لخّصلي

نشأة الفنون الإسلامية وارتباطها بالمساجد والمصاحف

تأسيس الدولة الإسلامية الجديدة أوجب تجنيد جميع الطاقات لنشر الإسلام وفتح البلدان، وتثبيت كيان ودعائم هذه الدولة، حتى استقام عودها وتبوأت المقام اللائق بها بين الدول المعروفة في ذلك الوقت، فإذا ما تحقق للمسلمين ذلك انصرفوا إلى العمارة والتشييد والتفنن في الزخرفة والتجميل.

ولقد انحصر اهتمام المسلمين وعنايتهم ببناء المساجد والجوامع ودور الإمارة في المدن التي أسسوها، واستعانوا في أوائل نهضتهم برجال الفن والصناعة من أهل البلاد المفتوحة التي كانت ذات حظ وافر من الحضارة في ذلك العهد، فالعمائر الإسلامية التي قامت في بلاد العالم الإسلامي الممتد من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً اشترك في إظهار وقائعها وتفصيلاتها المبتكرة صناع ومهندسون من مختلف الجنسيات والأمم التي اتخذت الإسلام دينا، وحتى الذين بقوا على دينهم من الفرس والبيزنطيين والهنود والأتراك والأوروبيين والبربر.

وكان الفنانون على اختلاف جنسياتهم يظفرون بالتقدير والمكافآت من الحكام الذين يحلو لهم استغلال مواهبهم في تشييد المباني ،وتزيينها وزخرفتها وتأثيثها، فينفقوا عليها المال بكل سخاء وكرم ، يدفعهم إلى ذلك رغبة في تخليد مآثرهم وأمجادهم، فالمساجد والمدارس والبيمارستانات والقصور والقلاع الحصينة والحدائق الغناء، كانت تشيد جميعها بأمر هؤلاء الحكام وتحت إشرافهم، فيعنى بزخرفتها وتجميلها لتحمل اسمهم.

وتوجد هذه الفنون ممثلة أصدق تمثيل في الآثار الإسلامية وما ارتبط بها من عمائر وخزف ونحت وتصوير وتعدين وزجاج ونسيج ، وصنفت الفنون الإسلامية إلى الفنون الكبرى وهي العمارة والنحت والتصوير، والفنون الصغرى أو التطبيقية وهي الخزف والنسيج والخشب والمعادن وتصميم الكتب وتزيينها وتجليدها وتذهيبها.

وعلى الرغم من أن الفن الإسلامي ورث عدداً كبيراً من وسائل وأنماط الزخارف التي طورها الساسانيون والإغريق، والفنانون المسيحيون في مصر والشام وآسيا الصغرى، إلا أن المسلمين في الواقع نبذوا الكثير من ذلك الأثر الثقافي كأشياء لا تلائم الحياة الإسلامية، أما ما احتفظوا به منه فقد حوروه خلال قرن واحد بعد ظهور الإسلام، وأصبح أبرز عنصر في الفن الإسلامي هو وفرة الزخرفة المصممة والمصنوعة بعناية فائقة، حتى أنها كثيراً ما تبدء كنوع من النمو الطبيعي تتداخل أجزاؤه وتتكرر إلى ما لا نهاية، وقد عزز الفنان المسلم المفاهيم التجريدية في كل فنون بالخط العربي الجميل، فالخط العربي رباط يوحد الشعوب الإسلامية روحياً، وطبعت أشكاله المتعددة المتنوعة المرنة في كل العصور لكي تصبح العنصر الأكثر جمالاً في الفن الإسلامي.

وفي مباني المساجد تطورت العناصر المعمارية والزخرفية التي انتقلت إلى سائر أنواع المباني الإسلامية من قصور ومدارس وقلاع وغير ذلك، مثل الأعمدة والعقود والمداخل والقباب والزخارف الهندسية والنباتية والكتابية وغيرها

وعن طريق العناية بأثاث المسجد والرغبة في تجميله نشأت الفنون التطبيقية الإسلامية، إذ تطورت فنون المعادن مثلاً بفضل عناية المسلمين بأثاث المسجد المعدني من أباريق وثريات وشمعدانات ومساند وتطورت كذلك الصناعات الخشبية بمختلف أنواعها في ضوء الاهتمام بالأثاث الخشبي في المسجد من منابر وكراسي، كما تطورت فنون الزجاج عن طريق العناية بمصابيح الإضاءة والنوافذ، وارتقت فنون السجاد تبعاً للاهتمام بفرش المساجد، بل إن هذا الفن الذي نبغ فيه المسلمون، وكاد أن يختص بهم وحدهم، استمدوا اسمه من لفظة المسجد .نفسها

وصار المسجد النبوي الشريف النموذج الذي أخذت تبنى على نمطه المساجد في الإسلام، وذلك على سبيل الاقتداء بالسنة النبوية الشريفة، وأيضاً المحور الذي تكونت حوله أنواع أخرى من الفنون الإسلامية.

وفيما يتعلق بالمصاحف، فإن القرآن الكريم هو الركيزة الخالدة، والصرح الشامخ والدستور القويم للعقيدة الإسلامية، كتاب الله من المنزل على نبيه ورسوله الكريم محمد ونظراً لعظم شأن هذا الكتاب الكريم، ورفعة منزلته ، فقد تسابق الفنانون وذوو القدرات الإبداعية على نسخه وتجميله، ليكون في صورة تناسب ماله من مكانة جميلة ومنزلة رفيعة، ومن هنا نشأ الفن الإبداعي في الكتب الإسلامية.