Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

إيبستمولوجيا المعرفة عند غاستون باشلار (1) حياته ومسيرته العلمية : غاستون باشلار فرنسي عظيم الشأن حقاً فأبوه كان أسكافياً وجده كان فلاحاً معدماً. [1])وفي موسوعة الدكتور عبد الرحمن بدوي يقول عنه : فيلسوف علوم فرنسي , فكان يعمل ويتعلم , وعانى الامرين وصف حياته وصفاً مريراً ومأساوياً في تلك الايام في كتابه " لهيب شمعة " , وبعد دراسته في الثانوية عمل موظفاً في البريد حتى سنة 1913 حيث حصل على الليسانس في الرياضيات والعلوم , وفي أثر ذلك عين مدرساً للفيزياء والكيمياء في مدرسة " بار على نهر الاوب " الثانوية , ثم حصل على الدكتوراه في الادب " قسم الفلسفة " في السوربون عام 1927, وفي سنة 1930 أصبح أستاذاً للفلسفة في جامعة " ديجون " , ثم عين أستاذاً لتأريخ العلوم وفلسفتها في قسم الفلسفة بكلية الآداب "السوربون " بجامعة باريس , وأستمر في هذا المنصب الى وقت تقاعده في سنة 1954 , ويذكر الدكتور حنفي أنه لما أنتهى من الدراسة وأنفتحت أمامه الابواب تزوج , ويأبى الله الا أن تموت زوجته وتترك له بنتاً جميلة توفر على تعليمها وخرجها فيلسوفة من المبرزات تحتل مكانتها في دوائر المعارف وتشغل مؤلفاتها سع مساحة على رفوف المكتبات وأبنته أسمها " سوزان باشلار " وهي صاحبة كتاب " وعي العقلانية عند فينومينولوجيا هوسرل " وهي ما زالت اليوم أستاذة الفلسفة في السوربون وتوفي باشلار عام 1962 في باريس . وحول مؤلفات باشلار يقول الدكتور بدوي " أن مؤلفاته تدور حول موضوعين أساسين هما : نظرية المعرفة العلمية والنزعة الشعرية المقترنة بالتحليل النفسي , وعنده أن الموضوعين مترابطان فأن مايكشف عنه التحليل النفسي من أسقاطات لرغباتنا على تصوراتنا للعالم , ([3]) 2) باشلار والمقدمات العلمية لعصره : سجل ظهور الهندسات اللاأقليدية ثورة في علم الهندسة وتجاوز مبادىء أقليدس الرياضية والتي سادت أكثر من ألفي عام لم يتطرق إليها الشك وأعتبرت مثالاً واضحاً للوضوح واليقين . ([4]) وأول ظهور لأول نسق هندسي "لاأقليدي " يرجع فيه الفضل الى عالم الرياضيات الروسي نيكولاي لوباتشفسكي " 1792 _1856 " حيث أستطاع أن يبني نسقاً هندسياً على مبادىء جديدة , فأفترض أن السطح معقد وبالتالي بأمكان رسم عدد لانهائي من المستقيمات المتوازية إنطلاقاً من نقطة خارج المستقيم , وأن مجموع زوايا المثلث تكون أقل من مجموع زاويتين قائمتين , كما أن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المنحني , وفي نفس الفترة تقريباً وضع الرياضي الالماني بيرنهارد ريمان " 1836 _1866 " نسق هندسي آخر أفترض فيه أن السطح الكروي . وعليه فمن نقطة خارج المستقيم لايمكن رسم أي مواز لأن جميع الخطوط متقاطعة وتكون مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة , وأن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المنحني " المحدب " وعلى الرغم من هذه الثورات التي شهدتها الرياضيات كانت سابقة لباشلار الا أنها ساهمت بشكل جلي في تشكيل فلسفته العلمية ([5]). وفي الفيزياء برزت الثورات العلمية في مطلع القرن العشرين ففي سنة 1900 أعلن ماكس بلانك " 1858 _ 1947 " عن فرضية الكوانطا وهي كلمة لاتينية تعني " كمية أو وجبة " وتنص هذه الفرضية على أن الاجسام تكتسب الطاقة أو تعطيها لا باستمرار كسيل متصل بل على كموم " وكم الضوء أو الكوانطا بمثابة قطاع ضئيل للغاية من الطاقة , إدراكه ليس أسهل من إدراك الذرة يؤلف الوحدة الاولية للضوء كما تؤلف الذرة الوحدة الأولية للمادة, هذه الحقيقة العلمية الجديدة قلبت قوانين الفيزياء نيوتن كلياً فقد توصل بلانك الى قناعة عميقة تتمثل بضرورة التخلي عن القانون الذي يعد تبادل المادة والاشعاع يحصل بكيفية متصلة , ([6]) وفي سنة 1916 صرح نيلز بور بنظريته التي توضح أن نموذج الذرة عند رذفورد " 1871 _1937 "ينبغي أن يرتبط بكم الطاقة عند بلانك ويكون بور بذلك قد وحد بين الذرة والاشعاع , أيد أينشتاين " 1879 _1955" نظرية بلانك وطبقها في دراسة التأثير الكهروضوئي , فحين تصطدم حزمة ضوئية أو حزمة من الاشعة فوق البنفسجية مع سطح معدني تنطلق منه ألكترونات , وهذا مايسمى بالظاهرة الكهروضوئية التي يقتضي وجود حبيبات للطاقة وجسيمات للضوء , فسر علماء القرن التاسع عشر الضوء على أساس أنه موجة وأستبعدو التفسير الجسيمي , فأينشتاين يصر على أن كل كم طاقة حتى بعد أن يخرج من المادة لن يسعى فقط سلوك الموجة كما قال ماكسويل بل لابد أن يسلك بصورة ما سلوك الجسيم ([7]). هذه المستحدثات العلمية مهدت لميلاد الميكانيكا الموجية على يد رائدها الفرنسي لوي دي بروي , ففي رسالته للدكتوراه عام 1917 صرح بأن طبيعة الضوء مزدوجة موجية وجسيمية وهنا يسجل العقل بداية التفكير المزدوج , وقد تم تطور الميكانيكا الموجية على يد النمساوي شرودنجر " 1787 _ 1961 ". فتحت الفيزياء الموجية الباب للعلماء للقول بلاحتمية الظواهر الفيزيائية ولذلك رأوا ضرورة الاستعانة بحساب الاحتمال لفهم هذه الظواهر , مما دعا فيرنر هيزنبرغ " 1901 _1976 " ليقول بفكرة اللاتعين أو اللاحتمية , وهو مبدأ يضع في أعتباره أجهزة القياس والتقنيات المخبرية في الظواهر المتناهية الصغر , وينص هذا المبدأ على أستحالة التحديد الدقيق لموضع الالكترون , ولسرعته في أن واحد يضاف الى أنجاز نظرية النسبية الخاصة عام 1905 التي تتناول الاجسام أو المجموعات التي تتحرك بالنسبة لبعضها بسرعة ثابتة , ([8]) لقد أستفاد باشلار كثيراً من هذه الانجازات العلمية ففي سنة 1929 صدر كتابه " القيمة الاستقرائية للنظرية النسبية " حاول فيه أبراز القيم الابستمولوجية الجديدة التي أفرزتها الفيزياء المعاصرة . أن أهم ميزة في الفلسفة المعاصرة هي طغيان النزعة التجريبية وتقليص نفوذ المثالية المحضة , وديفيد هيوم , وصولاً الى جون ستيورات مل وهي نزعة معادية للتيار الميتافيزيقي والتي حاولت استبدال الفلسفة بالمنهج العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة فصد الكشف عن العلاقات بين الظواهر دون الاهتمام بالبحث في الغايات وطبائع الاشياء يقول رائد هذه النزعة فرانسس بيكن " ينبغي الا نعزو أية قيمة حقيقية الا للمعرفة العلمية القائمة على الاستقراء التجريب , العلم قوة ينبغي أبعاد البحث عن الغايات خارج النطاق العلمي " ([9]). أذن التجريبية الانكليزية نظرت للمعرفة كمعطى مستمد من التجربة الحسية وكان شعارهم " لاشيء في العقل لم يكن خارج الحواس " ([10]) وفي فرنسا ساد تيار النقد العلمي أو التيار الوضعي الذي يرجع لمؤسسه أوجست كونت " 1798 1857 " ففي كتابه " محاضرات في الفلسفة الوضعية " الصادر عام 1842 حاول فيه تحديد معنى للعلم يختلف عن المعنى الشائع في عصره : وهو المعرفة المنظمة المتعلقة بموضوع واحد فكلمة " علم لاتطلق الاعلى المعرفة التي تكتفي باكتشاف العلاقات الظاهرة بين الظواهر وهذه المعرفة لا تكون ممكنة الا في المرحلة الاخيرة من التطور الذي يمر به العقل البشري , كما أهتم كونت بمعالجة علاقة الفلسفة بالعلم , إذ رأى أن على الفلسفة إذا أرادت البقاء الابتعاد عن التأملات الميتافيزيقية وحدد لها وظيفة جديدة تتمثل في دراسة تطور العلوم ومناهجها ونتائجها للوقوف على الأسس المشتركة بين مختلف هذه العلوم الجزئية , فوظيفة الفيلسوف التأملي سابقاً كانت مبررة لعدم وجود تخصص , أما في الحالة الوضعية فعلى الفيلسوف أن يجمع شتات هذه العلوم وفق منهج واحد وهو المنهج الوضعي فالفيلسوف الوضعي يعتبره كونت من فئة العلماء الا أن ما يميزه عنهم كونه لا يبحث في تفصيلات العلوم الجزئية وإنما دوره يتمثل في دراسة عموم العلوم , ولذا يشترط كونت على الفيلسوف الوضعي أن يكون مكوناً تكويناً علمياً كما ينصح العلماء المتخصصين بالاستفادة من دراسات هؤلاء ليتمكنوا من تصحيح نتائجهم الجزئية وبالتالي تنمو المعرفة الإنسانية نمواً عظيماً , تتخلص من الجانب السلبي الذي قد تترتب على تقسيم العلوم . في مطلع القرن العشرين حاول التيار الوضعي حصر الحتمية العلمية في نطاقها الابستمولوجي ليحمي بذلك حريته وأرادته , وتنقسم الوضعية الى الوضعية الروحية التي جمعت بين فلسفة كانط الاخلاقية وفلسفة مين دي بيران " 1777 1824 " ومثل هذا التيار جون لاشليه " 1832 _ 1918 " ففي رسالته للدكتوراه في " أساس الاستقراء "صرح بأن التجريبية لاتكتفي من تحديد الاسباب الفاعلة للظواهر الخاضعة للحتمية إذ لابد من إضافة العلل الغائية التي هي مجال حرية الانسان ثم أميل بوترو " 1845 _1921 " الذي قال بأن قوانين العلم هي مجرد كيانات معرفية أبستمولوجية ولا شأن لها بالانطولوجيا و"مبحث الوجود " أو بالوجود الواقعي . [11]) . 3) تعريف الابستمولوجيا أو " نظرية المعرفة " : من الناحية اللغوية كلمة " أبستمولوجيا " متكونة من كلمتين يونانيتين " أبستمي " ومعناها علم والثانية لوغوس وهي بمعنى علم أيضاً فهي أذن معناها اللغوي " علم العلوم " أو " الدراسة النقدية للعلوم " . ولا يختلف المعنى الاصطلاحي كثيراً عن المعنى اللغوي فالابستمولوجيا هي نظرية في المعرفة كانت فيما سبق تختص بالبحث حول أسئلة تقليدية , وغيرها . وهذه هي الاسئلة التقليدية التي كانت تدور حولها مباحث الابستمولوجيا في مؤلفات الفلسفة التقليدية : ولكن المقصود بالابستمولوجيا هنا معنى خاصاً غير المعنى التقليدي . نحن نقصد بالابستمولوجيا هنا " نظرية المعرفة العلمية " تمييزاً لها عن نظرية المعرفة التقليدية , فالاولى من أختصاص العلماء ومن إنتاج الفلاسفة المنقطعين للنشاط العلمي . ([12]) وبينما تقوم نظرية المعرفة العلمية على الوسائل العلمية الحديثة مثل القياس والاحصاء والتجارب والات العلمية المتطورة نجد أن نظرية المعرفة بمعناها التقليدي تعتمد على وسائل تقليدية وتقوم على فكر ذاتي " في حين تتصف نظرية المعرفة العلمية والابستمولوجيا " بالنزعة الموضوعية ومن هنا جاء تعريف لالاند في معجمه الفلسفي للابستمولوجيا : "أن الابستمولوجيا هي الدراسة النقدية لمبادىء العلوم وفروضها ونتائجها بغرض تحديد أصلها المنطقي وبيان قيمتها وحصيلتها الموضوعية " وإذا كان الفرنسيون يميزون بين نظرية المعرفة والابستمولوجيا بمعناها الدقيق فأن الالمان أيضاً يميزون بين نظرية المعرفة والابستمولوجيا وأن كانوا يقصدون بالابستمولوجيا فلسفة العلوم جميعها , ([13]) أن مقولة تحديد معنى الابستمولوجيا يرجع الى أرتباطها بعدة أبحاث معرفية تدور حولها , فالابستمولوجيا ترتبط بنظرية المعرفة كما ترتبط بالمثيودلوجيا وفلسفة العلوم والمنطق , فهي ترتبط بالمنطق من حيث أنها تدرس شروط المعرفة الصحيحة شأنها في ذلك شأن المنطق ولكن إذا كان المنطق يهتم بصورة الفكر أو بصورة المعرفة فإن الابستمولوجيا تهتم بصورة المعرفة ومادتها حقاً . والابستمولوجيا مرتبطة أيضاً بنظرية المعرفة بمعناها التقليدي من حيث أنها تدرس أمكانية المعرفة , وحدودها وطبيعتها ولكن لامن زاوية الموقف الخاص بل من زاوية التطور العلمي المستمر , وبكلمة واحدة أن الابستمولوجيا هي نظرية علمية في المعرفة تتلون بلون المرحلة التي يجتازها العلم في سياق تطوره ونموه على مر العصور . مناهج العلوم , منظوراً إليها من زاوية علمية معاصرة أي من خلال المرحلة الراهنة لتطور الفكر العلمي والفلسفي كما أنها علم المعرفة التي تختص ببحث العلاقة بين " الذات والموضوع " (إن الانسان يبني معرفته بهذا العالم من خلال نشاطه العلمي والذهني , والبناء الذي يعتمده الانسان بواسطة هذا النشاط هو ([14])ما نسميه العلم والمعرفة , نقد أسسها , بيان مدى ترابط أجزائها محاولة البحث عن ثوابت صياغتها صياغة تعميمية , محاولة استباق نتائجها " فذلك مايشكل موضوع الابستمولوجيا ) ([15]) وحول إشكالية صياغة نظرية المعرفة عند الفلاسفة وصعوبة دراستها تعلل " الموسوعة الفلسفية المختصرة " تلك الصعوبة بالقول : "إن المشكلة المركزية في نظرية المعرفة الحديثة هي التوفيق بين الطبيعة الذاتية للفكر وبين دعوانا أننا نعرف ما هو خارج أفكارنا وتلك لم تكن مشكلة بالنسبة لأرسطو إذ أعتبر أن العقل أنما يكشف نظاماً كان من قبل موجوداً في الواقع حتى جاء كانت فقلب الوضع الأرسطي وزعم أن النظام في معرفتنا يأتي من العقل وحده , وتقبل بيرس المشكلة الحديثة وقدم له حله الخاص , بدأ بيرس بالقول بأننا على وعي بكوننا نتصل في خبرتنا بالواقع مباشرة ويتكون الواقع من الأشياء الكائنة سواء فكرنا فيها أو لم نفكر , أضف إلى ذلك أننا إذا أردنا اجتناب المفاجآت غير السارة فإنه يجب علينا أن نسعى لأن نكيف سلوكنا مع هذه الاشياء, والى هنا يتفق بيرس مع أرسطو " ([16]). 4) سمات نظرية المعرفة العلمية عند باشلار : تتميز نظرية المعرفة العلمية عند باشلار بمجموعة من السمات الاساسية والتي تميزها عن باقي الابستمولوجيات أو " نظريات المعرفة " عند الفلاسفة المحدثين والمعاصرين من هذه السمات : 1- أنها ترفض العقل قبل العلمي وتقول لا لعلم الأمس وللطرق المضادة في التفكير وليس معنى ذلك أنها فلسفة سلبية وإنما هي فلسفة بناءة ترى في الفكر عامل تطور عندما ينقد الواقع فهي فلسفة لا تعترف ببناء أو نسق نهائي للفكر العلمي بل ترى فيه فقط بناء يتجدد باستمرار على ضوء التطورات العلمية المستمرة . في مقابل هذه النظرة التي طرحها د. شعبان حسن يطرح الدكتور عبد الرحمن بدوي رأياً مناقضاً للرأي السابق فيرى في فلسفة باشلار أنها تدعو الى ديالكتيك سلبي والسلب هو في أنبنائه حركة تدمير وأعادة بناء للمعرفة يري غالى بيان أن التقابلات زائفة , بيد أن التقابل الوهمي للتصورات يميل الى منازعات حقيقية في الممارسات المنتجة للعالم , أن العلم يضع قضايا تخضع للتعديل المستمر , وأن كان الحالم يستأنف أحلامه العزيزة فأن العالم هو الاخر يستأنف أبحاثه العقيمة في الظاهر . [17]) 2-أن الابستمولوجيا الباشلارية تستلزم النظر الى المعرفة من زاوية تطورها في الزمان أي بوصفها عملية تطور ونمو متصلة _وبعبارة أخرى فأنه لابد من النظر الى المعرفة , أية معرفة بوصفها نتيجة لمعرفة سابقة بالنسبة الى معرفة أكثر تقدماً وتطوراً. 3-تتميز نظرية المعرفة العلمية عند باشلار بالمقارنات المتعددة على مستويات متعددة وهذه المقارنات تأخذ شكلاً تأريخياً نقدياً وتركز بالذات على ثقافة القرن الثامن غير العلمية , وهذا الشكل التأريخي النقدي هو الشكل المنهجي الذي يجري تطبيقه على تأريخ العلوم , وعلى الافكار الاساسية التي نستخدمها وبينها العلماء خلال تطورهم العلمي . 4-أن السمة الأساسية في الابستمولوجيا الباشلارية هي اهتمامها المتزايد بجوانب النقص والخطأ والفشل في حقول العلم أكثر من اهتمامها بالايجابيات وبهذه الطريقة تصبح الموضوعات العلمية عبارة عن مجموعة من الانتقادات التي وجهت إلى صورتها قبل العلمية أو صورتها الحسية القديمة , فليست الذرة مثلا هي هذه الصورة التي أعطاها لها هذا العالم أو ذاك بل مجموع الانتقادات التي وجهت إليها , أي إلى تلك الصورة من طرف العلماء والباحثين اللاحقين , ([18]) 5-أن الابستمولوجيا الباشلارية هي نظرية علمية في المعرفة لانها تستقي موضوعاتها ومسائلها ومناهجها من العلم ذاته من المشاكل التي يطرحها تقدم العلم على العلماء المختصين , فهي أذن تعني بالمعرفة العلمية أساساً وتحاول أن تقدم حلولاً علمية لقضايا المعرفة عامة , بقدر ماتنتمي هذه القضايا الى ميادين البحث العلمي . 6-كما أن أبستمولوجيا باشلار نظرية في المعرفة غير مغلقة وغير مكتملة فهي لا تنشد المعرفة المغلقة على ذاتها , وهي لا تذهب مع دعاوى الفلاسفة الذين يتوهمون أنهم فرغوا من بناء نسق معرفي تام ومكتمل ونهائي , إنها لا تريد أن تتقيد بنسق فلسفي مؤكد أنما هي تتمسك بأساسين : "1" نسبية المعرفة "2" مبدأ القابلية للمراجعة , والابستمولوجيا بهذا المعنى يعتبرها صاحبها باشلار هي الفلسفة العلمية الوحيدة التي تواكب أي تطور يطرأ في حقل العلم. 7-لقد أوضح باشلار في كتابه فلسفة لا أو " فلسفة النفي " الافاق العلمية الجديدة التي من الممكن الوصول إليها عن طريق الجدل أو النفي . يقول باشلار : " أنه الى جانب المعرفة التي تزيد وتؤدي الى تغيرات تدريجية في الفكر العلمي سنجد سبباً يدعو الى تجدد يكاد لاينضب في الفكر العلمي , والواقع أن الفكر العلمي يتطور بين حدين متعارضين ينتقل مثلاً من الهندسة الاقليدية الى الهندسات اللاأقليدية ومن الميكانيكا النيوتونية الى الميكانيكا اللانيوتونية لدى انشتاين , ومن فيزياء مكسويل الى الفيزياء اللامكسويلية لدى بور , ومن الابستمولوجيا الديكارتية الى أبستمولوجيا اللاديكارتية " ([19]). هنالك ملاحظة تزيل نوعاً من اللبس الذي قد يحدث في الفهم حول فلسفة النفي الباشلارية :مؤادها أنه ليس في هذا السلب " النفي " " ألي " وينبغي الا نعتقد أن ثمة نوعاً من السلب البسيط الذي يكتفي بأرجاع المذاهب الجديدة وأعادتها منطقياً الى الاطر القديمة فليست الهندسة اللاأقليدية مجرد نفي أو سلب بسيط للهندسة الاقليدية بل إن في الامر توسعاً حقيقياً , فالهندسة اللاأقليدية لم تصنع لتناقض الهندسة الاقليدية وإنما هي بالاحرى كالعامل المساعد الذي يتيح للفكر الهندسي التأليف الكلي والاكتمال , وييسر له الذوبان في هندسة شاملة كلية , والامر كذلك في كل أشكال تطور الفكر العلمي الجديد , فسمة الافكار العلمية عند باشلار يتضح في التوسع والاستدلال والاستقراء والتعميم والتكامل والتركيب والتجميع فكل صفة من هذه الصفات تنم عن بديل لفكرة الجدة التي تتميز بها الافكار العلمية المعاصرة , كما أن أي صفة من تلك الصفات تأتي بعد فترة من الزمان فتضفي نوراً خلفياً على ظلمات المعرفة الناقصة , [20]) لقد كانت أعادة النظر التي قام بها أنشتاين إعادة كلية من زاوية علم الفلك وأن علم الفلك المستند الى النظرية النسبية لم يتنبأ عن علم الفلك النيوتوني , لقد كانت نظرية نيوتن تؤلف نظاماً مكتملاً وهو بتصحيحه قانون الجاذبية جزئياً كان يستطيع أن يلغي وسائل عدة لشرح البعد الطفيف الشاذ في مدار عطارد حول الشمس , فمن هذه الناحية لم تكن ثمة حاجة لقلب الفكر النظري رأساً على عقب حتى تجعله يوائم معطيات التجربة وكان الفكر النيوتوني بالدرجة الاولى نمطاً جلياً جلاءاً رائعاً من أنماط الفكر المغلق ولم يكن الخروج منه ممكناً أو يسيراً . 5)الابستمولوجيا الباشلارية : أسهم التطور العلمي في العصر الحاضر في تغيير كبير في مفهوم " الابستمولوجيا " فأصبح الفلاسفة يبحثون الابستمولوجيا في إطار المعرفة العلمية وحدها بعد أن كانت الابستمولوجيا التقليدية تختص بالبحث في أسئلة تقليدية حول أمكانية قيام المعرفة وإذا كانت ممكنة أو غير ممكنة ووسائلها وحدودها . لقد أوضح لالاند في معجمه الفلسفي أن مفهوم الابستمولوجيا ينصب أساساً على الدراسة النقدية لمبادىء مختلف العلوم وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الصلة الوثيقة بين العلم والابستمولوجيا علاوة على الصلة المتينة بينهما وبين الفلسفة , وكان من نتيجة التطور العلمي المعاصر أن كثيراً من الدارسين المعاصرين أصبحوا يميزون بين الابستمولوجيا التي تهتم بالمعرفة العلمية فحسب ونظرية المعرفة بشكلها ومباحثها التقليدية, وفيما ترتكز المعرفة العلمية على أدوات القياس والتجريب فأن المعرفة الحسية ترتكز على الحس فقط والمعرفة تؤكد دائماً على الناحية الثانية ذلك لأن حواسنا هي وسيلتنا الاولى والاخيرة لاكتساب هذين النوعين من المعرفة ووسيلتنا الاولى لمعرفة العالم الخارجي والدخول معه في علاقات , [21]) هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن نفس المشاكل التقليدية التي شغلت الفلاسفة بصدد نظرية المعرفة يمكن أن تثار الان لكن في أطار العلم المعاصر وتطوره , فيمكن أن نبحث عن علاقة " الذات بالموضوع " أو " موضوعية العالم الخارجي "أو " قيمة مايمدنا به العقل " الى غير ذلك من المسائل التي شغلت الفلاسفة . إن المشكلة الابستمولوجية الحاضرة تجاوز الاطار المعرفي السابق على تطور العلم كانت الظواهر قبل التطور العلمي تعالج في سكونها وبالاستناد الى نواة واقعية ساذجة , ([22]) لقد ميز باشلار بين ثلاث مراحل في تكوين العقل العلمي : 1-المرحلة الاولى تمثل الحالة ماقبل العلمية وتشتمل على الازمنة الكلاسيكية القديمة وعصر النهضة والجهود المستمرة في القرن السادس عشر والسابع عشر وحتى في القرن الثامن عشر. 2-المرحلة الثانية التي تمثل الحالة العلمية والتي بدأت في أواخر القرن الثالث عشر وتشمل القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين . 3-أما المرحلة الثالثة والاخيرة فهي مرحلة العقل العلمي الجديد أبتدأً من عام 1905 حتى بدأت نظرية أنشتاين في النسبية تغير كثيراً من المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة قبل ذلك وقد شهد النصف الاول من القرن العشرين تطوراً مذهلاً في مجال العلوم مثال ذلك الميكانيكا الكوانتية والميكانيكا التموجية عند لويس دي بروي وميكانيكا ديراك وفيزياء هيزنبرغ . لقد أراد باشلار أن يربط الابستمولوجيا بتطور العلوم فأستلهم وقائع العلم وفروض الرياضيات وبدأ بالعلوم الفيزيائية حتى تأتى له أن يضع المادة موضعاً جديداً وهذا هو الطريق الذي ضمن لباشلار الانتهاء الى مذهبه في " المادية العقلانية " أو " العقلانية العلمية " . وإذا كنا قد قسمنا مراحل الابستمولوجيا الى ثلاث مراحل فإن باشلار يحدد سمات كل مرحلة ويميزها عن الاخرى , حسب مفهومه لتطور العقل العلمي : 1-المرحلة الاولى هي الحالة الملموسة : إذ ينشغل العقل بالصور الأولى للظاهرة ويعتمد على صيغ فلسفية تمجد الطبيعة وتؤمن بوحدة العلم . 2-المرحلة الثانية هي الحالة الملموسة المجردة : إذ يضيف العقل الى التجربة الفيزيائية الأشكال الهندسية ويستند الى فلسفة البساطة هنا ما يزال العقل في وضع متناقض فهو واثق من تجريده بقدر ما يكون هذا التجريد ماثلاً بوضوح في حدس " ملموس " أو "محسوس ". 3- المرحلة الثالثة هي الحالة المجردة : حيث يتدخل العقل بمعالجة المعلومات المأخوذة من الواقع لكنها منفصلة عن التجربة المباشرة أو بمعنى آخر يكون العقل والتجربة في هذه المرحلة متلازمين كل منهما متمم للآخر , وبما أنه يفترض بكل معرفة علمية أن يتحدد بنائها في كل لحظة حسب تطور العلم والعلوم فأن براهيننا العلمية والمعرفية سيكون أمامها المجال الكافي لكي تتطور على مستوى المسائل الخاصة , دونما أي اهتمام بالمحافظة على هذا التطور التأريخي " لنظرية المعرفة ". من هنا قول باشلار ذو مغزى : أنه ربما نرتكب خطأً بليغاً إذا اعتقدنا أن المعرفة التجريبية يمكنها أن تبقى في ميدان المعرفة اليقينية التقريرية من خلال انحصارها في نطاق التوكيد المحض للوقائع ومعنى ذلك أن المعرفة التجريبية عند باشلار تعجز عن الوقوف أمام المعرفة اليقينية المتكونة أصلاً في نفس العالم ويؤكد هذا قول باشلار : "أنه لامناص للعقل العلمي من أن يتكون بمواجهة الطبيعة , بمواجهة مايكون فينا وخارجنا , بمثابة الحافز والموجه للطبيعة "([23]). إن الابستمولوجيا المعاصرة كما نجدها عند باشلار تستند الى معطيات الثورة العلمية المعاصرة في مجال العلوم الرياضية والعلوم الفيزيائية بصفة خاصة لكي نؤكد أن آثار هذه الثورة لم تمس بمبادىء تلك العلوم فحسب بل لحقت أيضاً بنية الفكر الإنساني ذاته , أن ماتنبهنا أليه الثورة العلمية المعاصرة في نظر باشلار هو أن الفكر الإنساني لايحيا علاقة وحيدة الجانب مع التطور العلمي , فهو ليس منتجاً لهذا التطور العلمي فحسب , بل إنه متأثر بنتائج هذا التطور أيضاً , وهذا ما لم تنتبه إليه الفلسفة الكلاسيكية التي استخلصت مبادئ الفكر الإنساني في مرحلة معينة من تأريخ العلوم فأضفت على هذه المبادئ صفة الاطلاق , واعتقدت نتيجة لذلك أن هذه المبادئ هي بنية الفكر الإنساني ذاته . إن هذه النتيجة الفلسفية التي تصل إليها الابستمولوجيا المعاصرة ممثلة في باشلار لا تهدف الى التأكيد على سلبية الفكر الإنساني أمام التطور العلمي فنقول مثلاً تؤكد ذلك النظرة التجريبية أو الواقعية أو الوضعية التي تهيمن على العلماء , بأن الفكر الإنساني يواجه الواقع بدون بينة ولا معارف وأنه مجرد متلق للتأثير , فهذا موقف ينتج عند العلماء عند انغمارهم في العمل العلمي التجريبي فهم عندئذ يخضعون للواقع يرون أن فلسفة العلوم تحكمها الوقائع لا المبادىء ثابتة للعقل توجد في أستقلال عن أية تجربة , ولكن هدف تلك النتيجة الفلسفية المشار إليها, وأنه يواجه الواقع , وهو حائز بصورة فطرية أو قبلية للمقولات التي تؤهله للتفكير في هذا الواقع , أن الهدف هنا هو القول بوجود علاقة جدلية بين الفكر الإنساني وبين تطور المعرفة العلمية التي ينتجها , أن المعرفة العلمية من نتاج الفكر الإنساني لاشك في ذلك , ولكن الفكر الإنساني بدوره من نتاج هذه المعرفة , وأن النتيجة الاساسية اللازمة عن هذه الوجهة من النظر هي القول ببنية متغيرة للفكر الإنساني بفعل من تطور المعرفة العلمية , ([24]) وفي هذا يقول باشلار : "إذا وضعنا مشكلة الجدة العلمية على الصعيد النفسي الخالص, لن يفوتنا أن نرى هذا السير الثوري للعلم المعاصر لابد وأن يؤثر على بنية الفكر , فالفكر بنية قابلة للتغير , ([25]) وبهذه الكيفية فأن تأريخ المعرفة العلمية يمكن أن يكون في الوقت ذاته تأريخ المتغيرات التي لحقت الفكر الإنساني منذ أن بدأ هذا الفكر في إنتاج معرفة علمية , معناه أدراك تأريخ العلوم , وتأريخ الفكر الإنساني كما لو كانا واقعين منفصلين ومعناه عدم القدرة على أستخلاص القيم الابستمولوجية التي تبرز مع كل فترة من تأريخ العلوم , وهي قيم ليست جديدة بالنسبة للمعرفة العلمية في ذاتها فحسب بل هي قيم نفسية لانها تتعلق بالفكر الإنساني من حيث بنيته , فالعقل الإنساني في نظر باشلار بنية لها تأريخ , وتأريخها في تطور معارفها , إن بنيتنا العقلية تنتج المعارف ولكنها تخضع التأريخ لتأثير تطور هذه المعرفة فتعرف هي ذاتها تطوراً , أن العقل لاينتج العلم فحسب ولكنه فضلاً عن ذلك يتعلم من العلم " فالعلم بصفة عامة بعلم العقل , [26]) وعلى أساس هذا الاعتقاد بوجود فكر إنساني ذي بنية متطورة يقترح باشلار أن تكون أحدى مهام الابستمولوجيا المعاصرة البحث في أثر المعارف العلمية في تطور بنية الفكر . أن الفكر المعاصر في نظر باشلار يرفض من الناحية العلمية فكرة "الشيء في ذاته " كما جاءت عند كانط , لأن معنى الشيء في ذاته في العلم مظهر لتقدم العلم لالحدود المعرفة العلمية , فكلما تقدم العلم بلغ معرفة بما كان يعتبر مثل ذلك شيئاً في ذاته , وفي هذا التأكيد يستفيد باشلار من التقدم السريع الذي حققته العلوم المعاصرة والذي استطاعت بفضله أن تصل الى معرفة بعض الظواهر الكونية التي لم يكن العلم في القرون السابقة قادراً بفضل ولكان متوفراً لديه من وسائل على ملاحظتها ملاحظة دقيقة فبالاولى اكتشاف قوانينها كموضوع علمي فنواة الذرة مثلاً كانت شيئاً في ذاته بالنسبة لعلم القرون السابقة . فلكي نثبت أن للمعرفة العلمية حدود ينبغي لنا في نظر باشلار الا نقف عند بيان عجز عن حل مشكلة ما , بل إن نرسم الحدود النهائية التي لاتستطيع المعرفة العلمية أن تتجاوزها , غير أن هذا الامر لايجد له مبرراً في تأريخ تقدم المعرفة العلمية , لذلك يصح لنا الاستفادة من هذا التأريخ أن نقول بأن المشاكل التي تبدو غير قابلة للحل عندما يتم بفضل تقدم العلم بلوغ وضع جدير لها , بمعرفة المعطيات الموضوعية المتعلقة بها . أن المسألة أذن ليست في قدرة أو عدم قدرة العلم على حل بعض المشاكل , وأن وضع حدود لمعرفة العلم لايمكن أن يأتي من خارج العلم بل من العلم ذاته . فالعلم هو الذي يضع حدوده الخاصة وعندما يكون قد حدد بوضوح هذه الحدود فأنه يكون قد تجاوزها , نستخلص مما سبق أن مفهوم الحدود الابستمولوجية بالنسبة للمعرفة العلمية ليست الا توقفاً لحظياً لهذه المعرفة وأنه لايمكن أن نرسم بصورة موضوعية هذه الحدود , ولذلك فأن الصيغة الاكثر ملائمة للتعبير عن هذا هي القول بأن الحدود بالنسبة للعلم تعني برنامج عمل أكثر مما تعني عوائق مطلقة ([27]). إن العقل العلمي يمنعنا من تكوين رأي حول قضايا لانفهمها حول قضايا لانحسن صياغتها بوضوح, قبل كل شيء لابد من معرفة كيفية وضع وفهماً في الحياة العملية فأن المشاكل لاتنطرح ذاتياً ومن الواضح أن هذا المعنى للمشكلة هو الذي يعطي للعقل العلمي الحقيقي طابعه , فبالنسبة الى العقل تعتبر كل معرفة جواباً على مشكلة, فأذا لم يكن ثمة "مشكلة " لايمكن أن تكون ثمة معرفة علمية . وأذا عدنا أخيراً بصدد كل معرفة موضوعية الى أعتماد معيار صحيح للتجربة من جهة والعقلانية من جهة ثانية فأننا قد نندهش من تجمد المعرفة الناجمة عن الاشتراك المباشر في مشاهدات خاصة , ولسوف نرى بخصوص المعرفة الشائعة أن الوقائع متضمنة بشكل مبكر جداً في المبررات والتعليلات . أذن بدون تشكيل عقلاني للتجربة التي يحددها طرح المسألة وبدون هذه الاستعانة الدائمة ببناء عقلاني صريح تماماً , سيترك المجال أمام تكوين نوع من لاوعي العقل العلمي يطرح الموضوع على الشكل التالي , علينا أولاً طرح الموضوع كمادة مشكلة وطرح ذات الكوجيتو كوعي للمشكلة وهكذا يفكر الكائن المفكر في منتهى معرفته بعدما يكون قد أحصى معارفه الصالحة لحل المشكلة المقترحة , فهذا الاحصاء الذي هو وعي لنظام حركي من الافكار هو إذاً مستقطب في ظل المشكلة المطلوب حلها , في العقلانية المعَلمة يأتي الاحصاء معقلناً وضيقاً على خط واضح التحديد , بين الاستناد الى أسسه لكن في العقلانية المسألة توضع الاسس نفسها في موضع أختبار , بل تطرح على بساط البحث من قبل المشكلة , أن المشكلة هي الذروة الفاعلة للبحث فالتباس الترابط والجدلية والمشكلة هي كل عناصر الاحصاء العقلي هي كل أوقات هذه التبعة للعقل . لقد اعتبر غاستون باشلار الامتداد الطبيعي لفكر وفلسفة برونشفيك فباشلار ظل دائماً منشغلاً بفلسفة العلم وهو في هذا المجال يواصل عمل برونشفيك مع الحرص على تحديده فهو يواصله لان مايريد أن يلقي عليه ضوءاً هو الفكر العلمي الجديد , في حين أنه يستدل بالعالم المعطى لنا عالماً من العلاقات وهو يعارض في هذه النقطة الفكر العلمي عند "مايرسون " مثلما كان يعارضه برونشفيك فالعلم عند كل من برونشفيك وباشلار لا يبحث عن الاشياء النمطية أو الثابتة وإنما يضعنا وجهاً لوجه أمام مجموعة من العلاقات , وأذا كان باشلار يواصل فكر برونشفيك من هذه الناحية فهو من ناحية أخرى يجدد هذا الفكر ذلك لأن العلم في تحوله الدائم واستحداثه , إنما يضعنا اليوم أزاء حالات منفصلة لاتماثلية وغير نمطية وأزاء حشد من التعقيدات في مجال اللامتناهي من الصغر , وهذا مالانجده أبداً في فكر برونشفيك على الرغم مما يتصف به فكر هذا الاخير من عمق ومرونة , وعلى الرغم من أن باشلار كسب من الفلسفة والعلم الا أنه وصل الى الفلسفة عن طريق تأمل العلوم ونشاطه موجه الى أتجاهين ([28]) يبدو أنهما متضادان لاول وهلة فنحن نستطيع أن نعده في المقام الاول مواصلاً لفلسفة برونشفيك مع تحديدها عدة نقاط فهو يعارض كل تصور من شأنه أن يبسط منهج العلوم , فالعلم في جوهره وضع في علاقة وهذه العلاقات متعددة ودقيقة بل هي في تطور مطرد , وباشلار يعرض أفكاره عن منهج العلم أول الامر , في كتابه " الفكر العلمي الجديد " ثم تطويرها على التعاقب في مؤلفاته " العقلانية التطبيقية "و"فلسفة النفي " أو " فلسفة الا" و" تجربة المكان في الفلسفة المعاصرة " و"ديالكتيك الديمومة أو الزمان " و" الفعالية العقلانية للفيزياء المعاصرة " و" بحث في المعرفة التقريبية " و" المادية العقلية " وهو ينطلق في فهمه " النزعة العقلية التطبيقية " أو " التجريبية التكنلوجية " أو " المادية العقلية " مبيناً كيف تتطابق النزعة العقلية مع النزعة التجريبية في محاولة لتجاوز الانطولوجيا . وحول المهام الاساسية للابستمولوجيا الباشلارية يحدد د. علي حسين كركي هذه المهام لتحديد أن المهمة الاولى والاساسية هي أبراز القيم الابستمولوجية التي تفرزها الممارسة العملية وذلك بقطع الطريق على كل ماتحاول الفلسفة إدخاله في العلم من قيم أخلاقية ودينية وجمالية . ولكن ماهي هذه القيم الابستمولوجية وما مصدرها كيف تفرض نفسها ؟ إن مصدر هذه القيم النظريات العلمية ليس كل النظريات العلمية بل الجديدة والثورية منها , فالقيمة الابستمولوجية للهندسات اللاأقليدية مثلاً ترتبط بما تقدمه هذه الهندسات من تصور جديد , للمكان وهذا التحديد لمهمة فلسفة العلوم تحديد أيجابي فبموجبه لا تكون فلسفة العلوم تدخلاً فلسفياً في العلم لتبرير أهداف خارجة عنه , التي يفرزها التطور العلمي , وبمعنى أخر " أن باشلار لا يريد أن يقيم نظرية في المعرفة تحتوي النتائج العلمية لتحديد أهداف أيدلوجية , ([29]) لابد أن يكون الابستمولوجي لفظ أزاء العلم المعاصر عليه قبل كل شيء أن يتجاوز البدأ القائل إن الاولى كان دائماً الاساسي بالعكس عليه أن يتجرد على تأريخ التجربة وتأريخية ماهو عقلاني فهو لن يكون قادراً على إبراز القيم الابستمولوجية الا إذا قطع مع الأحوال والبدايات المطلقة وأدرك أن النظريات العلمية المعاصرة لامثيل لها في التأريخ السابق وهي جديدة تماماً لذا لا يمكن أن نبحث عن أصول في هذا التأريخ , ومن خصائص مرحلتنا أن الواقع فيها مبين لامعطى حيث تلعب الآلة دوراً كبيراً في عملية إدراكنا للواقع , وعليه أولاً وأخيراً إذا أراد أن يكون مجدداً أن يختار أولوية النتائج العلمية على السيستام الفلسفي فواكب بذلك سير التأريخ العلم وتقدمه معارضاً أسلوب الفلسفات التقليدية , أما الثانية , فهي البحث في أثر تطور المعارف على بنية الفكر , سيؤدي هذا البحث الى فوضى في العقل مخالف للموقف الفلسفي التقليدي إنه موقف مربك للفكر فالعقل بفعل تطور المعارف العلمية , وتأثيرها في بيئته سيغدو دينامياً فعالاً , إن فلسفة العلوم مع هذا الفهم الدينامي لبيئة العقل التي تتعارض وتطور العلم , بل تستقبل القيم الجديدة حتى وإن كانت مناقضة ومخالفة لتصورات فلسفية سابقة . أما المهمة الثالثة فهي التحليل النفسي للفلسفة الموضوعية فقد نقل باشلار هذه النظرية الى الابستمولوجيا فأفترض أن ثمة مكبوتات عقلية لدى الباحث العلمي على الابستمولوجي أن يبحث عنها ليظهر أثرها في البحث العلمي , على فيلسوف العلم أن يكون المحلل النفسي لعمل الباحث , بمعنى أن عليه أفتراض جانب باطني ديناميكي في العمل العلمي يؤثر على هذا العمل , لذا وكما أن أدراك المكبوتات والعقد النفسية من شأنه مساعدتنا على فهم السلوك الإنساني والحياة النفسية فإن التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية سيمكننا من فهم هذه المعرفة في تطورها أو نكوصها أو توقفها وما يسميه فرويد عقداً نفسية ,


Original text

إيبستمولوجيا المعرفة عند غاستون باشلار


(1) حياته ومسيرته العلمية :
غاستون باشلار فرنسي عظيم الشأن حقاً فأبوه كان أسكافياً وجده كان فلاحاً معدماً.([1])وفي موسوعة الدكتور عبد الرحمن بدوي يقول عنه : فيلسوف علوم فرنسي , ولد في بار على نهر الاوت في سنة 1884 .([2]) وعلم نفسه مع ذلك , فكان يعمل ويتعلم , وعانى الامرين وصف حياته وصفاً مريراً ومأساوياً في تلك الايام في كتابه " لهيب شمعة " , وبعد دراسته في الثانوية عمل موظفاً في البريد حتى سنة 1913 حيث حصل على الليسانس في الرياضيات والعلوم , وفي أثر ذلك عين مدرساً للفيزياء والكيمياء في مدرسة " بار على نهر الاوب " الثانوية , ثم حصل على الدكتوراه في الادب " قسم الفلسفة " في السوربون عام 1927, وفي سنة 1930 أصبح أستاذاً للفلسفة في جامعة " ديجون " ,ثم عين أستاذاً لتأريخ العلوم وفلسفتها في قسم الفلسفة بكلية الآداب "السوربون " بجامعة باريس , وأستمر في هذا المنصب الى وقت تقاعده في سنة 1954 , ويذكر الدكتور حنفي أنه لما أنتهى من الدراسة وأنفتحت أمامه الابواب تزوج , ويأبى الله الا أن تموت زوجته وتترك له بنتاً جميلة توفر على تعليمها وخرجها فيلسوفة من المبرزات تحتل مكانتها في دوائر المعارف وتشغل مؤلفاتها سع مساحة على رفوف المكتبات وأبنته أسمها " سوزان باشلار " وهي صاحبة كتاب " وعي العقلانية عند فينومينولوجيا هوسرل " وهي ما زالت اليوم أستاذة الفلسفة في السوربون وتوفي باشلار عام 1962 في باريس .
وحول مؤلفات باشلار يقول الدكتور بدوي " أن مؤلفاته تدور حول موضوعين أساسين هما : نظرية المعرفة العلمية والنزعة الشعرية المقترنة بالتحليل النفسي , وعنده أن الموضوعين مترابطان فأن مايكشف عنه التحليل النفسي من أسقاطات لرغباتنا على تصوراتنا للعالم , هو مايكشف عنه العلم عن طريق مجهود دؤوب وفي أتجاه مضاد لان النظريات العلمية تدمير للنظرات " أولقصائد " الشعرية " . ([3])
(2) باشلار والمقدمات العلمية لعصره :
سجل ظهور الهندسات اللاأقليدية ثورة في علم الهندسة وتجاوز مبادىء أقليدس الرياضية والتي سادت أكثر من ألفي عام لم يتطرق إليها الشك وأعتبرت مثالاً واضحاً للوضوح واليقين .
وأول الارهاصات لظهور هذه النظريات الجديدة ماقام به العالم الايطالي جيرو لامو ساكشيرو "1667 _1773 " والالماني يوهان لامبرت " 1777_1728 " بالاضافة الى محاولة الرياضي المجري " جون بولياي ""1802 _1860" تلاه الالماني كارل جاوس " 1777 _1855 " وعرفت هذه المحاولات بأزمة الاسس في الرياضيات . ([4])
وأول ظهور لأول نسق هندسي "لاأقليدي " يرجع فيه الفضل الى عالم الرياضيات الروسي نيكولاي لوباتشفسكي " 1792 _1856 " حيث أستطاع أن يبني نسقاً هندسياً على مبادىء جديدة , فأفترض أن السطح معقد وبالتالي بأمكان رسم عدد لانهائي من المستقيمات المتوازية إنطلاقاً من نقطة خارج المستقيم , وأن مجموع زوايا المثلث تكون أقل من مجموع زاويتين قائمتين , كما أن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المنحني , وفي نفس الفترة تقريباً وضع الرياضي الالماني بيرنهارد ريمان " 1836 _1866 " نسق هندسي آخر أفترض فيه أن السطح الكروي . وعليه فمن نقطة خارج المستقيم لايمكن رسم أي مواز لأن جميع الخطوط متقاطعة وتكون مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة , وأن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المنحني " المحدب " وعلى الرغم من هذه الثورات التي شهدتها الرياضيات كانت سابقة لباشلار الا أنها ساهمت بشكل جلي في تشكيل فلسفته العلمية ([5]).
وفي الفيزياء برزت الثورات العلمية في مطلع القرن العشرين ففي سنة 1900 أعلن ماكس بلانك " 1858 _ 1947 " عن فرضية الكوانطا وهي كلمة لاتينية تعني " كمية أو وجبة " وتنص هذه الفرضية على أن الاجسام تكتسب الطاقة أو تعطيها لا باستمرار كسيل متصل بل على كموم " وكم الضوء أو الكوانطا بمثابة قطاع ضئيل للغاية من الطاقة , إدراكه ليس أسهل من إدراك الذرة يؤلف الوحدة الاولية للضوء كما تؤلف الذرة الوحدة الأولية للمادة, هذه الحقيقة العلمية الجديدة قلبت قوانين الفيزياء نيوتن كلياً فقد توصل بلانك الى قناعة عميقة تتمثل بضرورة التخلي عن القانون الذي يعد تبادل المادة والاشعاع يحصل بكيفية متصلة , ووصل الى قناعة بأن هذا التبادل يحصل بصورة منفصلة ومتقطعة ويكون بلانك بهذا الانجاز قد صرف نظرية ماكسويل الكهرو قياسية . ([6])
وفي سنة 1916 صرح نيلز بور بنظريته التي توضح أن نموذج الذرة عند رذفورد " 1871 _1937 "ينبغي أن يرتبط بكم الطاقة عند بلانك ويكون بور بذلك قد وحد بين الذرة والاشعاع , أيد أينشتاين " 1879 _1955" نظرية بلانك وطبقها في دراسة التأثير الكهروضوئي , فحين تصطدم حزمة ضوئية أو حزمة من الاشعة فوق البنفسجية مع سطح معدني تنطلق منه ألكترونات , وهذا مايسمى بالظاهرة الكهروضوئية التي يقتضي وجود حبيبات للطاقة وجسيمات للضوء , فسر علماء القرن التاسع عشر الضوء على أساس أنه موجة وأستبعدو التفسير الجسيمي , فأينشتاين يصر على أن كل كم طاقة حتى بعد أن يخرج من المادة لن يسعى فقط سلوك الموجة كما قال ماكسويل بل لابد أن يسلك بصورة ما سلوك الجسيم ([7]).
هذه المستحدثات العلمية مهدت لميلاد الميكانيكا الموجية على يد رائدها الفرنسي لوي دي بروي , ففي رسالته للدكتوراه عام 1917 صرح بأن طبيعة الضوء مزدوجة موجية وجسيمية وهنا يسجل العقل بداية التفكير المزدوج , وقد تم تطور الميكانيكا الموجية على يد النمساوي شرودنجر " 1787 _ 1961 ".
فتحت الفيزياء الموجية الباب للعلماء للقول بلاحتمية الظواهر الفيزيائية ولذلك رأوا ضرورة الاستعانة بحساب الاحتمال لفهم هذه الظواهر , مما دعا فيرنر هيزنبرغ " 1901 _1976 " ليقول بفكرة اللاتعين أو اللاحتمية , وهو مبدأ يضع في أعتباره أجهزة القياس والتقنيات المخبرية في الظواهر المتناهية الصغر , وينص هذا المبدأ على أستحالة التحديد الدقيق لموضع الالكترون , ولسرعته في أن واحد يضاف الى أنجاز نظرية النسبية الخاصة عام 1905 التي تتناول الاجسام أو المجموعات التي تتحرك بالنسبة لبعضها بسرعة ثابتة , ونظرية النسبية العامة 1916 التي تعالج الاجسام أو المجموعات التي تتحرك بالنسبة الى بعضها البعض بسرعة متزايدة أو متناقصة . ([8])
لقد أستفاد باشلار كثيراً من هذه الانجازات العلمية ففي سنة 1929 صدر كتابه " القيمة الاستقرائية للنظرية النسبية " حاول فيه أبراز القيم الابستمولوجية الجديدة التي أفرزتها الفيزياء المعاصرة .
أن أهم ميزة في الفلسفة المعاصرة هي طغيان النزعة التجريبية وتقليص نفوذ المثالية المحضة , حيث تماشت التجريبية مع النظريات الحاصلة في العلم التجريبي في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وحتى في العلوم الإنسانية التي حاولت تقليد خطى العلوم الطبيعية وتطبيق هذه العلوم للرياضيات في دراسة الواقع ومن أبرز رواد الفلسفة التجريبية جون لوك , فرانسس بيكن , وديفيد هيوم , وصولاً الى جون ستيورات مل وهي نزعة معادية للتيار الميتافيزيقي والتي حاولت استبدال الفلسفة بالمنهج العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة فصد الكشف عن العلاقات بين الظواهر دون الاهتمام بالبحث في الغايات وطبائع الاشياء يقول رائد هذه النزعة فرانسس بيكن " ينبغي الا نعزو أية قيمة حقيقية الا للمعرفة العلمية القائمة على الاستقراء التجريب , العلم قوة ينبغي أبعاد البحث عن الغايات خارج النطاق العلمي " ([9]).
أذن التجريبية الانكليزية نظرت للمعرفة كمعطى مستمد من التجربة الحسية وكان شعارهم " لاشيء في العقل لم يكن خارج الحواس " ([10])
وفي فرنسا ساد تيار النقد العلمي أو التيار الوضعي الذي يرجع لمؤسسه أوجست كونت " 1798 1857 " ففي كتابه " محاضرات في الفلسفة الوضعية " الصادر عام 1842 حاول فيه تحديد معنى للعلم يختلف عن المعنى الشائع في عصره : وهو المعرفة المنظمة المتعلقة بموضوع واحد فكلمة " علم لاتطلق الاعلى المعرفة التي تكتفي باكتشاف العلاقات الظاهرة بين الظواهر وهذه المعرفة لا تكون ممكنة الا في المرحلة الاخيرة من التطور الذي يمر به العقل البشري , كما أهتم كونت بمعالجة علاقة الفلسفة بالعلم , إذ رأى أن على الفلسفة إذا أرادت البقاء الابتعاد عن التأملات الميتافيزيقية وحدد لها وظيفة جديدة تتمثل في دراسة تطور العلوم ومناهجها ونتائجها للوقوف على الأسس المشتركة بين مختلف هذه العلوم الجزئية , فوظيفة الفيلسوف التأملي سابقاً كانت مبررة لعدم وجود تخصص , أما في الحالة الوضعية فعلى الفيلسوف أن يجمع شتات هذه العلوم وفق منهج واحد وهو المنهج الوضعي فالفيلسوف الوضعي يعتبره كونت من فئة العلماء الا أن ما يميزه عنهم كونه لا يبحث في تفصيلات العلوم الجزئية وإنما دوره يتمثل في دراسة عموم العلوم , ولذا يشترط كونت على الفيلسوف الوضعي أن يكون مكوناً تكويناً علمياً كما ينصح العلماء المتخصصين بالاستفادة من دراسات هؤلاء ليتمكنوا من تصحيح نتائجهم الجزئية وبالتالي تنمو المعرفة الإنسانية نمواً عظيماً , تتخلص من الجانب السلبي الذي قد تترتب على تقسيم العلوم .
في مطلع القرن العشرين حاول التيار الوضعي حصر الحتمية العلمية في نطاقها الابستمولوجي ليحمي بذلك حريته وأرادته ,وتنقسم الوضعية الى الوضعية الروحية التي جمعت بين فلسفة كانط الاخلاقية وفلسفة مين دي بيران " 1777
1824 " ومثل هذا التيار جون لاشليه " 1832 _ 1918 " ففي رسالته للدكتوراه في " أساس الاستقراء "صرح بأن التجريبية لاتكتفي من تحديد الاسباب الفاعلة للظواهر الخاضعة للحتمية إذ لابد من إضافة العلل الغائية التي هي مجال حرية الانسان ثم أميل بوترو " 1845 _1921 " الذي قال بأن قوانين العلم هي مجرد كيانات معرفية أبستمولوجية ولا شأن لها بالانطولوجيا و"مبحث الوجود " أو بالوجود الواقعي . أما الفرع الثاني تمثله الوضعية النقدية ومن روادها أوجست كورنو.([11]) .
(3) تعريف الابستمولوجيا أو " نظرية المعرفة " :
من الناحية اللغوية كلمة " أبستمولوجيا " متكونة من كلمتين يونانيتين " أبستمي " ومعناها علم والثانية لوغوس وهي بمعنى علم أيضاً فهي أذن معناها اللغوي " علم العلوم " أو " الدراسة النقدية للعلوم " .
ولا يختلف المعنى الاصطلاحي كثيراً عن المعنى اللغوي فالابستمولوجيا هي نظرية في المعرفة كانت فيما سبق تختص بالبحث حول أسئلة تقليدية , ماهي حدود المعرفة ؟ هل المعرفة ممكنة أم غير ممكنة ؟ ماهي وسائل المعرفة هل هي الحس أم العقل ؟ أم الحس والعقل معاً ......وغيرها .
وهذه هي الاسئلة التقليدية التي كانت تدور حولها مباحث الابستمولوجيا في مؤلفات الفلسفة التقليدية : ولكن المقصود بالابستمولوجيا هنا معنى خاصاً غير المعنى التقليدي .
نحن نقصد بالابستمولوجيا هنا " نظرية المعرفة العلمية " تمييزاً لها عن نظرية المعرفة التقليدية , فالاولى من أختصاص العلماء ومن إنتاج الفلاسفة المنقطعين للنشاط العلمي . أما الثانية فهي من إنتاج الفيلسوف ذاته كل حسب مذهبه ونسقه الفلسفي . ([12])
وبينما تقوم نظرية المعرفة العلمية على الوسائل العلمية الحديثة مثل القياس والاحصاء والتجارب والات العلمية المتطورة نجد أن نظرية المعرفة بمعناها التقليدي تعتمد على وسائل تقليدية وتقوم على فكر ذاتي " في حين تتصف نظرية المعرفة العلمية والابستمولوجيا " بالنزعة الموضوعية ومن هنا جاء تعريف لالاند في معجمه الفلسفي للابستمولوجيا :
"أن الابستمولوجيا هي الدراسة النقدية لمبادىء العلوم وفروضها ونتائجها بغرض تحديد أصلها المنطقي وبيان قيمتها وحصيلتها الموضوعية " وإذا كان الفرنسيون يميزون بين نظرية المعرفة والابستمولوجيا بمعناها الدقيق فأن الالمان أيضاً يميزون بين نظرية المعرفة والابستمولوجيا وأن كانوا يقصدون بالابستمولوجيا فلسفة العلوم جميعها , ومهما كان من أقر هذه الاختلافات التي تنشأ حول تحديد معنى الابستمولوجيا فأننا نعني بها في المقام الاول بيان شروط المعرفة البشرية وقيمتها وحدودها وموضوعيتها من زاوية تطور العلم المعاصر . ([13])
أن مقولة تحديد معنى الابستمولوجيا يرجع الى أرتباطها بعدة أبحاث معرفية تدور حولها , فالابستمولوجيا ترتبط بنظرية المعرفة كما ترتبط بالمثيودلوجيا وفلسفة العلوم والمنطق , فهي ترتبط بالمنطق من حيث أنها تدرس شروط المعرفة الصحيحة شأنها في ذلك شأن المنطق ولكن إذا كان المنطق يهتم بصورة الفكر أو بصورة المعرفة فإن الابستمولوجيا تهتم بصورة المعرفة ومادتها حقاً .
والابستمولوجيا مرتبطة أيضاً بنظرية المعرفة بمعناها التقليدي من حيث أنها تدرس أمكانية المعرفة , وحدودها وطبيعتها ولكن لامن زاوية الموقف الخاص بل من زاوية التطور العلمي المستمر , وبكلمة واحدة أن الابستمولوجيا هي نظرية علمية في المعرفة تتلون بلون المرحلة التي يجتازها العلم في سياق تطوره ونموه على مر العصور .
والخلاصة أننا إذا أردنا تعريف الابستمولوجيا تعريفاً دقيقاً نقول إنها تلك الابحاث المعرفية , فلسفة العلوم , نظرية المعرفة , مناهج العلوم , منظوراً إليها من زاوية علمية معاصرة أي من خلال المرحلة الراهنة لتطور الفكر العلمي والفلسفي كما أنها علم المعرفة التي تختص ببحث العلاقة بين " الذات والموضوع " (إن الانسان يبني معرفته بهذا العالم من خلال نشاطه العلمي والذهني , والبناء الذي يعتمده الانسان بواسطة هذا النشاط هو ([14])ما نسميه العلم والمعرفة , أما لفحص عملية البناء نفسها " تتبع مراحلها , نقد أسسها , بيان مدى ترابط أجزائها محاولة البحث عن ثوابت صياغتها صياغة تعميمية , محاولة استباق نتائجها " فذلك مايشكل موضوع الابستمولوجيا ) ([15])
وحول إشكالية صياغة نظرية المعرفة عند الفلاسفة وصعوبة دراستها تعلل " الموسوعة الفلسفية المختصرة " تلك الصعوبة بالقول :
"إن المشكلة المركزية في نظرية المعرفة الحديثة هي التوفيق بين الطبيعة الذاتية للفكر وبين دعوانا أننا نعرف ما هو خارج أفكارنا وتلك لم تكن مشكلة بالنسبة لأرسطو إذ أعتبر أن العقل أنما يكشف نظاماً كان من قبل موجوداً في الواقع حتى جاء كانت فقلب الوضع الأرسطي وزعم أن النظام في معرفتنا يأتي من العقل وحده , وتقبل بيرس المشكلة الحديثة وقدم له حله الخاص , بدأ بيرس بالقول بأننا على وعي بكوننا نتصل في خبرتنا بالواقع مباشرة ويتكون الواقع من الأشياء الكائنة سواء فكرنا فيها أو لم نفكر , أضف إلى ذلك أننا إذا أردنا اجتناب المفاجآت غير السارة فإنه يجب علينا أن نسعى لأن نكيف سلوكنا مع هذه الاشياء, والى هنا يتفق بيرس مع أرسطو " ([16]).
(4) سمات نظرية المعرفة العلمية عند باشلار :
تتميز نظرية المعرفة العلمية عند باشلار بمجموعة من السمات الاساسية والتي تميزها عن باقي الابستمولوجيات أو " نظريات المعرفة " عند الفلاسفة المحدثين والمعاصرين من هذه السمات :
1- أنها ترفض العقل قبل العلمي وتقول لا لعلم الأمس وللطرق المضادة في التفكير وليس معنى ذلك أنها فلسفة سلبية وإنما هي فلسفة بناءة ترى في الفكر عامل تطور عندما ينقد الواقع فهي فلسفة لا تعترف ببناء أو نسق نهائي للفكر العلمي بل ترى فيه فقط بناء يتجدد باستمرار على ضوء التطورات العلمية المستمرة .
في مقابل هذه النظرة التي طرحها د. شعبان حسن يطرح الدكتور عبد الرحمن بدوي رأياً مناقضاً للرأي السابق فيرى في فلسفة باشلار أنها تدعو الى ديالكتيك سلبي والسلب هو في أنبنائه حركة تدمير وأعادة بناء للمعرفة يري غالى بيان أن التقابلات زائفة , بيد أن التقابل الوهمي للتصورات يميل الى منازعات حقيقية في الممارسات المنتجة للعالم , أن العلم يضع قضايا تخضع للتعديل المستمر , وأن كان الحالم يستأنف أحلامه العزيزة فأن العالم هو الاخر يستأنف أبحاثه العقيمة في الظاهر .
ومصير العقل هو ناتج غير إنساني للعمل النظري لبنى الانسان والفكر ينتج مقولاته خلال ممارسته لما هو تجريبي والعلم هو حالة خاصة من ذلك الإنتاج فيها المقولة العليا هي الحق.([17])
2-أن الابستمولوجيا الباشلارية تستلزم النظر الى المعرفة من زاوية تطورها في الزمان أي بوصفها عملية تطور ونمو متصلة _وبعبارة أخرى فأنه لابد من النظر الى المعرفة , أية معرفة بوصفها نتيجة لمعرفة سابقة بالنسبة الى معرفة أكثر تقدماً وتطوراً.
3-تتميز نظرية المعرفة العلمية عند باشلار بالمقارنات المتعددة على مستويات متعددة وهذه المقارنات تأخذ شكلاً تأريخياً نقدياً وتركز بالذات على ثقافة القرن الثامن غير العلمية , وهذا الشكل التأريخي النقدي هو الشكل المنهجي الذي يجري تطبيقه على تأريخ العلوم , وعلى الافكار الاساسية التي نستخدمها وبينها العلماء خلال تطورهم العلمي .
4-أن السمة الأساسية في الابستمولوجيا الباشلارية هي اهتمامها المتزايد بجوانب النقص والخطأ والفشل في حقول العلم أكثر من اهتمامها بالايجابيات وبهذه الطريقة تصبح الموضوعات العلمية عبارة عن مجموعة من الانتقادات التي وجهت إلى صورتها قبل العلمية أو صورتها الحسية القديمة , فليست الذرة مثلا هي هذه الصورة التي أعطاها لها هذا العالم أو ذاك بل مجموع الانتقادات التي وجهت إليها , أي إلى تلك الصورة من طرف العلماء والباحثين اللاحقين , إن المهم في العلم ليس الصورة الحسية المتخيلة التي يقدمها هذا العالم أو ذاك على أشياء الطبيعة إن المهم هو الانتقادات وأنواع الرفض التي تلاقيها هذه الصورة من طرف العلماء الاخرين . ([18])
5-أن الابستمولوجيا الباشلارية هي نظرية علمية في المعرفة لانها تستقي موضوعاتها ومسائلها ومناهجها من العلم ذاته من المشاكل التي يطرحها تقدم العلم على العلماء المختصين , فهي أذن تعني بالمعرفة العلمية أساساً وتحاول أن تقدم حلولاً علمية لقضايا المعرفة عامة , بقدر ماتنتمي هذه القضايا الى ميادين البحث العلمي .
6-كما أن أبستمولوجيا باشلار نظرية في المعرفة غير مغلقة وغير مكتملة فهي لا تنشد المعرفة المغلقة على ذاتها , وهي لا تذهب مع دعاوى الفلاسفة الذين يتوهمون أنهم فرغوا من بناء نسق معرفي تام ومكتمل ونهائي , إنها لا تريد أن تتقيد بنسق فلسفي مؤكد أنما هي تتمسك بأساسين : "1" نسبية المعرفة "2" مبدأ القابلية للمراجعة , والابستمولوجيا بهذا المعنى يعتبرها صاحبها باشلار هي الفلسفة العلمية الوحيدة التي تواكب أي تطور يطرأ في حقل العلم.
7-لقد أوضح باشلار في كتابه فلسفة لا أو " فلسفة النفي " الافاق العلمية الجديدة التي من الممكن الوصول إليها عن طريق الجدل أو النفي . يقول باشلار : " أنه الى جانب المعرفة التي تزيد وتؤدي الى تغيرات تدريجية في الفكر العلمي سنجد سبباً يدعو الى تجدد يكاد لاينضب في الفكر العلمي , والواقع أن الفكر العلمي يتطور بين حدين متعارضين ينتقل مثلاً من الهندسة الاقليدية الى الهندسات اللاأقليدية ومن الميكانيكا النيوتونية الى الميكانيكا اللانيوتونية لدى انشتاين , ومن فيزياء مكسويل الى الفيزياء اللامكسويلية لدى بور , ومن الابستمولوجيا الديكارتية الى أبستمولوجيا اللاديكارتية " ([19]).
هنالك ملاحظة تزيل نوعاً من اللبس الذي قد يحدث في الفهم حول فلسفة النفي الباشلارية :مؤادها أنه ليس في هذا السلب " النفي " " ألي " وينبغي الا نعتقد أن ثمة نوعاً من السلب البسيط الذي يكتفي بأرجاع المذاهب الجديدة وأعادتها منطقياً الى الاطر القديمة فليست الهندسة اللاأقليدية مجرد نفي أو سلب بسيط للهندسة الاقليدية بل إن في الامر توسعاً حقيقياً , فالهندسة اللاأقليدية لم تصنع لتناقض الهندسة الاقليدية وإنما هي بالاحرى كالعامل المساعد الذي يتيح للفكر الهندسي التأليف الكلي والاكتمال , وييسر له الذوبان في هندسة شاملة كلية , والامر كذلك في كل أشكال تطور الفكر العلمي الجديد , فسمة الافكار العلمية عند باشلار يتضح في التوسع والاستدلال والاستقراء والتعميم والتكامل والتركيب والتجميع فكل صفة من هذه الصفات تنم عن بديل لفكرة الجدة التي تتميز بها الافكار العلمية المعاصرة , كما أن أي صفة من تلك الصفات تأتي بعد فترة من الزمان فتضفي نوراً خلفياً على ظلمات المعرفة الناقصة , لقد أوضح باشلار في كتابه " القيمة الاستقرائية للنسبية " صفة الجدة الاساسية التي تتصف بها النظرية النسبية علاوة على توضيحه وتميزه للعلاقات العامة للفكر العلمي " النيوتوني " والفكر العلمي " الاينشتايني " .([20])
لقد كانت أعادة النظر التي قام بها أنشتاين إعادة كلية من زاوية علم الفلك وأن علم الفلك المستند الى النظرية النسبية لم يتنبأ عن علم الفلك النيوتوني , لقد كانت نظرية نيوتن تؤلف نظاماً مكتملاً وهو بتصحيحه قانون الجاذبية جزئياً كان يستطيع أن يلغي وسائل عدة لشرح البعد الطفيف الشاذ في مدار عطارد حول الشمس , فمن هذه الناحية لم تكن ثمة حاجة لقلب الفكر النظري رأساً على عقب حتى تجعله يوائم معطيات التجربة وكان الفكر النيوتوني بالدرجة الاولى نمطاً جلياً جلاءاً رائعاً من أنماط الفكر المغلق ولم يكن الخروج منه ممكناً أو يسيراً .
(5)الابستمولوجيا الباشلارية :
أسهم التطور العلمي في العصر الحاضر في تغيير كبير في مفهوم " الابستمولوجيا " فأصبح الفلاسفة يبحثون الابستمولوجيا في إطار المعرفة العلمية وحدها بعد أن كانت الابستمولوجيا التقليدية تختص بالبحث في أسئلة تقليدية حول أمكانية قيام المعرفة وإذا كانت ممكنة أو غير ممكنة ووسائلها وحدودها .
لقد أوضح لالاند في معجمه الفلسفي أن مفهوم الابستمولوجيا ينصب أساساً على الدراسة النقدية لمبادىء مختلف العلوم وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الصلة الوثيقة بين العلم والابستمولوجيا علاوة على الصلة المتينة بينهما وبين الفلسفة , وكان من نتيجة التطور العلمي المعاصر أن كثيراً من الدارسين المعاصرين أصبحوا يميزون بين الابستمولوجيا التي تهتم بالمعرفة العلمية فحسب ونظرية المعرفة بشكلها ومباحثها التقليدية, وفيما ترتكز المعرفة العلمية على أدوات القياس والتجريب فأن المعرفة الحسية ترتكز على الحس فقط والمعرفة تؤكد دائماً على الناحية الثانية ذلك لأن حواسنا هي وسيلتنا الاولى والاخيرة لاكتساب هذين النوعين من المعرفة ووسيلتنا الاولى لمعرفة العالم الخارجي والدخول معه في علاقات , ووسيلتنا الاخيرة لتحصيل المعرفة العلمية ذاتها .([21])
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن نفس المشاكل التقليدية التي شغلت الفلاسفة بصدد نظرية المعرفة يمكن أن تثار الان لكن في أطار العلم المعاصر وتطوره , فيمكن أن نبحث عن علاقة " الذات بالموضوع " أو " موضوعية العالم الخارجي "أو " قيمة مايمدنا به العقل " الى غير ذلك من المسائل التي شغلت الفلاسفة .
إن المشكلة الابستمولوجية الحاضرة تجاوز الاطار المعرفي السابق على تطور العلم كانت الظواهر قبل التطور العلمي تعالج في سكونها وبالاستناد الى نواة واقعية ساذجة , ولكن الثابت الآن أن الظواهر يتلازم فيها السكون والحركة " فمن العبث _كما يقول باشلار _ أن نفترض أن المادة ساكنة في الميكروفيزياء مادامت هذه المادة لاتوجد في نظرنا الا كطاقة وأنها لا ترسل إلينا أية رسالة الا بالاشعاع علاوة على أن الظواهر أصبحت تستند الان الى واقعية نقدية علمية وعليه فأن باشلار عمل على أيجاد وسيلة ما للتوفيق بين المذهب العقلي والمذهب الواقعي في إطار المعرفة العلمية " . ([22])
لقد ميز باشلار بين ثلاث مراحل في تكوين العقل العلمي :
1-المرحلة الاولى تمثل الحالة ماقبل العلمية وتشتمل على الازمنة الكلاسيكية القديمة وعصر النهضة والجهود المستمرة في القرن السادس عشر والسابع عشر وحتى في القرن الثامن عشر.
2-المرحلة الثانية التي تمثل الحالة العلمية والتي بدأت في أواخر القرن الثالث عشر وتشمل القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين .
3-أما المرحلة الثالثة والاخيرة فهي مرحلة العقل العلمي الجديد أبتدأً من عام 1905 حتى بدأت نظرية أنشتاين في النسبية تغير كثيراً من المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة قبل ذلك وقد شهد النصف الاول من القرن العشرين تطوراً مذهلاً في مجال العلوم مثال ذلك الميكانيكا الكوانتية والميكانيكا التموجية عند لويس دي بروي وميكانيكا ديراك وفيزياء هيزنبرغ .
لقد أراد باشلار أن يربط الابستمولوجيا بتطور العلوم فأستلهم وقائع العلم وفروض الرياضيات وبدأ بالعلوم الفيزيائية حتى تأتى له أن يضع المادة موضعاً جديداً وهذا هو الطريق الذي ضمن لباشلار الانتهاء الى مذهبه في " المادية العقلانية " أو " العقلانية العلمية " .
وإذا كنا قد قسمنا مراحل الابستمولوجيا الى ثلاث مراحل فإن باشلار يحدد سمات كل مرحلة ويميزها عن الاخرى , حسب مفهومه لتطور العقل العلمي :
1-المرحلة الاولى هي الحالة الملموسة : إذ ينشغل العقل بالصور الأولى للظاهرة ويعتمد على صيغ فلسفية تمجد الطبيعة وتؤمن بوحدة العلم .
2-المرحلة الثانية هي الحالة الملموسة المجردة : إذ يضيف العقل الى التجربة الفيزيائية الأشكال الهندسية ويستند الى فلسفة البساطة هنا ما يزال العقل في وضع متناقض فهو واثق من تجريده بقدر ما يكون هذا التجريد ماثلاً بوضوح في حدس " ملموس " أو "محسوس ".
3- المرحلة الثالثة هي الحالة المجردة : حيث يتدخل العقل بمعالجة المعلومات المأخوذة من الواقع لكنها منفصلة عن التجربة المباشرة أو بمعنى آخر يكون العقل والتجربة في هذه المرحلة متلازمين كل منهما متمم للآخر , وبما أنه يفترض بكل معرفة علمية أن يتحدد بنائها في كل لحظة حسب تطور العلم والعلوم فأن براهيننا العلمية والمعرفية سيكون أمامها المجال الكافي لكي تتطور على مستوى المسائل الخاصة , دونما أي اهتمام بالمحافظة على هذا التطور التأريخي " لنظرية المعرفة ".
من هنا قول باشلار ذو مغزى : أنه ربما نرتكب خطأً بليغاً إذا اعتقدنا أن المعرفة التجريبية يمكنها أن تبقى في ميدان المعرفة اليقينية التقريرية من خلال انحصارها في نطاق التوكيد المحض للوقائع ومعنى ذلك أن المعرفة التجريبية عند باشلار تعجز عن الوقوف أمام المعرفة اليقينية المتكونة أصلاً في نفس العالم ويؤكد هذا قول باشلار : "أنه لامناص للعقل العلمي من أن يتكون بمواجهة الطبيعة , بمواجهة مايكون فينا وخارجنا , بمثابة الحافز والموجه للطبيعة "([23]).
إن الابستمولوجيا المعاصرة كما نجدها عند باشلار تستند الى معطيات الثورة العلمية المعاصرة في مجال العلوم الرياضية والعلوم الفيزيائية بصفة خاصة لكي نؤكد أن آثار هذه الثورة لم تمس بمبادىء تلك العلوم فحسب بل لحقت أيضاً بنية الفكر الإنساني ذاته , أن ماتنبهنا أليه الثورة العلمية المعاصرة في نظر باشلار هو أن الفكر الإنساني لايحيا علاقة وحيدة الجانب مع التطور العلمي , فهو ليس منتجاً لهذا التطور العلمي فحسب , بل إنه متأثر بنتائج هذا التطور أيضاً , وهذا ما لم تنتبه إليه الفلسفة الكلاسيكية التي استخلصت مبادئ الفكر الإنساني في مرحلة معينة من تأريخ العلوم فأضفت على هذه المبادئ صفة الاطلاق , واعتقدت نتيجة لذلك أن هذه المبادئ هي بنية الفكر الإنساني ذاته .
إن هذه النتيجة الفلسفية التي تصل إليها الابستمولوجيا المعاصرة ممثلة في باشلار لا تهدف الى التأكيد على سلبية الفكر الإنساني أمام التطور العلمي فنقول مثلاً تؤكد ذلك النظرة التجريبية أو الواقعية أو الوضعية التي تهيمن على العلماء , بأن الفكر الإنساني يواجه الواقع بدون بينة ولا معارف وأنه مجرد متلق للتأثير , فهذا موقف ينتج عند العلماء عند انغمارهم في العمل العلمي التجريبي فهم عندئذ يخضعون للواقع يرون أن فلسفة العلوم تحكمها الوقائع لا المبادىء ثابتة للعقل توجد في أستقلال عن أية تجربة , ولكن هدف تلك النتيجة الفلسفية المشار إليها, يكون أيضاً عدم الخضوع لرأي الفلسفات العقلانية المثالية التي تؤكد أن للفكر الإنساني بنية ثابتة , وأنه يواجه الواقع , وهو حائز بصورة فطرية أو قبلية للمقولات التي تؤهله للتفكير في هذا الواقع , أن الهدف هنا هو القول بوجود علاقة جدلية بين الفكر الإنساني وبين تطور المعرفة العلمية التي ينتجها , أن المعرفة العلمية من نتاج الفكر الإنساني لاشك في ذلك , ولكن الفكر الإنساني بدوره من نتاج هذه المعرفة , وأن النتيجة الاساسية اللازمة عن هذه الوجهة من النظر هي القول ببنية متغيرة للفكر الإنساني بفعل من تطور المعرفة العلمية , وهذا هو المعنى الذي يقصده باشلار عندما يقول بأن القيم الجديدة التي حملتها معها الثورة العلمية المعاصرة هي قيم نفسية الى جانب كونها قيماً معرفية . ([24])
وفي هذا يقول باشلار : "إذا وضعنا مشكلة الجدة العلمية على الصعيد النفسي الخالص, لن يفوتنا أن نرى هذا السير الثوري للعلم المعاصر لابد وأن يؤثر على بنية الفكر , فالفكر بنية قابلة للتغير , منذ اللحظة التي يكون فيها للمعرفة تأريخ " . ([25])
وبهذه الكيفية فأن تأريخ المعرفة العلمية يمكن أن يكون في الوقت ذاته تأريخ المتغيرات التي لحقت الفكر الإنساني منذ أن بدأ هذا الفكر في إنتاج معرفة علمية , وأن القول بعقل إنساني ثابت في بنيته , معناه أدراك تأريخ العلوم , وتأريخ الفكر الإنساني كما لو كانا واقعين منفصلين ومعناه عدم القدرة على أستخلاص القيم الابستمولوجية التي تبرز مع كل فترة من تأريخ العلوم , وهي قيم ليست جديدة بالنسبة للمعرفة العلمية في ذاتها فحسب بل هي قيم نفسية لانها تتعلق بالفكر الإنساني من حيث بنيته , فالعقل الإنساني في نظر باشلار بنية لها تأريخ , وتأريخها في تطور معارفها , إن بنيتنا العقلية تنتج المعارف ولكنها تخضع التأريخ لتأثير تطور هذه المعرفة فتعرف هي ذاتها تطوراً , أن العقل لاينتج العلم فحسب ولكنه فضلاً عن ذلك يتعلم من العلم " فالعلم بصفة عامة بعلم العقل , وعلى العقل أن يخضع للعلم الاكثر تطوراً , العلم الذي يتطور".([26])
وعلى أساس هذا الاعتقاد بوجود فكر إنساني ذي بنية متطورة يقترح باشلار أن تكون أحدى مهام الابستمولوجيا المعاصرة البحث في أثر المعارف العلمية في تطور بنية الفكر .
أن الفكر المعاصر في نظر باشلار يرفض من الناحية العلمية فكرة "الشيء في ذاته " كما جاءت عند كانط , لأن معنى الشيء في ذاته في العلم مظهر لتقدم العلم لالحدود المعرفة العلمية , فكلما تقدم العلم بلغ معرفة بما كان يعتبر مثل ذلك شيئاً في ذاته , وفي هذا التأكيد يستفيد باشلار من التقدم السريع الذي حققته العلوم المعاصرة والذي استطاعت بفضله أن تصل الى معرفة بعض الظواهر الكونية التي لم يكن العلم في القرون السابقة قادراً بفضل ولكان متوفراً لديه من وسائل على ملاحظتها ملاحظة دقيقة فبالاولى اكتشاف قوانينها كموضوع علمي فنواة الذرة مثلاً كانت شيئاً في ذاته بالنسبة لعلم القرون السابقة .
فلكي نثبت أن للمعرفة العلمية حدود ينبغي لنا في نظر باشلار الا نقف عند بيان عجز عن حل مشكلة ما , بل إن نرسم الحدود النهائية التي لاتستطيع المعرفة العلمية أن تتجاوزها , غير أن هذا الامر لايجد له مبرراً في تأريخ تقدم المعرفة العلمية , لذلك يصح لنا الاستفادة من هذا التأريخ أن نقول بأن المشاكل التي تبدو غير قابلة للحل عندما يتم بفضل تقدم العلم بلوغ وضع جدير لها , بمعرفة المعطيات الموضوعية المتعلقة بها . أن المسألة أذن ليست في قدرة أو عدم قدرة العلم على حل بعض المشاكل , وأن وضع حدود لمعرفة العلم لايمكن أن يأتي من خارج العلم بل من العلم ذاته .
فالعلم هو الذي يضع حدوده الخاصة وعندما يكون قد حدد بوضوح هذه الحدود فأنه يكون قد تجاوزها , نستخلص مما سبق أن مفهوم الحدود الابستمولوجية بالنسبة للمعرفة العلمية ليست الا توقفاً لحظياً لهذه المعرفة وأنه لايمكن أن نرسم بصورة موضوعية هذه الحدود , ولذلك فأن الصيغة الاكثر ملائمة للتعبير عن هذا هي القول بأن الحدود بالنسبة للعلم تعني برنامج عمل أكثر مما تعني عوائق مطلقة ([27]).
إن العقل العلمي يمنعنا من تكوين رأي حول قضايا لانفهمها حول قضايا لانحسن صياغتها بوضوح, قبل كل شيء لابد من معرفة كيفية وضع وفهماً في الحياة العملية فأن المشاكل لاتنطرح ذاتياً ومن الواضح أن هذا المعنى للمشكلة هو الذي يعطي للعقل العلمي الحقيقي طابعه , فبالنسبة الى العقل تعتبر كل معرفة جواباً على مشكلة, فأذا لم يكن ثمة "مشكلة " لايمكن أن تكون ثمة معرفة علمية .
وأذا عدنا أخيراً بصدد كل معرفة موضوعية الى أعتماد معيار صحيح للتجربة من جهة والعقلانية من جهة ثانية فأننا قد نندهش من تجمد المعرفة الناجمة عن الاشتراك المباشر في مشاهدات خاصة , ولسوف نرى بخصوص المعرفة الشائعة أن الوقائع متضمنة بشكل مبكر جداً في المبررات والتعليلات .
أذن بدون تشكيل عقلاني للتجربة التي يحددها طرح المسألة وبدون هذه الاستعانة الدائمة ببناء عقلاني صريح تماماً , سيترك المجال أمام تكوين نوع من لاوعي العقل العلمي يطرح الموضوع على الشكل التالي , علينا أولاً طرح الموضوع كمادة مشكلة وطرح ذات الكوجيتو كوعي للمشكلة وهكذا يفكر الكائن المفكر في منتهى معرفته بعدما يكون قد أحصى معارفه الصالحة لحل المشكلة المقترحة , فهذا الاحصاء الذي هو وعي لنظام حركي من الافكار هو إذاً مستقطب في ظل المشكلة المطلوب حلها , في العقلانية المعَلمة يأتي الاحصاء معقلناً وضيقاً على خط واضح التحديد , بين الاستناد الى أسسه لكن في العقلانية المسألة توضع الاسس نفسها في موضع أختبار , بل تطرح على بساط البحث من قبل المشكلة , أن المشكلة هي الذروة الفاعلة للبحث فالتباس الترابط والجدلية والمشكلة هي كل عناصر الاحصاء العقلي هي كل أوقات هذه التبعة للعقل .
لقد اعتبر غاستون باشلار الامتداد الطبيعي لفكر وفلسفة برونشفيك فباشلار ظل دائماً منشغلاً بفلسفة العلم وهو في هذا المجال يواصل عمل برونشفيك مع الحرص على تحديده فهو يواصله لان مايريد أن يلقي عليه ضوءاً هو الفكر العلمي الجديد , في حين أنه يستدل بالعالم المعطى لنا عالماً من العلاقات وهو يعارض في هذه النقطة الفكر العلمي عند "مايرسون " مثلما كان يعارضه برونشفيك فالعلم عند كل من برونشفيك وباشلار لا يبحث عن الاشياء النمطية أو الثابتة وإنما يضعنا وجهاً لوجه أمام مجموعة من العلاقات , وأذا كان باشلار يواصل فكر برونشفيك من هذه الناحية فهو من ناحية أخرى يجدد هذا الفكر ذلك لأن العلم في تحوله الدائم واستحداثه , إنما يضعنا اليوم أزاء حالات منفصلة لاتماثلية وغير نمطية وأزاء حشد من التعقيدات في مجال اللامتناهي من الصغر , وهذا مالانجده أبداً في فكر برونشفيك على الرغم مما يتصف به فكر هذا الاخير من عمق ومرونة , وعلى الرغم من أن باشلار كسب من الفلسفة والعلم الا أنه وصل الى الفلسفة عن طريق تأمل العلوم ونشاطه موجه الى أتجاهين ([28]) يبدو أنهما متضادان لاول وهلة فنحن نستطيع أن نعده في المقام الاول مواصلاً لفلسفة برونشفيك مع تحديدها عدة نقاط فهو يعارض كل تصور من شأنه أن يبسط منهج العلوم , فالعلم في جوهره وضع في علاقة وهذه العلاقات متعددة ودقيقة بل هي في تطور مطرد , وباشلار يعرض أفكاره عن منهج العلم أول الامر , في كتابه " الفكر العلمي الجديد " ثم تطويرها على التعاقب في مؤلفاته " العقلانية التطبيقية "و"فلسفة النفي " أو " فلسفة الا" و" تجربة المكان في الفلسفة المعاصرة " و"ديالكتيك الديمومة أو الزمان " و" الفعالية العقلانية للفيزياء المعاصرة " و" بحث في المعرفة التقريبية " و" المادية العقلية " وهو ينطلق في فهمه " النزعة العقلية التطبيقية " أو " التجريبية التكنلوجية " أو " المادية العقلية " مبيناً كيف تتطابق النزعة العقلية مع النزعة التجريبية في محاولة لتجاوز الانطولوجيا .
وحول المهام الاساسية للابستمولوجيا الباشلارية يحدد د. علي حسين كركي هذه المهام لتحديد أن المهمة الاولى والاساسية هي أبراز القيم الابستمولوجية التي تفرزها الممارسة العملية وذلك بقطع الطريق على كل ماتحاول الفلسفة إدخاله في العلم من قيم أخلاقية ودينية وجمالية . ولكن ماهي هذه القيم الابستمولوجية وما مصدرها كيف تفرض نفسها ؟ إن مصدر هذه القيم النظريات العلمية ليس كل النظريات العلمية بل الجديدة والثورية منها , فالقيمة الابستمولوجية للهندسات اللاأقليدية مثلاً ترتبط بما تقدمه هذه الهندسات من تصور جديد , للمكان وهذا التحديد لمهمة فلسفة العلوم تحديد أيجابي فبموجبه لا تكون فلسفة العلوم تدخلاً فلسفياً في العلم لتبرير أهداف خارجة عنه , بل تكون استيعابا للقيم العلمية الجديدة , التي يفرزها التطور العلمي , وبمعنى أخر " أن باشلار لا يريد أن يقيم نظرية في المعرفة تحتوي النتائج العلمية لتحديد أهداف أيدلوجية , ولكن ثمة شروط لابد منها لتتمكن فلسفة العلوم من إبراز القيم الابستمولوجية التي انتجها التطور العلمي . ([29])
لابد أن يكون الابستمولوجي لفظ أزاء العلم المعاصر عليه قبل كل شيء أن يتجاوز البدأ القائل إن الاولى كان دائماً الاساسي بالعكس عليه أن يتجرد على تأريخ التجربة وتأريخية ماهو عقلاني فهو لن يكون قادراً على إبراز القيم الابستمولوجية الا إذا قطع مع الأحوال والبدايات المطلقة وأدرك أن النظريات العلمية المعاصرة لامثيل لها في التأريخ السابق وهي جديدة تماماً لذا لا يمكن أن نبحث عن أصول في هذا التأريخ , ومن خصائص مرحلتنا أن الواقع فيها مبين لامعطى حيث تلعب الآلة دوراً كبيراً في عملية إدراكنا للواقع , وعليه أولاً وأخيراً إذا أراد أن يكون مجدداً أن يختار أولوية النتائج العلمية على السيستام الفلسفي فواكب بذلك سير التأريخ العلم وتقدمه معارضاً أسلوب الفلسفات التقليدية , وبموجب هذا الاختيار يخضع الفيلسوف العلم السيستام الفلسفي للقيم الابستمولوجية ويجبره على التحرر وفق القيم الجديدة والتي يفرضها تأريخ العلم هذه المهمة الاولى .
أما الثانية , فهي البحث في أثر تطور المعارف على بنية الفكر , سيؤدي هذا البحث الى فوضى في العقل مخالف للموقف الفلسفي التقليدي إنه موقف مربك للفكر فالعقل بفعل تطور المعارف العلمية , وتأثيرها في بيئته سيغدو دينامياً فعالاً , إن فلسفة العلوم مع هذا الفهم الدينامي لبيئة العقل التي تتعارض وتطور العلم , بل تستقبل القيم الجديدة حتى وإن كانت مناقضة ومخالفة لتصورات فلسفية سابقة .
أما المهمة الثالثة فهي التحليل النفسي للفلسفة الموضوعية فقد نقل باشلار هذه النظرية الى الابستمولوجيا فأفترض أن ثمة مكبوتات عقلية لدى الباحث العلمي على الابستمولوجي أن يبحث عنها ليظهر أثرها في البحث العلمي , على فيلسوف العلم أن يكون المحلل النفسي لعمل الباحث , بمعنى أن عليه أفتراض جانب باطني ديناميكي في العمل العلمي يؤثر على هذا العمل , لذا وكما أن أدراك المكبوتات والعقد النفسية من شأنه مساعدتنا على فهم السلوك الإنساني والحياة النفسية فإن التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية سيمكننا من فهم هذه المعرفة في تطورها أو نكوصها أو توقفها وما يسميه فرويد عقداً نفسية , يسميه باشلار عوائق أبستمولوجية وهو يكرس دراسة مهمة كـ" تكوين العقل العلمي " و" التحليل النفسي للنار " لكشف هذه العوائق وتحديد الميكانزم الذي على أساسه تتوقف المعرفة الموضوعية وتتقهقر.([30])


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يهدف إلى دراسة ...

يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...

‏تعريف الرعاية ...

‏تعريف الرعاية التلطيفية‏ ‏وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...

Risky Settings ...

Risky Settings Risky settings found in the Kiteworks Admin Console are identified by this alert symb...

الممهلات في الت...

الممهلات في التشريع الجزائري: بين التنظيم القانوني وفوضى الواقع يخضع وضع الممهلات (مخففات السرعة) عل...

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...