لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

ونقول إن ما حملنا على تأليف هذا الكتاب بعدما علمنا من حث الله - جل ذكره - العقلاء من عباده على طلب الأجر ،وركب في طبائع الفضلاء من المحبة لبقاء الذكر ،قول الله - جل وعز - : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينته للناس ولا تكتمونه ) .وقوله إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) .ثم ما روينا عن نبينا أنه قال : من كان عنده علم فكتمه الجمه الله بلجام من نار يوم القيامة .ثم روينا عنه أنه قال و إنما الدين النصيحة ،قال : الله ولرسوله ولأئمة المسلمين وجماعتهم ) .فالملوك أولى الناس بأن تهدى إليهم النصائح ،وأحقهم بأن يحولوا بالمواعظ إذ كان في صلاحهم صلاح الرعية ،وفي فسادهم فساد البرية .صلاح الوالي خير من خصب الزمان .وقالوا : من غش الإمام فقد عش العامة وإن ظن أنه للعامة مناصح .وقال جليل من الحكماء : يجب من حق الله - تبارك وتعالى - على المرء التوحيد والطاعة ،ومن حق السلطان الود والنصيحة.وكان يقال من كتم السلطان نصيحته ،قالوا : وكان كسرى أبرويز يقول : من لم يصلح لملكه مع تعلق ضره ونفعه به لم يصلح لنفسه ،ومن لم يصلح لنفسه فلا خير فيه .ففي نصيحة السلطان نصيحة الكافة ،وفي نصيحة الكافة هداية إلى مصلحة العالم بأسره ،وعلى حسب ذلك يرجو بإذلها لهم من ثواب العاجل والأجل وجزاء المحيا والممات .ولهذا ما جرت العادة في الانبياء أن يبعثهم الله الى ملوك الأمم وإلى جماعتهم دون الواحد بعد الواحد من أفراد رعاياهم ،لأن شخص الملك وحده يفي بجميع من في ضمن مملكته وتحت سياسته ،ولأن الراعي إذا مال إلى مذهب مالت إليه الرعية ،والملك إذا زهد في سيرة زهدت فيها العامة ،فكتبنا كتابنا هذا نصيحة للملوك ،وإظهاراً لمحبتهم ،وإشفاقاً لهم على أنفسهم ورعاياهم ،ورجونا أن من وقع إليه كتابنا هذا بما فيه من صادق النصيحة وبليغ الموعظة ،وأعطاه من عنايته حظه بالنظر فيه والتدبر له والإصغاء إليه ،عليم أنا من أعظم أوليائه له نصيحة ،وأبلغ خدمه وأعوانه له معونة.لأنها نصيحة من قبلها وعميل بها من الملوك والساسة وصل الله ملكه الأمدي بالأبدي في دار القرار ومحل الأبرار ،وغنى لا يخشى بعده فقراً ،ينال فيه غاية [المنى] وكنه المشتهى ،ثم كفاه كثيراً من الجنود والأعوان والقواد والفرسان ،وأطلق فيه وله ألسنة الثناء والدعاء المحرض عليه والمرغوب فيه .وأعداءه مقهورة مقموعة ،ثم أزاح عنه فضول الأشغال ،فإن أخطأه في دنياه حظ يتمناه ،وفاته بعض ما يهواه عوضه الله عنه ما هو أجل قدراً وأعظم خطراً ،وأوفى وأهنا وأكثر واسنى ،على أنا لا ننفرد في كتابنا بآرائنا ،ولا نعتمد في شيء نقوله على هوانا دون أن تحتج لما نقوله فيه و نذكره بقول الله - جل وعز - المنزل في كتابه ،و أقاويل رسوله - المروية في سننه وآثاره .ثم سير الملوك الأولين والأئمة الماضين والخلفاء الراشدين،والحكماء المتقدمين في الأمم الخالية والأيام الماضية .إذ كان هؤلاء أولى بالتقليد فيما قالوا ،والاقتداء بهم فيما مثلوا .ورأينا أن نجمع ما قصدنا جمعه من ذلك في عشرة أبواب .الباب الأول : في الحث على قبول النصائح .الباب الثاني : في الإبانة عن جلالة شأن الملك والملوك وما يجب عليهم أن يأخذوا به أنفسهم من الخلال التي تشاكل منازلهم و تضاهي مراتبهم .والملك الباب الثالث : في الخلال التي من جهتها يعرض الفساد في الممالك
الباب الرابع : في فصول من المواعظ التي ينتفع بها ،ويعالج بها قساوة القلوب ،و يتداوى بها من أمراض الأهواء و أسقام الشهوات .الباب الخامس : في سياسة النفس و رياضتها .الباب السادس: في سياسة الخاصة من الأهل والولد و القرابة والخدم و الجند .الباب التاسع : في تدبير الأعداء .الباب العاشر : في تقديم النيات وطلب التأويلات لكثير مما يجري بيانه على أيدي الملوك ،مما يكرهه كثير من العلماء و العقلاء .الباب الأول الحث على قبول النصائح
وإذ قد ذكرنا ما يجب على أهل العلم والعقل والديانة والفضل الذين يوجبون على أنفسهم أوامر الله و فرائضه ،وأحكامه و مواجبه من نصيحة الملوك والأئمة ،وبينا أن ذلك مما يجمع نصيحة الكافة ،و أوضحنا أن الله بعث أنبياءه،وحث عليه علماء بريته وحكماء خليقته فائتمروا به وانتهوا إليه ،وقدمنا أن أحق من تهدي إليه النصائح ويحول بالمواعظ الملوك بان به أنهم أحق الناس بقبول النصيحة وسماع الموعظة ،أولها - أن يترفعوا به عن مشاكلة أهل الغباوة والجهالة وسوء النشوء والعادة ،الملوك الذين لا يميزون بين منافعهم ومضارهم ،ولا يفرقون بين محامدهم ومذامهم ،وعن مرتبة من تستحوذ عليه شهواته ويغلب عليه هواه ،حتى يرين (۱) على قلبه ويكون من الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ،ولهم أعين لا يبصرون بها ،والثانية - أن يرغبوا في نتائج النصائح ،فإن النصيحة هداية إلى سبل الرشاد ،وتبلغ إلى نيل السداد ،وذلك مما تحمد عاجلته وأجلته وأولاه وآخرته .والثالثة - أنهم أكثر الناس أشغالاً ،وأبعدهم من ممارسة أمورهم بأنفسهم ،ومشاهدة أقاصي أعمالهم بأعينهم وليس كل مستعان به يعين ،والرابعة - أنهم أبعد الناس من مجالسة العلماء ،وحضور مجالس الزهاد تشحذ العقول ،ويذكر والواعظين والفقهاء ،وعن مفاوضتهم ممنوعون مشغولون .والخامسة - أنهم أبعد الناس من الاتعاظ بالموعظة ،والقبول للنصيحة إذا خالف ذلك أهواءهم ،لأنهم أو عامتهم يغذوهم العز والثروة والأمن والمقدرة والجرأة والمتعة والسرور واللذة.وهذه كلها خلال تؤدي إلى قساوة القلوب والأنفة من تعلم العلوم وإن كان فيه نجاحهم،والاستنكاف من الاتعاظ و إن كان فيه صلاحهم .والسادسة - أنهم أقل الناس حظاً من النصحاء المخلصين ،لأن أكثر من بجيوشهم من وزرائهم وأعوانهم وندمائهم لا يكلمونهم إلا بما يوافق أهواءهم ،ولا يستقبلونهم إلا بما يطابق آراءهم ،مخافة على مهجهم وتحصينا لدمائهم ،ولان أكثر من يلزم سددهم ويحضر أبوابهم ،ويتصرف في خدمتهم طلاب الدنيا وبائعو حطامها ،ويزلون بها إذا زلت . أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل ) .وكانوا يقولون : آفة الرأي الهوى .وقال بعض العلماء المتقدمين : وعلى العاقل أن يعلم أن الرأي والهوى متعاديان ،وأن من شأن الناس تسويف الرأي وإسعاف الهوى ،فليخالف ذلك ويلتمس الا يزال هواه مسوفاً ،ولهذه العلل لا تعدم الملوك من ينصحها ويستقصي لها أبواب الدخل والخرج والتفريق والجبايات والنفقات ،ومن يدلها على عاجل مرافقها ،وينصح لها في مكايدة أعدائها و منابذة مخالفيها .وقل من تجد من ينصحها في دينها ،و يبصرها مذام أمورها ومحامدها ،وينهي إليها أخبار ضعاف الرعية وسوء أدب الخاصة و الحاشية،وظلم ذوي الجاه والمقدرة لذوي الخمول و الضعة ولهذه العلة ما وضع كثير من الوزراء في أسس الملك أن الملك لا ينبغي أن يكون كاتباً ،ولا أن يكون حاسباً لأن الحساب مهنة .حتى قالوا لا يجب أن ينظر في العلم والفقه ويبحث عن اختلافات الناس ليعرف الخطأ من الصواب من مذاهب الملة ،فإن ذلك مما ينفر عنه العامة ويفرق عليه قلوب الرعية .حتى قالوا لا يجب ان يكون الملك بطلاً مقاتلاً ،فإن ذلك من أعمال الأساورة ،وأن الملك إذا ألجيء إلى القتال بنفسه فقد هلك ،وأنه ما دام له جنده فليس له أن يخاطر بنفسه ،ولأنه ما دام باقياً لم يعوزه من يقاتل عنه ويبذل مهجته دونه ،وإذا ذهبت نفسه لا يغني عنه جمعه لا ولا ينتفع بجيشه في أمور كثيرة من مثل هذا ،عليم أنها من وضع الغاشين من الوزراء والأعوان ،الذين لم يبالوا أن يخلو الملك من كل فضيلة ويعرى من كل منقبة ومعرفة ،حتى يكون كالأسير المكبول والذليل المقهور في أيديهم ،يفعلون بأملاكه وأملاك رعيته ما شاءوا ،ويديرون في المملكة ما أرادوا ،ويبدعون في الملة من الأهواء المضلة والأحكام الجائرة ما رأوا .ولو تتبعوا سير الملوك الحزمة والساسة الكملة [الذين كانوا على وجه الزمان ،ثم نظروا إلى من برز منهم بالفضل وحاز قصب السبق لعلموا أنهم لم يبلغوا غاياتهم ،ولم يدركوا نهاياتهم إلا بفضل العقل والتمييز والحكمة والتدبير ،ثم باليقظة الدائمة والعناية الشديدة والرياضة الكثيرة ،وسنذكر في مواضعه من الكتاب ما يحضر من بالغ حكمهم ،ما يكون على ما ذكرناه شاهداً ،وعلى ما سطرناه دليلاً ،وقد كان من الملوك الحزمة والخلفاء والأئمة كثير ممن خالف هذه السيرة ،فكان أحب الناس اليهم أصدقهم عن عيوبهم ،وأجلهم عندهم من نبههم على عيوبهم ،يتواصون باجتناء النصائح ،ويشترطون في عهودهم معرفة النصح من الغش ،وقد كان من آثار ملوك العجم وما أحيي من آرائهم ،ووصفوه في كتب أدبهم أن قالوا : أخلق الناس بالتورط والندم أعصاهم للنصحاء ،وقالوا : اتخذ من علمائك ونصحائك مرآة لطباعك وفعالك ،كما تتخذ الصورة وجهك الحديد المجلو ،فإنك إلى صلاح طباعك وأفعالك أحوج منك إلى تحسين صورتك ،والعالم الناصح أصدق وأعوز من الحديد المجلو .وجمع ذلك النبي ﷺ في قوله : « المؤمن مرآة أخيه المؤمن» .وقد قال أردشير في عهده الجليل الخطر ،الذي جعله دستور الملوك : وفي الرعية ضرب أتوا الملوك من أبواب النصائح لهم ،والتمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس فأولئك أعداء الناس وأعداء الملوك ،ومن عادى الملك وجميع الرعية فقد عادى نفسه.أبواب وقال في فصل آخر : وفي الرعية ضرب آخر ،تركوا الملوك من قبل أبوابهم ،فليعلم الملك أنه من أتاه من قبل بابه فقد آثره بنصيحته الملوك إن كانت عنده ،ومن أتاه من قبل وزرائه فهو مؤثر للوزير على الملك ،كل ذلك الخلفية ضناً بالنصيحة وحثاً للناس عليها .وقال سابور بن أردشير في عهده لابنه : واحذر أن تكون معروفاً عند وزرائك بالسرور بالمتابعة لك على هواك ،أو أن يظهر بك إيثار لمن فعل ذلك منهم ،فيلتمسوا الحظوة بموافقتك على ما فيه ضياع عملك وهلاك رعيتك ،فإن ذلك من أشد الأمور تخوفاً لنصائح الأعوان ،وأكثرها ضرراً على الملوك .وإنما جل حاجة الملك إلى وزرائه ليبصروهم ما عسى أن يخفى عليهم ،والاستمتاع بمشوراتهم وآرائهم ،فإذا كان الرأي معطلاً مرفوضاً ،وهوى الملك مقتدى به متبوعاً فأهون بمنفعتهم ،وأقلل بغنائهم قال : وقد كان بلغنا عمن مضى من الملوك أشد التوقي لذلك ،حتى لربما أظهر بعضهم لوزرائه الهوى في الأمر الذي يعرف خطأه وخوره إرادة امتحانهم وتكشيف نصائحهم ،فمن وافقه منهم اجتنى ذلك فيه وعاقبه عليه بالتهجم والجبة ،ومن أبى إلا لزوم الصواب حفيظ ذلك له وأثابه عليه .قال بعض الحكماء : لا يمنعك صغر شأن امرىء من اجتباء ما رأيت من رأيه صواباً ،والأصطفاء لما رأيت من اخلاقه كريماً ،ولا تحقرن الرأي الجليل إن أتاك به الرجل الحقير ،فإن اللؤلؤة النفيسة لا يستهان بها لهوان غائصها الذي استخرجها .وقال ارسطاطاليس : استغن بمن نصح لمن يقدمك .وكان أمير المؤمنين عمر يقول : رحم الله امراً أهدى الينا مساوئنا .وقال النبي - - : ( من غشنا فليس منا ) .والجلال شأن النصيحة ما كانت حكماء العرب تقول : أخوك من نصحك .قيل وكيف أغشه ؟ قال : اسكت عن نصيحته .فجعلوا السكوت عن النصح عقوبة للمنصوح على تركه قبوله .وكذلك ما قال الشاعر : -
ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي والنصح أرخص ما يباع ويُوهَبُ فهذا هذا ثم إن كل ما نزل الله في كتابه ،وأجرى على لسان رسوله ،ثم ما تواصى به الحكماء ،حكمة بالغة أو كلمة نافعة ،ولا ينفعكم نصحي ان اردت أن أنصح لكم وكان أهل الدين والعقل والعلم والفضل يقبلونها بالشكر بقلوبهم ،ويخلدون رسومها في دواوينهم وكتبهم ،ويمدحون قائل النصيحة على مر الأيام .وقد كان كثير من الخلفاء إذا أحسوا من أنفسهم بعجب أو فظاظة أو تيه أو قساوة ،سألوا العلماء أن ينصحوهم ويعظوهم .فقد بلغنا عن أبي جعفر المنصور أنه قال لسفيان الثوري عظني وأوجز ،فقال : يا أمير المؤمنين أرايت إن احتبس عليك بولك فلم ينفتح دون أن تفتديه بجميع .ملكك ؟ قال : كنت أفتديه بجميع ملكي .قال : فما تصنع بملك هذا قدره ؟ !
ولقد دخل عمرو بن عبيد علي بن أبي جعفر ،فوعظه وعاظ بكلام طويل افتتحه بأن قال : إن هذا الأمر لو كان يدوم لمن كان قبلك لم يصل شجعان إليك ،وإن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها ،واعلم أنه واقفك وسائلك عن مثاقيل الذر من الخير والشر ،وأن أمة محمد خصماؤك يوم القيامة ،وأن الله لا يرضى منك إلا بما ترضى لنفسك ،وأنك لن ترضى لنفسك إلا بأن يُعدل عليك ،وأنه لا يرضى منك إلا بالعدل على الرعية .إن من وراء بابك نيراناً تأجج من الجور.وعتاب بينهما كثير وقال هارون الرشيد لأبن السماك : عظني ،فقال : اعلم أنك ( لست) أول خليفة يموت .فقال : لو لم يمت من كان قبلك لم يصل إليك ما أنت فيه .أتطمع أن تخلد لا أبالك أمنت يد المنية أن تنالك أما والله إن لها ) رسولاً به لو قد أتاك لما أقالك كأني بالتراب عليك يحتى وبالباكين يقتسمون مالك ألا فاخرج من الدنيا سليما ورج من المعاش بما رجالك فلست مخلفاً في الناس شيئا ولست مزوداً إلا فعالك وكذلك كان الملوك الأولون ،فكان الاسكندر كثيراً ما يسأل الحكماء أن يزودوه في سفره ما يستعين به على ملكه ،ودائماً ما يكتب إلى أرسطاطاليس أستاذه ،فيكتب إليه بالمواعظ ،وسنذكر في مواضعها من كتابنا من مواعظه له ونصائحه إياه .فكان مما كتب مما يقربه إلى خالفه وينفعه في معاده : يا اسكندر ،لا تمل إلى ما يبيد ويكون بقاؤه قليلاً ،الذي لا يزول والبقاء الذي لا يضمحل .وقال : عجبت ممن استقر قلبه في الدنيا وهي دائمة التصرم لا يعتبر بالملوك الذين شرفوا وفازوا وتأكد فخرهم ،وكم عساك تعيش یا اسکندر .وقال اجعل العقاب بين ناظريك ،لا فيما يزول ولا غنى [فيه] بعد أن لا يلبث .لا تظلم على الدنيا فإنك قليل البقاء فيها .بما لو تتبعناه من أخبار الملوك والأئمة في هذا الباب ،المطال به الكتاب ،إنه لما كان غرضنا في كتابنا هذا إمحاض النصيحة والصدق في الموعظة لم نأمن أن يكون فيه بعض ما يخالف رأي المائلين إلى الشهوات ،والمستهترين باللذات من ذوي الممالك والولايات ،فتمجه أسماعهم وتنبو عنه قلوبهم وليس يجوز لمن رغب في النصيحة أن بعرضها على هواه ،بل يجب ان يعرضها وهواه جميعاً على الحق وما يوجبه العقل ،فربما يكون الثقيل على الطبع ،المكروه في القلب أحمد عاقبة ،يقول الله جل ذكره - : ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً .


النص الأصلي

ونقول إن ما حملنا على تأليف هذا الكتاب بعدما علمنا من حث الله - جل ذكره - العقلاء من عباده على طلب الأجر ،
وركب في طبائع الفضلاء من المحبة لبقاء الذكر ،
قول الله - جل وعز - : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينته للناس ولا تكتمونه ) .
وقوله إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) .
ثم ما روينا عن نبينا أنه قال : من كان عنده علم فكتمه الجمه الله بلجام من نار يوم القيامة .
ثم روينا عنه أنه قال و إنما الدين النصيحة ،
قال : الله ولرسوله ولأئمة المسلمين وجماعتهم ) .
والطاعة والنصح لكل مسلم .
فالملوك أولى الناس بأن تهدى إليهم النصائح ،
وأحقهم بأن يحولوا بالمواعظ إذ كان في صلاحهم صلاح الرعية ،
وفي فسادهم فساد البرية .
الملوك الأولون يقولون :
صلاح الوالي خير من خصب الزمان .
وقالوا : من غش الإمام فقد عش العامة وإن ظن أنه للعامة مناصح .
وقال جليل من الحكماء : يجب من حق الله - تبارك وتعالى - على المرء التوحيد والطاعة ،
ومن حق السلطان الود والنصيحة.
وكان يقال من كتم السلطان نصيحته ،
والأطباء مرضه ،
قالوا : وكان كسرى أبرويز يقول : من لم يصلح لملكه مع تعلق ضره ونفعه به لم يصلح لنفسه ،
ومن لم يصلح لنفسه فلا خير فيه .
ففي نصيحة السلطان نصيحة الكافة ،
وفي نصيحة الكافة هداية إلى مصلحة العالم بأسره ،
ونظام أمور الكل بجملته ،
وعلى حسب ذلك يرجو بإذلها لهم من ثواب العاجل والأجل وجزاء المحيا والممات .
ولهذا ما جرت العادة في الانبياء أن يبعثهم الله الى ملوك الأمم وإلى جماعتهم دون الواحد بعد الواحد من أفراد رعاياهم ،


لأن شخص الملك وحده يفي بجميع من في ضمن مملكته وتحت سياسته ،
ولأن الراعي إذا مال إلى مذهب مالت إليه الرعية ،
والملك إذا زهد في سيرة زهدت فيها العامة ،
فكتبنا كتابنا هذا نصيحة للملوك ،
وإظهاراً لمحبتهم ،
وإشفاقاً لهم على أنفسهم ورعاياهم ،
ورجونا أن من وقع إليه كتابنا هذا بما فيه من صادق النصيحة وبليغ الموعظة ،
وأعطاه من عنايته حظه بالنظر فيه والتدبر له والإصغاء إليه ،
عليم أنا من أعظم أوليائه له نصيحة ،
وأبلغ خدمه وأعوانه له معونة.
لأنها نصيحة من قبلها وعميل بها من الملوك والساسة وصل الله ملكه الأمدي بالأبدي في دار القرار ومحل الأبرار ،
في ملك لا يبلى ،
ونعيم لا يفنى ،
ولذة لا يشوبها ألم ،
وسرور لا يكدره غم ،
وفرح لا يخالطه حزن ،
وغنى لا يخشى بعده فقراً ،
وصحة لا يخاف معها سقماً .
ينال فيه غاية [المنى] وكنه المشتهى ،
ثم كفاه كثيراً من الجنود والأعوان والقواد والفرسان ،
ووفاء كثيراً من مغرات الأعداء ،
ومكايد أهل البغضاء ،
وكثر له من الأولياء ،
وأطلق فيه وله ألسنة الثناء والدعاء المحرض عليه والمرغوب فيه .
ثم جعل مملكته عامرة ،
وأيامه غضة ناضرة ،
وخواصة راضية ،
ورعاياه منقادة ساكنة ،
وبلاده هادئة وسبلها آمنة ،
وأمواله دارة ،
وأعداءه مقهورة مقموعة ،
وعزه في حياته نامياً ،
وذكره بعده باقياً .
ثم أزاح عنه فضول الأشغال ،
وطرح عنه فوادح الأثقال .
فإن أخطأه في دنياه حظ يتمناه ،
وفاته بعض ما يهواه عوضه الله عنه ما هو أجل قدراً وأعظم خطراً ،
وأوفى وأهنا وأكثر واسنى ،
وعداً من الله حقاً ،
وقولاً صدقاً ،
والله لا يخلف الميعاد .
على أنا لا ننفرد في كتابنا بآرائنا ،
ولا نعتمد في شيء نقوله على هوانا دون أن تحتج لما نقوله فيه و نذكره بقول الله - جل وعز - المنزل في كتابه ،
و أقاويل رسوله - المروية في سننه وآثاره .
ثم سير الملوك الأولين والأئمة الماضين والخلفاء الراشدين،
والحكماء المتقدمين في الأمم الخالية والأيام الماضية .
إذ كان هؤلاء أولى بالتقليد فيما قالوا ،
والاتباع فيما نسبوا ،
والاقتداء بهم فيما مثلوا .
ورأينا أن نجمع ما قصدنا جمعه من ذلك في عشرة أبواب .
الباب الأول : في الحث على قبول النصائح .
الباب الثاني : في الإبانة عن جلالة شأن الملك والملوك وما يجب عليهم أن يأخذوا به أنفسهم من الخلال التي تشاكل منازلهم و تضاهي مراتبهم .
والملك الباب الثالث : في الخلال التي من جهتها يعرض الفساد في الممالك
الباب الرابع : في فصول من المواعظ التي ينتفع بها ،
ويعالج بها قساوة القلوب ،
و يتداوى بها من أمراض الأهواء و أسقام الشهوات .
الباب الخامس : في سياسة النفس و رياضتها .
الباب السادس: في سياسة الخاصة من الأهل والولد و القرابة والخدم و الجند .
الباب السابع : في سياسة العامة وتدبير أهل المملكة.
الباب الثامن : في تدبير الأموال ،
جمعها و تفريقها .
الباب التاسع : في تدبير الأعداء .
الباب العاشر : في تقديم النيات وطلب التأويلات لكثير مما يجري بيانه على أيدي الملوك ،
مما يكرهه كثير من العلماء و العقلاء .
الباب الأول الحث على قبول النصائح
وإذ قد ذكرنا ما يجب على أهل العلم والعقل والديانة والفضل الذين يوجبون على أنفسهم أوامر الله و فرائضه ،
وأحكامه و مواجبه من نصيحة الملوك والأئمة ،
وبينا أن ذلك مما يجمع نصيحة الكافة ،
و يستصلح بها الخاصة والعامة ،
و أوضحنا أن الله بعث أنبياءه،
وأمر بها أولياءه ،
وحث عليه علماء بريته وحكماء خليقته فائتمروا به وانتهوا إليه ،
وقدمنا أن أحق من تهدي إليه النصائح ويحول بالمواعظ الملوك بان به أنهم أحق الناس بقبول النصيحة وسماع الموعظة ،
أولها - أن يترفعوا به عن مشاكلة أهل الغباوة والجهالة وسوء النشوء والعادة ،
الملوك الذين لا يميزون بين منافعهم ومضارهم ،
ولا يفرقون بين محامدهم ومذامهم ،
وقبول .
وعن مرتبة من تستحوذ عليه شهواته ويغلب عليه هواه ،
حتى يرين (۱) على قلبه ويكون من الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ،
ولهم أعين لا يبصرون بها ،
ولهم آذان لا يسمعون بها .
والثانية - أن يرغبوا في نتائج النصائح ،
فإن النصيحة هداية إلى سبل الرشاد ،
وتبلغ إلى نيل السداد ،
وذلك مما تحمد عاجلته وأجلته وأولاه وآخرته .
والثالثة - أنهم أكثر الناس أشغالاً ،
وأعظمهم أثقالاً ،
وأبعدهم من ممارسة أمورهم بأنفسهم ،
ومشاهدة أقاصي أعمالهم بأعينهم وليس كل مستعان به يعين ،
ولا كل وال يستقل بما يلي .
والرابعة - أنهم أبعد الناس من مجالسة العلماء ،
وحضور مجالس الزهاد تشحذ العقول ،
وتبصر العيون ،
ويذكر والواعظين والفقهاء ،
الذين بهم بالغين ،
فهم عنه محجوبون ،
وعن مفاوضتهم ممنوعون مشغولون .
والخامسة - أنهم أبعد الناس من الاتعاظ بالموعظة ،
والانقياد للتذكرة ،
والقبول للنصيحة إذا خالف ذلك أهواءهم ،
لأنهم أو عامتهم يغذوهم العز والثروة والأمن والمقدرة والجرأة والمتعة والسرور واللذة.
وهذه كلها خلال تؤدي إلى قساوة القلوب والأنفة من تعلم العلوم وإن كان فيه نجاحهم،
والاستنكاف من الاتعاظ و إن كان فيه صلاحهم .
والسادسة - أنهم أقل الناس حظاً من النصحاء المخلصين ،
والأوداء المشفقين ،
لأن أكثر من بجيوشهم من وزرائهم وأعوانهم وندمائهم لا يكلمونهم إلا بما يوافق أهواءهم ،
ولا يستقبلونهم إلا بما يطابق آراءهم ،
مخافة على مهجهم وتحصينا لدمائهم ،
واستدراراً لمطامعهم ،
وضنّاً بمراتبهم .
ولان أكثر من يلزم سددهم ويحضر أبوابهم ،
ويتصرف في خدمتهم طلاب الدنيا وبائعو حطامها ،
يميلون معها إذا مالت ،
ويزلون بها إذا زلت .
( أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل ) .
وكانوا يقولون : آفة الرأي الهوى .
وقال بعض العلماء المتقدمين : وعلى العاقل أن يعلم أن الرأي والهوى متعاديان ،
وأن من شأن الناس تسويف الرأي وإسعاف الهوى ،
فليخالف ذلك ويلتمس الا يزال هواه مسوفاً ،
ورأيه مسعفاً .
ولهذه العلل لا تعدم الملوك من ينصحها ويستقصي لها أبواب الدخل والخرج والتفريق والجبايات والنفقات ،
ومن يدلها على عاجل مرافقها ،
وينصح لها في مكايدة أعدائها و منابذة مخالفيها .
وقل من تجد من ينصحها في دينها ،
و يبصرها مذام أمورها ومحامدها ،
و يذكرها بعاقبتها ،
وينهي إليها أخبار ضعاف الرعية وسوء أدب الخاصة و الحاشية،
وظلم ذوي الجاه والمقدرة لذوي الخمول و الضعة ولهذه العلة ما وضع كثير من الوزراء في أسس الملك أن الملك لا ينبغي أن يكون كاتباً ،
لأن الكتابة صناعة ،
ولا أن يكون حاسباً لأن الحساب مهنة .
حتى قالوا لا يجب أن ينظر في العلم والفقه ويبحث عن اختلافات الناس ليعرف الخطأ من الصواب من مذاهب الملة ،
فإن ذلك مما ينفر عنه العامة ويفرق عليه قلوب الرعية .
حتى قالوا لا يجب ان يكون الملك بطلاً مقاتلاً ،
فإن ذلك من أعمال الأساورة ،
وأن الملك إذا ألجيء إلى القتال بنفسه فقد هلك ،
وأنه ما دام له جنده فليس له أن يخاطر بنفسه ،
ولأنه ما دام باقياً لم يعوزه من يقاتل عنه ويبذل مهجته دونه ،
وإذا ذهبت نفسه لا يغني عنه جمعه لا ولا ينتفع بجيشه في أمور كثيرة من مثل هذا ،
إذا فكر فيها العاقل ،
ونظر فيها المميز ،
عليم أنها من وضع الغاشين من الوزراء والأعوان ،
الذين لم يبالوا أن يخلو الملك من كل فضيلة ويعرى من كل منقبة ومعرفة ،
حتى يكون كالأسير المكبول والذليل المقهور في أيديهم ،
يفعلون بأملاكه وأملاك رعيته ما شاءوا ،
ويديرون في المملكة ما أرادوا ،
ويبدعون في الملة من الأهواء المضلة والأحكام الجائرة ما رأوا .
ولو تتبعوا سير الملوك الحزمة والساسة الكملة [الذين كانوا على وجه الزمان ،
ثم نظروا إلى من برز منهم بالفضل وحاز قصب السبق لعلموا أنهم لم يبلغوا غاياتهم ،
ولم يدركوا نهاياتهم إلا بفضل العقل والتمييز والحكمة والتدبير ،
ثم باليقظة الدائمة والعناية الشديدة والرياضة الكثيرة ،
حتى فاقوا أقرانهم ،
وراقوا أكفاءهم في الملك ،
ومضت أيامهم حميدة ،
وبقيت آثارهم عتيدة .
وسنذكر في مواضعه من الكتاب ما يحضر من بالغ حكمهم ،
ومحاسن آثارهم ،
ونافع مواعظهم ،
ما يكون على ما ذكرناه شاهداً ،
وعلى ما سطرناه دليلاً ،
بعون الله وحوله .
وقد كان من الملوك الحزمة والخلفاء والأئمة كثير ممن خالف هذه السيرة ،
وتنكب هذه الطريقة ،
فكان أحب الناس اليهم أصدقهم عن عيوبهم ،
وأقربهم منهم أنصحهم لهم ،
وأجلهم عندهم من نبههم على عيوبهم ،
وبصرهم بذنوبهم ،
يتواصون باجتناء النصائح ،
وقبول المواعظ ،
ويشترطون في عهودهم معرفة النصح من الغش ،
والناصح من الغاش ،
وممن يجب ان يقبل ،
وكيف يجب فيها أن يعمل .
وقد كان من آثار ملوك العجم وما أحيي من آرائهم ،
ووصفوه في كتب أدبهم أن قالوا : أخلق الناس بالتورط والندم أعصاهم للنصحاء ،
وقالوا : اتخذ من علمائك ونصحائك مرآة لطباعك وفعالك ،
كما تتخذ الصورة وجهك الحديد المجلو ،
فإنك إلى صلاح طباعك وأفعالك أحوج منك إلى تحسين صورتك ،
والعالم الناصح أصدق وأعوز من الحديد المجلو .
وجمع ذلك النبي ﷺ في قوله : « المؤمن مرآة أخيه المؤمن» .
وقد قال أردشير في عهده الجليل الخطر ،
العظيم القدر ،
الذي جعله دستور الملوك : وفي الرعية ضرب أتوا الملوك من أبواب النصائح لهم ،
والتمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس فأولئك أعداء الناس وأعداء الملوك ،
ومن عادى الملك وجميع الرعية فقد عادى نفسه.
أبواب وقال في فصل آخر : وفي الرعية ضرب آخر ،
تركوا الملوك من قبل أبوابهم ،
واتوهم من قبل وزرائهم ،
فليعلم الملك أنه من أتاه من قبل بابه فقد آثره بنصيحته الملوك إن كانت عنده ،
ومن أتاه من قبل وزرائه فهو مؤثر للوزير على الملك ،
كل ذلك الخلفية ضناً بالنصيحة وحثاً للناس عليها .
وقال سابور بن أردشير في عهده لابنه : واحذر أن تكون معروفاً عند وزرائك بالسرور بالمتابعة لك على هواك ،
أو أن يظهر بك إيثار لمن فعل ذلك منهم ،
وتفضيل له على من سواه ،
فيلتمسوا الحظوة بموافقتك على ما فيه ضياع عملك وهلاك رعيتك ،
فإن ذلك من أشد الأمور تخوفاً لنصائح الأعوان ،
وأكثرها ضرراً على الملوك .
وإنما جل حاجة الملك إلى وزرائه ليبصروهم ما عسى أن يخفى عليهم ،
والاستمتاع بمشوراتهم وآرائهم ،
فإذا كان الرأي معطلاً مرفوضاً ،
وهوى الملك مقتدى به متبوعاً فأهون بمنفعتهم ،
وأقلل بغنائهم قال : وقد كان بلغنا عمن مضى من الملوك أشد التوقي لذلك ،
وأبلغ النهي عنه ،
حتى لربما أظهر بعضهم لوزرائه الهوى في الأمر الذي يعرف خطأه وخوره إرادة امتحانهم وتكشيف نصائحهم ،
فمن وافقه منهم اجتنى ذلك فيه وعاقبه عليه بالتهجم والجبة ،
ومن أبى إلا لزوم الصواب حفيظ ذلك له وأثابه عليه .
قال بعض الحكماء : لا يمنعك صغر شأن امرىء من اجتباء ما رأيت من رأيه صواباً ،
والأصطفاء لما رأيت من اخلاقه كريماً ،
ولا تحقرن الرأي الجليل إن أتاك به الرجل الحقير ،
فإن اللؤلؤة النفيسة لا يستهان بها لهوان غائصها الذي استخرجها .
وقال ارسطاطاليس : استغن بمن نصح لمن يقدمك .
وكان أمير المؤمنين عمر يقول : رحم الله امراً أهدى الينا مساوئنا .
وقال النبي - - : ( من غشنا فليس منا ) .
والجلال شأن النصيحة ما كانت حكماء العرب تقول : أخوك من نصحك .
وقالوا انصح أخاك ،
فإن قبل وإلا فغشه ،
قيل وكيف أغشه ؟ قال : اسكت عن نصيحته .
فجعلوا السكوت عن النصح عقوبة للمنصوح على تركه قبوله .
وكذلك ما قال الشاعر : -
ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي والنصح أرخص ما يباع ويُوهَبُ فهذا هذا ثم إن كل ما نزل الله في كتابه ،
وأجرى على لسان رسوله ،
واتباعه ،
ثم ما تواصى به الحكماء ،
[ سلفهم ] الخلفهم .
حكمة بالغة أو كلمة نافعة ،
أو موعظة شافية ،
أو هداية مرشدة ،
فإنما هو نصيحة ،
نصحت لكم ،
وانصح لكم ،
وأنا لكم ناصح أمين ،
ولا ينفعكم نصحي ان اردت أن أنصح لكم وكان أهل الدين والعقل والعلم والفضل يقبلونها بالشكر بقلوبهم ،
ويجرونها على السنتهم ،
ويخلدون رسومها في دواوينهم وكتبهم ،
ويمدحون قائل النصيحة على مر الأيام .
وقد كان كثير من الخلفاء إذا أحسوا من أنفسهم بعجب أو فظاظة أو تيه أو قساوة ،
سألوا العلماء أن ينصحوهم ويعظوهم .
فقد بلغنا عن أبي جعفر المنصور أنه قال لسفيان الثوري عظني وأوجز ،
فقال : يا أمير المؤمنين أرايت إن احتبس عليك بولك فلم ينفتح دون أن تفتديه بجميع .
ملكك ؟ قال : كنت أفتديه بجميع ملكي .
قال : فما تصنع بملك هذا قدره ؟ !
ولقد دخل عمرو بن عبيد علي بن أبي جعفر ،
فقال له عظني ،
فوعظه وعاظ بكلام طويل افتتحه بأن قال : إن هذا الأمر لو كان يدوم لمن كان قبلك لم يصل شجعان إليك ،
وإن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها ،
واعلم أنه واقفك وسائلك عن مثاقيل الذر من الخير والشر ،
وأن أمة محمد خصماؤك يوم القيامة ،
وأن الله لا يرضى منك إلا بما ترضى لنفسك ،
وأنك لن ترضى لنفسك إلا بأن يُعدل عليك ،
وأنه لا يرضى منك إلا بالعدل على الرعية .
إن من وراء بابك نيراناً تأجج من الجور.
في كلام له طويل ،
وعتاب بينهما كثير وقال هارون الرشيد لأبن السماك : عظني ،
فقال : اعلم أنك ( لست) أول خليفة يموت .
فقال : زدني ،
فقال : لو لم يمت من كان قبلك لم يصل إليك ما أنت فيه .
فقال : زدني ،
أتطمع أن تخلد لا أبالك أمنت يد المنية أن تنالك أما والله إن لها ) رسولاً به لو قد أتاك لما أقالك كأني بالتراب عليك يحتى وبالباكين يقتسمون مالك ألا فاخرج من الدنيا سليما ورج من المعاش بما رجالك فلست مخلفاً في الناس شيئا ولست مزوداً إلا فعالك وكذلك كان الملوك الأولون ،
فكان الاسكندر كثيراً ما يسأل الحكماء أن يزودوه في سفره ما يستعين به على ملكه ،
ودائماً ما يكتب إلى أرسطاطاليس أستاذه ،
فيكتب إليه بالمواعظ ،
ويهدي إليه النصائح .
وسنذكر في مواضعها من كتابنا من مواعظه له ونصائحه إياه .
فكان مما كتب مما يقربه إلى خالفه وينفعه في معاده : يا اسكندر ،
لا تمل إلى ما يبيد ويكون بقاؤه قليلاً ،
الذي لا يزول والبقاء الذي لا يضمحل .
وقال : عجبت ممن استقر قلبه في الدنيا وهي دائمة التصرم لا يعتبر بالملوك الذين شرفوا وفازوا وتأكد فخرهم ،
وكم عساك تعيش یا اسکندر .
وقال اجعل العقاب بين ناظريك ،
وفكر فيما وهب الله لك من النعم ،
لا فيما يزول ولا غنى [فيه] بعد أن لا يلبث .
اقنع تستغن .
لا تظلم على الدنيا فإنك قليل البقاء فيها .
بما لو تتبعناه من أخبار الملوك والأئمة في هذا الباب ،
المطال به الكتاب ،
وإنما أوردنا بعضاً مما أردناه .
إنه لما كان غرضنا في كتابنا هذا إمحاض النصيحة والصدق في الموعظة لم نأمن أن يكون فيه بعض ما يخالف رأي المائلين إلى الشهوات ،
والمستهترين باللذات من ذوي الممالك والولايات ،
فتمجه أسماعهم وتنبو عنه قلوبهم وليس يجوز لمن رغب في النصيحة أن بعرضها على هواه ،
بل يجب ان يعرضها وهواه جميعاً على الحق وما يوجبه العقل ،
فما قبلاه قبله ،
وما رداه رده ،
فربما يكون الثقيل على الطبع ،
المكروه في القلب أحمد عاقبة ،
وأروح آخرة ،
وأوفر أجراً ،
وأحسن ذكراً .
يقول الله جل ذكره - : ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

The human being...

The human being is considered the basic building block of society and the essence of its constructio...

أصبح للجنة العس...

أصبح للجنة العسكرية، ثلاث مستويات كذلك، الأول لرؤساء أركان حرب القوات المسلحة للدول الأعضاء، والثاني...

تعد المملكة الع...

تعد المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، و يعتمد اقتصادها على القطاع النفطي بشكل كبير...

ارتفاع ثاني أكس...

ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو زيادة في متوسط درجة حرارة سطح الكوكب ، حيث يوجد الميثان...

حصر المظاهر الس...

حصر المظاهر السلوكية التي تدعو إلى إدخال أساليب الدعم وذلك برصد مظاهر التعثر والقصور كصعوبة الفهم وع...

. Contribution ...

. Contribution to Knowledge: It contributes to the existing body of knowledge on forensic accounting...

مقارنة بين الطا...

مقارنة بين الطاقة المتجددة والطاقة غير التقليدية الناضبة اولاً : الإطار لمفاهيم الطاقة المتجددة والط...

كان من حسن تدبي...

كان من حسن تدبير القائمين على مدرستنا انهم خصصوا لما ساعة في الاسبوع للاشغال اليدوية ، وتلك الساعة ك...

1.1 Introductio...

1.1 Introduction Love and war are two contrasting yet interconnected themes that have been explored ...

الأهمية النسبية...

الأهمية النسبية للخبر ومن هنا نخرج بحقيقة متفق عليها إتفاقا إجماعيا وهي: أنه ليس هناك أهمية عامة م...

• The European ...

• The European market for gas has evolved rapidly. In the 1970s and 1980s the European appetite for ...

ﺍﺘﻔﺎﻕ ﺃﻭﺴﻠﻭ ﻋﻠﻰ...

ﺍﺘﻔﺎﻕ ﺃﻭﺴﻠﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻝﻬﻭﻴﺔ ﺍﻝﻭﻁﻨﻴﺔ ﺍﻝﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺴﻴﺎﻗﺎﺘﻬﺎ ﺍﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﺇﺸﻜﺎﻝﻴﺎﺕ ﺍﻝﺘﺠﺯﺌﺔ ﻭﺍﻝﻭﺤﺩﺍﻨﻴﺔ ﻓﻘﺩ ﻗ...