Lakhasly

إشكالية التحقيب في تاريخ المغرب القديم
حسن لیمان
المعهد الوطني لعلوم الآثار و التراث
6
إن التحقيب في التاريخ عملية صعبة تهدف إلى تقسيم التاريخ إلى مراحل متعددة لفهمه و التمكن منه وبالتالي إمتلاكه. تعتمد هذه العملية على اختيار أحداث مهمة و التي تعلن أو تخبر بمجيء فترة قد تنتهي هي الأخرى بأحداث ذات أهمية مماثلة. يصبح هذا التمرين صعبا عندما نحاول تطبيقه على التاريخ الجهوي و المحلي. لقد تناول هذا الموضوع كثير من الباحثين، دون أن يقع الإجماع على مصطلحات موحدة ، نتبناها في دراستنا وتدريسنا للتاريخ، ونقصد بهذا تعميمها في الكتب المدرسية ، التي يجب تصحيح ما تحمله من مغالطات. وتجدر الإشارة إلى أن المصطلحات التي نستعملها هي إرث ثقافي ورثناها عن من درسوا لنا التاريخ ذون أن نحاول أن ننتقدها او نؤقلمها مع واقعنا التاريخي و الاجتماعي ، حتى تعكس هويتنا وخصوصياتنا السوسيو ثقافية. فكثير من المصطلحات المستعملة تحمل في طياتها تمييزا مسبق للأخر و إغفال لما هو محلي يعبر عن الهوية و يضعنا في الإطار الجغرافي المحلي. نحن لا نريد ان نصل إلى تحقيب غير منطقي و علمي لا يعكس الحقيقة التاريخية . تغيير من هذا القبيل يتطلب التوفر على المعطيات الضرورية والمادة الخام للقيام بهذا المشروع الإصلاحي إن التحقيب المعمول به إلى حد الآن أنتقد من طرف الكثير ، الذين أظهروا عيوبه و إختلالاته و تحيزه لجانب أكثر من الجانب الأخر. تجدر الإشارة إلى أن المؤرخين يختلفون فيما بينهم حول مواضيع هذه الحقب و حول كذلك بداية و نهاية كل واحدة منها على كل ، هذا التحقيب ، و كل تحقيب بصفة عامة ، هي عملية أكاديمية محضة، هدفها تسهيل دراسة التاريخ توزيع اصطناعي من هذا القبيل يمس شيئا ما بمعنى تاريخ التجربة الإنسانية و التي تقابل نهرا من الأحداث التي يصعب تغيير مجراه. فالتحقيب العالمي، المنجز والمقترح من قبل مؤرخي أوربا و مؤرخي الغرب المعاصرين لا يرضي ولا يخدم مصالح كل الحضارات ، و خاصة و أن تقسيمهم للتاريخ انبثق من تجربتهم الخاصة و من نظرتهم للآخر لا بد من القول بصريح العبارة أنه تحقيب ورثناه هو أيضا عن الفترة الإستعمارية ، وعن المؤرخيين الأجانب الذين بالنسبة إليهم المسألة واضحة ، لكن بالنسبة لنا و للإنسان العادي لا يجد ما يمث بصلة إليه و إلى رقعته الجغرافية. في هذا التحقيب بداية التاريخ القديم تبدأ دائما بمجيء الفينيقيين، و هنا نتسائل فعلا متى يبدأ التاريخ القديم؟ هل فعلا بمجيئ الفينيقين ،؟ يبدو أن تاريخ المغرب القديم يبدأ قبل مجيء الفينيقيين بكثير ' بينما هناك من يقترح أن المغرب في بداية التاريخ لم يعرف إلا عن طريق ما عكسه التاريخ الفينيقي القرطاجي 2 . أما الحقب التالية المستعملة عادة فهي الفترة الفينقية المتاخرة و البونية أو بتعبير البعض الفينقية البونية، الفترة الموريطانية تم الرومانية و أخيرا الوندالية والبيزنطية. نستشف من خلال المصطلحات الواردة في هذا التحقيب ، أن المصطلحات المستعملة لا تشير إلا إلى المستعمر باستثناء الفترة الموريطانية ، و كأن تاريخ هذا البلد هو تاريخ استعمار فقط، لا نتحدث إلا على الشعوب أو الحضارات الأخرى التي بطريقة أو بأخرى فرضت وجودها بالمغرب . وهوما سبق للعروي أن عبر عنه بقوله " يظهرون لنا المغاربة وكأنهم أشخاص ثانويين يشاهدون من بعيد ما يقع على أرضهم من مآسي"3 تساؤل يطرح بحده عند التحدث عن التحقيب في التاريخ القديم و هو المتعلق بمشاركة الساكنة المحلية في المسار التاريخي، و تفاعلها. مع مختلف الأحداث المهمة التي ميزت كل فترة على حدا لماذا تم إقصاء الساكنة المحلية حتى في التسمية . ألا
محمد مجدوب ، أضواء على تاريخ المغرب القديم قبل العهد الفينيقي ، النشرة الأثرية المغربية،-2004،20،ص3-16 العروي ، مجمل تاريخ المغرب، الرباط ، 1994،ص.38
Rebuffat2001, p.34
يمكن رد الاعتبار لهذا التاريخ ، بتفكير جدي أكاديمي ، يساهم في وضع لبنة تحقيب جديد ، برؤية مغربية موضوعية. سنحاول في تعرضنا لبعض هذه الفترات المعمول بها أن نقف على بعض خصوصيات الساكنة المحلية و على تفاعلها مع مختلف الأحداث التي ميزت كل فترة على حدى مع التأكيد على الطابع الكرونولوجي إعتمادا على ما توصلت إليه الأبحاث الأثرية في مختلف جهات المغرب.
-I
الفترة الفينيقية
أول فترة تاريخية متعارف عليها في تاريخ المغرب و تغطي الحقبة الممتدة ما بين القرن 8 ق.م إلى القرن السادس حسب المواد الأثرية و من القرن 12 ق.م إلى حدود القرن السادس قبل الميلاد . تميزت هذه الفترة بإنشاء مراكز و عمرات على الواجهتين البحريتين المتوسطية و الأطلسية هذه المراكز لا تتعدي 3 أو أربع مراكز على الواجهة الأطلسية و ثلاثة أخرى على الواجهة المتوسطية . أقدم هذه المراكز موقع ليكسوس، الذي أنشأ حسب النصوص أواخر القرن 12 ق.م أو حسب المعطيات الأثرية ببداية القرن 8 ق.م، قرب مصب نهر اللوكوس. لقد مكنت للقى الحفريات
المقلية بينا اليـ
التماثل القائم على
المواد المنتجات المتبادلة بين هدا البيكن
المستعمرات
الفينيقية الأخرى الموجودة في الجهة الغربية للبحر الأبيض المتوسط، هذا التماثل أو التشابه يعود بالدرجة الأولى إلى طريق تجاري بحري من يربط ما بين هذه المستعمرة و الواقعة في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة الإيبيرية. و لا بد من التذكير بأن هذه الطريق هي ما اصطلح على تسميتها : درة ممر جبل طارق ، و التي