Lakhasly

عاشت في بيت صغير لم تمسه يد الاصلاح منذ بنته وكاله الغوث في احد معسكرات اللاجئين بين والدين كتب عليهما الشقاء والعناء والمكابده من كثره العيال وتزاحم الافواه على لقمه العيش كانت رجاء بكر ابويها في الثانيه عشره، من عمرها دفعها مرض امها الى ترك المدرسه الى غير رجعه فاستبدلت المكنسه وصحن العجين بالكتاب والكراس ووجه امها الذابل الحزين بوجه المدرسه الشاب المنفتح للحياه والمستقبل. وفي غمره الصراع المادي العنيف تفتق ذهن الوالد عن مشروع يزيد به دخل الاسره فابتاع بقره حلوبا نظير التنازل عن مصاغ زوجه الذي احتفظت به منذ زواجهما. وقد القى هذا المشروع الجديد مزيدا من المتاعب على الفتاه فكان لزاما عليها ان تذهب في رحله يوميه شاقه تحمل وعاء اللبن على راسها لتوزعه على بيوت المترفين في المدينه المجاوره. كانت الفتاه تقطع الطريق الترابي الطويل حافيه القدمين تستر جسمها النحيل باسمال باهته قديمه تتجول في شوارع المدينه وازقتها تنظر بعينين يملؤهما الحزن والانكسار الى كل ما يصادفها: واجهات المحال التجاريه...بائع الكباب...اولاد يتباهون بملابسهم ذات الالوان الزاهيه سوق...الخضروات والفواكه. كانت تتامل في صمت...تتوجع في صمت ولقد اكسبتها مشاوبتها اليوميه مزيدا من الجلد والخبره بالحياه واحساسا متناميا بتصرفات البشر واكتنزت كل مشاهداتها في عقلها الصغير. مرت بسوق الخضروات ذات يوم فرات الحوانيت تزدان بفواكه الصيف الشهيه: العنب والبطيخ والشمام وقد نسقت بطريقه تجذب انظار الزبائن. عجبها نداء البائعين واغانيهم: (مال الشيخ عجلين يا عنب)...(حلاوه شمام)...(عالسكين يا بطيخ). اخذت تنصت وعيونها معلقه بكومه العنب التي صفت عناقيدها في شكل هرمي جميل... انها تنظر الى الزبائن الذين يساومون...ويتذوقون عناقيد العنب ليتاكدوا من نضجه وحلاوته... تمنت ان تشتري ولو عنقودا منها. في تلك اللحظه لاحت في مخيلتها صوره والدها مكبا على قطف عناقيد العنب من المزرعه التي يعمل فيها هذه الايام، يتذوقها،
ولكنه لا يستطيع ان يحضر الى بيته ولو حبه واحده اذ ان صاحب العمل يراقب العمال عند مغادرتهم المزرعه... ويعتذر لهم بان العلم في اول الموسم وهو غالي الثمن. تذكرت ما قاله والدها وقد ارتسمت على وجهه علامات الكابه "...لقد وعدنا المسؤول عن العمال ان يعطينا ما نريده من العنب اخر الموسم". شهيتها الى حبه عنب تزداد...تحتلب ريقها وتبتلعه...ماذا تفعل؟ انها تقترب من كومه العنب... تسمرت قدماها بجانب البسطه... ايحق لها ان تختلس حبه لتتذوقها؟ نحت الفكره جانبا... اتشتري عنقودا صغيرا وتاكله في الطريق؟ صفعها البائع بِـ«عشره الكيبو يا عنب»... تحسست ما بيدها من حصيله بيع الحليب فوجدت انها لا تكفي لشراء كيلو جرام واحد من العنب وبينما كان الصراع في داخلها محتدما بين الشهوه والفعل صدمتها يدها على صدغها وطيرت الشرر من عينيها وصوت اهتزت له خلايا جسمها كلها. -ابتعدي عن البسطه هيا. لم تنبس بكلمه واحده فقد اذهلتها الصدمه فتنحت جانبا مبتعدا عن العيون التي ترقبها واخذت التذرف الدمع جزافا في صمت وواصلت طريق عودتها الى البيت وكلها احساس بالضعف والمهانه. في البيت شعرت باعياء شديد...لم تعد لها شهيه لتناول الطعام وبعد دقائق اسبلت جفونها منهكه واستسلمت لنوم عميق... ماذا ترى؟ انها سحابه عظيمه تجوب الفضاء في سرعه... برق ورعد... امطار تهطل بغزاره... انه الطوفان... انه الغرق... لا ها هي الشمس تتوسط كبد السماء كبيره عظيمه... ضوء الشمس يتوهج... تنقشع الغيوم... تغيرت الوان البيوت... البيوت تزدهي وتتطاول... على جدرانها تلتف الازاهير والورود... يخرج الاولاد من البيوت... ملابسهم جميله اخاذه... يدقون الارض باحذيتهم الحمراء... تحسست جسمها... انهه ممتلئ... والملابس جديده... حملت وعاء البن واخذت تجري فتناثرت منه قطع النقود... قصدت السوق... العنب كثير والباعه يمازحون الاولاد... اشترت بعض العناقيد ووضعتها في الاناء وعدت لتطعم اخوتها. هزها صوت امها... رجاء... رجاء... قومي يا رجاء... نمتي نوما طويلا... الم تشبعي من النوم!؟ لقد عاد ابوك ومعه العنب.