لخّصلي

-  يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَصْدِقَاءِ، تَرَافَقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ في طَرِيقِ وَاحِدَةٍ ... أَحَدُهُمْ أبوه ملك - وهو أمير الثاني تاجر .. الثالث أبوه شريف عُرِفَ ابْنُهُ بِجَمَالِهِ .. أَمَا الرَّابِعُ فَهُوَ ابْنُ حَرَاثٍ كانوا في حاجة إلى مال وزادٍ .. وَقَدْ أَصَابَهُمْ ضَرَرٌ وَجَهْدٌ .. عَاشُوا غُرْبَةً وَحْشِيَّةً، لَا يَمْلِكُونَ مَعَهَا الا ماعليهم من ثياب

ذات يَوْمٍ بَيْمَا هُمْ يَمْشُونَ، يُفَكِّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ .. كانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إِلى طَبِيعَتِهِ الَّتِي تَنزع

إلى فعل الْخَيْرِ.

قال الأمير :

كُلُّ شُؤونِ الدُّنْيَا تَحْضَعُ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ...

وَالَّذِي قُدِرَ عَلَى الْإِنْسَانِ يَأْتِيهِ عَلَى كُلِّ حال.

قال ابن التاجر :

الْعَقْلُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

قال ابن الشريف :

الْجَمَالُ أَفْضَلُ مِمَّا ذَكَرْتُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْحَرَاثِ :لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ. فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْ مَدِينَةٍ جَلَسُوا يَتَشَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. فَقَالُوا لِابْنِ الْحَرَاثِ :

اذْهَبْ فَاكْتَسِبْ لَنَا طَعَامًا بِاجْتِهَادِكَ لِيَوْمِنَا هَذَا. وَسَطَ الْمَدِينَةِ سَأَلَ ابْنُ الْحَرَاثِ أَهْلَهَا عَنْ عَمَلٍ يُكْسِبُهُ طَعَامًا لِأَرْبَعَةِ أَشْخاص.

قَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ :

لَيْسَ لَدَيْكَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنَ الْحَطَبِ. انْطَلَقَ ابْنُ الْحَرَاثِ فَاحْتَطَبَ حُزْمَةً مِنَ الْحَطَبِ، أَتَى بها الْمَدِينَةَ. بَاعَها فَكَسَبَ مَالاً اشْتَرى به لا

ثُمَّ كَتَبَ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ :

عَمَلُ يَوْمٍ وَاحِدٍ يُجْهِدُ فِيهِ الرَّجُلُ بَدَنَهُ قِيمَتُهُ دِرْهَمْ.

ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلى أَصْحَابِهِ الَّذِينَ سَعِدُوا بِالطَّعَامِ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَرِحِينَ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالُوا لِابْنِ الشَّرِيفِ :

هذِهِ نَوْبَتُكَ، انْطَلِقُ لِلْحُصُولِ عَلَى الْعَمَلِ مَا دُمْتَ : تَعْتَبِرُ الْجَمَالَ أَعَزُّ شَيْءٍ.

وفي طريقه إلى الْمَدِينَةِ فَكَرَّ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ : ماذا أفعَلُ فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَا لَا أَحْسِنُ عَمَلاً ؟
وَاسْتَحْيا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَارِغَ الْيَدَيْنِ، فَقَرَرَ مُفَارَقَتَهُمَا، وَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى شَجَرَةٍ عَظِيمَ . مَرَّ أَمَامَهُ رَجُلٌ مِنْ أَشْرافِ . وَبَيْنَمَا هُوَ على حاله هذا، الْمَدِينَةِ - - راقَهُ جَمَالُهُ، وَتَوَسمَ فِيهِ شَرَفَ

الْأَصْلِ، رَقَ لَهُ فَمَنَحَهُ خَمْسَ مِائَةِ دِرْهَم .. وَأَتَى بِالدَّرَاهِم إِلى أَصْحَابِهِ . فَلَمَّا أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَالُوا لابْنِ التَّاجِرِ :

انْطَلِقُ فَاطْلُبْ لَنَا شَيْئاً بِعَقْلِكَ لِيَوْمِنَا هَذَا.
تُجَارُ يُريدون ابتياع ما فيها . جَلَسُوا لِلتَّشَاوُرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : خَرَجَ ابْنُ النَّاجِرِ، فَلَمْ يَزَلْ سَائِرًا حَتَّى بَصُرَ بِسَفِينَةٍ قَدِمَتْ إِلى السَّاحِلِ تَحْمِلُ مَتَاعًا .. خَرَجَ إِلَيْهَا

نَرْجِعُ يَوْمَنَا هَذا لا نَشْتَرِي مِنْها شَيْئاً حَتَّى يَكْسُدَ الْمَتَاعُ عَلَى تُجَارِها ؛ فَيُرْخِصُوهُ عَلَيْنَا مَعَ

احتياجنا إِلَيْهِ.

2 - وَخالَفَ ابْنُ التاجر الطريق، وَجاءَ إلى أصحاب السَّفِينَةِ فَابْتَاعَ مِنْهُمْ مَا فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَم إِلى أَجَلٍ، فَلَمَّا شَاهَدَ التَّجَارُ ذَلِكَ خافوا أَنْ يَذْهَبَ الْمَتاعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَأَرْبَحُوهُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِائَةَ أَلْفِ

درهم.منح ابن التاجر النجار ما له حَمَلَ رِيحَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ .. ثُمَّ كَتَبَ على باب المدينة : عَقْلَ يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَمَنْهُ مِائَهُ أَلْفِ دِرْهَم

وَفِي الْيَوْمِ الرابع قالوا للأمير : انْطَلِقُ وَاكْتَسِبْ لَنَا مَالاً بِقَضَائِكَ وَقَدَرِكَ.

خرَجَ الأمير حتى أتى إلى باب المدينةِ فَجَلَسَ قُرْبَ بَابِهَا، وَاتَّفَقَ أَنَّ مَلِكَهَا مَات فَلَمْ يُخَيْك وَلَدا از

أَحَداً مِنْ أَهْلِهِ يَخْلُقُهُ. مروا على الأميرِ بِجَنَازَةِ الْمَلِكِ، وَهُمْ فِي حُزْنٍ عظيم، فَلَمْ يُحْزِنُهُ وَضْعُهُمْ أَذْكَرُوا حالَهُ ، شَتَمَهُ .

الْبَوَابُ وَ قَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ يا هذا ؟ ماذا يُجْلِسُكَ عَلى باب الْمَدِينَةِ وَلا نَرَاكَ تَحْزَنُ لِمَوْتِ الْمَلِكِ ؟ لزم الأميرُ الصَّمْت ... طَرَدَهُ الْبَوَابُ ... فَلَمَّا ذَهَبوا، عادَ فَجَلَسَ مَكَانَهُ .. وَعِنْدَ . رجوعِهِمْ بَصُرَ بِهِ الْبَوَابُ فَقَالَ لَهُ :

ينة باعها فَكَسَبَ مَالاً أَشْتَرَى بِهِ طَعَامًا.

أَلَمْ أَنْهَكَ عَنِ الْجُلُوسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؟ شَدَّدَ عَلَيْهِ ... أَخَذَهُ فَحَبَسَهُ .. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَشَاوَرُونَ فِيمَنْ يُمَلكُونَهُ عَلَيْهِمْ.
اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فَقَالَ لَهُمُ الْبَوَابُ : ان العلاما حالا قرب بَابِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَحْزَنْ لِحُزْنِنَا، كَلَّمْتُهُ، لَمْ يُحِينِي ... طَرَدْتُهُ. فَلَمَّا عُدْتَ

ات جالسا في محافة أن يكون جاسوساً. يَعْتَ أَشْرَافَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْغُلَامِ، فَلَمَّا حَضَرَ سَأَلُوهُ عَنْ حَالِهِ، وَالدَّافِعِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْقُدُومِ إِلَى مَدِينَتِهِمْ

أَجَابَهُمْ : ان الملك مات والدي فَغَلَبَنِي أَخِي عَلَى الْمُلْكِ ... لِذَا هَرَبْتُ مِنْ يَدِهِ حَذَراً عَلَى نَفْسِي حَتَّى

انْتَهَيْتُ إِلَيْكُمْ. ذَكَرَ لَهُمُ الْغُلَامُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِ، فَعَرَفَهُ مَنْ كَانَ يَرُورُ أَرْضَ أَبِيهِ مِنْهُمْ أَثْنَوْا عَلَيْهِ وَعَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ اخْتارَ

الأَشْرَافُ مَلِكاً عَلَيْهِمْ وَرَضُوا بِهِ. وَحَمَلَهُ الْأَهْلُ عَلَى فِيلِ أَبْيَضَ، وَطافوا بِهِ أَرْجَاءَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا مَرُوا بِبَابِهَا، رَأَى الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ

يكتب : الاجْتِهَادُ وَالْجَمَالُ وَالْعَقْلُ، وَمَا أَصابَ الرَّجُلُ فِي الدُّنْيا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرِّ إِنَّمَا هُوَ بِقَضاءِ اللَّهِ وَقَدَرِي

انْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِهِ فَجَلَسَ إِلَى عَرْشِهِ.

ارسل الى أصحابة  وضم  صاحب الاجتهاد إلى أصحاب الزَّرْعِ، وَأَمَرَ لِصاحِبِ الْجَمَال بِمَال كَثير، ثُمَّ نفَاهُ كَيْ لَا يُفْتَتَنَ بِهِ، ثُمَّ جَمَعَ الْعُلَمَاءَ وَأَصْحَابِ الرَّأْي فَقَالَ لَهُمْ : امامي أصحابي . قَدْ تَيَقنوا أن الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الْخَيْرِ إِنَّمَا هُوَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.