لخّصلي

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله كلية العلوم الإنسانية محاضرات في مقياس فلسفة الفن والجمال م د إشراف : الأستاذة الدكتورة جاري جامعة الجزائر 02 أبو القاسم سعد الله محاضرات لطلبة السنة الثالثة ل م د (كل الأفواج ) قسم الفلسفة إشراف : الأستاذة الدكتورة جاري
2024 /2025 السنة الجامعية :
عنوان المحاضرة : فلسفة الفن والجمال عند فلاسفة اليونان تشكّلت الحضارة الإغريقية نتيجة هجرات إلى اليونان من آسيا الوسطى مع عدد من الهنود الأوروبيين من حوالي سنة 1300 ق. م. وهكذا اصبح الفنّ معرفة حيّة وورحية وأصبح الجمال نموذجا حقيقيًا، وذلك ضمن نظام موحّد ينظّم مقياس الأشياء، فأصبح الفن عندهم هو الجمال القائم على الوحدة وكانت هذه المبادئ أساسًا للفنّ وفلسفة قائمة على الإنسان كعنصر جمالي وأداة لاستخدام الجسم البشري ونبذ كل ما هو قبيح وغير إنساني فاستطاع الفنان الإغريقي، وذلك من حيث تمجيدها للجمال الجسماني للقوة والشجاعة الوطنية، أ‌- هوميروس: فقد استخدم تعبير الرائع، التناسق، هو دور الفنّ، وتأثيره على تصرّفات البشر، ج- فلسفة هيراقليط الجمالية: هو من الفلاسفة الأوائل، الذين بنوا فلسفتهم على أساس مادّي، لكن معظم المحدثين يفضّلون دراسته على حدة، لأنه قال بأشياء تجعل مذهبه مستقلا قائما بذاته، وهو أيضا نسبي، أما معنى الجمال عنده: فهو تناسق وحدة الأضداد، وهو أيضًا موجود في الإنتاج الفنّي. وفي هذه الأضداد يتكوّن التناسق، نرى الشيء عينه، من حيث تداخل الألوان، بين مختلف الأصوات والأنغام المنخفض والعالي، لايقف فقط على الطبيعة، كذلك يلعب دورًا أهمّ من الذي يلعبه في الطبيعة، وهو يمثّله في صورتين، فإن مياهًا جديدة تغمرك باستمرار". فقد أظهر استياءه من الديمقراطية والأرستقراطية، لأنّه لا يضمن العيش للغد، ولم تكن مؤرّخة أو مدوّنة، وأهميّة هذه المحاورات، إنّها أسلوب فنّي يخاطب النخبة، وقد حاول وضع هدف من وراء كل محاورة ليصل إلى العلى. فقد كانت المهيمن على كل أفكاره ومنها: أن الحقيقة ليست انطباع الفرد الذاتي، وجوهر فلسفته في أن المفهوم ليس مجرّد فكرة في العقل، وهنا بداهة أنّها متشابهة، فهناك فكرة وجود حال واحد في عقلك، أو أنّها من عقلك، وهنا تكون فكرتك عن الجمال ذاتية بحتة، وإذا لا بدّ من الإيمان بوجود مثال هذا الشيء باعتباره الجمال الواحد ذاته، وهذا الجمال يوجد خارج العقل وهو شيء متميّز عن كل الأشياء الجميلة. وتتكوّن فكرة الجمال بإدراج ما هو مشترك من الأشياء الجميلة واستبعاد النقاط التي تختلف عن الجمال، ولذلك تقوم نظرية أفلاطون على أن المفاهيم هي حقائق موضوعية، فهذه النهضة في النفس تحصل بالدرس الذي يرمي إلى اجتذاب العقل من الحسّيات إلى اليقينيات، وكل ما يثير العقل إلى التفكير في طبيعة الأشياء الجوهرية يؤدّي إلى إحراز النتيجة نفسها . فالرائع صفة ما فوق الحواس لا يمكن أن نعرف الرائع بحواسنا بل بالعقل، ولا من خلال تفهّم الإنتاج الفني، ولكن عن طريق المعرفة الوجدانية فيقول أفلاطون إن كل شيء زمني في العالم هو صورة لمثال أبدي موجود في عقل الآلهة. وكل عمل صالح ما هو إلاّ صورة للمثال الأبدي للصالح، وهو مختلف عن الملموس الرائع، 2) مثل الفراش الذي صنعه المنجد. بل ظاهرت الحياة اليومية. لأن هؤلاء الشعراء إنّما يقدّموا أوهام، فهم مقلّدون صورًا خيالية في كل ما نظموا، وعلى الأخصّ هوميروس، فالفنان الذي تحدّث عنه قادر على إيهام كل الكائنات الحيّة، فكأنه يمسك بمرآة ويعكسها في كل الاتجاهات فتظهر الشمس، إذن أفلاطون رفض شعر المحاكاة وهو بنظره يعتمد على إثارة انفعالات النفس الإنسانية ويؤثّر على الناس ويتلاعب في مشاعر سامعيه. وهذا أسلوب الشاعر المحاكى لأنّه من السهل تقليد التقلبات في النفس الإنسانية . وعندما يسأل (سقراط) (غورغياس) في المحاورة، هل يوجد شيء نسميه علم أو معرفة يجيبه (غورغياس) نعم. فالخطيب لا يقدّم إلاّ الاعتقاد . وفن الخطابة يتعلّق بوجه عام بالفنّ، 1) تحديد شروط الخطابة وبدون معرفة كل الأفعال والتأثيرات الضرورية فيها. وبالتالي تحدّد نوع الخطابة وتأثيرها على كل نفس. يشدّد أفلاطون (بلسان سقراط) على تصنيف أنواع الخطابة (الفصيحة والبليغة) مرّة مختصرة وطورا مثيرة للانفعال وطورا مصدومة. وليس فقط توافقها. أما التصوير عند أفلاطون – في أيام عصره- فيرمي إلى تقليد الطبيعة الظاهرة، وهو مخادع لأنه يصف الواقع، فالأشياء كما نعلم تظهر لنا مختلفة الحجم لبعدها عن عيوننا كأنّها محدبة أو مقعرة بسبب الخطأ اللوني الذي تتعرّض له العين. وبنظر أفلاطون الرسام واقعي يعكس ما يشاهده ويقلّد دون التعمّق بالمعاني الأخلاقية والمثالية. هذه النظرة الواقعية للتصوير عند أفلاطون تعكس الأشياء كما هي مرئية، ومنظورة، بكل تفاصيلها، ولذلك اتّهم هؤلاء بانّهم لا يقدمون خلقًا فنيًا يعبر عن الحقيقة أو يرشد إلى الخير، والخداع البصري والبراعة في استخدام درجات اللون، فإنّه يكون حينئذ فنّا ذا فائدة، أن تفيض على نفسه سيول الأنغام الشجيّة البديعة فمهما يكن في إنسان من النزق الشديد والقسوة، إذا ثابر على ذلك منذ طفولته دون فتور. وهي تحميها م ارتكاب الأخطاء والآثام . وتعود إلى دامون (متبع النظرية الفيثاغورية) ودامون يقدم في الايقاع المقاييس التي تتوافق مع الدناءة والخسّة وغيرها من الشرور والايقاعات التي نستبقيها تتوافق مع الخير والخلق الحسن. لذلك قبل أفلاطون من الموسيقى النوع المساعد على توافق النفس واتّزانها.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله
كلية العلوم الإنسانية
قسم الفلسفة
محاضرات في مقياس فلسفة الفن والجمال

السنة الثالثة ليسانس ل. م د إشراف : الأستاذة الدكتورة جاري

  جامعة الجزائر 02 أبو القاسم سعد الله               محاضرات لطلبة السنة الثالثة  ل م د (كل الأفواج )

        كلية العلوم الإنسانية                            مقياس : فلسفة الجمال (الدروس النظرية )

            قسم الفلسفة                                إشراف :  الأستاذة الدكتورة جاري  

                                       2024 /2025                                  السنة الجامعية :                               

عنوان المحاضرة : فلسفة الفن والجمال عند فلاسفة اليونان
تشكّلت الحضارة الإغريقية نتيجة هجرات إلى اليونان من آسيا الوسطى مع عدد من الهنود الأوروبيين من حوالي سنة 1300 ق. م. فكانت بيئة الإغريق الأولى، هذه الحضارة الإغريقية على الرغم من الطابع الشرقي وبالتحديد طابع البحر المتوسط، فقد كان للفلسفة الإغريقية مفهومًا خاصًا إذ حاولت الفصل بين الإنسان ومفهوم الكون (أو الطبيعة) وكان العقل طريقًا لحرّية الإنسان وتغلّبه على قوانين الطبيعة والوصول إلى التقدّم والإبداع وهذا ما عجز عنه السابقون عليهم من تحقيقه فقد كانت القيم الدينية عندهم مرتبطة بأشكال الطبيعة ولم تكن خوفا من القوة الغيبية عند الأديان البدائية، وهكذا اصبح الفنّ معرفة حيّة وورحية وأصبح الجمال نموذجا حقيقيًا، ولم يعد مكرّسا للمعابد فقط بل صار فنًّا إبداعيًا على الأبنية وتيجان الأعمدة وفي الملاعب الرياضية والمسارح وداخل البيوت.
ونلاحظ أن الفنان الإغريقي كان يحقّق التناسب والتوافق في أعماله الفنّية، وذلك ضمن نظام موحّد ينظّم مقياس الأشياء، فأصبح الفن عندهم هو الجمال القائم على الوحدة وكانت هذه المبادئ أساسًا للفنّ وفلسفة قائمة على الإنسان كعنصر جمالي وأداة لاستخدام الجسم البشري ونبذ كل ما هو قبيح وغير إنساني فاستطاع الفنان الإغريقي، أن ينقل بفنّه المفاهيم الجمالية والمعطيات النفسية الفيزيائية عبره، وذلك من حيث تمجيدها للجمال الجسماني للقوة والشجاعة الوطنية، كما أن واقعيتها استمدّتها من إنسانيتها وهذا ما جعل الفن الإغريقي وجمالياته مرتبط بالحياة وقد ساعد ذلك على فهم الأعمال الفنّية وإمكانية الحكيم عليها.
ومن اهم المصطلحات أو التعبيرات الجمالية عند فلاسفة هذا العصر:
أ‌- هوميروس: فقد استخدم تعبير الرائع، التناسق، الجمال، ففي رأيه كل ما هو جميل ومتناسق ورائع، وواقعي يستطيع الإنسان أن يفهمه ويلمسه بحواسه، فالفنّ عنده حرفة وقد أعطى مثالاً عن تأثير المغني الإغريقي ديمودوك بأغانيه على حرب طروادة وهذا يعني تأثير الرقص والغناء في حياتهم. إذًا هوميروس لم يخرج عن نطاق الفن الإغريقي، الذي تحدّثنا عنه فقد اعتبر أن الشيء الجمالي هو الشيء الواقعي الذي نحسّه بحواسنا .
ب‌- المدرسة الفيثاغورية: مؤسّسها هو فيثاغورس، وقد أصبح تلاميذه من أشهر الفلاسفة والفلكيين والرياضيين، ويعتبر فيثاغورس أن تناغم وتناسق الأرقام، هو الذي يؤثّر في جميع مظاهر الحياة، وبالطبع على الفنّن هذا التناسق في الأرقام استعمله الفيثاغوريون في الموسيقى، فهم أول من قالوا أنّ قوة الصوت تتوقّف على طول الأوتار المهتزّة. ولذلك طوّر الفيثاغوريون نظام الفواصل الموسيقية، على أساس رياضي، ووصفوا الفواصل الموسيقية، على أساس رياضي أيضًا.
وعلى الرغم من إدراجهم في خانة المثاليين، وذلك لاعتقادهم أن الأرقام هي التي تحدّد جوهر الأشياء، فإنّهم موضوعيون من ناحية اعتبارهم، أن تناغم الأرقام، هو القانوني الموضوعي، المؤثر على كلّ شيء. وأكثر ما أثار اهتمامهن، هو دور الفنّ، وتأثيره على تصرّفات البشر، وعلى الأخصّ الموسيقى، فبرأيهم أن الألحان الجميلة الرائعة تذهب من الناس الشرّ والكراهية، وتزيل الغضب، والخوف وتخفّف من الغيرة والشهوة العارمة، إلى جانب مساعدتها الإنسان على نسيان تعبه وهمّه. إذًا المقاييس العددية، التي تقوم عليها الأنغام، هو ما أشرنا إليه سابقًا، من حيث ترابط الظواهر الجمالية الموضوعية، بالأساس الرياضي العددي .
ج- فلسفة هيراقليط الجمالية: هو من الفلاسفة الأوائل، الذين بنوا فلسفتهم على أساس مادّي، وهذا ما ذهب إليه القدماء وعلى رأسهم أرسطو.
كان هيراقليط من جملة الطبيعيين الأولين، لأنّه قال أن النار علّة الأشياء، لكن معظم المحدثين يفضّلون دراسته على حدة، لأنه قال بأشياء تجعل مذهبه مستقلا قائما بذاته، وأول من فسّره تفسيرا جديدًا هو الفيلسوف الألماني هيغل، فالجمال بالنسبة لهيراقليط، هو صفة للعالم الواقعي الملموس، وهو أيضا نسبي، فيعطي لذلك مثالا أنّ أجمل قرد وهو قبيح بالنسبة للجنس البشر كما أن احكم النسا عند مقارنته في الآلهة يشبه القرد في الذكاء والجمال، لذلك فإن اختلاف الأنواع هو سبب النّسبية في الجمال.
أما معنى الجمال عنده: فهو تناسق وحدة الأضداد، وأساس الجمال التناسق، ونحن نرى التناسق في الكون، كما وأنّه أساس الارتباطات الإنسانية، وهو أيضًا موجود في الإنتاج الفنّي. وقد حلل أرسطو مفاهيم هيراقليط الجمالية فقال: إن الطبيعة تنزع إلى الأضداد، وفي هذه الأضداد يتكوّن التناسق، فالطبيعة ربطت بين الذكر والأنثى، وليس بين الجنس الواحد، لذا فإن أوّل ارتباط أوجدته الطبيعة يكون في الجمع بين الأضداد، وفي الفن، نرى الشيء عينه، فنلاحظ أن ما يعبّره الفنانون في لوحاتهم، من حيث تداخل الألوان، الأسود بالأبيض مثلا، والأحمر بالأصفر، وإلى جانب اللوحات الفنّية، كذلك الأمر في الموسيقى، فإننا نلاحظ التناسق الموحّد، بين مختلف الأصوات والأنغام المنخفض والعالي، أي تناسق الأضداد، ويفسّر أرسطو التناسق عنده الذي يبنى عليه اسس الجمال، فيذكر العبارة التالية لهيراقليط التي تقول: "إن التناسق المبطّن أفضل من التناسق الظاهر" . ومعنى هذا أن المضمون الجمالي للتناسق يكون أكثر جمالاً وروعةًً، كلما كانت الأضداد أكثر، فإن هيراقليط قد أوضح مفاهيم علم الجمال، على أنّها انعكاس لصفات وعلاقات العالم الخارجي الموضوعي، من هنا نرى ان هذا التحليل، يظهر لنا الصّفات المادّية في نظرية هيراقليط الجمالية.
إذًا تلخيصا لمبدأ وحدة الأضداد، عند هيراقليط نقول: "أن مبدأ وحدة الأضداد، لايقف فقط على الطبيعة، بل يشمل الإنسان وأعماله وحياته، كذلك يلعب دورًا أهمّ من الذي يلعبه في الطبيعة، إذًا الأشياء في تغيير متّصل وسيلان دائم، هذا هو قوله الأكبر، وهو يمثّله في صورتين، الواحدة في جريان الماء فيقول: "أنت لا تنزل النهر الواحد مرتين، فإن مياهًا جديدة تغمرك باستمرار". وهذه الصورة أحبّ لديه من الأولى، للعلاقة الوثيقة بين النار المشتعلة، والتغيّر المتّصل، فالنار أسرع الأشياء حركة وأدلّ على التغيّر وهو يرى ان النار هي المبدأ الذي تصدر عنه الأشياء وترجع إليه.

الفلسفة الجمالية عند أفلاطون
جاء أفلاطون مع انتهاء الحرب البلوبونزية التي استمرّت أكثر من ربع قرن، وهذا أدى إلى انهيار مركز أثينا بعد أن قسّم المجتمع اليوناني إلى قسمين.
الإنسان الحرّ، والعبد تحوّلت الديمقراطية المنتظرة إلى غوغاء واستعاد الحزب الأرستقراطي السلطة مع حكم الطغاة الثلاثين، وكان من بينهم قريب لأفلاطون، إلاّ أنه بعد عن تحسين الأوضاع في تللك الفترة، مما كان له الأثر البالغ على حياة أفلاطون، فقد أظهر استياءه من الديمقراطية والأرستقراطية، كما اعتبر الدستور الأثيني بال ومن الواجب تغييره، فضاعت الأخلاق عند الناس بسبب الوضع القائم، ولم يعد احد يقلق على المستقبل، لأنّه لا يضمن العيش للغد، إذًا اللامبالاة كانت سيّدة الموقف في تلك الفترة الزمنية، ومحبة القوة عملية ناتجة عن الجشع والمصلحة الفردية وهي التي أدّت إلى تلك المآسي .
في هذه الظروف الصعبة انطلقت فلسفته، وذلك بعد تأثّره بأستاذه سقراط، صاحب النظرية العقلية التي توصل إلى المعرفة الحقيقية، وقد كتب أفلاطون يشرح للجمهور الدوافع الرئيسية التي جعلت سقراط يرفض مغادرته للسجن، وذلك ليبقى مخلصًا لمبادئه التي دافع عنها كل حياته .
هذه الفلسفة (أي فلسفة أفلاطون) نجدها ضمن إطار محاورات، ولم تكن مؤرّخة أو مدوّنة، لذلك كان خلاف حول إدراجها تاريخيا، وأهميّة هذه المحاورات، إنّها أسلوب فنّي يخاطب النخبة، ويحثّ الفكر على النشاط، ويستثير القدرة على الإبداع، وقد حاول وضع هدف من وراء كل محاورة ليصل إلى العلى. والمحور الأساسي والرئيسي في فلسفته نظرية المثل، فقد كانت المهيمن على كل أفكاره ومنها: أن الحقيقة ليست انطباع الفرد الذاتي، بل هي شيء حقيقي موضوعي في حدّ ذاتها. والمعرفة هي استيعاب عقلي، وليس مجرّد حقيقة غريزية، وجوهر فلسفته في أن المفهوم ليس مجرّد فكرة في العقل، بل هو شيء له حقيقته الخاصة به. فإذا كان المفهوم هو الحقيقة الوحيدة، فإن ماله حقيقة هو المفهوم، وما ليست له حقيقة هو الشيء المفرد الذي تدركه الحواس وإذا ما سألتك ما هو الجمال فتشير إلى أي شيء تعتبره جميلا وتقول هذا الجمال، ولكن ما أريد معرفته هو ليس الأشياء الجميلة وإنّما الجمال، أي ماهية هذا الجمال الواحد المتميّز عن كل الأشياء الجميلة، ولعلنا نقول أنه لا وجود مثل هذا الشيء مفصولاً عن الأشياء الجميلة، ، وإننا بالرغم من استخدامنا كلمة واحدة فإننا لا نتبع إلاّ طريقة خاصة بالتعبير والكلام وأنّه يوجد في الواقع جمالات عديدة، كل منها مستقرّ في موضوع جميل، في هذه الحالة الجمالات عديدة ومختلفة إلاّ أننا نستخدم كلمة واحدة لوصفها.
وهنا بداهة أنّها متشابهة، فالمشابهة هي من فعل العقل وليس من فعل الحواس، لهذا يجب أن تكون لدكي فكرة الجمال في عقلك، وبها تقارن بين الأشياء الجميلة المختلفة، فهناك فكرة وجود حال واحد في عقلك، وهذه الفكرة إما أنّها تنطبق على شيء خارجك، أو أنّها من عقلك، وهنا تكون فكرتك عن الجمال ذاتية بحتة، لذلك لا يمكن أنت جعلها معيارًا لحكمك على الأشياء إذا ما كانت جميلة، وإذا لا بدّ من الإيمان بوجود مثال هذا الشيء باعتباره الجمال الواحد ذاته، حيث تكون فكرتك نسخة عنه، وهذا الجمال يوجد خارج العقل وهو شيء متميّز عن كل الأشياء الجميلة.
فالجمال عند أفلاطون قائم على نظرية المثل والأخلاق والسياسة، والمثل أبدية خالدة، وإذا كنّا نعتبرها قاعدة فتصبح الفنون مثلها، فهناك إله جيّد صنع العالم على صورته .
إذًا الجمال وما يقال بالمثل عن العدالة أو الخير فكلها مفاهيم، وتتكوّن فكرة الجمال بإدراج ما هو مشترك من الأشياء الجميلة واستبعاد النقاط التي تختلف عن الجمال، وهذا هو بالضبط ما نعنيه بالمفهوم، ولذلك تقوم نظرية أفلاطون على أن المفاهيم هي حقائق موضوعية، ويطلق عليه المصطلح المعروف "المثل"، وتفسّر جوابه الفلسفي على أنّها تلك الحقيقة المطلقة والقصوى، التي يمكن أن تفسّر كل الأشياء الأخرى، فهذه النهضة في النفس تحصل بالدرس الذي يرمي إلى اجتذاب العقل من الحسّيات إلى اليقينيات، ومن المنظورات إلى غير المنظورات والأبديات، وكل ما يثير العقل إلى التفكير في طبيعة الأشياء الجوهرية يؤدّي إلى إحراز النتيجة نفسها .
إذا من هنا نخلص إلى أنّ تعليم أفلاطون عن المثل وعلاقتها بالأشياء الحسّية هي أولا العلّة أو الأساس لهذه الأشياء فهي الحقيقة المطلقة أو الأشياء الجزئية نسخ للمثل وظلال وإنصاف حقائق، وقد نمت هذه النظرية نتيجةً للتفرقة بين الحسّ والعقل حيث كانت الظواهر الاجتماعي تؤكّد على وجود هذين العالمين.
فالرائع صفة ما فوق الحواس لا يمكن أن نعرف الرائع بحواسنا بل بالعقل، ومن هذه النظرية الميتافيزقية المثالية عن الرائع نستنتج أن الفن عند أفلاطون له علاقة مباشرة مع نظرية المثل، فالرائع لا يمكن أن يتمّ من خلال عملية الإبداع الفنيّ، ولا من خلال تفهّم الإنتاج الفني، ولكن عن طريق المعرفة الوجدانية فيقول أفلاطون إن كل شيء زمني في العالم هو صورة لمثال أبدي موجود في عقل الآلهة.
وهكذا لست أنا وأنت إلاّ صورة بشرية للمثال الإلهي عن الإنسان، وكل عمل صالح ما هو إلاّ صورة للمثال الأبدي للصالح، وقد طبّق فكرته هذه على تفسيره للفنّ فيقول أن الفنان ما هو إلاّ ناسخ لا يفهم المعنى الحقيقي للوجود والرائع ولكنه يعطي نتاجا فنّيا، فهو يحاكي العالم المحسوس والأخير ما هو إلاّ نسخة وانعكاس لانعكاس وظلّ لظلّ، ففي التقليد قد ذلق الحقيقة وظاهر أنّه يؤثّر كثيرا لأنّه يتناول قسمًا صغيرًا من امتداد الموضوع وذلك القسم غير مهمّ، فلو كان الإنسان فاهما طبيعة الأشياء التي يقلّدها لوجّه نحو الأعمال الحقيقية جهدًا أعظم من جهده في تقليدها وبذلك يترك آثارا جميلة تخليدًا لذكره . (ويقصد هنا فنانّو عصره).
إذا عالم المثل او عالم الجواهر الأزلية هو أعلى من العالم الطبيعي والشيء الرائع عند افلاطون هو هذا العالم الأبدي اللامتغيّر فهو جميل ورائع في كل الأوقات، وهو مختلف عن الملموس الرائع، والجميل، لذلك فإنّ فهمًا ميتافيزقيا لهذا الرائع الأبدي وهو حصولنا على هذا الرائع.
ويحدّثنا أفلاطون مطوّلا عن الفن في أيامه، في الباب العاشر من جمهوريته وذلك بعد وضعه نظرياته الاجتماعية والسياسية، ويتساءل عن المحاكاة فيقول: ما هي المحاكاة؟ يشرح أفلاطون في جمهوريته فيجيب: ما هو فنّ التقليد؟ خذ الفراش مثلا أو الخوان:

1. مثل الفراش أو رسمه على ما خلقه الله.


2. مثل الفراش الذي صنعه المنجد.


3. الفراش الذي رسمه الرسّام
   والفراش الثالث هو نسخة عن المثال الثاني، وهذا بدوره نسخة عن المثال الأول، وبالطريقة نفسها يقلّد الشاعر، ليس المثل فقط ويه اليقينات الوحيدة، بل ظاهرت الحياة اليومية. فبأي أقسام العقل يختصّ التقليد؟ طبعا إنّه لا يختصّ بالعنصر العقلي، وهو أشرف أقسام الطبيعة، بل يختصّ بعنصر أدنى منه وهي الحواس، ويكثر فيه التغيير والقلق فيتّسع منه أمامهما ميدان التقليد والمحاكاة .
   ويتابع أفلاطون حديثه عن محبي النظر والسمع كيف يعجبون بالجميل من الأصوات والألوان والصور. ويؤكّد على عدم فهمهم كنه الجمال، وذلك أنّهم يحاكوا، والمحاكاة بعيدة عن الحقيقة، وهي إذا قامت بكل الأشياء وقدمت ما يشابهها فهي لن تلامس إلاّ جزءً بسيطا وصغيرًا وهو ظلّ، وصانع التراجيديا إنما مقلّد وبعيد عن الفضيلة، ونضرب مثالا بأبو التراجيديا وأعني بذلك هوميروس، وينتقده – أفلاطون- وينتقد سامعيه لأنّهم يؤمنون بما يقول، فهو بنظرهم يعرف كل شيء إنساني متعلّق بالفضيلة والرذيلة وحتى في القضايا الإلهية إلى جانب معرفته لكل الفنون، ومن الضروري أن نقول لهم، إن الشاعر الجيّد هو من يستطيع أن يخلق قصيدة جميلة يعرف حقيقة موضوعاتها. فيجب أن نفحص أعمال هؤلاء الأشخاص إذا لم يقعوا في عملية المحاكاة هذه، وأنّهم ابتعدوا عن الحقيقة ومعرفتها. ذلك أنّه من الممكن وعلى الرغم من عدم معرفتهم للحقيقة، من السهل أن ينجحوا في إقناع الناس. لأن هؤلاء الشعراء إنّما يقدّموا أوهام، وأشباح لا حقائق، فهم مقلّدون صورًا خيالية في كل ما نظموا، فلم يلمسوا الحقيقة. ومن هنا جاءت انتقاداته لشعراء التراجيديا، وعلى الأخصّ هوميروس، فالفنان الذي تحدّث عنه قادر على إيهام كل الكائنات الحيّة، فهو سفسطائي مغالط للحقيقة، فكأنه يمسك بمرآة ويعكسها في كل الاتجاهات فتظهر الشمس، النجوم والكائنات الحيّة الأخرى... ولكن هل هذه حقيقة؟ إنّها ظلال لهذه الحقائق ويدّعي الفنان أنّه يقدّم للناس الحقيقة ولا شيء إلاّ الحقيقية، إنّما هو مغالط لا يقدّم إلاّ المعرفة الوهمية .
   إذن أفلاطون رفض شعر المحاكاة وهو بنظره يعتمد على إثارة انفعالات النفس الإنسانية ويؤثّر على الناس ويتلاعب في مشاعر سامعيه. وهذا أسلوب الشاعر المحاكى لأنّه من السهل تقليد التقلبات في النفس الإنسانية .
   ويقول أفلاطون بأن هناك نقطتين متّفق عليها بعد هذا الشرح، فبداية المحاكى ليس ليديه أية معرفة مقبولة لما يقلّد، وأن التقليد هو بمثابة لعبة أولاد. وما يقوله عن التراجيديا فإنّه يردده عن الكوميديا ولنفس الأسباب .
   وبعد اعتراض أفلاطون على شعراء التراجيديا، فإن الشعر المسموح في الدولة هو الشعر الحماسي والديني الذي يعبّر عن مثالية وأخلاقية عالية. إذًا ما يريد قوله أفلاطون: "أن الشعر التراجيدي يصغّر النفس لأنّه يجرّنا إلى الشعور العميق بآلام الآخرين فتضعف عزائمنا ونقعد عن حمل أحمالنا. ولذا نحن ملزمين رغم إرادتنا أن نضع القانون القائل: يباح من الشعر فقط تسابيح الالهة، وتقاريظ كبراء الرجال، والأعمال الشريفة لأن الصلاح ليس أمرًا سهلاً وعلينا حتما تجنّب كل ما يعارض نمونا في الفضيلة" .
   أما الخطابة عنده فهي مختلفة عمّا كان يعتبرها السفسطائيين وعلى رأسه غورغياس. عرّف الخطابة بأنّها واحدة من الفنون التي تتمّ وتعطي بصمتها الفريدة على المحادثة، ومواضيعها هي كل الأعمال والقضايا الإنسانية الكبرى. ويبرز أفلاطون رأيه من خلال (سقراط) في محاورة غورغياس فيتحد (سقراط) باسمه إذ يناقش في المحاورة (غورغياس) نفسه فيعتبر أن الإقناع هو أسلوب الخطابة وهدفها محاولة إقناع الناس بخطابها. وعندما يسأل (سقراط) (غورغياس) في المحاورة، هل يوجد شيء نسميه علم أو معرفة يجيبه (غورغياس) نعم. وشيء آخر نسميه اعتقاد يجيب نعم بالتأكيد. ويسأله (سقراط) هل المعرفة والإيمان والعلم والاعتقاد مختلفان؟ يجيبه نعم. ويسأله من جديد (سقراط) هل اعتقاد خاطئ وآخر صحيح يجيب نعم. ويسأله (سقراط) مجدّدا هل يوجد علم صحيح وعلم خاطئ؟ يجيبه لا أبدا. إذا من الواضح او الظاهر أن العلم والاعتقاد ليسا بشيء واحد. يجيب مؤكّد. إذًا ما نعرفه هو ما نحاول أن نقنع الناس به ونحملهم على الاعتقاد بصحة الرأي الذي نتبنّاه. إذًا (سقراط) يذهب إلى القول أن هناك نوعان من الاعتقاد واحد ناتج عن الاعتقاد بدون علم وآخر ناتج عن العلم. فالخطابة إذًا كما يبدو هي مفتاح الإقناع الذي يوصل للاعتقاد وهو من الممكن أن يكون صحيح أو خاطئ، فالخطيب لا يقدّم إلاّ الاعتقاد .
   وفن الخطابة يتعلّق بوجه عام بالفنّ، وقد انتقد أفلاطون هذا الفن وعلى الأخصّ سوء استعماله عند السفسطائيين، كما ظهر من المحادثة التي ذكرناها – محاورته غورغياس- وقال بوجوب تنقية هذا الفن من التمويه السفسطائي، وعلى الرغم من أن الخطابة تقع مرتبة أقلّ من الفلسفة إلاّ أن وجودها ضروري لنقل الأفكار الفلسفية إلى ذهن العامة، وتكون فن الإقناع بجدارة عندما تقوم بإقناع الجمهور بحقائق الأمور حيث فشل المنطق ووقف عاجزًا لعسر فهمه .
   هذه النتيجة التي توصّل إليها أفلاطون جعلته يدخل الخطابة في جمهوريته معتبرها جزءًا من مواد التعليم، الكنّه نبّه إلى سوء استعمال الخطابة ولأغراض شخصية.
   والخطابة الحقيقية عندها نجدها في محاورته فادر Phèdre فيقسمها من وجهة نظره إلى ثلاث نقاط:


4. تحديد شروط الخطابة


5. تفسير طريقتها وأسلوبها


6. تحديد هدف الخطابة
   ففي النقطة الأولى يربطها بكلمة المعرفة. والمواهب الطبيعية هي ضرورية للخطيب ولكن هذه المواهب لا قيمة لها إلاّ إذا استندت على معرفة حقيقية ومناسبة.
   بعد ذلك يحدّد الخطابة التي تجعلها علما مستقلا. ويعطي مثالاً لذلك الطب، فاطب لا يستطيع معالجة الجسم إذا لم تُعرف طبيعته وأقسامه وإذا كانت بسيطة أو مركّبة وإن كانت مركّبة، مما تتكوّن هذه الأقسام، وبدون معرفة كل الأفعال والتأثيرات الضرورية فيها. لذلك الخطابة تحتاج إلى معرفة نفسية أي أن هدفها هو الروح وإقناعها، ويجب أن تتبع هذه الطريقة أي معرفة كل الأقسام والأجزاء، وكل الأفعال فتعرف أنواع النفس، وأنواع الخطابة، وبالتالي تحدّد نوع الخطابة وتأثيرها على كل نفس.
   يشدّد أفلاطون (بلسان سقراط) على تصنيف أنواع الخطابة (الفصيحة والبليغة) مرّة مختصرة وطورا مثيرة للانفعال وطورا مصدومة.
   ولكن المهمّ في ذلك هو أن الخطابة الوحيدة التي تشمل تعليمًا ايجابيًا هي التي تأمل في تفاعل النفوس والخطاب، وليس فقط توافقها.
   ويعطي مثالاً لذلك إرشاد أستاذ الطب لتلميذه وتعليمه كيفية اختيار الدواء المناسب للمرض المناسب.
   إذا يكون أفلاطون قد استبدل النظرية السابقة بنظرية عملية نتطبق على محتوى حقيقي، فتظهر أهميّة تؤثر على مقدرة الخطيب والكاتب.
   أما التصوير عند أفلاطون – في أيام عصره- فيرمي إلى تقليد الطبيعة الظاهرة، وهو مخادع لأنه يصف الواقع، ويحاكيه ولا يقدّم ابتكارًا. ويأخذ بفنّ المنظور والخداع البصري، والبراعة في استخدام الألوان، فالأشياء كما نعلم تظهر لنا مختلفة الحجم لبعدها عن عيوننا كأنّها محدبة أو مقعرة بسبب الخطأ اللوني الذي تتعرّض له العين. وهذا النقص الطبيعي يستخدمه الرسم لمصلحته فينقل الفنان ما يراه. وبنظر أفلاطون الرسام واقعي يعكس ما يشاهده ويقلّد دون التعمّق بالمعاني الأخلاقية والمثالية. إذن نظرة أفلاطون للتصوير هو أبعد الفنون عن الحقيقة. لأنّه يؤثّر على النفس، ويوهمها عن طريق اللون والضوء، مما يؤدّي إلى تصديق التصوير. وهنا يبلغ الفنان غايته في التأثير على الناس فيبعد الفن عن الدور الأخلاقي، وهذا المقياس الأكبر للفن عند أفلاطون.
   هذه النظرة الواقعية للتصوير عند أفلاطون تعكس الأشياء كما هي مرئية، ومنظورة، بكل تفاصيلها، ولا تصل إلى لُبّ الموضوع، وما يحمل من معاني مثالية وأخلاقية. فالمصوّر هو بمثابة حامل لمرآة، يديرها في كل الاتّجاهات، فيصنع بها كل ما يشاء، بسرعة فائقة وبغير معرفة منه ولا فهم. ولذلك اتّهم هؤلاء بانّهم لا يقدمون خلقًا فنيًا يعبر عن الحقيقة أو يرشد إلى الخير، إنما يقدّمون خداعا يُضللّ النفس عن الحقّ، ويؤثّر على اتزانها. وهذا النقد الذي يوجّهه أفلاطون لفن التصوير، وأنّه مخادع ومحاكى للواقع إنّما يردي به فن التصوير الذي يوجّهه أفلاطون لفن التصوير، وأنّه مخادع ومحاكي للواقع إنّما يريد به فن التصوير القديم وهو ما اتّجه إليه مصوري عصره. فأخذ بقواعد فن المنظور، والخداع البصري والبراعة في استخدام درجات اللون، لنقل المرئي المتذوق. ومن اتباع هذه المدرسة الواقعية في التصوير، أو الودورس وبراسيوس وزوكسيس وهو الذي ذكر بلني أن الطيور كان تتهبط لتقنر الكرم الذي صوره في لوحاته . ويقول أفلاطون عن فن النحت أنّه لو روعي فيه ان تكون الأوضاع والخطوط متلائمة مع الواقع وممثله له أكبر تمثيل، فإنّه يكون حينئذ فنّا ذا فائدة، أما إذا لم تُراع فيه هذه القواعد فحظه من الضعة حظ التصوير .
   أما الموسيقى: فيسلم الإنسان نفسه للموسيقى، ويقبل عن طريق الأذن، أن تفيض على نفسه سيول الأنغام الشجيّة البديعة فمهما يكن في إنسان من النزق الشديد والقسوة، فإنّه يلين ويصير حرًّا، إذا ثابر على ذلك منذ طفولته دون فتور. فإنّ فعل الموسيقى هو إذابة ما فيه من نزق وغضب وتلطيف أخلاقه تلطيفا تامًا فيستأصل من أعماق نفسه جذور طبع غضوب، ويجعله محاربا دمثًا .
   هذه النظرية التي قدّمها أفلاطون إنّما هي صورة للمحاكاة الجيّدة التي تطهّر النفس وتهذّبها. وهي تحميها م ارتكاب الأخطاء والآثام . وتعود إلى دامون (متبع النظرية الفيثاغورية) ودامون يقدم في الايقاع المقاييس التي تتوافق مع الدناءة والخسّة وغيرها من الشرور والايقاعات التي نستبقيها تتوافق مع الخير والخلق الحسن. لذلك قبل أفلاطون من الموسيقى النوع المساعد على توافق النفس واتّزانها. ورفض الموسيقى الرخوة وهي الموسيقى الأيونية، والليدية ولم يرض إلاّ بالموسيقى الدورية والفريحية، وهي موسيقى حماسية تساعد الجند في الحروب أو تؤدّي إلى هدوء النفس .
   إذن أفلاطون لم يقبل إلاّ بالمثير للحماس الحربي والمهدّئ للنفس الإنسانية، وهي تساعده على الشجاعة والاتّزان، ففي جمهوريته يذكر أفلاطون محاورة سقراط مع غلوكون عندما يعتبر أن الايقاع واللحن يستمرّان في أعماق النفس، ويتأصّلان فيها فيبثان ما صحبناه من الجمال، ويجعلان الانسان حلو الشمائل إذا حسنت ثقافته، ومن حسنت ثقافته الموسيقية، فله نظر ثاقب في تبيّن هفوات النفس وفساد الطبيعة فيمقتها مقتًا شديدًا.
   هذه النظرية الموسيقية التي قدّمها أفلاطون، توصل النفس إلى تحقيق الخير، وتعبّر عن الجمال والحقيقة، في صورة مقنعة للعقل تبعث في النفس اللّذة الجمالية والخيرية المطلقة.
   أما الجمال المطلق، فقلّة من الناس تدركه، فإذا أدرك امرؤ وجود الأشياء الجميلة، وعجز عن إدراك المطلق، انحسب حياة إنسان كهذا حلمًا أم يقظة؟ أليس الحاكم هو من يخلط بين الحقائق وبين الصور المنعكسة منها؟ وهل من فهم الجمال