لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

المسؤولية الطبية بعد الإسلام:
إن المستند الرئيسي لفقهاء الشريعة الإسلامية في تحديد مسؤولية الطبيب هو الحديث النبوي الشريف، وهو ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه الأخير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن"[5]. وفي رواية لأبي نعيم "من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن". وأنه ليس من أهله كتعلم وتشجع وتصبر ونظائرها[6]. وإن لم يكن من أهل المعرفة، فعليه الضرب والسجن والدية، قيل في ماله وقيل على العاقلة"[7]. والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعدّ. فإذا تولد عن فعله التلف ضمن الدية وسقط القَوَد[8] لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته"[9]. لقد نقل ابن قيم الجوزية هذا القول في كتابه الطب النبوي ثم فصّل فقال: قلت الأقسام خمسة:
أحدها: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون من جهة الشارع ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة، فتلف العضو أو الصبي لم يضمن. وكذلك إذا بطّ[10] من عاقل أو غيره ما ينبغي بطّه في وقته على الوجه الذي ينبغي فتلف به لم يضمن، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها. فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن. ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث، فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرّ العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك. والحديث ظاهر فيه أو صريح. القسم الثالث: طبيب حاذق أذن له وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة [11] فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت الثلث فما زاد فهو على عاقلته، وقيل إن كان الطبيب ذميا ففي ماله، فإن لم يكن بيت المال أو تعذر تحميله فهل تسقط الدية؟ أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان، أشهرهما سقوطها. القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء، القسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، فقال بعض أصحابنا يضمن لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه. وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي أو المجنون لم يضمن[13]. بالنظر إلى ما سبق ومما ذكره ابن قيم الجوزية في هذا المجال فإنه يمكن القول أن هناك إجماعا على عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله لنتائج ضارة فيما إذا توافرت الشروط الآتية:
أولا- أن يكون طبيبا عن معرفة ودراية لا عن زعم وادعاء، ولا يفيد أن تكون له شهرة لا تستند إلى خبرة حقيقية. ثانيا- أن يأتي الفعل بقصد العلاج وبحسن نية (أو بقصد تنفيذ الواجب الشرعي). فإن العبرة كما يقول أهل العلم بعموم النص لا بخصوص السبب، فيؤخذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام أن كل ممارسة طبية تتحقق فيها الشروط التي ذكرناها للضمان،
ومما يجدر ذكره أنه بالرغم من إجماع الأطباء العرب القدامى والفقهاء على رفع المسؤولية عن نتائج فعل الطبيب حين توافر الشروط السابقة، إلا أنه اختلفت وجهات نظرهم في تعليل نفي المسؤولية، لا سيما عندما يقترن ذلك بالإذن. ويرى البعض أن العلة هي الإذن في صورته المزدوجة المركبة من إذن الحاكم بممارسة المهنة وإذن المريض بأداء ما تقضي به من أعمال[14]. وخاصة بعد انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وقد ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته. ولا للرجال دواء يقطع النسل، فمن وجده فيما امتحنه به عارفا بتشريح العين وعدد طبقاتها السبع، وعدد رطوباتها الثلاث، لقد كان الطبيب العربي سنان بن ثابت يمتحن الأطباء والجرائحيين والكحالين والصيادلة. وسوء ممارسة الطب وأخطاء الأطباء. وقد جاء في نهاية كتابه: "إن كحالي الطرقات لا يوثق بأكثرهم، ولا ينبغي لأحد أن يركن إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وشيافاتهم". المسؤولية الطبية من الوجهة الفقهية:
واتفقوا على أنه لا ضمان على الطبيب ومن في حكمه من ممرضين وفنيين ونحوهم إذا ما روعيت الشروط التالية[22]:
أولا- أن يكون من ذوي المعرفة في صناعة الطب. وهو ما يعبر عنه حاليا بالحيازة الرسمية للشهادات العلمية التي تثبت دراسته للطب.
كل حسب تخصصه. ويوكل طبيبا آخر للقيام بمهامه. وهذه الشروط هي:
وهذا ما يعني اليوم الحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب وفق تخصص معين وذلك من جهات معنية وهي غالبا ما تكون وزارة الصحة. 4- عدم وقوع الخطأ الفاحش من الطبيب. فالخطأ الفاحش قد يختلف في تقديره من بلد لبلد ومن شخص لآخر، فما يعتبر خطأ فاحشا عند البعض قد يعتبر غير فاحش أو حتى قضاء وقدرا عند البعض الآخر. وكثيرا ما يختلف أهل نفس الاختصاص في تقدير ذلك. المسؤولية الطبية في الممارسات الطبية الحديثة:
لابد لكي تقع المسؤولية الطبية على الطبيب من تحقق شرطين؛ وفي الممارسة الطبية الحديثة لا تصح المطالبة بتعويض عن الضرر الحاصل إلا إذا قام الطبيب بعمله دون أن يكون له حق بذلك أو يكون قد انتهك حرمة القوانين المرعية بهذا الشأن أو أنه تجاهل الالتزامات التي قيد نفسه بها. إن ما يطلب من الطبيب هو أن يقدم لمريضه العناية اللازمة حسب ما يقتضيه الوجدان والعلم، فقد يتهم بالتقصير لعدم لجوئه إلى أساليب حديثة ذكرها علم الطب، وهكذا نرى الطبيب المحافظ كالطبيب المقدام كلاهما عرضة للانتقاد والنقد من الناحية الفنية. كما قد يتهم الطبيب أحيانا بعدم التبصر وبالإهمال وعدم الروية وغير ذلك من أمور عامة ليست خاصة بالطب والأطباء[24]. أولا- المداخلات الطبية الاستثنائية بدون أخذ موافقة المريض:
يعتقد بعض الجراحين أن لهم ملء الحق بإجراء أي تداخل يوصل مريضهم إلى الشفاء. ويزعم بعضهم إمكانية إجراء هذا التداخل على الرغم من ممانعة المريض أحيانا. إلا أنه وكما لاحظنا من خلال شروط انتفاء مسؤولية الطبيب حال وقوع الضرر هو تفويض المريض بإجراء العلاج دوائيا كان أو جراحيا. ويستثنى من ذلك التفويض حالتان[25]:
الحالة الأولى: وهي الحالات الخطرة التي تهدد حياة المريض بالموت، أو تهدد بتلف عضو من أعضائه، ويكون فيها فاقدا للوعي أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه، ولا يكون ولي الأمر حاضرا لأخذ الإذن. ويدخل ضمن هذه الحالة أيضا في حالات كون المريض مخدرا من أجل عملية معينة، الحالة الثانية: الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة، ثانيا- رفض الطبيب تقديم العلاج لمريض ما:
ليس هناك ما يرغم الطبيب على العمل إلا إذا كان مصادرا لجهة ما، فعليه أن يعمل لصالح تلك الجهة ويعالج كل مرضاها. أما إذا تقاعس عن الاستمرار بزيارة مريض تبنى علاجه مسبقا، فإذا تقاعس عن ذلك ودون عذر مبيح ونجم عن ذلك ضرر أصاب المرأة عندها يعتبر الطبيب مسؤولا. كأن يكون المريض مهملا لتعاليم الطبيب، أو أن يكون ذووه متقاعسين عن تنفيذ ما يطلب منهم لمصلحة المريض. ثالثا- هجر المريض:
مؤاخذا على إهمال المريض الذي عدت زيارة الطبيب الأولى له أو زيارته للطبيب بمثابة ارتباط أو عقد بينهما. ونفس الأمر ينطبق أيضا على التزام الطبيب بطبابة جماعة من الناس، رابعا- الإنابة ومسؤولية الطبيب الأصلي والطبيب العوض:
يجوز للطبيب عند تعذر استمراره في معالجة مريض ما لسبب أو لآخر أن ينيب عنه طبيب آخر ومن نفس اختصاصه. وينظر المريض وذووه عادة إلى الطبيب العوض نظرة فيها شيء من التردد والريبة، فإذا حدث أثناء سير المرض اختلاط ما عزي ذلك إلى تبديل الطبيب، في الحقيقة لا يترتب على الطبيب الذي أناب عنه زميلا له يحمل نفس المؤهلات أي مسؤولية في حالة إصابة المريض بضرر ما، بل هو بديل عنه. خامسا- الخطأ في التشخيص:
أما إذا أهملها دون ما سبب معقول فيعتبر عند ذلك مسؤولا عن الخطأ في التشخيص. ويجب الإشارة هنا إلى أن علم الطب هو علم لم يكتمل بعد، وعليه فإنه تقتصر محاسبة الأطباء على الأصول العلمية الثابتة، فلا يصح أن يسأل الطبيب عن أمر مختلف عليه فنيا، كما في حالات اللجوء لبعض الإستقصاءات التشخيصية لتأكيد المرض، والتي قد تكون صعبة المنال في بعض الأمكنة، سادسا- مسؤولية الخطأ في تحرير الوصفات:
يطلب من الطبيب عند كتابته لأي وصفة طبية أن تكون الكتابة واضحة؛ فقد حدث في كثير من الأحيان أن أعطي المريض دواء غير الدواء الذي كتبه الطبيب. إذا نجم نتيجة ذلك أي ضرر للمريض يعد الصيدلاني هو المسؤول. سابعا- المسؤولية عن توابع العملية الجراحية:
وذلك إذا ثبت أنه لم يهمل في تقديم كل الأساليب والوسائل الفنية والحديثة المتوفرة. ويعتبر كل من طبيب التخدير والجراح كلاهما مسؤولين عن المريض في كل مراحل العملية، أو أن يسقط المريض من طاولة نقل المريض قبل أن يصحو فيصاب بأضرار بليغة.


النص الأصلي

المسؤولية الطبية بعد الإسلام:
إن المستند الرئيسي لفقهاء الشريعة الإسلامية في تحديد مسؤولية الطبيب هو الحديث النبوي الشريف، وهو ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه الأخير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن"[5]. وفي رواية لأبي نعيم "من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن".
وقد قال ابن القيم الجوزية في كتابه الطب النبوي: وقوله صلى الله عليه وسلم: "من تطبب" ولم يقل من طبّ لأن لفظ التفعيل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بعسرة وكلفة، وأنه ليس من أهله كتعلم وتشجع وتصبر ونظائرها[6].
ولقد لخص ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد الحكم الفقهي المتعلق بالمسؤولية الطبية فقال: "وأما الطبيب وما أشبه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس والدية على العاقلة (يعني العصبة) فيما فوق الثلث، وفي ماله فيما دون الثلث. وإن لم يكن من أهل المعرفة، فعليه الضرب والسجن والدية، قيل في ماله وقيل على العاقلة"[7].
وقال الكحال بن طرخان في كتابه الأحكام النبوية: قال الخطابي: "لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا، والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعدّ. فإذا تولد عن فعله التلف ضمن الدية وسقط القَوَد[8] لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته"[9].
لقد نقل ابن قيم الجوزية هذا القول في كتابه الطب النبوي ثم فصّل فقال: قلت الأقسام خمسة:
أحدها: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون من جهة الشارع ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة، فهذا لا ضمان عليه اتفاقا فإنها سِرايةُ مأذون فيه. وهكذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنه قابل للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو أو الصبي لم يضمن. وكذلك إذا بطّ[10] من عاقل أو غيره ما ينبغي بطّه في وقته على الوجه الذي ينبغي فتلف به لم يضمن، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها.
القسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن. ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث، فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرّ العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك. وإن ظن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته، ضمن الطبيب ما جنت يده. وكذلك إن وصف له دواء يستعمله والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به ضمنه، والحديث ظاهر فيه أو صريح.
القسم الثالث: طبيب حاذق أذن له وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة [11] فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم يكن عاقلة فهل تكون الدية في ماله؟ أو في بيت المال؟ على قولين هما روايتان عن أحمد. وقيل إن كان الطبيب ذميا ففي ماله، وإن كان مسلما ففيه الروايتان؛ فإن لم يكن بيت المال أو تعذر تحميله فهل تسقط الدية؟ أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان، أشهرهما سقوطها.
القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء، فأخطأ في اجتهاده فقتله. فهذا يخرج على روايتين: إحداهما أن دية المريض في بيت المال، والثانية أنها على عاقلة الطبيب. وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام والحاكم.
القسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، فقطع سلعة[12]، من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف، فقال بعض أصحابنا يضمن لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه. وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي أو المجنون لم يضمن[13].
بالنظر إلى ما سبق ومما ذكره ابن قيم الجوزية في هذا المجال فإنه يمكن القول أن هناك إجماعا على عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله لنتائج ضارة فيما إذا توافرت الشروط الآتية:
أولا- أن يكون طبيبا عن معرفة ودراية لا عن زعم وادعاء، ولا يفيد أن تكون له شهرة لا تستند إلى خبرة حقيقية.
ثانيا- أن يأتي الفعل بقصد العلاج وبحسن نية (أو بقصد تنفيذ الواجب الشرعي).
ثالثا- أن يعمل طبقا للأصول الفنية التي يقررها فن الطب وأهل العلم به، فما لم يكن كذلك فهو خطأ جسيم يستوجب المسؤولية.
رابعا: أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامه كذوي المريض أو الوالي.
وبالرغم من أن الحديث النبوي الشريف الذي ذكر آنفا يشير إلى صورة محددة من صور المسؤولية الطبية، وهو مزاولة المهنة دون تأهيل، فإن العبرة كما يقول أهل العلم بعموم النص لا بخصوص السبب، فيؤخذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام أن كل ممارسة طبية تتحقق فيها الشروط التي ذكرناها للضمان، فإنها تقع تحت المسؤولية ويحاسب عليها من ارتكبها.

ومما يجدر ذكره أنه بالرغم من إجماع الأطباء العرب القدامى والفقهاء على رفع المسؤولية عن نتائج فعل الطبيب حين توافر الشروط السابقة، إلا أنه اختلفت وجهات نظرهم في تعليل نفي المسؤولية، وهذا يدل على التقدير الخاص لشأن هذه المهنة وخطورتها في آن واحد. فبعضهم يرى أن العلة هي الحاجة إلى ممارسة المهنة في جو يشجع الأطباء على أدائها، لا سيما عندما يقترن ذلك بالإذن. وبعضهم يرى أن العلة بالإضافة للإذن أن الغرض من الفعل هو قصد العلاج لا الضرر، والقرينة على هذا القصد وقوعه موافقا للأصول الفنية. ويرى البعض أن العلة هي الإذن في صورته المزدوجة المركبة من إذن الحاكم بممارسة المهنة وإذن المريض بأداء ما تقضي به من أعمال[14].

ولما ازداد عدد الأطباء والصبادلة الممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية والإسلامية، خصوصا في العصر العباسي، كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وخاصة بعد انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسبة، وقد ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته. وكان رئيس الأطباء وقتئذ يتعهد أمام المحتسب أن لا يتساهل في شؤون مراقبة أعمال الأطباء، وأن يأخذ عهد أبقراط بأن لا يعطوا دواء فتاكا، وأن لا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة، ولا للرجال دواء يقطع النسل، وأن يغضوا من أبصارهم عن المحارم عند دخولهم بيت المرضى، وأن لا يفشوا أسرار ما يرونه فيها[15].
وقد كان الأطباء يخضعون لامتحان قبل السماح له بمزاولة المهنة. فكان الكحالون[16] مثلا يمتحنهم المحتسب بكتاب حنين بن اسحق[17]، فمن وجده فيما امتحنه به عارفا بتشريح العين وعدد طبقاتها السبع، وعدد رطوباتها الثلاث، وعدد أمراضها الثلاثة، وكان خبيرا بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير أذن له المحتسب بالتصدي لمداواة أعين الناس، وأن لا ينبغي أن يفرط في شيء من آلات صنعته مثل سنانير السبل[18] والظفرة [19]ومحك الجرب ومباضع الفصد ودرج المكاحل وغير ذلك[20].
لقد كان الطبيب العربي سنان بن ثابت يمتحن الأطباء والجرائحيين والكحالين والصيادلة. وقد ذكر الطبيب عبد الرحمن بن نصر الشيزري في كتابه "نهاية الرتبة في طلب الحسبة" كثيرا من مشاهداته فيما يتعلق بأنواع الغش، وسوء ممارسة الطب وأخطاء الأطباء. وقد جاء في نهاية كتابه: "إن كحالي الطرقات لا يوثق بأكثرهم، ولا ينبغي لأحد أن يركن إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وشيافاتهم". وعند الكلام عن الجراحين يقول: "أما الجرائحيون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس المعروف بقطاجنس في الجراحات والمراهم"[21].
المسؤولية الطبية من الوجهة الفقهية:
أدركت المذاهب الفقهية المختلفة طبيعة العمل الطبي وما ينطوي عليه من أخطار ومضاعفات Complications لا يستطيع معها الطبيب مهما أوتي من علم وخبرة أن يتجنبها، لذلك اتجه الفقهاء لرعاية الطبيب والتخفيف عن مسؤوليته عن المضاعفات التي قد تنتج عن عمله، واتفقوا على أنه لا ضمان على الطبيب ومن في حكمه من ممرضين وفنيين ونحوهم إذا ما روعيت الشروط التالية[22]:
أولا- أن يكون من ذوي المعرفة في صناعة الطب. وهو ما يعبر عنه حاليا بالحيازة الرسمية للشهادات العلمية التي تثبت دراسته للطب.

ثانيا- أن يؤذن له بمزاولة المهنة. وهو ما يعبر عنه حاليا بحيازة شهادة مزاولة الطب والتي تمنحها وزارات الصحة، كل حسب تخصصه.
ثالثا- أن يأذن له المريض بمداواته. وهذا الأمر له أهميته خصوصا عندما يتغيب طبيب ما عن مكان عمله، ويوكل طبيبا آخر للقيام بمهامه. ففي مثل هذه الحالة على المريض أن يُعلم بذلك، فهو قد يرفض تلقي العلاج من طبيب غير طبيبه الأصلي، وإلا يعتبر الطبيب الوكيل هنا مسؤولا في حالة وقوع اختلاط ما؛ لأنه لم يؤذن له من قبل المريض بمداواته.
رابعا: أن لا يتجاوز ما ينبغي له في المداواة: كأن يعطي جرعة من الدواء أكبر من المحددة فأدى ذلك إلى تضرر المريض.
لقد أقرت مؤخرا المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، والتي مقرها الكويت، في الدستور الإسلامي للمهنة الطبية شروطا أساسية يمكن معها نفي المسؤولية عن الطبيب في حالة حدوث الضرر، وهذه الشروط هي:
1- إذن الشارع بمزاولة المهنة. وهذا ما يعني اليوم الحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب وفق تخصص معين وذلك من جهات معنية وهي غالبا ما تكون وزارة الصحة.
2- رضاء المريض بالعلاج.
3- قصد الشفاء عند الطبيب.
4- عدم وقوع الخطأ الفاحش من الطبيب. والخطأ الفاحش هو الذي لا تقره الأصول الطبية ولا يقره أهل الفن والعلم[23].
وفي الحقيقة أكثر ما يثير الجدل هو البند الأخير. فالخطأ الفاحش قد يختلف في تقديره من بلد لبلد ومن شخص لآخر، فما يعتبر خطأ فاحشا عند البعض قد يعتبر غير فاحش أو حتى قضاء وقدرا عند البعض الآخر. وكثيرا ما يختلف أهل نفس الاختصاص في تقدير ذلك.
المسؤولية الطبية في الممارسات الطبية الحديثة:
لابد لكي تقع المسؤولية الطبية على الطبيب من تحقق شرطين؛ أولهما وجود الأذى والضرر لدى المريض، والآخر وجود صلة بين الضرر الحاصل والخطأ الطبي الواقع. وفي الممارسة الطبية الحديثة لا تصح المطالبة بتعويض عن الضرر الحاصل إلا إذا قام الطبيب بعمله دون أن يكون له حق بذلك أو يكون قد انتهك حرمة القوانين المرعية بهذا الشأن أو أنه تجاهل الالتزامات التي قيد نفسه بها.
إن ما يطلب من الطبيب هو أن يقدم لمريضه العناية اللازمة حسب ما يقتضيه الوجدان والعلم، ولا يسأل إلا إذا أهمل ذلك. وقد يتعرض الطبيب إلى انتقادات متباينة ومتعاكسة أحيانا، فقد يتهم بالتقصير لعدم لجوئه إلى أساليب حديثة ذكرها علم الطب، كما قد يتهم بالتهور للجوئه إلى أساليب حديثة لم يثبت بعد شأنها. وهكذا نرى الطبيب المحافظ كالطبيب المقدام كلاهما عرضة للانتقاد والنقد من الناحية الفنية. كما قد يتهم الطبيب أحيانا بعدم التبصر وبالإهمال وعدم الروية وغير ذلك من أمور عامة ليست خاصة بالطب والأطباء[24].


صور من المسؤوليات الطبية الحديثة:
أولا- المداخلات الطبية الاستثنائية بدون أخذ موافقة المريض:
يعتقد بعض الجراحين أن لهم ملء الحق بإجراء أي تداخل يوصل مريضهم إلى الشفاء. ويزعم بعضهم إمكانية إجراء هذا التداخل على الرغم من ممانعة المريض أحيانا. إلا أنه وكما لاحظنا من خلال شروط انتفاء مسؤولية الطبيب حال وقوع الضرر هو تفويض المريض بإجراء العلاج دوائيا كان أو جراحيا. ويستثنى من ذلك التفويض حالتان[25]:
الحالة الأولى: وهي الحالات الخطرة التي تهدد حياة المريض بالموت، أو تهدد بتلف عضو من أعضائه، ويكون فيها فاقدا للوعي أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه، ولا يكون ولي الأمر حاضرا لأخذ الإذن. ويدخل ضمن هذه الحالة أيضا في حالات كون المريض مخدرا من أجل عملية معينة، وقد تبين أثناء المداخلة الجراحية أن الواجب يحتم إجراء عملية أخرى ضرورية بنفس الوقت.
الحالة الثانية: الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة، كالأمراض المعدية التي تهدد المجتمع بانتشار الوباء، فيجوز في هذه الحالة للسلطات الصحية أن تجبر فردا أو جماعة من الناس على العلاج أو تعاطي وسيلة من وسائل الوقاية ما دام في ذلك مصلحة مشروعة للمجتمع.
ثانيا- رفض الطبيب تقديم العلاج لمريض ما:
ليس هناك ما يرغم الطبيب على العمل إلا إذا كان مصادرا لجهة ما، فعليه أن يعمل لصالح تلك الجهة ويعالج كل مرضاها. أما إذا تقاعس عن الاستمرار بزيارة مريض تبنى علاجه مسبقا، كما لو وعد بعلاج امرأة حامل ومن ثم توليدها، فإذا تقاعس عن ذلك ودون عذر مبيح ونجم عن ذلك ضرر أصاب المرأة عندها يعتبر الطبيب مسؤولا. إلا أنه هناك بعض الحالات التي تجعل الطبيب في حل من تعهده لعلاج مريض ما، كأن يكون المريض مهملا لتعاليم الطبيب، أو أن يكون ذووه متقاعسين عن تنفيذ ما يطلب منهم لمصلحة المريض. وفي مثل تلك الحالات على الطبيب، أن يبين للمريض أو لذويه ذلك حل من التزامه بالعلاج، وأمام شهود.
ثالثا- هجر المريض:
يعتبر التشريع الطبيب الذي زار مريضا أو زاره مريض وقبل معالجته ملزما بإتمام المعالجة، مؤاخذا على إهمال المريض الذي عدت زيارة الطبيب الأولى له أو زيارته للطبيب بمثابة ارتباط أو عقد بينهما. ونفس الأمر ينطبق أيضا على التزام الطبيب بطبابة جماعة من الناس، ويعد نكوله عن العناية بالجماعة مخالفة داعية لتحمل المسؤولية.
رابعا- الإنابة ومسؤولية الطبيب الأصلي والطبيب العوض:
يجوز للطبيب عند تعذر استمراره في معالجة مريض ما لسبب أو لآخر أن ينيب عنه طبيب آخر ومن نفس اختصاصه. وينظر المريض وذووه عادة إلى الطبيب العوض نظرة فيها شيء من التردد والريبة، فإذا حدث أثناء سير المرض اختلاط ما عزي ذلك إلى تبديل الطبيب، وعدّ الطبيب الأصلي ملوما في نظر المريض وذويه. في الحقيقة لا يترتب على الطبيب الذي أناب عنه زميلا له يحمل نفس المؤهلات أي مسؤولية في حالة إصابة المريض بضرر ما، وذلك بشرط أن يبين الطبيب الوكيل أنه ليس الطبيب الأصلي، بل هو بديل عنه.
خامسا- الخطأ في التشخيص:
يجب أن لا يعتبر الطبيب مسؤولا عن الخطأ في التشخيص إذا استعمل الوسائل الممكنة والمتاحة لتشخيص المرض. أما إذا أهملها دون ما سبب معقول فيعتبر عند ذلك مسؤولا عن الخطأ في التشخيص. ويجب الإشارة هنا إلى أن علم الطب هو علم لم يكتمل بعد، وعليه فإنه تقتصر محاسبة الأطباء على الأصول العلمية الثابتة، فلا يصح أن يسأل الطبيب عن أمر مختلف عليه فنيا، كما في حالات اللجوء لبعض الإستقصاءات التشخيصية لتأكيد المرض، والتي قد تكون صعبة المنال في بعض الأمكنة، أو أنه لم يبت الطب في فائدتها بعد.
سادسا- مسؤولية الخطأ في تحرير الوصفات:
يطلب من الطبيب عند كتابته لأي وصفة طبية أن تكون الكتابة واضحة؛ فقد حدث في كثير من الأحيان أن أعطي المريض دواء غير الدواء الذي كتبه الطبيب. إذا نجم نتيجة ذلك أي ضرر للمريض يعد الصيدلاني هو المسؤول. لذلك من حق الصيدلاني رفض صرف أية وصفة يكون غير متأكد فيها من اسم الدواء.
سابعا- المسؤولية عن توابع العملية الجراحية:
لا يعتبر الجراح مسؤولا إذا كانت نتائج العملية الجراحية على غير ما يرام، وذلك إذا ثبت أنه لم يهمل في تقديم كل الأساليب والوسائل الفنية والحديثة المتوفرة. ويعتبر كل من طبيب التخدير والجراح كلاهما مسؤولين عن المريض في كل مراحل العملية، فقد حدث أحيانا أن أصيب المريض بحروق أثناء العملية كان غير شاعر بأثرها فيه، أو أن يسقط المريض من طاولة نقل المريض قبل أن يصحو فيصاب بأضرار بليغة. لذلك كله يعتبر طبيب التخدير والجراح في هذه الحالة كلاهما مسؤولين لا عن العمل الجراحي فحسب بل عن المريض خلال فترة تخديره.
ثامنا- المسؤولية في جراحة التجميل:
تتميز جراحات التجميل عن غيرها من الجراحات بأن إجراءها هو أمر كمالي وليس ضروريا من أجل استمرار الحياة. لذلك كانت أكثر التشريعات صارمة فيما يتعلق بمسؤولية الطبيب في جراحة التجميل حين وقوع الضرر خلافا لما هو عليه في باقي أنواع الجراحات. ويذكر في هذا الصدد قصة السيدة لوغن التي هددت جراحا بالانتحار إذا لم يوافق على إجراء عملية جراحية لها تنحف ساقيها. ولما لم تؤد العملية الجراحية إلى النتيجة المطلوبة بل رافقها اختلاطات أدت إلى بتر الساق، أقامت السيدة دعوى على الجراح مطالبة إياه بالعطل والضرر اللذين لحقا بها من جراء العملية فحكم عليه بذلك. ولما أراد في دفاعه أن يبين أن إقدامه على العملية وعدم نجاحها لا يختلف عن الإقدام على أية عملية جراحية ضرورية ومن ثم الفشل فيها، أجيب بأن المحكمة قانعة بخبرته ودرايته وحسن عمله، ولكنها مع ذلك تدينه ولا ترى مبررا لتبرئته لأن ما دفع السيدة لوغن للجراحة هو تجميل ساقيها لا الخطر على حياتها، وأنها إذا هددته بالانتحار إذا لم يقدم على إجراء العملية فهذا يزيد من مسئوليته إذ كان يجب عليه أن يدرك ضعف نفسيتها وأن يرشدها إلى طبيب نفساني ليعالج حالتها لا أن يجري لها العملية تلبية لإلحاحها[26].
تاسعا- المسؤولية الناتجة عن عمل الآخرين:
من المعروف أنه يساعد الأطباء في المشافي عدد من الأطباء المقيمين والمعاودين والممرضين والممرضات والفنيين، وإن نتيجة المعالجة مرتبطة إلى حد كبير بحسن عمل هؤلاء جميعا، فإذا أساء التصرف أحد هؤلاء ونجم عن ذلك ضرر ما للمريض فهل يكون الطبيب مسؤولا عن ذلك أم لا؟.
قضى العرف أن يحمل كل إنسان وزره، وعلى هذا تكون المسؤولية واقعة على المقصر أو المخطئ أو المهمل إلا إذا كان الشخص الذي نسب إليه الإهمال مرتبطا مباشرة بالطبيب ومرؤوسا منه. وفي الحقيقة هذا الأمر يختلف من مؤسسة لأخرى، خاصة فيما إذا كان المشفى هو حكومي أم مشفى خاص. ففي المشفى الخاص يكون الطبيب عادة مسؤولا عن جميع العاملين معه من مساعدين وممرضات وخدم لأنه رئيس لهم. وليس الأمر كذلك في المشافي الحكومية والتي تعد إدارة المشفى هي المسؤولة عن هؤلاء المساعدين.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لقصة تعود إلى ا...

لقصة تعود إلى الثاني والعشرين من ابريل من العام 1945 حينها ادرك ادولف هتلر ان المانيا ستخسر الحرب لا...

The human being...

The human being is considered the basic building block of society and the essence of its constructio...

2. Set the valu...

2. Set the value of the voltage of the battery at a certain voltage. 3. You can get different readi...

54 نظرية التحدي...

54 نظرية التحديث التطورية لماذا تغيرت دوافع الشعوب(*) ملخص: تتشكل ثقافة المجتمعات من خالل مدى شدع ...

Environmental s...

Environmental sustainability is one of the responsibilities to ensure a sustainable future for the n...

للإخلاص في العم...

للإخلاص في العمل أهمية كبرى لا يمكن التخلي عنها، وهذه الأهمية تنبع من كون الإخلاص هو ميزان للتفاضل ف...

مدينة مصدر في أ...

مدينة مصدر في أبوظبي هي واحدة من أكثر المشاريع الطموحة في مجال التنمية المستدامة على مستوى العالم. ت...

أونا ٠‏ مفهوم ا...

أونا ٠‏ مفهوم النظرية : تعرف الدطريه بأنها عبارة سس مجموعة مترابطة من المعاهيم والتعريدات والقسايا ا...

ورشح قسم من الم...

ورشح قسم من المهاجرين أبا بكر ( الله ) قبل اجتماع السقيفة، يقول ابن هشام عن موقف المهاجرين بعد وفاة ...

إن أهم واول ما ...

إن أهم واول ما يُميز عالمنا عن العوالم التي سبقته، هو تلك الثورة التي حدثت في مجال الاتصالات والمعلو...

Did you know th...

Did you know that a drop of your blood can predict diseases you may develop in the future? This is p...

By executing th...

By executing these strategies, you can construct a comprehensive and persuading account that illustr...