Lakhasly

يشير الكتاب الى مسار المرض باعتباره محددا اساسيا في رحلة العلاج للمرضى منطلقا من تعريف أنسيلم ستراوس لمفهوم مسار المرض بأنه لا يشمل فقط التطور الفيزيولوجي للمرض، بل يشمل أيضًا تنظيم العمل الذي يتابع هذا التطور وتأثيره على جميع الأطراف المعنية. يتميز كل مرض بمسار يحدد نوع العلاج والاطر الصحية المختصين، ويتطلب مهارات متنوعة ومعلومات عملية وتقسيمًا خاصًا للمهام بين الفاعلين في قطاع الصحة، بالإضافة إلى الأقرباء والمريض والعلاقات المختلفة بين جميع الأطراف، سواء كانت منظمة أو غير منظمة. وهذا المفهوم ضروري للفهم السوسيولوجي لتدبير المرض ويساعد على تجنب الأحكام المسبقة من قبل العاملين في القطاع الصحي تجاه المرضى بأنهم غير ملتزمين بالعلاج أو ملتزمين فقط من منظورهم الطبي. كما يساهم هذا المفهوم في تعميق وتدقيق الملاحظة والاستماع والمقابلات مع الأطر الطبية، مما يكشف بشكل أفضل عن آرائهم. إنه أيضًا طريقة لترتيب تحليلي للأحداث المتنوعة التي تلعب دورًا في الأمراض المزمنة الحديثة، حيث يحاول المريض وأسرته والعاملون في القطاع الصحي مراقبة أو مواجهة هذه الأمراض. يتميز العمل الصحي بخصائص تشمل الأحداث غير المتوقعة والصعبة المراقبة، ليس فقط بسبب علاقتها بالمرض، ولكن أيضًا بسبب الأسئلة الكثيرة التي تطرحها والاعتبارات البيوغرافية المتعلقة بنمط حياة المريض وأسرته والأطر الطبية. الخصوصية الثانية لهذا العمل هي أنه يتم على الإنسان في بيئة أو بوساطة كائن حي، مما يؤدي إلى حدوث ردود فعل من المريض قد تؤثر على العمل، ويمكن للمريض أن يشارك في العمل الصحي، مما يعني أن العمل لا يتم فقط على وفي محيط المريض، بل أيضًا معه، مما يجعل مسار المرض معقدًا ومشكلًا. تعقد الأمراض المزمنة والتكنولوجيا المصاحبة لها مسارات المرض، خاصة إذا لم يكتسب مهنيو الصحة خبرة كافية حول هذه الأمراض وإمكانيات تفاقمها، ولم يدركوا تأثير العلاج الطبي على أعضاء أخرى من الجسم وما يتطلبه ذلك من تنظيم للعمل، مما يزيد من تعقيد مسار المرض، كما هو الحال في تاريخ علاج مرض الكلى.
وقد ساهم التطور التكنولوجي في تمديد مسارات المرض، بالخصوص على الأمراض المزمنة، لكنه أيضًا يساهم في الحفاظ على حياة المرضى لفترة أطول وهو ما يجعلهم يعيشون في شك من أمرهم وفي مواجهة مستقبل غامض حول آثار العلاج على الجانب الفيزيولوجي، وكذلك على سير نظام الأعضاء ألاخرى في الجسم وعلى نمط حياة المرضى وكذلك على تنظيم العمل الطبي. لذلك، فإن التمديد البسيط لمسار المرض يؤدي إلى خلق مشاكل طبية تنظيمية وبيوغرافية جديدة. فعلى سبيل المثال، مرضى السكري الذين يعيشون لفترة أطول قد يواجهون في نهاية مسار مرضهم مضاعفات لم يتوقعها هم أو أطباؤهم، خاصةً أن الكثير منهم يعانون من عدة أمراض مزمنة. يجب أن يكون علاجهم متوازنًا، وإلا فإن ذلك قد يكون له عواقب وخيمة على الصحة الفيزيولوجية، وبالتالي يتطلب إعادة النظر في مسار المرض من قبل الأطر الطبية. بالإضافة إلى ذلك، يزيد تعقيد مسار المرض بوجود عدد كبير من المتخصصين (أطباء، ممرضين، وتقنيين) الذين يتدخلون في العلاج ويجب أن يتعاونوا مع بعضهم البعض.
يعتبر التشخيص هو نقطة الانطلاق في مسار العلاج ويستطيع الطبيب بعد هذه الخطوة تقدير المدة التي قد يعيشها المريض بدون تدخل طبي ويضع خطة عامة للتدخلات الطبية المحتملة وفعاليتها، أي رسم مسار المرض. غالبًا ما تكون المراحل الأولى من مسار العلاج بيد المرضى أنفسهم، خصوصًا في حالة الأمراض المزمنة. قد يلاحظ المرضى ظهور أعراض جديدة تقلقهم وتحفزهم على زيارة الطبيب. قد يقوم الطبيب بتقديم تشخيص أولي خاطئ، أو يقرر أنه "لا توجد مخاطر"، أو ينصح المريض بالانتظار لحين ظهور أعراض أخرى. هذا يمكن أن يفسر لماذا يشعر بعض المرضى بالإحباط عند اكتشاف السرطان أو أمراض مزمنة في مراحل متأخرة. وقد يكون الخطأ ناتجًا عن خطأ تقني في مختبر معين، بالإضافة إلى أن تشخيص بعض الأمراض المزمنة قد يستغرق وقتًا طويلًا.