Lakhasly

أدب الأطفال والتفكير

«الإلمام بالتفكير عند الأطفال وأثره في صياغة الأدب الملائم لهم»

شك في أن دراسة التفكير عند الطفل وتطوره أثر كبير في تحديد اللون ليس من الأدبي المناسب للأطفال من حيث النمو اللغوي والاتجاهات الاجتماعيـة والنفسية والمعرفية، حيث يؤدي الإلمام بأسلوب التفكير لدى الأطفال إلى اختيار كتب الأدب الملائمة لمراحلهم العمرية من حيث المضمون والأداء وسبل التناول .

وفي آخر دراسة منشورة عن موضوع التفكير لدى الأطفال للخبير التربوي محمود محمد غانم يكشف الكاتب عن مستويات العمليات العقلية لدى الطفل ابتداء من المستوى الإدراكي المتعلق بالحواس فهذا اللون من الإدراك يهدف إلى إقامة الدعائم الأولى للمعرفة البشرية عن طريق عملية التعلم ويتم على مستويات ثلاث عضوي حيث البحث عن الصور البصرية والاحتفاظ بها، وعصبي يقوم على تميز

بعضها عن بعض، وعقلي ينهض على تفسيرها وفهم جوهرها . وهذا المستوى الإدراكي يمكن لأدب الأطفال أن ينميه وينطوي على ألوان مـن المدركات تتآزر فيها هذه المستويات الثلاث في مختلف مراحل الطفولة، وخصوصاً فيما يتعلق بالقصة التي يمكن أن تصاغ بحيث تغذي الإدراك المتصل بالحواس المختلفة والارتقاء به، وفي قصة (الأرنب الذكي) التي يستطيع فيها الأرنب الضعيف إدراك في الأسد ويستثمر المرآة كأداة للإيقاع به والتخلص منــه، فـالإدراك البصري للماء والوعي بالشبه بينه وبين المرأة، حيث يندرج ذلك في إطار المستوى العضوي ثم العصبي، أما عملية استغلال هذا الإدراك فتندرج في إطار المستوى العقلي، وهو المرحلة الثالثة في منظومة الإدراك تلك.

وهذا المستوى لا ينفصل عما يسميه الباحث بالعمليات الارتباطية الـتي تبـدو خطوة متقدمة من خطوات التفكير لدى الطفل، وتقدم على عملية التذكر التي تنهض على استرجاع الصور الذهنية البصرية والسمعية وغيرها مما اختزن في الذاكرة، حيث بتحلى مفهوم الارتباط بما يقوم من صلات بين الصور التي تنتمي إلى فترات زمنيـة مختلفة عن طريق التعرف والاستدعاء، وطاقة التذكر تنمو - السنة لدى الطفل ابتداء من الأولى .

أما المستوى الثالث من مستويات العمليات العقلية المعرفية المتمثل في التخيـل والتفكير طبقا لما يشير إليه الباحث الآنف الذكر فينهض على سلسلة متتابعة محـددة لمفاهيم رمزية تثيرها مشكلة وتهدف إلى غاية، ويعتمد التفكير على عمليتي الاستقراء والاستنباط، وهما عمليتان تحتاجان إلى جهد عقلي خاص، فالاستقراء استخلاص للكليات المجردة من الجزئيات، في حين يسير الاستنباط في اتجاه معاكس حيث تستنتج هي تكوين المعاني والمفاهيم . الجزئيات من الكليات، وينهض ذلك إلى غاية محددة ،

مثيلتها عن وليس من شك في أن طبيعة التفكير عند الطفل تختلف في مظاهرها لدى الراشد، فالطفل ذاتي في تفكيره، وليس موضوعيـاً إذ يرى نفسه محور التفكير ومركزه وخصوصاً في سنيه الأولى، وهي حقيقة لابد من أن يدركها كاتـب أدب الأطفال فيحاول إشباع هذا المنحى لديه مع توجيهه إلى حقائق الكون والحياة مـن حوله على نحو مقدر لإعداده لمستوى أعقد من مستويات التفكير، فمـن خـلال الأناشيد الوطنية والاجتماعية والدينية التي تتضمن التمركز حول الذات وهي الطفل ناحية، وتتوجيه إلى محيط الطفل في جوانبه المتعددة من ناحية ثانية، يمكن للطفل أن ينعتق بالتدريج من إسار الذات والانتماء إلى الجماعة وإدراك شبكة العلاقات التي تربطه بهما، وفي مرحلة تالية يمكنه أن يمارس التخيل بوصفه درجة متقدمة في التفكير لأنه يقوم على إنشاء علاقات جديدة بين المذخور المختزن من صور وأشكال وألوان ومجسمات، ومن ثم العمل على تجريد هذه العلاقات في إطار نظري. ومن الضروري لكاتب أدب الأطفال أن يعي تماماً علاقة النمو العقلي بجوانـب النمو الأخرى، فثمة نمو حركي مرتبط بالنمو الجسمي، ونمو لغوي ونمو إنفعالي ونمو

إجتماعي ونمو الحواس المختلفة ويعنينا في الدرجة الأولى النمو اللغوي ثم الانفعالي والاجتماعي ان نوميء بشكل خاص إلى ما يسمى بالتقليد اللغوي فمن، المعروف أن | أن اللغة تنمو مع النمو العقلي، ويبدو التأثير والتأثر متبادلا بين هذين اللونين من ألوان النمو ( العقلي واللغوي ) على نحو ما يشير إلى ذلك محمود غانم في كتابـه الأنـف الذكر، وعملية التقليد مرتبطة بالإدراك الذي أومأنا إليه باعتبـاره مـستوى من مستويات العمليات العقلية المرتبطة بالتفكير، وتصل قوة التفكير اللغوي أوجهـا في كان يوجهنـا في مرحلة الطفولة المبكرة، ولكنها تستمر في المراحل الأخرى، لذا يعمـد الطفـل إلى محاكاة أسلوب الكاتب الذي يقرأ له، وأذكر أن أستاذ اللغة العربية · أواخر المرحلة الإبتدائية إلى قراءة جبران خليل جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي، وإلى أن نعمد إلى النسج على منوالها في كتابتنا لمواضيع الإنشاء، وحين تعجزنـا الثـروة اللغوية المحدودة كنا نلجأ إلى حفظ صفحات كاملة خليل جبران و" ماجدولين " لمصطفى لطفي المنفلوطي ونضمن موضوعاتنا الإنشائية فقرات طويلة مما نحفظة، وذلك ضرب من ضروب التقليد يلجأ إليه الكاتب الناشيء " الأجنحة المتكسرة " لجبران من عادة.

من أما الطفل في مراحله الأولى فإنه يحرص كل الحرص على ما يحصل عليـه مـن مفردات جديدة وعبارات، فيكرر بعض هذه المفردات والعبارات في خلوته ويؤلـف شتاتها أغاني وجملا عارية عن الدلالة كما يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (علم اللغة )، لذا لجأ بعض كتاب أدب الأطفال، ومن بينهم واحد من أشـهر من كتب للأطفال وهو كامل كيلاني إلى تضميين قصصه كلمات وعبارات تبـدو صعبة بالنسبة للأطفال، ولكنه يعمد إلى شرحها في الهامش، وقد اعتبر ذلـك أحـد المآخذ التي عيبت على كتاباته، وكان يدرك – فيما يبدو – أن ذلك يدفع الطفل إلى حفظ هذه المفردات الجديدة مما يثري حافظته اللغوية، وهذا الأمر حدا بالعديد مـن المهتمين بأدب الأطفال إلى تبني الدعوة إلى اختيار المشهورين من أدب الكبار وتقديمه للأطفال في مراحل طفولتهم المتأخره وتكليفهم بحفظ أجزاء منها من أجل العمل على تقليدها، ونظراً لولع الطفل بالتقليد اللغوي فقد نُصح بتعليم الأطفال اللغة الأجنبيـة

في طفولتهم الأجنبية يأخذون عن طريق المحاكاة اللغة : المبكرة، فقد لوحظ أن الأطفال الذين يبعث بهم آبـاؤهم إلى المـدارس عن معلميهم، وتنمو هـذه اللغـة نمـوهـم العقلي، ويخضع النمو اللغوي في تطوره لمظاهر النمو الأخرى كالنمو الانفعالي، ولهذا الحفاظ على التوازن بين المظهر الانفعالي والعقلي فيما يتعلق بالقصص التي تقدم ينبغي إلى ا الأطفال فالحزن العميق الذي تبديه الشخصية نتيجة لمأساة بعينها لابد أن يتـسق طبيعة هذه الشخصية ونموها العقلي، فالعمق الوجداني يوازنه عمق فكري ونضج عقلي بالضرورة قس على ذلك مسألة الأنتقال من التمركز حول الذات إلى الاندماج مع هـذه عن بالمجتمع والاهتمام به، كما أن هذا كله يتصل بالجانب المعرفي والحقـل الثقـافي التعليمي، فكلما ارتقى مستوى التفكير وذلك من خلال نمو العمليات الذهنية القادرة على الربط والتنظيم والتفسير والتحليل كلما إزداد الجانب المعرفي واتخذ أبعاداً نوعية قادرة على توجيه السلوك الفردي وضبطه وتحصينه، ويمكن الاستقصاء المسألة في مجال أدب الأطفال، بتقديم النماذج القادرة على تجسيد المعاني الدالة علـى ذلك، ويمكن اتخاذ عقلة الإصبع الذي استثمره محمد فريد أبو حديد في إحدى رواياته أدب الأطفال مثالاً على ذلك، فعبر نضجه العقلي التدريجي الذي نجم عن تجربته الحية وانفلاته من أسر تلك الحفنه المحدود الخبرة من الأطفال الذين كانوا يعيرونه بلقبه هذا واقتحامه لعالم أرحب وأكثر تعقيداً استطاع أن طاقاته العقليـة ليرسـم طريق الخلاص وليعود إلى أحضان جدته: ويتكيف مع واقعه دون تذمر أو شكوى . ومن خلال دراستنا لأوجه التفكير المختلفة لدى الطفل يمكن تنميـة الـتفكير الاستبصاري، وهو التفكير الذي يصل فيه الطفل إلى الحل فجأة، ولا يتم ذلـك إلا بإدراك العناصر المحيطة ووضعها في سياق متكامل يمكن إدراكه على نحو شامل، ولا يتحقق الاستبصار إلا بتصور أبعاد المشكلة المرة تلو الأخرى بالاقتراب منـهـا تـارةً والابتعاد عنها تارة أخرى، ويمكن أن ينمي ذلك لدى الطفل عن طريـق الألعـاب اللغوية الطابع، أو القصص التي تقدم نماذج من الشخصيات لألـوان مـن الـتفكير والاستبصار كأن يبزغ الحل فجأة أمام بطل القصة بعد مواجهة المشكلة والتفكير في

عناصرها المختلفة في سياق شمولي، وتتخذ المشكلة صورا اجتماعية أو غير ذلك مما يمكن أن يجسده كاتب القصة . وقد أورد الكتاب الذي أشرنا إليه في مستهل هذه المقالة لمحمود غـالم أوجها متعددة للتفكير منها التفكير الابتكاري ويتضح بجلاء في رسوم ا ونحن نرى أنه من الممكن تقديم هذه الرسوم من خلال كتب أدب الأطفال - الأطفـال التلقائية كنوع من الإسهام الفعلي الذي يشعر الطفل بأنه كأئن إيجابي فاعل. ومن ألوان التفكير الذي يفترض أدب الأطفال بتنميته التفكير النقدي، أن بهتم

ويتمثل في إخضاع المعلومات التي لدي الفرد لعملية تحليل وفرز وتمحيص لمعرفة مدى ملائمتها لما لديه من معلومات أخرى تأكد صدقها وثباتها بغرض التمييز بين الأفكار السليمة والخاطئة. أما التفكير الحدسي يتكيء على لون من ألوان الذكاء الفطـري ولكن من الممكن تنميتة عن طريق تعميق الثقة بالنفس، وتقديم النماذج القادرة على القيام بهذا اللون من التفكير في قصص الأطفال، ومن أوجه التفكير التي ينبغي الحرص على غرسها في عقول الأطفال من خلال ما يقدم لهم من نصوص أدبيـة الـتفكير العلمي الذي يدور حول الحقائق، وهو يجمع بين التفكير الاستنباطي والاستقرائي. ولا تتم عملية تنمية هذه الأوجه المختلفة ، من طرائق التفكير لدى الطفل ببساطة بل عبر إبداع متكامل واع يأخذ بعين الاعتبار معطيات علم النفس والتربية بالإضافة

إلى الموهبة . ولابد لكاتب أدب الأطفال من إدراك العوامل المؤثرة في تطوير تفكير الأطفـال ممثلة في البيئة بمعناها الواسع والتي تبدأ من رحم الأم في المرحلة الجنينية الأولى وانتهاء بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية التي يعيش فيها الطفل بعد ولادته، وقد أثبتت الدراسات أن النمو العقلي يتفاوت بتفاوت المستويات المهنية والريفيـة والحـضرية ودرجة الحرمان الثقافي الناجمة عن أي لون من ألوان الإعاقـة كـضعف السمع أوالإبصار أو التخلف العقلي، ويمكن معالجة بعض آثار هذه العوامل عـن طريـق إحداث بعض التحولات المهمة في البيئة والعمل على إثرائها، وذلـك مـن خـلال احتضان الأطفال في مؤسسات والتخفيف من آثار الإعاقة وتوفير سبل الثقافة المناسبة

لهم، ومنها ما يمكن أن تنهض به كتب أدب الأطفال التي تعد إعداداً يأخـذ بعـين من وليس على نحو عشوائي من هنا كانت مسألة تطور التفكير عند الأطفال من الأهمية بمكان لكاتب أدب الأطفال . العناصر السابقة على نحو مدروس وفق أسس علميـة منهجيـة

ائية

على أنه من المفيد أن نؤكد أن المسألة ليست فكراً فحسب، ولكنـها حيـاة متكاملة الأبعاد ينهض الجانب الوجداني والنفسي فيها بدور كبير، فتتبع الحياة النفسية والانفعالية للطفل وفهم دقائقها والغوص إلى المكامن الجوهرية فيها أمـر مـكمـل

لم ومنها ما يمكن الاعتبار العديد من العناصر السابقة على نحو مدروس وفق أسس علميـة منهجيـة وليس على نحو عشوائي من هنا كانت مسألة تطور التفكير عند الأطفال من الأهمية بمكان لكاتب أدب الأطفال .

على أنه المفيد أن نؤكد أن المسألة ليست فكراً فحسب، ولكنـها حيـاة من متكاملة الأبعاد ينهض الجانب الوجداني والنفسي فيها بدور كبير، فتتبع الحياة النفسية والانفعالية للطفل وفهم دقائقها والغوص إلى المكامن الجوهرية فيها أمـر مـكـمـل صدر حديثاً (1) لدراسة التفكير، وإنما كان تركيزنا على هذا الجانب بالذات لأن في مرحلة الطفولـة الثمرة التي تتمخض عنها عملية التطور بكافة مناخيها، والكتاب الذي أشرت إليـه يضيء هذه المسألة إضاءة مفيدة لمن يتصدون للكتابة في أدب الطفل، كتابة تستلزم أدوات عديدة بالإضافة إلى الموهبة والطاقة الإبداعية.