Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

وقبل الحديث عن مستقبل ظاهرة العنف يقتضي الحال أن نبين عن أي عنف نتحدث في العراق؟ ثم إلى أي اتجاه تميل الظاهرة؟ وسنعالج الموضوع عبر تقسيمه إلى محورين (متغيرات الظاهرة والمستقبل) علاوة على توطئة تعرف شكل الظاهرة الجاري الحديث عنها وتحليلها. يصعب حصر العنف في دائرة واحدة والقول إنه ينحصر في أعمال القتل، فالعنف أوسع من ذلك ليرتبط بما هو أوسع من الحرمان من الحياة الاجتماعية المستقرة ضمن رؤى وأجندات سياسية محددة، ليندرج في إطار كل ما يعيق التمتع بحياة مستقرة أو يعيق الإنسان عن تنمية حياته وقدراته الإنسانية. لذلك سوف نتجه نحو تقسيم أعمال العنف التي تجري في العراق إلى الأنواع الأربعة الآتية:
النوع الأول: العنف الاجتماعي الصرف: وهذا الشكل يأخذ من إجمالي أعمال العنف في العراق نسبة محدودة. أو قتل من قبل جماعات تمارس القتل بشكل منظم وهي العصابات والمافيات التي انتشرت في العراق بكثرة بعد التغيير الذي حصل في البلاد عام 2003، وهناك السرقة المنظمة التي يمارسها عدد غير قليل من الأفراد والسياسيين الذين جاؤوا إلى البلد بعد التغيير من سرقة لأموال العراق وثرواته وتهريب كل ما يمكن تهريبه وتحت أكثر من أسلوب. والتي تنشأ في الغالب تحت أسباب عديدة في المجتمع العراقي. النوع الثاني: العنف الاجتماعي-السياسي: وهذا الشكل هو الآخر يأخذ من إجمالي أعمال العنف في العراق نسبة محدودة. ووجهاه العنف الطائفي والعنف العرقي. فكل هذه الأعمال وإن كانت مظاهر اجتماعية إلا أن لها أبعاداً سياسية. ب- العنف الناجم عن الفقر والعوز، وهذا النوع يدفع الأفراد تحت طائل الفاقة إلى تنظيم أعمال العنف ضد مؤسسات الدولة، أو استعدادهم للانخراط في أعمال عنف منظمة ضد أي هدف كان. وإذا كان هذا الشعور مرفقاً بوجود تمايز فئوي فإنه سيدفع إلى ممارسة العنف على أسس سياسية. النوع الثالث: العنف السياسي الداخلي: ويكاد يشكل هذا النوع نحو نصف أعمال العنف في العراق، وأنواعه وتصنيفاته عديدة منها الآتي:
وله شكلان عنف طائفي وعنف عرقي، ورغم أن البعض يقول إنه لا عنف تحت هذا الباب في العراق، وأضاف: (ما جرى في الأعظمية نهاية شهر إبريل 2006 من تدخل لميليشيات مسلحة واندلاع مواجهات بينها وبين الأهالي ولمدة ثلاثة أيام وفي أوقات حظر التجوال ومن دون تدخل القوات الحكومية أو الأمريكية يتحمل تبعاته الاحتلال، إلا أننا نقول إن العنف الفئوي موجود والحرب باردة وتمارس تحت ظلال شعارات مختلفة منها: إلقاء اللوم على جماعة الزرقاوي، القتل بدواعي الثأر، والأشكال التي يمكن أن نرصدها لهذا العنف هي الآتي: التصفية الجسدية الجماعية، التهجير الجماعي والأمران نجدهما في المناطق التي تشهد تماساً واسعاً في بغداد وديالى وبابل والبصرة وكركوك والموصل. وأنواعه التلاعب بنتائج الانتخابات ويحدث غالباً قبل الانتخاب وبعده، استثمار أموال الدولة في دعاية محددة، وتندرج تحتها أعمال مقاومة ضد القوات الأجنبية في العراق، وكذلك ضد التشكيلات المسلحة المختلفة التي تمارس أعمالاً مسلحة ضد الغرماء والمنافسين وكل من يعيق سيطرتهم على البلد (وأهمها منظمات الأحزاب التي تمارس سلطة منذ نيسان 2003). وأحياناً يوجه إلى القوات الأمريكية داخل المدن مما يوقع ضحايا من كافة الأطراف وبضمنهم المواطنون، وأحياناً أخرى يوجه إلى الضد من المواطنين والأحزاب المنافسة والقوات الأمريكية. وفي الغالب تلقي تبعاتها على أعمال المقاومة رغم ما فيها من تشويه لأعمال هذه الأخيرة. هـ-أعمال عنف القوات الحكومية أو ما يسمى (فرق الموت) الموجودة في جسم بعض ألوية وزارتي الداخلية والدفاع، كما تمارس أحياناً إلى الضد من فئات اجتماعية معينة (العرب السنة) لزرع واقع ديموغرافي – سياسي جديد في البلد. النوع الرابع: العنف العابر للحدود: ويأتي من مصدرين:
أ-العنف الاستخباري الذي تمارسه أجهزة مخابرات إقليمية وعالمية ذات نشاط ومصالح من إقرار الوضع السياسي في العراق وفق صيغ محددة. ويكون غالباً موجهاً إلى الضد من المواطنين وعلى أسس اجتماعية، أو إلى الضد من بنى مؤسسية رسمية في الدولة العراقية، أو إلى الضد من قوات الاحتلال لزيادة توريطها في الوضع العراقي، ب-العنف الذي تمارسه القوات الأمريكية والأجهزة الاستخبارية الأمريكية. والثاني إلى الضد من القوى المناوئة من بين المقاومين العراقيين والغرماء الآخرين. والنوع الثالث هو إلى الضد من مصالح ونشاط القوى الدولية المناوئة في العراق. والواضح أننا عندما نتحدث عن العنف في العراق فإننا نقصد الشكلين الأخيرين: العنف الاجتماعي-السياسي، والعنف السياسي كونه موجهاً ليس إلى الأفراد لذواتهم بل إلى الأفراد والجماعات بسبب نوع الانتماء الاجتماعي والفئوي. وكلاهما ذو منشأ اجتماعي في جذوره الأولى. الفرد) والعلاقات بينهما، فالأسرة العراقية غالباً ما تنشأ أفرادها على فكرة الصواب المطلق وخطأ الآخرين المطلق في معظم الاعتقادات. أسبابه التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تعول على العنف. العلاقات بينهما، أسبابه غياب الثقة بتفكير الإنسان العراقي بنفسه وبالآخرين. -التعددية الحزبية المفرطة والمتصارعة، أسبابه عدم قدرة الإنسان العراقي على تكوين رأي ناضج ومهم دون وصاية. أسبابه تقديس الذات وغياب مفهوم القانون والنظام في فكر وسلوكيات الإنسان العراقي عموماً. المحور الثاني-متغيرات المشهد السياسي العراقي خلال المستقبل القريب:
علينا ابتداء أن نحلل النسيج الاجتماعي ذا البعد السياسي، متغيرات المشهد السياسي العراقي وأبرز هذه المتغيرات من وجهة نظرنا هي:
نفضل تحديده في صيغة الحدود الراهنة إلى نشأة الدولة العراقية بداية القرن الماضي. ويتصف المجتمع العراقي بالتعددية الاجتماعية، أو شدة التنوع من حيث الانتماءات والعصبيات القبلية والطائفية والعرقية، بحسب البيئة والإقليم والنظام العام ومستوى المعيشة والوضع الاقتصادي والتجارب التاريخية، ومع ذلك أبرز ما يلاحظ على هذا المجتمع:
* السيطرة الأبوية ويمكن إرجاع الكثير من الأمراض والانهزامات العراقية إلى التركيبة الاجتماعية، وهيمنة السلطة الأبوية ليس في العائلة فحسب، بل في مختلف مؤسسات التربية والعمل والدولة. فالأب هو المحور الذي تنتظم حوله العائلة بشكليها الطبيعي والوطني. فإرادة الأب في كل من الإطارين هي الإرادة المطلقة. وانعكست الصفة أعلاه في دفع المجتمع العراقي تقليدياً نحو الأبوية والنزوع إلى الاستبدادية على مختلف المستويات، إنها تعتدي على حقوقه المدنية وتعطل دوره في تحسين مستويات معيشته وتجاوز أوضاعه، فتحيله إلى كائن عاجز، مرهق بمهمات تأمين حاجاته اليومية ومنشغل عن قضاياه الكبرى بأمور المعيشة والاستمرار. -لقد كشف عدم استقرار السلطة السياسية في العراق ليس عن اغتراب الأفراد والجماعات فقط بل اغتراب المجتمع العراقي بالذات وأقصد ثلاثة أمور هي: عدم سيطرة المجتمع على موارده ومصيره. وتزيد من تعقيدات هذا الاغتراب التصفيات والإقصاءات الطائفية الداخلية. وما يرافقها من تدخلات إقليمية لجعل العراق إما امتداداً لدول الجوار أو ساحة لمواجهة سياسية مع الولايات المتحدة. * لأن المجتمع يمر في مرحلة انتقالية متأزمة، نجد أنه لم يستقر بعد على هوية ونظام وغاية. الارتباطات الطائفية) على الفرد، كما على المجتمع، مادام أن المجتمع العراقي غير متجانس. إن الجماعة لا تزال إلى حد بعيد تشكل المحور أو النقطة المركزية التي تنتظم حولها النشاطات الاجتماعية والسياسية الملزمة. وما يتوقعون منا. وهي علاقات فئوية يستمد منها الفرد اكتفاء وطمأنينة نفسية- تتعارض في الغالب مع أنماط العلاقات السائدة في المجتمعات المتقدمة التي تسودها علاقات تعاقدية تنافسية من دون التزام بالآخر، فيستمد الفرد اكتفاءه الذاتي ليس من العلاقات الشخصانية الحميمة بل من إنجازاته وعمله ونفوذه ومن مقتنياته بالدرجة الأولى. * ويضاعف تأثير الوصاية الطائفية التي يمارسها رجالات الطوائف المختلفة كون مؤسسات المجتمع المدني بقيت أبواباً للاسترزاق في الغالب، وغاب دورها الفعلي ما عدا نشاط هنا وآخر هناك يكاد مفعولها لا يظهر ولا يليق بحجم مستوى الدعم المالي والمنح أو حتى تخصيص وزارة لها. 2-عدم وجود رأي عام عراقي فاعل: هناك مشكلات ترافق استخدام مصطلح الرأي العام في العراق. هي:
ولأبنائه تعليماً أفضل، غير أن العناصر الأهم في تشكيل الرأي العام في أية مدينة عراقية لا تزال مسائل الكرامة القومية (العرقية) والأهم الطائفية والعشائرية. وهذا ما يضعف السيرورة والدينامية الديمقراطيتين لبلدنا، مما لا يتبلور رأي عام من دونهما. ويلاحظ أنه حتى إذا ما وجد حيز عام يحتضن التداول في شأن تلك القضايا، إلا أن القمع يسحقها ما لم تحكم بقضية غالبا ما توصف بأنها مقدسة، وهذا الاستدعاء الدائم للمقدس يقوض بالضرورة إمكانية بناء حيز عام علماني. حتى البنى التنظيمية الحديثة من أحزاب ونقابات تستخدم تلك الهرميات التقليدية التي تسحق الفرد لمصلحة الزعيم أكثر مما تساعد الفرد على تطوير شخصيته وصوته الخاص المميز. الثبات والجمود. وكذلك الحال مع القوميين وغيرهم. وإذا كان الحدث هو ما يغير الرأي العام في هذا البلد الغربي أو ذاك، في موقفه من هذا الموضوع، بدوره، * في العراق هناك ما يكفي من المبررات للشك بدقة استقصاءات الرأي العام إذا ما أجريت أصلاً، وغياب الدراية والمعرفة العلمية بالظواهر والوقائع يجعل التفسير العلمي غائب لصالح التعالي بالعاطفة. فالآن كم منا يقبل فكرة أن إيران عدو دائم للعراق - قد تقبل الأمر- عن إدراك، آراء الجماعات المتلقية لتعليم عالٍ لكنها لا تستطيع البوح به أمام موجة العاطفة التي تجتاح جماهير الشارع العراقي. 3-بقاء حالة التعددية الفكرية-السياسية غير المنضبطة: لقد وجد المجتمع العراقي والقوى الفاعلة فيه فجأة ومن دون مقدمات نفسه في مواجهة وضع جديد لم يتعود عليه طيلة العقود الثلاثة الماضية. حيث أصبحت الساحة السياسية الداخلية مباحة لكل من يريد أن يؤسس حزباً أو ينشئ تكتلاً سياسياً، ومنها:
ج-عدم وجود قيود على نشاط القوى السياسية. والرغبة في أداء أدوار سياسية. وتمثيل العراقيين، وهو ما يتجلى بين فترة وأخرى في اجتماعات بعض الأحزاب في مؤتمر أو تجمع سياسي تدعي أنها تمثل العمل السياسي والحزبي رغم اعتراضات عديدة على ذلك. وبدلاً من توحد خطوط العمل السياسي في إطارها العام، أسفرت الخلافات السياسية إلى بروز مجموعات تتصارع فيما بينها حول التمثيل السياسي من أصغر حلقاته إلى أعلاها، وهذه المجموعات هي:
ب-تلك التي عارضت الوجود السياسي الأمريكي، وأن السياسة السلمية هي الكفيلة بإخراجه. ومثالها الجماعات التي ترعى فكرة قيام الملكية الدستورية. 4-متغير التأثير الخارجي: يكاد هذا المتغير يكون الأهم لولا وجود نظرة مسبقة لدى مختلف الأطراف العراقية وحساسية من سلوكيات دول الجوار والعامل الأمريكي. ويبرز تأثيره في زيادة التجهيل (من الرغبة في زيادة الجهل والأمية) العراقيين بمفهوم المجتمع المدني، وتشويه ظهور رأي عام مستنير. وإعادة صياغة اللعبة السياسية وفقاً لفهمها هي ومصالحها. ويتحكم بسلوكيات القوى الدولية تجاه أطراف اللعبة العراقية صراعها بعضها مع البعض الآخر على الأرض العراقية، والمتوقع له التواصل والاستمرار. ورغم تأثير المتغيرات أعلاه في صياغة الخارطة السياسية لأعمال العنف إلا أنه علينا ألا نجعل أمر قيام أو نشوء مشهد معين أمراً حتمياً، وكلاهما يقوم على أساس رصد المتغيرات القائمة وتوقع امتداد تأثيرها أو تقلصه أو بروز متغيرات أخرى غير قائمة في فترة الدراسة والبحث. وأهم عناصره الآتي:
إذ صبت في هذا المجتمع الكثير من الأعراق والأديان والطوائف ليخرج منها بمزيج معقد للغاية، وإذا نظرنا في الموروثات الموجودة لدى أغلب العراقيين (في التفكير والسلوك) لرأينا العنصرين الأكبر منهما وهما الموروثات الطائفية والموروثات العشائرية التي طغت حتى على الكفاءة. ومن ثم سيادة نزعة (الصراع الصفري) وليس التنافس في إقرار مكتسبات الأمر الواقع غير القابل للتنازل عنها لمصلحة الطائفة أو العشيرة بالطبع وليس لمصلحة العراق. 2-المصلحة الوطنية العراقية: هناك شبه اتفاق على أن ما قامت به الولايات المتحدة من إسقاط النظام السياسي في العراق كان عملاً مقدراً. وفي الفترة الأخيرة تبلورت قناعة لدى هذه القوى بأن مالك الشرعية (الشعب) قد لا يمنحها لهم. الذي غالباً ما يعبر عنه كل طرف من الأطراف المتصارعة بالدفاع عن الضحية (العراق)، هل أبدت الضحية (القوى السياسية العراقية) وجهة نظر تعبر عن آراء مستقلة في قضايا عراقية موضع تداول أو خلاف بين القوى الكبرى؟ أم أن آراءها تتوافق مع الرؤية الأمريكية، ومن ثم كان لزاماً على المنتديات الدولية أن تحجم عن الحديث عن الضحية؟ ولدينا المعطيات الآتية:
واعتمدت مقاربة تخدم الهدف الذي رمت إليه. بمعنى عدم السماح الجدي بتوسيع دور الأمم المتحدة في عملية إعادة الإعمار على حساب الأدوار الأمريكية، رغم صدور القرار الدولي 1546، وتبقى المسألة المشكوك فيها هي عدم تدخل الولايات المتحدة في ضمان مصالحها في العراق. استثمارات. تهدف بمجموعها إلى إعطاء دفعة قوية للاقتصاد العراقي لكي يقف على قدميه. وأهمها أن يكون العراق مستقرا من الداخل بغية تبديد مخاوف البيئة الدولية والتعامل مع متطلباتها بشكل أكثر مرونة. لكن هل القوى العراقية قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية بشكل مباشر. إذا كان الجواب بالإيجاب فإن العراق المستقر سيساهم في توجيه مؤشر الوضع السياسي للبلد من خلال تشكيل تحالفات بين القوى السياسية ذات الأيديولوجيات المتقابلة لخوض غمار العملية السياسية خلال الأعوام الأربعة المقبلة. وهذا ما سيعكس انطباعاً لدى القوى الكبرى بأن القوى العراقية جادة في تحقيق استقرار الوضع في العراق، بما يمثل استجابة لبعض توجهات تلك الدول، وبالتالي يضعها أمام مسؤولياتها في الإسهام في إعادة إعمار العراق. وهو مطلب أوروبي وروسي. ج- المسألة التي تطرح نفسها اليوم هي تأسيس كيان سياسي يضم كل الأطراف أو بالأحرى لا يقصي البعض عمداً بحيث تستمر سياسة تصفية الحسابات الطائفية والعرقية. ونعتقد أن العراقيين سوف لا يحالفهم أي نجاح في تأسيس بلادهم من جديد إذا ما حمل كل طرف أجندة عمل خاصة به معبراً عنها بحزب سياسي. يضع مصالح العراق العليا أولاً وقضاياه ومستقبله. إن الحديث عن الإقصاء الطائفي بات يفرضه الواقع المعاش حالياً في العراق، كما تفرضه دعوات الوصول إلى الأمن الاجتماعي والسياسي. أما ما ساد المجتمع العراقي أثناء حكم الرئيس السابق صدام حسين فهو نوع من الارتباك لأن طبيعة تكوين النظام كانت غريبة عن المقاييس الاجتماعية والسياسية. فلا يستطيع الفرز بين المسألتين. وفي أحيان أخرى بشكل غرضي. واليوم نلاحظ أن الثقافة العراقية صارت تفرض الانتقاء الطائفي، ويبعد أو يقصي الآخرين. لقد خرجت صيغة مجلس الحكم المعتمدة على نسب معينة وتوزيع طائفي مدروس من قبل الدوائر المسؤولة في الولايات المتحدة، أي ممارسة الطقوس والشعائر وتغييب الآخر على أسس طائفية، بدا وكأنه يعطي احتمالات عديدة ليس بشأن نهاية الدين وسقوط حكم العقل، إنما يفتح المجال واسعاً أمام الدولة العراقية ذاتها. فقد طرأ نوع من التحول على نفسية العراقيين فقد أخذوا يعودون إلى الطائفية والبحث عن الطقوس بكل السبل، فالعودة لم تكن إلى الدين الإسلامي بالمعنى التقليدي للكلمة، والتنازل عن مكتسبات الأمر الواقع غباء، وهنا يبدو أن المعرفة استنفدت طاقاتها بدورها في اختراق العقلية العراقية، فما وافق حكم الطائفة هو مقبول، فهو قد ينتقص من آراء طائفة مثلما يؤدي إلى إعلاء شأن آراء طائفة أخرى، ولا نعني هنا آراء طائفة ما إنما آراء الفئات المستفيدة من التمسك بالفكرة الطائفية. والعلم عندنا يمتد ليشمل استخدام العقل، لهذا السبب فإن العراق الذي ابتعد عن الفكر الطائفي قبل عقدين أخذ يعود الآن إلى الأشكال الطائفية التي سادت في العصور الوسطى، مادامت ظروف التعلق بها متيسرة. فالعقليات التي تنورت وتعقلنت واهتدت للموضوعية ولم تعد تستطيع العودة إلى الوراء وجدت أن حكم العقل غير مقبول، والجدل العقلاني والموضوعي بشأن الآراء الدينية التي لم تحكم بنصوص صريحة محكمة. ولا نريد محاسبة عامة القوم حول تجاوز أو اعتداء على حرمة المحكمات من النصوص والعبادات، لكننا نتساءل ما الذي طرأ على الوعي الديني/ الممارسات الطائفية في العراق؟ تساعدنا الإجابة على فهم سر الصراع الجاري حالياً بين الطوائف المحسوبة على الإسلام، أو قل بين الجماعات الأصولية المتطرفة في تلك الطوائف لكي نكون أكثر دقة ووضوحاً. وخلال بضع سنوات طرأ انقلاب كبير على الممارسات الدينية والعقلية العراقية، وأصبح لا يشكل قناعاته بنفسه وبشكل عقلاني وبعد غربلة وتمحيص. كما كان يحصل في القرون الوسطى، وعلى هذا النحو ابتعد العراقيون عن الدين، وأصبحت الطائفة تفرض نفسها عليهم من فوق ككتلة واحدة لا تناقش ولا تمس، بدرجة أو بأخرى. والواقع أن الإيمان بروح وجوهر الدين يمثل أقلية، والسعي لإلغائه أو اجتثاثه، فقد أخذ يمثل الأغلبية في المجتمع. فالطائفية لا تعني الذهاب إلى المسجد كل يوم ولا كل أسبوع، فالمساجد عبارة عن متاحف تقريبا إذا ما أخذنا في الاعتبار الحاضرين لأداء العبادات مقارنة بتعداد سكان المنطقة التي تقع فيها دور العبادة، إنما على الأقل مرة واحدة في الأسبوع. فهناك شرائع واسعة تمارس طقوسها عن جهل؟ ويكرس ذلك أن السلطات الطائفية والسلطات السياسية أدمجت (الحج إلى المراجع). وينظر إليه كعضو في طائفة ما، وليس كمواطن عراقي. ولا مواطناً من الدرجة الثانية لأنه ينتمي إلى ذاك المذهب. هذا الشيء يفترض به أنه قد انتهى في عهد المعرفة، أو عدم الانتساب إلى أي مذهب على الإطلاق، ولما جاء الاحتلال تحت شعار الدولة الحديثة لوحظ أن أهم مكتسبات المرحلة التاريخية السابقة قد قوضت، وظهرت فكرة التوافق والمحاصصة الطائفية، وفي الوقت عينه جار تكريس التبعية للقوة العظمى بعد أن شتم أطراف في الطوائف والملل بعضهم بعضاً، وجرت تصفيات لبعض الرموز بتأثير الدهماء من الناس، أو بفعل مواقف أطراف خارجية لها حساباتها في عراق الغد، وترك الدين بمفرده دون ظهير، فمنظمة بدر الموالية لايران، وميليشيات جيش المهدي قد صفت أكثر من 40 ألفاً من العرب السنة خلال فترة حكم الجعفري وحدها. أما العمليات التفجيرية فقد ذهب ضحيتها نحو 28، أو ضحايا الميليشيات الموالية لإيران للفترة من نيسان 2003 إلى شباط 2005، موجود، فتكرست لدى العامة أيديولوجية الطاعة (وإن كان امتدادها إلى مرحلة ما قبل نيسان 2003) والتي تقوم على الصبر والتواكل والرضا والقناعة والخوف والخشية وهي قيم سلبية تجعل الناس أقرب إلى الاستسلام منها إلى الأحكام الموضوعية. ولي أمر المسلمين، فالإسلام منهج، جميعا، ربما، إلى (. من العرض المتقدم يمكن إدراج المتغيرات التي تؤثر في استمرارية ظاهرة العنف وهي:
1-قوى السلطة: أهم ما يميز عمل هذه القوى هو طلب الاستئثار الدائم بالسلطة، ورفض مفهوم الآخر، 2-القوى المسلحة: أهم ما يميز عمل هذه القوى هو تخطئة العملية السياسية تحت الاحتلال، وعدم وجود لغة خطاب مقبول من جميع العراقيين، وعدم القدرة على مواجهة التشويه الإعلامي، والاتجاه نحو الفيدرالية، ثالثاً: سلوكيات القوى الدولية، 2-سلوكيات الولايات المتحدة: أهم ما يميز عملها هو تكوين نظام سياسي هش وتابع لها، وتحقيق استقرار مقبول في العراق وجعل العراق قاعدة متقدمة للولايات المتحدة وتصفية الغرماء. 3-سلوكيات الدول العربية: أهم ما يميز عمل هذه القوى هو تشجيع العراق على اعتماد توجه سياسي عربي، وضعف في مواجهة المشروعين الأمريكي والإيراني واستثمارهما في العراق. المحور الثالث-مصير ظاهرة العنف السياسي
مما تقدم نصل إلى النتائج الآتية:
وتحديداً في مجالات القتل بدوافع إجرامية، والسرقة، سيشجع الدفع نحو الاستقرار السياسي إلى مزيد من الوضوح للمستقبل. وإن كان هذا الأمر لن يستبعد حصول تمرد هنا وهناك كنتيجة لعدم اتفاق السياسات الإقليمية والأمريكية ورغبة الأطراف الإقليمية في إظهار قوتها داخل العراق عبر تحريك التوابع. إلا أن العنف الفئوي يتوقع له الاستمرار في نفس معدلاته. والعنف القائم على الفقر والعوز والبطالة يتوقع له الزيادة إلى معدلات أعلى. الأمر الذي سيعيد إنتاجه على النحو التالي:
* العنف الفئوي، سيقل في مجال التصفية الجسدية الجماعية والتهجير الجماعي بسبب الدعوات إلى: دمج الميليشيات بالأجهزة الأمنية، والضغوط على الولايات المتحدة نحو عدم إفساح مجال أمام المجازر الجماعية، وازدياد الحرج الذي تقع به الحكومة من تنفيذ البعض فيها لسياسات التصفية دون رادع قانوني، الإقصاء، غياب الثقة، غلبة الوصاية الطائفية والعرقية على المشاريع السياسية. * العنف الحزبي، سيبقى على حاله نظراً للتأسيس الخاطئ للأحزاب والعملية السياسية. وكذلك الحال مع العنف السياسي المسلح. فالمقاومة ضد القوات الأمريكية والبريطانية ستبقى على حالها، أما العنف السياسي غير المنضبط ففيه احتمالان: سيقل في مجال ضرب المواطنين والقوات الأمريكية، لكنه سيزداد من قبل الجماعات الحزبية والميليشيات تجاه بعضها البعض.


Original text

وقبل الحديث عن مستقبل ظاهرة العنف يقتضي الحال أن نبين عن أي عنف نتحدث في العراق؟ ثم إلى أي اتجاه تميل الظاهرة؟ وسنعالج الموضوع عبر تقسيمه إلى محورين (متغيرات الظاهرة والمستقبل) علاوة على توطئة تعرف شكل الظاهرة الجاري الحديث عنها وتحليلها.
المحور الأول-أشكال العنف الدائرة في العراق:
يصعب حصر العنف في دائرة واحدة والقول إنه ينحصر في أعمال القتل، فالعنف أوسع من ذلك ليرتبط بما هو أوسع من الحرمان من الحياة الاجتماعية المستقرة ضمن رؤى وأجندات سياسية محددة، ليندرج في إطار كل ما يعيق التمتع بحياة مستقرة أو يعيق الإنسان عن تنمية حياته وقدراته الإنسانية.
لذلك سوف نتجه نحو تقسيم أعمال العنف التي تجري في العراق إلى الأنواع الأربعة الآتية:
النوع الأول: العنف الاجتماعي الصرف: وهذا الشكل يأخذ من إجمالي أعمال العنف في العراق نسبة محدودة. وأشكاله عدة منها:
أ-القتل، وسواء أخذ مظهر القتل بدوافع قبلية أو تنفيذاً لأعراف الثأر، أو أخذ شكل الدوافع الإجرامية من قتل في إطار جريمة عادية، أو قتل من قبل جماعات تمارس القتل بشكل منظم وهي العصابات والمافيات التي انتشرت في العراق بكثرة بعد التغيير الذي حصل في البلاد عام 2003، وتحديدا في مجال الخطف لأغراض الابتزاز ومافيات المخدرات.
ب-السرقة، وهي أنواع كذلك، منها السرقة غير المنظمة التي تنشأ تحت طائل الظروف الشخصية، وهناك السرقة التي تقوم بها عصابات المافيا، وهناك السرقة المنظمة التي يمارسها عدد غير قليل من الأفراد والسياسيين الذين جاؤوا إلى البلد بعد التغيير من سرقة لأموال العراق وثرواته وتهريب كل ما يمكن تهريبه وتحت أكثر من أسلوب.
ج-المشاجرة، والتي تنشأ في الغالب تحت أسباب عديدة في المجتمع العراقي.
د-وهناك العنف الأسري: والذي ينتهي في الغالب إلى تكوين نشء / فرد مشوه، مركزي، استبدادي، متطرف، تكفيري.
هـ-الاغتصاب، وهي ظاهرة أخذت تستشري في المجتمع.
النوع الثاني: العنف الاجتماعي-السياسي: وهذا الشكل هو الآخر يأخذ من إجمالي أعمال العنف في العراق نسبة محدودة. وأشكاله عدة منها:
أ-العنف الفئوي، ووجهاه العنف الطائفي والعنف العرقي. ومظاهره عديدة تبدأ من النكتة البسيطة التي تستهجن الآخر ومروراً بالتكفير والشائعة وانتهاء بالتصفية الجسدية الفردية (في نطاق فرد واحد) والتهجير الفردي (عائلة واحدة). فكل هذه الأعمال وإن كانت مظاهر اجتماعية إلا أن لها أبعاداً سياسية.
ب- العنف الناجم عن الفقر والعوز، وهذا النوع يدفع الأفراد تحت طائل الفاقة إلى تنظيم أعمال العنف ضد مؤسسات الدولة، أو استعدادهم للانخراط في أعمال عنف منظمة ضد أي هدف كان.
ج-التمرد، وهذا قد ينشأ في المناطق التي تستشعر أن هناك حرماناً مقصوداً من خدمات أو امتيازات.. وإذا كان هذا الشعور مرفقاً بوجود تمايز فئوي فإنه سيدفع إلى ممارسة العنف على أسس سياسية.
د-اللااستقرار السياسي ولا وضوح المستقبل، وغالباً ما يستشعر بذلك الفئات المثقفة التي لا تجد وسيلة أو أملاً في تغيير واقعها أو الواقع العام السائد.
النوع الثالث: العنف السياسي الداخلي: ويكاد يشكل هذا النوع نحو نصف أعمال العنف في العراق، وأنواعه وتصنيفاته عديدة منها الآتي:
أ- العنف الفئوي، وله شكلان عنف طائفي وعنف عرقي، وهما موجودان في كل مناطق العراق، ورغم أن البعض يقول إنه لا عنف تحت هذا الباب في العراق، ولنأخذ حديث الدكتور حارث الضاري، الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق في لقاء مع فضائية (الشرقية) يوم 29 إبريل 2006: (دماؤنا نازفة والألم يعتصر.. (و) ما يجري في العراق صراع حزبي سياسي مصلحي وليس صراعاً طائفياً مذهبياً دينياً). وأضاف: (ما جرى في الأعظمية نهاية شهر إبريل 2006 من تدخل لميليشيات مسلحة واندلاع مواجهات بينها وبين الأهالي ولمدة ثلاثة أيام وفي أوقات حظر التجوال ومن دون تدخل القوات الحكومية أو الأمريكية يتحمل تبعاته الاحتلال، والحكومة السيئة بأدائها، فهي من أطلقت العنان للميليشيات). إلا أننا نقول إن العنف الفئوي موجود والحرب باردة وتمارس تحت ظلال شعارات مختلفة منها: إلقاء اللوم على جماعة الزرقاوي، القتل بدواعي الثأر، تصفية الحزبيين. والأشكال التي يمكن أن نرصدها لهذا العنف هي الآتي: التصفية الجسدية الجماعية، التهجير الجماعي والأمران نجدهما في المناطق التي تشهد تماساً واسعاً في بغداد وديالى وبابل والبصرة وكركوك والموصل. تضاف إليهما المحاصصة والإقصاء وتغييب الآخر.ب-العنف الحزبي، وأنواعه التلاعب بنتائج الانتخابات ويحدث غالباً قبل الانتخاب وبعده، حيث تمزيق أوراق الدعاية للمنافسين، تحزيب دوائر الدولة لدعاية محددة، استثمار أموال الدولة في دعاية محددة، وهناك الإقصاء وتغييب الآخر على أسس حزبية.
ج-المقاومة المسلحة، وتندرج تحتها أعمال مقاومة ضد القوات الأجنبية في العراق، وضد النفوذ الاستخباري الأجنبي، وكذلك ضد القوات العسكرية التي تقدم دعماً لتلك القوى، وكذلك ضد التشكيلات المسلحة المختلفة التي تمارس أعمالاً مسلحة ضد الغرماء والمنافسين وكل من يعيق سيطرتهم على البلد (وأهمها منظمات الأحزاب التي تمارس سلطة منذ نيسان 2003).
د-أعمال العنف المسلح غير المنظمة، وتمارسه جهات غير معروفة، وأحياناً يوجه إلى القوات الأمريكية داخل المدن مما يوقع ضحايا من كافة الأطراف وبضمنهم المواطنون، وأحياناً أخرى يوجه إلى الضد من المواطنين والأحزاب المنافسة والقوات الأمريكية. وفي الغالب تلقي تبعاتها على أعمال المقاومة رغم ما فيها من تشويه لأعمال هذه الأخيرة.
هـ-أعمال عنف القوات الحكومية أو ما يسمى (فرق الموت) الموجودة في جسم بعض ألوية وزارتي الداخلية والدفاع، وهذه تمارس أعمالها ضد المواطنين وضد الأحزاب المنافسة التي لم تدخل الحكومة أو التي يراد إخراجها من الحكومة، كما تمارس أحياناً إلى الضد من فئات اجتماعية معينة (العرب السنة) لزرع واقع ديموغرافي – سياسي جديد في البلد.
النوع الرابع: العنف العابر للحدود: ويأتي من مصدرين:
أ-العنف الاستخباري الذي تمارسه أجهزة مخابرات إقليمية وعالمية ذات نشاط ومصالح من إقرار الوضع السياسي في العراق وفق صيغ محددة. ويكون غالباً موجهاً إلى الضد من المواطنين وعلى أسس اجتماعية، اوالى الضد من الأحزاب / الغرماء المنافسين بهدف تصفيتهم، أو إلى الضد من بنى مؤسسية رسمية في الدولة العراقية، أو إلى الضد من قوات الاحتلال لزيادة توريطها في الوضع العراقي، أو أخيراً إزاء غرمائها من الأجهزة الأخرى المنافسة بما يسمح لها بأداء نشاط يسير.
ب-العنف الذي تمارسه القوات الأمريكية والأجهزة الاستخبارية الأمريكية. وهو ثلاثة أنواع: الأول منها إلى الضد من المواطنين، والثاني إلى الضد من القوى المناوئة من بين المقاومين العراقيين والغرماء الآخرين. والنوع الثالث هو إلى الضد من مصالح ونشاط القوى الدولية المناوئة في العراق.
والواضح أننا عندما نتحدث عن العنف في العراق فإننا نقصد الشكلين الأخيرين: العنف الاجتماعي-السياسي، والعنف السياسي كونه موجهاً ليس إلى الأفراد لذواتهم بل إلى الأفراد والجماعات بسبب نوع الانتماء الاجتماعي والفئوي. وكلاهما ذو منشأ اجتماعي في جذوره الأولى. فمثلاً:



  • لجوء إنسان إلى تغييب الآخر، أسبابه التنشئة المشوهة في الأسرة، وتحديداً في النظرة إلى الثالوث: (الكون، الخالق، الفرد) والعلاقات بينهما، فالأسرة العراقية غالباً ما تنشأ أفرادها على فكرة الصواب المطلق وخطأ الآخرين المطلق في معظم الاعتقادات.

  • لجوء إنسان إلى القتل، أسبابه التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تعول على العنف.

  • شيوع الطائفية السياسية، أسبابه التنشئة المشوهة في الأسرة، وتحديدا في النظرة إلى الثالوث: الكون، الخالق، الفرد، العلاقات بينهما، وغياب فكرة أن الطائفة اعتقاد قابل للتغير، ومن الخطأ توارثه.

  • التعويل على الأجنبي، أسبابه غياب الثقة بتفكير الإنسان العراقي بنفسه وبالآخرين.
    -التعددية الحزبية المفرطة والمتصارعة، أسبابه عدم قدرة الإنسان العراقي على تكوين رأي ناضج ومهم دون وصاية. والرغبة في التزعم والقيادة لدى مجموعات ليست بالقليلة وعدم احترام مبدأ المشاركة.

  • التلاعب بنتائج الانتخابات: إقصاء/تغييب الآخر، أسبابه تقديس الذات وغياب مفهوم القانون والنظام في فكر وسلوكيات الإنسان العراقي عموماً.
    المحور الثاني-متغيرات المشهد السياسي العراقي خلال المستقبل القريب:
    ولمعالجة إشكالية كيف ستكون الظاهرة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، علينا ابتداء أن نحلل النسيج الاجتماعي ذا البعد السياسي، والسلوكيات السياسية للأحزاب والقوى السياسية (العراقية) وللدول المؤثرة في الحالة العراقية.
    أولاً، متغيرات المشهد السياسي العراقي وأبرز هذه المتغيرات من وجهة نظرنا هي:
    1-عدم وجود مجتمع مدني عراقي حقيقي: لقد تكوّن المجتمع العراقي تدريجياً عبر تأريخ طويل، نفضل تحديده في صيغة الحدود الراهنة إلى نشأة الدولة العراقية بداية القرن الماضي. ويتصف المجتمع العراقي بالتعددية الاجتماعية، أو شدة التنوع من حيث الانتماءات والعصبيات القبلية والطائفية والعرقية، بحسب البيئة والإقليم والنظام العام ومستوى المعيشة والوضع الاقتصادي والتجارب التاريخية، وقربها أو بعدها عن دول الجوار- وننوه نحن إذ ركزنا على ذكر الانقسامات الاجتماعية نرى أنه لا دور فاعلاً للانقسامات الطبقية في هذا المجتمع.
    ومع ذلك أبرز ما يلاحظ على هذا المجتمع:

  • السيطرة الأبوية ويمكن إرجاع الكثير من الأمراض والانهزامات العراقية إلى التركيبة الاجتماعية، وهيمنة السلطة الأبوية ليس في العائلة فحسب، بل في مختلف مؤسسات التربية والعمل والدولة. وتتجلى نزعة الهيمنة على مستوى العائلة في أساليب التنشئة الاجتماعية، فالأب هو المحور الذي تنتظم حوله العائلة بشكليها الطبيعي والوطني. والعلاقة بين الأب وأبنائه وبين الحاكم والمحكوم هي علاقة هرمية. فإرادة الأب في كل من الإطارين هي الإرادة المطلقة. وانعكست الصفة أعلاه في دفع المجتمع العراقي تقليدياً نحو الأبوية والنزوع إلى الاستبدادية على مختلف المستويات، فيعاني فيه الإنسان سلطوية الأنظمة التي سادت.

  • لذلك نجد أن الأنظمة والمؤسسات والبنى والاتجاهات القيمية السائدة لا تشجع على إشراك الشعب في مختلف النشاطات الإنسانية، وبالتالي في صنع القرار. بل العكس من ذلك، إنها تعتدي على حقوقه المدنية وتعطل دوره في تحسين مستويات معيشته وتجاوز أوضاعه، فتحيله إلى كائن عاجز، مغلوب على أمره، مرهق بمهمات تأمين حاجاته اليومية ومنشغل عن قضاياه الكبرى بأمور المعيشة والاستمرار.
    -لقد كشف عدم استقرار السلطة السياسية في العراق ليس عن اغتراب الأفراد والجماعات فقط بل اغتراب المجتمع العراقي بالذات وأقصد ثلاثة أمور هي: عدم سيطرة المجتمع على موارده ومصيره. وتداعي المجتمع من الداخل حتى ليبدو كأنه فقد محوره وتصميمه فلم يعد يمتلك إرادة وغاية وخطة لتجاوز أوضاعه، وهيمنة السلطة والمؤسسات الملحقة بها على المجتمع بدلاً من سيطرته عليها. تلك هي ما نسميها أزمة المجتمع المدني. وتزيد من تعقيدات هذا الاغتراب التصفيات والإقصاءات الطائفية الداخلية. وما يرافقها من تدخلات إقليمية لجعل العراق إما امتداداً لدول الجوار أو ساحة لمواجهة سياسية مع الولايات المتحدة.

  • لأن المجتمع يمر في مرحلة انتقالية متأزمة، نجد أنه لم يستقر بعد على هوية ونظام وغاية. وتتصف علاقاته الاجتماعية بالشخصانية وبتغليب الجماعة (العائلة، علاقات القرابة، الارتباطات الطائفية) على الفرد، كما على المجتمع، مادام أن المجتمع العراقي غير متجانس. إن الجماعة لا تزال إلى حد بعيد تشكل المحور أو النقطة المركزية التي تنتظم حولها النشاطات الاجتماعية والسياسية الملزمة. ثم إن العلاقات الاجتماعية لا تزال في غالبيتها علاقات أولية، أي علاقات شخصانية، وثيقة غير رسمية، مشحونة بالعواطف لكثرة ما نتوقع من الآخرين الأقرباء، والمقربين منهم، وما يتوقعون منا. وهي علاقات فئوية يستمد منها الفرد اكتفاء وطمأنينة نفسية- تتعارض في الغالب مع أنماط العلاقات السائدة في المجتمعات المتقدمة التي تسودها علاقات تعاقدية تنافسية من دون التزام بالآخر، فيستمد الفرد اكتفاءه الذاتي ليس من العلاقات الشخصانية الحميمة بل من إنجازاته وعمله ونفوذه ومن مقتنياته بالدرجة الأولى.

  • ويضاعف تأثير الوصاية الطائفية التي يمارسها رجالات الطوائف المختلفة كون مؤسسات المجتمع المدني بقيت أبواباً للاسترزاق في الغالب، وقسم منها بقي ساحة للعمل الاستخباري الإقليمي، وغاب دورها الفعلي ما عدا نشاط هنا وآخر هناك يكاد مفعولها لا يظهر ولا يليق بحجم مستوى الدعم المالي والمنح أو حتى تخصيص وزارة لها.
    2-عدم وجود رأي عام عراقي فاعل: هناك مشكلات ترافق استخدام مصطلح الرأي العام في العراق. وأهم هذه المشكلات على ضوء الابتعاد عن الفهم النظري المرتبط بالموضوع ،هي:

  • القضايا التي تشكل الرأي العام في العراق تحتل مواقع متدنية في هرم الاهتمام العام. صحيح أن الإنسان العراقي، في سائر المدن، يتأثر بالأحوال المعيشية والمطالب الأساسية، ويرجو لنفسه مساحة أكبر من الحرية، ولأبنائه تعليماً أفضل، غير أن العناصر الأهم في تشكيل الرأي العام في أية مدينة عراقية لا تزال مسائل الكرامة القومية (العرقية) والأهم الطائفية والعشائرية. وهذا ما يضعف السيرورة والدينامية الديمقراطيتين لبلدنا، مما لا يتبلور رأي عام من دونهما. ويلاحظ أنه حتى إذا ما وجد حيز عام يحتضن التداول في شأن تلك القضايا، إلا أن القمع يسحقها ما لم تحكم بقضية غالبا ما توصف بأنها مقدسة، كالخطاب الديني أو القضايا القومية. وهذا الاستدعاء الدائم للمقدس يقوض بالضرورة إمكانية بناء حيز عام علماني.

  • لا يزال الفرد العراقي مغلوباً على أمره، يكبحه الدين والشيخ والأب والسيد ورئيس القبيلة، حتى البنى التنظيمية الحديثة من أحزاب ونقابات تستخدم تلك الهرميات التقليدية التي تسحق الفرد لمصلحة الزعيم أكثر مما تساعد الفرد على تطوير شخصيته وصوته الخاص المميز.

  • يغلب على الولاءات في العراق، في العموم، الثبات والجمود. ذلك أن الغالبية الساحقة من الطائفيين طائفية إلى أن يقضي الخالق أمراً، وكذلك الحال مع القوميين وغيرهم. وإذا كان الحدث هو ما يغير الرأي العام في هذا البلد الغربي أو ذاك، فالمطلوب لتغيير الرأي العام في العراق حصول ملحمة أو معجزة.

  • قد يؤيد المواطن في الغرب هذا الحزب، في موقفه من هذا الموضوع، فيما يكون أقرب إلى ذلك الحزب في موقفه من موضوع آخر. لكن ذلك، بدوره، مستبعد تماماً في الرأي العام العراقي الذي يوالي تبعاً لمقدمات أيديولوجية كاملة. كما أنه من النادر أن يغير رأيه تبعاً لاعتبارات تبقى في آخر المطاف عادية وعابرة إن لم تعتبر تافهة وسخيفة.

  • في العراق هناك ما يكفي من المبررات للشك بدقة استقصاءات الرأي العام إذا ما أجريت أصلاً، وللتشكيك بنزاهة الانتخابات إذا ما عقدت. فاللاموضوعية سمة تطبع فئات لا يستهان بها من الشعب. وغياب الدراية والمعرفة العلمية بالظواهر والوقائع يجعل التفسير العلمي غائب لصالح التعالي بالعاطفة. فالآن كم منا يقبل فكرة أن إيران عدو دائم للعراق - قد تقبل الأمر- عن إدراك، آراء الجماعات المتلقية لتعليم عالٍ لكنها لا تستطيع البوح به أمام موجة العاطفة التي تجتاح جماهير الشارع العراقي. وهكذا الأمر في مقاضاة أدوار سدنة التاريخ، وسيادة نظام السيد العارف والمعصوم عن كل خطأ. وحتى تناول موضوع الأنساب؛ أي أن يبقى الشخص شريفاً أو عدمه تبعاً للقبه العشائري بشكل مسبق ودائم؛ فهذه المسائل لا تعالج بشكل موضوعي، بل تغلب عليها اللاموضوعية في الغالب.
    3-بقاء حالة التعددية الفكرية-السياسية غير المنضبطة: لقد وجد المجتمع العراقي والقوى الفاعلة فيه فجأة ومن دون مقدمات نفسه في مواجهة وضع جديد لم يتعود عليه طيلة العقود الثلاثة الماضية. فبعد حظر وجود رأي مخالف لرأي النظام السياسي وجد العراقيون أنفسهم أمام انفلات سياسي وفراغ، حيث أصبحت الساحة السياسية الداخلية مباحة لكل من يريد أن يؤسس حزباً أو ينشئ تكتلاً سياسياً، الأمر الذي أفرز عدداً من الظواهر جسدت بشكل أو آخر حالة الفوضى والانفلات السياسي، ومنها:
    أ-تعدد الجهات والقوى المشرفة على الأحزاب، وجلها خارجية.
    ب-تعدد الأحزاب وتضارب توجهاتها السياسية. فقد شهد خلال الفترة الماضية تزايداً ملحوظاً في عدد الأحزاب ،عما كان متعارفا عليه (سواء في الخارج أو كوجود سري في الداخل)، والمتباينة سياسياً. فهناك الشيوعية/ الطائفية، الدينية/ العلمانية، الإقليمية/الوطنية.
    ج-عدم وجود قيود على نشاط القوى السياسية. أصبحت عملية تأسيس حزب لا تحتاج إلى أي موافقة من جهة حكومية باستثناء التمويل اللازم، والرغبة في أداء أدوار سياسية. لهذا ارتفع عدد الأحزاب خلال العام الأول بعد التغيير السياسي إلى ما يزيد على مائة حزب، البعض منها أغلق وآخر استمر. كما أنه البعض نشاطه محدود يكاد لا يذكر (الحزب الديمقراطي الأخضر) وآخر نشاطه ممتد (الدعوة الإسلامي).
    والأخطر ما في الأمر هنا أن كل تيار أو مجموعة حزبية لا يزال يدعي ظاهراً أو سراً أحقيته في اختيار القواعد المنظمة للعمل السياسي، وتمثيل العراقيين، وهو ما يتجلى بين فترة وأخرى في اجتماعات بعض الأحزاب في مؤتمر أو تجمع سياسي تدعي أنها تمثل العمل السياسي والحزبي رغم اعتراضات عديدة على ذلك.
    وبدلاً من توحد خطوط العمل السياسي في إطارها العام، أسفرت الخلافات السياسية إلى بروز مجموعات تتصارع فيما بينها حول التمثيل السياسي من أصغر حلقاته إلى أعلاها، وقد وصلت درجة تصارعها في أحيان إلى مستوى الإقصاء والإقصاء المتبادل، وهذه المجموعات هي:
    أ-تلك التي ارتضت بالوجود الأمريكي السياسي، وتعاملت معه، طالما أنه قد أعطاها (شرعية) المشاركة بتمثيل العمل السياسي (الرسمي) في المرحلة الراهنة. وأمثالها الأحزاب الطائفية والإقليمية.
    ب-تلك التي عارضت الوجود السياسي الأمريكي، ولم تتمتع بأي مشاركة في العمل السياسي جراء هذا الموقف، ومثالها قوى المؤتمر التأسيسي.
    ج-الأحزاب التي تهادنت مع الوجود السياسي الأمريكي واعتبرته وجوداً مبرراً مرحلياً، وأن السياسة السلمية هي الكفيلة بإخراجه. ومثالها الجماعات التي ترعى فكرة قيام الملكية الدستورية.
    4-متغير التأثير الخارجي: يكاد هذا المتغير يكون الأهم لولا وجود نظرة مسبقة لدى مختلف الأطراف العراقية وحساسية من سلوكيات دول الجوار والعامل الأمريكي. ويبرز تأثيره في زيادة التجهيل (من الرغبة في زيادة الجهل والأمية) العراقيين بمفهوم المجتمع المدني، وتشويه ظهور رأي عام مستنير. علاوة على رغبة متزايدة في إجراء تصفيات في الساحة العراقية للغرماء، وإعادة صياغة اللعبة السياسية وفقاً لفهمها هي ومصالحها.
    ويتحكم بسلوكيات القوى الدولية تجاه أطراف اللعبة العراقية صراعها بعضها مع البعض الآخر على الأرض العراقية، وتحديداً بين الولايات المتحدة وإيران. والمتوقع له التواصل والاستمرار.
    ورغم تأثير المتغيرات أعلاه في صياغة الخارطة السياسية لأعمال العنف إلا أنه علينا ألا نجعل أمر قيام أو نشوء مشهد معين أمراً حتمياً، فالمستقبل يعرف التنبؤ أو الوقوف عند احتمالات. وكلاهما يقوم على أساس رصد المتغيرات القائمة وتوقع امتداد تأثيرها أو تقلصه أو بروز متغيرات أخرى غير قائمة في فترة الدراسة والبحث. ولذلك فإن دراسة أمر مستقبل ظاهرة العنف تتطلب دراسة مكونات المشهد السياسي المستقبلي للدولة العراقية، وأهم عناصره الآتي:
    1-إشكالية الهوية الوطنية: مما لا شك فيه أن العراق يتمتع على صعيد البناء الداخلي بالتلون، إذ صبت في هذا المجتمع الكثير من الأعراق والأديان والطوائف ليخرج منها بمزيج معقد للغاية، تعقدت معه شبكة الهوية العراقية أكثر فأكثر. وإذا نظرنا في الموروثات الموجودة لدى أغلب العراقيين (في التفكير والسلوك) لرأينا العنصرين الأكبر منهما وهما الموروثات الطائفية والموروثات العشائرية التي طغت حتى على الكفاءة. وتارة يغلب الواحد على الآخر لدى بعض القيادات القادرة على إثارة العنف، ورغبتها في أن يتأطر العراق الجديد بردائها مهما كانت درجة عقلانيته أو عدمه، ورفض بصيغة أو أخرى الحوار البناء مع الآخرين. ومن ثم سيادة نزعة (الصراع الصفري) وليس التنافس في إقرار مكتسبات الأمر الواقع غير القابل للتنازل عنها لمصلحة الطائفة أو العشيرة بالطبع وليس لمصلحة العراق.
    2-المصلحة الوطنية العراقية: هناك شبه اتفاق على أن ما قامت به الولايات المتحدة من إسقاط النظام السياسي في العراق كان عملاً مقدراً. ورأت بعض القوى السياسية أن حصولها على استحقاقات في العراق الجديد يتطلب منها إعطاء شرعية (وإن كانت لا تملك مثل هذا الحق للتحدث باسم العراق) للوجود الأمريكي. وفي الفترة الأخيرة تبلورت قناعة لدى هذه القوى بأن مالك الشرعية (الشعب) قد لا يمنحها لهم. وأن هناك تقاطعاً بين العراقيين ومصالح الولايات المتحدة، على هذه القوى أن تأخذها في الاعتبار. فهل أصبحت الولايات المتحدة عبئاً على القوى السياسية العراقية؟ لنبدأ حديثنا من الساحة الدولية حتى لا نتهم بمحاباة هذا الطرف أو ذاك، ونكرر ما هو بديهي بأن ما دار ويدور بين الولايات المتحدة والأوروبيين والروس حول المسألة العراقية هو استمرار لصراع المصالح، الذي غالباً ما يعبر عنه كل طرف من الأطراف المتصارعة بالدفاع عن الضحية (العراق)، والالتزام بالشرعية الدولية و.. فقد دخلت الولايات المتحدة الحرب دفاعا عن مصالحها، ووقف من وقف من الدول ضد تلك الحرب دفاعا عن مصالحه أيضاً. لكن، هل أبدت الضحية (القوى السياسية العراقية) وجهة نظر تعبر عن آراء مستقلة في قضايا عراقية موضع تداول أو خلاف بين القوى الكبرى؟ أم أن آراءها تتوافق مع الرؤية الأمريكية، ومن ثم كان لزاماً على المنتديات الدولية أن تحجم عن الحديث عن الضحية؟ ولدينا المعطيات الآتية:
    أ-لقد رغبت الولايات المتحدة في الحصول على أكبر قدر من المصالح، واعتمدت مقاربة تخدم الهدف الذي رمت إليه. بمعنى عدم السماح الجدي بتوسيع دور الأمم المتحدة في عملية إعادة الإعمار على حساب الأدوار الأمريكية، وعدم وضوح عملية حصول العراق على استقلاله ونقل السلطات إلى أبنائه، رغم صدور القرار الدولي 1546، وقيام انتخابات لمرتين في العراق. وصاغ القرار 1546 من جانبه دور الأمم المتحدة والقوى الأخرى في عملية تشكيل حكومة عراقية وفي مسائل الانتخابات. وتبقى المسألة المشكوك فيها هي عدم تدخل الولايات المتحدة في ضمان مصالحها في العراق.
    ب-العراق بحاجة ماسة إلى الانفتاح والتعاون مع البيئة الدولية، مترجماً على شكل مساعدات مالية، قروض ميسرة، استثمارات. تهدف بمجموعها إلى إعطاء دفعة قوية للاقتصاد العراقي لكي يقف على قدميه. ولكي يتمكن العراقيون من تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون ينبغي أن تكون سياسة بلادهم الداخلية وعلاقاته الدولية على قدر من المرونة، بحيث تستطيع أن تتكيف مع صراعات الكبار بشأن بلدهم، وأن تكون منسجمة إلى حد ما مع تطلعات القوى الكبرى، أو في الأقل غير متقاطعة معها. وأهمها أن يكون العراق مستقرا من الداخل بغية تبديد مخاوف البيئة الدولية والتعامل مع متطلباتها بشكل أكثر مرونة. واستقراره مرتهن بتوفير الأمن، وبناء مؤسسات شرعية وقوية. لكن هل القوى العراقية قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية بشكل مباشر. إذا كان الجواب بالإيجاب فإن العراق المستقر سيساهم في توجيه مؤشر الوضع السياسي للبلد من خلال تشكيل تحالفات بين القوى السياسية ذات الأيديولوجيات المتقابلة لخوض غمار العملية السياسية خلال الأعوام الأربعة المقبلة. وهذا ما سيعكس انطباعاً لدى القوى الكبرى بأن القوى العراقية جادة في تحقيق استقرار الوضع في العراق، بما يمثل استجابة لبعض توجهات تلك الدول، وبالتالي يضعها أمام مسؤولياتها في الإسهام في إعادة إعمار العراق. ومن ثم يقلل من درجة التبعية في العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو مطلب أوروبي وروسي.
    ج- المسألة التي تطرح نفسها اليوم هي تأسيس كيان سياسي يضم كل الأطراف أو بالأحرى لا يقصي البعض عمداً بحيث تستمر سياسة تصفية الحسابات الطائفية والعرقية. ونعتقد أن العراقيين سوف لا يحالفهم أي نجاح في تأسيس بلادهم من جديد إذا ما حمل كل طرف أجندة عمل خاصة به معبراً عنها بحزب سياسي. إن أي لعبة تحول بعض الأفكار المتطرفة إلى أجندة عمل سياسية من أجل تقاسم مصالح فئوية عرقية أو طائفية ستحول العراق إلى حمام دم. وهذا ما يفرض وجود مشروع سياسي وطني تأتلف عليه الأغلبية مهما كانت الانتماءات والأصول، يضع مصالح العراق العليا أولاً وقضاياه ومستقبله. ولاشك أن هناك ثمة سؤالاً يطرح نفسه هل يمكن للعراقيين الاعتماد على أنفسهم في تأسيس دولة مؤسساتهم الجديدة؟
    3-الدين والسياسة، الطائفية وثقافة الاقصاء في الفكر الاجتماعي السياسي العراقي:
    إن الحديث عن الإقصاء الطائفي بات يفرضه الواقع المعاش حالياً في العراق، كما تفرضه دعوات الوصول إلى الأمن الاجتماعي والسياسي. أما ما ساد المجتمع العراقي أثناء حكم الرئيس السابق صدام حسين فهو نوع من الارتباك لأن طبيعة تكوين النظام كانت غريبة عن المقاييس الاجتماعية والسياسية. فالعنف الذي مورس لم يكن بفعل طائفي خالص، بل بدوافع إجرامية في الغالب دافعها الفزع من ضياع السلطة. وليس من الغريب على العراقي أن تخلط عليه الأوراق، فلا يستطيع الفرز بين المسألتين. فالفكر العراقي السياسي والاجتماعي يتميز بظاهرة التعميم وتوسيع رقعة الفعل ليشمل مجموعة من الناس، وقد يصدر التعميم في بعض الأحيان بشكل عشوائي، وفي أحيان أخرى بشكل غرضي. فالمجموع يأخذ بجريرة فعل فرد يحسب على أبنائها.
    واليوم نلاحظ أن الثقافة العراقية صارت تفرض الانتقاء الطائفي، بمعنى علو المكانة للطائفة والعشيرة، إذ يجلب المسؤول أقاربه، ويبعد أو يقصي الآخرين. لقد خرجت صيغة مجلس الحكم المعتمدة على نسب معينة وتوزيع طائفي مدروس من قبل الدوائر المسؤولة في الولايات المتحدة، التي تملك تصورا واقعيا عن التكوين الاجتماعي والديني للمجتمع العراقي معتمدة في ذلك على نصائح (بعض الساسة الجدد في الساحة العراقية ممن كانوا خارج العراق)، وأقوال تتحدث عن إحصاءات وأرقام افتراضية لنسب السكان بهدف الوصول إلى ديمقراطية ترضي الطوائف، فكان أن أبرز مشكلة وضخمها، ثم إن من اختير خضع لاعتبارات ومساومات كانت طوائفهم بعيدة عنها. ولا نريد الحديث عن إشكالية تغييب المحاصصة الطائفية لعنصر الكفاءة، وإضاعة الوطنية، فهذه باتت واضحة. والأمر نفسه يتكرر في الحكومة المؤقتة، ويراد له ذلك في الحكومة الدائمة.
    ونتساءل، ما سر بروز الطائفية في العراق إلى حد الانفجار؟ الواقع أن سيادة الممارسة الطائفية، أي ممارسة الطقوس والشعائر وتغييب الآخر على أسس طائفية، بدا وكأنه يعطي احتمالات عديدة ليس بشأن نهاية الدين وسقوط حكم العقل، إنما يفتح المجال واسعاً أمام الدولة العراقية ذاتها. فقد طرأ نوع من التحول على نفسية العراقيين فقد أخذوا يعودون إلى الطائفية والبحث عن الطقوس بكل السبل، ومحاولة تأطير عمل المؤسسات بالروح الطائفية. فالعودة لم تكن إلى الدين الإسلامي بالمعنى التقليدي للكلمة، إنما كانت إلى شعائر طائفية. لذلك شهدنا إقبالاً واسعاً على رفض فكرة الحوار البناء مادامت الثقة غائبة، وفرص الاستحواذ والسيطرة مفتوحة، والتنازل عن مكتسبات الأمر الواقع غباء، وغياب الراعي وجهل الرعية. إن كل شيء يحصل وكأن العراقيين بعد أن حرموا من الماديات حتى أفقروا راحوا يبحثون عما لا يتجاوز ماديات السلطة والحكم، ورفض مناقشة فكرة ما الذي يريده الخالق، وما غاية الرسالات السماوية. وهنا يبدو أن المعرفة استنفدت طاقاتها بدورها في اختراق العقلية العراقية، بعد أن رفضت ورفض معها تحكيم العقل.
    لقد صار الإنسان العراقي عموما يخالف بين العقل والدين، فما وافق حكم الطائفة هو مقبول، وما خالفها هو مرفوض. فالعلم يؤدي إلى تدمير الفكر الطائفي في أي حوار جاد، فهو قد ينتقص من آراء طائفة مثلما يؤدي إلى إعلاء شأن آراء طائفة أخرى، ولا نعني هنا آراء طائفة ما إنما آراء الفئات المستفيدة من التمسك بالفكرة الطائفية. والعلم عندنا يمتد ليشمل استخدام العقل، والاستفادة من إمكانات المعرفة والاتصال لفتح مجالات الحوار للوصول إلى الحقيقة قدر المستطاع. لهذا السبب فإن العراق الذي ابتعد عن الفكر الطائفي قبل عقدين أخذ يعود الآن إلى الأشكال الطائفية التي سادت في العصور الوسطى، حيث الانغلاق والتعصب وتحقير الآخر، مادامت ظروف التعلق بها متيسرة. فالعقليات التي تنورت وتعقلنت واهتدت للموضوعية ولم تعد تستطيع العودة إلى الوراء وجدت أن حكم العقل غير مقبول، وخلافه الفئات التي ظلت وجدت أن الحكم للقوة.
    لم يستطع أغلب العراقيين توليد مفاهيم جديدة للفكر المذهبي، والجدل العقلاني والموضوعي بشأن الآراء الدينية التي لم تحكم بنصوص صريحة محكمة. ولا نريد محاسبة عامة القوم حول تجاوز أو اعتداء على حرمة المحكمات من النصوص والعبادات، لكننا نتساءل ما الذي طرأ على الوعي الديني/ الممارسات الطائفية في العراق؟ تساعدنا الإجابة على فهم سر الصراع الجاري حالياً بين الطوائف المحسوبة على الإسلام، أو قل بين الجماعات الأصولية المتطرفة في تلك الطوائف لكي نكون أكثر دقة ووضوحاً.
    وخلال بضع سنوات طرأ انقلاب كبير على الممارسات الدينية والعقلية العراقية، فالفرد أصبح خاضعاً لمقاييس الجماعة أو الطائفة التي ولد فيها، وأصبح يتلقى التعاليم التي تقول له ما ينبغي فعله أو عدم فعله من سدنة التأريخ (هذا رجل الدين أو ذاك). وأصبح لا يشكل قناعاته بنفسه وبشكل عقلاني وبعد غربلة وتمحيص. بمعنى آخر، ما يتلقاه بشكل سلبي من طفولته ومن آبائه وأجداده أصبح حقيقة مطلقة بالنسبة له، كما كان يحصل في القرون الوسطى، وأصبح يفرض عليه الانتماء إلى هذه الطائفة أو تلك عن عدم إرادة واعية أو قناعة شخصية عقلانية، وعلى هذا النحو ابتعد العراقيون عن الدين، وأصبحت الطائفة تفرض نفسها عليهم من فوق ككتلة واحدة لا تناقش ولا تمس، وكأن الإنسان يعيش داخلها ويجد نفسه محكوما بها من المهد إلى اللحد. وليست مفاجأة أن تجد من بين أهل الدراية من يقول إن أغلب العراقيين طائفيون، بدرجة أو بأخرى. إن طائفية العراق ليست مسألة اختيار حر، إنما هي ناتجة عن إكراه اجتماعي، وصارت أبعد من أن تكون مرتبطة بممارسة الطقوس والشعائر بالضرورة. والواقع أن الإيمان بروح وجوهر الدين يمثل أقلية، على عكس ما يتصور البعض. وخلاف ذلك الالتزام الكامل بالطقوس والشعائر المذهبية وتكفير الآخر، والسعي لإلغائه أو اجتثاثه، فقد أخذ يمثل الأغلبية في المجتمع. فالطائفية لا تعني الذهاب إلى المسجد كل يوم ولا كل أسبوع، إنما أن تقدس ما تعتقد به من تفسيرات لك ولآخرين دون الخالق، ولا تتسامح مع ما يعتقد به غيرك، وتلغي حكم العقل في الاثنين معا. فالمساجد عبارة عن متاحف تقريبا إذا ما أخذنا في الاعتبار الحاضرين لأداء العبادات مقارنة بتعداد سكان المنطقة التي تقع فيها دور العبادة، ولا يتردد عليها الناس بشكل منتظم إلا بنسبة صغيرة، وعندما نقول - يترددون عليها - فلا نقصد بصورة متواترة، إنما على الأقل مرة واحدة في الأسبوع. ولا يعني ذلك أن الأغلبية مشركة إنما نسبة الذين يعزفون عن أداء الطقوس والشعائر بشكل منتظم تكاد تكون صغيرة. واللافت للنظر أن الإيمان في العراق لا يتم وفقا لتحكيم العقل، رغم أن العقل يوافق مقاصد الشرع في وجود الخالق، فهناك شرائع واسعة تمارس طقوسها عن جهل؟ ويكرس ذلك أن السلطات الطائفية والسلطات السياسية أدمجت (الحج إلى المراجع). نحن لسنا مع فكرة الدمج ولسنا ضدها، لكن تخوفنا هو من محاولة البعض إعطاء العمل الذي يقوم به صفة (القدسية)، فالفرد العراقي بات يحاسب على أساس طائفته. وينظر إليه كعضو في طائفة ما، وليس كمواطن عراقي. لم يعد مواطناً من الدرجة الأولى لأنه طائفي ينتمي إلى هذا المذهب، ولا مواطناً من الدرجة الثانية لأنه ينتمي إلى ذاك المذهب. هذا الشيء يفترض به أنه قد انتهى في عهد المعرفة، ويكون الفرد حرا في الانتساب إلى المذهب الذي يختاره بمحض إرادته، أو عدم الانتساب إلى أي مذهب على الإطلاق، دون أن يعني ذلك أنه قد تخلى عن الإيمان بالخالق أو سقط في دائرة الإلحاد، مادامت الغاية هي مرضاة الخالق وليس اعتماد مذهب.
    4- الوطنية والعصبية في الثقافة العراقية - ثقافة الاستبداد: يأتي انشغال العراقيين بالحكومة الدائمة في ظرف حضور فاعل للانتماءات الفرعية، وغياب/ تغييب للمشروع السياسي الوطني. لقد تحقق بعض التقدم في بنية النظام السياسي في المرحلة السابقة عندما أخذت الاعتبارات الوطنية تفرض نفسها (وإن كان لم يجر تداول سلمي للسلطة)، ولما جاء الاحتلال تحت شعار الدولة الحديثة لوحظ أن أهم مكتسبات المرحلة التاريخية السابقة قد قوضت، وظهرت فكرة التوافق والمحاصصة الطائفية، فكان القهر والاستبداد على من لا يرضى أن يدرج اسمه في تكريس هذه الحالة في تاريخ البلاد. وفي الوقت عينه جار تكريس التبعية للقوة العظمى بعد أن شتم أطراف في الطوائف والملل بعضهم بعضاً، وجرت تصفيات لبعض الرموز بتأثير الدهماء من الناس، أو بفعل مواقف أطراف خارجية لها حساباتها في عراق الغد، وترك الدين بمفرده دون ظهير، رافقته أكبر عمليات قتل جماعية مارستها أطراف عدة. فمنظمة بدر الموالية لايران، وميليشيات جيش المهدي قد صفت أكثر من 40 ألفاً من العرب السنة خلال فترة حكم الجعفري وحدها. أما العمليات التفجيرية فقد ذهب ضحيتها نحو 28،2 ألف من كافة المواطنين العراقيين. وفي كلتا الحالتين لم يجر احتساب ضحايا القوات الأمريكية من العراقيين، أو ضحايا الميليشيات الموالية لإيران للفترة من نيسان 2003 إلى شباط 2005، أو ضحايا الميليشيات الكردية إزاء العرب والتركمان في كركوك وشرق الموصل وشمال ديالى فهذه يصعب توثيقها. على أن الكل أصبح منشغلاً بحصته من البلاد، ويحاول أن يجعل الولايات المتحدة سندا له.
    ومع ذلك لم يلتفت العراقيون، ونحن نضع رموزهم أمام دائرة المسؤولية الأخلاقية والتاريخية، إلى إعادة بناء موروثهم الثقافي الذي استمر محافظا على بنيته التقليدية (بل أدخلت له إيران أكثر الأفكار فقراً وأكثر الممارسات ضعفا، مشبعة بنحو (1،5-2 مليون) من أتباعها جرى إسكانهم في مناطق وسط وشرق العراق)، حيث تحارب العلوم العقلية ويمارس الاقتصاد في الاعتقاد. وللقوى السياسية باع طويل في ذلك، ما يشغل ذهن المتنفذ وقصده إشاعة فكرة أنه قادر، موجود، من خلال ميليشياته، فتكرست لدى العامة أيديولوجية الطاعة (وإن كان امتدادها إلى مرحلة ما قبل نيسان 2003) والتي تقوم على الصبر والتواكل والرضا والقناعة والخوف والخشية وهي قيم سلبية تجعل الناس أقرب إلى الاستسلام منها إلى الأحكام الموضوعية.
    لكن هل حاولت النخبة إثارة الأذهان والعقول وإحداث اليقظة الضرورية؟ وهل يمكن البدء من جديد من أجل إرساء قواعد نهضة عراقية، وذلك بإعادة بناء الموروث الثقافي العراقي ونقله من الطائفية إلى التحرير، ومن التقليد إلى التجديد؟ إن الشارع العراقي تشاع فيها اليوم ألقاب التعظيم، وأخذ قادة الأحزاب والجماعات السياسية والطائفية ألقاباً مشابهة كلها تتراوح بين التعظيم والتفخيم إلى حد التقديس والتأليه مثل: (حجة الإسلام، ولي الدين، الرئيس، والزعيم، القائد، الأمير، ولي أمر المسلمين، حجة المسلمين). ولا نريد الجزم بأنه لا مخلوق يتجسد الإسلام فيه بالمطلق، فالإسلام منهج، والمسلمون أدواته. والأكثر مما تقدم هو رفض لمفهوم النسبية، وتقديس غير مبرر للشمولية والاستبداد. فكم منا يتحدث بلسانه عن غيره عبر إطلاق عبارة مثل نحن، جميعا، كلنا.. ولا يستطيع تحمل وقبول رأي يقول (أعتقد، ربما، يحتمل..) ولننظر مثلا إلى الشعارات المرفوعة في طرقات المدن والأزقة، فهي تبدأ في الغالب بالعبارات الآتية: الشعب العراقي يدعو (...) إلى (...) بحيث إن العبارة توهم المراقب بأن هذا الشخص أو ذاك موكل عن جموع الشعوب العراقية. في حين أن الصواب أنه قد صادر آراء الآخرين، وتعمد تغييبهم عن قصد أو غيره. ولا نعلم إذا كانت لائحة الحقوق القادمة تجيز لنا محاسبة أولئك الذين يصادرون آراء الآخر عند تعميم آرائهم مهما كان موضوعها؟
    ثانياً: المتغيرات المؤثرة في استمرارية ظاهرة العنف السياسي في العراق
    من العرض المتقدم يمكن إدراج المتغيرات التي تؤثر في استمرارية ظاهرة العنف وهي:
    أولاً: سلوكيات الإنسان العراقي، إذ لايزال هذا الإنسان ينشأ بطريقة خاطئة يسودها غياب مفاهيم التنمية البشرية الصحيحة، وتعميق الوعي الطائفي-العشائري، وتعميق مفاهيم تعلية الأنا وإشاعة المقدس، وتكفير أو رفض الآخر.
    ثانياً: سلوكيات القوى السياسية (العراقية)، وهذه القوى عدة:
    1-قوى السلطة: أهم ما يميز عمل هذه القوى هو طلب الاستئثار الدائم بالسلطة، وشيوع مفهوم الحق في سلوكيات معظم القوى، والتعويل على القوى الخارجية، والتضليل بالوصايا أو تنفيذ الوصاية الطائفية، ورفض مفهوم الآخر، وتنفيذ مقررات ومشاريع خارجية.
    2-القوى المسلحة: أهم ما يميز عمل هذه القوى هو تخطئة العملية السياسية تحت الاحتلال، وعدم وجود لغة خطاب مقبول من جميع العراقيين، وعدم القدرة على مواجهة التشويه الإعلامي، وعدم القدرة على مواجهة رفض الآخر لها.
    3-سلوكيات النظام السياسي: أهم ما يميز عمل هذه القوى أو الضاغط على عمل قواه هو إعلاء حكم القانون، والاتجاه نحو الفيدرالية، وتحقيق تنمية، وعدم القدرة على بلورة إجراءات مقبولة تجاه ضغوط القوى المشاركة في السلطة، وعدم القدرة وعدم الرغبة باستيعاب الآخر أو احترامه.
    ثالثاً: سلوكيات القوى الدولية، وهذه القوى هي ثلاث:
    1-سلوكيات دول الجوار (إيران): أهم ما يميز عمل هذه القوى هو إفشال المشروع الأمريكي، وتغيير معالم اللعبة في العراق، وتكوين امتدادات سياسية ونفوذ في العراق، وتصفية الغرماء.
    2-سلوكيات الولايات المتحدة: أهم ما يميز عملها هو تكوين نظام سياسي هش وتابع لها، وتحقيق استقرار مقبول في العراق وجعل العراق قاعدة متقدمة للولايات المتحدة وتصفية الغرماء.
    3-سلوكيات الدول العربية: أهم ما يميز عمل هذه القوى هو تشجيع العراق على اعتماد توجه سياسي عربي، ورفض فكرة تقسيم العراق، وضعف في مواجهة المشروعين الأمريكي والإيراني واستثمارهما في العراق.
    المحور الثالث-مصير ظاهرة العنف السياسي
    مما تقدم نصل إلى النتائج الآتية:
    1-ستتجه بعض مظاهر العنف الاجتماعي نحو الانخفاض في الحجم والمستوى نتيجة ازدياد الحاجة إلى صرامة القانون، وتحديداً في مجالات القتل بدوافع إجرامية، والسرقة، وعلى نحو أقل القبلية والأعراف.
    2-وكذلك الحال مع بعض مظاهر العنف الاجتماعي-السياسي، التي ستتجه نحو الانخفاض.
    سيشجع الدفع نحو الاستقرار السياسي إلى مزيد من الوضوح للمستقبل. ستضيق مساحات التمرد المسلح، وإن كان هذا الأمر لن يستبعد حصول تمرد هنا وهناك كنتيجة لعدم اتفاق السياسات الإقليمية والأمريكية ورغبة الأطراف الإقليمية في إظهار قوتها داخل العراق عبر تحريك التوابع. إلا أن العنف الفئوي يتوقع له الاستمرار في نفس معدلاته. والعنف القائم على الفقر والعوز والبطالة يتوقع له الزيادة إلى معدلات أعلى.
    3-أما العنف السياسي فهو سيخضع إلى بعض تأثير المتغيرات السابقة، الأمر الذي سيعيد إنتاجه على النحو التالي:

  • العنف الفئوي، سيقل في مجال التصفية الجسدية الجماعية والتهجير الجماعي بسبب الدعوات إلى: دمج الميليشيات بالأجهزة الأمنية، وازدياد قوة كافة الأطراف الأمر الذي يدفعها إلى خشية رد مشابه، والضغوط على الولايات المتحدة نحو عدم إفساح مجال أمام المجازر الجماعية، وازدياد الحرج الذي تقع به الحكومة من تنفيذ البعض فيها لسياسات التصفية دون رادع قانوني، والرغبة الاجتماعية الضاغطة نحو إعلاء حكم القانون.

  • العنف الفئوي سيبقى على حاله في مجال المحاصصة، الإقصاء، تغييب الآخر (الحرب الأهلية الباردة أو المستترة)، وأسباب ذلك: نوع التثقيف السياسي الذي يتلقاه الفرد العراقي، وجود فرص للتوسع والنفوذ والاستئثار بالسلطة، غياب الثقة، الدفع نحو الفيدرالية، تدخل دول الجوار، عدم وجود نضج سياسي وطني في المشاريع الطائفية، غلبة الوصاية الطائفية والعرقية على المشاريع السياسية.

  • العنف الحزبي، سيبقى على حاله نظراً للتأسيس الخاطئ للأحزاب والعملية السياسية. وكذلك الحال مع العنف السياسي المسلح. فالمقاومة ضد القوات الأمريكية والبريطانية ستبقى على حالها، أما العنف السياسي غير المنضبط ففيه احتمالان: سيقل في مجال ضرب المواطنين والقوات الأمريكية، لكنه سيزداد من قبل الجماعات الحزبية والميليشيات تجاه بعضها البعض. في حين ستتجه أعمال عنف القوات الحكومية تجاه الغرماء والمواطنين وفقاً للتصفيات الاجتماعية نحو التقلص بشكل عام.

  • أما العنف العابر للحدود فالمتوقع اتجاهه نحو التقلص بسبب اتجاه الدولة العراقية نحو التأصل، وترصين السيادة، ووضوح المؤشرات والفواصل بين مصالح العراق والآخرين.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

March 6th-Annoy...

March 6th-Annoying Situations A It always gets on my nerves when people talk in the movie theater, b...

Your Healthy Di...

Your Healthy Diet Everybody should care about what he eats and try to have a balanced diet. If you ...

Why Cure Concre...

Why Cure Concrete? Hydration Process: When cement and water react, they form a chemical bond that bi...

يا هلا والله في...

يا هلا والله فيكم قناتي كيفكم يا ربي تكونون تمام اليوم عندنا قصه جديده قبل لابد لا تنسون تشتركون في ...

It is not easy ...

It is not easy being a sea turtle. This endangered species faces a huge number of threats such as ov...

Course overview...

Course overview Information Technology (IT) risk management refers to how a business Institutions as...

لعل من أسوأ انح...

لعل من أسوأ انحرافات السياسة في عصرنا هذا إنها أصبحت واحدة من العوامل المعيقة لعملية التواصل والتلاق...

English is a wi...

English is a widely spoken language around the world, used in many countries as a primary or seconda...

في الماضي، كانت...

في الماضي، كانت قوة الدولة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأساليب العسكرية التقليدية، حيث كانت تعتمد كليًا...

فأخذ البراء بن ...

فأخذ البراء بن معرور (1) بيده ثم قال: "نعم، والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه أُزْرَنَا، - ...

The arrange was...

The arrange was changed since it took me more time to total the extend and I too took an additional ...

نصت عليه المادة...

نصت عليه المادة10من المرسوم الرئاسي 15/141السالف الذكر واعتبرته هيئة تنفيذيه للمقاطعة الإدارية، تتشك...