لخّصلي

بعد أسبوع
كان يوم العروض بشركةBS عندما قالت مادلين جميل، مديرة التمويل، أمام عدد من زملائها:
-طارق شاكر انتحر.
قالت هذا بعد أسبوع من اختفاء طارق المدير التنفيذي، وبدت جملتها على سبيل الخبر لا الظن، مما أثار همهمة بينهم احتواها ركن الكرواسون بالشركة حيث يقفون، لكنهم في واقع الأمر، تقبلوا رأيها كأنهم كانوا ينتظرونه. في البداية، وعندما لم يظهر طارق في مواعيده أو مكتبه، خمنوا أن خلافًا دب مبكرًا بينه وبين الإدارة الإقليمية فلزم بيته، ثم تسربت الأخبار أن نائل رضوان –نائب المدير التنفيذي- والصديق الأقرب له يبحث عنه، ثم وفي اليوم الرابع لاختفائه رأوا نادية شاكر –والدة طارق- تظهر بالشركة تسأل عنه. ألمح زميل إلى أن طارق لم يكن طبيعيًا منذ يوم حفل ترقيته، وقالت زميلة إن طارق إنسان حساس ولابد أن الخبر الذي وصله يوم ترقيته هو الذي أوصله إلى هذه الحال، وقالت نورا الماجري –وهي مديرة تسويق المشروعات بالشركة- إنها تصدق أن أمرًا مخيفًا حدث لطارق لكن أمه ونائل والشركة لم يعلنوا أي شيء. ناقشوا هذه الفكرة قليلاً لكنهم رأوا أن انتشار أخبار اختفاءه ليست إلا إشاعات مقصودة من نادية بالاتفاق مع نائل رضوان لعدم إلصاق الانتحار بطارق حيث أنه يمثل عارًا –الانتحار لا طارق- يجب نفيه نفيًا قاطعًا، خاصة أنهم يعيشون في مجتمع سوي جدًا، يعيبه فقط أنه لا يتسامح مع فكرة أن للإنسان الحق في التخلص من حياته لأنها غير محتملة أو لأنه لا يحتملها. وبالتالي فإن التوقعات تشير إلى أنه بعد بضعة أيام سيعلن الخبر الصحيح -الانتحار- لكن سيتم تجميله بتوصيفه ضحية لحادث سيارة أو سطو أو مرض وراثي كانت عائلته تخفيه. على كلِ، فقد بلع كل واحد من المجتمعين لسانه حين دخل نائل رضوان إلى ركن الكراوسون. بلمحة عرف أنهم يبحثون أمر طارق. صنع لنفسه قهوة في كوب من ورق. وعندما دخل أصبح الأكثر أهمية بين المجتمعين، ليس باعتبار منصبه فقط، وإنما باعتباره الصديق الوحيد لطارق منذ أن تزاملا في كلية التجارة بجامعة القاهرة وحتى تم تعيين طارق في منصب المدير التنفيذي من شهر وأسبوع. لذا لاحقته نورا الماجري ومادلين جميل وبقية الزملاء بالآراء، كلها تدور حول الأمر من بعيد وتنتهي عند ترجيح موته. في عيون كل واحد منهم الشك. ليس الشك في أن نائل هو من يقف خلف موته لا سمح الله، وإنما لأنهم واثقون أنه يخفي سرًا ما فهو –من خلال قربه- يعرف أكثر من الآخرين. كان قد مر على الاجتماع ساعة وعلى اختفاء طارق أسبوع. كررت مادلين إن طارق شاكر لابد وأنه انتحر نظرًا لما ظهر عليه في الآونة الأخيرة. كان نائل هادئًا جدًا وهو ينهي كوب قهوته الورقي، وأهدأ وهو يقذفه في سلة المهملات، وأهدأ أكثر حين نظر إليها ثم إليهم وقال:
-كنت أظن أنكم تجتمعون من أجل العروض التي ستبدأ بعد ساعتين.
أصابتهم كلمته بإحراج بالغ لكنه أكمل:
-على أي حال لقد اعتمدنا في الشركة أن طارق في أجازة.
قالت نورا:
-أجازة.
-لا يقاطعني أحد.
وضع يديه في وسطه ونظر في عيونهم وأكمل:
-ومن سيقول إن طارق ليس في أجازة سأفصله من الشركة.
وغادر نائل ركن الكرواسون في هدوء شديد تاركًا الزملاء في حالة من حرج وصدمة لهذا التهديد. ونورا الماجري –التي سخرت أن الشركة اعتمدت فكرة الأجازة بديلاً عن الانتحار- بالإضافة إلى كونها مديرة تسويق المشروعات بالشركة فإنها خطيبة نائل رضوان –والذي يقوم الآن بوظيفة طارق شاكر لحين عودته/ ظهوره- وتعرف عندما يتكلم نائل بهذه الطريقة فإنه سينفذ تهديده، وأنه عندما يكون بمثل هذا الهدوء فإنه متورط في حال من الغضب العارم المقيت الذي سيأكل قولونه حتمًا ويحرق أعصابه. تفرق المجتمعون لاستكمال تحضير يوم العروض، بينما قدرت نورا أن نائل الآن لابد في مكتبه الصغير الزجاجي ذي المترين في مترين شأن الشركات الناجحة -عكس الشركات الفاشلة التي لها مكاتب ضخمة وعند أصحابها مديرون للمكتب وسكرتارية وأوفيس بوي- سيفتح اللاب توب ويداري وجهه فيه مدعيًا العمل، في حين أنه سيتصل بنادية شاكر للمرة الألف ليسأل: هل ظهر طارق لتجيبه لا. أو يتصل للمرة المليون بطارق نفسه وهو يعرف أنه لن يرد. نورا تفكر أن نائل لم يتخيل أنه سيعيش لحظة فانتازية كهذه التي يعيشها. ترغب في الكلام معه لكنها لن تأمن العواقب. سينفذ تهديده بالفصل لا محالة. كانت تحبه لكنها الآن خائفة. أما نائل رضوان -وعندما ألقى بكوب قهوته الورقي وخرج من ركن الكرواسون- فقد وصل إلى المصعد وكان غير متيقن من بقاء صديقه طارق شاكر على قيد الحياة، على العكس، كان يقول لنفسه:
-إن هي إلا مسألة وقت حتى تظهر جثته.

بعد أسبوع
كان يوم العروض بشركةBS عندما قالت مادلين جميل، مديرة التمويل، أمام عدد من زملائها:
-طارق شاكر انتحر.
قالت هذا بعد أسبوع من اختفاء طارق المدير التنفيذي، وبدت جملتها على سبيل الخبر لا الظن، مما أثار همهمة بينهم احتواها ركن الكرواسون بالشركة حيث يقفون، لكنهم في واقع الأمر، تقبلوا رأيها كأنهم كانوا ينتظرونه. في البداية، وعندما لم يظهر طارق في مواعيده أو مكتبه، خمنوا أن خلافًا دب مبكرًا بينه وبين الإدارة الإقليمية فلزم بيته، ثم تسربت الأخبار أن نائل رضوان –نائب المدير التنفيذي- والصديق الأقرب له يبحث عنه، ثم وفي اليوم الرابع لاختفائه رأوا نادية شاكر –والدة طارق- تظهر بالشركة تسأل عنه. ألمح زميل إلى أن طارق لم يكن طبيعيًا منذ يوم حفل ترقيته، وقالت زميلة إن طارق إنسان حساس ولابد أن الخبر الذي وصله يوم ترقيته هو الذي أوصله إلى هذه الحال، وقالت نورا الماجري –وهي مديرة تسويق المشروعات بالشركة- إنها تصدق أن أمرًا مخيفًا حدث لطارق لكن أمه ونائل والشركة لم يعلنوا أي شيء. ناقشوا هذه الفكرة قليلاً لكنهم رأوا أن انتشار أخبار اختفاءه ليست إلا إشاعات مقصودة من نادية بالاتفاق مع نائل رضوان لعدم إلصاق الانتحار بطارق حيث أنه يمثل عارًا –الانتحار لا طارق- يجب نفيه نفيًا قاطعًا، خاصة أنهم يعيشون في مجتمع سوي جدًا، يعيبه فقط أنه لا يتسامح مع فكرة أن للإنسان الحق في التخلص من حياته لأنها غير محتملة أو لأنه لا يحتملها. وبالتالي فإن التوقعات تشير إلى أنه بعد بضعة أيام سيعلن الخبر الصحيح -الانتحار- لكن سيتم تجميله بتوصيفه ضحية لحادث سيارة أو سطو أو مرض وراثي كانت عائلته تخفيه. على كلِ، فقد بلع كل واحد من المجتمعين لسانه حين دخل نائل رضوان إلى ركن الكراوسون. بلمحة عرف أنهم يبحثون أمر طارق. صنع لنفسه قهوة في كوب من ورق. وعندما دخل أصبح الأكثر أهمية بين المجتمعين، ليس باعتبار منصبه فقط، وإنما باعتباره الصديق الوحيد لطارق منذ أن تزاملا في كلية التجارة بجامعة القاهرة وحتى تم تعيين طارق في منصب المدير التنفيذي من شهر وأسبوع. لذا لاحقته نورا الماجري ومادلين جميل وبقية الزملاء بالآراء، كلها تدور حول الأمر من بعيد وتنتهي عند ترجيح موته. في عيون كل واحد منهم الشك. ليس الشك في أن نائل هو من يقف خلف موته لا سمح الله، وإنما لأنهم واثقون أنه يخفي سرًا ما فهو –من خلال قربه- يعرف أكثر من الآخرين. كان قد مر على الاجتماع ساعة وعلى اختفاء طارق أسبوع. كررت مادلين إن طارق شاكر لابد وأنه انتحر نظرًا لما ظهر عليه في الآونة الأخيرة. كان نائل هادئًا جدًا وهو ينهي كوب قهوته الورقي، وأهدأ وهو يقذفه في سلة المهملات، وأهدأ أكثر حين نظر إليها ثم إليهم وقال:
-كنت أظن أنكم تجتمعون من أجل العروض التي ستبدأ بعد ساعتين.
أصابتهم كلمته بإحراج بالغ لكنه أكمل:
-على أي حال لقد اعتمدنا في الشركة أن طارق في أجازة.
قالت نورا:
-أجازة.
-لا يقاطعني أحد.
وضع يديه في وسطه ونظر في عيونهم وأكمل:
-ومن سيقول إن طارق ليس في أجازة سأفصله من الشركة.
وغادر نائل ركن الكرواسون في هدوء شديد تاركًا الزملاء في حالة من حرج وصدمة لهذا التهديد. ونورا الماجري –التي سخرت أن الشركة اعتمدت فكرة الأجازة بديلاً عن الانتحار- بالإضافة إلى كونها مديرة تسويق المشروعات بالشركة فإنها خطيبة نائل رضوان –والذي يقوم الآن بوظيفة طارق شاكر لحين عودته/ ظهوره- وتعرف عندما يتكلم نائل بهذه الطريقة فإنه سينفذ تهديده، وأنه عندما يكون بمثل هذا الهدوء فإنه متورط في حال من الغضب العارم المقيت الذي سيأكل قولونه حتمًا ويحرق أعصابه. تفرق المجتمعون لاستكمال تحضير يوم العروض، بينما قدرت نورا أن نائل الآن لابد في مكتبه الصغير الزجاجي ذي المترين في مترين شأن الشركات الناجحة -عكس الشركات الفاشلة التي لها مكاتب ضخمة وعند أصحابها مديرون للمكتب وسكرتارية وأوفيس بوي- سيفتح اللاب توب ويداري وجهه فيه مدعيًا العمل، في حين أنه سيتصل بنادية شاكر للمرة الألف ليسأل: هل ظهر طارق لتجيبه لا. أو يتصل للمرة المليون بطارق نفسه وهو يعرف أنه لن يرد. نورا تفكر أن نائل لم يتخيل أنه سيعيش لحظة فانتازية كهذه التي يعيشها. ترغب في الكلام معه لكنها لن تأمن العواقب. سينفذ تهديده بالفصل لا محالة. كانت تحبه لكنها الآن خائفة. أما نائل رضوان -وعندما ألقى بكوب قهوته الورقي وخرج من ركن الكرواسون- فقد وصل إلى المصعد وكان غير متيقن من بقاء صديقه طارق شاكر على قيد الحياة، على العكس، كان يقول لنفسه:
-إن هي إلا مسألة وقت حتى تظهر جثته.