لخّصلي

يُناقش النصّ كتابات المهاجر الفرنسي بونالد، المُؤيّدة لعودة الملك الشرعي لويس الثامن عشر، ورؤيته للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها نموذجًا لـ"الإنحلال" نتيجة لِفَرديّةِ نظامها السياسيّ الذي يفتقر إلى الأساس الطبيعيّ والدينيّ. يُقارن النصّ بين بونالد وميستر، مُشيرًا إلى أن كليهما كتب دفاعًا عن الملكية وتسامحها، وأن بونالد، على الرغم من عدم امتلاكه لِخَلفية أكاديمية واسعة، قد أبدى نقدًا قاسياً لِـروسو ومونتسكيو، مع وجود بعض التقارب الفكريّ مع روسو رغم اختلافاتهما الجوهرية. يُركّز بونالد على أهمية الدين الكاثوليكي كأساسٍ للسّلطة والواجبات في النظام السياسيّ، مُعارضًا الفردية وَاللادينية في النظام الجمهوريّ الأمريكيّ، وَ مُؤكّدًا على أنّ نظامه السياسيّ مستمدّ من "الطبيعة" و"التاريخ"، وهما تعبيران عن إرادة إلهية. يُعتبر بوناد أنه لا يُقدّم نظامًا سياسيًّا جديدًا بقدر ما يُعيد إحياء مبادئ طبيعية ودينية كأساس لِلمجتمع والسّلطة.

لقد كتب بونالد ، المهاجر الفرنسي ، مثل ميستر ، المهاجر من مقاطعة ساقوا ومواطن مملكة سردينيا ، من أجل المساعدة في عودة الملك الشرعي لفرنسا ، الملك الذي سيعرف باسم لويس الثامن عشر . إن عودة (( ملك فرنسا )) الذي يعرف مصادر الشرور التي تعاني منها بلادهٍ، سيضع حداً لهذه الشرور . إن هذا الملك سيكون السلطة المحافظة على فرنسا ، لأنه يعرف الدستور : فهو الذي سبر غور أسسه ودخل لأسراره .
وهذه العودة ستكون بلا كراهية ، ومغمورة بالتسامح والنسيان : النسيان الذي سيسري بين كل الملكيين المخلصين الذين لن يستطيعوا ، هم أيضاً ، إلا أن يسامحوا لأنه لن يكون هناك (( من يجرؤ على الإنتقام عندما يسامح الملك )» (1) .
وينظر المهاجر بونالد للولايات المتحدة الفتية بعين لا تقل حذراً ونقداً عن عين المهاجر ميستر . فهذه الجمهورية ، (( الإِبنة العزيزة للفلسفة )) ، التي يعتقد (( المتحمسون )) بأنها خالدة لأنها استمرت مدة خمس عشرة سنة ، ليست إلاَّ في مرحلة البداية . إن شكل الحكم الذي تبنته هو بأسره من عمل الإِنسان ( ( فليس فيه شيء من الطبيعية )) ) ، ولهذا فإنه ليس هناك مجال لاستغراب التقدم الكبير الذي حققه باتجاه (( الإِنحلال)) . إن كل ما فيه فردي ( فالعبادة تُرِكَت لكل فرد بحيث يمارسها كما يحلو له ؛ والسلطات قُسِّمت نتيجة احتقار مبدأ الوحدة الأساسي ؛ والتمايزات الإجتماعية ألغيت شكلياً ) وليس فيه أي شيء (( إجتماعي )) . إن المؤَلَّف يريد من هذا الوصف المُحَقِّر أن يوازي بين الولايات المتحدة وفرنسا الجديدة : (( إن فرنسا تنتصب كدولة ديمقراطية ، وترتفع ، بلحظة ، إلى أعلى مرحلة من مراحل الإنحلال التي يمكن لمجتمع
ما أن يبلُغها ))(2) !
وعندما بلغ الأربعين من العمر ، ولم يكن قد فكر أبداً قبل ذلك بالكتابة ، قرر بونالد أن يَشنّ بريشته حربا على المذاهب الضارة ، ولم يكن هناك (كما قال ) تحت تصرفه ، في هايد لبرغ حيث كان يقيم مع ولديه الكبيرين ، إلا كتابي تاسيت (Tacite) و (( التاريخ العالمي )) لبوسييه . ولهذا كان عليه أن يسعى لإستعارة كتابي ((روح القوانين » و ( العقد الإِجتماعي » . ولقد كانت ردود فعله على هذه الكتابين ، اللذين كان يعتبرهما بمثابة (( خلاصة لكل السياسة القديمة والحديثة )) ، متميزة إلى حد كبير حيث ألهمه كل منهما بلا شك نقداً قاسياً . ومع ذلك فقد تكشَّف عبر هذا النقد ، وبشكل غريب ، نوع من القرابة الفكرية مع روسو ، بالرغم من التباعد الجذرى بينهما حول مفهوم مقر الإرادة العامة وديالكتيك السيادة . أما مع مونتسكيو فلم يكن هناك بالعكس أي قرابة في كل ما كانٍ يفصل بين مؤلفنا وكل من ميستر وبيرك . لقد كتب الإثنان ، روسو وبونالد ، ظاهرياً ، عن المبادئ ؛ وكانت مؤلفاتها مُكرّسة على حد سواء لما يجب أن يكون وليس لما هو كائن : وهنا نذكر النقد الذي وجهه روسو إلى مونتسكيو في كتابه (( أميل » : (( ولكنه لم يقو على معالجة مبادئ الحق السياسي »(1) .
ما الذي يجب ، بدقة ، أن يكون ، برأي بونالد ؟ ما هي الخطوط الكبرى لنظامه ، ما هي العناصر المكونة (( للكتلة » المضادة للثورة التي بناها بصبر وثقل وصلابة ؟
الخطوط الكبرى
تنبغي الإشارة ، بشكل منطقي جداً ، إلى أن بونالد لم يَدَّعِ أنه اقترح نظاماً ،
وقال : ها هو نظامي ؛ وإنما ( تجرأ على قول : ها هو نظام الطبيعة في تنظيم المجتمعات السياسية ، كما استخلص من تاريخ هذه المجتمعات ) . ٥
هكذا يخفي بونالد بتواضع ذاته
خلف هذه الكيانات الكبرى : الطبيعة والتاريخ . إلَّا أن هذه لم تكن ، من جهة أخرى ، وبموجب مُسَلَّمة ينبغي ألَّ تغيب أبداً عن البال ، إلاَّ أدوات الإرادة الإِلهية وتعبيراتها ، وأنها لا تساوي شيئاً إِلاّا لأنها كذلك . وقد نجم عن هذه الُمُسَلَّمة نظرية في المجتمع ، وأخرى في السلطة . وتعتبر هاتان النظريتان تحدياً رصينا لروح الأنوار والثورة ، ورفضاً هادئاً وعنيداً لكل تنازل أمام المجتمع الفردي الحديث ، والسلط الدستورية الحديثة(2) .
الدين أولاً ؛ يقرر بونالد بشدة أنه ، عند الكتابة في السياسة ، يجب دائماً العودة
للدين : (( لقد اعطيت الوصايا العشر للمجتمع وللإنسان ، وفي السياسة كما في الدين » . وليس هناك من فضائل عامة بدون بواعث دينية : (( إن الدين هو مثل سلامة المناخ » . إن اللّه هو خالق كل القوانين الطبيعية )) . والإنسان لا يستطيع أن يؤثر في شيء على الإنسان إِلاَّا بواسطة اللّٰه ، ولا يدين في شيء للإنسان إلاَّ من أجل اللّه . إن أي مذهب آخر لا يقدم أساساً للسلطة ولا سببا للواجبات . إنه يهدم المجتمع بجعله من السلطة عقدا يمكن للإرادة أن تفسخه . وهو يحط من قدر الإِنسان عندما لا يجعل من واجباته إلَّا صفقة بين مصالح شخصية )) .
إن الأمر يتعلق هنا بالتأكيد بالدين الكاثوليكي . فبونالد ، مثل ميستر ، معادٍ