لخّصلي

تتضمن عملية تحقيق المخطوطات مرحلتين: جمع النسخ وترتيبها. فمرحلة الجمع تعني الحصول على المادة الأولية، أما الترتيب فيعني استثمار هذه المادة للحصول على نص المؤلف الأصلي أو أقرب ما يكون إليه. يُرتب المحقق النسخ حسب أهميتها بعد فحص دقيق، يُقيّم هذا الفحص عمر النسخة بدراسة نوع ورقها، مع عدم الاعتماد الكلي على التواريخ المسجلة التي قد تكون مزيفة، كما يدرس المحقق المواد المستخدمة وخط الكتابة لتحديد عصر النسخة، مستعيناً بخبير خطوط عند الضرورة. لكن سهولة التصوير الشمسي أدت إلى عدم معرفة نوع الورق أو المداد أحياناً.

يُفحص المحقق القراءات، الإجازات، والتعليقات على النسخة، ويتحقق من كمالها وصحة ترتيب أجزائها، مستعيناً بالتعقيبات الموجودة في أسفل الصفحات غالباً. كما ينظر في خاتمة المخطوط لمعرفة اسم الناسخ وتاريخ النسخ. ويمكن مقارنة خط المؤلف في نسخة أخرى مثبتة نسبتها إليه للتأكد من نسبة المخطوط. وجود الورقة الأولى والأخيرة يساعد في التقييم، فالنُسخة المكتوبة بخط المؤلف تبدأ عادةً بعبارة "العبد الفقير إلى ربه..."، أما النسخة التي قام بنسخها غيره فتبدأ بـ"قال الإمام الجليل...". وتختم نسخة المؤلف بذكر اسمه واسم أبيه وسنة التأليف، بينما يذكر الناسخ في ختام نسخته اسمه وسنة النسخ.

بعد ذلك، يُرتب المحقق النسخ حسب أهميتها، فالنُسخة المكتوبة بخط المؤلف وتأكدت نسبتها إليه هي النسخة الأم (الرتبة الأولى). تليها النسخة التي قرأها المؤلف أو قرئت عليه وأجازها (الرتبة الثانية)، ثم النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف المكتوبة في عصره وعليها سماعات من العلماء (الرتبة الثالثة)، ثم النسخ المكتوبة بعد عصر المؤلف حسب قدمها. يُرمز لكل نسخة بحرف من اسم صاحبها أو المكتبة أو البلد. النسخ المتشابهة تُرمز لها بحرف من حروف الأبجدية (أ، ب، ج...). القدم ليس الحكم الوحيد، بل يُراعى خلو النسخة من التصحيف والتحريف ودقة ضبطها. قد تُفضل نسخة متأخرة على نسخة قديمة إذا كان ناسخها أكثر دقة. تُعتبر الأصول القديمة المضمنة في بعض الكتب مصادر ثانوية، كذلك النسخ المطبوعة التي فقدت أصولها. أما المصورات فهي بمنزلة أصلها بشرط وضوحها.

إن مرحلة جمع نسخ المخطوط، تعني الحصول على مادة العمل الأولية، أما مرحلة ترتيب النسخ، فهي استثمار هذه المادة وتوجيهها للحصول على نص المؤلف الأول، أو أقرب ما يكون منه لإجراء التحقيق المقصود، ويجري
العمل على ترتيب النسخ حسب أهميتها بعد فحصها فحصاً علمياً دقيقاً .

ولتقييم النسخ، من أجل ترتيبها، يدرس المحقق نوع ورق كل نسخة ليتمكن من تحقيق عمرها، ولا يعتمد كثيراً على ما سجل عليها من تواريخ فقد تكون مزيفة. ويقوم أيضاً بدراسة المواد ليعرف قرب عهد المخطوط من عهده، وكذلك الخط، لأن لكل عصر نظام كتابته وخطوطه، ولا بأس من الاستعانة بخبير بالخطوط إذا اقتضى الأمر.

لكننا اليوم لا نستعمل جميعاً مخطوطات أصلية، نظراً لسهولة التصوير الشمسي، وهذا ما أدى أحياناً إلى عدم معرفتنا بنوع الورق أو حالته أو نوع المداد، والإصطلاحات التي تمت فيها .

ويفحص المحقق ما على النسخة من قراءات لبعض العلماء وإجازات، وكذلك ما عليها من تعليقات، وينظر إلى أبواب المخطوط وأجزائه ليستوثق من كمال النسخة وصحة ترتيبها، وكثير من المخطوطات القديمة يلتزم نظام التعقيبة»، وهي الكلمة التي تكتب في أسفل الصفحة اليمنى غالباً لتدل على بدء الصفحة التي تليها، وبتتبع هذه التعقيبات يمكن الاطمئنان إلى تسلسل صفحات المخطوطات.
وينظر المحقق في خاتمة المخطوط لعله يتبين اسم الناسخ وتاريخ النسخ وتسلسل النسخة. وللتأكد أيضاً من نسبة المخطوط إلى المؤلف نفسه إذا لم تكن هناك إشارة مباشرة إلى ذلك، يمكن مقارنة خط المؤلف بخطه في نسخة أخرى ثبتت نسبتها إليه.

ووجود الورقة الأولى والورقة الأخيرة في المخطوط يساعد في تقييم النسخة وتعيين مرتبتها، فالنسخة التي كتبها المؤلف بنفسه تبدأ عادة بقوله : «العبد الفقير إلى ربه .... أما التي قام بنسخها أحد النساخ فتبدأ بالقول: «قال الإمام الجليل العلامة فريد عصره ووحيد دهره . . . . .

والورقة الأخيرة يختمها المؤلف عادة بقوله : وكتبها العبد الفقير إلى ربه ويذكر اسمه الصريح واسم أبيه وسنة التأليف، أما التي كتبها الناسخ فيقول في ختامها : وتم نسخ الكتاب على يدي فلان الناسخ في سنة كذا
بعد تلك القراءة المتأنية لنسخ المخطوط، يبدأ
المحقق بترتيبها حسب أهميتها، وتكون النسخة التي كتبها المؤلف بخط يده، وتأكدت نسبتها إليه، هي النسخة التي تتمتع بالرتبة الأولى بين النسخ، وتسمى النسخة الأم .

وتحتل الرتبة الثانية النسخة التي قرأها المؤلف، أو قرئت عليه وأمر بإجازتها . ثم تأتي في الرتبة الثالثة النسخة التي نقلت عن نسخة المؤلف، وكتبت في عصره، وعليها سماعات من العلماء، ثم تأتي بعد ذلك النسخ التي كتبت بعد عصر المؤلف الأقدم فالقديم، وتأخذ المراتب الرابعة والخامسة وهكذا ويرمز لكل نسخة من نسخ المخطوط بحرف يؤخذ من اسم صاحبه، أو من اسم المكتبة الموجودة فيها، أو من اسم البلد الذي فيه المكتبة.ويرمز إلى النسخ المتشابهة. بحرف من حروف الأبجدية (أ - ب - ج - د...) فتكون نسخة أو أكثر من فئة «أ»، ونسخة أو أكثر من فئة «ب» وهكذا .

ولا بد من الإشارة إلى أن القدم ليس هو الحكم الفصل في تصنيف النسخ ، بل يؤخذ في الاعتبار خلو النسخة من التصحيف والتحريف، ودقة ضبطها، وهذا ما يجعل أحياناً نسخة متأخرة تفضل نسخة متقدمة، لأن ناسخ
المخطوط القديم، قد يكون مغموراً أو ضعيفاً، فتكثر سقطاته، بينما قد يكون ناسخ المخطوط الأحدث تاريخاً، عالماً دقيقاً، يظهر ذلك في حرصه، وفي إشاراته إلى الأصل، وقلة سقطه، فيكون ذلك أدعى إلى اعتماد نسخته أكثر من غيرها .

وهناك أصول قديمة ضمنها بعض المؤلفين كتبهم، وهذه لا تعتبر نصوصاً أصلية، وإنما يستعان بها لتحقيق النص. كما أن النسخ المطبوعة التي فقدت أصولها يعتبرها بعض المحققين أصولاً ثانوية في التحقيق. أما المصورات من النسخ فهي بمنزلة أصلها، شرط وضوحها، فمصورة النسخة الأولى هي نسخة أولى، ومصورة الثانية هي نسخة ثانية وهكذا دواليك