Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

مقدمة إن لم تكن التحدى الأول والأخطر. وهو ما أكد عليه تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى ، حيث جاءت المخاطر المتعلقة بالتغيرات المناخية فى المرتبة الأولى . وتحظى ظاهرة التغير المناخى باهتمام دولى متزايد من جانب صانعى السياسات والاقتصاديين والمهتمين بقضايا البيئة وغيرهم، وذلك فى أعقاب ادراكهم لخطورة تهديد التغيرات المناخية لاستمرار حياة الانسان على كوكب الأرض. وحتى العقد الأخير من القرن العشرين كان الاعتقاد السائد بأن التغيرات المناخية هى ظاهرة طبيعية، ولم تكن هناك قناعة بمدى الارتباط بين ظواهر التغير فى المناخ كالارتفاع فى معدل درجات الحرارة وتقلبات هطول الأمطار من جانب والأنشطة البشرية والتى نتج عنها غازات سببت تغير فى التركيزات الطبيعية للغازات المكونة للغلاف الجوى لكوكب الأرض من جانب آخر. ولكن الأدلة التى أظهرتها تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change) أكدت على أن الأنشطة البشرية تسهم بدرجة كبيرة فى حدوث التغيرات المناخية، وأن المؤثر الرئيسى فى هذه التغيرات يتمثل فيما يسمى بظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن التراكم السريع للغازات الدفيئة منذ بداية عصر الصناعة . وتشير العديد من الدراسات إلى التداعيات السلبية المحتملة للتغيرات المناخية على كافة الموارد والقطاعات الاقتصادية كموارد المياه والأراضى الصالحة للزراعة والأراضى الساحلية والغابات والتجمعات السكانية وقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والصحة. وتأتى هذه التأثيرات نتيجة للعديد من المتغيرات المناخية أهمها تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وارتفاع منسوب سطح البحر وتناقص الغطاء الجليدى وحدوث الكوارث المناخية المتطرفة كالفيضانات والجفاف والأعاصير. وتعتبر الزراعة من القطاعات الأكثر تعرضا لخطورة التغير المناخى، فالقطاع الزراعى هو الأكثر تأثرا بظواهر التغيرات المناخية من تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وما قد يصحبها من جفاف أو فيضانات، بالإضافة إلى زيادة معدلات التصحر وتأثير ارتفاع منسوب سطح البحر على تآكل الأراضى الزراعية وارتفاع درجات الملوحة بها . ومن هنا تأتى العلاقة بين التغيرات المناخية والأمن الغذائى والتأثيرات المتلاحقة على تأمين حق الانسان فى الغذاء، إذ أشار التقرير التقييمى الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى خطر انعدام الأمن الغذائى وانهيار النظم الغذائية خصوصا للسكان الأكثر فقرا نتيجة لعوامل مناخية كالجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وتقلبات هطول الأمطار، ومن المحتمل أن تتأثر جميع أوجه الأمن الغذائى بتلك التداعيات المحتملة لتغير المناخ . وتعتبر قضية التغيرات المناخية بالنسبة لمصر أكثر تعقيدا، حيث تقع مصر فى المنطقة القاحلة وشبه القاحلة من العالم، والتي قد أفاد التقرير التقييمى الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنها الأكثر عرضة لتغير المناخ. وتصنف مصر حاليا بأنها واحدة من خمس دول على مستوى العالم هى أكثر الدول المحتمل تعرضها للآثار السلبية للتغيرات المناخية ، وذلك بالرغم من أن انبعاثات مصر من غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخى لا تمثل سوى 0. 71% من إجمالى انبعاثات العالم لعام 2019 . الأهداف تركز الدراسة بصفة رئيسية على بحث الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية على الحق فى الغذاء فى مصر. وذلك فى ضوء الجدلية المثارة بشأن أن تكون مصر فى مقدمة الدول الأكثر احتمالاً للتعرض لخطر الآثار الناتجة عن التغير المناخى. فى هذا السياق تهدف الدراسة إلى التالى:  التعرف على الحق فى الغذاء من منظور حقوقى.  التطرق إلى مفهوم التغيرات المناخية وأسبابها وتداعياتها.  بيان التداعيات والآليات التى يؤثر من خلالها التغير المناخى على الإنتاج الزراعى والأبعاد المختلفة للأمن الغذائى ومن ثم الحق فى الغذاء.  تحديد التداعيات المحتملة للتغيرات المناخية على الزراعة والأمن الغذائى فى مصر.  طرح السياسات المختلفة التى من شأنها التخفيف من المصادر المُسببة للتغيرات المناخية والتكيف مع آثارها المحتملة بالتركيز على قطاع الزراعة فى مصر. أولا: الحق فى الغذاء من مدخل حقوقى ينبثق الحق فى الغذاء فى إطار المواثيق الدولية من الاعلان العالمى لحقوق الانسان (1948) حيث اختصت المادة (25) بالحق فى الغذاء، إذ نصت على "لكلِّ شخص حقٌّ فى مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فى ما يأمن به العوائل فى حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتى تفقده أسباب عيشه. وتأسيسا على ذلك جاء العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) ليبرز الحق فى الغذاء بشكل أكثر تفصيلا فى المادة (11) كالتالى: 1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشى كاف له ولأسرته، يوفر ما يفى بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه فى تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة فى هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولى القائم على الارتضاء الحر. 2- واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسى فى التحرر من الجوع، تقوم الدول الأطراف فى هذا العهد، بمجهودها الفردى وعن طريق التعاون الدولى، باتخاذ التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة واللازمة لما يلى: أ- تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، ونشر المعرفة بمبادئ التغذية، ب- تأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعا عادلا فى ضوء الاحتياجات، كذلك تضمن الاعلان الاسلامى لحقوق الانسان (1990) فى المادة (17) الفقرة (ج) "تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله ويشمل ذلك المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية" . وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعلان الحق فى التنمية (1986) والذى ربط بين الحقوق الواردة فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية وبين عملية التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واعتبار أن التنمية هى حقا من حقوق الانسان. وقد نصت المادة (8) تحديدا من الاعلان على "ينبغى للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق فى التنمية ويجب أن تضمن، فى جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع فى إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والعمل والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والتوزيع العادل للدخل. وينبغى إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية مناسبة بقصد استئصال كل المظالم الاجتماعية" . وقد تناول الميثاق العربى لحقوق الانسان (2004) الحق فى الغذاء فى المادة (38)، إذ نصت على " لكل شخص الحق في مستوى معيشى كاف له ولأسرته ويوفر الرفاهية والعيش الكريم من غذاء وكساء ومسكن وخدمات وله الحق في بيئة سليمة وعلى الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة وفقا لإمكاناتها لإنفاذ هذه الحقوق" . والتزاما بالحق الأساسى للفرد فى الغذاء تضمن الدستوى المصرى 2014 مادتين تكفل الحق فى الغذاء؛ المادة (79) تنص على " لكل مواطن الحق فى غذاء صحى وكاف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجى الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال". وتنص المادة (29) "الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما. وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون. وقد أولت أهداف التنمية المستدامة العالمية 2030 اهتماما بتأثيرات التغيرات المناخية على الحق فى الغذاء لسكان العالم، فقد جاء فى إحدى المقاصد الخاصة بالهدف الثانى -القضاء على الجوع- ضمان وجود نظم إنتاج غذائى مستدامة، وتنفيذ ممارسات زراعية متينة تؤدى إلى زيادة الإنتاجية والمحاصيل، وتساعد على الحفاظ على النظم الإيكولوجية، وتعزز القدرة على التكيّف مع تغير المناخ وعلى مواجهة أحوال الطقس المتطرفة وحالات الجفاف والفيضانات وغيرها من الكوارث، وتحسِّن تدريجيا نوعية الأراضى والتربة بحلول عام 2030 . كما يختص الهدف 13 بالعمل المناخى وتتضمن بعض غاياته تعزيز المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة الأخطار المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية فى جميع البلدان، وتعزيز القدرة على التكيف مع تلك الأخطار، وإدماج التدابير المتعلقة بتغير المناخ فى السياسات والاستراتيجيات والتخطيط على الصعيد الوطني . فى هذا السياق أدرجت استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030 البعد البيئى كأحد محاور الاستراتيجية وتضمنت أهمية التوجه نحو الزراعة المستدامة بغية التخفيف من مسببات التغير المناخى والتكيف مع التأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية على الزراعة فى مصر . ثانيا: التغيرات المناخية (التعريف والأسباب والتداعيات) تنامى ادراك المجتمع الدولى فى الآونة الأخيرة بخطورة ظاهرة التغيرات المناخية إلى جانب غيرها من الظواهر البيئية التى ظهرت منذ منتصف القرن العشرين. وقد أُشير إلى مفهوم التغيرات المناخية بالمؤتمر العالمى الأول للمناخ المنعقد بجنيف فى عام 1979، كذلك تم مناقشة احتمالية أن تؤدى الأنشطة البشرية إلى تغيرات فى النظام المناخى . فقد تعددت تفسيرات أسباب التغيرات المناخية والتى يمكن تصنيفها إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة، الاتجاه الأول يرى أن التغيرات المناخية تُعزى إلى أسباب طبيعية ناتجة عن تغيرات تحدث خارج نظام الغلاف الجوى للأرض (كالتغير فى ميل محور دوران الأرض أو مدار الأرض حول الشمس أو التغير فى الطاقة الخارجة من الشمس)، بينما يُرجع الاتجاه الثانى التغير المناخى إلى أسباب طبيعية ناتجة عن تغيرات تحدث داخل النظام الغلاف الجوى. ويُرجح الاتجاه الثالث أن الأنشطة البشرية والتى نتج عنها تزايد غير مسبوق فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى منذ بداية الثورة الصناعية هى السبب الرئيس فى حدوث التغيرات المناخية. إذ يُقدر حجم الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحرارى فى عام 2019 نحو 49. 76 جيجا طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون مقارنة بحوالى 32. 52 جيجا طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون فى عام 1990 . فى هذا السياق عرفت اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ (United Nations Framework Convention on Climate Change UNFCCC) فى مادتها الأولى مصطلح تغير المناخ بأنه "تغير فى المناخ يعزى بصوة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشرى الذى يفضى إلى تغير فى التركيب الكيميائى للغلاف الجوى على الصعيد العالمى، والذى يلاحظ بالإضافة إلى تقلبات المناخ الطبيعية المرصودة على مدى فترات زمنية مماثلة". ووفقا لهذا التعريف تفرق الاتفاقية بين تغير المناخ الذى يعزى إلى أنشطة بشرية نتج عنها تغير فى تركيب الغلاف الجوى وتقلبات المناخ التى ترجع إلى أسباب طبيعية . وتتمثل أبرز ملامح التغيرات المناخية فى التالى:

  • ارتفاع المتوسط العالمى لدرجات الحرارة، فخلال الخمسون عاما الماضية (1970-2020) ارتفع متوسط درجة الحرارة السطحية بمقدار يتراوح بين (0. 2-1) درجة مئوية مقارنة بمتوسط درجة الحرارة السائد قبل عام 1970. - ارتفاع مستوى سطح البحر، فقد ارتفع المتوسط العالمى لمستوى سطح البحر منذ عام 1900 بشكل أسرع من أى قرن سابق فى آخر 3000 عام على الأقل. - تقلبات هطول الأمطار، إذ تزايد تواتر وشدة أحداث هطول الأمطار الغزيرة منذ خمسينيات القرن العشرين على معظم مساحة اليابسة. - ذوبان الغطاء الجليدى، فخلال الفترة من 2011 إلى 2020، بالإضافة إلى تراجع جميع الأنهار الجليدية فى العالم تقريبًا بشكل متزامن. - تزايد وتيرة حدوث الظواهر المناخية الحادة كموجات الحرارة المرتفعة والجفاف والفيضانات والأعاصير . ثالثا: تداعيات التغيرات المناخية على الزراعة: يمثل تغير المناخ تهديدا متناميا للأمن الغذائى ومن ثم الحق فى الغذاء فى كافة دول العالم، إذ لتغير المناخ آثار متوقعة عديدة منها ارتفاع درجات الحرارة، زيادة الظواهر المناخية الحادة، نقص المياه وتقلبات معدلات هطول الأمطار، ارتفاع مستوى سطح البحر، تحمض المحيطات، تدهور إنتاجية الأراضى الصالحة للزراعة وزيادة معدلات التصحر، اختلال النظم الايكولوجية، وخسارة التنوع البيولوجى. ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبيا على قدرة الزراعة على تأمين الغذاء لسكان العالم خاصة الفئات الأكثر ضعفًا. إذ توفر الزراعة سبل العيش لنحو 65% من الفقراء العاملين البالغين وفقاً لتقديرات البنك الدولى لعام 2021 . الأمر الذى يعيق المجهودات العالمية للتقدم نحو الحد من الجوع وسوء التغذية والفقر وتحقيق الأمن الغذائى على مدار السنة، وضمان نظم مستدامة لإنتاج الأغذية كما تنص عليه أهداف التنمية المستدامة العالمية 2030 ، فلا يزال يواجه الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالقضاء على الجوع عدة تحديات أبرزها وجود نحو 828 مليون فرد يعانوا من نقص التغذية على مستوى العالم وفقا لتقديرات عام 2021 . وقد ظهر جليًا تأثير التغير المناخى فى العديد من الأقاليم بالعالم، حيث تأثر الإنتاج الزراعى سلبياً بارتفاع درجات الحرارة وتغير معدلات هطول الأمطار وزيادة وتيرة حدوث موجات الجفاف والفيضانات، وكان التأثير السلبى لتغير المناخ أحد العوامل المسببة فى أزمتى الغذاء العالميتين فى عامى 2007/2008 و 2010/2011 نتيجة لما تعرضت له بعض دول الإنتاج الرئيسية لظواهر مناخية متطرفة، كالجفاف الذى تعرضت له روسيا واستراليا وشرق أوروبا وغرب أفريقيا . وتساهم الزراعة أيضا بصورة مباشرة وغير مباشرة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الرئيسة الثلاث، وتشمل غاز ثانى أكسيد الكربون (CO2) وغاز الميثان (CH4) وغاز أكسيد النيتروز (N2O). ففى عام 2019 ساهمت الأنشطة الزراعية بنحو 6, 11% من إجمالى غازات الاحتباس الحرارى العالمية البالغة 49. 76 جيجا طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون، بينما ساهمت الانبعاثات الناجمة عن استخدامات الأراضى والغابات بنحو 3, 3% . - التأثير على المحاصيل الزراعية: تعد المحاصيل الزراعية الأكثر احتمالاً للتأثر بمتغيرات المناخ، إذ تحتاج توافر ظروف مناخية كى تنمو بما فى ذلك معدل الحرارة الأمثل والمياه الكافية. وقد يكون لتغير المناخ آثار إيجابية وآثار سلبية على إنتاجية المحاصيل الزراعية. فمن المحتمل أن يؤثر الارتفاع المحتمل فى درجات الحرارة العالمية سلباً على إنتاجية بعض المحاصيل الزراعية فى بعض أنحاء العالم. وقد ترتفع إنتاجية بعض المحاصيل فى مناطق معينة فى ظل مستويات أعلى من درجات الحرارة وتركيز ثانى أكسيد الكربون. ولكن إذا تجاوزت درجات الحرارة المستوى الأمثل للمحصول أو إذا لم تتوفر كميات كافية من المياه والمغذيات، هذا فضلاً عن التأثير المتوقع لانتشار الأعشاب الضارة والآفات والأمراض التى تنمو فى ظل درجات الحرارة المرتفعة، كذلك فإن حدة الظواهر المناخية المتطرفة لها آثار بالغة الضرر على إنتاج المحاصيل الزراعية . -التأثير على الإنتاج الحيوانى: لتغير المناخ آثار عديدة على الثروة الحيوانية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فارتفاع درجات الحرارة يُعرض الحيوانات للاجهاد الحرارى، مما يترتب عليه تداعيات سلبية متعددة منها انخفاض معدلات التكاثر وإنتاجية اللحوم والألبان وارتفاع معدلات نفوق الحيوانات، فضلا عن التأثير على كمية ونوعية الأعلاف والقدرات الإنتاجية للمراعى. بالإضافة إلى ذلك، يقلص الاجهاد الحرارى قدرة الحيوانات على مقاومة الأمراض والطفيليات ونواقل الأمراض. -التأثير على الإنتاج السمكى: يعانى قطاع الإنتاج السمكى ضغوطات متزايدة تتمثل فى الصيد المفرط، وتلوث المياه، وخسارة الموائل الطبيعية . وسوف يفاقم تغير المناخ وتقلباته هذه الضغوطات، مما يهدد استدامة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية فى البحار والمحيطات والمياه العذبة. فارتفاع درجات الحرارة ونقص الأكسجين من المرجح أن يؤدى إلى انقراض بعض أنواع الأسماك والتأثير على الموائل وازدياد مخاطر الأمراض على امتداد سلسلة الإنتاج. إذ تتأثر نظم الشعب المرجانية بارتفاع درجة الحرارة وزيادة تحمض المحيطات بفعل مستويات التركيز العالية لغاز ثانى أكسيد الكربون. مما سيكون له تداعيات خطيرة على الأحياء المائية، حيث تؤمن نظم الشعب المرجانية استمرار صنف من كل أربعة أصناف بحرية . كذلك من المرجح أن يتأثر إنتاج مصايد الأسماك الداخلية وتربية الأحياء المائية سلبيا بالتغيرات فى هطول الأمطار وزيادة الضغوط على موارد المياه العذبة وتزايد وتيرة حدوث الظواهر المناخية المتطرفة وحدتها . -التأثير على الغابات: تعد العلاقة بين الغابات وتغير المناخ متبادلة، حيث يؤثر تغير المناخ فى الغابات وفى ذات الوقت يتأثر حال المناخ بالأنشطة والممارسات البشرية المرتبطة بالغابات. إذ تتسبب إزالة الغابات وتدهورها فى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخى. كما سيحد تغير المناخ وتقلبه من قدرة الغابات على توفير السلع والخدمات البيئية. وخلال الفترة الأخيرة من عام 1990 وحتى عام 2020 انخفضت مساحة الغابات بنحو 420 مليون هكتار . وبالرغم من أنه قد تستفيد بعض الغابات من ارتفاع مستويات تركيز غاز ثانى أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة والتغيرات فى هطول الأمطار، إلا أن معظمها سوف يشهد تراجع فى الإنتاجية وخسارة فى التنوع البيولوجى وموت الأشجار بسبب الاجهاد الحرارى والاجهاد الناجم عن الجفاف بالإضافة إلى تفشى الآفات والحشرات . رابعا: الآثار المحتملة للتغير المناخى على أبعاد الأمن الغذائى: تعتبر الزراعة القناة الرئيسة التى من خلالها يؤثر تغير المناخ على الأمن الغذائى بجميع أبعاده. هذا فضلا عن القنوات الأخرى التى سيتأثر من خلالها الأمن الغذائى بالآثار السلبية للظروف المناخية على القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبالتالى على دخول الأفراد وقدرتهم على الحصول على الأغذية . - البعد الأول: توافر الغذاء يؤثر تغير المناخ على توافر الأغذية من خلال تأثيره على الإنتاج الزراعى بطرق مباشرة مع التغيرات فى النظم الزراعية الايكولوجية، أو بشكل غير مباشر نتيجة للآثار السلبية على النمو الاقتصادى وسبل العيش. فالتغيرات المتوقعة فى درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار سيكون لها تأثير على الإنتاجية الزراعية . هذا بالإضافة إلى العوامل المناخية الأخرى التى من شأنها التأثير على إنتاجية المحاصيل الزراعية وصحة وإنتاجية الثروة الحيوانية والسمكية. وتتضمن هذه العوامل أنماط هطول الأمطار، الرياح، والرطوبة وما قد يكون لهذه العوامل من تأثير على انتشار بعض أنواع الأمراض والحشرات والآفات. فضلاً عن الظروف المناخية المتطرفة كالجفاف والفيضانات والعواصف والأعاصير وحرائق الغابات . - البعد الثانى: الحصول أو الوصول إلى الغذاء: يحد تغير المناخ من إمكانية الحصول على الأغذية من خلال الآثار السلبية على الأفراد الذين يعتمدون فى توفير سبل المعيشة على إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيوانى والسمكى والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالغابات. وسيكون المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة هم الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ لأن معظمهم من فئة صافى المشترين للأغذية . مما يقوض القدرة المستقبلية لاكتساب الدخول، الأمر الذى يترك تداعيات على الأمن الغذائى المستقبلى . وعلى الجانب الآخر فإن تقلص الامدادات الغذائية بفعل تغير المناخ سيؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية وزيادة درجة تقلبها، وبالتالى التأثير على القدرة الشرائية للأفراد خاصة الفقراء فى المدن والريف لأنهم سينفقون حصصا أكبر من دخولهم على الأغذية. إذ يمثل الانفاق على الغذاء الجزء الأكبر من دخول الفقراء. - البعد الثالث: التغذية والاستخدام
  • البعد الرابع: استقرار الامدادات الغذائية يؤثر تقلب المناخ وازدياد حدوث الظواهر المناخية المتطرفة وحدتها على استقرار توافر الأغذية والحصول عليها واستخدامها، وذلك نتيجة للتقلبات فى إنتاجية النظام الايكولوجى والاضطرابات فى الامدادات الغذائية. وهذا من شأنه زيادة انعدام الأمن الغذائى سواء المزمن أو المؤقت. ويشكل التغير المناخى تهديدا خاصا لاستقرار الامدادات الغذائية فى المناطق الريفية التى تعتمد على الزراعة المطرية، لما قد تسببه تقلبات معدلات هطول الأمطار فى خفض الإنتاج الزراعى . خامسا: تداعيات التغيرات المناخية على الزراعة والأمن الغذائى فى مصر يشكل التغير المناخى تحديا هاما جديدا يضاف إلى التحديات الراهنة للزراعة والأمن الغذائى المصرى . وقد تناولت العديد من الدراسات تقدير الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية على القطاع الزراعى المصرى من خلال دراسة تأثيرها على عدد من العوامل وتشمل: الإنتاجية الزراعية، الموارد المائية، التأثير المتوقع لارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الساحلية، وارتفاع معدلات التصحر. وقد كان تركيز أغلب تلك الدرسات على تقدير الآثار الممكنة للتغيرات المناخية على الإنتاجية الزراعية . وتعتمد هذه الدراسات فى نتائجها على أهم متغيرات المناخ التى من المحتمل أن تتسبب فى حدوث آثار سلبية على الإنتاجية والناتج الزراعى وتتمثل هذه المتغيرات فى التالى : • التقلبات فى معدلات هطول الأمطار، الفيضانات، موجات الحرارة المرتفعة). • ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيراته السلبية على الأراضى الزراعية بالدلتا. فمن المتوقع حدوث تأثيرات عديدة للتغير المناخى على مصادر المياه المتاحة فى مصر، فقد أشار تقرير التقييم الرابع لـلهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC إلى أن قارة أفريقيا هى الأكثر احتمالية للتعرض للآثار السلبية للتغير المناخى خاصة بالنسبة للموارد المائية المتاحة بها، إذ ستشهد كثير من المناطق الشمالية والجنوبية اجهاد مائى، بينما المناطق الشرقية والغربية والوسطى بأفريقيا من المتوقع أن تشهد زيادة فى حدوث الفيضانات . وتشير بعض التقارير إلى أن دلتا النيل تعد من أكثر المناطق المعرضة لخطر ارتفاع منسوب سطح البحر نظرا للانخفاض النسبى لهذه المنطقة بالمقارنة بالأراضى المحيطة بها . مما قد يترتب عليه تداعيات خطيرة منها تآكل الأراضى الزراعية بالمناطق الساحلية، تغلغل المياه المالحة فى الأراضى الزراعية بالدلتا، وتأثر بحيرات شمال الدلتا بارتفاع ملوحتها مما قد يهدد الثروة السمكية بها والتى تساهم بنحو 65% من الإنتاج السمكى بمصر . وتعد مصر من أولى الدول المعرضة لزحف ظاهرة التصحر، خاصة فى ظل المساحة التى تشغلها الصحراء والتى تمثل 96% من مساحة مصر. وتساهم العوامل المناخية والبشرية معا فى تحويل الأراضى الزراعية إلى أراضى غير منتجة. وتشمل العوامل المناخية ارتفاع درجة الحرارة، زحف الرياح، وغيرها من المتغيرات المناخية بينما العوامل البشرية تتضمن تحويل استخدامات الأراضى الزراعية إلى مبانى ومنشآت عمرانية، الرعى الجائر، التحطيب واقتلاع النباتات. كما تتعرض بعض الأراضى الزراعية فى مصر للتملح والقلوية وارتفاع مستوى الماء الأرضى بسبب اختلال التوازن بين الرى الزائد والصرف الجائر وتجريف الأراضى الزراعية . - قطاع الطاقة: ركزت العديد من السياسات البيئية المصرية على قطاعات الطاقة انتاجا واستهلاكا باعتبارها المصدر الرئيسى لانبعاثات غازات الاحتباس الحرارى. إذ تصل نسبة مساهمة الطاقة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى مصر 74. 1% لعام 2019. فى هذا الإطار تهدف استراتيجية الطاقة المتكاملة المستدامة حتى عام 2035 إلى تنويع مصادر الطاقة والتوسع فى استخدامات الطاقة المتجددة لتصل إلى 42% من إجمالى الطاقة المولدة بحلول عام 2042 . فمصر تعد إحدى دول منطقة الحزام الشمسى، إذ يقدر متوسط الاشعاع الشمسى العمودى طبقا لأطلس شمس مصر ما بين 2000-3200 كيلو وات فى الساعة/م2/السنة. ويتراوح معدل سطوع الشمس بين 9-11 ساعة/يوم. وتوجد العديد من المناطق الواعدة للاستثمارات فى مجال طاقة الرياح أهمها منطقة خليج السويس والتى تتسم بسرعات رياح عالية تصل إلى 8-10 متر/ثانية. وتصل نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فى إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 20% وفقا لتقرير هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة العام2021 . فى هذا السياق أدرجت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 عدد من التوجهات بشأن مصادر الطاقة البديلة مثل الهيدروجين الأخضر والهيدروجين الأزرق والطاقة النووية والوقود الحيوى، والاستفادة من تقنيات تخزين الطاقة مثل البطاريات والملح المنصهر والتخزين بالضخ . على الجانب الآخر أبدت استراتيجية الطاقة المتكاملة أولوية لزيادة كفاءة الطاقة من خلال خفض كثافة الطاقة فى كافة القطاعات المنتجة والمستهلكة للطاقة التقليدية، وتتضمن أبرز سياسات تحسين كفاءة وترشيد استخدامات الطاقة والمبذولة حاليا من الدولة التحول لاستخدام الغاز الطبيعى فى محطات الكهرباء، حيث بلغت نسبة الغاز الطبيعى المستخدم فى محطات الكهرباء 94. 1% عام 2019/2020، هذا إلى جانب التوسع فى توصيل الغاز الطيعى للمنازل. كما انتهجت الحكومة المصرية الخفض التدريجى لدعم الطاقة، فقد بلغ فى مشروع الموازنة لعام 2022/2023 نحو 28. 094 مليار جنيه مقارنة بنحو 139. 460 مليار جنيه وفقا للسنة المالية 2019/2020 . - قطاع الزراعة: تتعدد مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الناتجة عن الأنشطة الزراعية المختلفة وتشمل التخمر المعوى والسماد الحيوانى وزراعة الأرز بالغمر وادارة التربة الزراعية والحرق المكشوف للمخلفات الزراعية. وقد ساهمت هذه الانبعاثات بنحو 9. 2% من إجمالى الانبعاثات فى مصر لعام 2019 . وتصنف الطرق الرئيسية لخفض الانبعاثات فى قطاع الزرعة إلى فئتين، الأولى تهدف إلى تحسين الكفاءة من خلال فك الارتباط بين نمو انتاج الغذاء ونمو الانبعاثات، والثانية تستهدف تطوير المصارف الطبيعية لتخزين الكربون (كالتربة الزراعية، المراعى والغابات) . وقد ساهم مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة فى التوجه نحو استخدام الكتلة الحيوية ونتج عنه خفض الانبعاثات فى قطاع الزراعة بنحو 192 ألف طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون . وتهدف الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من أنشطة الانتاج الحيوانى من خلال استخدام التقنيات الحديثة وأنظمة التغذية المختلفة. بالإضافة إلى تقليل وإعادة استخدام وتدوير المخلفات البلدية والزراعية . - قطاع الصناعة: ينتج عن الأنشطة الصناعية انبعاثات مختلفة من غازات الاحتباس الحرارى تُقدر بنسبة 8. 5% من إجمالى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى مصر لعام 2019. تأسيسا على ذلك أولت الحكومة المصرية العديد من الجهود المتمثلة فى تشريعات ومشروعات وبرامج تحد من الانبعاثات فى هذا القطاع. فى هذا الإطار أشار التقرير المحدث لوزارة البيئة إلى ثلاثة مشروعات فى مجال الصناعات تشمل مشروع تحسين كفاءة الطاقة فى الصناعة ومشروع التحكم فى التلوث الصناعى ومشروع قطاع الأعمال الصناعى . وقد أكدت الاستراتيجية الوطنية لتغيير المناخ فى مصر 2050 على أهمية دعم توسيع نطاق تطبيق آليات تكنولوجيا الانتاج النظيف، والتوسع فى احلال الغاز الطبيعى فى المنشآت الصناعية، وتركيب أنظمة حديثة لاستعادة واستخدام الطاقة الحرارية المنبعثة من المصانع (Heat Recovery Systems) . - قطاع النقل: فى ضوء ذلك تتعدد جهود الحكومة المصرية فى توسيع شبكات مترو الأنفاق وإقامة مشروع قطار مونوريل والتوسع فى استخدام القطارات والأتوبيسات التى تعمل بالكهرباء، هذا إلى جانب التقدم الناجز فى رفع كفاءة البنية التحتية للطرق والكبارى لتخفيف الازدحام المرورى ومن ثم تخفيف الانبعاثات من المركبات الخاصة . - قطاع المخلفات: بلغ حجم المخلفات 75. 26 ألف طن فى عام 2019 ، وقد نتج عن قطاع المخلفات ما يقرب من 7. 5% من إجمالى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى مصر لعام 2019 . وتنبثق سياسات التخفيف من الانبعاثات الناتجة عن هذا القطاع من آلية رئيسة تتمثل فى الادارة المتكاملة للمخلفات باعتبارها موردا لعمليات اعادة الاستخدام والتدوير. واستنادا لذلك أعدت الحكومة المصرية منظومة متكاملة لادارة المخلفات بغية زيادة معدلات الكفاءة فى جمعها ونقلها إلى 88% ومعدلات التدوير إلى 60% ورفع معدلات إنتاج الطاقة من المخلفات إلى 20% وخفض معدلات الدفن إلى 20%. هذا إلى جانب التخلص الآمن من المخلفات الخطرة . سابعاً: سياسات التكيف مع تداعيات التغيرات المناخية: تتعدد السياسات المُقترحة للتكيف مع التغيرات المناخية فى قطاع الزراعة وقد تضمنتها استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، واستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030 والاسترتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050. ومن أبرز تلك السياسات استنباط سلالات للمحاصيل أكثر انتاجية وقدرة على التكيف مع الظروف البيئية والمناخية المتغيرة، التوسع فى الزراعة العضوية وزراعة محاصيل متنوعة بالتناوب، الإدارة الإيكولوجية لمقاومة الآفات والأمراض، تطوير نماذج التنبؤ ونظم الإنذار المبكر وإتاحة المعلومات للمزراعين للتحوط من مخاطر التغيرات المناخية المحتملة وسبل التكيف معها، وتطوير نظم للتأمين على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، - حماية المناطق الساحلية: فى ضوء الانخفاض النسبى لمنطقة الدلتا بمصر، فمن المحتمل أن يؤدى ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط إلى خروج نحو مليون فدان من الأراضى الزراعية من الإنتاج، بالإضافة إلى التأثير على المناطق الزراعية على حدود الدلتا. وقد تم الانتهاء من أعمال حماية وتطوير عدد من السواحل والشواطئ المصرية بطول 67. 3 كم بتكلفة بلغت 2. 6 مليار جنيه . فضلا عن ذلك حددت الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية عدة تدابير للتكيف مع التأثير المتوقع للتغيرات المناخية على المناطق الساحلية وتشمل: • إبداء أولوية لتحديد ضوابط للمشروعات المقامة بالمناطق الساحلية متضمنة دراسة تقييمية للأثر البيئى والاجتماعى. • استكمال تخطيط وتنفيذ أعمال حماية هندسية تقليدية وغير تقليدية وتتضمن حوائط بحرية، تكسية للشواطئ، تثبيت التربة، ومشروعات الصرف المغطى والمكشوف.


Original text

مقدمة


أضحت ظاهرةيا التغيرات المناخية من أهم التحديات التى تواجه العالم فى القرن الحادى والعشرين، إن لم تكن التحدى الأول والأخطر. وهو ما أكد عليه تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى ، حيث جاءت المخاطر المتعلقة بالتغيرات المناخية فى المرتبة الأولى . وتحظى ظاهرة التغير المناخى باهتمام دولى متزايد من جانب صانعى السياسات والاقتصاديين والمهتمين بقضايا البيئة وغيرهم، وذلك فى أعقاب ادراكهم لخطورة تهديد التغيرات المناخية لاستمرار حياة الانسان على كوكب الأرض.


وحتى العقد الأخير من القرن العشرين كان الاعتقاد السائد بأن التغيرات المناخية هى ظاهرة طبيعية، ولم تكن هناك قناعة بمدى الارتباط بين ظواهر التغير فى المناخ كالارتفاع فى معدل درجات الحرارة وتقلبات هطول الأمطار من جانب والأنشطة البشرية والتى نتج عنها غازات سببت تغير فى التركيزات الطبيعية للغازات المكونة للغلاف الجوى لكوكب الأرض من جانب آخر. ولكن الأدلة التى أظهرتها تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change) أكدت على أن الأنشطة البشرية تسهم بدرجة كبيرة فى حدوث التغيرات المناخية، وأن المؤثر الرئيسى فى هذه التغيرات يتمثل فيما يسمى بظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن التراكم السريع للغازات الدفيئة منذ بداية عصر الصناعة .


وتشير العديد من الدراسات إلى التداعيات السلبية المحتملة للتغيرات المناخية على كافة الموارد والقطاعات الاقتصادية كموارد المياه والأراضى الصالحة للزراعة والأراضى الساحلية والغابات والتجمعات السكانية وقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والصحة. وتأتى هذه التأثيرات نتيجة للعديد من المتغيرات المناخية أهمها تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وارتفاع منسوب سطح البحر وتناقص الغطاء الجليدى وحدوث الكوارث المناخية المتطرفة كالفيضانات والجفاف والأعاصير.


وتعتبر الزراعة من القطاعات الأكثر تعرضا لخطورة التغير المناخى، فالقطاع الزراعى هو الأكثر تأثرا بظواهر التغيرات المناخية من تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وما قد يصحبها من جفاف أو فيضانات، بالإضافة إلى زيادة معدلات التصحر وتأثير ارتفاع منسوب سطح البحر على تآكل الأراضى الزراعية وارتفاع درجات الملوحة بها . ومن هنا تأتى العلاقة بين التغيرات المناخية والأمن الغذائى والتأثيرات المتلاحقة على تأمين حق الانسان فى الغذاء، إذ أشار التقرير التقييمى الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى خطر انعدام الأمن الغذائى وانهيار النظم الغذائية خصوصا للسكان الأكثر فقرا نتيجة لعوامل مناخية كالجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وتقلبات هطول الأمطار، ومن المحتمل أن تتأثر جميع أوجه الأمن الغذائى بتلك التداعيات المحتملة لتغير المناخ .


وتعتبر قضية التغيرات المناخية بالنسبة لمصر أكثر تعقيدا، حيث تقع مصر فى المنطقة القاحلة وشبه القاحلة من العالم، والتي قد أفاد التقرير التقييمى الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنها الأكثر عرضة لتغير المناخ. وتصنف مصر حاليا بأنها واحدة من خمس دول على مستوى العالم هى أكثر الدول المحتمل تعرضها للآثار السلبية للتغيرات المناخية ، وذلك بالرغم من أن انبعاثات مصر من غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخى لا تمثل سوى 0.71% من إجمالى انبعاثات العالم لعام 2019 .


الأهداف


تركز الدراسة بصفة رئيسية على بحث الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية على الحق فى الغذاء فى مصر. وذلك فى ضوء الجدلية المثارة بشأن أن تكون مصر فى مقدمة الدول الأكثر احتمالاً للتعرض لخطر الآثار الناتجة عن التغير المناخى. فى هذا السياق تهدف الدراسة إلى التالى:


 التعرف على الحق فى الغذاء من منظور حقوقى.


 التطرق إلى مفهوم التغيرات المناخية وأسبابها وتداعياتها.


 بيان التداعيات والآليات التى يؤثر من خلالها التغير المناخى على الإنتاج الزراعى والأبعاد المختلفة للأمن الغذائى ومن ثم الحق فى الغذاء.


 تحديد التداعيات المحتملة للتغيرات المناخية على الزراعة والأمن الغذائى فى مصر.


 طرح السياسات المختلفة التى من شأنها التخفيف من المصادر المُسببة للتغيرات المناخية والتكيف مع آثارها المحتملة بالتركيز على قطاع الزراعة فى مصر.


أولا: الحق فى الغذاء من مدخل حقوقى


ينبثق الحق فى الغذاء فى إطار المواثيق الدولية من الاعلان العالمى لحقوق الانسان (1948) حيث اختصت المادة (25) بالحق فى الغذاء، إذ نصت على "لكلِّ شخص حقٌّ فى مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فى ما يأمن به العوائل فى حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتى تفقده أسباب عيشه."


وتأسيسا على ذلك جاء العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) ليبرز الحق فى الغذاء بشكل أكثر تفصيلا فى المادة (11) كالتالى:


1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشى كاف له ولأسرته، يوفر ما يفى بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه فى تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة فى هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولى القائم على الارتضاء الحر.


2- واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسى فى التحرر من الجوع، تقوم الدول الأطراف فى هذا العهد، بمجهودها الفردى وعن طريق التعاون الدولى، باتخاذ التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة واللازمة لما يلى:


أ- تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، ونشر المعرفة بمبادئ التغذية، واستحداث أو إصلاح نظم توزيع الأراضى الزراعية بطريقة تكفل أفضل إنماء للموارد الطبيعية والانتفاع بها.


ب- تأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعا عادلا فى ضوء الاحتياجات، يضع فى اعتباره المشاكل التى تواجهها البلدان المستوردة للأغذية والمصدرة لها على السواء .


كذلك تضمن الاعلان الاسلامى لحقوق الانسان (1990) فى المادة (17) الفقرة (ج) "تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله ويشمل ذلك المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية" .


وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعلان الحق فى التنمية (1986) والذى ربط بين الحقوق الواردة فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية وبين عملية التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واعتبار أن التنمية هى حقا من حقوق الانسان.


وقد نصت المادة (8) تحديدا من الاعلان على "ينبغى للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق فى التنمية ويجب أن تضمن، فى جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع فى إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والعمل والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والتوزيع العادل للدخل. وينبغى اتخاذ تدابير فعالة لضمان قيام المرأة بدور نشط فى عملية التنمية. وينبغى إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية مناسبة بقصد استئصال كل المظالم الاجتماعية" .


وقد تناول الميثاق العربى لحقوق الانسان (2004) الحق فى الغذاء فى المادة (38)، إذ نصت على " لكل شخص الحق في مستوى معيشى كاف له ولأسرته ويوفر الرفاهية والعيش الكريم من غذاء وكساء ومسكن وخدمات وله الحق في بيئة سليمة وعلى الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة وفقا لإمكاناتها لإنفاذ هذه الحقوق" .


والتزاما بالحق الأساسى للفرد فى الغذاء تضمن الدستوى المصرى 2014 مادتين تكفل الحق فى الغذاء؛ المادة (79) تنص على " لكل مواطن الحق فى غذاء صحى وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجى الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال".


وتنص المادة (29) "الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما. وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين، وحماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون."


وقد أولت أهداف التنمية المستدامة العالمية 2030 اهتماما بتأثيرات التغيرات المناخية على الحق فى الغذاء لسكان العالم، فقد جاء فى إحدى المقاصد الخاصة بالهدف الثانى -القضاء على الجوع- ضمان وجود نظم إنتاج غذائى مستدامة، وتنفيذ ممارسات زراعية متينة تؤدى إلى زيادة الإنتاجية والمحاصيل، وتساعد على الحفاظ على النظم الإيكولوجية، وتعزز القدرة على التكيّف مع تغير المناخ وعلى مواجهة أحوال الطقس المتطرفة وحالات الجفاف والفيضانات وغيرها من الكوارث، وتحسِّن تدريجيا نوعية الأراضى والتربة بحلول عام 2030 .


كما يختص الهدف 13 بالعمل المناخى وتتضمن بعض غاياته تعزيز المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة الأخطار المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية فى جميع البلدان، وتعزيز القدرة على التكيف مع تلك الأخطار، وإدماج التدابير المتعلقة بتغير المناخ فى السياسات والاستراتيجيات والتخطيط على الصعيد الوطني .


فى هذا السياق أدرجت استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030 البعد البيئى كأحد محاور الاستراتيجية وتضمنت أهمية التوجه نحو الزراعة المستدامة بغية التخفيف من مسببات التغير المناخى والتكيف مع التأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية على الزراعة فى مصر .


ثانيا: التغيرات المناخية (التعريف والأسباب والتداعيات)


تنامى ادراك المجتمع الدولى فى الآونة الأخيرة بخطورة ظاهرة التغيرات المناخية إلى جانب غيرها من الظواهر البيئية التى ظهرت منذ منتصف القرن العشرين. وقد أُشير إلى مفهوم التغيرات المناخية بالمؤتمر العالمى الأول للمناخ المنعقد بجنيف فى عام 1979، كذلك تم مناقشة احتمالية أن تؤدى الأنشطة البشرية إلى تغيرات فى النظام المناخى .


فقد تعددت تفسيرات أسباب التغيرات المناخية والتى يمكن تصنيفها إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة، الاتجاه الأول يرى أن التغيرات المناخية تُعزى إلى أسباب طبيعية ناتجة عن تغيرات تحدث خارج نظام الغلاف الجوى للأرض (كالتغير فى ميل محور دوران الأرض أو مدار الأرض حول الشمس أو التغير فى الطاقة الخارجة من الشمس)، بينما يُرجع الاتجاه الثانى التغير المناخى إلى أسباب طبيعية ناتجة عن تغيرات تحدث داخل النظام الغلاف الجوى. ويُرجح الاتجاه الثالث أن الأنشطة البشرية والتى نتج عنها تزايد غير مسبوق فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى منذ بداية الثورة الصناعية هى السبب الرئيس فى حدوث التغيرات المناخية. إذ يُقدر حجم الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحرارى فى عام 2019 نحو 49.76 جيجا طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون مقارنة بحوالى 32.52 جيجا طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون فى عام 1990 .


فى هذا السياق عرفت اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ (United Nations Framework Convention on Climate Change UNFCCC) فى مادتها الأولى مصطلح تغير المناخ بأنه "تغير فى المناخ يعزى بصوة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشرى الذى يفضى إلى تغير فى التركيب الكيميائى للغلاف الجوى على الصعيد العالمى، والذى يلاحظ بالإضافة إلى تقلبات المناخ الطبيعية المرصودة على مدى فترات زمنية مماثلة". ووفقا لهذا التعريف تفرق الاتفاقية بين تغير المناخ الذى يعزى إلى أنشطة بشرية نتج عنها تغير فى تركيب الغلاف الجوى وتقلبات المناخ التى ترجع إلى أسباب طبيعية .


وتتمثل أبرز ملامح التغيرات المناخية فى التالى:




  • ارتفاع المتوسط العالمى لدرجات الحرارة، فخلال الخمسون عاما الماضية (1970-2020) ارتفع متوسط درجة الحرارة السطحية بمقدار يتراوح بين (0.2-1) درجة مئوية مقارنة بمتوسط درجة الحرارة السائد قبل عام 1970.




  • ارتفاع مستوى سطح البحر، فقد ارتفع المتوسط العالمى لمستوى سطح البحر منذ عام 1900 بشكل أسرع من أى قرن سابق فى آخر 3000 عام على الأقل.




  • تقلبات هطول الأمطار، إذ تزايد تواتر وشدة أحداث هطول الأمطار الغزيرة منذ خمسينيات القرن العشرين على معظم مساحة اليابسة.




  • ذوبان الغطاء الجليدى، فخلال الفترة من 2011 إلى 2020، وصل المتوسط السنوى لمنطقة الجليد البحرى فى القطب الشمالى إلى أدنى مستوى له منذ عام 1850. بالإضافة إلى تراجع جميع الأنهار الجليدية فى العالم تقريبًا بشكل متزامن.




  • تزايد وتيرة حدوث الظواهر المناخية الحادة كموجات الحرارة المرتفعة والجفاف والفيضانات والأعاصير .




ثالثا: تداعيات التغيرات المناخية على الزراعة:


يمثل تغير المناخ تهديدا متناميا للأمن الغذائى ومن ثم الحق فى الغذاء فى كافة دول العالم، إذ لتغير المناخ آثار متوقعة عديدة منها ارتفاع درجات الحرارة، زيادة الظواهر المناخية الحادة، نقص المياه وتقلبات معدلات هطول الأمطار، ارتفاع مستوى سطح البحر، تحمض المحيطات، تدهور إنتاجية الأراضى الصالحة للزراعة وزيادة معدلات التصحر، اختلال النظم الايكولوجية، وخسارة التنوع البيولوجى.


ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبيا على قدرة الزراعة على تأمين الغذاء لسكان العالم خاصة الفئات الأكثر ضعفًا. إذ توفر الزراعة سبل العيش لنحو 65% من الفقراء العاملين البالغين وفقاً لتقديرات البنك الدولى لعام 2021 . الأمر الذى يعيق المجهودات العالمية للتقدم نحو الحد من الجوع وسوء التغذية والفقر وتحقيق الأمن الغذائى على مدار السنة، وضمان نظم مستدامة لإنتاج الأغذية كما تنص عليه أهداف التنمية المستدامة العالمية 2030 ، فلا يزال يواجه الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالقضاء على الجوع عدة تحديات أبرزها وجود نحو 828 مليون فرد يعانوا من نقص التغذية على مستوى العالم وفقا لتقديرات عام 2021 .


وقد ظهر جليًا تأثير التغير المناخى فى العديد من الأقاليم بالعالم، حيث تأثر الإنتاج الزراعى سلبياً بارتفاع درجات الحرارة وتغير معدلات هطول الأمطار وزيادة وتيرة حدوث موجات الجفاف والفيضانات، وتملح الأراضى القابلة للزراعة الناتج عن تغلغل المياه المالحة من ارتفاع مستوى سطح البحر والذى من شأنه أن يؤثر أيضا على المياه العذبة فى البحيرات القريبة من المناطق الساحلية.


وكان التأثير السلبى لتغير المناخ أحد العوامل المسببة فى أزمتى الغذاء العالميتين فى عامى 2007/2008 و 2010/2011 نتيجة لما تعرضت له بعض دول الإنتاج الرئيسية لظواهر مناخية متطرفة، كالجفاف الذى تعرضت له روسيا واستراليا وشرق أوروبا وغرب أفريقيا .


وتساهم الزراعة أيضا بصورة مباشرة وغير مباشرة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الرئيسة الثلاث، وتشمل غاز ثانى أكسيد الكربون (CO2) وغاز الميثان (CH4) وغاز أكسيد النيتروز (N2O). ففى عام 2019 ساهمت الأنشطة الزراعية بنحو 6,11% من إجمالى غازات الاحتباس الحرارى العالمية البالغة 49.76 جيجا طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون، بينما ساهمت الانبعاثات الناجمة عن استخدامات الأراضى والغابات بنحو 3,3% .



  • التأثير على المحاصيل الزراعية:


تعد المحاصيل الزراعية الأكثر احتمالاً للتأثر بمتغيرات المناخ، إذ تحتاج توافر ظروف مناخية كى تنمو بما فى ذلك معدل الحرارة الأمثل والمياه الكافية. وقد يكون لتغير المناخ آثار إيجابية وآثار سلبية على إنتاجية المحاصيل الزراعية. فمن المحتمل أن يؤثر الارتفاع المحتمل فى درجات الحرارة العالمية سلباً على إنتاجية بعض المحاصيل الزراعية فى بعض أنحاء العالم. وقد ترتفع إنتاجية بعض المحاصيل فى مناطق معينة فى ظل مستويات أعلى من درجات الحرارة وتركيز ثانى أكسيد الكربون. ولكن إذا تجاوزت درجات الحرارة المستوى الأمثل للمحصول أو إذا لم تتوفر كميات كافية من المياه والمغذيات، فمن المتوقع أن تنخفض الإنتاجية المحصولية. هذا فضلاً عن التأثير المتوقع لانتشار الأعشاب الضارة والآفات والأمراض التى تنمو فى ظل درجات الحرارة المرتفعة، كذلك فإن حدة الظواهر المناخية المتطرفة لها آثار بالغة الضرر على إنتاج المحاصيل الزراعية .


-التأثير على الإنتاج الحيوانى:


لتغير المناخ آثار عديدة على الثروة الحيوانية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فارتفاع درجات الحرارة يُعرض الحيوانات للاجهاد الحرارى، مما يترتب عليه تداعيات سلبية متعددة منها انخفاض معدلات التكاثر وإنتاجية اللحوم والألبان وارتفاع معدلات نفوق الحيوانات، فضلا عن التأثير على كمية ونوعية الأعلاف والقدرات الإنتاجية للمراعى. بالإضافة إلى ذلك، يقلص الاجهاد الحرارى قدرة الحيوانات على مقاومة الأمراض والطفيليات ونواقل الأمراض.


-التأثير على الإنتاج السمكى:


يعانى قطاع الإنتاج السمكى ضغوطات متزايدة تتمثل فى الصيد المفرط، وتلوث المياه، وخسارة الموائل الطبيعية . وسوف يفاقم تغير المناخ وتقلباته هذه الضغوطات، مما يهدد استدامة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية فى البحار والمحيطات والمياه العذبة. فارتفاع درجات الحرارة ونقص الأكسجين من المرجح أن يؤدى إلى انقراض بعض أنواع الأسماك والتأثير على الموائل وازدياد مخاطر الأمراض على امتداد سلسلة الإنتاج. إذ تتأثر نظم الشعب المرجانية بارتفاع درجة الحرارة وزيادة تحمض المحيطات بفعل مستويات التركيز العالية لغاز ثانى أكسيد الكربون. مما سيكون له تداعيات خطيرة على الأحياء المائية، حيث تؤمن نظم الشعب المرجانية استمرار صنف من كل أربعة أصناف بحرية . كذلك من المرجح أن يتأثر إنتاج مصايد الأسماك الداخلية وتربية الأحياء المائية سلبيا بالتغيرات فى هطول الأمطار وزيادة الضغوط على موارد المياه العذبة وتزايد وتيرة حدوث الظواهر المناخية المتطرفة وحدتها .


-التأثير على الغابات:


تعد العلاقة بين الغابات وتغير المناخ متبادلة، حيث يؤثر تغير المناخ فى الغابات وفى ذات الوقت يتأثر حال المناخ بالأنشطة والممارسات البشرية المرتبطة بالغابات. إذ تتسبب إزالة الغابات وتدهورها فى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخى. بينما يسهم حفظ الغابات وادارتها على نحو مستدام فى تعزيز مخزون الكربون فى الغابات والذى له دور هام فى امتصاص غازات الدفيئة. كما سيحد تغير المناخ وتقلبه من قدرة الغابات على توفير السلع والخدمات البيئية. وخلال الفترة الأخيرة من عام 1990 وحتى عام 2020 انخفضت مساحة الغابات بنحو 420 مليون هكتار . وبالرغم من أنه قد تستفيد بعض الغابات من ارتفاع مستويات تركيز غاز ثانى أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة والتغيرات فى هطول الأمطار، إلا أن معظمها سوف يشهد تراجع فى الإنتاجية وخسارة فى التنوع البيولوجى وموت الأشجار بسبب الاجهاد الحرارى والاجهاد الناجم عن الجفاف بالإضافة إلى تفشى الآفات والحشرات .


رابعا: الآثار المحتملة للتغير المناخى على أبعاد الأمن الغذائى:


تعتبر الزراعة القناة الرئيسة التى من خلالها يؤثر تغير المناخ على الأمن الغذائى بجميع أبعاده. هذا فضلا عن القنوات الأخرى التى سيتأثر من خلالها الأمن الغذائى بالآثار السلبية للظروف المناخية على القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبالتالى على دخول الأفراد وقدرتهم على الحصول على الأغذية .



  • البعد الأول: توافر الغذاء


يؤثر تغير المناخ على توافر الأغذية من خلال تأثيره على الإنتاج الزراعى بطرق مباشرة مع التغيرات فى النظم الزراعية الايكولوجية، أو بشكل غير مباشر نتيجة للآثار السلبية على النمو الاقتصادى وسبل العيش. فالتغيرات المتوقعة فى درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار سيكون لها تأثير على الإنتاجية الزراعية . هذا بالإضافة إلى العوامل المناخية الأخرى التى من شأنها التأثير على إنتاجية المحاصيل الزراعية وصحة وإنتاجية الثروة الحيوانية والسمكية. وتتضمن هذه العوامل أنماط هطول الأمطار، الرياح، والرطوبة وما قد يكون لهذه العوامل من تأثير على انتشار بعض أنواع الأمراض والحشرات والآفات. فضلاً عن الظروف المناخية المتطرفة كالجفاف والفيضانات والعواصف والأعاصير وحرائق الغابات .



  • البعد الثانى: الحصول أو الوصول إلى الغذاء:


يحد تغير المناخ من إمكانية الحصول على الأغذية من خلال الآثار السلبية على الأفراد الذين يعتمدون فى توفير سبل المعيشة على إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيوانى والسمكى والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالغابات. وسيكون المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة هم الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ لأن معظمهم من فئة صافى المشترين للأغذية .


كما تتسبب الكوارث المناخية كموجات الجفاف الحادة والفيضانات فى خسارة الأصول التى يمتلكها المزارعون، مما يقوض القدرة المستقبلية لاكتساب الدخول، ويحد ذلك أيضا من قدرة المزارعين على الاستثمار، الأمر الذى يترك تداعيات على الأمن الغذائى المستقبلى .


وعلى الجانب الآخر فإن تقلص الامدادات الغذائية بفعل تغير المناخ سيؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية وزيادة درجة تقلبها، وبالتالى التأثير على القدرة الشرائية للأفراد خاصة الفقراء فى المدن والريف لأنهم سينفقون حصصا أكبر من دخولهم على الأغذية. إذ يمثل الانفاق على الغذاء الجزء الأكبر من دخول الفقراء.



  • البعد الثالث: التغذية والاستخدام


يؤثر تغير المناخ على استخدام الأغذية من خلال التغيرات فى أنماط الاستهلاك والخيارات الغذائية المتاحة استجابة لآثار ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه المتاحة على الإنتاجية الزراعية وحدوث الصدمات المناخية المتطرفة. كذك التأثير على الجودة التغذوية للمحاصيل الغذائية وأمان الغذاء وارتفاع مخاطر تلوث الأغذية .



  • البعد الرابع: استقرار الامدادات الغذائية


يؤثر تقلب المناخ وازدياد حدوث الظواهر المناخية المتطرفة وحدتها على استقرار توافر الأغذية والحصول عليها واستخدامها، وذلك نتيجة للتقلبات فى إنتاجية النظام الايكولوجى والاضطرابات فى الامدادات الغذائية. وهذا من شأنه زيادة انعدام الأمن الغذائى سواء المزمن أو المؤقت. ويشكل التغير المناخى تهديدا خاصا لاستقرار الامدادات الغذائية فى المناطق الريفية التى تعتمد على الزراعة المطرية، لما قد تسببه تقلبات معدلات هطول الأمطار فى خفض الإنتاج الزراعى .


خامسا: تداعيات التغيرات المناخية على الزراعة والأمن الغذائى فى مصر


يشكل التغير المناخى تحديا هاما جديدا يضاف إلى التحديات الراهنة للزراعة والأمن الغذائى المصرى . وقد تناولت العديد من الدراسات تقدير الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية على القطاع الزراعى المصرى من خلال دراسة تأثيرها على عدد من العوامل وتشمل: الإنتاجية الزراعية، الموارد المائية، التأثير المتوقع لارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الساحلية، وارتفاع معدلات التصحر. وقد كان تركيز أغلب تلك الدرسات على تقدير الآثار الممكنة للتغيرات المناخية على الإنتاجية الزراعية .


وتعتمد هذه الدراسات فى نتائجها على أهم متغيرات المناخ التى من المحتمل أن تتسبب فى حدوث آثار سلبية على الإنتاجية والناتج الزراعى وتتمثل هذه المتغيرات فى التالى :


• الزيادة المتوقعة فى درجات الحرارة والتى لها تأثيرات على الإنتاجية الزراعية، بالإضافة إلى زيادة الاستهلاك المائى للمحاصيل نتيجة لارتفاع معدلات التبخر.


• التقلبات فى معدلات هطول الأمطار، وتسارع وتيرة حدوث ظواهر مناخية متطرفة (الجفاف، الفيضانات، موجات الحرارة المرتفعة).


• ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيراته السلبية على الأراضى الزراعية بالدلتا.


فمن المتوقع حدوث تأثيرات عديدة للتغير المناخى على مصادر المياه المتاحة فى مصر، خاصة لوقوع مصر فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتى تعد منطقة شديدة الجفاف وأكثر منطقة فى العالم تشهد محدودية فى الموارد المائية المتاحة. فقد أشار تقرير التقييم الرابع لـلهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC إلى أن قارة أفريقيا هى الأكثر احتمالية للتعرض للآثار السلبية للتغير المناخى خاصة بالنسبة للموارد المائية المتاحة بها، إذ ستشهد كثير من المناطق الشمالية والجنوبية اجهاد مائى، بينما المناطق الشرقية والغربية والوسطى بأفريقيا من المتوقع أن تشهد زيادة فى حدوث الفيضانات .


وتشير بعض التقارير إلى أن دلتا النيل تعد من أكثر المناطق المعرضة لخطر ارتفاع منسوب سطح البحر نظرا للانخفاض النسبى لهذه المنطقة بالمقارنة بالأراضى المحيطة بها . مما قد يترتب عليه تداعيات خطيرة منها تآكل الأراضى الزراعية بالمناطق الساحلية، تغلغل المياه المالحة فى الأراضى الزراعية بالدلتا، وتأثر بحيرات شمال الدلتا بارتفاع ملوحتها مما قد يهدد الثروة السمكية بها والتى تساهم بنحو 65% من الإنتاج السمكى بمصر .


وتعد مصر من أولى الدول المعرضة لزحف ظاهرة التصحر، خاصة فى ظل المساحة التى تشغلها الصحراء والتى تمثل 96% من مساحة مصر. وتساهم العوامل المناخية والبشرية معا فى تحويل الأراضى الزراعية إلى أراضى غير منتجة. وتشمل العوامل المناخية ارتفاع درجة الحرارة، انخفاض معدلات الأمطار، زحف الرياح، وغيرها من المتغيرات المناخية


بينما العوامل البشرية تتضمن تحويل استخدامات الأراضى الزراعية إلى مبانى ومنشآت عمرانية، الرعى الجائر، التحطيب واقتلاع النباتات. كما تتعرض بعض الأراضى الزراعية فى مصر للتملح والقلوية وارتفاع مستوى الماء الأرضى بسبب اختلال التوازن بين الرى الزائد والصرف الجائر وتجريف الأراضى الزراعية .


سادساً: سياسات التخفيف من مسببات التغيرات المناخية:



  • قطاع الطاقة:


ركزت العديد من السياسات البيئية المصرية على قطاعات الطاقة انتاجا واستهلاكا باعتبارها المصدر الرئيسى لانبعاثات غازات الاحتباس الحرارى. إذ تصل نسبة مساهمة الطاقة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى مصر 74.1% لعام 2019.


فى هذا الإطار تهدف استراتيجية الطاقة المتكاملة المستدامة حتى عام 2035 إلى تنويع مصادر الطاقة والتوسع فى استخدامات الطاقة المتجددة لتصل إلى 42% من إجمالى الطاقة المولدة بحلول عام 2042 . فمصر تعد إحدى دول منطقة الحزام الشمسى، إذ يقدر متوسط الاشعاع الشمسى العمودى طبقا لأطلس شمس مصر ما بين 2000-3200 كيلو وات فى الساعة/م2/السنة. ويتراوح معدل سطوع الشمس بين 9-11 ساعة/يوم. وتوجد العديد من المناطق الواعدة للاستثمارات فى مجال طاقة الرياح أهمها منطقة خليج السويس والتى تتسم بسرعات رياح عالية تصل إلى 8-10 متر/ثانية. وتصل نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فى إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 20% وفقا لتقرير هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة العام2021 .


فى هذا السياق أدرجت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 عدد من التوجهات بشأن مصادر الطاقة البديلة مثل الهيدروجين الأخضر والهيدروجين الأزرق والطاقة النووية والوقود الحيوى، والاستفادة من تقنيات تخزين الطاقة مثل البطاريات والملح المنصهر والتخزين بالضخ .


على الجانب الآخر أبدت استراتيجية الطاقة المتكاملة أولوية لزيادة كفاءة الطاقة من خلال خفض كثافة الطاقة فى كافة القطاعات المنتجة والمستهلكة للطاقة التقليدية، وتتضمن أبرز سياسات تحسين كفاءة وترشيد استخدامات الطاقة والمبذولة حاليا من الدولة التحول لاستخدام الغاز الطبيعى فى محطات الكهرباء، حيث بلغت نسبة الغاز الطبيعى المستخدم فى محطات الكهرباء 94.1% عام 2019/2020، هذا إلى جانب التوسع فى توصيل الغاز الطيعى للمنازل. كما انتهجت الحكومة المصرية الخفض التدريجى لدعم الطاقة، فقد بلغ فى مشروع الموازنة لعام 2022/2023 نحو 28.094 مليار جنيه مقارنة بنحو 139.460 مليار جنيه وفقا للسنة المالية 2019/2020 .



  • قطاع الزراعة:


تتعدد مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الناتجة عن الأنشطة الزراعية المختلفة وتشمل التخمر المعوى والسماد الحيوانى وزراعة الأرز بالغمر وادارة التربة الزراعية والحرق المكشوف للمخلفات الزراعية. وقد ساهمت هذه الانبعاثات بنحو 9.2% من إجمالى الانبعاثات فى مصر لعام 2019 . وتصنف الطرق الرئيسية لخفض الانبعاثات فى قطاع الزرعة إلى فئتين، الأولى تهدف إلى تحسين الكفاءة من خلال فك الارتباط بين نمو انتاج الغذاء ونمو الانبعاثات، والثانية تستهدف تطوير المصارف الطبيعية لتخزين الكربون (كالتربة الزراعية، المراعى والغابات) .


وقد ساهم مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة فى التوجه نحو استخدام الكتلة الحيوية ونتج عنه خفض الانبعاثات فى قطاع الزراعة بنحو 192 ألف طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون . وتهدف الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من أنشطة الانتاج الحيوانى من خلال استخدام التقنيات الحديثة وأنظمة التغذية المختلفة. بالإضافة إلى تقليل وإعادة استخدام وتدوير المخلفات البلدية والزراعية .



  • قطاع الصناعة:


ينتج عن الأنشطة الصناعية انبعاثات مختلفة من غازات الاحتباس الحرارى تُقدر بنسبة 8.5% من إجمالى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى مصر لعام 2019. تأسيسا على ذلك أولت الحكومة المصرية العديد من الجهود المتمثلة فى تشريعات ومشروعات وبرامج تحد من الانبعاثات فى هذا القطاع. فى هذا الإطار أشار التقرير المحدث لوزارة البيئة إلى ثلاثة مشروعات فى مجال الصناعات تشمل مشروع تحسين كفاءة الطاقة فى الصناعة ومشروع التحكم فى التلوث الصناعى ومشروع قطاع الأعمال الصناعى . وقد أكدت الاستراتيجية الوطنية لتغيير المناخ فى مصر 2050 على أهمية دعم توسيع نطاق تطبيق آليات تكنولوجيا الانتاج النظيف، والتوسع فى احلال الغاز الطبيعى فى المنشآت الصناعية، وتركيب أنظمة حديثة لاستعادة واستخدام الطاقة الحرارية المنبعثة من المصانع (Heat Recovery Systems) .



  • قطاع النقل:


يُمثل تطوير وتوسيع منظومة النقل الجماعى إحدى أهم الآليات المقترحة لتخفيف الانبعاثات الناجمة عن المركبات الخاصة ، فى ضوء ذلك تتعدد جهود الحكومة المصرية فى توسيع شبكات مترو الأنفاق وإقامة مشروع قطار مونوريل والتوسع فى استخدام القطارات والأتوبيسات التى تعمل بالكهرباء، هذا إلى جانب التقدم الناجز فى رفع كفاءة البنية التحتية للطرق والكبارى لتخفيف الازدحام المرورى ومن ثم تخفيف الانبعاثات من المركبات الخاصة . وهنا تجدر الاشارة إلى أن برنامج النقل المستدام من والتوسع فى شبكة مترو الأنفاق ساهم فى انخفاض انبعاثات بحوالى 1.4 مليون طن ثانى أكسيد الكربون .


وقد أشارت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 إلى أهمية وضع سياسات تحفيزية للتوسع فى استخدامات السيارات الكهربائية ومحطات شحن بطاريات تلك السيارات وأهمية إنتاج هذه البطاريات محليا .



  • قطاع المخلفات:


بلغ حجم المخلفات 75.26 ألف طن فى عام 2019 ، وقد نتج عن قطاع المخلفات ما يقرب من 7.5% من إجمالى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى مصر لعام 2019 . وتنبثق سياسات التخفيف من الانبعاثات الناتجة عن هذا القطاع من آلية رئيسة تتمثل فى الادارة المتكاملة للمخلفات باعتبارها موردا لعمليات اعادة الاستخدام والتدوير. واستنادا لذلك أعدت الحكومة المصرية منظومة متكاملة لادارة المخلفات بغية زيادة معدلات الكفاءة فى جمعها ونقلها إلى 88% ومعدلات التدوير إلى 60% ورفع معدلات إنتاج الطاقة من المخلفات إلى 20% وخفض معدلات الدفن إلى 20%. هذا إلى جانب التخلص الآمن من المخلفات الخطرة .


سابعاً: سياسات التكيف مع تداعيات التغيرات المناخية:



  • القطاع الزراعى:


تتعدد السياسات المُقترحة للتكيف مع التغيرات المناخية فى قطاع الزراعة وقد تضمنتها استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، واستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030 والاسترتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050. ومن أبرز تلك السياسات استنباط سلالات للمحاصيل أكثر انتاجية وقدرة على التكيف مع الظروف البيئية والمناخية المتغيرة، التوسع فى الزراعة العضوية وزراعة محاصيل متنوعة بالتناوب، الإدارة الإيكولوجية لمقاومة الآفات والأمراض، تطوير نماذج التنبؤ ونظم الإنذار المبكر وإتاحة المعلومات للمزراعين للتحوط من مخاطر التغيرات المناخية المحتملة وسبل التكيف معها، وتطوير نظم للتأمين على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وبرامج للحماية الاجتماعية كآلية للتخفيف من الأضرار الناجمة عن آثار التغيرات المناخية على أصحاب الحيازات الصغيرة.



  • حماية المناطق الساحلية:


فى ضوء الانخفاض النسبى لمنطقة الدلتا بمصر، فمن المحتمل أن يؤدى ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط إلى خروج نحو مليون فدان من الأراضى الزراعية من الإنتاج، بالإضافة إلى التأثير على المناطق الزراعية على حدود الدلتا. وقد تم الانتهاء من أعمال حماية وتطوير عدد من السواحل والشواطئ المصرية بطول 67.3 كم بتكلفة بلغت 2.6 مليار جنيه .


فضلا عن ذلك حددت الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية عدة تدابير للتكيف مع التأثير المتوقع للتغيرات المناخية على المناطق الساحلية وتشمل:


• إبداء أولوية لتحديد ضوابط للمشروعات المقامة بالمناطق الساحلية متضمنة دراسة تقييمية للأثر البيئى والاجتماعى.


• استكمال تخطيط وتنفيذ أعمال حماية هندسية تقليدية وغير تقليدية وتتضمن حوائط بحرية، حواجز غاطسة، تكسية للشواطئ، تثبيت التربة، ومشروعات الصرف المغطى والمكشوف.


• يراعى القيام بأعمال التغذية الصناعية بالرمال لتعويض نحر الشواطئ، إقامة بعض وسائل الحماية الصلبة مثل الرؤوس الحجرية والحواجز الغاطسة، بالإضافة إلى إجراءات تعمل كحماية طبيعية ضد ارتفاع مستوى سطح البحر كتثبيت الكثبان الرملية من خلال استزراع النباتات البرية وإقامة الحواجز الخشبية، بالإضافة إلى الحفاظ على الحواجز الجيرية الممتدة بطول الشاطئ الشمالى الغربى من الإسكندرية إلى السلوم .



  • قطاع الموارد المائية والرى:


تعتبر الموارد المائية من القطاعات المحتمل تأثرها سلبا بمخاطر التغيرات المناخية، ويؤثر ذلك بشكل غير مباشر على قطاع الزراعة. وبغية تنمية وترشيد المياه تواصلت جهود وزارة الموارد المائية والرى، حيث تم تأهيل وتبطين 2000 كم ترع وجارى تأهيل 6233 كم، كما تم تحويل 488.3 ألف فدان للرى الحديث. هذا فضلا عن تنفيذ 1084 منشأ وخزان أرضى للحماية من أخطار السيول وحصاد مياه الأمطار . ومن التدابير الأخرى ذات الصلة بتنمية موارد المياه تتضمن:


• أن يُراعى تحديد كميات المياه المتاحة للاستغلال الآمن والمستدام للمياه الجوفية بالتطبيق الحازم للقوانين المنظمة لاستخدامات المياه الجوفية وحمايتها من التلوث . إذ تبلغ المياه الجوفية العميقة 2.45 مليار م3 بينما تبلغ المياه الجوفية الضحلة 13.5 مليار م3 فى عام 2019.


• بلغ حجم المياه الصرف المعاد استخدامها 13.5 مليار م3 ، وهنا تجدر الاشارة إلى أهمية الاستخدام الآمن لمياه الصرف الصحى المعالجة فى زراعة الأحزمة الخضراء والغابات الشجرية والمحاصيل غير الغذائية كالقطن والكتان يؤدى للاستفادة من عدة مزايا منها استصلاح مساحات جديدة من الأراضى الصحراوية، انتاج الأخشاب والوقود الحيوى وحماية مصادر المياه من التلوث .


خاتمة:


برز فى بداية الستينات من القرن العشرين اهتمام المجتمع الدولى بعدد من الظواهر البيئية التى قد تهدد مستقبل البشرية. وتأتى ظاهرة التغيرات المناخية فى صدارة التحديات التى تواجه العالم فى القرن الحادى والعشرين فى أعقاب ادراك خطورتها المتنامية. وتشير العديد من الدراسات إلى التداعيات السلبية المحتملة للتغيرات المناخية على كافة الموارد والقطاعات الاقتصادية والتى يأتى فى مقدمتها قطاع الزراعة، حيث يعد القطاع الأكثر تعرضا لخطر تأثيرات التغيرات المناخية من تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وما قد يصحبها من جفاف أو فيضانات، بالإضافة إلى زيادة معدلات التصحر وتأثير ارتفاع منسوب سطح البحر. وتتزايد حدة تلك التداعيات على مصر نظرا لوقوعها فى نطاق الحزام القاحل وشبه القاحل من العالم والذى يتصف بمحدودية الأراضى الصالحة للإنتاج الزراعى الأمر الذى يؤدى إلى التأثير المباشر على قطاع الزراعة مما يمثل تحديا اضافيا للتحديات الراهنة للأمن الغذائى وبالتالى حق الانسان فى الغذاء فى مصر.


وهنا تكمن أهمية مواصلة الجهود المبذولة للحد من مخاطر التغيرات المناخية بالتركيز على الزراعة المصرية استنادا لما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050، والتى ترتكز على آليات للتخفيف من التغيرات المناخية فى مختلف القطاعات الاقتصادية وأبرزها قطاع الطاقة، آليات للتكيف مع التغيرات المناخية، وأهمية فاعلية تطبيق التشريعات البيئية والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية لتطوير بناء مؤسسى يتصف بالكفاءة، بالإضافة إلى تدعيم التعاون الاقليمى والدولى كإحدى آليات تطوير الأداء البيئى وخاصة فى مجالات نقل التكنولوجيا والتمويل وبناء القدرات، كالاستفادة من آلية التنمية النظيفة والتمويل الدولى فى مجال التوجه نحو اقتصاد منخفض الكربون من بينها صندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيف ومرفق البيئة العالمى.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

حقق المعمل المر...

حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...

رهف طفلة عمرها ...

رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...

قصة “سأتُعشى ال...

قصة “سأتُعشى الليلة” للكاتبة الفلسطينية سميرة عزام تحمل رؤية إنسانية ووطنية عميقة، حيث تسلط الضوء عل...

اعداد خطة عمل ع...

اعداد خطة عمل عن بعد والتناوب مع رئيس القسم لضمان استمرارية العمل أثناء وباء كوفيد 19، وبالإضافة إلى...

بدينا تخزينتنا ...

بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

فرضية كفاءة الس...

فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...

توفير منزل آمن ...

توفير منزل آمن ونظيف ويدعم الطفل عاطفيًا. التأكد من حصول الأطفال على الرعاية الطبية والتعليمية والن...

Le pêcheur et s...

Le pêcheur et sa femme Il y avait une fois un pêcheur et sa femme, qui habitaient ensemble une cahu...

في التاسع من ما...

في التاسع من مايو/أيار عام 1960، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاستخدام التجاري لأول أقر...