل للعبر، رياض من رياض الجنة، أو حفر من حفر النار) . عاشراً: الأسباب المنجية من عذاب القبر: قال ابن القيم - رحمه اللّٰه
  • في كتابه الروح: (المسألة العاشرة: الأسباب المنجية من عذاب القبر . جوابها - أيضا - من وجهين: مجمل، حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته . ولا سيما إذا عقَّب ذلك بذكر اللّه، فمن أراد به خيراً وفقه لذلك، 1) ثم شرع - رحمه اللّٰه - بذكر جملة من الأحاديث في هذا الشأن . أولاً: حقيقة الروح التي في البدن: اختلف الناس في حقيقة الروح التي في البدن اختلافاً كثيراً، وهو جسم نوراني، حي، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم. وإفادتها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية . وكل الأقوال سواه باطلة، وإجماع الصحابة، (1) ثم أورد - رحمه اللّه - بعد ذلك مائة وستة عشر وجها على صحة ما ذكر، ثم ناقش أدلة القائلين بغير ذلك . ثانياً: لم سميت الروح بهذا الاسم؟: لأن بها حياة البدن. وتفقد فقده يسمى روحاً، فهما بهذا الاعتبار مترادفان، (٣) وبالجملة فإن النفس تطلق على أمور، فيتحد مدلولهما تارة، فالنفس تطلق على الروح، (٤) المنفوخة فيه، وقال: ((لكن تسمى نفساً باعتبار تدبيره للبدن، وتسمى روحاً باعتبار لطفه)) . (٢) وقال ابن القيم - رحمه اللّٰه - ((أما الروح التي تتوفى وتُقبض فهي روح واحدة، وهي النفس)) . (٣) رابعاً: من إطلاقات الروح: لفظ الروح له عدة معان غير الروح التي تفارق البدن بالموت التي هي النفس، فمن إطلاقات الروح ما يلي : (٤) ١- تطلق الروح على الهواء الخارج من البدن والهواء الداخل فيه. 1. وتطلق على البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق. 2. وتطلق الروح على جبرائيل - عليه السلام - قال تعالى -: (نَزَلَ بِهِ الرّوحِ الأمين ) [الشعراء: ١٩٣] . السلام - كما قال - تعالى -: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتكَ إِذْ أَيَّدِتُّكَ برُوحِ القُدُس) [المائدة: ١١٠]. 2. وتطلق الروح على القوى التي في البدن؛ فيقال: الروح الباصر، فهذه الأرواح قوى مُوْدَعَةٌ في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى . 
ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن؛


النص الأصلي

أولاً: تعريفات حول اليوم الآخر
١- تعريف اليوم الآخر: هو يوم القيامة الذي يبعث فيه الناس للحساب والجزاء .
٢- سبب تسميته بذلك: لأنه لا يوم بعده؛ حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.
(١)



  1. معنى الإيمان باليوم الآخر: التصديق الجازم بإتيانه، وبجميع تفاصيله، والعمل بموجب ذلك .

  2. مفهوم الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر يشمل كل ما ورد في أخبار ذلك اليوم، وما يتعلق به؛ فيدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها، وبالموت وما بعده من فتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، وبالنفخ بالصور، وخروج الخلائق من القبور، وبالجزاء، والحساب، وما في موقف القيامة من الأهوال، والأفزاع، وتفاصيل المحشر، ونشر الصحف، ووضع الموازين، وبالصراط، والقنطرة، والحوض، والشفاعة، وغيرها، وبالجنة ونعيمها، الذي أعلاه النظر إلى وجه اللّٰه - عز وجل - وبالنار وعذابها الذي أشده حجب أهلها عن ربهم - عز وجل(٢)



٥- أسماء اليوم الآخر: عدد بعض العلماء أسماء اليوم الآخر، ومن هؤلاء القرطبي - رحمه اللّٰه - حيث ذكر ما يزيد على خمسين اسماً؛ وشرع في شرحها .
ومنهم ابن كثير - رحمه اللّٰه - حيث ذكر لليوم الآخر أكثر من ثمانين اسماً (١) .
٦- ومن أشهر تلك الأسماء ما يلي:
١- الساعة
٢- يوم القيامة
٣- يوم الوعيد
٤- يوم الدين
٥- يوم الحسرة
٦- الدار الآخرة
٧- يوم التناد
٨- يوم الجمع
٩- يوم الفصل
١٠- يوم الحساب
١١- يوم الخلود
١٢- يوم الخروج
١٣- يوم التغابن
١٤ - يوم التلاق
١٥- يوم الآزفة
١٦- الازفة
١٧- الواقعة
١٨- الحاقة
١٩- القارعة
٢٠- الطامة الكبرى
٢١- الصاخة
٢٢ - يوم البعث
٢٣- الغاشية .


ثانياً: أهمية الإيمان باليوم الآخر
للإيمان باليوم الآخر أهمية عظمى، ومما يدل على ذلك ما يلي:
١- أنه أحد أركان الإيمان الستة: جاء في حديث جبريل المشهور قوله وَالحِّع عند ما سأله جبريل - عليه السلام - عن الإيمان: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)(١) .



  1. كثرة وروده في نصوص الشرع: فقل أن تمر على صفحة من القرآن الكريم إلا وتجد فيها حديثاً عن اليوم الآخر، وما فيه من ثواب وعقاب .

  2. كثرة ارتباطه بالإيمان بالله - تعالى -: فكثيراً ما يرد في القرآن الكريم، والسنة النبوية ذكر اليوم الآخر مرتبطاً بالإيمان بالله.
قال اللّٰه - تعالى -: ( لَيْسَ البرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ البَرَّ مَنْ آمَنَ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِر) [البقرة: ١٧٧].
وقال النبي - عليه الصلاة والسلام - : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»(٢) .

  3. كثرة الثناء على المؤمنين به، والذم للكافرين به: قال اللّٰه - تعالى - في وصف المؤمنين: (وَهُم بِالآخرَةِ هُمْ يُوقَنُونَ ٣
    وقال في وصف الكافرين : ( وَهُم بالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) [هود: ١٩] .

  4. كثرة المؤلفات التي تحدثت عنه: حيث أفرد العلماء - رحمهم
اللّٰه - مصنفات خاصة باليوم الآخر، وذكر تفاصيله.

  5. كثرة أسماء اليوم الآخر: فلليوم الآخر أسماء كثيرة، والسر في ذلك عظم أمره، وكثرة هوله .
قال القرطبي - رحمه اللّٰه - : ((كل ما عظم شأنه تعددت صفاته، وكثرت أسماؤه، وهذا مهيع
    (١) كلام العرب .
    ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه، وتأكد نفعه لديهم وموقعه جمعوا له خمسمائة اسم، وله نظائر؛ فالقيامة لما عظم أمرها، وكثرت أهوالها سماها اللّٰه - تعالى - في كتابه بأسماء عديدة، ووصفها بأوصاف كثيرة) (٢) .
    هذا وقد ورد شيء من أسماء ذلك اليوم في فقرة سابقة.
    ٧- ما يترتب على الإيمان به من الثمرات الجليلة، والآثار العظيمة:
    وهذا ما سيتبين في الفقرة التالية.


ثالثاً: ثمرات الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر يثمر ثمراتٍ جليلةً، وأخلاقاً جميلة، وعبوديات متنوعة، وآثاراً حميدة تعود على الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة.
ومن ذلك ما يلي :
١- أداء عبادة اللّٰه - عز وجل -: فالإيمان باليوم الآخر مما تعبدنا اللّٰه



  • تعالى - به .
    وكمال المخلوق في تحقيقه العبودية لربه.



  1. زيادة الإيمان: فالإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، التي لا يصح إيمان بدونها. وكلما زادت معرفة العبد به ازداد إيمانه وقوي يقينُه، وعلت درجته .

  2. انبعاث الرجاء والخوف: فالإيمان باليوم الآخر يحمل على فعل الطاعات؛ رجاءً لثواب ذلك اليوم، ويحمل على ترك المعاصي ؛ خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
فإذا تمت معرفة الإنسان بتفاصيل ذلك، وما فيه من النعيم المقيم لأهل الطاعة، وما فيه من النكال والعذاب الأليم لأهل المعصية - كان ذلك أعظم الدوافع لفعل الخير، واجتناب الشر .

  3. العلم بفضل الله، وعدله، وحكمته: حيث يجازي من يستحق العذاب عدله، ويجازي من يستحق الثواب بفضله .
وإنما يُعلم ذلك بمعرفة ما يكون في الآخرة من الجزاء والحساب .

  4. الاعتدال في حال السراء والضراء: فالمؤمن يلزم الاعتدال في هذه الأحوال؛ فلا تطغيه النعمة، ولا تقنطه المصيبة؛ فإن كانت السراء أعدَّ لها الشكر، وإن كانت الضراء أعد لها الصبر .
    قال النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم _: ((عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد غير المؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»(١).
    قال القرطبي - رحمه اللّٰه _: ((فاعلم أن ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج من هذه الدار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية .
    ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق وسعة، ونعمة ومحنة، فإن كان في حال ضيق ومحنة فَذِكرُ الموت يسهل عليه بعض ما هو فيه؛ فإنه لا يدوم، والموت أصعب منه، أو في حال نعمة وسعة فَذِكرُ الموت يمنعه من الاغترار بها، والسكون إليها ؛ لقطعه عنها» (٢) .
    ٦- قيام الأخلاق الجميلة: فالإيمان باليوم الآخر يورث للإنسان أخلاقاً
    جميلة؛ فيورثه - على سبيل المثال - خُلُق البذل، والإنفاق ؛ لعلمه بأن ما يقدمه في هذه الدنيا سيجده عند اللّٰه في الآخرة خيراً وأبقى ؛ فتراه يُؤثِر أعمال البر بجانب من ماله ولو كان به خصاصة، وتراه بنفق إنفاق من لا يخشى الفقر .


والإيمان باليوم الآخر - كذلك - يورث صاحبه خلق الشجاعة ؛ فتراه يُقدِم في سبيل اللّٰه غير هياب من الموت؛ لعلمه بأن الموت لن يأتي إلا في وقته، وليقينه بأن الموت إنما هو انتقال من حياة مخلوطة بالمتاعب والمكاره إلى حياة أصفى لذة، وأهنأ راحة،
وأبقى نعيماً.
والإيمان باليوم الآخر يورث صاحبه خلق التواضع؛ لعلمه بأن الكبر الله وحده، وبأن المتكبرين أذلُّ الناس يوم القيامة وعلى هذه النبذة من الأخلاق فقس .
٧- تسلية المؤمن عما يفوته في هذه الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة:
وبذلك لا ينزعج لحلول مكروه، أو فوات محبوب؛ لأنه يرجو العوض من اللّٰه - عز وجل - فيدعوه ذلك إلى السلو، والراحة، وترك التسخط رابعاً: وقفة حول مصطلح (السمعيات)، أو (النقل)
هذا المصطلح يَرِدُ كثيراً في كتب العقائد، ويقابله مصطلح آخر وهو مصطلح (العقل) .
ومصطلح السمعيات من مصطلحات أهل الكلام، ولا مشاحة في الاصطلاح ما دام المعنى صحيحاً، وإن كان الأولى استعمال المصطلح الشرعي.
وبما أن هذا المصطلح يرد كثيراً، وأن معظم مباحث هذا الكتاب داخلة في باب السمعيات - فهذه وقفة حوله، ثم يُعرَّج بعد ذلك إلى ما يقابله وهو (العقل) ثم يبين أنه لا تعارض بينهما.
أ - تعريف السمعيات: هي كل ما ثبت بالسمع - أي بطريق الشرع ولم يكن للعقل فيه مدخل .
أو يقال: هي الأدلة المسموعة المنقولة عن كتاب اللّٰه العزيز،
والسنة المطهرة .
ب- أسماء ترادف هذا المصطلح: هناك أسماء أو مصطلحات ترادف مصطلح السمعيات؛ حيث تدل عليه، ويعبر بها عنه، فيكون المعنى المقصود واحداً .
ومن ذلك، ما يلي :
١- السمع
٣- الأدلة السمعية
٥- الأدلة المأثورة
٢- النقل
٤- الأدلة النقلية
٦- الأدلة الخبرية


٧- الأدلة من الكتاب والسنة ٨- الأدلة الشرعية
٩- الشرع
١٠- الخبر
نكل هذه الألفاظ تدل على معنى واحد كما مر .
ج- ما الواجب في السمعيات؟: الواجب الإيمان بها، وتصديقها سواء أدرك الإنسان معناها أم لم يدركه؛ فعليه طاعة الأمر، وتصديق الخبر .
د- فائدة الإيمان بالسمعيات: تزيد الإيمان، وتقوي العلم، وتدل
على التسليم لله، وتصديق خبره، والانقياد لأمره.


خامساً: وقفات حول العقل:
أ- تعريف العقل: هو نور روحاني، به تدرك النفس العلوم الضرورية، والنظرية .
هذا تعريف العقل عند صاحب القاموس، وهو من أجمع التعاريف
وأحسنها . (١)
ب- ابتداء وجود العقل: يقول الفيروز بادي : ((وابتداء وجوده عند
اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ»(٢) .
ج- من إطلاقات العقل: يطلق العقل على العلم، أو بصفات
الأشياء من حسنها وقبحها، وكمالها ونقصانها .
أو العلم بخير الخيرين وشرِّ الشرَّين، أو مطلقٌ لأمور أو لقوة بها يكون التميز بين القبيح والحسن، ولمعانٍ مجتمعه بمقدمات يستتب بها الأغراض والمصالح، ولهيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه.
د- مَنِ العاقل؟: هو الجامع لأمره، الذي يحبس نفسه عن هواها.
ه- لم سمي العقل بهذا الاسم؟: لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، ويحجزها عما لا ينبغي من اعتقاد فاسد، أو فعل قبيح . (٣)
و - منزلة العقل في الإسلام: لقد أعلى الإسلام منزلة العقل، ورفع مناره؛ فالعقل في الإسلام أساس التكليف، ومناط الأهلية.


والقران الكريم مليء بالأمر بالتعقل، والنظر، والتدبر، والثناء على
من كانوا كذلك.
كما أنه مليء بذم الذين عطلوا عقولهم، وركنوا إلى التقليد الأعمى، واتبعوا ما ألفوا عليه آباءهم من غير ما بينة أو أثارة من علم.
ز - وظيفة العقل: العقل نور أودعه اللّٰه في الإنسان ؛ ليكشف لها الأشياء، والحقائق الواقعة، وليفهم به عن اللّٰه ورسوله - صلى اللّٰه عليه وسلم - ولينظر من خلاله في ملكوت السموات والأرض، وليدرك به أسرار الكون، ويتدبر في نفسه وآيات اللّٰه من حوله، ويصل من خلاله إلى كثير من أمور الاعتقاد في حدود طاقته، ويبحث من طريقه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه.
هذه - بإجمال - وظيفة العقل .
ح- حدود العقل: فمع أن الإسلام ينظر تلك النُظُرة العظيمة للعقل، ومع أن للعقل وظيفته العظمى - كما مر - إلا أن الإسلام يحدد مجال العقل، وذلك صوناً للطاقة العقلية أن تتشتت أو تتبدد وراء الأمور الغيبية التي لا يستطيع العقل إدراكها أو الوقوف على حقيقتها، كالذات الإلهية، والروح، والجنة، والنار، وكيفية صفات اللّٰه - عز وجل - وغيرها؛ ذلك أن العقل البشري له مجاله الذي يعمل فيه؛ فإذا ما حاول أن يتخطى هذا المجال فإنه سَيَضِل ويتخبط في متاهات لا قبل له بها؛ فمجال العقل كل ما هو محسوس.


أما الغيبيات التي لا تقع تحت مداركه فلا مجال للعقل أن يخوض فيها، ولا يخرج عما دلت عليه النصوص الشرعية في شأنها.
ط- أهل السنة وسط في باب العقل بين الذين ألَّهوه والذين ألغوه:
فالوسطية شأنهم في جميع أمورهم، ومن بينها العقل، فأهل السنة لا بُلغُون العقل، ولا ينكرونه، ولا يحجرون عليه.
بل يعتقدون أن للعقل مكانة سامية، وأن الإسلام يقدر العقل، ويتيح
له مجالات النظر والتفكير .
وفي الوقت نفسه لا يؤلهون العقل، ولا يجعلونه حاكماً على نصوص الشرع؛ بل يرون أن للعقل حدّاً يجب أن يقف عنده، ؛ لكي لا يكون وبالا على صاحبه .
أما غيرهم فما بين مُفْرِط ومُفَرِّّط في هذا الباب؛ فالمعتزلة، والفلاسفة، وأهل الكلام عموماً - الَّهوا العقل، وجعلوه مصدراً للتلقي؛ فما وافق العقل - أو ما يسمونه بالقواطع العقلية - قبلوه، وما خالف ذلك ردوه أو أوَّكوه، مع أن عقولهم مختلفة، ومداركهم متفاوتة، بل إن الواحد منهم قد يختلف حتى مع نفسه.
وفي مقابل هؤلاء نجد أن أهل الدجل والخرافة قد ألغوا العقل،
وقبلوا ما لا يقبل ولا يعقل .
وذلك كحال كثير من الخرافيين والمجال لا يتسع لذكر شيء من تلك الخرافات التي تنطلي على أولئك (١) .
ي- العقل في مجال العقيدة: لا يجوز تعطيل العقل في مجال العقيدة وغيرها؛ إلا أنه لا يجوز للعقل - كما مر - أن يتجاوز وظيفته، ويجنح في أودية الخيال الفاسد، ويتيه مع الأوهام الكاذبة؛ فالخيال والوهم لا يصلحان أساسا للعقيدة والمعرفة الصحيحة .
والعقيدة الإسلامية حقيقة ثابتة دل عليها الشرع بالقواطع من
الأدلة النقلية .
والعقل السليم لا يعارضها على القاعدة التي تقول :
((العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح))
فإذا كان العقل هو الذي دلنا على معرفة اللّه - عز وجل - وعلى أن محمدا رسول اللّٰه حقاً _ فإن أي معارضة تُفْرَض بين العقل وما جاء في الكتاب والسنة، أو رَدّ خبر الله، وخبر رسوله؛ بحجة مخالفتها العقل - تعد مناقضة صريحة لما دل عليه العقل نفسه (٢) .
وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الفقرة التالية سادساً: بين العقل والنقل:
القاعدة العريضة العامة المشهورة تقول: ((العقل الصريح لا يخالف
النقل الصحيح)).
والعقل الصريح: هو الخالي من الشبهات والشهوات، والنقل
الصحيح هو السالم من العلل والقوادح.
القاعدة الأخرى تقول: ((إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل)).
قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي - رحمه اللّٰه -: ((فلا يُتَصور أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح أبداً)(١) .
وقال: ((إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل دل على صحة السمع، ووجوب قبول ما أخبر به الرسول - صلى اللّٰه عليه وسلم -.
فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة العقل، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصح أن يكون معارضا للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء؛ فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه ؛ فلا يجوز قديمه.
وهذا بيِّنٌ واضح؛ فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، وأَنَّ خبره مطابق لمخبره؛ فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلا صحيحاً لم بجز أن يتبع بحال، فضلاً عن أن يقدم؛ فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل .
فالواجب كمال التسليم للرسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - والانقياد لأمره، وتلقي خبره، بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل سميه معقولاً، أو نُحمِّله شبهة أو شكّا، أو نقدم عليه آراء الرجال، وزبالة أذهانهم؛ فنُوَحِّده بالتحكيم والتسليم والإذعان كما نُوَحِّد المُرْسِل بالعبادة، والخضوع، والإنابة، والتوكل»(١).


أولاً: الموت:



  • تعريف الموت: الموت ضد الحياة، ونقيضها .
    قال القرطبي - رحمه اللّٰه - في تعريفه: ((قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف، وإنما هو انقطاع تعلُق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدَّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار)). (١)

  • الموت يأتي فجأة: قال القرطبي - رحمه اللّٰه _: ((وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سنٌ معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم.
    وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعدا لذلك)).
    (٢)
    ثانياً: البرزخ:

  • تعريفه في اللغة: البرزخ في كلام العرب هو الحاجز بين الشيئين.
    قال اللّٰه - تعالى -: (وَجَعَلَ بَيْنَهَمَا بَرْزَخًا) [الفرقان: ٥٣]: أي حاجزاً .

  • البرزخ في الشرع: ((هو الدار التي تعقب الموت إلى البعث.
    قال - تعالى _: ( ومن ورَائِهِم بَرْزَخ إِلَىٰ يَوْم يَبْعَثونَ ) [المؤمنون: ١٠٠].
    قال مجاهد: هو ما بين الموت والبعث.


وقيل للشعبي: مات فلان، قال: ليس هو في دار الدنيا، ولا في الآخرة)) . (١)
وقال ابن القيم - رحمه اللّٰه - : (البرزخ: هو ما بين الدنيا والآخرة،
وهذا البرزخ يُشرِف أهله فيه على الدنيا والآخرة)) .
ثالثاً: القبر:
أ - تعريفه: القبر مدفن الإنسان، وجمعه قبور، والمقبُرةُ بفتح الباء وضمها موضع القبور، والمقبَر : موضع القبر .
(٣)
ب - فتنة القبر: الفتنة تطلق على عدة معان، منها الاختبار والامتحان، كما قال - تعالى -: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيه ) [طه: ١٣١].
وتطلق على الشرك، كما قال - تعالى -: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لا تَكُونَ فَتْنَةَ ) [البقرة: ١٩٣].
وتطلق على الإحراق والتعذيب بالنار كما قال - تعالى -: (إِنَّ الّذينَ
فَتُنُوا المُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ) [البروج: ١٠] .
وفتنة القبر: هي سؤال الملكين الميتَ بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه .
ج- صفة فتنة القبر: إذا دفن الميت في قبره تُعادُ له الروح، فَيُسأل، ويقال له: مَنْ ربُّك، وما دينك، ومن نبيك؟ فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد.
ويضل اللّٰه الظالمين، فيقول الكافر: هاه، هاه لا أدري .
ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً قلته .
وقد جاءت صفة فتنة القبر في عدة أحاديث منها ما جاء في حديث البراء بن عازب - رضي اللّٰه عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وهو يُلْحد له، فقال: (أعوذ بالله من فتنة القبر) ثلاث مرات.
الحديث
وفيه عن العبد المؤمن «فتعاد له روحه في جسده، فيأتيه ملكان ليجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول رسول الله، فيقولان له: ما عِلمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدقتُ، فينادي منادٍ من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة) .
وفيه عن العبد الكافر ((ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك، فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري؛ فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار،


وافتحوا له باباً إلى النار؛ فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه في قبره، حتى تختلف أضلاعه)). (١)
د- وصف الملكين وتسميتها: جاء في بعض الأحاديث وصف
الملكين الموكلين بفتنة القبر، وتسميتها .
فعن أبي هريرة - رضي اللّٰه عنه - قال: قال النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - ((إذا قبر أحدكم- أو الإنسان - أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير)) .
ه - هل تفتن الأمم السابقة في قبورها أو أن ذلك خاص بهذه الأمة؟: قال بعض العلماء: إن الأمم السابقة لا تفتن في قبورها؛ بحجة أنها رفضت الاستجابة لرسلها، فعوجلت بالعذاب وأن هذه الأمة قد أُمسك عنها العذاب، وبعث الرسول بالسيف فمن دخل الإسلام مخافة القتل ثم نافق عذب في قبره.
وهذا القول محل نظر، والصحيح أن الأمم السابقة تفتن في قبورها، وتعذب أو تنعم .


ومن الأدلة في ذلك ما جاء في عذاب آل فرعون الذين قال اللّٰه فيهم : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشدَّ الْعَذَاب ٤٦) [غافر: ٤٦].
وفي صحيح مسلم عن عروة بن الزبير عن خالته - عائشة - رضي
اللّٰه عنها - قالت: ((دخل عليَّ رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرتِ أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - وقال: ((إنما
تفتن اليهود)) .
قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - بعد: ((وهل شعرت أنه أوحي إليَّ: تفتنون في القبور)) .
قالت عائشة: (فسمعت رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - بعد
ذلك يستعيذ من عذاب القبر)) . (١)
قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - بعد أن ذكر الخلاف في هذه المسألة :
((والظاهر - والله أعلم - أن كل نبي مع أمته كذلك، وأنهم معذبون في قبورهم بعد السؤال لهم، وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال، وإقامة الحجة، والله - سبحانه وتعالى - أعلم).



  • هل يفتن الكافر في قبره؟: الصحيح أنه يفتن، فالفتنة عامة للكافر وغيره، كما مر في الأحاديث الماضية من أن الكافر أو المنافق يقول إذا سُئل ((هاه هاه لا أدري)).
    ز - هل الأطفال يمتحنون في قبورهم؟: الجواب أن هذه المسألة قد اختلف فيها على قولين :
    الأول: قول من قال: إنهم يسألون، وحجة أولئك أنه يشرع الصلاة عليهم، وسؤال اللّٰه أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر .
    الثاني: قول من قال بأنهم لا يسألون؛ لأن السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمُرْسِل، فيسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا .
    أما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما - كيف يسأل؟(١)
    والذي يظهر من كلام ابن تيمية، وابن القيم - رحمهما اللّٰه - أنهما بميلان إلى القول الأول .
    وهذا ما سيتضح في الفقرة التالية .
    ح - هل يفتن غير المكلف؟: الجواب أن هذه المسالة قد اختلف فيها .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّٰه _: ((وقد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - في هذه الفتنة من حديث البراء ابن عازب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة وغيرهم - رضي اللّٰه عنهم.


وهي عامة للمكلفين إلا النبيين فقد اختلف فيهم، وكذلك اختلف في غير المكلفين كالصبيان والمجانين؛ فقيل يفتنون وقيل لا يفتنون؛ لأن المحنة إنما تكون للمكلفين، وهذا قول القاضي وابن عقيل .
وعلى هذا فلا يلقنون بعد الموت.
وقيل يلقنون، ويفتنون - أيضاً - .
وهذا قول أبي حكيم، وأبي الحسن بن عبدوس، ونقله عن أصحابه، وهو مطابق لقول من يقول: إنهم يكلفون يوم القيامة كما هو قول أكثر أهل العلم، وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري - رضي اللّٰه عنه - عن أهل السنة، واختاره، وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد). (١)
وقال في موضع آخر بعد كلام قريب من الكلام السابق بعد أن ذكر حجة القائلين بالقول بأنهم يفتنون (ومن قال بالأول: يستدل بما في الموطأ عن أبي هريرة - رضي اللّٰه عنه - أنه صلى على صغير لم بعمل خطيئة قط فقال: ((اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر)) وهذا يدل على أنه يفتن .
وأيضا فهذا مبنيٌّ على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة.
وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة؛


فإن النصوص عن الأئمة كالإمام أحمد وغيره: الوقف في أطفال المشركين كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم - أنه سئل عنهم فقال: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين)).
وثبت في صحيح البخاري أن منهم من يدخل الجنة .
وثبت في صحيح مسلم أن الغلام الذي قتله الخَضِر طُبعَ يوم طُبعَ كافراً .
فإن كان الأطفال وغيرهم منهم شقي وسعيد فإذا كان ذلك لامتحانهم
في الدنيا لم يمنع امتحانهم في القبور .
لكن هذا مبني على أنه لا يُشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شُهد لهم مطلقاً، ولو شهد لهم مطلقا ؛ فالطفل قد يكون منافقاً بين مؤمنين، والله أعلم)) . (١)
قال ابن القيم - رحمه اللّٰه -: ((وأما حديث أبي هريرة(٢) - رضي
اللّٰه عنه - فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة على الطفل على ترك طاعة، أو فعل معصية؛ فإن اللّٰه لا يعذب أحداً بلا ذنب عمله.
بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره،
وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله.


ومنه قوله - صلى اللّٰه عليه وسلم _: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله))
أي يتألم، ويتوجع منه، لا أنه يعاقب بذنب الحي ((ولاتزر وازرة وزر أخرى)) .
وهذا كقول النبي - صلى اللّٰه عليه وسلم -: (السفر قطعة من
العذاب)) .
فالعذاب أعم من العقوبة.
ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل؛ فيتألم به؛ فيشرع للمصلي عليه أن يسأل اللّٰه - تعالى - له أن يقيه ذلك العذاب، والله أعلم)) . (١)


أولاً تعريفه: هو اسم لنعيم البرزخ وعذابه، وهو نتيجة لفتنة القبر؛ فنعيم القبر للمؤمنين الصادقين، وعذابه للظالمين من المنافقين والكافرين.
ثانياً: تواتر الأخبار في نعيم القبر وعذابه: يقول شارح الطحاوية: لقد تواترت الأخبار عن رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان أهلا لذلك؛ فيجب اعتقاد ذلك، والإيمان به).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّٰه - ((ومذهب سائر المسلمين، بل وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى، وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك، والثواب والعقاب في البرزخ - ما بين الموت إلى القيامة - هذا قول السلف قاطبة، وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع)) . (٢)
ثالثاً: نعيم القبر وعذابه في القران الكريم: نعيم القبر وعذابه في البرزخ مذكور في غير ما آية ؛ حيث وردت إشارات في القرآن تدل على وقوعه.
وقد ترجم البخاري - رحمه اللّٰه - في كتاب الجنائز لعذاب القبر،
فقال: ((باب ما جاء في عذاب القبر).
ثم ساق في الترجمة قوله - تعالى -: (وَلَوْتَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات المَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرَجُوا أَنفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)
[الأنعام: ٩٣].
وقوله - تعالى : ( وَممَّنْ حَوْلَكُم منَ الأَعْرَاب مُنَافَقُونَ وَمنْ أَهْلِ المَدينَة مَرَدُوا عَلَى التّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَدِبُهُمْ مَرْتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُونَ إِلَىٰ عَذَابَ عَظِيمِ ) [التوبة: ١٠١] .
وقوله - تعالى -: (وَحَاقَ بآلِ فَرْعَوْنَ سُوءُ العَذَاب (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} [غافر:
١) .[٤٦,٤٥)
والآية الأولى التي ساقها البخاري إنما هي في تعذيب الملائكة الكفار في حال الاحتضار، والآية الثانية تدل على أن هناك عذابين سيصيبان المنافقين قبل عذاب يوم القيامة.
العذاب الأول: ما يصيبهم اللّٰه به في الدنيا إما بعقاب من عنده، وإما بأيدي المؤمنين .
والعذاب الثاني: عذاب القبر، قال الحسن البصري : (سنعذبهم مرتين: عذاب الدنيا وعذاب القبر)) . (٢)
وقال الطبري: (والأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر، والأخرى نحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع، أو السبي، أو القتل والإذلال، وغير ذلك)) .


والآية الثالثة حجة واضحة لأهل السنة الذين أثبتوا عذاب القبر ؛ فإن الحق - تبارك وتعالى - قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وهذا قبل يوم القيامة ؛ لأنه - عز وجل - قال بعد ذلك: (ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَاب) [غافر: ٤٦].
قال القرطبي: (الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ،
وهو حجة في تثبيت عذاب القبر)) . (1)
وهناك آيات أخرى تشير إلى عذاب القبر ونعيمه غير ما ذكر .
رابعاً: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه بلا كيفية: قال شارح الطحاوية - رحمه
اللّٰه - بعد أن تكلم على تواتر الأخبار في عذاب القبر ونعيمه: ((فيجب اعتقاد ذلك، والإيمان به ولا نتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له به في هذه الدار .
والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول؛ فإن عودة الروح للجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا) . (٣)
خامساً: هل عذاب القبر ونعيمه خاص بمن دفن في قبر، أو هو شامل؟:
والجواب عن ذلك أن عذاب القبر ونعيمه شامل لمن دفن في قبر أو غيره؛ فكل من مات وهو مستحق للعذاب أو النعيم ناله نصيبه منه، سواء قبر أم لم يقبر، وسواء كان في فلاة، أو في مكان يحفظ فيه كالثلاجة، أو أنه قد أكلته السباع، أو احترق حتى صار رماداً ونسف بالهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، أو غير ذلك؛ فالعذاب أو النعيم يصل إليه كما يصل إلى المقبور .
وإنما سمي عذاب القبر ونعيمه باعتبار الغالب والأصل. (١)
قال ابن القيم - رحمه اللّٰه -: ((وهذا البرزخ يشرف أهله على الدنيا والآخرة .
وسمي عذاب القبر ونعيمه، وأنه روضة أو حفرة نار، باعتبار غالب الخلق؛ فالمصلوب، والحَرِق، والغرِق، وأكيل السباع، والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما .
فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حُرِق جسده بالنار، وصار رماداً ، وذري بعضه في البحر، وبعضه في البر في يوم شديد الريح أنه ينجو من ذلك، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك، فأمر اللّٰه البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: قم؛ فإذا هو قائم بين يدي الله، سأله: ما حملك على ما فعلت؟
فقال: خشيتك يا رب وأنت أعلم؛ فما تلافاه أن رحمه .


فلم يَفُتْ عذاب البرزخ ونعيمه هذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال، حتى لو كان علق ١) الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه.
ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم
البرزخ وروحه نصيبه وحظه.
فيجعل اللّٰه النار على هذا برداً وسلاماً، والهواء على ذلك ناراً وسموماً؛ فعناصر العالم، وموادُّه (٢) منقادة لربها وفاطرها، وخالقها يُصَرِّفها كيف يشاء، ولا يستعصي عليه منها شئ أراده، بل هي طوع مشيئته، مُذللة مُنقادة لقدرته.
ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين، وكفر به، وأنكر ربوبيته). (٣)
سادساً: هل يَفْهَم فتنةَ القبر، ويجيب عن سؤال الملكين مَنْ لا يعرف العربية؟: فقد مر بنا أن سؤال الناس في قبورهم يكون بصيغة: من ربك؟، وما دينك، وما نبيك؟ والجواب عن هذا الإشكال :
هو أن الإنسان يفهم السؤال، ويجيب عنه، ولو لم يكن يعرف العربية .


قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه اللّٰه _: ((وهذا الابتلاء، والامتحان لكل عبد؛ فأما من كان مؤمناً إيماناً صحيحا ثبته الله، ولقَّنَه الجواب الصحيح للملكين كما قال - تعالى -: (يُثَبَتُ اللَّهُ الذِينَ آمَنُوا بالْقَلِ الَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدَّنْيَ وَفِي الآخِرَةِ ) [إبراهيم: ٢٧].
فذكر أن تثبيته لهم جزاء على إيمانهم في الدنيا، فالمؤمن يجيب
الجواب الصحيح، وإن كان عامياً، أو أعجمياً.
وأما الكافر والمنافق فمن كان في الدنيا غير مؤمن بما جاء به الرسول - فإنه يستعجم عليه الجواب ولو كان أعلم الناس، وأفصحهم كما قال - تعالى -: ( وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم: ١) . (([٢٧)
سابعاً: هل عذاب القبر ونعيمه على البدن أو على الروح؟: الجواب أن عذاب القبر ونعيمه يكون على البدن والروح معاً .
قال ابن تيمية - رحمه اللّٰه _: (مذهب سلف الأمة، وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمةً أو معذبةً، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، فيحصل له معها النعيم والعذاب)) . (٢)
وقال: ((العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس، وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون العذاب والنعيم عليهما في هذه الحال مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن)) . (١)
ثامناً: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟: عذاب القبر على نوعين:
أحدهما: دائم، ويدل على هذا قوله - تعالى -: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فَرْعَوْنَ أَشَدَ العَذَاب ) [غافر : ٤٦].
وكذلك في حديث البراء ابن عازب في قصة سؤال الكافر في قبره، وفيه (ثم يفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة)).
وقد مر الحديث عن ذلك قبل قليل
النوع الثاني: أنه إلى مدة ثم ينقطع: وهو عذاب بعض العصاة الذين حفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه، كما يعذب في النار مدة ثم يزول عنه العذاب .
وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء، أو صدقة، أو ثواب حج يصله من عض أقاربه، أو غيرهم. (٢)
تاسعاً : أسباب عذاب القبر: قال ابن القيم - رحمه اللّٰه - في كتابه الروح:
(المسألة التاسعة، وهي قول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب
القبور؟
جوابها من وجهين: مجمل ومفصل .


أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه؛ فلا يعذب اللّٰه روحاً عرفته، وأحبته، وامتثلت لأمره، واجتنبت نهيه، ولا بَدَنَّاً كانت فيه أبدأً ؛ فإن عذاب القبر، وعذاب الآخرة أَثَرُ غضبِ الله، وسخطه على عبده؛ فمن أغضب اللّه، وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب، ومات على ذلك - كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب اللّه، وسخطه عليه؛ فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب)).(
ثم شرع - رحمه اللّٰه - بعد ذلك في بيان أسباب عذاب القبر على
وجه التفصيل، والمجال لا يتسع لذكرها . (٢)
وبعد أن ذكر ذلك على وجه التفصيل قال في نهاية حديثه: ((ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل؛ فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والحيات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها ويحق لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها .
تالله لقد وَعَظتْ فما تركتْ لواعظ مقالاً، ونادت: يا عمار الدنيا لقد عمرتم داراً موشكة بكم زوالا، وخربتم داراً أنتم مسرعون إليها انتقالاً، عمرتم بيوتاً لغيركم منافعها وسكناها، وخربتم بيوتا ليس لكم مساكن سواها، هذه دار الاستباق، ومستودع الأعمال، وبذر الزرع، وهذه محل للعبر، رياض من رياض الجنة، أو حفر من حفر النار) . (١)
عاشراً: الأسباب المنجية من عذاب القبر: قال ابن القيم - رحمه اللّٰه



  • في كتابه الروح: (المسألة العاشرة: الأسباب المنجية من عذاب القبر .
    جوابها - أيضا - من وجهين: مجمل، ومفصّل .
    أما المجمل: فهو تجنب الأسباب التي تقتضي عذاب القبر .
    ومن أنفعها أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب فسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحاً بينه وبين الله؛ فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة؛ فإذا مات في ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلاً للعمل، مسروراً بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته .
    وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولا سيما إذا عقَّب ذلك بذكر اللّه، واستعمال السنن التي وردت عن رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه وآله وسلم - عند النوم حتى يغلبه النوم؛ فمن أراد به خيراً وفقه لذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


وأما الجواب المفصَّل فنذكر أحاديث عن رسول اللّٰه - صلى اللّٰه عليه واله وسلم - فيما ينجي من عذاب القبر) .
(1)
ثم شرع - رحمه اللّٰه - بذكر جملة من الأحاديث في هذا الشأن . (٢)


أولاً: حقيقة الروح التي في البدن: اختلف الناس في حقيقة الروح التي في البدن اختلافاً كثيراً، وأحسن ما قيل في ذلك؛ ما ذكره ابن القيم - رحمه اللّٰه - في كتابه الروح؛ حيث ساق ستة أقوال في الروح نقلها عن الرازي، واختار آخرها، وقال ((السادس: إنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني، علوي، خفيف، حي، متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم.
فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء، وإفادتها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية .
وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار - فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح)). (١)
وبعد أن ساق ابن القيم - رحمه اللّٰه - هذا القول قال: (وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وأدلة العقل والفطرة)) . (1)
ثم أورد - رحمه اللّه - بعد ذلك مائة وستة عشر وجها على صحة
ما ذكر، ثم ناقش أدلة القائلين بغير ذلك . (٢)
ثانياً: لم سميت الروح بهذا الاسم؟: لأن بها حياة البدن.
ثالثاً: هل الروح والنفس شيء واحد أو أنهما متغايران؟: الروح التي في البدن هي النفس؛ فهذا المخلوق الذي تكون به الحياة، وتفقد فقده يسمى روحاً، ونفساً؛ فهما بهذا الاعتبار مترادفان، يُعَبَّر بكل واحد منهما عن الآخر، ويدل عليه، ولا يمنع أن يكون لكل واحد منهما إطلاقات أخرى . (٣)
وبالجملة فإن النفس تطلق على أمور، والروح كذلك؛ فيتحد مدلولهما تارة، ويختلف تارة؛ فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالباً ما تسمى به نفساً إذا كانت متصلة بالبدن، أما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها. (٤)


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والروح المدبرة للبدن هي الروح
المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت)) .
(1)
وقال: ((لكن تسمى نفساً باعتبار تدبيره للبدن، وتسمى روحاً باعتبار لطفه)) . (٢)
وقال ابن القيم - رحمه اللّٰه - ((أما الروح التي تتوفى وتُقبض فهي روح واحدة، وهي النفس)) . (٣)
رابعاً: من إطلاقات الروح: لفظ الروح له عدة معان غير الروح التي تفارق البدن بالموت التي هي النفس، فمن إطلاقات الروح ما يلي : (٤)
١- تطلق الروح على الهواء الخارج من البدن والهواء الداخل فيه.



  1. وتطلق على البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق.

  2. وتطلق الروح على جبرائيل - عليه السلام - قال تعالى -: (نَزَلَ بِهِ الرّوحِ الأمين ) [الشعراء: ١٩٣] .

  3. وتطلق على ما يؤيد اللّٰه به أولياءه من الروح، كما قال - تعالى -:
(أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهِمُ الإِيِمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحِ منْهُ)


٥- وتطنق على الروح الذي أيد اللّٰه به روحه المسيح بن مريم - عليه
السلام - كما قال - تعالى -: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتكَ إِذْ أَيَّدِتُّكَ برُوحِ القُدُس) [المائدة: ١١٠].



  1. وتطلق على الروح التي يلقيها اللّٰه على من يشاء من عباده.

  2. وتطلق الروح على القوى التي في البدن؛ فإنها تسمى أرواحاً، فيقال: الروح الباصر، والروح السامع، والروح الشامّ؛ فهذه الأرواح قوى مُوْدَعَةٌ في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى .

  3. ويطلق الروح على ما هو أخص مما مضى كله، وهو قوة المعرفة بالله والإنابة إليه، ومحبته، وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته.
ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن؛ فإذا فقدته الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه، وهي الروح التي يؤيد اللّٰه بها أهل ولايته .
ولهذا يقول الناس: فلان فيه روح، وفلان ليس فيه روح، وهو نصبةٌ فارغة، ونحو ذلك.

  4. ويطلق الروح على غير ما ذكر مما فيه معنى الحياة المعنوية، فللعلم روح، وللإحسان روح، وللإخلاص روح، وللمحبة والإنابة روح، وللتوكل والصدق روح.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Chapter 1. Intr...

Chapter 1. Introduction to Inflammatory Diseases and Machine Learning Approaches 6 1.2.3 Causes of i...

 تتمثل من أحد ...

 تتمثل من أحد الموضوعات المهمَّة والحسَّاسة، وجدية الموضوع لكثرة المنازعات القضائية الجوارية واهتما...

ت ةفص ونيبلألا ...

ت ةفص ونيبلألا يف ةدع لكاشم ةقلعتم ةيساسحلاب ةيئوضلا يف رصبلا دلجلاو ضرعتيو ءالؤه دارفألا ىلإ قورح ...

ثانيا: أوجه الا...

ثانيا: أوجه الاختلاف بين العمل المدني والعمل التجاري 1: من حيث الإختصاص القضائي: أي من حيث مع...

476% 8 تكبير ...

476% 8 تكبير عودة 12:23 صفحة 7 لم تظهر محاكم التفتيش في أوربا إلى حيز الوجود بين عشية وضحاها. ...

وباعتبارها المك...

وباعتبارها المكان الوحيد للراحة والاستجمام للمواطنين، اعتمدت الجزائر على استراتيجية عامة بصدور القان...

الصلابة : تم تق...

الصلابة : تم تقييمها بناءً على مقاومة المواد للخدوش والصدمات. الحديد كان الأكثر صلابة، يليه الحجر، ب...

يعد العرف أقدم ...

يعد العرف أقدم مصادر القواعد الدستوريه حيث مازال العرف علي الرغم من انتشار ظاهره الدساتير المكتوبه ي...

إال إذا ب -1قاع...

إال إذا ب -1قاعدة البداهة والوضوح: ومفادها أن العقل ال يسلم ي الرؤية تعن كانت واضحة وجلية. وال يساور...

أين ال�سبيل للح...

أين ال�سبيل للحوار؟ يظهر من خالل ا�ستعرا�صنا لأهم املوانع التي تعرت�س �سبيل احلوار بني ُعيقات،التي ...

1/1 خلفية للدرا...

1/1 خلفية للدراسة: يتم تعريف عمل التحول عمومًا على أنه ساعات عمل مجدولة خارج وضح النهار. يعمل Shi...

أعتقد أنه ليس م...

أعتقد أنه ليس من العدل أن نقول "أنا فقط أفعل ما يقال لي" لأن كل شخص لديه عقل يفكر ويعرف ما إذا كان ه...