1
مقــدمــة عــامــة
لقد أصبحت مناهج البحث العلمي النظرية منها والتطبيقية، سواء في
مقارباتها الكمية أو الكيفية أو حتى المختلطة، خاصة في تاريخنا المعاصر، بمثابة المداخل
الأساسية التي يتعين على الباحث أو المختص اعتمادها في عملية جمع
المعلومات والبيانات
النظرية والميدانية، ومن ثم تصنيفها، وتحليلها ونقدها بهدف تنظيرها أو تقنينها إن أمكن، وهذا
وفق المتطلبات المنهجية أو "الإيديولوجية" أو هما معا. في الواقع، فرضت مناهج البحث
العلمي نفسها على خريطة البحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية رغم
عديد المشاكل
المنهجية العديدة المصاحبة أو الناجمة عنها، على مستوى العلاقات الجدلية ما بين النظرية
والتطبيق أو على مستوى أخلاقيات البحث العلمي في عملية توظيف هذه المناهج في دراسة
الظواهر أو المشكلات الاجتماعية.
الجدير بالذكر أن مناهج البحوث العلمية قد
تطورت وتنوعت بدرجات متفاوتة كما وكيفا،
لكن جميعها استنبطت أو استقرأت بهدف تنمية المعرفة الاجتماعية المتخصصة، أو تطبيق
هذه المعرفة العلمية في حل أو التخفيف من حدة مشكلات مادية أو معنوية، قائمة أو متوقعة،
تتحدى أفرادا أو جماعات اجتماعية أو دول، على أكثر من ص
عيد، في المكان والزمان.
- لقد شهدت العقود الأربعة الماضية
- على سبيل المثال لا الحصر
نقاشات و جدالات
منهجية و إيديولوجية أكثر أو أقل اتساعا حول أهمية بحوث الإعلام والاتصال الجماهيري،
محليا ودوليا، رغم حداثتها بالمقارنة مع العلوم الاجتماعية الأخرى، حيث
الصراع الفكري
الأكاديمي يتسع ويضيق بين مؤيدين ومعارضين حول مدى قيمة هذه البحوث في عملية ترشيد
ي السياسات الإعلامية والاتصالية كما وكيفا، خاصة وأن هذا النوع من البحوث
سعى عبر
استخدام المنهج الكمي والكيفي وحتى المختلط إلى الكشف عن مختلف التأثيرات القصيرة
الم
دى أو الطويلة المدى التي قد تحدثها بعض مضامين المواد الإعلامية في وسائل الاتصال
الجماهيري، التقليدية والافتراضية على سلوك الأفراد أو الجماعات الاجتماعية، سواء أكانوا
أطفالا أم مراهقين أم ناضجين، وانعكاساتها على التنشئة الاجتماعية والتنمية الإعلامية في ظل
ا
لعولمة الإعلامية والثقافية.
و من ثم يتبين للباحثين النقاد أنه إذا كانت مختلف بحوث الإعلام
تجتهد في عملية استقراء نظري أو عملي أو هما معا في مجال أو موضوع معين مرتبط بصفة
2
مباشرة أو غير مباشرة ببعض العمليات الإعلامية الاتصالية الأكثر أو الأقل تعقيدا بطريقة
م
نهجية تقليدية أو مستحدثة، "مناسبة"، تستهدف جمع أكبر عدد من المعلومات والمعطيات
الكمية و الكيفية أو المختلطة عن الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات أو الدول، خاصة في
تاريخنا الحديث و المعاصر فلا
عملية شك أن
الاستخدام الواعي والمنتظم للبحوث الإعلامية
والاتصالي
، ة وفق منهج أو مجموعة مناهج علمية
مضبوطة بقواعد البحث العلمي وأخلاقياته
- قد يساهم
- بصفة مباشرة أو غير مباشرة
في عملية تعزيز وتطوير المعرفة الإعلامية
ي والاتصالية وإثرائها، بما يخدم عملية اتخاذ القرارات ورسم معالم استراتيجيات وطنية أص
لة
ومبدعة، وهذا رغم ما
ي قد
من عترض مثل هذا التحدي العلمي والمعرفي
صعوبات منهجية
، وإيديولوجية
داخلية أو خارجية
. ، طبيعية أو مفتعلة في المكان و في الزمان
المحــاضــرة الأولى : مفهوم البحث العلمــي وخصائصه المنهجية
The Definition of Scientific Research and its
Methodological Characteristics
تمهيـــد
من المعلوم أن كلا من الباحثين في العلوم الطبيعية والباحثين في العلوم الإنسانية
والاجتماعية ينتهجون في كل مشروع بحث خطوات المناهج العلمية المعتمدة في تخصصاتهم،
فهم يجتهدون في التقيد بقواعدها ويعملون جاهدين على تطبيق خصا
ئصها ومواصفاتها باعتبار
أن هذه الأخيرة مشتركة بين كل من الفئتين. أما الاختلافات المسجلة فتتركز حول طبيعة
الظواهر أو المشكلات ونوعيتها، وفي هذا السياق المنهجي، لقيت الاعتبارات الأخلاقية
والقانونية اهتماما واسعا من قبل الكثير من الباحثين والمفكرين والمحكمين
والمختصين،
العاملين في مجال البحوث العلمية بأنواعها المختلفة، وكان هذا الانشغال العلمي و المعرفي
- يزداد كلما انحرف
- عن قصد أو دون قصد
بعض الباحثين عن أخلاقيات البحث العلمي
ليتعزز بمواثيق شرف وقوانين تنظيمية لممارسة البحث العلمي سواء أكان كميا أم نوعيا أم
3
-مختلطا، نظريا كان أم تطبيقيا، حيث تسهر عليها
-بصفة مباشرة أو غير مباشرة
جمعيات
ومنظمات ومؤسسات حكومية وغير حكومية معترف بها.
المبحث الأول: مفهــوم البحث العلمــي لغــة واصطــلاحــا
المطلب الأول
:
لغة
:
البحث العلمي، مصطلح مركب من كلمتين: البحث، والعلمي، الأولى
هي مصدر الفعل الماضي الثلاثي: بحث، أي فتش
و تقصى، فالبحث لغويا كما جاء في "
"
القاموس المحيط " للعلامة اللغوي الفيروز آبادي يفيد معنى " التفتيش للمكان المجهول ،
قصد معرفته."
، تقصي، فالبحث لغويا كم
ا جاء في " القاموس المحيط " للعلامة اللغوي
الفيروز آبادي ومعناه أيضا أن تسأل وتستخبر عن شيء معين، وقد سميت سورة براءة سورة
" البحوث " لأنها بحثت عن أسرار المنافقين، وقد ورد مفصلا في " منجد الطلاب " للعلامة
البستاني بما يفيد: "بحث بحثا في الأرض: حفرها ومن
ه المثل: كالباحث عن حتفه بظلفه .
تبحّث وأبتحث وأستبحث عنه:
.
تباحثوا: تحاوروا
.
بحث عنه: فتش. باحثه: خاطبه، حاوره
فتش. البحث: مصدر طلب الشيء، البحث تحت التراب: التفتيش، التحقيق، المعدن يبحث فيه
عن الذهب ونحوه، جمعه أبحاث. البحاث(بالشدة): الكثير البحث. المب
حث: البحث أو مكانه،
جمعه: مباحث. المباحثة (بالكسر): البحث والتدقيق". كما يشير المعنى اللغوي للبحث إلى بذل
المجهود في موضوع ما، وجمع المسائل التي تتصل به، ويعني أيضا ثمرة هذا الجهد ونتيجته،
اجتهد فيه والفعل (بحث) يفيد معنى "طلب الشيء وفتش عنه، واستقصى وبحث الأمر، أي
، وتعرف حقيقته". وفي "قاموس المورد"، يشير البحث إل التفتيش الدقيق
كما جاء تعريف
البحث (
Research
) في قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعية الشهير بما يفيد عملية التقصي
اسبها عن الحقائق وتبويبها وتحليلها بالنسبة لمشكلة معينة لإظهار حقيقة المشكلة وأسبابها وما ين
من حلول وذلك بطريقة محايدة وغير متحيزة للمشكلة.
أما العلمي فهي نسبة للعلم كونه مصدر للفعل الثلاثي علم، أي "إدراك الشيء بحقيقته:
، اليقين والمعرفة، جمع علوم، فالعلمي صفة للعلم"
كما أن مفهوم العلم ورد بما يفيد معنى
"الإدراك المطلق" أو هو مرادف
للمعرفة، وقيل إن المعرفة أخص من العلم، وقال آخرون
4
المعرفة للمحسوس والعلم للمعقول، كما ذهب فريق آخر إلى أن العلم هو اعتقاد الشيء على
ما هو به على سبيل الثقة. باختصار نلاحظ أن هناك بعض الاختلاف في التعاريف اللغوية
لمفهوم العلم في التراث العربي وهو يوحي صراحة
أو ضمنا التأثير الفلسفي والمنطقي. أما
العلم في القرآن فهناك من المفكرين الإسلاميين البارزين كعباس محمود العقاد من يرى إلى
: أنه
" جملة المعارف التي يدركها الإنسان بالنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق من
شيء...ويشمل الخلق هنا كل موجود في هذا الكون ذي حياة
أو غير ذي حياة." والواقع أن
: مفهوم العلم في القرآن الكريم أوسع وأعمق، حيث كثيرا ما يقال
إن القرآن كتاب هداية وإرشاد
وإيمان وليس كتاب علم في الاجتماع أو السياسة أو الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو الفلك
أو اللاهوت. لكن التدبر العقلي والقلبي الموضوعي لآ
يات القرآن الكريم توحي بأن القرآن ليس
كتابا علميا بالمعنى الذكور سابقا، أي هو ليس مجموعة نظريات في الفلك والكيمياء
والرياضيات.. ولكن هو كتاب "علم" كطريق وبيان و فلسفة إلى معرفة الطبيعة والحياة و
لم أولا وكتاب هداية ثانيا، التأريخ ومن ثم الوصول إلى الله سبحانه و تعالى، فالقرآن كتاب ع
و الهداية إلى الله و الحق تتأتى من سلوك طرائق المعرفة و التفكير التي طرحها القرآن على
شكل رؤى و تطبيقات من خلال آياته الشريفة و أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه
وسلم.
) Recherche قياسا مع الفارق، جاءت كلمة بحث (
في القوا
ميس الأجنبية ومنها الفرنسية
مثل القاموس الفرنسي الشهير لاروس (
LAROUSSE
) في سياق المعاني التالية:
Recherche : n. f. Action de rechercher : recherche de paternité.
Recherche : effort d’originalité, raffinement voire affectation :
recherche dans le style. Recherche, travail scientifique : faire de la
recherche.
Scientifique : adj. Relatif à la science ou à une science : nomenclature
scientifique.
Scientifique : qui a la rigueur et l’objectivité de la science : méthode de
scientifique.
5
Scientifique n. : spécialiste des sciences (par opposition à littéraire).
يمكن القول أنه رغم خصوصية كل من التعريف اللغوي العربي والأجنبي إلا أنهما يشتركان
في تلك الصلة المعلنة أو الكامنة بين المنهج والبحث العلمي بغية الحصول على المعرفة اليقينية
لذات
الشيء المدروس في شكل حقائق .
المطلب الثاني
:
اصطلاحا
:
أما من حيث الاصطلاح العلمي فإن تعاريفه تتميز بالتعدد
والتنوع والغموض أحيانا، سننتقي عينة منها على سبيل المثال لا الحصر وهي كالتالي:
يعرفه عالم الفيزياء النظرية الأستاذ فلاديمير كورغانوف (
V.Kourganoff
) بأنه: "هو
[البحث العلمي] في الوقت ذاته موقف تجاه الطبيعة، مجموعة من المعارف، منهج تفسير
تدخل... أو هو بأكثر بساطة، النشاط الذي يمارسه العلماء والباحثون المتخصصون."
"Elle est à la fois une attitude vis-à-vis de la nature, un ensemble de
connaissances, une méthode d’éxplication et d’action… ou, plus
simplement, l’activité à laquelle se livrent les savants et les chercheurs
scientifiques."
يعرف الفيلسوف الألماني الشهير كارل جاسبرس (
Karl Jaspers
) تلميذ العلامة ماكس
فيبر العلم أو البحث العلمي على
أنه: " المعرفة المنهجية حيث المحتوى بصفة قهرية مؤكد
وفي نفس الوقت مقبول كونيا".
"La science (La recherche scientifique) est la connaissance
méthodique dont le contenu, d’une manière contraignante est à la fois
certain et universellement valable"
.
ويعر
فه السوسيولوجي الكندي موريس أنجيه (
Maurice Angers
) في كتابه البيداغوجي
الشهير مدخل تطبيقي لمنهجية العلوم الإنسانية بما يفيد معنى " ممارسة علمية متمثلة في عملية
جمع وتحليل المعطيات بهدف الإجابة على مشكلة لبحث محدد ".
6
" Activité scientifique consistant en un processus de collecte et
d’analyse de données dans le but de répondre à un problème de
recherche déterminée"
.
من المحاولات العديدة الجادة لوضع تعريف " دقيق " لمفهوم البحث العلمي في الأوساط
الأكاديمية العربية، خاصة في حقل العلوم الاجتماعية، هي محاولة
الباحث عبد الباسط حسن،
حيث ذهب إلى أنه: " الدراسة العلمية المنظمة لظاهرة معينة باستخدام المنهج العلمي للوصول
، إلى حقائق يمكن تفسيرها والتحقق من صحتها"
كما يقدم الباحث محمد شفيق تعريفا للبحث
العلمي يتفق والتعريف السابق، حيث يرى أنه: " الدراسة العلميـة الدقي
قـة والمنظمة لموضوع
معين باستخدام المنهج العلمي للوصول إلـى حقائـق يمكـن تفسيرها
والاستفادة منها والتحقق
من صدقها. "
ويذهب عالم النفس فاخر عاقل إلى أنه: " البحث النظامي والمضبوط والمخبري
والتجريبي
Empirical)
) في المقولات الافتراضية عن العلاقات المتصور
ة بين الحوادث
الطبيعية."
ويذهب أستاذ المناهج غازي عناية إلى تعريفه بقوله: " التقصي المنظم بأتباع أساليب ومناهج
علمية محددة للحقائق العلميـة بقصد التأكد من صحتهـا أو تعديلها وإضافة الجديد لها".
: " تلك العملية التي يقوم فيها ويقترح الباحث عبد الخالق محمد عفيفي تعريفا له مفاده أنه
الباحث ببذل الجهد في التحري والتقصي الدقيق حول مشكلة أو ظاهرة معينة للوصول إلى
حقائق تمكن من التحكم فـي الظاهرة أو مواجهتها مستقبـلا وذلك باستخدام المنهج العلمي".
كما يرى أستاذ العلوم الشرعية رفيق الإسلام المدني أن البحث
العلمي في الاصطلاح، له
تعاريف كثيرة، يدور معظمها حول التعريف المجمل التالي هو: " عبارة عن دراسة خاصة
في موضوع معين حسب مناهج وأصول معينة ".
ويؤكد باحثين مختصين آخرين أنه يمثل " طريقة منظمة أو فحص استشاري منظم
لاكتشاف حقائق جديدة، أو التثبيت والتحقيق من
حقائق قديمة و العلاقات التي تربط بينهما أو
القوانين التي تحكمها وبما يساهم في نمو المعرفة الإنسانية ".
7
ويرى أستاذ المنهجية مرزوقي بدر الدين بعد استقراء مجموعة من التعاريف الغربية
" والعربية الجادة في شتى العلوم والمعارف أن البحث العلمي هو
ذلك النظر العقلي، المنظم
تجاه مشكلة أو ظاهرة معينة، من قبل باحث أو فريق بحث، في أحد الاختصاصات أو أكثر،
" باستخدام أدوات بحث مناسبة، بهدف توضيح مشكلة ما أو حلها بتوفيق من الله سبحانه وتعالى
.
المبحث الثــانــي: خصــائص البحث العلمــي
(Characteristics of scientific
research)
:
في الواقـع تشترك أنماط أو نمـاذج البحث العلمي المتعددة والمستخدمة في التخصصات
(
Disciplines
) أو المجالات (
Filds
) بعدة خصائص، والتعاريف السابقة العرض قد تشكل
بعضا من تلك الخصائص والمميزات المستخلصة حيث يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولا: التنظيميـة (
Organizing
) والنسـقية (
Systematization :)
البحث العلمي
بحث منظم (
Organised )
ومضبوط (
Systematic
) كونه عملية استقصاء منظمة، وهذه
الأخير في عرضها لنتائجها الجزئية أو الكلية، تشير إلى المواد الخام الداخلة في الحجة أو
البرهان، كما تشير إ
لى العمليات المنطقية التي اعتمدت لجمع مختلف هذه المواد، وإعادة
تصنيفها وترتيبها للوصول إلى استنتاجات موثوقة، فالباحث أو فريق البحث، مكلف بالعمل
على ضبط الخطوات والإجراءات المختلفة لتجنب أو تقليل إلى أقصى درجة ممكنة، مصادر
الخطأ وتأثيراتها المباشرة أو غير ا
لمباشرة، وفي حالة عجز الباحث أو فريق البحث عن تفادي
الأخطاء، فإنه يأخذها بالحسبان في إحدى مراحل البحث أو في نهايته وذلك عند مناقشة النتائج
قبل عملية عرضها على المختصين أو بعد ذلك ومن ثم نشرها في المجلات المحكمة على
سبيل المثال.
ثــانيــا: التــراكميــة (
Accumulation :)
لقد أصبح من المؤكد أن كل نتيجة علمية إلا
وتكون قد ضربت بجذورها داخل أعمال وبحوث علمية سابقة أو في اكتشافات قد تمت في
ميادين علمية ومعرفية أخرى أو هما معا. لا شك أن هذه الوضعية الابستمولوجية هي من باب
المجاز، شبيهة بشجرة نسب الأفراد، فمثلا في
العلوم الاجتماعية، نكتشف أن كل التخصصات
تتداخل مع بعضها البعض حيث هناك علم النفس الفيزيولوجي، علم النفس الاجتماعي، علم
اجتماع الإعلام والاتصال، الجغرافيا الاقتصادية، علم الاجتماع الصناعي أو التنظيمي، علم
8
الاجتماع الحضري يحتاجان معرفة البنيات الاقتصادية، ح
تى العلوم القانونية والإدارية، تستند
- بصفة مباشرة أو غير مباشرة
على البحوث التاريخية والإ
ثنولوجية، ومن ثم يتضح أن
عملية التراكم والتلاقح العلمي والمعرفي المتبادل للنتائج النظرية والتطبيقية من شأنه التسريع
من إيقاع التطور العلمي والتكنولوجي.
ثــالثــا:
البحث عــن المـوضـوعيـة (
Research for Objectivity :)
يعلن الفيلسوف و
الاجتماعي الألماني الشهير يورغن هابرماس (
Y.Habermas ( )
- 1929
؟) أن المعرفة ولا
سيما المعرفة الاجتماعية، مرتبطة بالمصالح الاجتماعية للفاعلين الاجتماعيين، فليس ثمة شك
على الإطلاق أن مفاهيم
ونظريات الباحثين في العلوم الانسانية والاجتماعية تتأثر غالبا
بمصالحهم وبصورة أعم، بالالتزامات التي يفرضها عليهم أو يقتضيها وضعهم ودورهم
الاجتماعي، وكذلك بأحكامهم المسبقة أو بمفاهيمهم المسبقة بتعبير "دوركايم" والتي يمكن أن
تنجم عن انتماءاتهم إلى إطار اجتماع
ي وتاريخي خاص. لا ريب أن النقد الذاتي، خاصة النقد
الداخلي للنظريات، أي نقد تماسك المقترحات المكونة لنظرية معينة وإمكانية قبول المفاهيم
المستعملة مثلا، هو طريق أولي للبحث العلمي ومن ثم للتقدم العلمي، بل ورهان للعلوم
الإنسانية والاجتماعية وحتى الطبيعية. أما
الطريق الثاني فهو طريق النقد الخارجي، أي نقد
المواجهة بين النظريات، في مقدماتها ونتائجها، فالباحث العلمي يجتهد في استعراض كل
المواقف والآراء، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وهذا بغض النظر عن درجة اتفاقه أو معارضته
لها، وله أن يبين بعد ذلك وجهة نظره الشخصية بشكل
واضح ومشيرا بشكل صريح أن هذا
- هو رأيه، تاركا الحكم للقارئ المتخصص الذي بإمكانه مساعدته
بصفة مباشرة أو غير
- مباشرة
على تعزيز نسبية مواقفه وآرائه وتصوراته، بل وأحكامه المطلقة إن وجدت. لهذا
بدقة بين ما تظل مسألة الموضوعية مشروع غير منتهي وغير مكتمل نظرا لصعوبة التمييز
هو ذاتي وما هو موضوعي في العلوم الإنسانية و الاجتماعية.
رابعــا: الهــدفيــة (
Purposiveness :)
وتعني وجود هدف أو مجموعة أهداف محددة لكل
بحث علمي، يسعى الباحث أو فريق البحث إلى تحقيقها في المكان و الزمان، على أقل تقدير،
فهي بمثابة المنارة التي توجهه في جميع مراحل بحثه.
9
خــامسـا: قـابليــة الاختبـار أو التجـريب (
Testability and Experimentation
):
يعني
التجريب بالنسبة للإنسان العادي، الاسترشاد بالخبرة العملية (الواقع المعاش)، أما بالنسبة
للباحث فمصطلح التجريب (
Experimentation
)، يعني الاسترشاد بالأدلة والبراهين التي
تم الحصول عليها من خلال أساليب البحث والتطبيق العملي أو المختبري، وليس من الآراء
والاعتما
د على المرجعيات النظرية فقط.
ســادســا: قــابليــة التحقــق أو التثبت: (
Verification :)
يمكن التحقق من نتائج دراسة ما
إما باستخدام تصاميم أخرى أو أدوات مختلفة لها نفس خصائص أدوات هذه الدراسة، كما
يمكن تكرار الدراسة نفسها على عينات أو مجموعات مشابهة لها كما
هو الحال في الدراسات
الكمية، مقارنة بالدراسات النوعية التي تعتبر وقائع ومواقف وخبرات فريدة من نوعها قد لا
تنطبق عليها نفس معايير المقاربات الكمية (الأسلوب الإحصائي) حيث مازالت مسألة قابلية
وضوعية التحقق تطرح مشاكل ابستيمولوجية، مرتبطة بطبيعة الموضوع نفسه، ومدى م
الباحث تجاه بحثه، وقوة الأدلة والبراهين المقدمة
و غيرها من الإشكالات .
سابعا: قــابليــة التعميــم (
Generalizability :)
هي القدرة على الاستفادة من نتائج البحث
التي توصل إليها الباحث في المكان والزمان، إنها الخروج بقواعد عامة يستفاد منها في تفسير
ظو
اهر مشابهة، وكلما كانت نتائج البحث قد احترمت خطوات المنهج العلمي بصرامة كلما
زادت قيمة البحث وفائدته التعميمية، خاصة في البحوث الكمية.
ثامنا: المــرونــة (
Flexibility
):
تمثل المرونة خاصية أساسية في البحث العلمي، حيث
من المفترض عدم وجود قواعد أو معايير
– جامدة قد تساهم
- بصفة مباشرة أو غير مباشرة
في
عملية إعاقة البحث العلمي الجاد، لكن إن وجدت، فعلى الباحث أو فريق البحث، التسلح بالروح
النقديـة (النقــد الذاتــي البنــاء) والعقلية المتفتحة.
ع آفاق معرفة هذه بعض أهم خصائص ومميزات البحث العلمي التي تقتضي معرفتها، توسي
مفهوم البحث العلمي بصفة أصيلة و مبدعة
:
10
الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط، الجزء الأول، دار القلم
للملايين، بيروت، ب. ت.، ص
161
، نقلا عن بن مرسلي أحمد، مناهج البحث العلمي في
2003 علوم الإعلام والاتصال، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،
.
البستاني، فؤاد أفرام، منجد الطلا
ب، دار المشرق، ش م م، ط. السابعة والعشرون، بيروت
1983
.
ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار بيروت،
، مجلد 1968
. 2
مجمع اللغة العربية، معجم الوجيز، الهيئة العلمية العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة،
2005
.
البعلكبي منير، المورد، قا
1996 موس إنجليزي/ عربي، دار العلم للملايين، بيروت،
.
بدوي، أحمد زكي، مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت،
. 1993
غالب، حسن، نظرية العلم في القرآن
:
مدخل جديد في التفسير،
دار
الهادي،ط.
. 2001 ،بيروت، 1
.بة وهبة، ط عبد الباسط محمد حسن، أصول البحث الاجتماعي، مكت
الثامنة، القاهرة،
. 1982
. 2003 محمد شفيق، البحث العلمي، المكتبة الجامعية، الإسكندرية،
عاقل فاخر، أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، دار العلم للملايين، ط. الثامنة، بيروت،
. 1982
عناية، غازي، إعداد البحث العلمي، ليسانس
–
- ماجستير
- دكتوراه
درا الشهاب، باتنة،
. 1985
محمد عفيفي، عبد الخالق، منهجية البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية: مدخل متعدد
المحاور، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى، المنصورة،
. 2010
المدني، رفيق الإسلام، المدخل إلى إعداد البحث، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت،
. 2006
غرايبة فوزي وآخرون، أساليب البحث العلمي، في العلوم الاجتماعية والإنسانية، دار وائل،
ط. الرابعة، عمان،
. 2008
أبوزينة، فريد كامل وزملاؤه، مناهج البحث العلمي، طرق البحث النوعي، دار الميسرة، ط،
.2007 الثانية، عمان،
بودون ريمون وفرانسوا، بوريكو، المعجم ال
نقدي لعلم الاجتماع، ترجمة الدكتور سليم حداد،
ديوان المطبوعات الجامعية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط. الأولى، الجزائر /
. 1986 بيروت،
النجار، فايز جمعة وآخرون، أساليب البحث العلمي: منظور تطبيقي، دار الحامد، ط، الثانية،
(مزيدة ومنقحة). عمان،
. 2010
éd.
ème Dalloz,11
.
Grawitz M.,Méthodes des sciences sociales,Eds -
Paris,2001.
11
- Petit Larousse illustré, Librairie LAROUSSE, Paris, 1980 .
- Kourganoff Vladimir, La recherche scientifique, éds, puf, 4ème éd.,
Paris, 1971.
- Gusdorf G., De l’histoire des sciences à l’histoire de la penseé, Eds.
Payot, paris, 1966.
- Angers Maurice, Initiation pratique à la méthodologie des sciences
humaines, Eds, CEC.INC , Québec, 1996. Pour l’Algérie, Eds., Casbah
Université, Alger, 1997.