لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

يذم الكلام كله،
وأن يفضل الخرس على النطق والعي على البيان.
فمنثور كلام الناس على كل حال أكثر من منظومه،
والذي زعم أنه ذم الشعر من أجله وعاداه بسببه فيه أكثر ؛
لأن الشعراء في كل عصر و زمان معدودون،
والعامة ومن لا يقول الشعر من الخاصة عديد الرمل.
ونحن نعلم أن لو كان منثور الكلام يجمع كما يجمع المنظوم،
ثم عمد عامد فجمع ما قيل من جنس الهزل والسخف نثرا في عصر واحد،
لأربى على جميع ما قاله الشعراء نظما في الأزمان الكثيرة،
والغمره حتى لا يظهر فيه .
ثم إنك لو لم ترو من هذا الضرب شيئًا قط،
ولم تحفظ إلا الجد المحض وإلا ما لا معاب عليك في روايته وفي المحاضرة به وفي نسخه وتدوينه،
لكان في ذلك غني ومندوحة،
ولوجدت طلبتك ونلت مرادك،
وحصل لك ما نحن ندعوك إليه من علم الفصاحة،
فاختر لنفسك،
ودع ما تكره إلى ما تحب .
هذا،
وراوي الشعر حاك،
وليس على الحاكي عيب ولا عليه تبعة إذا هو لم يقصد بحكايته أن ينصر باطلاً أو يسوء مسلما،
وقد حكى الله تعالى كلام الكفار.
فانظر إلى الغرض الذي له روي الشعر ومن أجله أريد،
وله دون تعلم أنك قد زغت عن المنهج،
وأنك مسيء في هذه العداوة،
وقد استشهد العلماء لغريب القرآن وإعرابه بالأبيات فيها الفحش،
وفيها ذكر الفعل القبيح،
ثم لم يعبهم ذلك؛
إذ كانوا لم يقصدوا إلى ذلك الفحش ولم يريدوه،
ولم يرووا الشعر من أجله قالوا: وكان الحسن البصري - رحمه الله - يتمثل في مواعظه بالأبيات من الشعر،
وكان من أوجعها عنده: اليوم عندك دلها وحديثها وغدا لغيرك كفها والمعصم ،
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب له،
ذكره المرزباني في كتابه بإسناد،
عن عبد الملك بن عمير أنه قال: أتي عمر - رضوان الله عليه - بحلل من اليمن،
فأتاه محمد بن جعفر بن أبي طالب،
ومحمد بن أبي بكر الصديق،
ومحمد بن طلحة بن عبيد الله،
ومحمد بن حاطب،
فدخل عليه زيد بن ثابت الله فقال: يا أمير المؤمنين،
هؤلاء المحمدون بالباب يطلبون الكسوة.
فقال: ائذن لهم يا غلام.
فدعا بحلل،
فأخذ زيد أجودها [حلة]،
وقال: هذه المحمد بن حاطب وكانت ألله عنده،
وهو من بني لؤي،
أسرك لما صرع القوم نشوة برينا كأني قبل لم أك منهم
خروجي منها سالما غير غارم وليس الخداع مرتضى في التنادم
رُدَّها ! ثم قال: اثتني بثوب فألقه على هذه الحلل.
وقال : أدخل يدك فخذ حلة وأنت لا تراها فأعطهم.
قال عبد الملك: فلم أر قسمة أعدل منها.
وعمارة هذا هو عمارة بن الوليد بن المغيرة،
خطب امرأة من قومه فقالت: لا أتزوجك أو تترك الشراب.
فأبى ثم اشتد وجده بها فحلف لها ألا يشرب،
ثم مر بخمار عنده شرب يشربون،
فدعوه فدخل عليهم،
وقد أنفدوا ما عندهم،
فنحر لهم ناقته وسقاهم ببرديه ومكثوا أيامًا،
ثم خرج فأتى أهله،
فلما رأته امرأته قالت: ألم تحلف ألا تشرب؟ فقال: ولسنا بشرب أم عمرو إذا انتشوا ثياب الندامي عندهم كالغنائم بمنزلة الريان ليس بعائم ولكننا يا أم عمرو نديمنا أسرك .
فإذن،
رُبَّ هزل صار أداة في جد،
وكلام جرى في باطل،
ثم استعين به على حق،
كما أنه رُبَّ شيء خسيس توصل به إلى شريف،
بأن ضُرِبَ مثلاً فيه،
وجعل مثالاً له.
قال أبو تمام: والله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس ،
وعلى العكس،
فرب كلمة حق أريد بها باطل،
فاستحق عليها الذم،
كما عرفت من خبر الخارجي مع علي - رضوان الله عليه،
ورُبَّ قول حسن لم يحسن من قائله حين تسبب به إلى قبيح،
كالذي حكى الجاحظ،
قال: رجع طاووس يوما عن مجلس محمد بن يوسف،
وهو يومئذ والي اليمن،
فقال: ما ظننت أن قول سبحان الله يكون معصية الله حتى كان اليوم سمعت رجلاً أبلغ ابن يوسف عن رجل كلامًا،
فقال رجل من أهل المجلس: سبحان الله !! كالمستعظم لذلك الكلام،
ليُغضب ابن يوسف.
فبهذا ونحوه فاعتبر،
واجعله حكما بينك وبين الشعر.
وبعد؛
فكيف وضع من الشعر عندك،
وكَسَبَهُ المفت منك أنك وجدت فيه الباطل والكذب وبعض ما لا يحسن،
ولم يرفعه في نفسك،
ولم يوجب له المحبة من قلبك،
أن كان فيه الحق والصدق والحكمة وفصل الخطاب،
وأن كان تجني ثمر العقول والألباب،
ومجتمع فرق الآداب،
والذي (٢) قيد على الناس المعاني الشريفة،
وأفادهم الفوائد الجليلة،
وترسل بين الماضي والغابر،
ينقل مكارم الأخلاق إلى الولد عن الوالد،
ويؤدي ودائع الشرف عن الغائب إلى الشاهد حتى ترى به آثار الماضين مخلدة في الباقين،
وعقول الأولين مردودة في الآخرين وترى لكل من رام الأدب وابتغى الشرف،
وطلب محاسن القول والفعل منارا مرفوعا وعلما منصوبا وهاديا مرشدًا ومعلما مسددا،
وتجد فيه للنائي عن طلب المآثر والزاهد في اكتساب المحامد داعيًا ومحرّضًا وباعثا ومحضّضًا،
ومذكر ومعرفا وواعظا ومثقفا ،
فلو كنت ممن ينصف كان في بعض ذلك (۲) ما يغير هذا الرأي منك،
وما يحدوك على رواية الشعر وطلبه ويمنعك أن تعيبه أو تعيب به،
ولكنك أبيت إلا ظنا سبق إليك،
وإلا بادي رأي عَنَّ لك فأقفلت عليه قلبك،
وسددت عما سواه سمعك،
فَعَيَّ الناصح بك،
وعشر على الصديق الخليط تنبيهك.
نعم،
وكيف رويت لأن يمتلئ جوف أحدكم قَبْحًا فيريه،
خير له من أن يمتلئ شعرا ،
ولهجت به و تركت قوله : «إنَّ من الشعر الحكمة،
وكيف نسيت أمره ﷺ بقول الشعر،
ووعده عليه الجنة،
وقوله الحسان: «قُلْ وروح القدس معك،
وسماعه له،
واستنشاده إياه،
وعلمه به واستحسانه له،
وارتياحه عند سماعه.
أما أمره به،
فمن المعلوم ضرورة،
وكذلك سماعه إياه،
فقد كان حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير يمدحونه،
ويسمع منهم ويصغي إليهم،
ويأمرهم بالرد على المشركين فيقولون في ذلك،
ويعرضون عليه،
وكان الله يذكر لهم بعض ذلك،
كالذي روي من أنه قال لكعب: «ما نسي ربك،
وما كان ربك نسيا شعرًا قُلْتَهُ،
قال: وما هو يا رسول الله؟ قال أنشده يا أبا بكر،
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليُغلبنَّ مُغالِبُ الغَلاب وأما استنشاده إياه فكثير من ذلك الخبر المعروف في استنشاده.
حين استسقى فسقي قول أبي طالب: وأبيض يستقى الغمام بوجهه شمال اليتامي عصمة للأرامل يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل الأبيات.
وعن الشعبي الله عن مسروق،
عن عبد الله قال: لما نظر رسول الله ﷺ إلى القتلى يوم بدر مصرعين فقال لأبي بكر : لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا قد أخذت بالأنامل».
قال: وذلك لقول أبي طالب: كذبتم وبيت الله إن جد ما أرى لتلتين أسيافتاً بالأنامل وينهض قوم في الدروع إليهم نهوض الروايا في طريق حلاحل ومن المحفوظ في ذلك حديث محمد بن مسلمة الأنصاري،
جمعه وابن أبي حدرد الأسلمي الطريق،
قال: فتذاكرنا الشكر والمعروف،
قال: فقال محمد: كنا يوما عند النبي ﷺ فقال الحسان بن ثابت: أنشدني قصيدة من شعر الجاهلية،
فإنَّ الله تعالى قد وضع عنا آثامها في شعرها وروايته،
علقم ما أنت إلى عامر الناقض الأوتار والواتر
فقال النبي ﷺ: «يا حسان لا تعد تنشدني هذه القصيدة بعد مجلسك هذا !! فقال: يا رسول الله ،
تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر !! فقال النبي ﷺ: «يا حسان،
أشكر الناس للناس أشكرهم الله تعالى،
وإن قيصر سأل أبا سفيان بن حرب عني فتناول مني وفي خبر آخر : فشعث مني - وإنه سأل هذا عني فأحسن القول.
فشكره رسول الله ﷺ على ذلك.
وروي من وجه آخر أن حسان قال: يا رسول الله،
من نالتك يده وجب علينا شكره.
ومن المعروف في ذلك خبر عائشة - رضوان الله عليها - أنها قالت: كان رسول الله ﷺ كثيرا ما يقول: «أبياتك».
قالت: فيقول : يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده: صنع إليك عبدي معروفًا فهل شكرته عليه؟ فيقول: يا رب،
علمت أنه منك فشكرتك عليه،
قال: فيقول الله ﷺ: لم تشكرني؛
إذ لم تشكر من أجريته على يده».
وأما علمه الله بالشعر،
فكما روي أن سودة أنشدت عدي وتيم تبتغي من تُحالِفُ فظنت عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - أنها عرضت بهما،
وجرى بينهن كلام في هذا المعنى،
فأخبر النبي ﷺ فدخل عليهن وقال: يا ويلكن ليس في عَدِيكُنَّ وَلا تَيْمِكنَّ قبل هذا،
وإنما قيل في عدي تميم وتيم تميم».
وتمام هذا الشعر،
وهو لقيس بن معدان الكلبي من بني يربوع تحالف ولا والله تهبط تلعة ألا من رأى العبدين أو ذكرا له من الأرض إلا أنت للذل عارف عدي وتيم تبتغي من تحالف ،
فقال النبي ﷺ: يا أبا بكر،
أهكذا قال الشاعر ؟ قال : لا يا رسول الله،
ولكنه قال: هلا سألت عن آل عبد مناف يا أيها الرجل المحول رحله فقال رسول الله ﷺ: «هكذا كنا نسمعها».
وأما ارتياحه للشعر واستحسانه له،
فقد جاء فيه الخبر من وجوه،
من ذلك حديث النابغة الجعدي،
قال: أنشدت رسول الله ﷺ قولي: بَلَغْنَا السَّماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال النبي : أين المظهر يا أبا ليلى ؟ فقلت : الجنة يا رسول الله.
قال: «أجل إن شاء الله».
ثم قال: «أنشدني».
فأنشدته من قولي: ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له فقال : أجَدْتَ لا يفضض الله فاك.
قال الراوي: فنظرت إليه،
فكأن فاه البرد المنهل،
ما سقطت له سن ولا انفلت،
ترف غُرُوبه.
ومن ذلك حديث كعب بن زهير : روي أن كعبا وأخاه بجيرا خرجا إلى رسول الله ﷺ حتى بلغا أبرق العزاف،
فقال كعب البجير : الق هذا الرجل وأنا مقيم هاهنا،
فانظر ما يقول.
وقدم بجير على رسول الله ﷺ،
فعرض عليه الإسلام فأسلم،
وبلغ ذلك كعبا،
فقال في ذلك شعرا،
فأهدر النبي ﷺ دمه،
فكتب إليه بجير يأمره أن يُسلم ويُقبل إلى النبي ﷺ،
ويقول: إن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل منه رسول الله،
وأسقط ما كان قبل ذلك.
حتى أتى على آخرها،
فلما بلغ مديح رسول الله ﷺ: إن الرسول السيف يستضاء به في فتية من قريش قال قائلهم زالوا،
مهند من سيوف الله مسلول ببطن مكة لما أسلموا زولوا عند اللقاء ولا ميل معازيل وما بهم عن حياض الموت تهليل من نسج داود في الهيجا سرابيل أشار رسول الله ﷺ إلى الحلق أن اسمعوا.
قال: وكان رسول الله ﷺ يكون من أصحابه مكان المائدة من القوم،
يتحلقون حلقة دون حلقة،
فيلتفت إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.
والأخبار فيما يشبه هذا كثيرة،
والأثر به مستفيض.
الرد على ذم الشعر لما فيه من وزن وتقفية وإن زعم أنه ذم الشعر من حيث هو موزون مقفى،
حتى كأن الوزن عيب،
وحتى كأن الكلام إذا نظم نظم الشعر (۲) اتضع في نفسه (۳)،
وتغيرت حاله فقد أبعد،
وقال قولاً لا يعرف له معنى،
وخالف العلماء في قولهم: إنما الشعر كلام فَحَسَنُهُ حَسَنٌ،
وقبيحه قبيح،
وقد روي ذلك عن النبي ﷺ مرفوعا أيضًا (٤).
فإن زعم أنه إنما كره الوزن؛
لأنه سبب لأن يتغنى في الشعر ويتلهى به،
فإنا إذا كنا لم ندعه إلى الشعر من أجل ذلك (١)،
وإنما دعوناه إلى اللفظ الجزل،
والقول الفصل والمنطق الحسن والكلام البين،
وإلى حسن التمثيل والاستعارة،
وإلى التلويح والإشارة،
وإلى صنعة تعمد إلى المعنى الخسيس فتشرفه،
وإلى الضئيل فتفخمه،
وإلى النازل فترفعه،
وإلى الحامل فتنوه به وإلى العاطل (۲) فتحليه،
وإلى المشكل فتجليه،
فلا متعلق له بما ذكر (۳)،
ولا ضرر علينا فيها أنكر،
فليقل في الوزن ما شاء،
وليضعه حيث أراد،
فليس يعنينا أمره،
ولا هو مرادنا من هذا الذي راجعنا القول فيه.
وهذا هو الجواب المتعلق إن تعلق بقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ) وأراد أن يجعله حجة في المنع من الشعر،
ومن حفظه وروايته .
وذاك أنا نعلم أنه لم يمنع من الشعر من أجل أن كان قولاً فصلاً وكلامًا جزلاً ومنطقا حسنا وبيانا بينا،
كيف؟ وذلك ) يقتضي أن يكون الله تعالى قد منعه البيان والبلاغة،
وحماه الفصاحة والبراعة،
وجعله لا يبلغ مبلغ الشعراء في حسن العبارة وشرف اللفظ،
وهذا جهل عظيم وخلاف لماعرفه البلغاء وأجمعوا عليه من أنه كان أفصح العرب،
وإذا بطل أن يكون المنع من أجل هذه المعاني (١) ،
وكنا قد أعلمناه أنا ندعوه إلى الشعر من أجلها،
ونحدوه بطلبه على طلبها،
كان الاعتراض بالآية محالاً،
والتعلق بها خطلاً من الرأي وانحلالاً (٢).
الرد على من تعلق بقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾]فإن قال: إذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ [يس: ٦٩) فقد كره للنبي الشعر ونزهه عنه بلا شبهة،
وهذه الكراهة وإن كانت لا تتوجه إليه من حيث هو كلام،
ومن حيث أنه بليغ بين وفصيح حسن ونحو ذلك،
فإنها تتوجه إلى أمر (۳) لا بد لك من التلبس به في طلب ما ذكرت أنه مرادك من الشعر،
وذاك أنه لا سبيل لك إلى أن تميز كونه كلاما عن كونه شعرًا،
حتى إذا رويته التبست به من حيث هو كلام،
ولم تلتبس به من حيث هو شعر.
هذا محال وإذا كان لا بد لك من ملابسة موضع الكراهة،
فقد لزم العيب برواية الشعر وإعمال اللسان فيه (٤).
قيل له: هذا منك كلام لا يتحصل،
وذلك أنه لو كان الكلام إذا وزن حَطَّ ذلك من قدره وأزرى به،
وجلب على المفرغ له في ذلك القالب إثما،
وكسبه ذما،
لكان من حق العيب أن يكون على واضع الشعر أو من يريده لمكان الوزن خصوصا دون من يريده لأمر خارج منه،
ويطلبه لشيء سواه ،
فأما قولك: إنك لا تستطيع أن تطلب من الشعر ما لا يكره حتى تلتبس بما يكره ،
فإني إذا لم أقصده من أجل ذلك المكروه ولم أرده له،
وأردته لأعرف به مكان بلاغة،
وأجعله مثالاً في براعة،
أو أحتج به في تفسير كتاب وسنة،
وأنظر إلى نظمه ونظم القرآن،
فأرى موضع الإعجاز،
وأقف على الجهة التي منها كان،
وأتبين الفصل والفرقان (1) فحق هذا التلبس (3) ألا يعتد على ذنبًا،
وألا أؤاخذ به؛
إذ لا تكون مؤاخذة حتى يكون عمد إلى أن تواقع المكروه وقصد إليه،
وقد تتبع العلماء الشعوذة والسحر وعنوا بالتوقف (الوقوف) على حيل المموهين؛
ليعرفوا فرق ما بين المعجزة والحيلة،
فكان ذلك منهم من أعظم البر؛
إذ كان الغرض كريما والقصد شريفا .
وإذا نحن رجعنا إلى ما قدمنا من الأخبار،
وما صح من الآثار وجدنا الأمر على خلاف ما ظن هذا السائل،
ورأينا السبيل في منع النبي ﷺ الوزن،
وأن ينطلق لسانه بالكلام الموزون غير ما ذهبوا إليه (7)،
وذاك أنه لو كان منع تنزيه وكراهة،
لكان ينبغي أن يكره له سماع الكلام موزونا وأن يُنزّه سمعه عنه كما نزّه لسانه،
ولكان لا يأمر به ولا يحث عليه،
وكان الشاعر لا يُعان على وزن الكلام وصياغته شعرا ولا يؤيد فيه بروح القدس.
وإذا كان هذا كذلك،
فينبغي أن يُعلم أن ليس المنع في ذلك منع تنزيه وكراهة،
بل سبيل الوزن في منعه الله إياه سبيل الخط حين جعل الله لا يقرأ ولا يكتب،
في أن لم يكن المنع من أجل كراهة كانت في الخط،
بل لأن تكون الحجة أبهر وأقهر،
والدلالة أقوى وأظهر،
ولتكون أكعم ) للجاحد وأقمع للمعاند،
وأرد لطالب الشبهة،
وأمنع من ارتفاع الريبة.
الرد على من تعلل بقوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ] وأما التعلق بأحوال الشعراء بأنهم قد ذُمُّوا في كتاب الله تعالى ،
فما أرى عاقلاً يرضى به أن يجعله حجة في ذم الشعر وتهجينه والمنع من حفظه وروايته،
والعلم بما فيه من بلاغة وما يختص به من أدب وحكمة،
ذاك لأنه يلزم على قود (۳) هذا القول أن يعيب العلماء في استشهادهم بشعر امرئ القيس وأشعار أهل الجاهلية في تفسير القرآن وفي غريبه وغريب الحديث،
وكذلك يلزمه أن يدفع سائر ما تقدم ذكره من أمر النبي ﷺ بالشعر وإصغائه إليه واستحسانه له.
هذا،
ولو كان يسوغ ذم القول من أجل قائله،
وأنه يحمل ذنب الشاعر على الشعر لكان ينبغي أن يُخص ولا يُعم،
وأن يُستثني،
فقد قال الله : إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء: ۲۲۷] ،
ولولا أن القول يجر بعضه بعضا،
وأن الشيء يُذكر لدخوله في القسمة،
لكان حق هذا ونحوه ألا يتشاغل به وألا يُعاد ويُبدأ في ذكره.
وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له وإصغارهم أمره،
وتهاونهم به،
فصنيعهم في ذلك أشنع من صنيعهم في الذي تقدم وأشبه بأن يكون صدا عن كتاب الله وعن معرفة معانيه.
ذاك لأنهم لا يجدون بدا من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه،
إذ كان قد علم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها،
وأن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها،
وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يُعرض عليه والمقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه،
لا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه،
وإلا من غالط في الحقائق نفسه .
وإذا كان الأمر كذلك فليت شعري ما عُذر من تهاون به وزهد فيه ولم ير أن يستقصيه من مصبه )،
ويأخذه من معدنه،
ورضي لنفسه بالنقص،
والكمال لها معرض (1)،
وآثر الغبينة .


النص الأصلي

يذم الكلام كله، وأن يفضل الخرس على النطق والعي على البيان. فمنثور كلام الناس على كل حال أكثر من منظومه، والذي زعم أنه ذم الشعر من أجله وعاداه بسببه فيه أكثر ؛ لأن الشعراء في كل عصر و زمان معدودون، والعامة ومن لا يقول الشعر من الخاصة عديد الرمل. ونحن نعلم أن لو كان منثور الكلام يجمع كما يجمع المنظوم، ثم عمد عامد فجمع ما قيل من جنس الهزل والسخف نثرا في عصر واحد، لأربى على جميع ما قاله الشعراء نظما في الأزمان الكثيرة، والغمره حتى لا يظهر فيه .
ثم إنك لو لم ترو من هذا الضرب شيئًا قط، ولم تحفظ إلا الجد المحض وإلا ما لا معاب عليك في روايته وفي المحاضرة به وفي نسخه وتدوينه، لكان في ذلك غني ومندوحة، ولوجدت طلبتك ونلت مرادك، وحصل لك ما نحن ندعوك إليه من علم الفصاحة، فاختر لنفسك، ودع ما تكره إلى ما تحب .
هذا، وراوي الشعر حاك، وليس على الحاكي عيب ولا عليه تبعة إذا هو لم يقصد بحكايته أن ينصر باطلاً أو يسوء مسلما، وقد حكى الله تعالى كلام الكفار. فانظر إلى الغرض الذي له روي الشعر ومن أجله أريد، وله دون تعلم أنك قد زغت عن المنهج، وأنك مسيء في هذه العداوة، وهذه العصبية منك على الشعر
وقد استشهد العلماء لغريب القرآن وإعرابه بالأبيات فيها الفحش، وفيها ذكر الفعل القبيح، ثم لم يعبهم ذلك؛ إذ كانوا لم يقصدوا إلى ذلك الفحش ولم يريدوه، ولم يرووا الشعر من أجله قالوا: وكان الحسن البصري - رحمه الله - يتمثل في مواعظه بالأبيات من الشعر، وكان من أوجعها عنده: اليوم عندك دلها وحديثها وغدا لغيرك كفها والمعصم ، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب له، ذكره المرزباني في كتابه بإسناد، عن عبد الملك بن عمير أنه قال: أتي عمر - رضوان الله عليه - بحلل من اليمن، فأتاه محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، ومحمد بن حاطب، فدخل عليه زيد بن ثابت الله فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء المحمدون بالباب يطلبون الكسوة. فقال: ائذن لهم يا غلام. فدعا بحلل، فأخذ زيد أجودها [حلة]، وقال: هذه المحمد بن حاطب وكانت ألله عنده، وهو من بني لؤي، فقال عمر الله : أيهات أيهات !! وتمثل بشعر عمارة بن الوليد:
أسرك لما صرع القوم نشوة برينا كأني قبل لم أك منهم
خروجي منها سالما غير غارم وليس الخداع مرتضى في التنادم
رُدَّها ! ثم قال: اثتني بثوب فألقه على هذه الحلل. وقال : أدخل يدك فخذ حلة وأنت لا تراها فأعطهم. قال عبد الملك: فلم أر قسمة أعدل منها. وعمارة هذا هو عمارة بن الوليد بن المغيرة، خطب امرأة من قومه فقالت: لا أتزوجك أو تترك الشراب. فأبى ثم اشتد وجده بها فحلف لها ألا يشرب، ثم مر بخمار عنده شرب يشربون، فدعوه فدخل عليهم، وقد أنفدوا ما عندهم، فنحر لهم ناقته وسقاهم ببرديه ومكثوا أيامًا، ثم خرج فأتى أهله، فلما رأته امرأته قالت: ألم تحلف ألا تشرب؟ فقال: ولسنا بشرب أم عمرو إذا انتشوا ثياب الندامي عندهم كالغنائم بمنزلة الريان ليس بعائم ولكننا يا أم عمرو نديمنا أسرك ... البيتين ؟
فإذن، رُبَّ هزل صار أداة في جد، وكلام جرى في باطل، ثم استعين به على حق، كما أنه رُبَّ شيء خسيس توصل به إلى شريف، بأن ضُرِبَ مثلاً فيه، وجعل مثالاً له. قال أبو تمام: والله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس ، وعلى العكس، فرب كلمة حق أريد بها باطل، فاستحق عليها الذم، كما عرفت من خبر الخارجي مع علي - رضوان الله عليه، ورُبَّ قول حسن لم يحسن من قائله حين تسبب به إلى قبيح، كالذي حكى الجاحظ، قال: رجع طاووس يوما عن مجلس محمد بن يوسف، وهو يومئذ والي اليمن، فقال: ما ظننت أن قول سبحان الله يكون معصية الله حتى كان اليوم سمعت رجلاً أبلغ ابن يوسف عن رجل كلامًا، فقال رجل من أهل المجلس: سبحان الله !! كالمستعظم لذلك الكلام، ليُغضب ابن يوسف. فبهذا ونحوه فاعتبر، واجعله حكما بينك وبين الشعر.
وبعد؛ فكيف وضع من الشعر عندك، وكَسَبَهُ المفت منك أنك وجدت فيه الباطل والكذب وبعض ما لا يحسن، ولم يرفعه في نفسك، ولم يوجب له المحبة من قلبك، أن كان فيه الحق والصدق والحكمة وفصل الخطاب، وأن كان تجني ثمر العقول والألباب، ومجتمع فرق الآداب، والذي (٢) قيد على الناس المعاني الشريفة، وأفادهم الفوائد الجليلة، وترسل بين الماضي والغابر، ينقل مكارم الأخلاق إلى الولد عن الوالد، ويؤدي ودائع الشرف عن الغائب إلى الشاهد حتى ترى به آثار الماضين مخلدة في الباقين، وعقول الأولين مردودة في الآخرين وترى لكل من رام الأدب وابتغى الشرف، وطلب محاسن القول والفعل منارا مرفوعا وعلما منصوبا وهاديا مرشدًا ومعلما مسددا، وتجد فيه للنائي عن طلب المآثر والزاهد في اكتساب المحامد داعيًا ومحرّضًا وباعثا ومحضّضًا، ومذكر ومعرفا وواعظا ومثقفا ، فلو كنت ممن ينصف كان في بعض ذلك (۲) ما يغير هذا الرأي منك، وما يحدوك على رواية الشعر وطلبه ويمنعك أن تعيبه أو تعيب به، ولكنك أبيت إلا ظنا سبق إليك، وإلا بادي رأي عَنَّ لك فأقفلت عليه قلبك، وسددت عما سواه سمعك، فَعَيَّ الناصح بك، وعشر على الصديق الخليط تنبيهك.
نعم، وكيف رويت لأن يمتلئ جوف أحدكم قَبْحًا فيريه، خير له من أن يمتلئ شعرا ، ولهجت به و تركت قوله : «إنَّ من الشعر الحكمة، وإن من البيان السحرا
وكيف نسيت أمره ﷺ بقول الشعر، ووعده عليه الجنة، وقوله الحسان: «قُلْ وروح القدس معك، وسماعه له، واستنشاده إياه، وعلمه به واستحسانه له، وارتياحه عند سماعه.
أما أمره به، فمن المعلوم ضرورة، وكذلك سماعه إياه، فقد كان حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير يمدحونه، ويسمع منهم ويصغي إليهم، ويأمرهم بالرد على المشركين فيقولون في ذلك، ويعرضون عليه، وكان الله يذكر لهم بعض ذلك، كالذي روي من أنه قال لكعب: «ما نسي ربك، وما كان ربك نسيا شعرًا قُلْتَهُ، قال: وما هو يا رسول الله؟ قال أنشده يا أبا بكر، فأنشده أبو بكر
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليُغلبنَّ مُغالِبُ الغَلاب وأما استنشاده إياه فكثير من ذلك الخبر المعروف في استنشاده. حين استسقى فسقي قول أبي طالب: وأبيض يستقى الغمام بوجهه شمال اليتامي عصمة للأرامل يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل الأبيات. وعن الشعبي الله عن مسروق، عن عبد الله قال: لما نظر رسول الله ﷺ إلى القتلى يوم بدر مصرعين فقال لأبي بكر : لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا قد أخذت بالأنامل». قال: وذلك لقول أبي طالب: كذبتم وبيت الله إن جد ما أرى لتلتين أسيافتاً بالأنامل وينهض قوم في الدروع إليهم نهوض الروايا في طريق حلاحل ومن المحفوظ في ذلك حديث محمد بن مسلمة الأنصاري، جمعه وابن أبي حدرد الأسلمي الطريق، قال: فتذاكرنا الشكر والمعروف، قال: فقال محمد: كنا يوما عند النبي ﷺ فقال الحسان بن ثابت: أنشدني قصيدة من شعر الجاهلية، فإنَّ الله تعالى قد وضع عنا آثامها في شعرها وروايته، فأنشده قصيدة للأعشى هجا بها علقمة بن علاثة:
علقم ما أنت إلى عامر الناقض الأوتار والواتر
فقال النبي ﷺ: «يا حسان لا تعد تنشدني هذه القصيدة بعد مجلسك هذا !! فقال: يا رسول الله ، تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر !! فقال النبي ﷺ: «يا حسان، أشكر الناس للناس أشكرهم الله تعالى، وإن قيصر سأل أبا سفيان بن حرب عني فتناول مني وفي خبر آخر : فشعث مني - وإنه سأل هذا عني فأحسن القول. فشكره رسول الله ﷺ على ذلك. وروي من وجه آخر أن حسان قال: يا رسول الله، من نالتك يده وجب علينا شكره. ومن المعروف في ذلك خبر عائشة - رضوان الله عليها - أنها قالت: كان رسول الله ﷺ كثيرا ما يقول: «أبياتك». فأقول: ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه يوما فتدركه العواقب قد نمى يجزيك أو يثني عليك وإن من أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
قالت: فيقول : يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده: صنع إليك عبدي معروفًا فهل شكرته عليه؟ فيقول: يا رب، علمت أنه منك فشكرتك عليه، قال: فيقول الله ﷺ: لم تشكرني؛ إذ لم تشكر من أجريته على يده». وأما علمه الله بالشعر، فكما روي أن سودة أنشدت عدي وتيم تبتغي من تُحالِفُ فظنت عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - أنها عرضت بهما، وجرى بينهن كلام في هذا المعنى، فأخبر النبي ﷺ فدخل عليهن وقال: يا ويلكن ليس في عَدِيكُنَّ وَلا تَيْمِكنَّ قبل هذا، وإنما قيل في عدي تميم وتيم تميم». وتمام هذا الشعر، وهو لقيس بن معدان الكلبي من بني يربوع تحالف ولا والله تهبط تلعة ألا من رأى العبدين أو ذكرا له من الأرض إلا أنت للذل عارف عدي وتيم تبتغي من تحالف ، وروى الزبير بن بكار قال: مر رسول الله ﷺ ومعه أبو بكر الله برجل يقول في بعض أزقة مكة : يا أيها الرجل المحول رحله هلا نزلت بآل عبد الدار
فقال النبي ﷺ: يا أبا بكر، أهكذا قال الشاعر ؟ قال : لا يا رسول الله، ولكنه قال: هلا سألت عن آل عبد مناف يا أيها الرجل المحول رحله فقال رسول الله ﷺ: «هكذا كنا نسمعها». وأما ارتياحه للشعر واستحسانه له، فقد جاء فيه الخبر من وجوه، من ذلك حديث النابغة الجعدي، قال: أنشدت رسول الله ﷺ قولي: بَلَغْنَا السَّماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال النبي : أين المظهر يا أبا ليلى ؟ فقلت : الجنة يا رسول الله. قال: «أجل إن شاء الله». ثم قال: «أنشدني». فأنشدته من قولي: ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له فقال : أجَدْتَ لا يفضض الله فاك. قال الراوي: فنظرت إليه، فكأن فاه البرد المنهل، ما سقطت له سن ولا انفلت، ترف غُرُوبه. ومن ذلك حديث كعب بن زهير : روي أن كعبا وأخاه بجيرا خرجا إلى رسول الله ﷺ حتى بلغا أبرق العزاف، فقال كعب البجير : الق هذا الرجل وأنا مقيم هاهنا، فانظر ما يقول.
وقدم بجير على رسول الله ﷺ، فعرض عليه الإسلام فأسلم، وبلغ ذلك كعبا، فقال في ذلك شعرا، فأهدر النبي ﷺ دمه، فكتب إليه بجير يأمره أن يُسلم ويُقبل إلى النبي ﷺ، ويقول: إن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل منه رسول الله، وأسقط ما كان قبل ذلك. قال: فقدم كعب وأنشد النبي قصيدته المعروفة: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وما سعاد غداة البين إذ رحلت تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت سح السقاة عليها ماء تحنية متيم إثرها لم يفد مغلول إلا أغن غضيض الطرف مكحول كأنه منهل بالراح معلول من ماء أبطح أضحى وهو مشمول وَيْلٌ مِّهَا خُلةٌ لو أنها صدقت موعودها أو لو أن النصح مقبول
حتى أتى على آخرها، فلما بلغ مديح رسول الله ﷺ: إن الرسول السيف يستضاء به في فتية من قريش قال قائلهم زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف لا يقع الطعن إلا في نحورهم شم العرانين أبطال البوسهم
مهند من سيوف الله مسلول ببطن مكة لما أسلموا زولوا عند اللقاء ولا ميل معازيل وما بهم عن حياض الموت تهليل من نسج داود في الهيجا سرابيل أشار رسول الله ﷺ إلى الحلق أن اسمعوا. قال: وكان رسول الله ﷺ يكون من أصحابه مكان المائدة من القوم، يتحلقون حلقة دون حلقة، فيلتفت إلى هؤلاء وإلى هؤلاء. والأخبار فيما يشبه هذا كثيرة، والأثر به مستفيض. الرد على ذم الشعر لما فيه من وزن وتقفية وإن زعم أنه ذم الشعر من حيث هو موزون مقفى، حتى كأن الوزن عيب، وحتى كأن الكلام إذا نظم نظم الشعر (۲) اتضع في نفسه (۳)، وتغيرت حاله فقد أبعد، وقال قولاً لا يعرف له معنى، وخالف العلماء في قولهم: إنما الشعر كلام فَحَسَنُهُ حَسَنٌ، وقبيحه قبيح، وقد روي ذلك عن النبي ﷺ مرفوعا أيضًا (٤).
فإن زعم أنه إنما كره الوزن؛ لأنه سبب لأن يتغنى في الشعر ويتلهى به، فإنا إذا كنا لم ندعه إلى الشعر من أجل ذلك (١)، وإنما دعوناه إلى اللفظ الجزل، والقول الفصل والمنطق الحسن والكلام البين، وإلى حسن التمثيل والاستعارة، وإلى التلويح والإشارة، وإلى صنعة تعمد إلى المعنى الخسيس فتشرفه، وإلى الضئيل فتفخمه، وإلى النازل فترفعه، وإلى الحامل فتنوه به وإلى العاطل (۲) فتحليه، وإلى المشكل فتجليه، فلا متعلق له بما ذكر (۳)، ولا ضرر علينا فيها أنكر، فليقل في الوزن ما شاء، وليضعه حيث أراد، فليس يعنينا أمره، ولا هو مرادنا من هذا الذي راجعنا القول فيه. وهذا هو الجواب المتعلق إن تعلق بقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ) وأراد أن يجعله حجة في المنع من الشعر، ومن حفظه وروايته . وذاك أنا نعلم أنه لم يمنع من الشعر من أجل أن كان قولاً فصلاً وكلامًا جزلاً ومنطقا حسنا وبيانا بينا، كيف؟ وذلك ) يقتضي أن يكون الله تعالى قد منعه البيان والبلاغة، وحماه الفصاحة والبراعة، وجعله لا يبلغ مبلغ الشعراء في حسن العبارة وشرف اللفظ، وهذا جهل عظيم وخلاف لماعرفه البلغاء وأجمعوا عليه من أنه كان أفصح العرب، وإذا بطل أن يكون المنع من أجل هذه المعاني (١) ، وكنا قد أعلمناه أنا ندعوه إلى الشعر من أجلها، ونحدوه بطلبه على طلبها، كان الاعتراض بالآية محالاً، والتعلق بها خطلاً من الرأي وانحلالاً (٢). الرد على من تعلق بقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾]فإن قال: إذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ [يس: ٦٩) فقد كره للنبي الشعر ونزهه عنه بلا شبهة، وهذه الكراهة وإن كانت لا تتوجه إليه من حيث هو كلام، ومن حيث أنه بليغ بين وفصيح حسن ونحو ذلك، فإنها تتوجه إلى أمر (۳) لا بد لك من التلبس به في طلب ما ذكرت أنه مرادك من الشعر، وذاك أنه لا سبيل لك إلى أن تميز كونه كلاما عن كونه شعرًا، حتى إذا رويته التبست به من حيث هو كلام، ولم تلتبس به من حيث هو شعر. هذا محال وإذا كان لا بد لك من ملابسة موضع الكراهة، فقد لزم العيب برواية الشعر وإعمال اللسان فيه (٤). قيل له: هذا منك كلام لا يتحصل، وذلك أنه لو كان الكلام إذا وزن حَطَّ ذلك من قدره وأزرى به، وجلب على المفرغ له في ذلك القالب إثما، وكسبه ذما، لكان من حق العيب أن يكون على واضع الشعر أو من يريده لمكان الوزن خصوصا دون من يريده لأمر خارج منه، ويطلبه لشيء سواه ، فأما قولك: إنك لا تستطيع أن تطلب من الشعر ما لا يكره حتى تلتبس بما يكره ، فإني إذا لم أقصده من أجل ذلك المكروه ولم أرده له، وأردته لأعرف به مكان بلاغة، وأجعله مثالاً في براعة، أو أحتج به في تفسير كتاب وسنة، وأنظر إلى نظمه ونظم القرآن، فأرى موضع الإعجاز، وأقف على الجهة التي منها كان، وأتبين الفصل والفرقان (1) فحق هذا التلبس (3) ألا يعتد على ذنبًا، وألا أؤاخذ به؛ إذ لا تكون مؤاخذة حتى يكون عمد إلى أن تواقع المكروه وقصد إليه، وقد تتبع العلماء الشعوذة والسحر وعنوا بالتوقف (الوقوف) على حيل المموهين؛ ليعرفوا فرق ما بين المعجزة والحيلة، فكان ذلك منهم من أعظم البر؛ إذ كان الغرض كريما والقصد شريفا .
وإذا نحن رجعنا إلى ما قدمنا من الأخبار، وما صح من الآثار وجدنا الأمر على خلاف ما ظن هذا السائل، ورأينا السبيل في منع النبي ﷺ الوزن، وأن ينطلق لسانه بالكلام الموزون غير ما ذهبوا إليه (7)، وذاك أنه لو كان منع تنزيه وكراهة، لكان ينبغي أن يكره له سماع الكلام موزونا وأن يُنزّه سمعه عنه كما نزّه لسانه، ولكان لا يأمر به ولا يحث عليه، وكان الشاعر لا يُعان على وزن الكلام وصياغته شعرا ولا يؤيد فيه بروح القدس.
وإذا كان هذا كذلك، فينبغي أن يُعلم أن ليس المنع في ذلك منع تنزيه وكراهة، بل سبيل الوزن في منعه الله إياه سبيل الخط حين جعل الله لا يقرأ ولا يكتب، في أن لم يكن المنع من أجل كراهة كانت في الخط، بل لأن تكون الحجة أبهر وأقهر، والدلالة أقوى وأظهر، ولتكون أكعم ) للجاحد وأقمع للمعاند، وأرد لطالب الشبهة، وأمنع من ارتفاع الريبة.
الرد على من تعلل بقوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ] وأما التعلق بأحوال الشعراء بأنهم قد ذُمُّوا في كتاب الله تعالى ، فما أرى عاقلاً يرضى به أن يجعله حجة في ذم الشعر وتهجينه والمنع من حفظه وروايته، والعلم بما فيه من بلاغة وما يختص به من أدب وحكمة، ذاك لأنه يلزم على قود (۳) هذا القول أن يعيب العلماء في استشهادهم بشعر امرئ القيس وأشعار أهل الجاهلية في تفسير القرآن وفي غريبه وغريب الحديث، وكذلك يلزمه أن يدفع سائر ما تقدم ذكره من أمر النبي ﷺ بالشعر وإصغائه إليه واستحسانه له.
هذا، ولو كان يسوغ ذم القول من أجل قائله، وأنه يحمل ذنب الشاعر على الشعر لكان ينبغي أن يُخص ولا يُعم، وأن يُستثني، فقد قال الله : إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء: ۲۲۷] ، ولولا أن القول يجر بعضه بعضا، وأن الشيء يُذكر لدخوله في القسمة، لكان حق هذا ونحوه ألا يتشاغل به وألا يُعاد ويُبدأ في ذكره.
الرد على من زهد في النحو
وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له وإصغارهم أمره، وتهاونهم به، فصنيعهم في ذلك أشنع من صنيعهم في الذي تقدم وأشبه بأن يكون صدا عن كتاب الله وعن معرفة معانيه. ذاك لأنهم لا يجدون بدا من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه، إذ كان قد علم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يُعرض عليه والمقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه، لا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه، وإلا من غالط في الحقائق نفسه . وإذا كان الأمر كذلك فليت شعري ما عُذر من تهاون به وزهد فيه ولم ير أن يستقصيه من مصبه )، ويأخذه من معدنه، ورضي لنفسه بالنقص، والكمال لها معرض (1)، وآثر الغبينة .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

كان الشخص المسؤ...

كان الشخص المسؤول معتادًا على التعامل مع الركاب الغاضبين، فشرح لي الإجراء وعرض أن يأخذني إلى الخدمة ...

يختلف الناس في ...

يختلف الناس في طرق اختيار الصاحب والجليس باختلاف أفكارهم وعاداتهم وميولهم. ونظرا لأن الإنسان يتأثر ب...

حقوق الحريات ال...

حقوق الحريات الأساسية: تضمن دستور البحرين حقوقًا أساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع السلمي وحرية ا...

When Amazon fir...

When Amazon first began, its goal was to become the largest book store in the world. Nevertheless, i...

التفاعل وبناء ا...

التفاعل وبناء الهوي... Q حسب شنهاور حيث يعتقد أن أساس الهوية الشخصية في الارادة، والتي تعد نواة وج...

النص الاستجابي ...

النص الاستجابي لقصيدة "ياليل دعني" للشاعر فاروق جويده: يا ليلُ دعني أغوصَ في لحظاتِكَ الساحرة، فأنت...

1- نموذج منحى ا...

1- نموذج منحى النظم لـجير لاك وأيلي : تم تطوير هذا النموذج لتوضيح عملية التعليم واستخدام وسائل ال...

المنظمة هي كيان...

المنظمة هي كيان اجتماعي يتكون من مجموعة من الأفراد يعملون معاً لتحقيق مجموعة من الأهداف المحددة بالر...

تاريخ الصين نشأ...

تاريخ الصين نشأت الحضارة الصينية في العديد من المراكز الإقليمية عبر قرى النهر الأصفر ونهر يانغتزي في...

Here the poet a...

Here the poet attempts to describe the beauty of his friend by comparing it to the beauty of the sum...

الروبوت هو جهاز...

الروبوت هو جهاز آلي يمكنه القيام بمهام وأنشطة برمجية معينة بدون تدخل بشري، ويمكن أيضا أن يكون الروبو...

الوحدةًاألولىً:...

الوحدةًاألولىً:ًًكورتً1 توسيعًاإلدراكًBREADTH PERCEPTUAL: تولجيعذ لوىذبات كيوجذفوى جسيوجذج ب وعذباس ...