Online English Summarizer tool, free and accurate!
الإحصاء في المنهج الأنثروبولوجي قضايا منهجية ورؤية نقدية مقدمة كانت البدايات الأولى للمنهج الأنثروبولوجي تعتمد على جمع بيانات ميدانية من داخل مجتمع واحد أو عدة مجتمعات، في القرن العشرين ، تطوراً بفضل إسهامات بعض الرواد مثل بواس ومالينوفسكي . فقد أكد بواس على الخصوصية الثقافية وضرورة جمع المادة بشكل منهجي متكامل، وابتكر مالينوفسكي طريقة الملاحظة بالمشاركة واعتبرها جزءا متكاملا من تراث الأنثروبولوجيا. ٤٩٠ إلخ. وفى إطار النظرية تحلل وتفسر البيانات بطرق كيفية كأحد السمات المتأصلة والتي تميز هذا المنهج. وكان الاتجاه المسيطر على هذا المنهج استبعاد استخدام الأسلوب الإحصائي سواء في جمع البيانات أم عند تحليلها. وقد مثل ذلك إشكالية منهجية مهمة أثيرت حولها العديد من المناقشات والجدل بين علماء الأنثروبولوجيا منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن الماضي. وتأرجحت الآراء بين الرفض التام أو القبول المحدود. ومنذ الخمسينيات - من القرن السابق - تبلورت تلك الإشكالية بصيغة مختلفة وتضافرت مع العديد من الإشكاليات المنهجية الأخرى ، وفجرت معها العديد من الانتقادات التي وجهت إلى المنهج الأنثروبولوجي ، ولم تكن هذه الانتقادات من جانب الأنثروبولوجيين بقدر ما كانت من جانب السوسيولوجيين وبرزت ادعاءات التصقت بهذا المنهج ووصم بوصمات عديدة، منها افتقاره إلى الموضوعية وميله إلى الذاتية وبالتالي فقدان المصداقية في بياناته ونتائجه . *) كتبت هذا الفصل الدكتورة أمال عبد الحميد. وتشير الشواهد المعاصرة إلى أن المنهج الأنثروبولوجي من أكثر المناهج التي تمكن من الوصول إلى نتائج أكثر عمقاً، كما أن لديه القدرة على التكيف السريع مع متطلبات ومتغيرات الواقع ، مما وضع حدا لتلك الانتقادات. ومن هذا المنطلق تهدف هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على بعض الإشكاليات المهمة التي تعرض لها المنهج الأنثروبولوجي، والتي يأتي في مقدمتها عدم اتخاذ الأسلوب الإحصائي أسلوباً أساسياً من أساليبه . وتتم المعالجة في ضوء رؤية شمولية من خلال تفاعل جدلى يجمع بين الأطروحات النظرية والمنهجية في سياق تاریخی نقدى مستندا على معطيات الواقع . ويتم التناول من خلال محورين رئيسيين يدور الأول حول : الإحصاء ونقد المنهج الأنثروبولوجي ، وهو ما نتناوله على النحو التالي. أولاً: الإحصاء ونقد المنهج الأنثروبولوجي يتطرق هذا المحور إلى الانتقادات التي وجهت للمنهج الأنثروبولوجي والمتمثلة في عدم اتخاذه الإحصاء أسلوباً أساسياً من أساليب البحث. ويتم ذلك من خلال ثلاثة عناصر رئيسية ، يدور الأول حول الإحصاء في البحوث الأنثروبولوجية لمحة تاريخية ، ويتعرض الثاني للاتجاه النقدى والمنهج الأنثروبولوجي . أما العنصر الثالث والأخير فيتناول الإحصاء من واقع الدراسات العالمية والمحلية . 1 - الإحصاء فى البحوث الأنثروبولوجية: لمحة تاريخية فقد كان رائدا في هذا المجال، وذلك في محاولته تأسيس منهج لتفسير الظواهر الاجتماعية في نطاق دراسته عن أنماط القرابة والزواج. فقد جمع معلومات من ٣٥٠ مجتمعاً من مجتمعات العالم، وطبق طرقاً إحصائية لكي يحدد العلاقة بين النظم الاجتماعية بطريقة متسقة تسمح بالاستدلال على حدود التطور الثقافى وبشكل منتظم يمكن إخضاعه لقوانين، ١٩٩٨، ٤٦٦ وقد ألقى تيلور في عام ۱۸۸۸ محاضرة حول هذا الموضوع، ربط فيها بين ازدهار الأنثروبولوجيا الاجتماعية واستخدام الأسلوب الإحصائي. كما أخمدت دعوته بحيث ظل الاتجاه المسيطر في الأنثروبولوجيا هو رفض الإحصاء، ۱۹۷۳، ٢٨٤). في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، طرحت تلك الإشكالية مرة أخرى للمناقشة، وبنفس الحدة التي كانت وقت تيلور، فبعد أن كانت تقتصر على دراسة المجتمعات البدائية البسيطة المتجانسة، صغيرة الحجم نسبيا، اتسع نطاق الاهتمام إلى دراسة المجتمعات القروية والحضرية. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى التغلب على الصعوبات التي تواجهها الأنثروبولوجيا في دراسة تلك المجتمعات. وهنا كانت الحاجة إلى الاستعانة بالأسلوب الإحصائي لدراسة هذا البناء وفهمه ناهد صالح ، ۱۹۷۳ (۲۸۳). ولدت الحاجة إلى البحث عن أساليب منهجية جديدة من أجل تحقيق الثبات وتحليل البيانات، ويأتي الإحصاء في مقدمة تلك الوسائل. كما أدى الاهتمام بعقد المقارنة الثقافية بين معطيات البيانات التي يتم جمعها من عدة مجتمعات، Bates ١٩٨٠, ٥٦) وأخيرا أدى تقدم لغة المعادلات والرموز الرياضية وزيادة التعاون بين علمي الاجتماع والأنثروبولوجيا، إلى أن أعاد الأنثروبولوجيون النظر في مناهجهم وأساليبهم البحثية. ومن هنا بدأت تتحول مناقشة الإشكالية من الرفض التام لهذا الأسلوب إلى جعله موضع رفض أو تأييد. ويعد جيرفتش Gurvitch أحد العلماء الذين تصدوا لهذا الاتجاه، حيث أوضح خطورة ربط دراسة البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، ۱۹۷۳، ٢٨٤). وقد حذر بعض الأنثروبولوجيين من استخدام الإحصاء لأنه يتميز عادة بالدقة الزائفة أو أنه يؤدى إلى التضليل، أو أن المعالجة الوظيفية تأتلف بصعوبة مع الأرقام الرياضية، لذا يجب على الأنثروبولوجيين استبعاده. أما الذين أيدوا الأسلوب الإحصائي فهم يرون أنه كلما تقدمت الأنثروبولوجيا وبلغت درجة من التطور زاد الاتجاه نحو الأسلوب الكمى، وكلما بعدت عن دراسة المجتمعات المتجانسة والمستقرة برزت الحاجة إلى الأسلوب الإحصائي. وقد جاء اهتمام بعض الأنثروبولوجيين بالأسلوب الإحصائي، في نطاق اهتمامهم بدراسة البناء الاجتماعي والمقارنة الثقافية. وفى هذا يشير ليفي ستراوس Levi Strauss إلى أن أحد المزايا الرئيسية في دراسة البناء الاجتماعي أنه يمكن من استخدام القياس في الأنثروبولوجيا الاجتماعية. كما ربط فوستر Foster بين الإحصاء ودراسة البناء الاجتماعي، ٢٨٤ ، ٢٨٥). وهكذا استخدم الإحصاء في بعض البحوث الأنثروبولوجية، ولكن بشكل مبسط خاصة في دراسة المقارنة الثقافية - حين تختبر فروض العموميات الثقافية أو التكرار المنظم للسمات المرتبطة وظيفياً. ومن العلماء الذين لجأوا إلى هذا الأسلوب فرانز بواس في دراسة المقارنة الثقافية لبعض الهنود، ١٩٩٨، ٦٤٧). كما استعان ميردوك Murdock في دراسته عن البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، ٤٦٥، ١٩٩٨، ٤٦٦ وقد ألقى تيلور في عام ۱۸۸۸ محاضرة حول هذا الموضوع، وقد لقت تلك المحاضرة معارضة من جانب الأنثروبولوجيين واكبت الظروف التي كانت تعيشها الأنثروبولوجيا في ذلك الوقت. والاكتفاء بالتعبير عن الحقائق الاجتماعية تعبيرا وصفياً كيفياً ناهد صالح، ۱۹۷۳، ٢٨٤). في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، طرحت تلك الإشكالية مرة أخرى للمناقشة، وساعد على تجدد تلك الدعوة اتساع مجال اهتمام الأنثروبولوجيا، فبعد أن كانت تقتصر على دراسة المجتمعات البدائية البسيطة المتجانسة، صغيرة الحجم نسبيا، اتسع نطاق الاهتمام إلى دراسة المجتمعات القروية والحضرية. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى التغلب على وقد تضافرت عوامل عديدة دعمت الاستعانة بالأسلوب الإحصائي في البحوث الأنثروبولوجية منها اهتمام الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة البناء الاجتماعي ، وهنا كانت الحاجة إلى الاستعانة بالأسلوب الإحصائي لدراسة هذا البناء وفهمه ناهد صالح ، كما توافر لدى الباحثين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مادة غزيرة لبيانات عديدة، ولدت الحاجة إلى البحث عن أساليب منهجية جديدة من أجل تحقيق الثبات وتحليل البيانات، ويأتي الإحصاء في مقدمة تلك الوسائل. ومن هنا تم ترجيح الأسلوب الإحصائي باعتباره من أنسب الوسائل التي تحقق تلك الأغراض Fred Plog & Daniel G. Bates ١٩٨٠, ٥٦) وأخيرا أدى تقدم لغة المعادلات والرموز الرياضية وزيادة التعاون بين علمي الاجتماع والأنثروبولوجيا، إلى أن أعاد الأنثروبولوجيون النظر في مناهجهم وأساليبهم البحثية. ومن هنا بدأت تتحول مناقشة الإشكالية من الرفض التام لهذا الأسلوب إلى جعله موضع رفض أو تأييد. ويعد جيرفتش Gurvitch أحد العلماء الذين تصدوا لهذا الاتجاه، فالخطورة هنا أن يصبح البناء الاجتماعي تذييلا للبناء الرياضي ناهد صالح، ۱۹۷۳، ٢٨٤). وقد حذر بعض الأنثروبولوجيين من استخدام الإحصاء لأنه يتميز عادة بالدقة الزائفة أو أنه يؤدى إلى التضليل، أو أن المعالجة الوظيفية تأتلف بصعوبة مع الأرقام الرياضية، لذا يجب على الأنثروبولوجيين استبعاده. أما الذين أيدوا الأسلوب الإحصائي فهم يرون أنه كلما تقدمت الأنثروبولوجيا وبلغت درجة من التطور زاد الاتجاه نحو الأسلوب الكمى، وكلما بعدت عن دراسة المجتمعات المتجانسة والمستقرة برزت الحاجة إلى الأسلوب الإحصائي. وقد جاء اهتمام بعض الأنثروبولوجيين بالأسلوب الإحصائي، في نطاق اهتمامهم بدراسة البناء الاجتماعي والمقارنة الثقافية. وفى هذا يشير ليفي ستراوس Levi Strauss إلى أن أحد المزايا الرئيسية في دراسة البناء الاجتماعي أنه يمكن من استخدام القياس في الأنثروبولوجيا الاجتماعية. ۱۹۷۳ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥). وهكذا استخدم الإحصاء في بعض البحوث الأنثروبولوجية، ولكن بشكل مبسط خاصة في دراسة المقارنة الثقافية - حين تختبر فروض العموميات الثقافية أو التكرار المنظم للسمات المرتبطة وظيفياً. حيث قارنوا بعض السمات الثقافية من أجل إعداد مصفوفات التشابه الثقافي" (شارلوت سيمور - سميث، ١٩٩٨، ٦٤٧). كما استعان ميردوك Murdock في دراسته عن البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، وذلك في نطاق تنميط نظم القرابة والزواج، حيث عقد مقارنة ثقافية بين عدة مجتمعات، وربط فيها بين بعض الخصائص الثقافية، والتي أسهب ميردوك في الحديث عنها تفصيلا من خلال تحليل كيفى عميق. ۱۹٦٠ , C.P. مثلها في ذلك مثل وقائع العلوم الفيزيقية والبيولوجية، مدعياً أنه باستخدام الإحصاء وصل بالأنثروبولوجيا الاجتماعية إلى نفس مستوى الدقة في العلوم الاجتماعية ناهد صالح، ۱۹۷۳، والذى نجح عن طريقه فيما بعد في اجتذاب مشاركة هيئات أخرى كثيرة (شارلوت سيمور - سميث، ١٩٩٨، ٦٦٩، واستطاع التحليل المقارن أن يحقق تقدماً كبيراً بالاستعانة بالأسلوب الإحصائي، ذلك عندما ربط در ايفز Drives بين نمطي التحليل الإحصائي المستخدمين معا، فيستخدم أحدهما السمات الثقافية كوحدات للتحليل، في ضوء هذا المنهج الأكثر تطورا من الناحية الإحصائية شارلوت سیمور - سميث، ۱۹۹۸ . ٤٧٧٠ ، ٤٧٨ ويسر )Fred Plog & Daniel هذا عمليات التحليل وعقد المقارنات الثقافية بشكل كمى . Bates, ۱۹۸۰, ٥٨ ) وفي هذا الصدد أكد كل من بلوج Plog وباتس Bates أنه من السهل على الأنثروبولوجي الذي يعيش في مجتمع البحث أن يرصد بيانات رقمية عن الظاهرة التي يدرسها، خاصة إذا كان يدرس أسرة فيمكن حصر أفرادها وفقا للعدد والتعليم والمهنة. كذلك جمع بيانات كمية عن ساعات العمل اليومى والأسبوعي . دانيال أو. بيتس، ١٩٨٠، ٥٥) يمكنه اللجوء إلى المصادر الرسمية للحصول على البيانات الكمية، ويكون هذا بمثابة خطوة أولى لفهم الثقافة، وهي طريقة أيضا لاختيار الحالات الممثلة لتلك العناصر المتضمنة في الثقافات المختلفة، والتي أبرزتها البيانات الكمية. ويجب عليه في الخطوة الثانية أن يطبق مقاييس إحصائية مختلفة للربط بين المتغيرات؛ إذ إن أحد الأهداف الرئيسية في البحث الميداني هو فهم الخصائص العامة للتنظيم الاجتماعي والسلوك البشرى، وهذا يدفع إلى جمع بيانات كثيرة وتحليلها إحصائياً حتى نتعرف على ما يدور في ميدان البحث. ويكون الإحصاء وسيلة موضوعية لتحليل البيانات، ومن خلالها تظهر الأنماط وعلاقة الارتباط بين المتغيرات، فالإحصاء أداة مساعدة خاصة في إجراء المقارنة الثقافية وفى فهم بعض ملامح البناء الاجتماعي . فريد بلوج ودانيال أو بيتس, ۱٩۸۰، ٥٨:٦١) مؤكدا أن الأساليب التقليدية لا تكفى وحدها في دراسة المجتمعات الحديثة المعقدة. ففي هذه المجتمعات يصعب افتراض أن البيانات التي تجمع بالأساليب التقليدية مثل الملاحظة بالمشاركة يمكن أن تصل بالنتائج إلى درجة التمثيل والتعميم أو التنبؤ، نتيجة تعدد الثقافات الفرعية والتخصص في تقسيم العمل . إلخ. أن يستعين بأساليب أخرى مساعدة. فعلى سبيل المثال إذا أراد دراسة المجتمع المحلى الذي يدرس فيه الظاهرة، فإنه يضطر إلى اللجوء إلى وسائل أخرى يستخدمها السوسيولوجيون مثل المسح الاجتماعي و البيانات التعدادية الرسمية. وقد يستعين بالاستبانه في بعض الموضوعات التي يهدف منها إعطاء صورة عامة عن المجتمع، والجماعات التي توجد فيه، البيانات. (١٩٨٦, ٢٢٦ , Robert F. Murphy) وهكذا بدأ القبول الشرعي للاستعانة بالإحصاء، ولكن كوسيلة مساعدة في المنهج الأنثروبولوجي ويطبق بأسلوب بسيط حيث تجمع البيانات وتحلل كمياً، دون استخدام نماذج رياضية، إذ يظل الغالب على المنهج الأنثروبولوجي هو الأساليب الكيفية التي تجب كل تحليلاته. ٢ - الاتجاه النقدى والمنهج الأنثروبولوجي ذلك في إطار الحركة النقدية في علمى الاجتماع والأنثروبولوجيا، ، إحداها إشكالية الأسلوب الإحصائي والتي طرحت بصيغة أخرى تحت إشكالية التحليل الكمى والتحليل الكيفي. وشغلت تلك الإشكالية فكر العديد من العلماء الأنثروبولوجيين والسوسيولوجييون أيضا. وحاول أصحاب كل اتجاه تحليلي تشريح منهج الآخر بشكل صريح أو مستتر ووصمه بوصمات ليعلو كل بمنهجه وتبلورت حدة تلك المناقشات في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، وإن كانت في الحقبة الأولى بشكل صارم ذات نظرة أحادية، إلا أنها في الثانية كانت أكثر موضوعية. وقد نبعت تلك الإشكالية من التمييز الفاصل بين العلوم الاجتماعية التي تستند إلى نظريات معرفية مختلفة، وظهرت في أغلب الكتب الدراسية لعلم الاجتماع أن الأساليب الكيفية أو "الرخوة" عادة تقدم بديهيات وأفكار حدسية يمكن أن تساعد في صياغة الفروض التي يمكن اختبارها بشكل أكثر رصانة باستخدام البيانات الكمية أو "الصارمة". وقد أفضى هذا الاهتمام بالاتجاه الفينومولوجي في السبعينيات إلى الشكوك في جدوى تبنى نموذج العلم الطبيعي في بحوث العلوم الاجتماعية ج ۳، ۲۰۰۱ : ۱۳۹۸). وجاءت هذه الادعاءات في إطار طرح قضية منهجية أخرى ألا وهي التحليل الجزئي والتحليل الكلى والمتأمل لهذه الإشكالية يجد أنها لا تمثل إشكالية بالفعل كما لا يمكن اعتبارها قضية أساسية في العلوم الاجتماعية تستدعى العديد من المناقشات؛ لأن هذا يتوقف على طبيعة الموضوع المدروس والنماذج التي تقاس )Clifford C. Clogg & Gerhard Armenger بها العلاقات الاجتماعية ١٩٩٣, وهو بذلك يفقد الثبات والمصداقية والموضوعية التي يتسم بها المنهج الكمى، ويعنى بالثبات افتقار ثبات نفس المعلومة في ملاحظات مختلفة ونفس الملاحظة في ظروف مختلفة. أما الصدق فهو مصداقية تفسير ما يقدم من ظواهر، حيث تأتى البيانات من ذات الإخباري أو من الباحث وهنا تفقد الموضوعية (۱۹۹۸۷۸ , David Silverman) . وقد رد العديد من العلماء على تلك الادعاءات، ومن هؤلاء جول سميث Joel Smith الذي يرى أن المنهج السوسيولوجى يمكن أن يوصم بتلك الادعاءات أيضاً، حيث تعبر مفردات العينة بذاتها وخبراتها ومعلوماتها عن نفسها والجماعة التي تنتمى إليها والأحداث المحيطة بها، ذلك حين تجيب عن التساؤلات المتضمنة في الاستبانه، وأن هناك ظواهر تحتوى على مضمونات معقدة يصعب معها القياس والتمثيل، وهنا يصبح الفهم العقلاني مهم في الدراسة، علاوة على أن هناك ظواهر أخرى يمكن قياسها، وهنا يصبح الكم ضرورة بحثية. ٤- ۱۹۹۱ , وكتب تيم أميرا Tim O'Meara مقالة عن : الأنثروبولوجيا كعلم إمبيريقي، نشرت في عام ۱۹۸۹ ، تناول فيها الإشكاليات التي تتعرض الأنثروبولوجيا، والتي تأتي في مقدمتها اعتمادها في المقام الأول على الفهم في تناول الظاهرة ويصم البعض هذا الفهم بالذاتية في تفسير الظواهر، حيث تنعكس معرفة الفاعلين على الباحث الأنثروبولوجي في فهمه لكثير من المعاني ، وهنا تأتى مشكلة الانعكاسية، وهو ما أدى إلى زعم البعض أن الأساليب والأدوات البحثية في هذا المنهج غير كافية، وأنها تعتمد على النص في تفسير البيانات الميدانية. كما أن تكويد أو ترميز العناصر الثقافية تعد نوعاً من الاستبدادية بسبب ذاتية المعلومات التي انعكست عن ذات الإخباري وذات الباحث، ويدعمون هذا الزعم بأن الثقافة ليست فقط قيماً ومعاييراً ومعاني تنعكس على سلوكيات الأفراد، بل هي أسباب أكثر منها معان (J. Tim) Meara, ۱۹۸۹ ٣٥٤:٣٦٢) و في ضوء البناء الاجتماعي الذي يحتويهم. ومن ثم يجب على الباحثين الأنثروبولوجيين تصحيح تلك الادعاءات خاصة وأن علماء الاجتماع أنفسهم يواجهون مشكلة التمثيل الفعلى للظواهر التي يدرسونها. ويشير إلى أن الأنثروبولوجيا كعلم إمبيريقى تهدف - كما يرى - إلى وصف وتفسير الشئون البشرية أو استدعاء المعاني الذاتية في الخبرات البشرية. وبهذا لا يكون هناك تناقض بين الأهداف العلمية والبشرية في الأنثروبولوجيا المعاصرة (J. Tim O'Meara, الرد على الادعاءات الموجهة للمنهج الأنثروبولوجي بطريقة علمية. حيث أكدا على أن الأنثروبولوجيا تركز على أطر نظرية وتختبرها ميدانيا، ومن خلال ذلك تكشف عن مدى ملائمة النظرية للموضوع المدروس. المقارنة الثقافية . وإن كان هذا يتوقف على مهارة الباحثين. ماثيو ب. مايكل هوبرمان، يشير الباحثان إلى أن دراسة الفهم لا تتم بصورة عفوية عشوائية، إذ تبدأ بالرجوع إلى المفاهيم النظرية وتساؤلات البحث ونوعية الحالات، والإخباريين، وجمع البيانات الميدانية من خلال دليل مرن فعال دائماً مع منبثقات الواقع. ثم يتم ترميز البيانات، والربط بين المتغيرات، وفي النهاية تبرز النتائج. وبهذا يتم البحث في ضوء استراتيجيات تتنقل بين الحالات والإخباريين والوصف والتفسير والتغذية المرجعية للنتائج، ومراجعة البيانات للتحقق من ثباتها ومصداقيتها. وتركز في مضمونها على أحداث الحياة اليومية، ويستطيع الأنثروبولوجي من خلال اهتمامه بموضوعات وثيقة الصلة بالحياة اليومية واستخدام اللغة والطقوس والعلاقات وقواعد السلوك أن يتخذ تلك الموضوعات - وغيرها - بمثابة مفتاحاً لفهم الثقافة ومجتمع الدراسة . ماثيو ب. مايلز ومايكل هوبرمان، ٨) بمعنى أنه يبدو انطباعياً وأقل تجريداً وغير واضح. ويحاول نيومان التأكيد على بطلان تلك الادعاءات، لأنه من الصعب أن نحصل على معلومات حقيقية من عقول الناس كما أن الاعتماد على المعرفة النظرية تؤكد على المعنى والبحث الأنثروبولوجي ما هو إلا سلسلة من الإجراءات والتحليلات التي تمكن من الوصول إلى نتائج W. Lawrence Neuman, ۱۹۹۷, ۸۲-۸۳( . لأن التحليل الأنثروبولوجي للبيانات يعتمد على التفسير العقلاني باستخدام أساليبه التحليلية، والتي في ضوئها يحلل الكلمات والجمل والرموز وأفعال الأفراد وأحداث الحياة اليومية. وبهذا نصل إلى معلومات كثيرة كتلك التي تجمع بالأسلوب الإحصائي. وردا على الادعاء بأن المنهج الأنثروبولوجي منهج غير واضح، يرى نيومان أنه ربما يكون كذلك شكلا، وكذلك العلاقات السببية ( ۳۳۰ : ۱۹۹۷۳۲۲ , فعلى الرغم من أنها تساعد في اتساع قاعدة البيانات ولكنها بمفردها غير كافية لفهم مواقف الحياة اليومية وعمليات التفاعل الاجتماعي. وهنا تصبح الحاجة إلى الفهم العميق للظواهر الاجتماعية ميدانياً وهو ما يوفره ويتسم به المنهج الأنثروبولوجي W. Lawrence) (۱۹۹۷, ۸۲ , Neuman . دبليو لورانس نيومان، وعلى نفس المنوال طرح دافيد سيلفرمان David Silverman في مقال له عن الكم والكيف صدر في عام ۱۹۹۸ ، ملامح المنهجين مؤكدا أن المنهج الكيفي مهم في دراسة الثقافة وعمليات التفاعل ومفتاح مدخله هو المصداقية، حيث تتم دراسة جماعة صغيرة، ومعايشة الباحث المجتمع البحث فترة قد تطول أو تقتصر حسب طبيعة الموضوع. أما المنهج الكمي، وتتم معالجة إحصائية للبيانات، ومفتاح مدخله هو الثبات. وكلا المنهجين يتعاملان مع بيانات لها أكثر من وسيلة للحصول عليها، كما أن لكل منهج حدوده وموضوعاته وقضاياه David) Silverman, ۱۹۹١٤ ٨) ومن هنا يبدو واضحاً أن للمنهجين أدوات بحثية مشتركة ولكنهما يختلفان في طريقة استخدامهما. فعلى سبيل المثال الملاحظة في المنهج الكمي تتخذ كدراسة كشفية مسبقة قبل إعداد الاستبيان، وتفيد المقابلة في المنهج الكمي في إجراء المسوح ومقابلة العينة، وإن كانت محدودة بفترة تطبيق الاستبانة، وهي في الكيف تتم على عدد محدود من الأفراد، وتكون الأسئلة مغلقة ومفتوحة. وأخيرا يمكن أن تستخدم الوثائق في الكم كأسلوب المراجعة صحة البيانات التي يتم تسجيلها في المقابلة بينما تستخدم في الكيف لفهم كيفية ممارسة الأفراد للظواهر وتنظيم الأحاديث . إلخ ( ۱۹۹٨, David Silverman). ويؤكد سيلفرمان على أهمية التكامل المنهجي، إذ يعد المقياس الكمي ذا أهمية كبيرة في البحوث الكيفية، ذلك حين يتناول قضايا كلية. ويمكن إدراج التحليل الكيفي أيضاً في البحوث الكمية من خلال وضع أسئلة مفتوحة في الاستبانة. وبهذا ترصد البيانات كما وكيفا في نسيج واحد، ويتحقق لكلا المنهجين الموضوعية وهو هدف عام في البحوث الاجتماعية (۱۹۹۸۹٤, David Silverman). وأخيرا يشير سيلفرمان إلى أن المنهج الكمى يوجه له النقد أيضاً، وحتى من جانب علماء الاجتماع أنفسهم، وربط تلك المعلومات بالبناء الاجتماعي في المجتمع، وهذا الأسلوب هو الشائع في المنهج الأنثروبولوجي. ومن الانتقادات الأخرى أن البيانات الإحصائية قد تتوه معها العلاقة بين المتغيرات، فضلا عن أن فهم الظاهرة المدروسة ومقارنتها بما يحدث في الواقع لا يتم إلا من خلال ممارسات الناس لحياتهم اليومية ، وهو لا يمكن الكشف عنه بالاستناد إلى إحصاءات . (۹۱) : ۱۹۹۸, ۸۹, David Silverman) وهكذا نجد أن المنهج الأنثروبولوجي تعرض للكثير من الانتقادات؛ نظرا لافتقاره إلى استخدام الأسلوب الإحصائي كأسلوب أساسي من أساليبه البحثية،
الفصل الثالث
الإحصاء في المنهج الأنثروبولوجي قضايا منهجية ورؤية نقدية
مقدمة
كانت البدايات الأولى للمنهج الأنثروبولوجي تعتمد على جمع بيانات ميدانية من داخل مجتمع واحد أو عدة مجتمعات، ثم تحلل تلك البيانات بأساليب كيفية في إطار النظرية التي يراد تدعيمها سواء كانت تطورية أم انتشارية أم غير ذلك وشهد هذا المنهج ، في القرن العشرين ، تطوراً بفضل إسهامات بعض الرواد مثل بواس ومالينوفسكي . فقد أكد بواس على الخصوصية الثقافية وضرورة جمع المادة بشكل منهجي متكامل، وابتكر مالينوفسكي طريقة الملاحظة بالمشاركة واعتبرها جزءا متكاملا من تراث الأنثروبولوجيا. (شارلوت سيمور - سميث
(٤٨٩، ١٩٩٨، ٤٩٠
وتبلورت أساليب وأدوات المنهج الأنثروبولوجي بشكل أكثر إحكاماً من حيث الملاحظة بالمشاركة والمقابلة المتعمقة والاستعانة بالإخباريين ومعايشة الواقع.. إلخ. وفى إطار النظرية تحلل وتفسر البيانات بطرق كيفية كأحد السمات المتأصلة والتي تميز هذا المنهج.
وكان الاتجاه المسيطر على هذا المنهج استبعاد استخدام الأسلوب الإحصائي سواء في جمع البيانات أم عند تحليلها. وقد مثل ذلك إشكالية منهجية مهمة أثيرت حولها العديد من المناقشات والجدل بين علماء الأنثروبولوجيا منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن الماضي. وتأرجحت الآراء بين الرفض التام أو القبول المحدود. ومنذ الخمسينيات - من القرن السابق - تبلورت تلك الإشكالية بصيغة مختلفة وتضافرت مع العديد من الإشكاليات المنهجية الأخرى ، وفجرت معها العديد من الانتقادات التي وجهت إلى المنهج الأنثروبولوجي ، ولم تكن هذه الانتقادات من جانب الأنثروبولوجيين بقدر ما كانت من جانب السوسيولوجيين وبرزت ادعاءات التصقت بهذا المنهج ووصم بوصمات عديدة، منها افتقاره إلى الموضوعية وميله إلى الذاتية وبالتالي فقدان المصداقية في بياناته ونتائجه .
(*) كتبت هذا الفصل الدكتورة أمال عبد الحميد.
وتشير الشواهد المعاصرة إلى أن المنهج الأنثروبولوجي من أكثر المناهج التي تمكن من الوصول إلى نتائج أكثر عمقاً، كما أن لديه القدرة على التكيف السريع مع متطلبات ومتغيرات الواقع ، خاصة التطور التكنولوجي سواء في المجال التقني للأدوات أو في مجال الحاسب الآلى، مما وضع حدا لتلك الانتقادات.
ومن هذا المنطلق تهدف هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على بعض الإشكاليات المهمة التي تعرض لها المنهج الأنثروبولوجي، والتي يأتي في مقدمتها عدم اتخاذ الأسلوب الإحصائي أسلوباً أساسياً من أساليبه . وتتم المعالجة في ضوء رؤية شمولية من خلال تفاعل جدلى يجمع بين الأطروحات النظرية والمنهجية في سياق تاریخی نقدى مستندا على معطيات الواقع . ويتم التناول من خلال محورين رئيسيين يدور الأول حول : الإحصاء ونقد المنهج الأنثروبولوجي ، ويتعرض الثاني إلى : المنهج الأنثروبولوجى وما بعد الحداثة. وهو ما نتناوله على النحو التالي.
أولاً: الإحصاء ونقد المنهج الأنثروبولوجي
يتطرق هذا المحور إلى الانتقادات التي وجهت للمنهج الأنثروبولوجي والمتمثلة في عدم اتخاذه الإحصاء أسلوباً أساسياً من أساليب البحث. ويتم ذلك من خلال ثلاثة عناصر رئيسية ، يدور الأول حول الإحصاء في البحوث الأنثروبولوجية لمحة تاريخية ، ويتعرض الثاني للاتجاه النقدى والمنهج الأنثروبولوجي . أما العنصر الثالث والأخير فيتناول الإحصاء من واقع الدراسات العالمية والمحلية .
1 - الإحصاء فى البحوث الأنثروبولوجية: لمحة تاريخية
يعد إدوارد تيلور Tylor أول من لفت الانتباه إلى إمكانية استخدام الإحصاء في البحوث الأنثروبولوجية، فقد كان رائدا في هذا المجال، وذلك في محاولته تأسيس منهج لتفسير الظواهر الاجتماعية في نطاق دراسته عن أنماط القرابة والزواج. فقد جمع معلومات من ٣٥٠ مجتمعاً من مجتمعات العالم، وطبق طرقاً إحصائية لكي يحدد العلاقة بين النظم الاجتماعية بطريقة متسقة تسمح بالاستدلال على حدود التطور الثقافى وبشكل منتظم يمكن إخضاعه لقوانين، حيث تكون السمات الثقافية هي وحدات التحليل أو المتغيرات (شارلوت سيمور - سميث
٤٦٥، ١٩٩٨، ٤٦٦
وقد ألقى تيلور في عام ۱۸۸۸ محاضرة حول هذا الموضوع، ربط فيها بين ازدهار الأنثروبولوجيا الاجتماعية واستخدام الأسلوب الإحصائي. وقد لقت تلك المحاضرة معارضة من جانب الأنثروبولوجيين واكبت الظروف التي كانت تعيشها الأنثروبولوجيا في ذلك الوقت. كما أخمدت دعوته بحيث ظل الاتجاه المسيطر في الأنثروبولوجيا هو رفض الإحصاء، وتجنب الأرقام، والاكتفاء بالتعبير عن الحقائق الاجتماعية تعبيرا وصفياً كيفياً ناهد صالح، ۱۹۷۳، ٢٨٤).
في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، طرحت تلك الإشكالية مرة أخرى للمناقشة، وبنفس الحدة التي كانت وقت تيلور، وساعد على تجدد تلك الدعوة اتساع مجال اهتمام الأنثروبولوجيا، فبعد أن كانت تقتصر على دراسة المجتمعات البدائية البسيطة المتجانسة، صغيرة الحجم نسبيا، اتسع نطاق الاهتمام إلى دراسة المجتمعات القروية والحضرية. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى التغلب على
الصعوبات التي تواجهها الأنثروبولوجيا في دراسة تلك المجتمعات.
وقد تضافرت عوامل عديدة دعمت الاستعانة بالأسلوب الإحصائي في البحوث الأنثروبولوجية منها اهتمام الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة البناء الاجتماعي ، وهنا كانت الحاجة إلى الاستعانة بالأسلوب الإحصائي لدراسة هذا البناء وفهمه ناهد صالح ، ۱۹۷۳ (۲۸۳). كما توافر لدى الباحثين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مادة غزيرة لبيانات عديدة، ولدت الحاجة إلى البحث عن أساليب منهجية جديدة من أجل تحقيق الثبات وتحليل البيانات، ويأتي الإحصاء في مقدمة تلك الوسائل. كما أدى الاهتمام بعقد المقارنة الثقافية بين معطيات البيانات التي يتم جمعها من عدة مجتمعات، إلى البحث عن وسيلة سهلة سريعة للوصول إلى نتائج تظهر من خلالها الأنماط الثقافية المختلفة، ومن هنا تم ترجيح الأسلوب الإحصائي باعتباره من أنسب الوسائل التي تحقق تلك الأغراض Fred Plog & Daniel G. Bates ١٩٨٠,٥٦)
وأخيرا أدى تقدم لغة المعادلات والرموز الرياضية وزيادة التعاون بين علمي الاجتماع والأنثروبولوجيا، إلى أن أعاد الأنثروبولوجيون النظر في مناهجهم وأساليبهم البحثية. ومن هنا بدأت تتحول مناقشة الإشكالية من الرفض التام لهذا الأسلوب إلى جعله موضع رفض أو تأييد.
ويعد جيرفتش Gurvitch أحد العلماء الذين تصدوا لهذا الاتجاه، حيث أوضح خطورة ربط دراسة البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، ويرجع ذلك إلى إساءة استخدام مصطلح البناء الاجتماعي والرابطة المصطنعة التي يرغب بعض العلماء في إقامتها بين المقاييس الرياضية والبناء الاجتماعي، فالخطورة هنا أن يصبح البناء الاجتماعي تذييلا للبناء الرياضي ناهد صالح، ۱۹۷۳، ٢٨٤).
وقد حذر بعض الأنثروبولوجيين من استخدام الإحصاء لأنه يتميز عادة بالدقة الزائفة أو أنه يؤدى إلى التضليل، أو أن المعالجة الوظيفية تأتلف بصعوبة مع الأرقام الرياضية، لذا يجب على الأنثروبولوجيين استبعاده.
أما الذين أيدوا الأسلوب الإحصائي فهم يرون أنه كلما تقدمت الأنثروبولوجيا وبلغت درجة من التطور زاد الاتجاه نحو الأسلوب الكمى، وكلما بعدت عن دراسة المجتمعات المتجانسة والمستقرة برزت الحاجة إلى الأسلوب الإحصائي.
وقد جاء اهتمام بعض الأنثروبولوجيين بالأسلوب الإحصائي، في نطاق اهتمامهم بدراسة البناء الاجتماعي والمقارنة الثقافية. وفى هذا يشير ليفي ستراوس Levi Strauss إلى أن أحد المزايا الرئيسية في دراسة البناء الاجتماعي أنه يمكن من استخدام القياس في الأنثروبولوجيا الاجتماعية. كما ربط فوستر Foster بين الإحصاء ودراسة البناء الاجتماعي، حيث كان مفهوم البناء عنده يقتصر على ملامح التنظيمات الاجتماعية ، والتي يمكن إخضاعها للوصف والتحليل الكيفي مؤكداً أن الأساليب الإحصائية هي أساليب جوهرية لدراسة البناء الاجتماعي في كافة المجتمعات ناهد صالح ، ۱۹۷۳ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥).
وهكذا استخدم الإحصاء في بعض البحوث الأنثروبولوجية، ولكن بشكل مبسط خاصة في دراسة المقارنة الثقافية - حين تختبر فروض العموميات الثقافية أو التكرار المنظم للسمات المرتبطة وظيفياً. ومن العلماء الذين لجأوا إلى هذا الأسلوب فرانز بواس في دراسة المقارنة الثقافية لبعض الهنود، وكذلك الدراسات المبكرة التي أجراها كروبر وتلاميذه، حيث قارنوا بعض السمات الثقافية من أجل إعداد مصفوفات التشابه الثقافي" (شارلوت سيمور - سميث، ١٩٩٨، ٦٤٧).
كما استعان ميردوك Murdock في دراسته عن البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، وذلك في نطاق تنميط نظم القرابة والزواج، حيث عقد مقارنة ثقافية بين
٤٦٥، ١٩٩٨، ٤٦٦
وقد ألقى تيلور في عام ۱۸۸۸ محاضرة حول هذا الموضوع، ربط فيها بين ازدهار الأنثروبولوجيا الاجتماعية واستخدام الأسلوب الإحصائي. وقد لقت تلك المحاضرة معارضة من جانب الأنثروبولوجيين واكبت الظروف التي كانت تعيشها الأنثروبولوجيا في ذلك الوقت. كما أخمدت دعوته بحيث ظل الاتجاه المسيطر في الأنثروبولوجيا هو رفض الإحصاء، وتجنب الأرقام، والاكتفاء بالتعبير عن الحقائق الاجتماعية تعبيرا وصفياً كيفياً ناهد صالح، ۱۹۷۳، ٢٨٤).
في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، طرحت تلك الإشكالية مرة أخرى للمناقشة، وبنفس الحدة التي كانت وقت تيلور، وساعد على تجدد تلك الدعوة اتساع مجال اهتمام الأنثروبولوجيا، فبعد أن كانت تقتصر على دراسة المجتمعات البدائية البسيطة المتجانسة، صغيرة الحجم نسبيا، اتسع نطاق الاهتمام إلى دراسة المجتمعات القروية والحضرية. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى التغلب على
الصعوبات التي تواجهها الأنثروبولوجيا في دراسة تلك المجتمعات.
وقد تضافرت عوامل عديدة دعمت الاستعانة بالأسلوب الإحصائي في البحوث الأنثروبولوجية منها اهتمام الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة البناء الاجتماعي ، وهنا كانت الحاجة إلى الاستعانة بالأسلوب الإحصائي لدراسة هذا البناء وفهمه ناهد صالح ، ۱۹۷۳ (۲۸۳). كما توافر لدى الباحثين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مادة غزيرة لبيانات عديدة، ولدت الحاجة إلى البحث عن أساليب منهجية جديدة من أجل تحقيق الثبات وتحليل البيانات، ويأتي الإحصاء في مقدمة تلك الوسائل. كما أدى الاهتمام بعقد المقارنة الثقافية بين معطيات البيانات التي يتم جمعها من عدة مجتمعات، إلى البحث عن وسيلة سهلة سريعة للوصول إلى نتائج تظهر من خلالها الأنماط الثقافية المختلفة، ومن هنا تم ترجيح الأسلوب الإحصائي باعتباره من أنسب الوسائل التي تحقق تلك الأغراض Fred Plog & Daniel G. Bates ١٩٨٠,٥٦)
وأخيرا أدى تقدم لغة المعادلات والرموز الرياضية وزيادة التعاون بين علمي الاجتماع والأنثروبولوجيا، إلى أن أعاد الأنثروبولوجيون النظر في مناهجهم وأساليبهم البحثية. ومن هنا بدأت تتحول مناقشة الإشكالية من الرفض التام لهذا الأسلوب إلى جعله موضع رفض أو تأييد.
ويعد جيرفتش Gurvitch أحد العلماء الذين تصدوا لهذا الاتجاه، حيث أوضح خطورة ربط دراسة البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، ويرجع ذلك إلى إساءة استخدام مصطلح البناء الاجتماعي والرابطة المصطنعة التي يرغب بعض العلماء في إقامتها بين المقاييس الرياضية والبناء الاجتماعي، فالخطورة هنا أن يصبح البناء الاجتماعي تذييلا للبناء الرياضي ناهد صالح، ۱۹۷۳، ٢٨٤).
وقد حذر بعض الأنثروبولوجيين من استخدام الإحصاء لأنه يتميز عادة بالدقة الزائفة أو أنه يؤدى إلى التضليل، أو أن المعالجة الوظيفية تأتلف بصعوبة مع الأرقام الرياضية، لذا يجب على الأنثروبولوجيين استبعاده.
أما الذين أيدوا الأسلوب الإحصائي فهم يرون أنه كلما تقدمت الأنثروبولوجيا وبلغت درجة من التطور زاد الاتجاه نحو الأسلوب الكمى، وكلما بعدت عن دراسة المجتمعات المتجانسة والمستقرة برزت الحاجة إلى الأسلوب الإحصائي.
وقد جاء اهتمام بعض الأنثروبولوجيين بالأسلوب الإحصائي، في نطاق اهتمامهم بدراسة البناء الاجتماعي والمقارنة الثقافية. وفى هذا يشير ليفي ستراوس Levi Strauss إلى أن أحد المزايا الرئيسية في دراسة البناء الاجتماعي أنه يمكن من استخدام القياس في الأنثروبولوجيا الاجتماعية. كما ربط فوستر Foster بين الإحصاء ودراسة البناء الاجتماعي، حيث كان مفهوم البناء عنده يقتصر على ملامح التنظيمات الاجتماعية ، والتي يمكن إخضاعها للوصف والتحليل الكيفي مؤكداً أن الأساليب الإحصائية هي أساليب جوهرية لدراسة البناء الاجتماعي في كافة المجتمعات ناهد صالح ، ۱۹۷۳ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥).
وهكذا استخدم الإحصاء في بعض البحوث الأنثروبولوجية، ولكن بشكل مبسط خاصة في دراسة المقارنة الثقافية - حين تختبر فروض العموميات الثقافية أو التكرار المنظم للسمات المرتبطة وظيفياً. ومن العلماء الذين لجأوا إلى هذا الأسلوب فرانز بواس في دراسة المقارنة الثقافية لبعض الهنود، وكذلك الدراسات المبكرة التي أجراها كروبر وتلاميذه، حيث قارنوا بعض السمات الثقافية من أجل إعداد مصفوفات التشابه الثقافي" (شارلوت سيمور - سميث، ١٩٩٨، ٦٤٧).
كما استعان ميردوك Murdock في دراسته عن البناء الاجتماعي بالأسلوب الإحصائي، وذلك في نطاق تنميط نظم القرابة والزواج، حيث عقد مقارنة ثقافية بين
عدة مجتمعات، وربط فيها بين بعض الخصائص الثقافية، من أجل الكشف عن مدى انتشار تلك الخصائص كمياً بين المجتمعات المدروسة. وفى ضوء هذا التحليل أمكنه تحديد أنماط الأسرة وأيها الأكثر انتشاراً. وأكد في تحليله عمومية الأسرة النووية بسبب ما تؤديه من وظائف، والتي أسهب ميردوك في الحديث عنها تفصيلا من خلال تحليل كيفى عميق. ۱۹٦٠ ,C.P. Murdock)
وقد اهتم ميردوك بالأسلوب الإحصائي مستنداً في ذلك إلى أن البيانات الثقافية والحياة الاجتماعية تقبل المعالجة العلمية الدقيقة، مثلها في ذلك مثل وقائع العلوم الفيزيقية والبيولوجية، مدعياً أنه باستخدام الإحصاء وصل بالأنثروبولوجيا الاجتماعية إلى نفس مستوى الدقة في العلوم الاجتماعية ناهد صالح، ۱۹۷۳، (٢٨٤).
وقد انشغل ميردوك بتأسيس منهج يمكن من خلاله إجراء المقارنة الثقافية والتوصل إلى تعميمات، لذا ابتكر أسلوب المسح الثقافي المقارن الذي يعرف اليوم باسم ملفات دائرة العلاقات الإنسانية بجامعة ييل، والذى نجح عن طريقه فيما بعد في اجتذاب مشاركة هيئات أخرى كثيرة (شارلوت سيمور - سميث، ١٩٩٨،٦٦٩، .(٦٧٠
واستطاع التحليل المقارن أن يحقق تقدماً كبيراً بالاستعانة بالأسلوب الإحصائي، ذلك عندما ربط در ايفز Drives بين نمطي التحليل الإحصائي المستخدمين معا، فيستخدم أحدهما السمات الثقافية كوحدات للتحليل، والثاني المجتمعات أو القبائل. وقد استهدف من إعادة تحليله للأطلس الإثنوجرافي" الذي وضعه ميردوك، استنتاج مخططات للمناطق الثقافية أو الشرائح الثقافية، في ضوء هذا المنهج الأكثر تطورا من الناحية الإحصائية شارلوت سیمور - سميث، ۱۹۹۸ .(٤٧٧٠ ، ٤٧٨
هكذا كان استخدام الأسلوب الإحصائي في إطار المقارنة الثقافية أو في ضوء ما أطلق عليه البعض: دراسة الثقافة الكلية Holocultural من خلال إجراء مسح إحصائي أو أخذ عينة من كل ثقافة. وهنا يبرز دور الإحصاء في إجراء المقارنة الثقافية، وكذلك في المقارنة الجيلية حيث سهل استخدام أسلوب السجلات Files في حفظ المادة كنسق مفهرس يحتوى على بيانات غزيرة، ويسر )Fred Plog & Daniel هذا عمليات التحليل وعقد المقارنات الثقافية بشكل كمى . Bates, ۱۹۸۰,٥٨ )
وظهرت كتابات في عقد السبعينيات وأوائل الثمانينيات تدعم من استخدام الأسلوب الإحصائي في الأنثروبولوجيا. وفي هذا الصدد أكد كل من بلوج Plog وباتس Bates أنه من السهل على الأنثروبولوجي الذي يعيش في مجتمع البحث أن يرصد بيانات رقمية عن الظاهرة التي يدرسها، خاصة إذا كان يدرس أسرة فيمكن حصر أفرادها وفقا للعدد والتعليم والمهنة. كذلك جمع بيانات كمية عن ساعات العمل اليومى والأسبوعي ... إلخ. كما يمكنه من خلال الأسلوب الإحصائي الكشف عن علاقة الارتباط بين المتغيرات المختلفة بما يسهم في فهم الظواهر الاجتماعية الأخرى السائدة في مجتمع بحثه. فالتحليل الإحصائي يكشف غالباً عن ارتباطات وأنماط قد لا تكشفها الدراسة الكيفية وحدها. & Fred Plog)
دانيال أو. بيتس، ١٩٨٠،٥٥)
كما ذهبا إلى أن الأنثروبولوجي حين يدرس تطور المجتمعات، يمكنه اللجوء إلى المصادر الرسمية للحصول على البيانات الكمية، ويكون هذا بمثابة خطوة أولى لفهم الثقافة، وهي طريقة أيضا لاختيار الحالات الممثلة لتلك العناصر المتضمنة في الثقافات المختلفة، والتي أبرزتها البيانات الكمية. ويجب عليه في الخطوة الثانية أن يطبق مقاييس إحصائية مختلفة للربط بين المتغيرات؛ إذ إن أحد الأهداف الرئيسية في البحث الميداني هو فهم الخصائص العامة للتنظيم الاجتماعي والسلوك البشرى، وهذا يدفع إلى جمع بيانات كثيرة وتحليلها إحصائياً حتى نتعرف على ما يدور في ميدان البحث. ويكون الإحصاء وسيلة موضوعية لتحليل البيانات، ومن خلالها تظهر الأنماط وعلاقة الارتباط بين المتغيرات، وتفسر في ضوء ذلك النتائج. محذرين في نفس الوقت من الإسراف في استخدام الإحصاء؛ لأن البيانات الكمية لا تكفى وحدها لرصد وفهم الظواهر والعلاقات الكامنة بينها، فالإحصاء أداة مساعدة خاصة في إجراء المقارنة الثقافية وفى فهم بعض ملامح البناء الاجتماعي .
(فريد بلوج ودانيال أو بيتس, ۱٩۸۰،٥٨:٦١)
ودعم روبرت ميرفى Murphy أيضا استخدام الإحصاء، مؤكدا أن الأساليب التقليدية لا تكفى وحدها في دراسة المجتمعات الحديثة المعقدة. ففي هذه المجتمعات يصعب افتراض أن البيانات التي تجمع بالأساليب التقليدية مثل الملاحظة بالمشاركة يمكن أن تصل بالنتائج إلى درجة التمثيل والتعميم أو التنبؤ، نتيجة تعدد الثقافات الفرعية والتخصص في تقسيم العمل ... إلخ. لذا يجب على الأنثروبولوجي
أن يستعين بأساليب أخرى مساعدة. فعلى سبيل المثال إذا أراد دراسة المجتمع المحلى الذي يدرس فيه الظاهرة، فإنه يضطر إلى اللجوء إلى وسائل أخرى يستخدمها السوسيولوجيون مثل المسح الاجتماعي و البيانات التعدادية الرسمية. وقد يستعين بالاستبانه في بعض الموضوعات التي يهدف منها إعطاء صورة عامة عن المجتمع، والجماعات التي توجد فيه، ويتم ذلك إلى جانب الأساليب التقليدية الأساسية، التي تمكن من الوصول إلى نتائج عميقة. وبهذا يختلف الأنثروبولوجي عن السوسيولوجي في أن مدخله للدراسة مدخل شمولى Holistic ، يجمع بين الأساليب التقليدية والأساليب الأخرى الكمية، من أجل العمق في فهم وتفسير
البيانات. (١٩٨٦,٢٢٥,٢٢٦ ,Robert F. Murphy)
وهكذا بدأ القبول الشرعي للاستعانة بالإحصاء، ولكن كوسيلة مساعدة في المنهج الأنثروبولوجي ويطبق بأسلوب بسيط حيث تجمع البيانات وتحلل كمياً، دون استخدام نماذج رياضية، إذ يظل الغالب على المنهج الأنثروبولوجي هو الأساليب الكيفية التي تجب كل تحليلاته.
٢ - الاتجاه النقدى والمنهج الأنثروبولوجي
تعرض المنهج الأنثروبولوجي للعديد من الانتقادات ، ذلك في إطار الحركة النقدية في علمى الاجتماع والأنثروبولوجيا، ، إحداها إشكالية الأسلوب الإحصائي والتي طرحت بصيغة أخرى تحت إشكالية التحليل الكمى والتحليل الكيفي. وشغلت تلك الإشكالية فكر العديد من العلماء الأنثروبولوجيين والسوسيولوجييون أيضا. وحاول أصحاب كل اتجاه تحليلي تشريح منهج الآخر بشكل صريح أو مستتر ووصمه بوصمات ليعلو كل بمنهجه وتبلورت حدة تلك المناقشات في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، وإن كانت في الحقبة الأولى بشكل صارم ذات نظرة أحادية، إلا أنها في الثانية كانت أكثر موضوعية.
وقد نبعت تلك الإشكالية من التمييز الفاصل بين العلوم الاجتماعية التي تستند إلى نظريات معرفية مختلفة، حيث ينظر للمناهج الكمية التي تقترن بنظرية معرفية وصفية باعتبارها تشير إلى جمع وتحليل بيانات كمية. وتقترن الكيفية بالأبستمولوجيا التفسيرية، حيث تميل إلى جمع وتحليل البيانات التي تعتمد على الفهم مع تأكيد المعنى. وظهرت في أغلب الكتب الدراسية لعلم الاجتماع أن الأساليب الكيفية أو "الرخوة" عادة تقدم بديهيات وأفكار حدسية يمكن أن تساعد في
صياغة الفروض التي يمكن اختبارها بشكل أكثر رصانة باستخدام البيانات الكمية أو "الصارمة". وقد أفضى هذا الاهتمام بالاتجاه الفينومولوجي في السبعينيات إلى الشكوك في جدوى تبنى نموذج العلم الطبيعي في بحوث العلوم الاجتماعية
جوردن مارشال، ج ۳، ۲۰۰۱ : ۱۳۹۸).
وجاءت هذه الادعاءات في إطار طرح قضية منهجية أخرى ألا وهي التحليل الجزئي والتحليل الكلى والمتأمل لهذه الإشكالية يجد أنها لا تمثل إشكالية بالفعل كما لا يمكن اعتبارها قضية أساسية في العلوم الاجتماعية تستدعى العديد من المناقشات؛ لأن هذا يتوقف على طبيعة الموضوع المدروس والنماذج التي تقاس )Clifford C. Clogg & Gerhard Armenger بها العلاقات الاجتماعية ١٩٩٣,٥٧: ۷۳)
ويستند السوسيولوجيون في نقدهم للمنهج الأنثروبولوجي إلى افتقاره إلى الأسلوب الإحصائي كأسلوب أساسي في البحث ، وهو بذلك يفقد الثبات والمصداقية والموضوعية التي يتسم بها المنهج الكمى، ويعنى بالثبات افتقار ثبات نفس المعلومة في ملاحظات مختلفة ونفس الملاحظة في ظروف مختلفة. أما الصدق فهو مصداقية تفسير ما يقدم من ظواهر، حيث تأتى البيانات من ذات الإخباري أو من الباحث وهنا
تفقد الموضوعية (۱۹۹۸۷۸ ,David Silverman) .
وقد رد العديد من العلماء على تلك الادعاءات، ومن هؤلاء جول سميث Joel Smith الذي يرى أن المنهج السوسيولوجى يمكن أن يوصم بتلك الادعاءات أيضاً، حيث تعبر مفردات العينة بذاتها وخبراتها ومعلوماتها عن نفسها والجماعة التي تنتمى إليها والأحداث المحيطة بها، ذلك حين تجيب عن التساؤلات المتضمنة في الاستبانه، ومن ثم توجه الانتقادات للبحوث الكمية كما هي موجهة للكيفية. ويؤكد سميث أن المناقشة لا يجب أن تستمر على هذا النحو؛ لأن لكل منهجه وأساليبه وأدواته في دراسته للظواهر الاجتماعية، وأن هناك ظواهر تحتوى على مضمونات معقدة يصعب معها القياس والتمثيل، وهنا يصبح الفهم العقلاني مهم في الدراسة، علاوة على أن هناك ظواهر أخرى يمكن قياسها، وهنا يصبح الكم ضرورة بحثية. ٤- ۱۹۹۱ ,Joel Smith)
وكتب تيم أميرا Tim O'Meara مقالة عن : الأنثروبولوجيا كعلم إمبيريقي، نشرت في عام ۱۹۸۹ ، تناول فيها الإشكاليات التي تتعرض
الأنثروبولوجيا، والتي تأتي في مقدمتها اعتمادها في المقام الأول على الفهم في تناول الظاهرة ويصم البعض هذا الفهم بالذاتية في تفسير الظواهر، حيث تنعكس معرفة الفاعلين على الباحث الأنثروبولوجي في فهمه لكثير من المعاني ، وهنا تأتى مشكلة الانعكاسية، أى أن الباحث يعكس ذات الفاعلين وذاتيته أيضا في تفسير الظواهر، وهنا تفقد الموضوعية في الأدوات البحثية، وبهذا تتبلور الإشكالية في مدى حدود الذاتية والموضوعية في البحوث الأنثروبولوجية. وهو ما أدى إلى زعم البعض أن الأساليب والأدوات البحثية في هذا المنهج غير كافية، وأنها تعتمد على النص في تفسير البيانات الميدانية. كما أن تكويد أو ترميز العناصر الثقافية تعد نوعاً من الاستبدادية بسبب ذاتية المعلومات التي انعكست عن ذات الإخباري وذات الباحث، ويدعمون هذا الزعم بأن الثقافة ليست فقط قيماً ومعاييراً ومعاني تنعكس على سلوكيات الأفراد، بل هي أسباب أكثر منها معان (J. Tim) Meara, ۱۹۸۹ ٣٥٤:٣٦٢)
ويفند أميرا تلك الادعاءات التي تأتي من جانب علماء الاجتماع، موضحاً أن تفسير النص لا يقف عند هذا فحسب، بل يبحث عن المعنى وراء هذا النص في ضوء المعرفة التي يكتسبها الأفراد، و في ضوء البناء الاجتماعي الذي يحتويهم. ومن ثم يجب على الباحثين الأنثروبولوجيين تصحيح تلك الادعاءات خاصة وأن علماء الاجتماع أنفسهم يواجهون مشكلة التمثيل الفعلى للظواهر التي يدرسونها. ويشير إلى أن الأنثروبولوجيا كعلم إمبيريقى تهدف - كما يرى - إلى وصف وتفسير الشئون البشرية أو استدعاء المعاني الذاتية في الخبرات البشرية. وبهذا لا يكون هناك تناقض بين الأهداف العلمية والبشرية في الأنثروبولوجيا المعاصرة (J.Tim O'Meara, ١٩٨٩,٣٥٦)
وحاول كل من ميلز Miles و هوبرمان Huberman في كتاب صدر لهما عام ١٩٩٤ عن التحليل الكيفي، الرد على الادعاءات الموجهة للمنهج الأنثروبولوجي بطريقة علمية. حيث أكدا على أن الأنثروبولوجيا تركز على أطر نظرية وتختبرها ميدانيا، ومن خلال ذلك تكشف عن مدى ملائمة النظرية للموضوع المدروس. ويتم تناول موضوعات عديدة مثل الظواهر الثقافية، الأنساق، المقارنة الثقافية ... إلخ. وبهذا يصبح التحليل الكيفي لتلك الموضوعات مهماً وضرورياً، من حيث الخبرات الإثنوجرافية والمعرفة ذات المنطق العلمي فضلا عن أن أدوات البحث
الأنثروبولوجي تمكن من الوصول إلى العمق في النتائج، وتكسب التحليل قوة، وإن
كان هذا يتوقف على مهارة الباحثين.
(ماثيو ب. مايلز و أ. مايكل هوبرمان، 1994، 309)
وردا على إشكالية الفهم، يشير الباحثان إلى أن دراسة الفهم لا تتم بصورة عفوية عشوائية، إذ تبدأ بالرجوع إلى المفاهيم النظرية وتساؤلات البحث ونوعية الحالات، والإخباريين، وجمع البيانات الميدانية من خلال دليل مرن فعال دائماً مع منبثقات الواقع. ثم يتم ترميز البيانات، والربط بين المتغيرات، وفي النهاية تبرز النتائج. وبهذا يتم البحث في ضوء استراتيجيات تتنقل بين الحالات والإخباريين والوصف والتفسير والتغذية المرجعية للنتائج، ومراجعة البيانات للتحقق من ثباتها ومصداقيتها. وتحلل النتائج في ضوء أساليب التفسير والتي منها التأويل في ضوء الفهم العميق للنص ومجموعة الرموز التي تعبر عن المعاني وتفسرها في ضوء ذلك. كما نجد التفسير الفونومولوجي وهو طريقة تؤدى إلى فهم التفاعل الاجتماعي من خلال فهم الجماعات المتفاعلة وتفسير الأنشطة، فالهدف هو الفهم وتوجيهات الفكر لدى الأفراد. ويوجد التفسير الإثنوجرافى كواجهة للتفاعل تمتد في تفسيرها إلى المجتمع، وتركز في مضمونها على أحداث الحياة اليومية، فهي وسيلة للفهم العقلاني للمعنى.
ويستطيع الأنثروبولوجي من خلال اهتمامه بموضوعات وثيقة الصلة بالحياة اليومية واستخدام اللغة والطقوس والعلاقات وقواعد السلوك أن يتخذ تلك الموضوعات - وغيرها - بمثابة مفتاحاً لفهم الثقافة ومجتمع الدراسة .
(ماثيو ب. مايلز ومايكل هوبرمان، ١٩٩٤،٨)
كما فند لورنس نيومان Neuman في كتاب له عن المنهج الكمى والكيفي الادعاءات التي تلصق بالمنهج الأنثروبولوجي منها : أنه منهج لا يعتمد على الإحصاءات لذا فهو منهج سهل، يعتمد على كلمات وجمل، بمعنى أنه يبدو انطباعياً وأقل تجريداً وغير واضح. ويحاول نيومان التأكيد على بطلان تلك الادعاءات، لأنه من الصعب أن نحصل على معلومات حقيقية من عقول الناس كما أن الاعتماد على المعرفة النظرية تؤكد على المعنى والبحث الأنثروبولوجي ما هو إلا سلسلة من الإجراءات والتحليلات التي تمكن من الوصول إلى نتائج
)W. Lawrence Neuman, ۱۹۹۷,۸۲-۸۳( .متعمقة
وعلى هذا يعتبر نيومان أن الفكرة التي ترى أن المنهج الأنثروبولوجي يعتمد على التنبؤ والتأمل تعد فكرة غير صحيحة ؛ لأن التحليل الأنثروبولوجي للبيانات يعتمد على التفسير العقلاني باستخدام أساليبه التحليلية، والتي في ضوئها يحلل الكلمات والجمل والرموز وأفعال الأفراد وأحداث الحياة اليومية. ويتم تحليل البيانات بصورة نسقيه خطوة تلى الأخرى، وبهذا نصل إلى معلومات كثيرة كتلك التي تجمع بالأسلوب الإحصائي.
وردا على الادعاء بأن المنهج الأنثروبولوجي منهج غير واضح، يرى نيومان أنه ربما يكون كذلك شكلا، ولكنه يتضح ضمنياً، في كل جزء من البحث، حيث التحليل الاستقرائي للغة والرموز والمعاني والعلاقات بين المتغيرات، وكذلك العلاقات السببية ( ۳۳۰ : ۱۹۹۷۳۲۲ ,W.Lawrence Neuman). ومن الخطأ الاعتقاد بأن الإحصاءات وحدها كافية في البحوث الميدانية، فعلى الرغم من أنها تساعد في اتساع قاعدة البيانات ولكنها بمفردها غير كافية لفهم مواقف الحياة اليومية وعمليات التفاعل الاجتماعي. وهنا تصبح الحاجة إلى الفهم العميق للظواهر الاجتماعية ميدانياً وهو ما يوفره ويتسم به المنهج الأنثروبولوجي W.Lawrence) (۱۹۹۷,۸۲ ,Neuman . مشيرا في النهاية إلى أن هدف البحث الاجتماعي المعرفة الجيدة والفهم الثرى للعالم الاجتماعي وأن تطوير الأدوات البحثية هي وظيفة الباحث
)دبليو لورانس نيومان، 1997)14) اجتماعي
وعلى نفس المنوال طرح دافيد سيلفرمان David Silverman في مقال له عن الكم والكيف صدر في عام ۱۹۹۸ ، ملامح المنهجين مؤكدا أن المنهج الكيفي مهم في دراسة الثقافة وعمليات التفاعل ومفتاح مدخله هو المصداقية، حيث تتم دراسة جماعة صغيرة، ويعتمد في جمع بياناتها على الإخباريين، ومعايشة الباحث المجتمع البحث فترة قد تطول أو تقتصر حسب طبيعة الموضوع. أما المنهج الكمي، فهو قياس الحقائق اجتماعية يركز على المتغيرات، وتتم معالجة إحصائية للبيانات، ومفتاح مدخله هو الثبات. وكلا المنهجين يتعاملان مع بيانات لها أكثر من وسيلة للحصول عليها، كما أن لكل منهج حدوده وموضوعاته وقضاياه David) Silverman, ۱۹۹١٤ ٨)
ومن هنا يبدو واضحاً أن للمنهجين أدوات بحثية مشتركة ولكنهما يختلفان في طريقة استخدامهما. فعلى سبيل المثال الملاحظة في المنهج الكمي تتخذ كدراسة كشفية
مسبقة قبل إعداد الاستبيان، وهي في المنهج الكيفى أساسية لفهم الظواهر الثقافية ، ويصعب جمعها بالكم، ويختلف أسلوب تسجيل الملاحظة بين المنهجين. وتفيد المقابلة في المنهج الكمي في إجراء المسوح ومقابلة العينة، وإن كانت محدودة بفترة تطبيق الاستبانة، وهي في الكيف تتم على عدد محدود من الأفراد، وتكون الأسئلة مغلقة ومفتوحة. وأخيرا يمكن أن تستخدم الوثائق في الكم كأسلوب المراجعة صحة البيانات التي يتم تسجيلها في المقابلة بينما تستخدم في الكيف لفهم كيفية ممارسة الأفراد للظواهر وتنظيم الأحاديث ... إلخ ( ۱۹۹٨,٨٤, David Silverman).
ويؤكد سيلفرمان على أهمية التكامل المنهجي، إذ يعد المقياس الكمي ذا أهمية كبيرة في البحوث الكيفية، ذلك حين يتناول قضايا كلية. ويمكن إدراج التحليل الكيفي أيضاً في البحوث الكمية من خلال وضع أسئلة مفتوحة في الاستبانة. وبهذا ترصد البيانات كما وكيفا في نسيج واحد، ويتحقق لكلا المنهجين الموضوعية وهو هدف عام في البحوث الاجتماعية (۱۹۹۸۹٤,David Silverman).
وأخيرا يشير سيلفرمان إلى أن المنهج الكمى يوجه له النقد أيضاً، وحتى من جانب علماء الاجتماع أنفسهم، خاصة بعد كتابات رايت ميلز في النظرية والبحث الكيفى وما أسماه: تجريد الإمبريالية" ، و كذلك في كتابات بولمر الذي لفت الانتباه إلى الربط بين المتغيرات. ومن أوجه تلك الانتقادات أن البيانات الكمية لا تفهم وإن الفهم يتطلب مقابلة مع الإخباريين للحصول منهم على معلومات دقيقة ، وربط تلك المعلومات بالبناء الاجتماعي في المجتمع، وهذا الأسلوب هو الشائع في المنهج الأنثروبولوجي. ومن الانتقادات الأخرى أن البيانات الإحصائية قد تتوه معها العلاقة بين المتغيرات، فضلا عن أن فهم الظاهرة المدروسة ومقارنتها بما يحدث في الواقع لا يتم إلا من خلال ممارسات الناس لحياتهم اليومية ، وهو لا يمكن الكشف عنه بالاستناد إلى إحصاءات . (۹۱) : ۱۹۹۸,۸۹,David Silverman)
وهكذا نجد أن المنهج الأنثروبولوجي تعرض للكثير من الانتقادات؛ نظرا لافتقاره إلى استخدام الأسلوب الإحصائي كأسلوب أساسي من أساليبه البحثية، وهذا ما دعا البعض إلى نقده واتهامه بفقد الذاتية والمصداقية. وهي موضوعات محسومة منذ أن تبلورت الأنثروبولوجيا كعلم قائم على أسس وقواعد منهجية، حيث تتم جمع البيانات في ضوء الملاحظة والمقابلة ويتم ذلك بطريقة منظمة على فترات من أجل تحقيق الثبات. وثمة أساليب أخرى للتحقق من صدق البيانات ومنها: الرجوع إلى
الإخباري في نفس الموضوع على فترات زمنية متباعدة وفي مواقف متباينة واختبار المعلومة بما يقابلها في الواقع، وكذلك اختبار قدرات الإخباري وأمانته ومطالبته بسرد واقعة يكون الباحث قد شاهدها بنفسه أو سمع تفاصيلها من مصادر موثوق فيها (محمد الجوهرى وعبد الله الخريجي: (۱۹۸۳). فليس معنى عدم الاستعانة بالأسلوب الإحصائي كأسلوب أساسى فى البحث الأنثروبولوجي أن تلتصق به تلك الادعاءات؛ إذ إن هناك طرقا وأدوات تمكن الباحث من العمق في تناول الظواهر ويكون الأسلوب الإحصائى أسلوباً مكملاً ، من أجل خدمة البحث وليس لقصور أو خلل في أساليبه التقليدية.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...
آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...
Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...
السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...
حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...
رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...
قصة “سأتُعشى الليلة” للكاتبة الفلسطينية سميرة عزام تحمل رؤية إنسانية ووطنية عميقة، حيث تسلط الضوء عل...
اعداد خطة عمل عن بعد والتناوب مع رئيس القسم لضمان استمرارية العمل أثناء وباء كوفيد 19، وبالإضافة إلى...
بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...
خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...
فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...
@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...