لخّصلي

ماهية التحليل والنقد الفنى المسرحى
لا شك في أن التحليل والنقد الفني هي عمليات تقوم على أسس فلسفية بدأت مع الفلاسفة وخصصـوا لـهـا، واحـدا مـن مباحث الفلسفة الثلاثة هـو مبحث الجمـال ووضعوه إلى جانب المبحثين الفلسفين الآخرين وهما مبحث الوجود ومبحث الحق.
وقد ظهر علم الجمال على يد سقراط حين تساءل سقراط (موجها الحديث إلى تلميذة
هبياس) ماذا عسى أن يكون الجمال؟
فأجابه تلميذه بأن عدد له الأشياء الجميلة. فلم يجد سقراط بدا من أن يلفت نظر
تلميذه إلى أنه لم يكن يسأل عن الجزئيات التي تنطبق عليها صفة الجمال، وأنـه كـان
يقصد من وراء سؤاله معرفة ماهية ذلك المدرك الكلى الذي نسميه الجمال.
وجاء الفلاسفة من بعد سقراط إلـى اليـوم وأولو الفلسفة الجمالية الكثير من
عنايتهم وقدموا لنا العديد من النظريات القيمة في تفسير ماهية الفن وشرح صلته
بالواقع وتحليل طبيعة العمل الفني ودراسة نوعية الحكم الجمالي وعلاقة الفن بالمجتمع
والوظيفة التربوية للفن وعلاقة الفن بالأخلاق أو العلاقة بين الجميل والجليل وغيرها
من القضايا الفلسفية والفنية. لذلك نرى مفكرنا الكبير الدكتور زكي نجيب محمـود
يصنف مدارس التحليل والنقد باعتبارها اصـداء للمذاهب الفلسفية الكبرى في تاريخ
الفكر الإنساني حيث يرى أن:
1- المدرسة الكلاسيكية مردها إلى النظرية الأرسطية في المادة والصورة.
٢- المدرسة التكعبية مردها إلى النظرية الفيثاغورثية في الفلسفة.
3- المدارس التجريدية مردها إلى النظرية الأفلاطونية في المثل.
4- المدارس التعبيرية والسيريالية مردها للتحليل النفسي للشعور واللا شعور.
المدارس الشكلية مردها إلى المدارس الجمالية الحديثة التي نادت باستقلال
الفن في عالم ثالث قائم بذاته بين الطبيعة والذات.
ومن خلال كشف هذه الجذور الفلسفية لعمليات التحليل والنقد الفنى يمكن أن
نمیز بسهولة بين التحليل باعتباره عملية كشف عن طبيعة العمل الفني، والنقد باعتباره
التحليل والنقد المسرحي
عملية اصدار الحكم الجمالي على العمل الفنى ومن ثم يمكن وضع التعريفات الأولية
التالية. لكل من التحليل والنقد الفني:

• التحليل الفني: هو عملية كشف عن طبيعة العمل الفنى بها ومدى التزامه أو
  عـدم التزامهـا ومبـررات هـذا الالتزام أو عدمـه. وطريقـة صـياغته للعمـل وترتيبـه
  لعناصره، وكيفية المزج بين الشكل والمضمون في العمل الفني.


• النقد الفني: هو معيار يعرف به الجودة الفنية ويقيسها، وهذا المعيار قد يكون
  هو(( مشـابهة الواقع)) أو ((النبـل الأخلاقي)) أو ((القـوة الانفعاليـة)). وبـدون هذه
  المعايير لا يستطيع الناقد أن يدعم حكمه وبدونها أيضاً لا نستطيع أن نفهم نحن السبب
  في اصداره هذا الحكم، ويشير هذا التعريف إلى معايير مختلفة للحكم على العمل الفني
  وهو ما يدفعنا للحديث عن أنواع النقد.

أنواع النقد:
هنـاك تقسيمات كثيرة لأنواع النقد
وأحـد لأنواع النقد الفني الذي قدمه كبير أساتذة النقد في القرن العشرين وهو (جيروم ستولنيتز)
وقسم النقد الفني إلى الأنواع التالية:
1 ـ النقد بواسطة القواعد:
يتم نقد العمل الفني بواسطة القواعد من خلال عرضه على معايير للقيمـة
تساعد في فحص خصائص العمل ذاته، ويستطيع الناقد أن يدافع بها عن تقديره للعمل
من خلال إثباته كيف تؤدي هذه الخصائص إلى جعل العمل جيداً وبأى الدرجات تؤدى
إلى ذلك لذا فلابد أن يكون لديه قواعد للحكم على درجة جودة العمل من خلالها.
٢-النقد السياقي:
هو ذلك النوع من النقد الذي يبحث في السياق التاريخي والاجتماعي والنفسي
للفن. حيث يشمل سياق العمل الفني الظروف التي ظهر فيها العمل وتأثيراته في
المجتمع ويشمل بوجـه عـام العلاقات والعلاقات المتبادلة بين العمل وبين الأشياء
الأخرى باستثناء حياته الجمالية. فالإدراك الجمالي يتركز على العمل مأخوذاً على حدة

غير أن العمل إذا ما نظر إليه بطريقة غير جماليـة كـان يوجد في سياق. فقد أبدعه
إنسان كانت له سمات نفسية معينة وكان هذا الإنسان يعيش في مجتمع لابد أن نظمه
وقيمه أثرت في تفكيره وكيانه وكانـت لـه تأثيرات في الحياة الشخصية والاجتماعية،
وللعمل الفنـى تـأثير أخلاقي، كمـا أكـد أفلاطـون وتولستوى فمن الممكن استخدامه
لأغراض الإصلاح الاجتماعي، ومن الممكن أن يغير تفكير جمهوره واتجاهاته.
وهذا النوع من النقد في صوره المختلفة يكاد يكون قديماً قدم النقد الفنى ذاته
فبعض الأعمال الفنية نواتج اجتماعية واضحة لأنها تجسد معتقدات حضارة الفنـان
ورموزها وتعكـس سمات العصر الذي تنتمي إليه وقد ظلت هذه الأعمال منذ أيـام
اليونان تدرس في صلتها بالمجتمع، كذلك فإن تاريخ حياة الفنان هو موضوع الاهتمام
منذ القرن السادس عشر.
غیر أن النقد السياقي لم يمارس على ذلك النطاق الواسع والنجاح الذي مورس
بهما في الأعوام الأخيرة. بل أن ظهور النقد السياقى ونموه قد يكون أبرز تطور في
المائة عام الأخيرة.
وقد تمكن السياقيون من خلال استخدام مفاهيم وأساليب جديدة في النقد من
الإتيان بقدر ضخم من المعلومات عن الفن وطبقوا مناهجهم على الفن الكلاسيكي.
فضلاً عن الفن المعاصر، وألقوا الضوء على وقائع لم يسمع بها أحد من قبل. ففي
الماضـي كـان الفـن نتاجاً للجنـون أو الإلهـام ومـن ثـم كـان الـفـن بمنأي عن الدراسة
الواقعية. أما النقاد السياقيون فينظرون إلى الفن على أنه ظاهرة تجريبية ضمن ظواهر
أخـرى فمن الممكـن أن يـدرس كـمـا تـدرس الظواهر الفيزيائيـة والتاريخ البشري أو
النشاط الاقتصادي ويدل النجاح الذي أحرزته أبحاثهم على صحة مواقفهم.
۳ـ النقد الانطباعي:
يقول أنتول فرانس في عبارة مشهورة له ملخصاً سمات النقد الانطباعي الذي
جاء رداً على الموضوعية والعلمية الشديدة التي بالغ فيها النقاد السياقيون قائلاً." إن
الناقد الجيد هو الذي يروى مغامرات روحـه بين الأعمال الفنية الكبرى وهو يسجل
إلا بالمصادفة البحتة.
التحليل والنقد المسرحي
ويصف تلك الأفكار والصور والأحوال النفسية والانفعالات التي يثيرها فيه العمل
الفني "فالناقد الانطباعي في استطاعته أن يطلق العنان لخياله وانفعالاته أثناء مشاهدته
للعمل الفني، وليس من الضروري أن يقتصـر نقـده علـى مـا هـو في العمل الفنـى
ويستمتع بالحرية في تعامله مع العمل الفني؛ لأن الانطباعية ترفض الوظائف المألوفة
للنقد. إذ أن المهمة الأولى للناقد ليست إصدار حكم على العمل أو تفسيره للقارئ بل أن
النقد ليس له غرض وراء ذاته وهو كالفن سبب وجود ذاته.
فالانطباعية بذلك لا تضع حدوداً لما يقوله الناقد. ففي استطاعته أن يتحدث
عن أي شئ وكل شئ.

4 - النقد القصدي:
لو كنا ننشد تفسيراً لما هو متضمن في العمل لما استطعنا أن نحصل عليه منه
وبالفعل فإننا لا نستطيع أن نتوقع منه تقديراً معقولاً منظماً للعمل الفني.
جـاء هـذا النـوع مـن النـقـد كـرد فـعـل طبيعي على مبالغـات النقـاد السياقيين
والانطباعيين في الابتعاد عن العمل الفني واهتمامهم بالتاريخ وعلم الاجتماع، لذلك
وجاءت هذه المدرسة لإعادة الانتباه إلى العمل الفنى ورأى أصحابها أن أفضل طريقة
لتحقيق ذلك هي أن نهتم بمقصد الفنان وهنا يصبح السؤال النقدي الرئيسي هو : ما
الذي حاول الشاعر أن يفعله وكيف حقق مقصده؟ وبذلك يكون النقد القصدي دعوة إلى
التعاطف الجمالي مع الفنان وهو يحذرنا من تأمل العمل بروح غريبة عن روح الفنـان وتحول بين الناقد والبحث عن أمور غير مطلوبة في العمل الفني.
والقصد كما يراه نقاد هذا الاتجاه لفظاً نفسياً يشير الى حدث في ذهن الفنان فهو الفكرة التي كانت لديـه قبل الإبداع الفني وأثناءه عن العمل النهائي الذي أراد إنتاجه.
وبعبارة أخرى فإن القصد هو هدف نشاط المبدع كما تخيلـه. ويكون النقد القصدي ذا فائدة كبيرة عندما يحكـم الناقـد بـأن العمـل لـم يحقق المقصـود منـه إذ قـد يتضمن العمل شواهد واضحة على نوع الهدف الذي يريد الكاتب أن يصل إليه.

يفترض أن هدف العمـل أن يكـون ضخماً أو ملحميـاً أو أن العمـل يحـاول أن يكـون
عميقاً. ونراه يتظاهر بالعمق فحسب وبدلاً من أن يكون مثيراً لمشاعر قوية نراه يثير
انفعالات سطحية فحسب وفي هذه الحالة يكون تحليل عناصر العمل ضرورياً.
4-النقد الجديد أو النقد الباطن:
لخص ماثيو ارنولد توجهات النقد الجديد في عبارة مركزة تصلح أن تكون
شعاراً لهذا الاتجاه النقدي الذي يعتبر من أهم انجازات القرن العشرين في مجال النقد
الفني وهذه العبارة هي: أن النقد الجديد هو رؤية الشئ في ذاته كما هو بالفعل: فأنصار
حركة النقد الجديد يحاولون تركيز اهتمامهم على الطبيعة الباطنة للعمل الفنـي وحـده
وهذا يؤدي بهم إلى تجنب كل ما يقع خارج العمل فمن الواجب في رأيهم حصر
الاهتمام في القصيدة من حيث هي قصيدة. فالناقد الجديد يحترم فردية العمل ويبحث
عما هو مميز في العمل وما يفرق بينه وبين الأعمال المماثلة.
والنقاد الجدد يعطون الاهتمام الأكبر في عملهم للجانب التفسيري في النقد
على حساب الجانب التقديرى. فهم يسعون قبل كل شئ إلى تفسير معظم الكتابات
النقدية في شكل مزيج من واحد أو أكثر من الأنواع النقدية.

ما المقصود بالمذاهب النقدية؟
يشير محمد مندور إلى أن فكرة المذاهب الأدبية بدأت تعرف طريقها للظهور
في بدايات عصر النهضة، حيث لم تعرف العصور القديمة ولا العصور الوسطى أي
نوع من التقسيم المبني على أسس مذهبية متنوعة، وربما بدأنا نجد مثل تلك التقسيمات
في عصر النهضة، وترصد لنـا عمليات البحث التاريخي أن المذاهب الأدبية حالات
نفسية عامة ولدتها حـوادث التاريخ، وملابسات الحياة في العصور المختلفة، وجاء
الشعراء والكتاب والنقاد فوضعوا للتعبير عن هذه الحالات النفسية أصولاً وقواعد
يتكون من مجموعها المذهب، أو ثاروا على هذه القواعد والأصـول لكى يتحرروا
منها، وبذلك خلقوا مذهباً جديداً.
الأفراد.
إذن يمثل المذهب في البداية موجـة شكلتها مجموعة من العوامل قد يكون
السبب فيها ظروف تاريخية، كما حدث مع نمو الطبقة الوسطى وظهور الواقعية لتعبر

قواعد التحليل عند الكلاسيكيين:
عن مشكلات وطبائع هذه الطبقة أو بتأثير من ظهور موجة أو صيحة في الكتابة أو
في اتجاه اهتمامات الأفراد والجماعات الأدبية، جعلت من الصعب على كتاب هذه المرحلة أن يستمروا على نفس النمط، ومن ثم انتهوا بوضع الأسس والمعايير التي تميز مذهبهم أو تبرر لوجودهم وانتمائهم له.