Lakhasly

المبحث الأول
مفهوم العمل والمهنة
تمهید:
لقد شرف الله تعالى عباده بهذا الدين القيم، الذي تناول شؤونهم
الدنيوية، والأخروية، بشمولية ليس لها نظير ولا مكافئ، ومن ذلك،
الكسب المعيشي، حيث حددت الشريعة الإسلامية المهن والأعمال
المحرمة، وبينت أهمية العمل وحثت عليه، ونظمت العلاقة
بين أرباب
المهن، وبين العاملين، تنظيماً يكفل لهما علاقة أخلاقية تبادلية كريمة ،
وأضفت على ذلك أخلاقيات، تجعل الفرد المؤمن يعمل في مهنته وهو
يشعر بمسؤوليته تجاه ربه عن حقوق هذا العمل .
والجانب العملي له أهمية كبيرة في حياة الأفراد والأمم، فعليه ينبني
اقتصاد المجتمعات، وبه تتقدم الأمم في المجال الصناعي والزراعي
والتجاري، وفي غيرها من مجالات الحياة، ولذلك اهتمت الشعوب
بالأعمال الفنية والمهنية، وأنشأت لها المعاهد والمدارس والمراكز
والجامعات، ووظفت لها طاقات بشرية مكثفة، وإمكانات مالية ومادية
ضخمة التقديرات

وكما أن الإسلام اهتم بجانب العمل اهتماماً كبيراً، في جوانبه
المتعددة، فإنه يقع على كاهل التربية، والمؤسسات التربوية أن تبرز ذلك،
وتبينه وتؤكده، لنقل ذلك من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي .
وهذا الفصل يتناول بعض قضايا العمل من المنظور الإسلامي
فتضمنت محاوره : بیان مفهوم العمل والمهنة، مع الإشارة إلى الفرق بين
المهن البسيطة والمركبة، والعلاقة بينهما .
ثم بيان فضل العمل في الإسلام، وما ترتب على ذلك من الأجر
والثواب، الذي يعتبر حافزاً قوياً للفرد على العمل، والبعد عن أسباب
البطالة .
وتناول البحث أيضاً أهمية العمل في الإسلام، حيث أولته الشريعة
عناية عظيمة، وذلك لما يترتب عليه من سد حاجة الأمة، ولأنه وسيلة لكف
النفس عن المسألة .
وتضمن المحور الثالث بيان اهتمام الأنبياء بالعمل ومزاولتهم للمهن ،
وكذلك الصحابة كنموذج ثان، ثم العلماء كنموذج ثالث .
وكما أن هناك علاقة بين التعليم والعمل، فقد تضمن المحور الرابع
بيان ذلك، من خلال إبراز أهمية التعليم الفني في التنمية العامة، وكذلك
في تنمية الطاقات البشرية على وجه الخصوص، وكذا بيان أهميته في تكوين
الإستعدادات النفسية لتقبل العمل المهني والفني .
ثم تضمن المحور الخامس : بعض أخلاقيات العمل التي ينبغي أن
يتخلق بها الإنسان في مهنته .
مفهوم العمل والمهنة:
العامل : هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله، وملكه، وعمله، ومنه
قيل للذي يستخرج الزكاة عامل
العمل: المهنة والفعل، والجمع أعمال، وقيل: العمل لغيره،
المهنة : المهنة، والمهنة، والمهنة، والمهنة، كله الحذق بالخدمة
والعمل ونحوه .
الماهن : العبد، والخادم. والأنثى ماهنة(1) .
والعمل المهني: هو الجهد البدني الفكري الذي يبذله الشخص
لتحقيق منفعة .
وقد عبر عنها ابن خلدون بقوله: اعلم أن الصناعة
عملي فكري، والعملي هو الجسماني .
۱۷۲
وبهذا فإن المهن البسيطة هي
لاغنى للمركب عنها، فأصبحت ضرورية له .
والعمل المهني ينقسم إلى قسمين: بسيط ومركب، ويعبر عنها عند
الأقدمين بالصنائع، يقول ابن خلدون: والصنائع منها البسيط، ومنها
المركب، والبسيط هو الذي يختص بالضروريات، والمركب هو الذي يكون
لكماليات، والمتقدم منها في التعليم هو البسيط لبساطته أولاً، ولأنه
يختص بالضروري الذي تتوفر الدواعي على نقله، فيكون سابقاً في التعليم .
المقدمات للمهن المتقدمة، وهي التي
ولا شك أن هذا المفهوم للعمل والمهنة يؤكد أهمية هذا الميدان ،
لأنه من ضروريات الصناعات المتقدمة، ولا تتقدم الصناعات إلا بتوفر
التعليم المهني والفني، وتقدمه من حيث العنصر البشري، والعنصر التقني
الذي يعتمد في تقدمه على العنصر الأول

المبحث الثاني
فضل العمل وأهميته
أولا: فضل العمل:
لقد رفع الإسلام مكانة العمل، من خلال رفع مكانة العامل، وبيان
فضله على العامل الكسول، وبيان فضل وثواب الجهد العملي، في تحصيل
لقمة العيش، التي تعفه وتغنيه عن المسألة، وعن تكفف الناس، كما يتضح
مما يلي :
1 - ثناء الشريعة على العمل باليد:
صنعة
إن أفضل الكسب، كسب المرء بجهده الذاتي، الذي يبذله
من الصنائع فيتحقق له المردود المادي، فيقتات بذلك، وينفق على من
وجبت عليه نفقتهم، كالزوجة والأولاد، وقد أثنى المصطفی ﷺ علی
المتكسبين بأيديهم، فقال: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من
أن يأكل من
عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)(۱) .
وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم مباشرة الشخص بنفسه على
ما يباشره بغيره وقد بوب البخاري : "باب كسب الرجل وعمله بيده "
وهذا التبويب يدل على عناية العلماء واهتمامهم بهذا الجانب، ولهذا ينبغي

على أرباب المهن أن يشرفوا على أعمالهم بأنفسهم ما أمكن ذلك، ويجعل
الواحد منهم
لنفسه نصيباً يقوم بمزاولته، حتى لا تضعف خبرته في مزاولة
المهنة، فلا يدري عن مغبة الأيام، فقد يحتاج إلى ممارستها بنفسه، كما أن
في مباشرة العمل حفظ للأموال، ووقاية للعمالة من الوقوع فيما يضر .
-1 اليد العليا افضل من السفلي:
ومن فضل الكسب باليد أنه يرفع من مكانة العامل، ويعينه على
التعفف، وعلى الإنفاق، وهي صفات اليد العليا التي أثنى النبي ﷺ عليها ،
فقال: (اليد العليا خير من اليد السفلي، واليد العليا المنفقه، والسفلى
السائلة)(
فالمنفقة أعلى من السائلة، والمتعففة أعلى من السائلة، وفي هذا
الحديث الحث على الإنفاق في وجوه الطاعات، وفيه دليل لمذهب
الجمهور أن اليد العليا هي المنفقة، والمراد بالعلو، علو الفضل والمجد
ونيل الثواب
2-وفي هذا تأكيد على فضل العمل، لأن الإنفاق والتعفف مرتبط
بممارسة مهنة من المهن، ولا يتأتى ذلك لعاطل عن العمل.
۳ ـ الإشتغال بالأمر المباح عن البطالة:
من فضل العمل باليد، أن يشتغل الإنسان بالأمر المباح عن البطالة،
واللهو. والتعفف عن ذلة السؤال، والحاجة للغير " وقد قال : (لأن
يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً، فيعطيه أو
يمنعه)(٤)
4ـ فضل النفقة على العيال:
يأتي فضل العمل من باب فضل النفقة على النفس وعلى العيال، وإثم
من ضيعهم، قال صلى الله عليه وسلم : (أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار
ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه
على أصحابه في سبيل الله، قال أبو قلابة : وأي رجل أعظم أجراً من رجل
ينفق على عيال صغار، يعفهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم)(۱) .
وقد بوب الإمام مسلم : " باب : فضل النفقة على العيال والمملوك،
وإثم من ضيعهم، أو حبس نفقتهم عنهم"
والمقصود الحث على العيال، وبيان عظم الثواب فيه، لأن منهم من
تجب نفقته بالقرابة، ومنهم من تكون مندوبة، وتكون صدقة وصلة، ومنهم
من تكون واجبة(3).
.فإذا فرط الإنسان في اكتساب مهنة تعود عليه بالكسب الحلال، فإنه
قد فرط في مسؤولية الرعاية والإنفاق المناطة به، والتي لاتنفك عنه إلا إذا
أدى الذي عليه فيها، أو كان عاجزاً عجزاً ترتفع به المسؤولية. فجاء فضل
العمل من فضل النفقة على النفس وعلى العيال .
أهمية العمل:
إن العمل والكسب المعيشي، أمر حتمي على كل قادر على أداء
صنعة من الصنائع، لأنه لا تستقيم أمور حياته، ولا إشباع رغباته الفطرية
من مأكل ومشرب ومسكن إلا بمزاولة مهنة من المهن المشروعة .
وقد أشار الله تعالى إلى السعي في مناكب الأرض في قوله تعالى :
وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور (1) أي هو الذي سخر لكم الأرض وذللها لتدركوا كل ما تعلقت به
حاجتكم من غرس وبناء وحرث طرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية،
والبلدان الشاسعة(٢).
قال ابن كثير: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في
أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات(۳) .
ومن
حكمة الله تعالى أن أباح البيع والشراء الذي يمثل التسويق
والتبادل التجاري النافع بين الأفراد والجماعات " وأجمع المسلمون على
جواز البيع، والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه
غالباً، وصاحبه قد لا يبذله له، ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من
غير حرج
كما أن الإنسان قد لا يستطيع أن يحقق لنفسه منفعة من المنافع إلا عن
طريق فرد أو أفراد آخرين، كبناء مسكن أو شراء سلعة مما يعجز عن صنعها
أو إنتاجها، فلزمه أن يدفع للطرف الآخر منفعة نقدية أو عينية مقابل
الحصول على ما يحتاج إليه من خدمات ومنافع .
وبهذا يتأكد أهمية العمل بصفة عامة، ومنها العمل المهني والفني،
ويتأكد أيضاً أهمية لازمة، وهو التعليم والتنشئة التربوية على ذلك، وتزداد
الأهمية وضوحاً مما يلي :
۱ - سد حاجة الأمـة:
إن للأمة حاجات تجارية وصناعية وطبية وزراعية، وغيرها من
لا تخلو في الغالب من قسمين : مبادىء : وهي
الأعمال
الحاجات،
وهي
الفنية والمهنية، ومتقدمة: وهي الأعمال التقنية المتطورة التي تعتمد على
سابقتها (المبادىء) والمجتمعات الإسلامية في حاجة إلى ذلك كي تسدّ،
حاجاتها، وتغتني بنفسها، ويكون ذلك قوة لاقتصادها، الذي ينعكس على
قوة الأمة، فتكون أمة رائدة في هداية الأمم وفي سائر الجوانب الأخرى .
وقد اهتم المسلمون الأوائل بتلك المهن والصناعات، فبوب البخاري
. رحمه الله تعالى - أبواباً بأسماء بعض الصناعات أو المهن التي كانت في
عهد النبي - ﷺ - مثل : باب الخياط، وباب النشاج، وباب النجار ،
تحدث ابن خلدون في مقدمته عن عدد من المهن كصناعة الفلاحة، وصناعة
البناء، والحياكة، والخياطة، وغيرها من المهن(٢) .
وقد
والتربية الإسلامية تدعو إلى العمل والإهتمام به، حيث حاجة الأمة
لذلك، ولما يترتب على العمل من النمو الإقتصادي، كما أن دائرة العمل
في ضوء التربية الإسلامية تتسع لكل علم ومهنة نافعة للأمة، فعلوم الكون
التي تسمى العلوم العصرية وأعمالها، وأنواع المخترعات النافعة للناس
أمور دينهم ودنياهم، أنها داخلة فيما أمر الله تعالی به ورسوله ﷺ ومما
يحبه الله ورسوله(۳) .
في
٢ ـ المهنة وسيلة لدفع الفقر:
إن الفقير المعدم قد يدفعه فقره وحرمانه إلى سلوك ما لا تحمد
عقباه، ما لم يكن لديه وازع ديني قوي يردعه عن سلوك ما لا يرضي،
ولذلك فإن من وسائل دفع الفقر العمل بأن يكتسب الإنسان مهنة تشد
حاجاته ومطالبه .
وقد كان ﷺ كثيراً ما يتعوذ من الفقر، كما جاء في الحديث : (اللهم
أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر)(4) .
كما أن الفقر قد يؤدي بالإنسان الى المغرم، والمغرم قد يجر إلى

الكذب، وإخلاف الوعد، وهي مفاسد خلقية، يمكن دفعها بالعمل، وقد
كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يتعوذ من المغرم، فيقول: (اللهم إني
أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من
المغرم؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)(۱)
من هذا الحديث سد الذرائع، لأنه استعاذ من الدين لأنه في الغالب ذريعة
إلى الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، ما لصاحب الدين عليه
المقال(۲)
وفي
المهنة سد للفقر بإذن الله تعالى .
ويستفاد
من
3 ـ كف النفس عن المسألة:
لقد وجهنا الله تعالى إلى ابتغاء فضله، الذي منه
قال تعالى: «فإذا قضيت الصلوة فأنتشروا في الأرض وابتغوا
من
ويؤخذ من هذه الآية مشروعية البيع عن طريق عموم ابتغاء الفضل، لأنه
يشمل التج
وأنواع التكسب، واختلف في الأمر المذكور، فالأكثر على
التكسب بالعمل،
فضل الله (۳
أنه للإباحة، وقال الداودي : هو على الإباحة لمن له كفاف ولمن لايطيق
لتكسب، وعلى الوجوب للقادر الذي لاشيء عنده، لئلا يحتاج إلى
السؤال، وهو محرم عليه مع القدرة على التكسب
فلما بينت وحثت الشريعة الإسلامية على التكسب،
أصول ١٠
وقد اتفق العلماء على النهي عن السؤال إذا لم تكن ضرورة لذلك(1)
وبوب الإمام مسلم، باب: النهي عن المسألة .
وفيما سبق تأكيد من التربية الإسلامية على تنشئة الإنسان المسلم على
الحياة الكريمة، وعمارة الكون بما يرضي الله تعالى، وحثه على الجد
والعمل في التكسب .
ولنا في الأنبياء وفي أصحاب رسول الله ﷺ أسوة حسنة، وكذلك في
العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وهو ما يوضحه العنوان التالي :
اهتمام الأنبياء بالعمل:
لقد مارس الرسل عليهم السلام الجانب المهني، كل بحسب ما هيئ
له، فقد "كان داود زراداً، وكان آدم حراثاً، وكان نوح نجاراً، وكان إدريس
خياطاً، وكان موسى راعياً "(٢) وقد قال الله تعالى عن نوح عليه السلام :
واصنع الفلك بأعيننا ووحينا (۳) قال بعض السلف : أمره الله تعالى أن يفرز
الخشب ويقطعه وييبسه، فكان ذلك في •
مائة سنة
مائة سنة، ونجرها في
أخرى، وقيل في أربعين سنة، والله أعلم
ويستفاد من ذلك صبر نوح عليه السلام على طول الفترة الزمنية في
هذه المهنة دون تضجر، وأن هذه المهنة ليست من المهن الوضيعة كما
يتصورها بعض الناس، ولو كانت كذلك لما وفق الله تعالى لها نبيه نوح
عليه السلام .
وقد رعى بعض الأنبياء الغنم مثل موسى عليه السلام، ونبينا محمد
صلى الله عليه وسلم .

تلك نماذج تمثل خيرة البشرية، قد اهتمت بالعمل، ومارسته كما

يمارسه أي فرد من الأفراد، فقد مارسه الأنبياء الذين هم أفضل البشر،
ومارسه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مارسه العلماء الذين
هم ورثة الأنبياء، فحري بأمة الإسلام اليوم أن تهتم بالعمل، متأسين بمن
قبلهم من الأنبياء والصحابة وعلماء المسلمين، فليسوا بأفضل منهم .إن أهمية العمل التي سبق بيانها، لتؤكد الأهمية البالغة للتعليم الفني
والمهني، حيث أنه المفتاح الرئيس في عالم اليوم، لاكتساب مهنة طيبة ،
تلبي حاجة الفرد والمجتمع، وهذا ما توضحه النقاط التالية :

أهمية تعلم العمل
ـ أهمية التعليم الفني في التنمية :
إن البرنامج المتكامل للتنمية الاقتصادية يتطلب وجود نوع من العمل
الموجه المنظم الذي يستثمر الإمكانات المادية المتاحة، وهذا يتوقف على
كفاءة القوى البشرية العاملة .
كما أن استمرارية التنمية تتطلب استخدام الأسلوب العلمي في تقدير
الإحتياجات وحسن استخدام الإمكانات المتاحة، واستغلالها وتطويرها(۱)
وهذا يحتاج إلى قوى بشرية مدربة ومؤهلة، وهذا من مهام التعليم التقني
والفني والمهني، وبالتالي تتأكد أهمية هذا النوع من التعليم، وأنه من
الأسس الرئيسة في تكوين قاعدة العمل الصحيحة .
كما أن التعليم يلعب دوراً فاعلاً في تشكيل اتجاهات المتعلمين، نحو
حب العمل الذي يمارسونه، والقناعة به، ولهذا فإن له دوراً بارزاً
القضاء على البطالة الناتجة عن عزوف بعض الشباب عن الأعمال الفنية و المهنية

فلا بد للتعليم من التأكيد على أهمية الأعمال الفنية والمهنية، وأنه
لابد من وجود من يعمل فيها، فلو نفرت الجماعة كلها من الأعمال
الـيـدوية، ما قام عمران، ولاشيد بنيان، وما انتظمت صناعات * (۱)
ولأصبحت الأمة عالة على المجتمعات الأخرى، وهذا ما لا يرضاه
المسلمون لأمتهم، لذلك فإنه من الأهمية بمكان إبراز أهمية العمل من
خلال التعليم .
٢ ـ أهمية التعليم في تكوين الإستعدادات:
إن الـتـعـلـيـم الـفـنـي والـمـهـنـي ضـروري للأفراد بـاعـتـبـار مـيـولـهـم
واستعداداتهم، فالبعض ليس لديه القدرة على المواصلة الدراسية، كما أن
البعض لديه ميول نحو الأعمال الفنية، ويستطيع أن يبدع فيها، ويشق طريقه
العملي من خلالها، فتوفر مثل هذه الدراسات والتخصصات ضرورية لهذا
الإعتبار ، فضلاً عن الاعتبار الآخر وهو حاجة الأمة إليها .
فالتعليم الفني يفجر طاقات الإبداع والإبتكار لدى الدارسين، كما
أنه يمكن من خلال هذا التعليم إرشاد المتعلمين وتوجيههم بالأساليب
التربوية السليمة، وتهيئة الجو العلمي الصالح الذي يساعدهم على تنمية
طاقاتهم
(۲)
كما أنه يحصل من هذا النوع من التعليم تقوية الملكات الفنية، يقول
ابن خلدون: والصنائع يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من
تلك الملكة(3) فتكون لدى الدارس للأعمال المهنية والفنية ملكة معرفية
تسهم في تطوير العمل، وتنمية الجانب الإبداعي لديه، فيستطيع أن يتعرف
ويكتشف أسهل الطرق للانتاج، وبأقل جهد وبأعلى كفاءة، وتنمو هذه
الملكة المعرفية مع مزيد الخبرة والتعليم .

3 - أهمية التعليم الفني في تنمية الطاقات البشرية:
إن للتعليم الفني أهمية كبيرة في تنمية الطاقات البشرية، وزيادة معدل
إنتاجها، وحُسن تطويرها للعمل، وذلك من خلال الأنشطة التطبيقية
للأعمال الفنية والمهنية مما يزيد في حصيلته المعرفية والتنفيذية للأعمال .
كما أن التعليم الفني يوقف المتعلم على الأخطاء التي تنجم عن سوء
استخدام آليات العمل، فيحدث ذلك عنده
فيحدث ذلك عنده نمواً معرفياً، ينعكس على
أدائه
الوظيفي .
كما أن للجانب التعليمي الأثر الفاعل في غرس القناعة بالمهنة،
وبمزاولتها، والإعتزاز بها، مما يزيد ذلك في نشاطه الإنتاجي .
ص ١٦
أخلاقيات العمل
إن للعمل أخلاقاً لابد من الإتصاف بها، والتخلق بها، وإلا أصبح
العمل مرتعاً للتهاون، وتبديد الأموال، وتضييع الإقتصاد، ولأصبح بؤرة
للغش والخداع، والإسلام وضع للمسلم أخلاقاً يتخلق بها ويتصف بها في
جميع شؤونه، التي منها العمل، ومن تلك الأخلاقيات ما يلي :
1 - الإخلاص:

إن كلمة الإخلاص: تدل على الصفاء والنقاء، والتنزه من الأخلاط
والأوشاب، والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس به شائبة مادية، أو
معنوية(1) .
الخير،
وما شاع الإخلاص بين قوم في شؤون الدين والدنيا إلا عمهم
وزهق بينهم الباطل، وكانوا في الأولى والآخرة من السعداء .
والإخلاص من أهم الصفات الخلقية التي ينبغي على المرء أن يتصف
بها، وله أهمية كبيرة في مجال العمل، إذ بالإخلاص يرتفع مستوى
الأعمال، وينمو الإنتاج، ويتحسن الإقتصاد، وبالإهمال يتدنى مستوى
الإنتاج، وتفسد الأعمال، وتنشق العلاقة بين أرباب الأعمال والعمال،
وتحدث الفرقة بدل الألفة .
وقد بين ﷺ فضل الإخلاص في العمل، بقوله
( خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح)) والنصح ثمرة من ثمار الإخلاص، وفي هذا البيان
النبوي الكريم، إيضاح لأهمية الإخلاص الذي سيؤول بصاحبه إلى خيرية
الكسب وأفضله .
٢ ـ حفظ الأمانة:

إن الأمانة نقيض الخيانة، ومؤتمن القوم: الذي يثقون به، ويتخذونه
أميناً حافظاً، والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة(٢) .
والأمانة واسعة الدلالة، متعددة الجوانب، فهي الأمانة في
الودائع، والأمانة في حفظ سر الكلمة، وبذل تمام الجهد فيما يوكل
للإنسان من أعمال
أعمال .
وهي شاملة لكل ما استرعى الله تعالى الإنسان من
أعمال، وأداء للحقوق، وتكون فيما منحه الله تعالى للإنسان من
جوارح .
وأداء الأمانة واجب شرعي، يتحتم على كل مسلم أن يحفظ أمانته،
ولا يخون حتى من خانه، لقوله ﷺ : (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن
من خانك)(3).
وقال ﷺ : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(4) .
ونقيض
الأمانة الخيانة، التي هي سبب الأزمات والغش والخديعة، إذ
يرتبط بفقدانها قلة الإنتاج في الأعمال، وضعف المستوى في الأداء، في
مختلف الحرف والأعمال، وبفقدانها تكسد التجارة وتتعثر بين الناس
في المعاملات .
لانعدام الثقة
|ص ١٧
۳ - الكسب الحلال:
لقد اهتم الإسلام بالكسب المعيشي اهتماماً كبيراً، فبين المهن
والمكاسب المحرمة التي ينبغي صد جميع الوسائل المفضية إليها، فقد
الإسلام صناعة وتعاطي الخمور والمخدرات، والأعمال الربوية، وغيرها
من المحرمات التي بينتها كتب الفقه الإسلامية .
كما ينبغي تجنب المكاسب المبنية على الخداع والغش والحلف
الكاذب، وغيرها من الرذائل السلوكية، وقد حذر ﷺ من فتنة المال التي قد
تؤدي بالإنسان إلى عدم المبالاة بمكسبه، قال عليه الصلاة والسلام: (يأتي
على الناس زمان لايبالي المرء ما أخذ منه، أمن حلال أم من حرام)) .
قال ابن التين : أخبر النبي ﷺ بهذا تحذيراً من فتنة المال، وهو من
بعض دلائل نبوته، لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من
جهة التسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من
حيث هو، والله أعلم") .
فينبغي على العامل المسلم أن يتحرى في كسبه الأعمال المشروعة
أولاً، ثم يتحرى سلامة الكسب، من الغش والخداع وسائر الرذائل، وأن
يتحرى فيه الصدق والأمانة والإخلاص، فقد قال ﷺ: (لاتزول قدما عبد
القيامة حتى
حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله
من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)(۳) .
يوم
فهذه بعض من أخلاقيات العمل التي ينبغي أن لا يغفل عنها مسلم،
وأن توليها المؤسسات التربوية اهتمامها الكبير، عن طريق الأنشطة التربوية
والمناهج الدراسية .
وبهذا يتضح لنا اهتمام الإسلام بالعمل المهني لأنه أس لكثير من

أمور الحياة، التي لا تقوم إلا به كالنفقة على النفس والعيال، وسد حاجات
أفراد المجتمع .
وتبين لنا أن الإسلام لا يحقر العمل المهني بل يرفع من قيمته ويثني
على أهله لأنه يبعدهم عن المسألة التي حرمها الإسلام، ويتأكد بهذا أن
الإسلام دين عمل وليس كما يدعي بعض
أعداء الإسلام من
أن التربية
الإسلامية لا تهتم بالمهن، أو ما يحصل من بعض المتقاعسين عن العمل
بهم تقاعسهم إلى المسألة، أو إلى الإنحراف المهني.

ولذلك فإنه ينبغي على الأوساط التربوية أن تولي في مناهجها
التعليمية ما يربي في أبناء المسلمين حب العمل وعدم تحقيره، أو تحقير
أهل المهن الحرفية الأولية، ويقع على عاتقها مسؤولية تربوية كبيرة عليها أن
تقوم بها .

الفصل السادس
البناء الجسمي
المبحث الأول : المفهوم والأهـداف
المبحث الثاني
: أحكام الألعاب الرياضية
المبحث الثالث : ضوابط التربية الجسمية
المبحث الرابع : وسائل التربية الجسمية

المبحث الأول
المفهوم والأهداف
تمهيد:
لقد اهتم الإسلام ببناء جميع جوانب الإنسان، روحاً وعقلاً وخلقاً
وجسماً، واهتم به كفرد له حقوقه، ومشاعره، وحاجاته، وقدراته الخاصه ،
كما اهتم به أيضاً كعضو في جماعة المسلمين، فوجهه الإسلام في كل
جانب من
تلك الجوانب الإنسانية، بما يجلب له سعادة الدارين .
ومن
تلك الجوانب التي بصددها الدراسة الجانب الجسمي، الذي
أهتم به الإسلام وقاية وإنماء وعلاجاً، وجعل الإهتمام به وسيلة لغاية،
وليس غاية لذاتهـا .
والمرء ينشط لكل عمل يقوم به إذا كان لهدف وغاية، حيث أن
البواعث تدفعه من خلال تصور ذلك الهدف، وبالتالي
يجمع
نشاطه
لتحصيله وابتغائه، فيصبح عمله مبنياً على تصور وباعث وهدف ووسيلة،
وهذه الامور تحتاج الى ضبطها بضابط الشرع، وإلا أصبح الناس فيها
سواء، مؤمنهم وكافرهم .
وكما أن المجتمعات المعاصرة اعتنت بالتربية الجسمية عناية كبيرة
على نمط لا يتوافق في كثير من صوره وأهدافه ووسائله
المنهج
الاسلامي، جاءت الحاجة ملحة في الكتابة عن هذا الجانب، لبيان التصور
الصحيح للتربية الجسمية .
وهناك نقطة مهمة ينبغي بيانها وهي أن البناء الجسمي، أو التربية
ص٢١
|||
البدنية، لاينحصر مفهومها في التربية الرياضية فقط، وإنما يدخل في ذلك
الجانب العلاجي، والجانب الوقائي، والغذائي وهو ما سوف يوضحه هذا
البحث إن شاء الله تعالى .
أولا: مفهوم التربية الجسمية:
التربية الجسمية، أو التربية البدنية : هي عملية حفظ، وتنمية الجانب
الجسمي، ليقوم بدوره على أحسن ما يكون .
وجميع المجتمعات يمكن أن تتفق على هذا المفهوم، ولكنها تختلف
وتتباين في مفهومها لجزئية من التعريف ، ألا وهي
(ليقوم بدوره) .
فدور الجسم في المجتمعات الغربية يقتصر على تحقيق السعادة في
الحياة الدنيا، حيث إن هذا هو مطلب التربية بصفة عامة كما قال أحد
مفكريهم، وهو (هربرت سبنسر): إن التربية
هي
الإعداد للحياة) ويؤكد
آخر وهو (جون لوك) أن التربية لها أغراض ثلاثة :
1 ـ تقوية الأبدان، وتنشيط الأجسام .
۲ - تزويد العقول بأنواع المعارف والعلوم .
۳ - غرس الفضيلة في النفوس

وهنا نلاحظ
حصر أهداف التربية في أمور دنيوية، ولم يتعرض (جون
ديوي) للجانب العقدي أو التعبدي، أو بشكل عام للجانب الأخروي .
وأما عند المجتمعات البوذية، فإن التربية الجسمية، هي التخلص من
الغرائز الجسدية، لتحصل السعادة للإنسان(۳) على حد زعمهم .
وعند غلاة الصوفية نجد أنهم: "زعموا أن الطريق في ذلك (أي
طريق السلوك) بالإنقطاع عن علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها ،
وبقطع الهمة عن المال والولد والوطن .
والإنقطاع عن المال والولد والوطن والدنيا بأسرها، يعني التوقف عن
العمل، وعن الإهتمام بتهذيب وتنمية الجانب الجسمي .
وقد اتضح مما سبق أن التربية الجسمية عند بعض المجتمعات
المنحرفة، بالغت في التربية الجسمية، كما هو مشاهد وملموس عند العالم
الغربي، والماديين بصفة عامة، وبعضها أهملت التربية الجسمية، كما هو
مشاهد عند الطرف الآخر المنحرف، كالبوذية، وغلاة الصوفية، وعلى
الشباب أن يتنبه إلى ذلك، ولا يكونوا إمعة، بل ينظرون إلى نشاطهم
الجسمي من خلال المنهج الإسلامي، ويعملون في ضوئه .
(1),
أما مفهوم التربية الجسمية في ضوء التربية الإسلامية، فهي عملية حفظ
وتنمية الجانب البدني، ليقوم بدوره الذي خلق من أجله، والمتمثل في :
تحقيق العبودية لله تعالى، وما يتفرع عن ذلك من الإستعانة بهذا
البدن على أداء العبادات، كالصلاة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله،
ما قد يتطلبه من تعلم بعض المهارات البدنية، للدفاع عن الضروريات التي
الدين والمال والنفس والعرض والعقل.
في
ومن هذا المنطلق يمكن صياغة أهداف التربية الجسمية على النحو
التالي :
ثانياً: أهداف التربية الجسمية:
إن التربية الجسمية أمر مطلوب لأهداف عديدة في ضوء التربية
الإسلامية، وسواء كانت بالتنمية الغذائية والحركية، أو بالعلاج والوقاية،
فهي تختلف في أهدافها عن التربيات المخالفة للمنهج الإسلامي، حيث
تهدف التربية الإسلامية إلى ما يأتـي : .

1 ـ لأداء الواجبات:
،
من أبرز أهداف البناء الجسمي، ليكون قادراً على أداء الواجبات ،
والمستحبات الشرعية، مثل: أداء الصلوات والصيام والحج والجهاد في
سبيل الله تعالى، والدفاع عن النفس والدين والمال والعرض .
فطلب الصحة يكون لأداء العبادات، والتقوى على ذلك، وكسب
العيش وعمارة الكون، وقد علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ندعو
للمريض بالصحة إذا زرناه، حتى يعبد الله تعالى، فقال عليه الصلاة
والسلام: (إذا جاء الرجل يعود مريضاً قال: اللهم اشف عبدك، ينكأ لك عدوا ً
ويمشي لك إلى الصلاة)(1)

فطلب السلامة والصحة للمريض ليقوم بعبادة الله تعالى، ولايمنع من
التمتع بالطيبات وبنعمة العافية، قال تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج
وقبيله والطيبت من الرزق قل هي للذين ءامنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيمة
كذلك تفضل الايت لقوم يعلمون» (۲)
ولكن المنهى عنه أن ينحرف الفرد عن هذا الهدف النبيل التعبدي ،
فيربي جسمه ليكون قادراً على انتهاك محارم الله تعالى، كالسطو على أموال
الناس، أو الفتك بأعراضهم، أو ليباهي بجسمه وقوته الناس .
إن تربية الجسم وسيلة لغاية، قد تكون واجبة أو مستحبة أو محرمة أو
مكروهة أو مباحة، فتأخذ الوسيلة حكم الهدف والغاية، لأن الوسائل لها
أحكام المقاصد .
ولهذا فان الممارسات الرياضية النافعة كالسباحة والرماية وركوب
الخيل، وما في حكمها، إذا كان باعثها شرعياً حسن الهدف، فهي مطلوبة ،
قال الشوكاني رحمه الله : " واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً، بل فيه
تدريب الشجعان على مواقع الحروب ، والاستعداد للعدو "(3) .

۲ ـ لمقاومة الأمراض:
إن الجسم الضعيف أكثر عرضة للأمراض، لعدم قدرته على مقاومتها
لأن الأمراض التي تـلـحـق الـبـدن " إمـا مـن سـوء الـمـزاج، بخروجه عن
الاعتدال، وإما من فساد العضو، وقد يكون من ضعف القوى») .
وسبب ضعف القوى ناتج عن عدم العناية بغذاء البدن، إفراطاً أو
تفريطاً، أو ناتج عن عدم الحركة، التي لها دور كبير في تنشيط البدن . يقول
ابن جماعة : " ولا بأس بمعاناة المشي، ورياضة البدن، فقد قيل: أنه ينعش
الحرارة، ويذيب الاخلاط، وينشط البدن "(٢) وهذا يؤكد أهمية الحركة لتقوية
الجسم، وإذابة الفضلات، فيكون الجسم أكثر قدرة على المقاومة
.
3 ـ ليكون أكثر نشاطاً للعمل:

كلما كان الجسم قوياً نشيطاً، كان الإنسان أكثر قابلية وقدرة على
العمل، خاصة إذا وافق ذلك همة عالية تدفعه إلى الكسب المعيشي وليقوم
بما هو مكلف به من النفقة على نفسه، وعلى من تجب عليه نفقتهم
كالأهل والأبناء، ولا يكون عالة على الناس، وليعف نفسه عن
المسألة
التي لا تحل إلا لثلاثة، كما جاء في الحديث، الذي قال فيه صلى الله
عليه وسلم لقبيصة : (يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل
تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته
جائحة، اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش [أو
قال سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا
من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من
عيش أو قال سداداً من عيش] فما سواهن يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها
سحتا

فتقوية الجسم ليكون الإنسان أكثر قدرة على العمل أمر مطلوب ،
سواء كان ذلك بالعلاج، أو بالوقاية، أو بالإنماء والبناء .
٤ـ لتحقيق الصحة النفسية:
ينعكس نشاط الجسم وحيويته على نفسية المرء، فيشعر بالراحة
النفسية، ويذهب عنه الملل والكآبة، فيكون الإنسان أكثر قابلية لأداء
واجباته، وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم زوجته أم المؤمنين عائشة
رضي الله عنها) وأيضاً لعب الأحباش بالحراب في مسجده صلى الله عليه
وسلم .

وقال ابن القيم " فلو لم يكن في النضال * إلا أنه يزيل الهم، ويدفع
عن القلب، لكان ذلك كافياً في فضله، وقد جرب ذلك أهله "(۳) فجعل ابن
القيم ازالة الهم من فضائل النضال .
ففي الرياضة قوة للبدن، وتنشيط للنفس، حتى تكون أكثر قابلية
للعمل، وهذا يختلف باختلاف طبائع الناس، فمنهم ميال للحركة مبتهج
بها، ومنهم لايأبه بها، وربما انزعج البعض منها .
()
ورشاقة الجسم واعتدال قوامه، لها انعكاس طيب على نفسية
الشخص، بعكس بدانة الجسم المفرطة، فقد يكون لها أثر سلبي على نفسية
الفرد، وربما ساهم ذلك في انطوائه. وقد اشارت بعض الدراسات إلى أن
حجم الإنسان الجسدي له تأثير على الصحة النفسية، وكذا الأمراض
العضوية(4) .
() النضال: هو الترامي بالسهام، يقال: انتضل القوم وتناضلوا : أي رموا للسبق، وناضله إذا
راماه، وفلان يناضل عن فلان إذا رامي عنه وحاجج، وتكلم بعذره ودافع في النهاية

ـ ليسعد الإنسان بالصحة والعافية:

إن سلامة الجسم وصحته تزيد من سعادة الإنسان، والمرض يجلب
للإنسان الهم والألم، وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الصحة في البدن
من أسباب السعادة حيث قال عليه الصلاة والسلام: (من أصبح منكم
معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له
الدنيا)(۱).
فمن أسباب السعادة "سعادة الإنسان في جسمه وبدنه، كصحته
واعتدال مزاجه، وتناسب أعضائه، وحسن تركيبه، وصفاء لونه، وقوة
أعضائه (۲) .
ولا شك أن للتربية البدنية، والأغذية أثراً كبيراً على الصحة البدنية ،
وقوة الجسم، ورشاقته، وسلامته .
وقد بين صلى الله عليه وسلم، خطورة الإفراط في الأطعمه، وآثارها
السلبية حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن،
حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه،
وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)(۳) .
فالعناية بصحة الجسم، علاجاً، ووقاية، وإنماء، في حدود المنهج
الإسلامي أمر مطلوب، لأنه يحقق للإنسان الصحة والسلامة من الأمراض،
وليقوم بما أوجبه الله تعالى عليه في أمور دينه ودنياه .

المبحث الثاني
أحكام الألعاب الرياضية
إن التربية البدنية الرياضية والذهنية، من حيث الحكم الشرعي تنقسم
إلى ما يلي :
1- قسم مباح:
هناك نوع من الألعاب ليس بمحبوب ولامسخوط، بل هو مباح لعدم
المضرة الراجحة، كالسباق على الأقدام، والسباحة، وشيل الاحجار،
والصراع ونحو ذلك . (1) .
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: (سابق رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين الخيل التي ضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية
الوداع، فقلت لموسى : فكم كان بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة،
وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها
مسجد بني زريق، قلت: فكم بين ذلك؟ قال: ميل، أو نحوه، وكان ابن
عمر ممن سابق فيها)(۲) .
قال ابن حجر: "وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من
العبث، بل من الرياضة المحمودة، الموصلة إلى تحصيل المقاصد في
الغزو، والإنتفاع بها عند الحاجة، قال القرطبي: لاخلاف في جواز

المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي
بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدرب على الحرب، وفيه
جواز إضمار الخيل"
والسبق والصراع ونحوهما طاعة إذا قصد به نصرة الإسلام. وأخذ
السبق عليه أخذ بالحق، ويجوز اللعب بما قد يكون فيه مصلحة بلا
مضرة .
(1),
(۲)
۲- قسم محرم:
ومن أنواع الرياضة قسم مبغوض مسخوط لله ورسوله، موصل إلى ما
يكرهه الله تعالى ورسوله ﷺ كسائر المغالبات التي توقع العداوة والبغضاء ،
وتصد عن ذكرالله، وعن الصلاة، كالنرد والشطرنج وما أشبهها .
ويدخل تحت هذا القسم ما كان فيه اختلاط بين الرجال والنساء، أو
شغل عما أمر الله به، فهو منهي عنه، وإن لم يحرم جنسه، كالبيع
فهي
ليست محرمة، ولكن إذا كانت بعد النداء الثاني من صلاة
الجمعة، فهي محرمة، باتفاق العلماء. (٥) أو اشتملت على سلع
والتجارة» (4)
محرمة .
ونظراً لكثرة الوسائل الرياضية، وتعددها، فيمكن وضع الضوابط التي
يمكن أن يضبط بها الإنسان ممارساته الرياضية .

المبحث الثالث
ضوابط التربية الجسمية
قبل البدء في بيان الضوابط الشرعية للتربية البدنية، لابد أولاً من
الإشارة إلى أن هناك فرقاً بين الضوابط والكبت، حيث إن الكبت هو
استنكار الدوافع والغرائز، وعدم الإعتراف بها أو الإهتمام بها، أما
الضوابط فعملية أخرى واعية، تصحح المسار والإتجاه . (
والإسلام لا يكبت طاقات الإنسان ليئدها، وإنما ينظمها، لمصلحة
الفرد والجماعة. وكل شيء يراد استقامة أمره، وصلاح شأنه، لابد من
ضبطه بضوابط تصحح مساره، وتنير له الطريق، حتى لا يستخدم الإنسان
مايضره جرياً وراء الأهواء والشهوات والتقليد غير البصير. ولذلك لابد
من تحديد ضوابط للتربية البدنية، في ضوء منهج التربية الإسلامية،
وهي :
1 ـ أن تكون الوسائل مباحة في ذاتها:
وهذا يعني
أن لا تكون محرمة، أو مكروهة. ومن
أمثلة الوسائل
المباحة: السباحة، والسباق على الأرجل، وعلى الخيول، ومثل الأعلجة،
والأطعمة غير المحرمة، وأما الوسائل الممنوعة فهي كل ما يؤدي إلى
إزهاق الأنفس، أو الإضرار بها، سواء كانت رياضية، أو أطعمة، أو
أعلجة .

أمثلة ذلك ألعاب الملاكمة(1) ومن الأطعمة كأكل لحم الخنزير ،
ومن
ومن الأشربة كالخمر .
٢ ـ أن لا تكون مفضية إلى محرم أو مكروه:
أي لا تكون وسائل التربية الجسمية مؤدية إلى مكروه أو محرم. فقد
تكون الوسيلة مباحة في ذاتها، لكنها تؤدي إلى محرم، أو تجر إلى مكروه ،
مثل :
أ ـ أن تؤدي إلى ضياع الواجبات، والمندوبات، كتضييع الصلاة، أو
تأخيرها عن وقتها، أو تفويت السنن، فإن أدت إلى تضييع الواجبات
أصبحت محرمة، وإن أدت إلى تضييع السنن أصبحت مكروهة، لما نجم
عنها، وليس لذاتها . " فإنه إذا كان ذريعة إلى ممنوع صار ممنوعاً، من باب
سد الذرائع، لامن جهة كونه مباحاً » (٢) لأنه قد يتعلق بالمباح - في سوابقه
أو لواحقه أو قرائنه ـ ما يصير به غير مباح .
ب ـ أن تؤدي إلى التباغض والشحناء والعداوة، لأن من فروع قاعدة
الوسائل لها أحكـام الـمـقـاصـد "النهي عن كل ما يحدث الـعـداوة
والبغضاء » (٤)
ج ـ أن تؤدي إلى إلحاق الضرر بجسم الإنسان، أو إزهاق الأنفس،
سواء كانت بأمور رياضية، أو بأطعمة غرف عنها الضرر، أو أنها تقوي
البدن، لكن يتضرر بها البعض لوجود عدم قابلية جسمه لها، أو أدوية تعطي
قوة للبدن، لكن تتضرر بها بعض الأجسام، ولاتتقبلها، فإنها في حق من
يتضرر بها ممنوعه .

3 ـ أن لا يخالط الوسيلة أمر محرم أو مكروه:
حيث قد تكون الوسيلة مباحة في ذاتها، ولكن يخالطها أمر محرم،
أو مكروه، مثل :
أ ـ أن يكون في الألعاب المباحة اختلاط بين الرجال والنساء .
ب ـ أن تكون المسابقات الرياضية بعوض، لأن هذا لا يجوز إلا بين الخيل
والإبـل والـرمـي لقوله : (لاسبق إلا في خف أو نصل أو
حافر)(۲) .
(1)
أما فيما عداه فيجوز السبق بدون عوض " للإجماع على جواز المسابقة
بغير عوض في غير هذه الثلاث، (۳) .
أن
، يتضمن عقد المسابقة شروطاً فاسدة، نحو جهالة المركوب، أو
ج -
الرماة، أو نحو ذلك(4) .
د .
أن لا تتوفر الشروط الواجب مراعاتها في المسابقة بين الخيل،
والإبل، والرمي بعوض
(5)
ه ـ
أن تؤدي إلى إهدار الوقت، فيما لامصلحة فيه، وذلك أن الإنسان
مسؤول عن وقته أولاً، ولأن إهدار الوقت فيه تضييع لمصلحة الإنسان
ثانياً، قال ﷺ : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره
فيم فعل فيه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم
علمه
أفناه، وعن
فيم
أنفقه ،
، وعن جسمه فيم أبلاه)

4 ـ أن تكون التربية الجسمية وسيلة لغاية:
وليست غاية لذاتها، فتكون التربية الجسمية وسيلة لهدف مباح أو
مستحب، أو واجب، ولا يجعلها هدف وغاية في ذاتها، أو لأهداف
مكروهة أو محرمة .
٢.٥

||
إن التربية الجسمية في مفهومها الصحيح لا تتقوقع وتنحصر في التربية
الرياضية فقط، بل هي أوسع وأعم من حصرها في زاوية التربية الرياضية ،
إذ إن التربية الجسمية بمفهومها الواسع تشمل حفظ قوام الجسم، بتنميته ،
ووقايته وعلاجه، وهذا يتطلب الإهتمام بالأمور التالية :
1 - حفظ الجسم بوقايته من الأمراض .
۲ – حفظه بعلاجه من الأمراض .
التالية :