خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
هذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً21المتنبي بغدادَ سَكَنَ فِي (رَبَضِ حُميد) ، فمضيت إلى الموضع الذي نَزَلَ فيه ؛ وقد كان القاضي أبو الحسين ؛ محمد بن أحمد بن القاسم المَحَامِلِيُّ (١) سَمِعَ مِنه ديوانه وَرَوَاهُعنه. قال الخطيب : أخبرنا علي بن المُحَسِّن التتوخي (٢)، قال : حدثني أبو الحسن ؛ محمد بن يحيى العلوي الزيدي (۳)، قال : كانَ المُتنبي وهو صبي ينزِلُ في جواري بالكوفة ، وكان يُعْرَفُ أبوه بِعِيدَانِ السَّقَاءِ ، ونشأ هو مُحِبا للعلم والأدب فَطَلَبَه ، وصَحِبَ الأعراب في البادية ، فجاءَنَا بعد سنين بَدَوِيًّا قُحا ، وأكثر من مُلازَمَة الوَرَّاقِينَ ، (ابن العديم)قال الوحيد الأزدي في بيت المتنبي :ولَو كَانَتْ دِمَشْقُ ثَنَى عِنَانِي لَبِيقُ الشَّرْدِ صِينِيُّ الجِفَانِهَجَّنَ هذه القصيدة بهذه الأبيات التي جعلها خُروجًا ، وفيها ذكر الثريد والجفانِ لِمَدح ملكعظيم ، لأنه كان من شأنه التبادي وانتحال أخلاق البادية، (الوحيد)22هذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً. وقال في بيت المتنبي :وعِنْدَهُمُ الجِفَانُ مُكَلَّلَاتٌ وشَزْرُ الطَّعْنِ والضَّرْبُ التَّوَّامُ تَرَكَ شُعراء المحدثين الحُذَّاقُ ذِكرَ الجِفَانِ وما كانت العَرَبُ والبادية تأتي به ؛ لأنه جفاء بين الحاضرة ، وكذلك ذكر الطعام ، فأما المتنبي فإنَّه كان يتَشَبَّه عندهم بالبادية، حدثني من أهلِ الشَّامِ مَن رآه في قباء كرابيس وعمامة زرقاء خشنة وزربولين) في رجليه ، متنكبا قوسًا عربية كما يقدمُ الحِجازيون ، ويستعمل التصغير والألفاظ البدوية ، فَأَحْبَرَني وراقٌ كان يجلس إليه يوما ، قال لي : ما رأيتُ أحفَظَ مِن هذا الفتى ابنِ عِيدَانِقط !. فقلت له : كيف؟ . فقال : كان اليوم عندي وقد أحضر رجلٌ كتابًا مِن كُتُبِ الأَصْمَعِيِّ ، سَمَّاهُ الوراق وأُنْسِيَه أبو الحسن ، يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه ، قال : فَأَخَذَ يَنظُرُ فيه طويلًا ، فقال له الرَّجلُ : يا هذا أريد بيعه ، فإن كنت تريدُ حِفْظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شَهْرٍ ، قَالَ : فقال له ابنُ عِيدان : فإن كنت قد حفظته في هذه المُدَّة فمالي عليك ؟. قَالَ : أَهَبُ لكَ الكتاب ، قال : فأخذتُ الدَّفتر من يده ، فأقبل يتلوه عليَّ إلى آخره ، فعَلِقَ به صاحبه ، فقال : ما إلى ذلك سَبيلٌ ، وقلنا له : أنتَ شَرَطْتَ على نفسك هذا للغُلام ، وقال أبو الحَسَن : كان عِيدَانُ ؛ وكانت جدة المتنبي هَمْدَانِيَّة صحيحة النسب لا أشك فيها ، (الخطيب)قالَ التَّنُوخِيُّ : قال أبي : فَاتَّفَقَ مَجِيءُ المُتَنَبِّي بعد سنين إلى الأهواز منصرفًا من فارسهذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً23فذاكرته بأبي الحسن ، فقال : تربي وصديقي وجاري بالكوفة ، فما اعترف لي به ، وقال : أَنَا رَجُلٌ أخبط القبائل وأطوي البوادي وحدي ، ومتى انتسبت لم آمَن أن يأخُذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها ، ومَا دُمتُ غيرَ مُنتَسِبٍ إلى أحد فأنا أُسَلِّم على جميعهم ، (التنوخي)قال : واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن ؛ ابن أم شَيْبَان (۲) الهاشمي الكوفي ، وجرى ذكر المتنبي ، فقال : كنتُ أعرفُ أباه بالكوفة شيخًا يُسمى عيدان ، يسقي على بعير له ، وكان جعفيًّا صحيح النَّسَبِ. قال : وقد كانَ المُتنبي لمَّا خَرَجَ إلى (كلب) ، وأقام فيهم ادَّعَى أَنَّه عَلَوي حَسَني (٣) ، ثم ادعى بعد ذلك النبوَّةَ ، ثم عاد يدعي أنه عَلَويٌّ إلى أن أُشْهِدَ عليه بالشام بالكذب في الدعويين ، وحبس دهرا طويلًا ، وأشرف على القتل ، ثمَّ اسْتُتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق. عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني (٤) ؛ فإنَّه ذَكَرَ في كتابه المُسمَّى بـ (الواضح أنَّ الذي حَبَسَ المُتنبي بحِمْصَ ابْنُ كَيَغْلَغ ، وكان خروجه ببلد اللاذقية بين النصيرية ، ثم انتقل إلى جبل (جَوْشَن) من بلاد الشام). (سبط ابن الجوزي) ،٢٤هذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً. قرأت بخط عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الجوع (۱) الوراق المصري : سألت أبا الطيب المتنبي ؛ أحمد بن الحسين بن الحسن ، فقال : وُلِدْتُ بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة ، ودُرْتُ الشَّامَ كَلَّه سَهْلَه وجَبَلَهُ. عبد العزيز بن محمود بن الأخضر البغدادي (٢) ، قال : أخبرنا الرئيس أبو الحسن ؛ علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري (۳) ، قال : أخبرنا أبو البركات ؛ محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل (٤) ، قال : أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين بن السَّارْبَان (٥) ، قال : وُلِدَ أبو الطيب ؛ أحمد بن الحسين بن الحسن المُتَنبي ، بالكوفة في مَحَلَّة كنده ، وقالالشعر وهو صبي في المَكْتَبِ. وقرأت في بعض النسخ من شعره أن مولده قيل على التقريب لا على التحقيق. وقرأت فيهذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًتاريخ أبي عبد الله ؛ محمد بن علي العظيمي (1) الحلبي ، وأخبرنا به المؤيد بن محمد الطوسي )؛ قيل : إنَّه ولد ؛ ياقوت بن عبد الله الحموي ، قال : ذكر أبو الريحان ؛ محمد بن أحمدالبيروني (٤٢٨هـ) ، أنَّ المُتنبي لما ذكر في القصيدة التي أولها :كُنِّي أَرَانِي وَيْكِ لَومَكِ أَلْوَمَاالنُّورَ الذي تَظَاهَر لاهوتيه في ممدوحه. وقال :أَنَا مُبْصِرٌ وَأَظُنُّ أَنِّي نَائِمٌودار على الألسن ، قالوا : قد تَجَلَّى لأبي الطيب ربُّه ، وبهذا وقع في السجن والوثاق الذي ذكره في شِعْره (أيا خَدَّدَ اللهُ وَرْدَ الخُدُودِ) ، ولم يذكر سَبَبَ لَقَبِه على صِدْقِه ،كما حكى عنه أبو الفتح ؛ عثمان بن جنِّي أن سببه هو قوله :أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّـهُ غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِوإنَّما هو أنَّ الخُيُوط في رأسه كانت تُدِيرُه وتُزْعِجُه ، فَتَحَيَّنَ غَيبة سيف الدولة في بعضغزواته ، وقَصَدَ أعراب الشام ، واسْتَغْوَى مِقدار ألفِ رَجُلٍ مِنهم ، واتَّصَلَ خبره بسيف الدولة فكرراجعا ، وعاجله فتفرق عنه أصحابه ، وجيء به أسيرًا ، فقال له : أنتَ النَّبِيُّ ؟. قال : بل أنا المتنبيحتى تطعموني وتسقوني، فإذا فعلتُم ذلك فأنا أحمد بن الحسين ، فَأَعْجِبَ بِثَبَاتِ جَأْشِهِ وجُرْأَتهفي جوابه ، وألقاه في السجن بحمص إلى أن قرر عندَه فَضْلُه ،٢٦هذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقيا أو تداولها تجارياًولما أكثروا ذكره بالتنبي تَلَقَّبَ به ؛ كيلا يصير ذما إذا احتَشَمَ أُخْفِيَ عنه ، وشتمًا لَا يُشَافَهُ بِه ، واسْتَمَرَّ الأمر على مَا تَوَلَّى التَّقَلُّبَ به.قُلْتُ : قول أبي الريحان إنَّه تحين غيبة سيف الدولة في بعض غزواته ، إلى آخر ما ذكره ليس بصحيح ؛ فإنَّ أهل الشام وغيرهم من الرواة لم ينقلوا أنَّ المُتَنبي ظهر منه شيء من ذلك في أيام سيف الدولة ، ومملكته بحلب والشام ، ولا أنَّه حبسه منذ اتصل به ، وإنَّما كان ذلك في أيام لؤلؤالإخشيدي أمير حمص. زيد بن الحسن البغدادي ، قال : أخبرنا أبو منصور ؛قال : أخبرنا أبو بكر ؛ قال : وأخبرنا علي بن المُحَسِّن التَّنوخي ، قال : حدثنا أبي ، قال :حدثني أبو علي ؛ ابن أبي حامد ؛ قال : سمعتُ خلقًا بحلب يحْكُونَ ، وأبو الطيب المتنبي بها إذْذَاكَ ، أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خَرَجَ إليه لؤلؤ ؛ أميرُ حِمْصَ مِن قِبَلِ الإخشيدية ،فقاتله وأسره وشرَّدَ مَن كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه فيالسجن دهرا طويلا ، فاعتل وكاد أن يَتْلَفَ حَتَّى سُئِلَ في أمره فاسْتَتابه ، وكتب عليه وثيقة أشهد عليهفيها ببطلان ما ادعاه ورُجُوعِه إلى الإسلام ، (ابن العديم)قال : وكان قد تلا على البوادي كلامًا ذكَرَ أنَّه قرآن أُنْزِلَ عليه ، نَسَحْتُ مِنها سُورَةً ضَاعَتْ وبقي أوَّلُها في حفظي ؛ وهو : والنَّجم السَّيَّار ، والفلك الدَّوَّار ، امْضِ على سَنَنِكَ ، واقْفُ أَثَرَ مَن كَانَ قَبلَكَ مِن المُرسلين ،فَإِنَّ اللَّهَ قَامِعٌ بِكَ زَيغَ مَن الْحَدَ في دينه وضَلَّ عن سبيله. قال : وهي طويلة لم يبق في حفظي منهاغير هذا. قال : وكانَ المُتنبي إذا شُوعِبَ في مجلس سيف الدولة ، ونحنُ إِذْ ذَاكَ بحلب ، يُذْكَرُ له هذاالقرآن وأمثاله ممَّا كانَ يُحكى عنه ، (ابن العديم)28هذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًكانَ مَحْسُودًا بحضرته ؛ فكل يبغيه الغَوَائل ، وكان قليل الحلم والثبات تحت مثل هذا، فإذا كثر عليه الأذى من القوم عاد بالعتاب إلى سيف الدولة ، لأنَّ سيف الدولة كان أعظم قدرًا وأكرم نفسًا من أن يدخل في هذه الأمور ، ولا يَسْتَذِمُّإلى أحد ، وقال : في بيت أبي الطيب : واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ ومَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ تعتبَ وتَظَلَّمَ ، كان المتنبي في طبعه استدعاء عداوات النَّاس ؛ لأنَّه كانَ عِرِّيضًا كثير التعريض والتصريح لندماء سيف الدولة ، شديد الزهو والافتخار عليهم ، فإذا جاءَ بمثل هذه المواضع عارضوه ، وخاضوا فيها فَيُثْمِرُ ذلك بينهم ، فَآلَ الأمر إلى أن غَلَبُوهوأزعجوه عن حضرة سيف الدولة ،وقال في بيت المتنبي :ومَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بِنَاظِرِهِ إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُهذا يدل على أنه لم يظلمه ، وإِنَّما كان يُكَلِّفُ سيف الدولة التَّغير على ندماءَ صُحبتهم لهقديمة، ولو شَاءَ المتنبي لأصلحهم بالحلم والصبر.وقال في قول أبي الطَّيِّب : وفَارَقْتُ شَرَّ الأَرْضِ أَهْلًا وَتُرْبَةٌ بِهَا عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيْرُ هَاشِمٍإنَّما يعني العباس العلوي ؛ وله معه حديث مشهور ، ولو لم يكنبين العلوي وبين الحسن بن عبيد الله عداوة ، ولكنها من عادات المتنبي أن يمدح رجلًا ، وقال في قول أبي الطيب : بَلَا اللهُ حُسَّادَ الأَمِيرِ بِحِلْمِهِ وأَجْلَسَهُ مِنْهُمْ مَكَانَ العَمَائِمِهذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً29وربما أوهم الممدوح أنه أشرفُ من المهجو ، (الوحيد)قال لي أبي : فأما أنا فإني سألته بالأهواز في سنة أربع وخمسين وثلاث مئة ، عند اجتيازه بها إلى فارس ، في حديث طويل جرى بيننا عن معنى (المتنبي) ؛ فأجابني بجواب مغالط لي ؛ وهو أن قال : هذا شيء كان في الحداثة أوْجَبَتْه الصورة (1) ، ابن أبي حامد : قال لي أبي ، وقد سمع قوما يحكون عن أبي الطيب المتنبي هذه السورة التي قدمنا ذكرها : لولا جهله . أين قوله : امض على سَنَتِكَ . إلى آخر الكلام ، من قول الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَكَ الْمُسْتَهْزِينَ ) ، إلى آخر القِصَّة ، قَرَأْتُ في نُسخةٍ وَقَعَت إِليَّ مِن شعر أبي الطيب المتنبي ذُكر فيها عند قوله :أَبَا عَبْدِ الإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الهَيجَا مَقَامِي ذَكَرْتَ جَسِيمَ مَا طَلَبِي وَأَنَّا نُخَاطِرُ فِيهِ بِالمُهَجِ الحِسَامِ أمثلي تَأْخُذُ النَّكَبَاتُ مِنهُ ويَجْزَعُ مِن مُلَاقَاةِ الحِمَامِ ولو بَرَزَ الزَّمَانُ إِلَيَّ شَخْصًا لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقِهِ حُسَامِي ولا بَلَغَتْ مَشِيَّتَهَا اللَّيَالِي ولا سَارَتْ وفِي يَدِهَا زِمَامِي إِذَا امْتَلَاتُ عُيُونُ الخَيلِ مِنِّي قويـل فِي التَّيَقُ والمَنَامِ وقال : قال أبو عبد الله ؛ مُعَاذُ بن إسماعيل اللاذقي (۳): قَدِمَ المُتنبي اللاذقية في سنةهذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًنيف وعشرين وثلاث مئة ، وهو كما عَذَرَ (۱) ، وله وَفْرَةٌ إلى شَحْمَتِي أُذُنِهِ ، وَضَوَى إِليَّ فَأَكرَمْتُه وعَظَّمْتُه ؛ لِمَا رأيتُ مِن فصاحته وحُسْن سَمْتِه ، فلمَّا تَمَكَّنَ الأنس بيني وبينه ، وخَلُوتُ معه في المنزل اغتناما لمشاهدته ، قلت : والله إِنَّكَ لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير ، فقال لى : ويحك . أتدري ما تقول ؟ . ثمَّ ذَكَرتُ أَنَّي لم أحصل عليه كلمة هَزْلٍ منذُ عَرَفتُه ، فقلتُ له : ما تقول ؟. فقال : أنا نبي مرسل ، قلتُ له : مُرْسَلٌ إلى مَن ؟. قال : إلى هذه الأمة الضَّالَةِ المُضِلَّة ، قلتُ : تفعل ماذا ؟. قال : أملأها عدلًا كما ملئت جورًا ، قلتُ : بماذا ؟ . قال : بإدْرَارِ الأرزاق ، والثَّوَاب العاجل والآجل لمن أطاع وأتى ، وضَرْبِ الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى ، فقلتُ له : إنَّ هذا أمر عظيمٌ أخافُ مِنه عليكَ أَنْيَظْهَرَ ، وعَذَلته على قوله ذلك ، فقال بديها :أَبَا عَبْدِ الإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الهَيجَا مَقَامِيفقلتُ له : لما ذكرت أَنَّكَ نبي مُرسَلٌ إلى هذه الأمة ، قلتُ : فَاتْلُ علي شيئًا من الوحي إليك ، فأتاني بكلام ما مرَّ بسمعي أحسن منه ، فقلت : وكم أوحي إليك من هذا ؟ فقال : مئةُ عِبْرَةٍ وأربع عَشْرَةَ عِبْرَةٌ ، قلت : وكم العِبْرَةُ ؟ فأتى بمقدار أَكْبَرِ الآي من كتاب الله ، قلتُ : ففي كم مُدَّةٍ أوحي إليك ؟ . قال : جُملةً واحدةً ، قلت : فأَسْمَعُ في هذه العِبَر أَنَّ لَكَ طاعة في السماء فما هي ؟. قال : أحْبِسُ المِدْرَارَ لقطع أرزَاقِ العُصَاةِ والفُجَّار ، قلتُ : أَتَحْبِسُ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرَها ؟ قال : إي ، أفما هي معجزة ؟ قلتُ : بلى والله ، قَالَ : فَإِنْ حَبَسْتُ عن مكان تنظر إليه ولا تشك فيه ، هل تؤمن بي وتصدقني على ما أتيتُ به من ربي ؟. قال : سأفعل فلا تسألني عن شيء بعدها حتى آتيك بهذه المعجزة ، ولا تُظهر شيئًا من هذا الأمر حتىيَظْهَرَ ، (التنوخي)هذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًورأيتُ لهم من السحر ما هو أعظم من هذا. وسألت المتنبي بعد ذلك : هل دَخَلْتَ السَّكُونَ ؟. أما سمعت قولي (١):أمُنْسِيَّ السَّكُونَ وحَضْرَمَونًا ووالِدَتِي وكندَةَ والسَّبِيعافقلتُ : مِن ثَمَّ استفادَ مَا جَوَّزَهُ على طعام أهل الشام. وجَرَت له أشياء بعد ذلك من الحروب والحبس والانتقال من موضع إلى موضع حتى حَصَّلَ عند سيف الدولة وعلا شأنه (٢). (التنوخي) قُلْتُ : والصَّدْحَةُ التي أشار إلى أنها تمنع المَطَر معروفة إلى زماننا هذا. وأخبرني غير واحد ممَّن أثق به من أهل اليَمَن أنَّهم يصْرِفُونَ المَطَرَ عن الإبل والغنم ، وأَنَّ رِعَاءَ الإبلوالغنم ببلادهم يستعملون ذلك ، وذكر أبو الحسن ؛ علي بن محمد بن علي بن فُوَرَّجَة (۳) ، في كتاب (التجني على ابن جني) ، قال : أخبرني أبو العلاء ؛ أحمد بن سليمان المَعَرِّيٌّ ، قال : كنتُ بالديوان في بعض بلاد الشام ، فأسرعتِ المُدْيَة في أصبع بعض الكتاب وهو يبري قلَمَه ، ثم أرسلها وقد انْدَمَلَت بِدَمِها ، فَجَعَلَ يُعَجِّبُ مِنذلك ، ويُرِي مَن حَضَرَ أَنَّ ذلك مِن مُعْجِزَاتِه.قال : وممَّا كان يُمَخْرِقُ به على أبيات البادية أنه كان مشاءً قويا على السير سيرًا لا غاية بعده ، ومَحَالُ العَرَبِ بها ،
هذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً21المتنبي بغدادَ سَكَنَ فِي (رَبَضِ حُميد) ، فمضيت إلى الموضع الذي نَزَلَ فيه ؛ لأسْمَعَ مِنه شيئًا مِن شعْرِه ، فلم أصادفه ، فجلست أنتظرُه ، وأبطَأَ عَلَيَّ ، فانصرفت من غير أن ألقاه ، ولم أعد إليه بعد ذلك. وقد كان القاضي أبو الحسين ؛ محمد بن أحمد بن القاسم المَحَامِلِيُّ (١) سَمِعَ مِنه ديوانه وَرَوَاهُعنه. (ابن العديم). قال الخطيب : أخبرنا علي بن المُحَسِّن التتوخي (٢)، عن أبيه ، قال : حدثني أبو الحسن ؛ محمد بن يحيى العلوي الزيدي (۳)، قال : كانَ المُتنبي وهو صبي ينزِلُ في جواري بالكوفة ، وكان يُعْرَفُ أبوه بِعِيدَانِ السَّقَاءِ ، يَسْتَقِي لنا ولأهْلِ المَحَلَّةِ ، ونشأ هو مُحِبا للعلم والأدب فَطَلَبَه ، وصَحِبَ الأعراب في البادية ، فجاءَنَا بعد سنين بَدَوِيًّا قُحا ، وقد كان تعلَّمَ الكتابة والقراءةَ ، فَلَزِمَ أهل العلموالأدب، وأكثر من مُلازَمَة الوَرَّاقِينَ ، فَكانَ عِلْمُه من دفاترهم (٤). (ابن العديم)قال الوحيد الأزدي في بيت المتنبي :ولَو كَانَتْ دِمَشْقُ ثَنَى عِنَانِي لَبِيقُ الشَّرْدِ صِينِيُّ الجِفَانِهَجَّنَ هذه القصيدة بهذه الأبيات التي جعلها خُروجًا ، وفيها ذكر الثريد والجفانِ لِمَدح ملكعظيم ، وأحسبه غير غالط متعَمِّدًا ؛ لأنه كان من شأنه التبادي وانتحال أخلاق البادية، وهذا تسميهالعَرْبَاءُ المُطَفْشِل) ؛ ويعْنُونَ به المتشبه بالبادية. (الوحيد)22هذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً. وقال في بيت المتنبي :وعِنْدَهُمُ الجِفَانُ مُكَلَّلَاتٌ وشَزْرُ الطَّعْنِ والضَّرْبُ التَّوَّامُ تَرَكَ شُعراء المحدثين الحُذَّاقُ ذِكرَ الجِفَانِ وما كانت العَرَبُ والبادية تأتي به ؛ لأنه جفاء بين الحاضرة ، وكذلك ذكر الطعام ، فأما المتنبي فإنَّه كان يتَشَبَّه عندهم بالبادية، ويتزيا بزيهم. حدثني من أهلِ الشَّامِ مَن رآه في قباء كرابيس وعمامة زرقاء خشنة وزربولين) في رجليه ، متنكبا قوسًا عربية كما يقدمُ الحِجازيون ، وكان يُكثر ذكر هذا ، ويستعمل التصغير والألفاظ البدوية ، فابتدأبذلك الزي. (الوحيد). فَأَحْبَرَني وراقٌ كان يجلس إليه يوما ، قال لي : ما رأيتُ أحفَظَ مِن هذا الفتى ابنِ عِيدَانِقط !. فقلت له : كيف؟ . فقال : كان اليوم عندي وقد أحضر رجلٌ كتابًا مِن كُتُبِ الأَصْمَعِيِّ ، سَمَّاهُ الوراق وأُنْسِيَه أبو الحسن ، يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه ، قال : فَأَخَذَ يَنظُرُ فيه طويلًا ، فقال له الرَّجلُ : يا هذا أريد بيعه ، وقد قَطَعْتَني عن ذلك ، فإن كنت تريدُ حِفْظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شَهْرٍ ، قَالَ : فقال له ابنُ عِيدان : فإن كنت قد حفظته في هذه المُدَّة فمالي عليك ؟. قَالَ : أَهَبُ لكَ الكتاب ، قال : فأخذتُ الدَّفتر من يده ، وقُلتُ هيا ، فأقبل يتلوه عليَّ إلى آخره ، ثمَّ استَلَبه فجعله في كمه وقام ، فعَلِقَ به صاحبه ، وطالبه بالثَّمَن ، فقال : ما إلى ذلك سَبيلٌ ، قد وَهَبْتَه لي. قَالَ: فَمَنَعْنَاه منه ، وقلنا له : أنتَ شَرَطْتَ على نفسك هذا للغُلام ، فتركه إليه. وقال أبو الحَسَن : كان عِيدَانُ ؛ والد المتنبي ، يذكرُ أَنَّه مِن جُعْفَى ، وكانت جدة المتنبي هَمْدَانِيَّة صحيحة النسب لا أشك فيها ، وكانتجارتنا ، وكانت مِن صُلَحَاءِ النِّساء الكوفيات (٢). (الخطيب)قالَ التَّنُوخِيُّ : قال أبي : فَاتَّفَقَ مَجِيءُ المُتَنَبِّي بعد سنين إلى الأهواز منصرفًا من فارسهذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً23فذاكرته بأبي الحسن ، فقال : تربي وصديقي وجاري بالكوفة ، وأطراهُ ووَصَفَه ، وسألتُ المُتنبي عن نسبه ، فما اعترف لي به ، وقال : أَنَا رَجُلٌ أخبط القبائل وأطوي البوادي وحدي ، ومتى انتسبت لم آمَن أن يأخُذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها ، ومَا دُمتُ غيرَ مُنتَسِبٍ إلى أحد فأنا أُسَلِّم على جميعهم ، ويخافون لساني (١). (التنوخي)قال : واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن ؛ ابن أم شَيْبَان (۲) الهاشمي الكوفي ، وجرى ذكر المتنبي ، فقال : كنتُ أعرفُ أباه بالكوفة شيخًا يُسمى عيدان ، يسقي على بعير له ، وكان جعفيًّا صحيح النَّسَبِ. قال : وقد كانَ المُتنبي لمَّا خَرَجَ إلى (كلب) ، وأقام فيهم ادَّعَى أَنَّه عَلَوي حَسَني (٣) ، ثم ادعى بعد ذلك النبوَّةَ ، ثم عاد يدعي أنه عَلَويٌّ إلى أن أُشْهِدَ عليه بالشام بالكذب في الدعويين ، وحبس دهرا طويلًا ، وأشرف على القتل ، ثمَّ اسْتُتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق. (التنوخي). وأما أبو القاسم ؛ عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني (٤) ؛ فإنَّه ذَكَرَ في كتابه المُسمَّى بـ (الواضح أنَّ الذي حَبَسَ المُتنبي بحِمْصَ ابْنُ كَيَغْلَغ ، وكان أمير حمص ، وأراد قتله، وكان خروجه ببلد اللاذقية بين النصيرية ، ثم انتقل إلى جبل (جَوْشَن) من بلاد الشام). (سبط ابن الجوزي) ،٢٤هذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً. قرأت بخط عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الجوع (۱) الوراق المصري : سألت أبا الطيب المتنبي ؛ أحمد بن الحسين بن الحسن ، عن مولده ومَنْشَئِهِ ، فقال : وُلِدْتُ بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة ، في كندة ، ونشأت بها ، ودخلت مدينة السَّلام، ودُرْتُ الشَّامَ كَلَّه سَهْلَه وجَبَلَهُ. (ابن العديم). أخبرنا أبو محمد ؛ عبد العزيز بن محمود بن الأخضر البغدادي (٢) ، في كتابه ، قال : أخبرنا الرئيس أبو الحسن ؛ علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري (۳) ، قال : أخبرنا أبو البركات ؛ محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل (٤) ، قال : أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين بن السَّارْبَان (٥) ، قال : وُلِدَ أبو الطيب ؛ أحمد بن الحسين بن الحسن المُتَنبي ، بالكوفة في مَحَلَّة كنده ، سنة ثلاث وثلاث مئة ، وقالالشعر وهو صبي في المَكْتَبِ. (ابن العديم). وقرأت في بعض النسخ من شعره أن مولده قيل على التقريب لا على التحقيق. وقرأت فيهذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًتاريخ أبي عبد الله ؛ محمد بن علي العظيمي (1) الحلبي ، وأخبرنا به المؤيد بن محمد الطوسي )؛ إجازة عنه ، قيل : إنَّه ولد ؛ يعني المتنبي ، سنة إحدى وثلاث مئة ، والأوَّلُ أَصَح ، والله أعلم. (ابن العديم). أخبرنا أبو الدر ؛ ياقوت بن عبد الله الحموي ، قال : ذكر أبو الريحان ؛ محمد بن أحمدالبيروني (٤٢٨هـ) ، ونقَلْتُه مِن خَطْه ، أنَّ المُتنبي لما ذكر في القصيدة التي أولها :كُنِّي أَرَانِي وَيْكِ لَومَكِ أَلْوَمَاالنُّورَ الذي تَظَاهَر لاهوتيه في ممدوحه. وقال :أَنَا مُبْصِرٌ وَأَظُنُّ أَنِّي نَائِمٌودار على الألسن ، قالوا : قد تَجَلَّى لأبي الطيب ربُّه ، وبهذا وقع في السجن والوثاق الذي ذكره في شِعْره (أيا خَدَّدَ اللهُ وَرْدَ الخُدُودِ) ، ولم يذكر سَبَبَ لَقَبِه على صِدْقِه ، وَإِنَّمَا وَجَّهَ له وجهَا مَا ،كما حكى عنه أبو الفتح ؛ عثمان بن جنِّي أن سببه هو قوله :أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّـهُ غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِوإنَّما هو أنَّ الخُيُوط في رأسه كانت تُدِيرُه وتُزْعِجُه ، فَتَحَيَّنَ غَيبة سيف الدولة في بعضغزواته ، وقَصَدَ أعراب الشام ، واسْتَغْوَى مِقدار ألفِ رَجُلٍ مِنهم ، واتَّصَلَ خبره بسيف الدولة فكرراجعا ، وعاجله فتفرق عنه أصحابه ، وجيء به أسيرًا ، فقال له : أنتَ النَّبِيُّ ؟. قال : بل أنا المتنبيحتى تطعموني وتسقوني، فإذا فعلتُم ذلك فأنا أحمد بن الحسين ، فَأَعْجِبَ بِثَبَاتِ جَأْشِهِ وجُرْأَتهفي جوابه ، وحَقَنَ دمه ، وألقاه في السجن بحمص إلى أن قرر عندَه فَضْلُه ، فأَطلَقَه واسْتَخَصَّه ،٢٦هذه الطبعة إهداء من المجمعولا يسمح بنشرها ورقيا أو تداولها تجارياًولما أكثروا ذكره بالتنبي تَلَقَّبَ به ؛ كيلا يصير ذما إذا احتَشَمَ أُخْفِيَ عنه ، وشتمًا لَا يُشَافَهُ بِه ، واسْتَمَرَّ الأمر على مَا تَوَلَّى التَّقَلُّبَ به.قُلْتُ : قول أبي الريحان إنَّه تحين غيبة سيف الدولة في بعض غزواته ، إلى آخر ما ذكره ليس بصحيح ؛ فإنَّ أهل الشام وغيرهم من الرواة لم ينقلوا أنَّ المُتَنبي ظهر منه شيء من ذلك في أيام سيف الدولة ، ومملكته بحلب والشام ، ولا أنَّه حبسه منذ اتصل به ، وإنَّما كان ذلك في أيام لؤلؤالإخشيدي أمير حمص. (ابن العديم). أخبرنا أبو اليمن ؛ زيد بن الحسن البغدادي ، كتابة ، قال : أخبرنا أبو منصور ؛ ابن زريق ،قال : أخبرنا أبو بكر ؛ الخطيب ، قال : وأخبرنا علي بن المُحَسِّن التَّنوخي ، قال : حدثنا أبي ، قال :حدثني أبو علي ؛ ابن أبي حامد ؛ قال : سمعتُ خلقًا بحلب يحْكُونَ ، وأبو الطيب المتنبي بها إذْذَاكَ ، أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خَرَجَ إليه لؤلؤ ؛ أميرُ حِمْصَ مِن قِبَلِ الإخشيدية ،فقاتله وأسره وشرَّدَ مَن كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه فيالسجن دهرا طويلا ، فاعتل وكاد أن يَتْلَفَ حَتَّى سُئِلَ في أمره فاسْتَتابه ، وكتب عليه وثيقة أشهد عليهفيها ببطلان ما ادعاه ورُجُوعِه إلى الإسلام ، وأنه تائب منه ، ولا يُعاوِدُ مثله ، وأطلقه (۲). (ابن العديم)قال : وكان قد تلا على البوادي كلامًا ذكَرَ أنَّه قرآن أُنْزِلَ عليه ، وكانوا يحكون له سُوَرًاكثيرةً ، نَسَحْتُ مِنها سُورَةً ضَاعَتْ وبقي أوَّلُها في حفظي ؛ وهو : والنَّجم السَّيَّار ، والفلك الدَّوَّار ،والليل والنهار ، إنَّ الكافر لفي أخطار ، امْضِ على سَنَنِكَ ، واقْفُ أَثَرَ مَن كَانَ قَبلَكَ مِن المُرسلين ،فَإِنَّ اللَّهَ قَامِعٌ بِكَ زَيغَ مَن الْحَدَ في دينه وضَلَّ عن سبيله. قال : وهي طويلة لم يبق في حفظي منهاغير هذا. قال : وكانَ المُتنبي إذا شُوعِبَ في مجلس سيف الدولة ، ونحنُ إِذْ ذَاكَ بحلب ، يُذْكَرُ له هذاالقرآن وأمثاله ممَّا كانَ يُحكى عنه ، فيُنْكِرُه ويَجْحَدُه. (ابن العديم)28هذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًكانَ مَحْسُودًا بحضرته ؛ فكل يبغيه الغَوَائل ، ويتبع عَثَراتِه ، وكان قليل الحلم والثبات تحت مثل هذا، فإذا كثر عليه الأذى من القوم عاد بالعتاب إلى سيف الدولة ، وهو ظالم له ؛ لأنَّ سيف الدولة كان أعظم قدرًا وأكرم نفسًا من أن يدخل في هذه الأمور ، وكانَ يُنفِقُ ماله للحمد ، ولا يَسْتَذِمُّإلى أحد ، وأراد هو منه النَّصْرَةَ عليهم ، وكُلِّفَ مِن هذا شَطَطًا. وقال : في بيت أبي الطيب : واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ ومَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ تعتبَ وتَظَلَّمَ ، وكان هو الظَّالِم لنفسه. كان المتنبي في طبعه استدعاء عداوات النَّاس ؛ لأنَّه كانَ عِرِّيضًا كثير التعريض والتصريح لندماء سيف الدولة ، شديد الزهو والافتخار عليهم ، فإذا جاءَ بمثل هذه المواضع عارضوه ، وخاضوا فيها فَيُثْمِرُ ذلك بينهم ، وكانوا عصبةٌ ، فَآلَ الأمر إلى أن غَلَبُوهوأزعجوه عن حضرة سيف الدولة ، وأخرجوه من نعمته.وقال في بيت المتنبي :ومَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بِنَاظِرِهِ إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُهذا يدل على أنه لم يظلمه ، وإِنَّما كان يُكَلِّفُ سيف الدولة التَّغير على ندماءَ صُحبتهم لهقديمة، ولو شَاءَ المتنبي لأصلحهم بالحلم والصبر.وقال في قول أبي الطَّيِّب : وفَارَقْتُ شَرَّ الأَرْضِ أَهْلًا وَتُرْبَةٌ بِهَا عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيْرُ هَاشِمٍإنَّما يعني العباس العلوي ؛ الذي بطَبَريَّة ، هجاه ظالمًا له ، وله معه حديث مشهور ، ولو لم يكنبين العلوي وبين الحسن بن عبيد الله عداوة ، ولكنها من عادات المتنبي أن يمدح رجلًا ، ويذكر غيرهفي شعره ، كأَنَّه يُخَوِّفُه مثل ذلك ويَهُزُّه. (الوحيد). وقال في قول أبي الطيب : بَلَا اللهُ حُسَّادَ الأَمِيرِ بِحِلْمِهِ وأَجْلَسَهُ مِنْهُمْ مَكَانَ العَمَائِمِهذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياً29وربما أوهم الممدوح أنه أشرفُ من المهجو ، على حسد أو عداوة ، فيغريه به. (الوحيد)قال لي أبي : فأما أنا فإني سألته بالأهواز في سنة أربع وخمسين وثلاث مئة ، عند اجتيازه بها إلى فارس ، في حديث طويل جرى بيننا عن معنى (المتنبي) ؛ لأني أردت أن أسمع منه هل تنباً أم لا ؟. فأجابني بجواب مغالط لي ؛ وهو أن قال : هذا شيء كان في الحداثة أوْجَبَتْه الصورة (1) ، فاستحييت أن أستقصي عليه وأمسكت. وقال لي أبو علي ؛ ابن أبي حامد : قال لي أبي ، ونحن بحلب ، وقد سمع قوما يحكون عن أبي الطيب المتنبي هذه السورة التي قدمنا ذكرها : لولا جهله .. أين قوله : امض على سَنَتِكَ ... إلى آخر الكلام ، من قول الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَكَ الْمُسْتَهْزِينَ ) ، إلى آخر القِصَّة ، وهل تَتَقَارَبُالفصاحة فيهما !. أو يشتبه الكلامان ؟!(۲). (التنوخي). قَرَأْتُ في نُسخةٍ وَقَعَت إِليَّ مِن شعر أبي الطيب المتنبي ذُكر فيها عند قوله :أَبَا عَبْدِ الإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الهَيجَا مَقَامِي ذَكَرْتَ جَسِيمَ مَا طَلَبِي وَأَنَّا نُخَاطِرُ فِيهِ بِالمُهَجِ الحِسَامِ أمثلي تَأْخُذُ النَّكَبَاتُ مِنهُ ويَجْزَعُ مِن مُلَاقَاةِ الحِمَامِ ولو بَرَزَ الزَّمَانُ إِلَيَّ شَخْصًا لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقِهِ حُسَامِي ولا بَلَغَتْ مَشِيَّتَهَا اللَّيَالِي ولا سَارَتْ وفِي يَدِهَا زِمَامِي إِذَا امْتَلَاتُ عُيُونُ الخَيلِ مِنِّي قويـل فِي التَّيَقُ والمَنَامِ وقال : قال أبو عبد الله ؛ مُعَاذُ بن إسماعيل اللاذقي (۳): قَدِمَ المُتنبي اللاذقية في سنةهذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًنيف وعشرين وثلاث مئة ، وهو كما عَذَرَ (۱) ، وله وَفْرَةٌ إلى شَحْمَتِي أُذُنِهِ ، وَضَوَى إِليَّ فَأَكرَمْتُه وعَظَّمْتُه ؛ لِمَا رأيتُ مِن فصاحته وحُسْن سَمْتِه ، فلمَّا تَمَكَّنَ الأنس بيني وبينه ، وخَلُوتُ معه في المنزل اغتناما لمشاهدته ، واقتباسا من أدبه ، وأعجبني ما رأيتُ ، قلت : والله إِنَّكَ لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير ، فقال لى : ويحك .. أتدري ما تقول ؟ . أَنَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَهْزِلُ ، ثمَّ ذَكَرتُ أَنَّي لم أحصل عليه كلمة هَزْلٍ منذُ عَرَفتُه ، فقلتُ له : ما تقول ؟. فقال : أنا نبي مرسل ، قلتُ له : مُرْسَلٌ إلى مَن ؟. قال : إلى هذه الأمة الضَّالَةِ المُضِلَّة ، قلتُ : تفعل ماذا ؟. قال : أملأها عدلًا كما ملئت جورًا ، قلتُ : بماذا ؟ . قال : بإدْرَارِ الأرزاق ، والثَّوَاب العاجل والآجل لمن أطاع وأتى ، وضَرْبِ الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى ، فقلتُ له : إنَّ هذا أمر عظيمٌ أخافُ مِنه عليكَ أَنْيَظْهَرَ ، وعَذَلته على قوله ذلك ، فقال بديها :أَبَا عَبْدِ الإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الهَيجَا مَقَامِيفقلتُ له : لما ذكرت أَنَّكَ نبي مُرسَلٌ إلى هذه الأمة ، أفيوحى إليك ؟. قال : نعم. قلتُ : فَاتْلُ علي شيئًا من الوحي إليك ، فأتاني بكلام ما مرَّ بسمعي أحسن منه ، فقلت : وكم أوحي إليك من هذا ؟ فقال : مئةُ عِبْرَةٍ وأربع عَشْرَةَ عِبْرَةٌ ، قلت : وكم العِبْرَةُ ؟ فأتى بمقدار أَكْبَرِ الآي من كتاب الله ، قلتُ : ففي كم مُدَّةٍ أوحي إليك ؟ . قال : جُملةً واحدةً ، قلت : فأَسْمَعُ في هذه العِبَر أَنَّ لَكَ طاعة في السماء فما هي ؟. قال : أحْبِسُ المِدْرَارَ لقطع أرزَاقِ العُصَاةِ والفُجَّار ، قلتُ : أَتَحْبِسُ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرَها ؟ قال : إي ، والذي فَطَرَها ، أفما هي معجزة ؟ قلتُ : بلى والله ، قَالَ : فَإِنْ حَبَسْتُ عن مكان تنظر إليه ولا تشك فيه ، هل تؤمن بي وتصدقني على ما أتيتُ به من ربي ؟. قلت : إي ، والله. قال : سأفعل فلا تسألني عن شيء بعدها حتى آتيك بهذه المعجزة ، ولا تُظهر شيئًا من هذا الأمر حتىيَظْهَرَ ، وانتظر ما وُعِدْتَه من غير أن تسأله (٢). (التنوخي)هذه الطبعة إهداء من المجمع ولا يسمح بنشرها ورقياً أو تداولها تجارياًورأيتُ لهم من السحر ما هو أعظم من هذا. وسألت المتنبي بعد ذلك : هل دَخَلْتَ السَّكُونَ ؟. قال :نعم ، ووالدي منها ، أما سمعت قولي (١):أمُنْسِيَّ السَّكُونَ وحَضْرَمَونًا ووالِدَتِي وكندَةَ والسَّبِيعافقلتُ : مِن ثَمَّ استفادَ مَا جَوَّزَهُ على طعام أهل الشام. وجَرَت له أشياء بعد ذلك من الحروب والحبس والانتقال من موضع إلى موضع حتى حَصَّلَ عند سيف الدولة وعلا شأنه (٢). (التنوخي) قُلْتُ : والصَّدْحَةُ التي أشار إلى أنها تمنع المَطَر معروفة إلى زماننا هذا. وأخبرني غير واحد ممَّن أثق به من أهل اليَمَن أنَّهم يصْرِفُونَ المَطَرَ عن الإبل والغنم ، وعن زَرْعِ عَدُوِّه ، وأَنَّ رِعَاءَ الإبلوالغنم ببلادهم يستعملون ذلك ، وهو : نوع من السحر. (ابن العديم). وذكر أبو الحسن ؛ علي بن محمد بن علي بن فُوَرَّجَة (۳) ، في كتاب (التجني على ابن جني) ، قال : أخبرني أبو العلاء ؛ أحمد بن سليمان المَعَرِّيٌّ ، عمَّن أَخبَرَه مِن الكُتاب ، قال : كنتُ بالديوان في بعض بلاد الشام ، فأسرعتِ المُدْيَة في أصبع بعض الكتاب وهو يبري قلَمَه ، وأبو الطَّيِّبحاضر ، فقام إليه وتَفَلَ عليه ، وأمسكها ساعة بيده ، ثم أرسلها وقد انْدَمَلَت بِدَمِها ، فَجَعَلَ يُعَجِّبُ مِنذلك ، ويُرِي مَن حَضَرَ أَنَّ ذلك مِن مُعْجِزَاتِه.قال : وممَّا كان يُمَخْرِقُ به على أبيات البادية أنه كان مشاءً قويا على السير سيرًا لا غاية بعده ، وكان عارفًا بالفلوات ، ومواقع المياه ، ومَحَالُ العَرَبِ بها ، فكان يسيرُ مِن حِلَّةٍ إلى حِلَّةٍ بالبادية
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
# **التعريف:** التعلم التنظيمي عملية منهجية ومستمرة تكتسب من خلالها المنظمة معارف جديدة، وتتعلم الد...
أولا شعر الحزب الزبيري بدا يتنصيب عبد الله بن الزبير نفسه خليفة على الحجاز، واستمر تسع سنوات، وانته...
ث- الصراع: يعتبر من المفاهيم الأقرب لمفهوم الأزمة، حيث أن العديد من الأزمات تنبع من صراع بين طرفين...
تعرض مواطن يدعى عادل مقلي لاعتداء عنيف من قبل عناصر مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي أمام زوجته، في محافظة...
زيادة الحوافز والدعم المالي للأسر الحاضنة لتشجيع المشاركة. تحسين تدريب ومراقبة العاملين الاجتماعيين...
Because learning changes everything.® Chapter 13 Mutations and Genetic Testing Essentials of Biology...
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصادر استخباراتية في الشرق الأوسط ومسؤولين إسرائيليين أن عز الدين ا...
تُعد طرائق التدريس من أهم العوامل التي تؤثر في جودة العملية التعليمية وفاعليتها. ومع تطور أساليب الت...
تعتبر بروفايلات الدول مهمة للغاية في تحسين الفهم والتواصل الثقافي والاقتصادي بين الدول، وكذلك بين ال...
هدفت هذه الدراسة إلى تحليل العلاقة بين السياحة والتنويع الاقتصادي وأثرهما المشترك على تحقيق النمو ال...
is a comprehensive document that outlines a business's goals, strategies, and operational structure....
شدد الفريق أول عبدالمجيد صقر، على أهمية التنسيق بين القوات المسلحة المصرية ونظيراتها الدولية من أجل ...