خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
المقدمة:
الماء سر الحياة وأساس كل نشاط إنساني، لذا كان البشر يؤدون معظم أنشطتهم الحياتية واليومية بالقرب من موارد المياه. تلعب الأنهار دورًا هامًا كمحطات للتجمعات البشرية نظرا لكونها موردا هاما لإمدادات المياه. لكن بسبب تأثر المياه السطحية بكم وكيف هطول الأمطار الموسمية، اتجه الإنسان لاستكشاف المياه الجوفية مثل الينابيع والعيون والآبار، والتي تم استخدامها كإمدادات مباشرة للمياه. ابتكرت الشعوب القديمة أعمالا هيدروليكية رائعة مثل الأنفاق والقنوات، والتي ساعدت على تزويد المدن بالمياه. تميزت الفترة الرومانية بروعة الابتكار البنائي للقنوات المائية، وكانت الينابيع تعد أكثر مصادر المياه شيوعا لتلك القنوات. مثلت الصهاريج مصدرًا حيويًا من مصادر المياه في أنظمة الري الرومانية والتي تم تطويرها من خلال بناء السدود. في الحقبة البيزنطية، تم التخلي عن بناء القنوات نسبيا، والاستعاضة عنها بإنشاء العديد من الصهاريج وخزانات المياه من أجل تجميع مياه الأمطار.
تغذية الصهاريج:
لم تقتصر تغذية الصهاريج على مياه الأمطار فحسب، بل تنوعت وتعددت مصادر تغذيتها بالمياه، إما عن طريق القنوات المائية أو عن طريق الصهاريج الأكبر. كانت هذه الصهاريج إما صهاريج مفتوحة (هوائية)، وغالبا ما كان يتم شقها عبر الجبال، والتي كانت تمتلئ بمياه الأمطار، أو صهاريج مغطاة مدفونة تحت الأرض، وتعتمد في إمداداتها من المياه على القنوات والصهاريج الأكبر حجما.
التطور التاريخي للقنوات والصهاريج:
تتبع الدراسة التطور التاريخي للقنوات والصهاريج في الإمبراطورية البيزنطية إبان القرن الرابع حتى نهاية القرن السادس الميلادي. وإرتكزت الدراسة على محورين رئيسيين هما، القنوات المائية، والصهاريج المجمعة للمياه.
أولا: القنوات:
حينما شرع في بناء قنوات المدينة، كانت تستدعى اعتبارات ثلاثة لها تأثير مهم على بناء تلك القنوات: الحاجة إلى منحدر منتظم، والالتزام بعبور الوديان في بعض الأحيان، والحاجة إلى برج مياه يشيد على أعلى مستوى من خلال أنابيب الطين أو قنوات البناء ذات التدفق السطحي المفتوح، وذلك لتوصيل المياه في المدينة. وقد صعب فهم إدارة توزيع المياه في المدن من خلال هذا المزيج من أبراج المياه وخطوط الأنابيب وكيفية الاتصال بين قنوات المياه خارج المدن وخطوط الأنابيب والقنوات داخل المدن.
أكدت بقايا البنية التحتية المائية في القسطنطينية هذا النظام المعقد لإدارة وتوزيع المياه في المدينة إبان الفترات السابقة. وأوضحت تلك البقايا أن نظام القنوات والجسور والأنفاق المصمم لنقل المياه عبر الوديان والحقول هو محور الاستثمار في البنية التحتية، ثم تطور الوضع بعد ذلك، فتم إنشاء صهاريج لتخزين وتوزيع المياه طيلة العصر البيزنطي.
قناة هادريان:
قبل تأسيس مدينة القسطنطينية، كانت بيزنطة تتغذى بالمياه من خلال القناة التي تم تشييدها في عهد الإمبراطور الروماني "هادريان" (۱۱۷ - ۱۳م)، والتي حملت اسمه "قناة هادريان". كان منسوب القناة يرتفع فوق مستوى سطح البحر بثلاثين مترا، وقد تم تزويدها بالمياه عن طريق نبع يقع في غابة بلغراد. وبالرغم من عدم العثور على أية آثار يستدل بها على خط هادريان، إلا أنه استمر في أداء دور هام وحيوي للمدينة القسطنطينية. وقد تم استخدام ذلك الخط من منتصف القرن الخامس الميلادي، لتغذية الحمامات العامة وحمامات المياه الساخنة والباردة، وكذلك لتغذية القصر الإمبراطوري. ويُستمر استخدام ذلك الخط إلى القرن السادس الميلادي، حين ارتبط خط هادريان ببناء صهريج البازيليك.
قناة قسطنطين الأول:
عانت مدينة القسطنطينية منذ نشأتها من مشاكل حادة في إمدادات المياه، ولعل ذلك السبب هو ما حدا بالإمبراطور قسطنطين الأول عام ۳۳۰ م أن يشيد خط مياه امتد من جبال ستراندزها Strandzha إلى القسطنطينية بطول وصل إلى ٢٤٢ كم تقريبا. وعلى ما يبدو أن هذا الخط تم مده بين تلال الكتلة الصخرية بشق قلب الجبل لحفر تلك الأنابيب.
قناة ثيودوسيوس:
قام الإمبراطور ثيودوسيوس الأول (۳۷۹ - ۳۹۵م) بتعديل وتحسين هذا الخط، كما قام بتطويره. وبسبب تلك التطويرات الهامة عرف الخط لاحقا باسم "قناة ثيودوسيوس" لما بذله من جهود لتطويره.
أصدر كل من الإمبراطور ثيودوسيوس وفالنتينيان في الثامن عشر من يناير عام ٣٨٤م مرسوما يشكل ترميم وصيانة قناة ثيودوسيوس، جاء في فحواه: " يجب على جميع الرجال أن يساهموا بحماس شديد ويحثوا على إعادة ترميم الميناء والقناة، ولا يجوز إعفاء أي شخص من هذا الواجب المشترك".
إصلاح قناة ثيودوسيوس:
قام الإمبراطور جستنيان الثاني (٥٦٥ - ٥٧٨م) بإصلاح تلك القناة عام ٥٧٦/٥٧٥م، مما كان له بالغ الأثر في تزويد مدينة القسطنطينية بالمياه الوفيرة.
قنوات أنطاكية:
برز الاهتمام الشديد بشق القنوات في مدينة أنطاكية منذ عهد الرومان. قام الإمبراطور تراجان (۹۸) - (۱۱۷م) في عام ١١٥م ببناء قناة حملت اسمه "قناة تراجان"، والتي كانت معتمدة في تغذيتها المائية على ينابيع دافنى. قام على تحويل المياه المتدفقة من تلك الينابيع إلى الوديان المعروفة باسم "أجرياي Agriai" ثم تحويلها إلى أنطاكية. لا شك أن ينابيع دافني قد أسهمت بشكل كبير وبصورة يسيرة في الإمدادات المائية لميدنة أنطاكية، فلم تكن هناك حاجة ماسة لحفر آية أنفاق عبر التلال لتمرير قنوات تساهم في الاستفادة من بعض الينابيع التي تقع خارج أنطاكية أو التي تستفيد من مياه الأمطار.
قناة هادريان في أنطاكية:
قام الإمبراطور هادريان ببناء قناة مائية في أنطاكية عام ۱۱۷م، أطلق عليها اسمه. انطلقت هذه القناة من ينابيع دافني (۳۰) عبر سد أقيم به حواجز حديدية عرفت باسم بوابة السد. قام الإمبراطور هادريان أيضا بتوجيه بعض الينابيع التي كانت تصب في إجرياي، والمعروفة باسم نبع "بالاس Pallas" لإنشاء قناة في دافني توفر احتياجات السكان من المياه.
قنوات جستنيان:
لم تكن القنوات التي أشادها الإمبراطور جستنيان قاصرة على أعمال الري والشرب، وذلك من خلال الإستفادة من مصادر الينابيع فحسب، بل نجد لها مردودا عسكريا أيضا. قام باستغلال مياه نهر العاصي في عمل قناة صناعية عملت على تغيير مجرى النهر ليلتف حول أسوار مدينة أنطاكية الداخلية، بعد أن كان النهر يلتف في مسار غير مباشر حولها. هدف ذلك لقطع الفرصة على أي عدو خارجي في إمكانية السيطرة على أنطاكية بإطالة أمد الحصار لتوافر المياه أمام العدو أو تعطيش المدينة بقطع القنوات المتصلة بالنهر، فكان للقناة المائية مردود عسكرى بتخطيط عبقرى.
قام جستنيان باستغلال مياه الأمطار للإفادة منها في تزويد المدينة - من خلال القنوات الرومانية السابقة - بالمياه. وجد بمدينة أنطاكية جبلان شديدا الإنحدار يقفان على مقربة من بعضهما، أحدهما يدعى "أوروكاسياس Orocassias" ، بينما سمي الآخر "ستورس Stouris" بينهما واد كان ينجم عنهما وقت هطول الأمطار سيل يسمى "أونو بنيكتس Onopnictes".
قام جستنيان ببناء سد يسمى " بالبوابة الحديدية"، أمام ذلك الجزء من الجدار الأقرب للوادي، والذي يندفع السيل منه نحو الجدار ويمتد من الجزء المجوف من الوادى إلى الجبال على كلا الجانبين، والتي تم تكييفها وتثبيتها لتجميع مياه الأمطار وصد السيل عن الإندفاع عبره. كان هذا السد في الأصل هو جسر الينابيع في دافني. تم نقل القناة الرومانية المبكرة (هادريان) إلى فوق هذا السد، والذي حدث له تصدع جزئي في وقت ما بسبب قوة المياه التي تجمعت خلفه. قام مهندسو جستنيان بإقامة بوابات لتنظيم تدفق مياه الأمطار والسيول عبر قناة تم توصيلها بقناة هادريان ليتم الاستفادة المائية منها داخل المدينة.
قناة دارا:
في مدينة دارا، كانت إشكالية معضلة تمثلت في إدارة الاستفادة من تدفقات نهر كورديس Cordis، القريب من المدينة. لم يكن النهر يتدفق بصورة كاملة بسبب وعورة التضاريس. حتمت الضرورة إقامة قناة في عهد جستنيان تجلب مياه النهر نحو المدينة، فتصل إلى أسوارها لتنتهي بحواجز حديدية بعضها أفقي والبعض الآخر رأسي، وبذلك الأمر أمكن السيطرة والتحكم في التدفقات المائية لنهر كورديس، وتوجيهها نحو المدينة لتمتلى صهاريجها بالمياه.
قناة فالنز:
قام الإمبراطور فالنز ( ٣٦٤-٣٧٨ م ) في عام ۳۷۳م ببناء قناة أطلق عليها اسمه، والتي تعرف حاليا بالتركية باسم "بوز دوغان كيميري Bozdoğan Kemeri". وقع خط تلك القناة في شارع ميس والذي يعد الشارع الرئيسي لمدينة القسطنطينية، ويقع بالقرب من صهريج أتيوس الذي يقوم بتغذية صهريج موكيوس.
استخدم الإمبراطور فالنز أحجار أسوار خلقدونية في بناء القناة. أسند الإمبراطور مهمة الإشراف على عملية بناء القناة لكليرشوس Cleorchus حاكم مدينة القسطنطينية، فتم تكريس موارد الدولة لإتمام عملية البناء، للإستفادة من القناة في تزويد وتغذية المدينة بالمياه التي توفر الشرب للسكان إلى جانب أعمال الري، وكذا توصيلها للحمامات العامة.
أشارت الدراسات الأولية إلى طول قناة فالنز الذي بلغ ۲۹۲ كم، بيد أن الدراسات الحديثة بينت عدم دقة الرقم، وأحصت مسافة أكبر. في المرحلة الأولى لبناء القناة جمعت مياهها من مصادر تبعد عن المدينة مسافة ٦٥ كم، حيث تم الاستفادة من الينابيع الوفيرة في داناماندیرا Danamandira. وفي المرحلة الثانية جلبت المياه من مصادر تبعد مسافة ۱۲۰ كم عن المدينة، حيث تم تمديد فرعين للقناة في نهايتها عند دانا مانديرا نحو ينابيع فيز Vize.
إصلاح قناة فالنز:
أصاب قناة فالنز زلزال عام ٤٤٧م، أضر بها جزئيا، وصارت سيئة الإستخدام بسبب عدم تعهدها بالترميم والإصلاح الجيدين. حرص الأباطرة في القرن الخامس الميلادي على توجيه الإنفاق العام على الأشغال العمومية والمرافق الضرورية، وبصفة خاصة الإمبراطور مارقيان Marcian، والذي أصدر مرسوما عام ٤٥١م بتوجيه كل موارد الدولة لتوفير الأموال اللازمة لإصلاح تلك القناة.
نهر كورديس:
توصل المهندس "كريسيس Chryses" إلى حل نتيجة رؤية منامية أو نتاج تدبر وتفكير قاده إلى الحل. أمر مجموعة من عمال البناء بحفر خندق دائري كبير داخل سور المدينة يصل عمقه إلى خمسة عشر قدمًا. لو حدثت الفيضانات تتدفق المياه من النهر نحو ذلك الخندق. كما قام ببناء سد كبير عبر الوادى الذي تجرى فيه الممرات النهرية بين الجبلين.
نهر سكيرتوس:
تعرضت مدينة الرها Edessa أيضا لذات الإشكالية التي تعرضت لها مدينة دارا بسبب الفيضانات المائية. كان نهر سكيرتوس Scirtus، والذي يغذى الرها مائيًا من خلال قناة تم بناؤها في العصر الروماني، كانت تمر عبر أسوار المدينة.
قام جستنيان بترميم مبانى المدينة التي أتلفتها الفيضانات. ثم أعقب ذلك ببناء قناة جديدة لنهر سكيرتس خارج أسوار مدينة الرها، وجه بناؤها بطريقة عبقرية.
نهر دراكو:
عالج جستنيان الأضرار الناجمة عن فيضانات نهر "دراكو Draco". كان النهر يسير في منحنيات ملتوية، وغالبا ما ينشق إلى اتجاهين متضادين، فتجرى مياهه في مسار متعرج.
قناة بيثينية:
أسهم جستنيان في بناء قناة مائية في مدينة بيثينية، مستغلا مياه الينابيع البعيدة عن المدينة لتغذيتها.
قناة نيقية:
قام الإمبراطور جستنيان أيضا بترميم قناة نيقية Nicsea (ببيتينية) بعد أن أصابها العطب.
قناة كورش:
حدا الهاجس الأمني بجستنيان لإنشاء قناة مائية في مدينة كورش Cyrrhus. تواجدت بها حامية عسكرية تقوم بحماية الحجاج القاصدين قبري القديسين كوزماس St Cosmos و داميان St. Damian من هجمات البرابرة. كان سكان كروش يعانون نقصا مائيًا في الجزء الداخلي من المدينة، بينما يتواجد خارج أسوارها ينبوع عذب يتسم بوفرة مياهه.
قناة أفاميا:
اتضح الاهتمام بإمداد وتزويد مدينة أفاميا Apamea بالمياه سواء في العصر الروماني أو البيزنطي. في القرن الثالث الميلادى، تم إستغلال نهر العاصي لعمل قناة مائية بلغ طولها ۲۰ كم.
قناة هيرابوليس:
كان نقص مياه الينابيع في مدينة هيرابوليس Hierapolies، هو الدافع المحث للإمبراطور أناستاسيوس (٤١٩ - ٥١٨ م ) لبناء قناة مائية لها.
قناة قسطنطينة:
قام الإمبراطور جستنيان ببناء قناة مائية في مدينة قسطنطينة Constantina، حيث عاني سكانها من النقص الماني وصعوبة الحصول عليه.
قناة الإسكندرية:
قام جستنيان عام ٥٢٨م بإعادة ترميم وبناء قناة الإسكندرية الكبرى.
قناة هيراكليا:
حازت مدينة هيراكليا Heraclea قدرًا غير قليل من عناية الأباطرة في تجديد قنواتها المائية وبخاصة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين. كانت تلك المدينة تحتوى على بعض من القنوات المائية المشيدة.
قناة جستنيانا بريما:
قام جستنيان بإقامة قناة مائية في مدينة جستنيانا بريما Justiniana Prima.
قناة بطليميس:
تسبب النقص المائي في مدينة بطليميس Ptolemais في اتخاذ جستنيان قرارًا ببناء قناة مائية بتلك المدينة.
الخاتمة:
تُظهر الدراسة أهمية المياه في الإمبراطورية البيزنطية واهتمام الأباطرة بتوفير إمدادات المياه للمدن. تُبين الدراسة أيضًا تطوّر أنظمة الري من خلال استخدام القنوات والصهاريج، وتُسلط الضوء على التحديات التي واجهتها المدن بسبب نقص المياه أو الفيضانات، وكيف استطاع الأباطرة التغلب عليها من خلال بناء القنوات والصهاريج وترميمها. تُلقي الدراسة الضوء على أهمية البنية التحتية في إدارة موارد المياه في العصور القديمة، وكيف أدى ذلك إلى الحفاظ على استقرار المدن ونموها.
قنوات وصهاريج المياه في الإمبراطورية البيزنطية من القرن الرابع وحتى نهاية القرن السادس الميلادي
المقدمة:
الماء سر الحياة، وأساس كل نشاط إنساني، ولذا كان البشر يؤدون معظم أنشطتهم الحياتية واليومية بالقرب من موارد المياه، وتكمن لذلك أهمية الأنهار كمحطات هامة للتجمعات البشرية نظرا لكونها موردا هاما لإمدادات المياه، فقد مثلت أيضا نوعا من المياه هو المياه السطحية، ولكون هذا النوع من المياه يتأثر بكم وكيف هطول الأمطار الموسمية، اتجه الإنسان لاستكشاف نوع آخر تمثل في المياه الجوفية ممثلة في الينابيع، والعيون والآبار، والتي تم استخدامها كإمدادات مباشرة للمياه (۱) وقد ابتكرت الشعوب القديمة أعمالا هيدروليكية (1) رائعة من الأنفاق، وقنوات، وما إلى ذلك من أعمال تساعد على تزويد المدن بالمياه ، وقد تميزت الفترة الرومانية بروعة الابتكار البنائي للقنوات المائية، وكانت الينابيع تعد أكثر مصادر المياه شيوعا لتلك القنوات، إضافة لذلك مثلت الصهاريج مصدرًا حيويًا من مصادر المياه في أنظمة الري الرومانية والتي تم تطويرها من خلال بناء السدود، ثم تاتي الحقبة البيزنطية التي تم خلالها التخلي عن بناء القنوات نسبيا، والاستعاضة عنها بإنشاء العديد من الصهاريج، وخزانات المياه من أجل تجميع مياه الأمطار (۳).
ولم تقتصر تغذية الصهاريج على مياه الأمطار فحسب، ولكن تنوعت وتعددت مصادر تغذيتها بالمياه، إما عن طريق القنوات المائية أو عن طريق الصهاريج الأكبر. وقد كانت هذه الصهاريج إما صهاريج مفتوحة (هوائية)، وغالبا ما كان يتم شقها عبر الجبال، والتي كانت تمتلئ بمياه الأمطار، أو صهاريج مغطاة مدفونة تحت الأرض، وتعتمد في إمداداتها من المياه على القنوات والصهاريج الأكبر حجما.
وكان هناك بعض الدراسات السابقة التي تناولت إمدادات المياه في المدن البيزنطية
وفي حدود ما وصل إلينا من الدراسات الحديثة لم نقف على دراسة عربية مستقلة تختص بهذا الموضوع
وتتبع الدراسة التطور التاريخي للقنوات والصهاريج في الإمبراطورية البيزنطية إبان القرن الرابع حتى نهاية القرن السادس الميلادي. وارتكزت الدراسة على محورين رئيسيين هما، القنوات المائية، والصهاريج المجمعة للمياه.
أولا: القنوات :-
حينما شرع في بناء قنوات المدينة، كانت تستدعى اعتبارات ثلاثة لها تاثير مهم على بناء تلك القنوات الحاجة إلى منحدر منتظم، والالتزام بعبور الوديان في بعض الأحيان، والحاجة إلى برج مياه يشيد على أعلى مستوى من خلال أنابيب الطين أو قنوات البناء ذات التدفق السطحي المفتوح، وذلك لتوصيل المياه في
المدينة. وقد صعب فهم إدارة توزيع المياه في المدن من خلال هذا المزيج من أبراج المياه، وخطوط الأنابيب وكيفية الاتصال بين قنوات المياه خارج المدن، وخطوط الأنابيب والقنوات داخل المدن (1).
وقد أكدت بقايا البنية التحتية المائية في القسطنطينية هذا النظام المعقد لإدارة وتوزيع المياه في المدينة إبان الفترات السابقة. وأوضحت تلك البقايا أن نظام القنوات والجسور والأنفاق المصمم لنقل المياه عبر الوديان والحقول هو محور الاستثمار في البنية التحتية، ثم تطور الوضع بعد ذلك، فتم إنشاء صهاريج لتخزين
وتوزيع المياه طيلة العصر البيزنطي (4).
وتجدر الإشارة بأن قبل تأسيس مدينة القسطنطينية، كانت بيزنطة تتغذى بالمياه من خلال القناة التي تم تشييدها في عهد الإمبراطور الروماني "هادریان Hadrian" (۱۱۷ - ۱۳م) (1)، والتي حملت اسمه "قناة هادريان"، وكان منسوب القناة يرتفع فوق مستوى سطح البحر بثلاثين مترا، وقد تم تزويدها بالمياه عن طريق نبع يقع في غابة بلغراد
وبالرغم من عدم العثور على أية آثار يستدل بها على خط هادريان، إلا أنه استمر في أداء دور هام وحيوي المدينة القسطنطينية، فقد تم استخدام ذلك الخط من منتصف القرن الخامس الميلادى، لتغذية الحمامات العامة وحمامات المياه الساخنة والباردة، وكذلك لتغذية القصر الإمبراطورى. ويمتد إستخدام ذلك الخط إلى القرن السادس الميلادي، حين ارتبط خط هادريان ببناء صهريج البازيليك (1) كما سيتضح لاحقا.
عانت مدينة القسطنطينية منذ نشأتها من مشاكل حادة في إمدادات المياه، ولعل ذلك السبب هو ما حدا بالإمبراطور قسطنطين الأول عام ۳۳۰ م أن يشيد خط مياه امتد من جبال ستراندزها Strandzha (1) إلى القسطنطينية بطول وصل إلى ٢٤٢ كم تقريبا (١٠). وعلى ما يبدو أن هذا الخط تم مده بين تلال الكتلة الصخرية بشق قلب الجبل لحفر تلك الأنابيب.
كما قام الإمبراطور ثيودوسيوس الأول Theodosius I (۳۷۹ - ۳۹۵م) بتعديل وتحسين هذا الخط (۱۱)، كما قام بتطويره (۱۲). وبسبب تلك التطويرات الهامة عرف الخط لاحقا باسم "قناة ثيودوسيوس" لما
بذله من جهود لتطويره.
أصدر كل من الإمبراطور ثيودوسيوس وفالنتينيان في الثامن عشر من يناير عام ٣٨٤م، مرسوما يشكل ترميم وصيانة قناة ثيودوسيوس، جاء في فحواه: " يجب على جميع الرجال أن يساهموا بحماس شديد ويحثوا على إعادة ترميم الميناء والقناة، ولا يجوز إعفاء أي شخص من هذا الواجب المشترك" (1). الطبقات الدنيا الأشد فقرا وبؤسا من خلال إهماله لأهم مادتين تباشر حياتهم الماء والخبز. فجعل الأولى عسيرة المنال، والثانية عزيزة الشراء (٢٢).
على أن الإمبراطور جستين الثاني Justin II (٥٦٥ - ٥٧٨م قام بإصلاح تلك القناة عام ٥٧٦/٥٧٥م، مما كان له بالغ الأثر في تزويد مدينة القسطنطينية بالمياه الوفيرة (٣٠).
في مدينة أنطاكية برز الاهتمام الشديد بشق القنوات منذ عهد الرومان، حيث قام الإمبراطور تراجان Tarjan (۹۸) - (۱۱۷م) في عام ١١٥م ببناء قناة حملت اسمه "قناة تراجان"، والتي كانت معتمدة في تغذيتها المائية على ينابيع دافنى (۲۱)، فقد قام على تحويل المياه المتدفقة من تلك الينابيع إلى الوديان المعروفة باسم "أجرياي Agriai" ثم تحويلها إلى أنطاكية (۳۲). ولا شك أن ينابيع دافني قد أسهمت بشكل كبير وبصورة يسيرة في الإمدادات المائية لميدنة أنطاكية، فلم تكن هناك حاجة ماسة لحفر آية أنفاق عبر التلال لتمرير قنوات تساهم في الاستفادة من بعض الينابيع التي تقع خارج أنطاكية أو التي تستفيد من مياه الأمطار، وبصورة أوضح وأدق فإن ينابيع دافني قد أرست نوعا من الاكتفاء الذاتي المائي لأهل أنطاكية (۳۳).
كما قام الإمبراطور هادريان ببناء قناة مائية في أنطاكية عام ۱۱۷م، أطلق عليها اسمه، وقد انطلقت هذه القناة من ينابيع دافني (۳۰) عبر سد أقيم به حواجز حديدية عرفت باسم بوابة السد (۳۰). وقام الإمبراطور هادريان أيضا بتوجيه بعض الينابيع التي كانت تصب في إجرياي، والمعروفة باسم نبع "بالاس Pallas" لإنشاء قناة في دافني توفر احتياجات السكان من المياه (٣٦).
لم تكن القنوات التي أشادها الإمبراطور جستنيان قاصرة على أعمال الري والشرب، وذلك من خلال الإستفادة من مصادر الينابيع فحسب، بل نجد لها مردودا عسكريا أيضا (۳۷)، حين قام باستغلال مياه نهر العاصي في عمل قناة صناعية عملت على تغيير مجرى النهر ليلتف حول أسوار مدينة أنطاكية الداخلية، بعد أن كان النهر يلتف في مسار غير مباشر حولها، وذلك لتفويت الفرصة على أي عدو خارجي في إمكانية السيطرة على أنطاكية بإطالة أمد الحصار لتوافر المياه أمام العدو أو تعطيش المدينة بقطع القنوات المتصلة بالنهر، فكان للقناة المائية مردود عسكرى بتخطيط عبقرى. ومع ذلك، احتفظ جستنيان بالحماية التي يوفرها نهر العاصي، وشيد جسورا جديدة، ثم أعاد النهر المجراه الطبيعي السابق (۳۸). وذلك يعني أن بناء القنوات
أضيف إليه مردود عسكري أيضا.
كما قام جستنيان باستغلال مياه الأمطار للإفادة منها في تزويد المدينة - من خلال القنوات الرومانية السابقة - بالمياه، فقد وجد بمدينة أنطاكية جبلان شديدا الإنحدار يقفان على مقربة من بعضهما، أحدهما يدعى "أوروكاسياس Orocassias" ، بينما سمي الآخر "ستورس Stouris" بينهما واد كان ينجم عنهما وقت هطول الأمطار سيل يسمى "أونو بنيكتس Onopnictes"، وكان سيلا موسميًا يتدفق من المرتفعات ليغمر التحصينات مخترقا شوارع المدينة مسببًا أضرار جسام لسكانها (۳۱). ومن ثم قام جستنيان ببناء سد يسمى " بالبوابة الحديدية"، أمام ذلك الجزء من الجدار الأقرب للوادي، والذي يندفع السيل منه نحو الجدار ويمتد من الجزء المجوف من الوادى إلى الجبال على كلا الجانبين، والتي تم تكييفها وتثبيتها لتجميع مياه الأمطار وصد السيل عن الإندفاع عبره، وكان هذا السد في الأصل هو جسر الينابيع في دافني، وقد تم نقل القناة الرومانية المبكرة (هادريان) إلى فوق هذا السد، والذي حدث له تصدع جزئي في وقت ما بسبب قوة
المياه التي تجمعت خلفه، فقام مهندسو جستنيان بإقامة بوابات لتنظيم تدفق مياه الأمطار والسيول عبر قناة
تم توصيلها بقناة هادريان ليتم الاستفادة المائية منها داخل المدينة (٤٠). وثمة رأى ينكر أن قناة هادريان
بأنطاكية التي كانت تنطلق من ينابيع دافني قد صارت خارج الخدمة إما للتصدع الذي أصاب سد ينابيع دافني
أو بسبب بناء سد جستنيان ؛ ففي الحالتين فقد حل سد جستنيان بشكل فعال محل مصدر قناة أنطاكية، ومن
نبع روماني إمبراطوري إلى سيل من الأمطار البيزنطية (11). وبذلك يتضح أن جستنيان جعل مياه الأمطار
بديلا عن مياه الينابيع في تغذية وإمدادات القنوات المائية.
اسمي 205
دينة دارا، حيث تعرضت تلك التحصينات الخزانات المائية، وفاضت بالقرب من
في مدينة دارا Dara () كانت إشكالية معضلة تمثلت في إدارة الاستفادة من تدفقات نهر كورديس
Cordis (۱۳)، القريب من المدينة، فقد كان النهر يتدفق من ضاحية حمل اسمها كورديس، والتي تقع على
بعد ميلين من المدينة، ويرتفع على جانبيها جبلان شديدا الوعورة، يجري النهر خلال منحدراتها متجها نحو
المدينة، بيد أنه لم يكن يصل يتدفقاته بصورة كاملة بسبب وعورة التضاريس، والتي حالت دون استواء
الأرض التي يتخللها النهر (٤٤)، ومن هنا حتمت الضرورة إقامة قناة في عهد جستنيان تجلب مياه النهر نحو
المدينة، فتصل إلى أسوارها لتنتهي بحواجز حديدية بعضها أفقي والبعض الآخر رأسي، وبذلك الأمر أمكن
السيطرة والتحكم في التدفقات المائية لنهر كورديس، وتوجيهها نحو المدينة لتمتلى صهاريجها بالمياه (40).
ويبدو أن التجربة العملية أثرت بشكل .
للفيضانات الناجمة عن غزارة الأمطار المتدفقة إلى النهر، فامتلات البوابة الجنوبية لتلتف حول السهل المجاور، مما عرض دارا لخطر إستراتيجي يتمثل في تمكين الجيوش (١٥)
ومن المتضح أنه قد تم تخصيص مبالغ كبيرة للإنفاق على تطوير وترميم تلك القناة، يستدل على ذلك
من القانون الذي أصدره الإمبراطور أركاديوس وهونوريوس في الحادي والثلاثين من ديسمبر عام ٣٩٦م حيث طالبا القضاة الخمس البرايتوريين (١٤) المعينين للقناة (١٥) بالحد من إنفاقات القناة لتوفير ما يعادل مئة جنيه من الفضة كي يخصص ذلك المبلغ للإحتفال بميلاد الإمبراطور أركاديوس (١٦).
قام الإمبراطور فالنز ( ٣٦٤-٣٧٨ م ) في عام ۳۷۳م ببناء قناة أطلق عليها اسمه (۱۷) والتي تعرف حاليا بالتركية باسم "بوز دوغان كيميري Bozdoğan Kemeri" (۱). وقع خط تلك القناة في شارع ميس والذي يعد الشارع الرئيسي لمدينة القسطنطينية، ويقع بالقرب من صهريج أتيوس الذي يقوم بتغذية صهريج
موكيوس (١٩) كما سيتضح لاحقا.
استخدم الإمبراطور فالنز أحجار أسوار خلقدونية (٢٠) في بناء القناة، وقد أسند الإمبراطور مهمة الإشراف على عملية بناء القناة لكليرشوس Cleorchus (۲۱) حاكم مدينة القسطنطينية، فتم تكريس موارد
الدولة لإتمام عملية البناء (۲۲)، للإستفادة من القناة في تزويد وتغذية المدينة بالمياه (۲۳) التي توفر الشرب
للسكان إلى جانب أعمال الري، وكذا توصيلها للحمامات العامة (٢٤).
أشارت الدراسات الأولية إلى طول قناة فالنز الذي بلغ ۲۹۲ كم، بيد أن الدراسات الحديثة بينت عدم دقة الرقم، وأحصت مسافة أكبر، ففي المرحلة الأولى لبناء القناة جمعت مياهها من مصادر تبعد عن المدينة مسافة ٦٥ كم، حيث تم الاستفادة من الينابيع الوفيرة في داناماندیرا Danamandira. وفي المرحلة الثانية جلبت المياه من مصادر تبعد مسافة ۱۲۰ كم عن المدينة، حيث تم تمديد فرعين للقناة في نهايتها عند دانا مانديرا نحو ينابيع فيز (Vize (٢)، ومن ثم يصير الطول الفعلي للقناة ٤٢٦ كم على أقل تقدير، ولربما
وصل إلى ٥٦٤ كم. وفي القرون اللاحقة تم تمديد خط فالنز ليصبح طوله ۷۹۰ كم، حين امتد نحو التلين الثالث والرابع، وما يزال ذلك الخط قائما في أسطنبول حتى الآن (٢٦). وقد تبين مما سلف أن الينابيع كانت
المصدر الرئيسي لتغذية قناة فالنز، فهى الممول الأساسي لإمدادات تلك القناة بالمياه.
على أن قناة فالنز قد أصابها زلزال عام ٤٤٧م، أضر بها جزئيا، وصارت سيئة الإستخدام بسبب عدم تعهدها بالترميم والإصلاح الجيدين بالرغم من حرص الأباطرة في القرن الخامس الميلادي على توجيه الإنفاق العام على الأشغال العمومية والمرافق الضرورية (۲۲)، وبصفة خاصة الإمبراطور مارقيان Marcian (٤٥٠ - ٤٥٧)، والذي أصدر مرسوما عام ٤٥١م بتوجيه كل موارد الدولة لتوفير الأموال
اللازمة لإصلاح تلك القناة (٢٨).
ولعل تلك الأحوال كانت الدافع الذي حدا بالمؤرخ بروكوبيوس لإدانة الإمبراطور جستنيان (۵۲۷ (٥٦٥م بإهمال تلك القناة، وعدم إبدائه رغبة في إصلاحها، حتى لا تتحمل خزانته تلك النفقات، على حين
أنفق الأموال الطائلة على المبانى الواقعة على شاطئ البحر. وقد أضر ذلك رعاياه ضررا بالغا، وبخاصة الفارسية من إطالة أمد حصار المدينة كاحتمال وارد الإمكانية صمودها لتوافر مياه الشرب (٤٦). كما تسببت الفيضانات في تصدع وإنهيار السور الخارجي للمدينة، بل وإحدى بوابتيها (٤٧)، كما لحق الضرر بالسور الخارجي أيضا، ليجتاح الفيضان شوارع المدينة وأسواقها (٤٨).
ولتجنب تلك المعضلة، توصل المهندس "كريسيس Chryses (1)، أحد مخططي المدينة إلى حل نتيجة رؤية منامية أو نتاج تدبر وتفكير قاده إلى الحل" فقد أمر مجموعة من عمال البناء بحفر خندق دائري كبير داخل سور المدينة يصل عمقه إلى خمسة عشر قدمًا (۰). فلو حدثت الفيضانات تتدفق المياه من النهر نحو ذلك الخندق. كما قام ببناء سد كبير عبر الوادى الذي تجرى فيه الممرات النهرية بين الجبلين، فلو فكر جيش معادي في التقدم نحو حصار المدينة، يتم غلق تلك الممرات الواقعة خارج المدينة عن طريق الحواجز الحديدية التي تسمى بوابة السد، ومن ثم يتغير مسار النهر ليصب داخل الخندق، والخليج السرى المحفور تحت الأرض (٥١). مما يجعل العدو مضطرًا للإنسحاب بسبب النقص المائي (۲)، مما يبين أن ذلك الخندق تم استخدامه كخزان مائي تم تطويره من خلال بناء ذلك السد. وقد اتصف ذلك السد بالضخامة سواء في ارتفاعه أم في عرضه. ويقع على مسافة تبعد عن السور الخارجي للمدينة مسافة أربعين قدما عبر الوادى الذي تقع فيه الممرات الجبلية بين الجبلين - سالفي الذكر - وتصل نهاية السد الذي أخذ شكلا هلاليا أو قوسا كبيرا لنهاية جانبي الجبلين، بحيث يتشكل قوسه المنقلب على مجرى المياه، ليكون أشد قدرة على مقاومة إندفاع المياه ، وقد تم عمل فتحات في الجزء العلوي والسفلي من جسم السد، لتمكين المياه من التدفق بسهولة ويسر في القناة التي تم إنشاؤها لهذا الغرض، فتيسر توزيع المياه التي تجمعت بالقناة على جميع أنحاء المدينة (٥٣).
وعلى ذاك النحو استطاع الإمبراطور جستنيان التغلب على إشكالية نهر كورديس المؤثرة على مدينة دارا عن طريق فكرة السد القوسي وقد أثبتت التجربة العملية كون السدود هلالية الشكل قد وفرت الأمن الماني والإستراتيجي داخل الإمبراطورية البيزنطية. وينسب سبق الريادة في هذا الشأن، للإمبراطور هادريان
الذي قام بإنشاء سد للقناة المسماة باسمه في مدينة أنطاكية.
ولقد تعرضت مدينة الرها Edessa أيضا لذات الإشكالية التي تعرضت لها مدينة دارا بسبب الفيضانات المائية، فقد كان نهر سكيرتوس Scirtus (1)، والذي يغذى الرها مائيًا من خلال قناة تم بناؤها في العصر الروماني، كانت تمر عبر أسوار المدينة. بيد أنه وهطول الأمطار الغزيرة يمتلى النهر، فترتفع مناسيب مياهه فتتسبب في حدوث فيضانات ذات أثر مدمر على مدينة الرها، مما أسهم في تدمير المدينة من خلال هدم الأسوار الخارجية والداخلية لها ، فضلا عن دمار غالبية المباني، وإغراق أعداد كبيرة من السكان، وهنا با در جستنيان بترميم مبانى المدينة التي أتلفتها الفيضانات (*). ثم أعقب ذلك، ببناء قناة جديدة لنهر سكيرتس خارج أسوار مدينة الرها، وجه بناؤها بطريقة عبقرية، فقد كانت ضفة النهر اليمني منبسطة ومنخفضة بينما كان على يساره جبل شديد الإنحدار، ولا يسمح للنهر أن ينحرف عن مساره المعتاد في تدفق مياهه نحو المدينة، بينما لا يواجه النهر من ناحيته اليمنى آية عوائق (٥٦). وهنا قام جستنيان بشق الجبل مما جعل القناة على الضفة اليمنى من النهر أشد عمقا من قاعها السابق، وابتنى على الضفة اليمنى من النهر جداراً من الحجارة الضخمة ليجعل تلك الجهة أعلى ارتفاعا، مما أعطى الفرصة للمياه أن تتدفق إلى المدينة بشكل طبيعي لو كان منسوب النهر معتدل، وبشكل آمن حال حدوث فيضان مرتفع، حيث يتم توجيه فائض المياه
إلى القناة الجديدة التي أنشأها جستنيان (۷).
ولضمان أن يجري النهر في مسار مستقيم، قام الإمبراطور جستنيان ببناء جدار على ضفتيه وقام بتعليته، وبذلك الأمر حافظ على الموارد المائية لمدينة الرها، فأزال مخاوفها المستقبلية في أن تتعرض لنقص المياه (۴۸)
أما مدينة "هيلينا Helena" ()، فقد كانت معانتها قاسية من إمدادات المياه، وهنا بادر جستنيان
بإقامة قناة مائية هائلة لتحقيق الاكتفاء الماني، بل ليصل إلى حد الرفاهية المائية التي جعلت السكان يستفيدون من تلك الموارد المائية في كافة مناحي الحياة (٢٠). كما عالج جستنيان الأضرار الناجمة عن فيضانات نهر "دراكو Draco" ()، حيث كان النهر يسير في منحنيات ملتوية، وغالبا ما ينشق إلى اتجاهين متضادين، فتجرى مياهه في مسار متعرج، مما جعل المسافرين القاصدين المدينة يجتازون أكثر من ممرات مائية، وكثيرا ما تعرض أولئك للموت غرقا في هذا النهر الجامح حال حدوث فيضان، إضافة لذلك ركام الحطب، والقصب التي يدفع بها النهر الثائر فى مجراه، فتصل إلى المصب، فتعيق الحركة فيه وهو في طريقه نحو البحر، مما أثر بالسلب على المدينة التي يدمرها الفيضان بسبب غزارة الأمطار (١٢). ويمتد الدمار من المباني ليجتاح الحقول والمزارع ليقوم بإغراقها، ومن ثم قام جستنيان بتفريغ مسار النهر من خلال قطع أشجار الغابات، وشق الجبال ليزيل كل عائق، فضلا عن تمهيدها لحركة العربات في الأماكن المنحدرة والأكثر وعورة، وبتلك الطريقة لم يعد لزاما على سكان مدينة هيلينا عبور النهر والتعرض لخطر الغرق، حيث تم
تشييد جسرين ذواتا عرض كبير لتأمين عملية العبور (٦٣). أسهم جستنيان في بناء قناة مائية في مدينة بيثينية، مستغلا مياه الينابيع البعيدة عن المدينة لتغذيتها
مما وفر مياه الشرب للمدينة التي كانت تعانى جفافا في الفترات السابقة (٢٤). وهذا يوضح أن المدينة كانت
تلجأ للطرق البدائية للحصول على المياه، كالالتفاف حول الأنهار أو الإفادة من موارد المياه السطحية الأخرى. وقام الإمبراطور جستنيان أيضا بترميم قناة نيقية Nicsea (ببيتينية) بعد أن أصابها العطب، وصارت غير ذات جدوى، مما جعل ترميمها ذا أثر إيجابي على سكان المدينة، حيث زودتهم بكميات وفيرة من المياه (0)
ومن العوامل المحفزة لإنشاء القنوات كان الهاجس الأمني وذلك الذي حدا بجستنيان لإنشاء قناة مائية في مدينة كورش Cyrrhus ()؛ حيث تواجدت بها حامية عسكرية تقوم بحماية الحجاج القاصدين قبري القديسين كوزماس St Cosmos و داميان St. Damian" من هجمات البرابرة (٢٧). كما كان سكان كروش يعانون نقصا مائيًا في الجزء الداخلي من المدينة، بينما يتواجد خارج أسوارها ينبوع عذب يتسم بوفرة مياهه، بيد أن السكان لم يفيدوا منه لإنعدام وسيلة سحب المياه منه إلى المدينة سوى جهد شاق أو التعرض لهجوم العدو، فقد كان طريق الذهاب إليه ملتو، وشديد الإنحدار، كما أن المسافة بين الينبوع والمدينة غير مأمونة، فمن اليسير نصب الكمائن لمن يرتاده (۱۷).
ونظرًا لتواجد الحامية الأمنية بكورش، وحاجة سكانها الماسة لمياه الشرب قام الإمبراطور جستنيان بتشييد قناة مائية خارج أسوار المدينة لتوصيلها بالينبوع القريب منها، وللاحتياط جعلت تلك القناة مغطاة (مسقوفة) ومدفونة تحت الأرض بدقة متناهية حتى لا تتعرض لأية مخاطر، فتم بذلك تغذية المدينة بالمياه (۱۹)
اتضح الاهتمام بإمداد وتزويد مدينة أفاميا Apamea (۲۰) بالمياه سواء في العصر الروماني أو البيزنطي ففي القرن الثالث الميلادى، فقد تم إستغلال نهر العاصي لعمل قناة مائية بلغ طولها ۲۰ كم، كما زودت بسحارة ثلاثية مقلوبة، وقد تم تكسية أرضيتها وجدرانها بنوع من الأسمنت المقاوم للمياه، فقد كان منسوب المياه الذي يدخلها يملأ من ثلث إلى نصف سعتها فقط (۲۱)، وفي العصر البيزنطي تم التمكن من إعادة نظام جديد لإمدادات المياه من خلال تشييد قناة جديدة ذات تدفق سطحي مفتوح داخل أسوار المدينة، بميل يبلغ ٢.١ مم، وعرضها الداخلي ٥٧ سم، وتشير الرواسب الجيرية المثبتة على الجدران الداخلية للقناة إلى أن ارتفاع المياه في القناة بلغ حوالى ٩٠ سم (۲۲)، مما زاد من معدل تدفق المياه نحو المدينة، ونلاحظ هذا الأمر بصورة جلية في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، حيث ارتفع معدل استهلاك المياه لقاطني أفاميا الذي تراوح عددهم ما بين ۱۸۰۰۰ : ١٤۳۰۰۰ نسمة، فمعدل الإرتفاع السكاني في تلك الفترة يؤكد تلك الملاحظة
(۷۳) كان نقص مياه الينابيع (٢٤) في مدينة هيرابوليس Hierapolies ()، هو الدافع المحث للإمبراطور أناستاسيوس (٤١٩ - ٥١٨ م ) لبناء قناة مائية لها، فقد كان يأبى بشدة أن يقتصر اعتماد السكان في مشربهم على مياه الينابيع، والآبار، والأمطار (۷۲). ومن هنا يرجح أن هذه القناة اعتمدت في مصادرها على مياه نهر
الفرات، وذلك لقربه من المدينة
ولذات السبب قام الإمبراطور جستنيان ببناء قناة مائية في مدينة قسطنطينة Constantina (۷)، حيث عاني سكانها من النقص الماني وصعوبة الحصول عليه (۲۸).
أما في مدينة الإسكندرية فقد قام جستنيان عام ٥٢٨م بإعادة ترميم وبناء قناة الإسكندرية الكبرى (۷۹) وعلى ما يبدو أن هذه القناة هي ذاتها القناة اليونانية القديمة التي تربط ما بين نهر النيل والبحر المتوسط ، فالمصادر التي بين أيدينا لم يرد بإحداها أن أحد من الأباطرة السابقين بادر ببناء قناة الإسكندرية مما يؤيد
ما قررناه سلفا.
حازت مدينة هيراكليا Heraclea (۰) قدرًا غير قليل من عناية الأباطرة في تجديد قنواتها المائية وبخاصة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، فقد كانت تلك المدينة تحتوى على بعض من القنوات المائية المشيدة، بيد أن تلك القنوات كانت معطبة، إما لإنتهاء عمر المبنى الإفتراضي أو الإهمال سكانها الاعتناء بها وصيانتها (۸۱)، ولعل هذا الأمر هو ما دفع بكل من الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني (٤٠٨ (٤٥٠م) و إمبراطور الغرب فالنتينيان الثالث ( ٤٢٥-٤٥٥م) لإصدار قانون في الثاني والعشرين من شهر مايو عام ٤٤٣م، يخص تلك المدينة كان فحواه، إصلاح وتجديد القنوات المائية، وكذلك تجديد أسوار المدينة
بالإضافة إلى المنشآت العامة الأخرى (۸۲)، غير أن تلك المراسيم والإصدارات لم تدخل حيز التنفيذ، فقد ذكر المؤرخ بروكوبيوس القيصري أن الإمبراطور جستنيان حين ارتأى الخراب الذي لحق بهيراكليا فهجرها معظم سكانها لشح المياه فيها، فأعاد ترميم المدينة بالكامل، وجدد قنواتها مما ساهم في تزويد المدينة بالمياه
العذبة، فأعاد الحياة مرة أخرى للمدينة (١٣). كما قام جستنيان بإقامة قناة مائية في مدينة جستنيانا بريما Justiniana Prima (4)، فتم إمداد
المدينة بتدفق مائي دائم (۸۰).
تسبب النقص المائي في مدينة بطليميس Ptolemais (۸) في اتخاذ جستنيان قرارًا ببناء قناة مائية بتلك المدينة التي كانت مكتظة سكانيا، ولكن بمرور الوقت هجرها قاطنوها، وصارت شبه خالية بسبب ما عاناه الجزء الكبير من سكانها من الجفاف والشح المائي، فكان قرارهم بتركها، فعالج جستنيان الأمر بإعادة بناء القناة التي تزود المدينة بالمياه، وقد شيدت تلك القناة داخل أسوار المدينة، كانت متصلة بصهاريج هائلة الحجم، وتقع بالقرب من وسط المدينة، وقد تكونت من ستة تجاويف طول التجويف الواحد ٣٠,٥٠ متر وعرضه يبلغ ۱۰۰۹ متر، وبذلك أعاد الإمبراطور جستنيان إعمار المدينة لتستعيد مظاهر الإزدهار إليها
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
Water Reduction Measurements Remember that LEED promotes an ‘efficiency first’ strategy to water red...
فاعلون من غير الدول • إذا كان من الممكن اعتبار حكومات الدول القومية أهم الفاعلين في العالقات الدولية...
قامت الدولة بإنشاء بيت المال كهيئة مركزية في العاصمة الدرعية لتنظيم الإيرادات والنفقات، وكان يشرف عل...
تُمنح هذه الجائزة للمبنى الذي يمثل "أفضل ناطحة سحاب جديدة من حيث التصميم والوظيفة". وللتأهل، يجب أن ...
If one takes a virgin sample and loads it in tension into the plastic range, and then unloads it and...
٤ - تعرية المسيلات (Rills Erosion) تنتهي بعض المناطق المنبسطة التي يحدث فيها جريان غطائي بإنحدار أك...
أتقن اللغة العربية تحدثًا وقراءةً وكتابةً، مما يُمكنني من تدريس المواد بوضوح وفعالية، مع استخدام أسا...
المقدم التوطئة (مدخل الموضوع): يقدم الباحث مقدمة مختصرة حول الموضوع الذي يتناوله البحث، حيث يتم تقد...
تنقسم الحقوق المالية المتعلقة بالذمة المالية الى حقوق "عينية " و حقوق " شخصية " لكن مع تطور المجتمع...
كتاب كفاحي هو من كتب السير والتراجم للأعلام وهو يعتبر من كتب السيرة الذاتية،وكتاب كفاحي والذي يعني ب...
Psychosocial impact and support Psychosocial impacts were explored by asking parents on how they des...
إليك الإجابات عن الأسئلة المطروحة من خلال المعلومات المتوفرة في الملف: 1. وصف المجتمع العثماني: الم...