لخّصلي

سادساً : الطيب والحقيقي والجميل :
قدم هذا الفصل الضبط الاجتماعي كظاهرة طبيعية تختلف في موقعها واتجاهها في الحيز الاجتماعي . وتمثلت القضية المحورية في إمكانية تطوير كيان نظرية سوسيولوجية تستطيع أن تفسر وتتنبأ بكيفية اختلاف الحياة المعيارية من نظام لآخر، أو بمعنى آخر لفهم الضبط الاجتماعي كمتغير تابع . وقد سبقت النظرية العامة للقانون - نوع واحد من الضبط الاجتماعي، ويمكننا الآن أن نوسع برنامجنا ليشمل سلوك أي شيء آخر واقعي وهو المعياري - كل الممارسات الاجتماعية التي تحدد وتستجيب لأي سلوك على انه صحيح أم خطأ، طيب أم شرير، صائب أم خطأ . وأيضاً داخل الاتجاه الأكثر عمومية، فان الضبط الاجتماعي نفسه أكد انه مظهر محدد فقط من الظاهرة الكبيرة وهي التقييم .يطبق الناس في كل مكان معايير على شيء، وهذه المعايير تحدد ما هو جيد أم سيء، صحيح أم خطأ ، جميل أم قبيح، نافع أم ضار، وكل هذه وأكثر هي تقييم . ورأينا في هذا الإطار أن الضبط الاجتماعي هو أيضاً أحد أنماط التقييم، يعرف بخصائصه المعيارية، ومعاييره للخطأ والصواب . والنمط الثاني للتقييم هو الخاصية الفكرية . انه يرتبط بالحقيقة وبأهمية الأفكار حول طبيعة الحقيقة بما فيها تطبيقها العملي وتحديدها لما هو فعال وحكيم وفطن . ومن وجهة النظر الفكرية، فإن الناس ربما ينظر أليهم كأذكياء أو مدركين أو مخترعين أو حاذقين أو أغبياء أو حقيرين . أخيراً فان النمط الثالث للتقييم هو الخاصية الجمالية التي تحدد ما الذي يكون قيم أو غير قيم، إذا ما كان رشيق، جذاب مثير، لذيذ، طبيعي، غير لذيذ، مبتذل وغليظ . وهذه النماذج الثلاثة للتقييم - المعياري والفكري والجمالي - هي الأطر الرئيسية التي يبني عليها الناس أحكامهم . علاوة على ذلك يمكننا تحديد التشابهات في كيفية تطبيقها في الحياة الاجتماعية فعلي سبيل المثال يبدو ان الناس من ذوي المكانة المرتفعة يتمتعون بمزايا حينما يتم تقييمهم، بأي معيار معياري أو فكري أو جمالي. ولذلك بمجرد أن يرتكب شخص ذا مكانة اجتماعية مرتفعة ذنباً ضد شخص ذي مكانة منخفضة فان احتمالية أن يعاقب تكون أقل لو ارتكب الذنب في الاتجاه المعاكس انظر بصفة عامة بلاك Black ١٩٧٦ : الفصل الثاني والفصل السادس ، ولذلك فان الفكرة التي قدمها الشخص ذا المكانة المرهفة إلى أسفل للشخص ذا المكانة المنخفضة أكثر احتمالاً في النجاح - لإدراك الأهمية – أكثر من الفكرة المقدمة للاتجاه الأعلى بلاك Black : ١٥٨) . فالناس من ذوي المكانات المرتفعة من المحتمل أيضاً أن ينظر إليهم بشكل جمالي أفضل ، ذوي مذاق أفضل للموسيقى والملبس والطعام وكل شيء آخر انظر بلاك Black ۱۹۷۹ ۱۹۱-۱۹۰)، حتى أنشطتهم الإنجابية تعتبر أكثر تفضيلاً . ولذكر نمط آخر، مثل الناس الذين يكون احتمالية لجوئهم للقانون أقل ضد من تربطهم بهم علاقات الألفة والمودة (بلاك Black ۱۹۷۹ : ٤ - ٤ ) ، ولذلك فإن ردود الفعل الفكرية والجمالية للأقارب والأصدقاء أكثر ايجابية . ولذلك فانه بصفة عامة تكون درجة الاتفاق حول مسألة نوعية العلم أو الأدب أو أي حقل آخر قابلة للتوقع من البناء الاجتماعي للتقييم في كل منها : ما هي الخصائص الاجتماعية للمقيمين ؟ ما هى التشابهات بينهم ؟ ما علاقاتهم بمن يقيمونهم انظر) بلاك Black ١٩: ١٦١) ؟ انه من الممكن أن تكون افتراضات تتنبأ وتفسر التقييمات من كل نوع .وربما نسأل أيضاً عن لماذا يحدث كل نمط من سلوك التقييم على الإطلاق . لماذا يقيم شيء ما بلغة الصواب والخطأ في إحدى الحالات، وفي ضوء نشاطه أو كسله في حالة أخرى، وجاذبيته ووقاحته في حالة ثالثة ؟ إن نفس السلوك أو الموضوع ربما يلجأ بصورة كاملة إلى مستويات مختلفة بين الناس المختلفين . ربما يحكم على كتاب أو حديث أو فيلم - على سبيل المثال، في ضوء حقيقته، أو مزاياه الجمالية، أو أخلاقياته . وبالمثل فان البعض ربما يعتبر اللص غير أخلاقي ومعيب وينظر إليه آخرون على انه نشيط أو غبي، وربما يلصق به البعض نواحي جمالية مثل جذاب " بارد " أو ممتع " متعة " ويعتمد نمط معين من التقييم المستخدم على الظروف الاجتماعية التي تسود في حالة معينة . فالكل يميل لان يظهر في مدى محدد من المواقع والاتجاهات في الحيز الاجتماعي . وبعض الناس ذوي نواحي أخلاقية مرتفعة، ما يزالون يسألون إذا ما كان نظرائهم على صواب أم لا : هل يتبعون القواعد ؟ هل هم شرعيون ؟ هل يجب أن يعاقبوا ؟ بالنسبة للآخرين كل هذه الجوانب فعالة . إنهم يفكرون في كل شيء : كيف تكون حذاقة هذا أم ذاك ؟ هل هى رشيدة وعقلانية ؟ هل هي تعمل ؟ ومازال الآخرون يهتمون فقط بالناحية الجمالية : هل هي . ذات مذاق جيد؟ هل هي رشيقة ؟ مسرورة ؟ هل تشعر بالطيبة ؟ وتخلق نظم معينة أيضاً نمطاً واحداً من التقييم أكثر من الأنماط الأخرى . وكل المجتمعات ربما يهيمن عليها نمط واحد من التقييم لذلك يمكن أن نتحدث عن المجتمعات الأخلاقية مثل انجلترا الجديدة Puritan New England أو الاتحاد السوفيتي، وكذلك عن المجتمعات الفكرية أو التكنوقراط مثل تلك التي في الاسكندنافية الحديثة، وكذلك عن المجتمعات الجمالية مثل اليابان التقليدية أو بالي Bali و كما ان سلوك الانسان لا يمكن بذاته ان يتوقع ويفسر الضبط الاجتماعى الذى سيخضع له فإنه لا يمكن لسلوك او اي شئ اخر أن يخبرنا كيف سيقيم الناس ذلك، هل بشكل معياري أو فكري أم جمالي وكما أن الضبط الاجتماعي لا يستطيع أن يؤخذ كمسلمة معترف بها، فإننا لذلك يجب أن نتساءل في النهاية لماذا تحدث أحكام القيمة - من أي نوع - على الإطلاق . وبالرغم من أن الدراسة العلمية للضبط الاجتماعي مازالت في بدايتها الآن، فانه من الممكن أن نتوصل إلى نظرية عامة للتقييم .