Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (28%)

ومِن عاداتِ أَبناء تِلكَ المَنطِقةِ مِن فِنلَنْدا» أَنَّ الشَّاب يَجبُ أَن يَكونَ له مَنزِلُه الجاهز للسَّكَنِ، قبل أَن يَتزوَّجَ هَذَا مَبداً لَم يَكُنْ لِأَيِّ شَابٌ أَنْ يَحِيدَ عَنْهُ ومن عادة الوالد والابنِ، حِينَ يَبْلُغُ هَذا الأَخيرُ سِنْ الزواج، بالبَحثِ عَن قطعة الأَرضِ المُناسِبةِ لبناء البيت الزوجي، ثُمَّ يُحدّدا قياسات المَنزِلِ الهَندسيَّةَ وإذا كان الوالد يُسعِفُ ابنه في بناء البيتِ، فإنّ الابن هو الذي يَقومُ بحَفَرِ أساس البيت بنفسه. وَبِالتَّسَاؤلِ عَنِ الفتاةِ الَّتِي يُريدُها هَذا الشّابُ أَو ذاكَ زَوجة له وتأخُذُ الفَتَياتُ بالتَّنزهِ جَماعاتٍ أمامَ المَنازِلِ الَّتِي تُشَادُ، وطبيعي أن تكون كل فتاةٍ قَد عَرَفَتْ فِي سِرِّها الشاب الذي انتقاها عروساً لأحلامِهِ ولذا كانَتْ كلُّ فتاةٍ تَقفُ فِي نُزهتِها هَذِهِ بِضْعَ دقائقَ عِندَ المَوْقِعِ الَّذِي اختاره فارسُ أَحلامها، تَتَأَمَّلُ أَعْمَالَ بِناءِ بيتِها المُقْبِلِ، لجَمعِ المَالِ اللَّازِمِ لِبناءِ المَنزِلِ. لَقَذْ شَاءَ أَن يَجمع مالاً كافياً لبناء منزِلٍ كبيرٍ وجميلٍ يَقوقُ المَنازِلَ الأُخرى سعةً وجَمالاً، وكثيراً ما تحادثا في نُزُهاتٍ مُشتَرَكة تَقومُ بها عائلتاهُما إلى الحمامات البخارية. إلا مِنَ التَّفكيرِ في فَتاتِهِ ذَاتِ الزَّنْدَينِ النَّاعَمَينِ والعُنُقِ البَضّ الأبيض، والشَّعْرِ الذَّهَبِيِّ المُرْسَلِ على العُنقِ والكتفين، وهي المُتفوِّقَةُ جَمالاً وعُذوبةً؟
وأخيراً عادَ أَنطونُ بعدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شهراً، وسرعان ما اختار الوالد والابْنُ مَوقع البناء، وراحا معاً يَضَعان النّقاط اللازمة لتحديد هيكلية البيت الجديد ورُقْعَتِهِ. ولَحَظَ الوالدُ اتِّساع رقعة البيتِ، - لا
وَأَضَافَ:
ويَجبُ أيضاً أن يكونَ الإِسْطَبلُ كبيراً. يجب أن تُحافِظَ على التَّناسُبِ بَيْنَ أَقسامِهِ. وهَزَّ الوَلدُ برأسه علامةَ المُوافَقة. يَجبُّ أَن يَحذَرا الخطأ، ثُمَّ، وتَعلَمُ أَنَّ التَّأخير ناتج مِن مَشارِيعِهِ الكبيرة وآماله العِظامِ. كادَ الخوفُ أَن يُداخِلَ قلبها ، لولا أنَّ شاباً رصينًا وَصَفَ لها مُتَابَرَةَ أنطون وإصراره في غُربَتِهِ، إِلَّا أَنَّ أَنطونَ استطاع أن يُواصِل العمل في فصل الشتاء القاسي لتعويض هَذا التَّأخير . فامثلاً قلب زاسكا زَهْواً وإعجاباً، أَصلبَ وأَمتَنَ مِنَ الخَشبِ العادي، ولكنَّهُ أَكثرُ كُلْفَةً!
مَرَّةً أُخرى عادَ الشَّبَانُ لِلتَّندرِ والتسَاوْلِ والشَّلِّ. زاسكا، ولكنْ تَوَقُفَ أنطونَ عَنِ البِناءِ أَثَارَ شمائَةَ أَمْرائِهِ وحُسّادِه. كيفَ تَرُدُّ زاسكا عَلى هَذِهِ الشَّماتة؟ إنها تُدرِكَ تَمامَ الإدراكِ أَنَّ التَّوقُفَ عَنِ الْعَمَلِ كَانَ نتيجةَ غيابِهِ لجَلب نوع متين وصلبٍ مِنَ الخَشبِ. والفَتَيَاتُ الأُخْرَياتُ سَيَتزوَّجْنَ بعد أسابيع قليلةٍ. ولَحَظَ أَنطون نظرةً جديدةً في عَينَي فَتاتِهِ ظَنَّها، ولَكنَّ والدَتَهُ نبَّهتُهُ إلى وُجوبِ الإِسراع في العمل. وجَهِلَ مَا يَعْتَمِلُ في قلبِ زاشكا
أليس في البطء ما يُسيء إلى السعادة؟
َلقَدْ أَعْدَدْنَ العُدَّةَ أَثناء ليالي الشتاء. وهَذا ما زادَ في غُصَّةِ زاسكا وشعورها بالحُزن العميق. وبعذوبة كعُذوبةِ اللَّحنِ الَّذِي يَنطلقُ مِنْ عودِهِ حِينَ يُداعِبُه بريشته. كانَتْ شُهْرَتُه قَدْ مَلأَتِ المدينةَ الَّتِي قَضى فيها سَنَواتِ الغُربةِ، وتَردَّدَ صَاحِبُ العرسِ الأَوَّلِ في دعوتِهِ لِلعزف في الاحتفال، لكنه عاد فدعاه حينَ عَلِمَ أنَّ موسيقاه ستَكونُ مُغرية لأبناء القرية جميعاً لحضور حفلة قِرانِهِ، وحضَرَتْهُ الفَتَيَاتُ كلُّهنَّ بمَن فيهِنَّ زاسكا. واهتمامها بكانتا الذي كانَتْ أَنغام موسيقاه تُلامِسُ أَوتارَ قَلبِها الحائرِ. أمّا المُحِبّونَ الباقون فكان جو المرح والنَّشوة يُثيرُهُم ويَدفَعُهُم لِلإجادة في الرقص والغناء، وتحدث كانتا بأناقة عن المدينة التي عاش فيها، فَفَضَّلَتِ الانتظار . ومَضَتْ أسابيع. أَنطونُ يُواصِلُ العَمَلَ لِإنجاز
مُصوّراً لها سعادتهما، إِنَّ قلبه العامر بالحُبِّ دَفَعَهُ إلى إنجاز البناءِ مَعَ انتهاء فصل الربيع كانَ واثقاً بانتصاره. وحمل مفتاح البيت الجديد ولو متأخراً قليلا، وجاءَ الفنّانُ كانتا يَعزِفُ لِلعروسَيْنِ السَّعِيدَينِ أجمل ما عِندَهُ مِن أَلْحانِ.


Original text

مِنْ أَجَل عَينَيها
الحكاية التي ترويها هنا هي حكاية شاب فنلندي في العشرينَ مِن عُمرِهِ يُدعى أنطونَ. عُرِفَ هَذا الشَّابُ بِنَشَاطِهِ ومُثابَرتِهِ على العمل، مِن غيرِ أَن يَتأَثْرَ بالبَردِ الشَّديدِ، أَوِ الثلوج، أَوِ الرِّياحِ القارسة. ومِن عاداتِ أَبناء تِلكَ المَنطِقةِ مِن فِنلَنْدا» أَنَّ الشَّاب يَجبُ أَن يَكونَ له مَنزِلُه الجاهز للسَّكَنِ، وَحقله، قبل أَن يَتزوَّجَ هَذَا مَبداً لَم يَكُنْ لِأَيِّ شَابٌ أَنْ يَحِيدَ عَنْهُ ومن عادة الوالد والابنِ، حِينَ يَبْلُغُ هَذا الأَخيرُ سِنْ الزواج، أن يقوما معاً، في أوائلِ الخَرِيفِ، بالبَحثِ عَن قطعة الأَرضِ المُناسِبةِ لبناء البيت الزوجي، ثُمَّ يُحدّدا قياسات المَنزِلِ الهَندسيَّةَ وإذا كان الوالد يُسعِفُ ابنه في بناء البيتِ، فإنّ الابن هو الذي يَقومُ بحَفَرِ أساس البيت بنفسه.
ومعَ البَدءِ ببناء المَنازِلِ تَبدأُ نِساء القرية بالحديث عَن هَذَا الزَّواجِ المُنتظَرِ، وَبِالتَّسَاؤلِ عَنِ الفتاةِ الَّتِي يُريدُها هَذا الشّابُ أَو ذاكَ زَوجة له وتأخُذُ الفَتَياتُ بالتَّنزهِ جَماعاتٍ أمامَ المَنازِلِ الَّتِي تُشَادُ، وَقَدْ شَكَكْنَ الأَزهارَ في خُصورِهِنَّ، وَرَبَطْنَ الشّالَاتِ الخضراء على رؤوسِهِنَّ.
وطبيعي أن تكون كل فتاةٍ قَد عَرَفَتْ فِي سِرِّها الشاب الذي انتقاها عروساً لأحلامِهِ ولذا كانَتْ كلُّ فتاةٍ تَقفُ فِي نُزهتِها هَذِهِ بِضْعَ دقائقَ عِندَ المَوْقِعِ الَّذِي اختاره فارسُ أَحلامها، تَتَأَمَّلُ أَعْمَالَ بِناءِ بيتِها المُقْبِلِ، وتتحقَّقُ أَنَّهُ سَيَكون جاهزاً في الرَّبيع التالي، وهُو مَوْسِمُ الزواج التقليدي.
بَلَغَ أَنطون سن العشرينَ، فَهُو، إِذَا، مُرشّح للزواج. ولذا غادر القرية للعمل في منجم بعيدٍ عَنِ القرية، لجَمعِ المَالِ اللَّازِمِ لِبناءِ المَنزِلِ. لَقَذْ شَاءَ أَن يَجمع مالاً كافياً لبناء منزِلٍ كبيرٍ وجميلٍ يَقوقُ المَنازِلَ الأُخرى سعةً وجَمالاً، إرضاءً لفتاته الجميلة زاسكا ، كان حبه لها شديداً، ولذا أرادَ أَن يَكُونَ مَنزِلُه أَكبَرَ مِنْ أَيِّ مَنزِلٍ آخَرَ كَانَ قَد عَرَفَهَا أَيَّامَ الدّراسةِ. وَكَمْ حَمَلَ لها كُتُبَها إِلى مَنزِلِها، وكُمْ ساعدها في طريق العودة حينَ تَتساقط الثلوج، أَو تَهُبُّ الرِّياحُ عاصفة، واضعاً مِعْطَفَهُ الكَثيفَ على كتفيها وقاية لها. وكثيراً ما تحادثا في نُزُهاتٍ مُشتَرَكة تَقومُ بها عائلتاهُما إلى الحمامات البخارية. لقَدْ كانَ خِيارُ كلِّ مِنْهُما معروفاً جيداً، فهو لها، وهي له، ولَو أَنَّ الشَّاب لَم يَكُنْ قَد أَطلَعَ وَالدَهُ عَلَى رَعْبَتِهِ في أَن تَكونَ زاسكا له زَوجةً. حَتَّى إِنَّهُ لَم يَكُنْ قَد فَاتَحَ مَحبوبتَهُ نَفْسَها بهَذا الشأن بطريقةٍ مُباشرة وصريحة. وبَقيَ أَنطون غائباً مدَّةً زادَتْ عَنِ المألوف، فجاوَزَ غيابه السَّنةَ. كانَ حبُّه العميقُ لها يَدفعُه إِلى تشييد مَنزِل يُثيرُ غَيرةَ الفَتَيَاتِ الأَخْرَياتِ، ويَزِيدُ في مَقامِهِ بينَ الشُّبَانِ وَهكَذا قضى في عملِهِ بِضعَةَ عَشَرَ شهراً يَعْمَلُ بجد ونشاط، يَحرِمُ نَفْسَهُ فِي غُربَتِهِ مِن أَشياء كثيرة، إلا مِنَ التَّفكيرِ في فَتاتِهِ ذَاتِ الزَّنْدَينِ النَّاعَمَينِ والعُنُقِ البَضّ الأبيض، والشَّعْرِ الذَّهَبِيِّ المُرْسَلِ على العُنقِ والكتفين، والعَينَينِ الزَّرْقاوَينِ اللَّتَينِ كَانَ يَسبحُ في صفائهما ولا يَشبَعُ. كان يَرفُضُ أَن يَستريح، جاهداً أَن يَكونَ المالُ الَّذِي يُوفِّرُه كافياً لتحقيقِ أُمنِيَّتِهِ كُرْمى لِلمَحبوبة. ولِمَ لا يُحقِّقُ لها هَذا، وهي المُتفوِّقَةُ جَمالاً وعُذوبةً؟
... وأخيراً عادَ أَنطونُ بعدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شهراً، وَقَدْ شَحَبَ قَليلاً، لَكنَّهُ كَانَ يَحمِلُ مِنَ الدَّرَاهِم شَيئاً كثيراً. وسرعان ما اختار الوالد والابْنُ مَوقع البناء، وراحا معاً يَضَعان النّقاط اللازمة لتحديد هيكلية البيت الجديد ورُقْعَتِهِ. ولَحَظَ الوالدُ اتِّساع رقعة البيتِ، فقالَ لِابْنِهِ بلطف، وبصوت هادي:



  • أَلَيسَ المَنزِلُ كبيراً يا بُنَيَّ؟

  • لا
    وابتسم الوالد ابتسامة عريضةً ، وقَدْ أَدركَ ما يَجولُ في خاطِرِ وَلَدِهِ، وَأَضَافَ:

  • إذا يَجِبُ أَن يَكونَ الحَمامُ البُخاريُّ أَكبرَ مِنَ المألوف. ويَجبُ أيضاً أن يكونَ الإِسْطَبلُ كبيراً. يجب أن تُحافِظَ على التَّناسُبِ بَيْنَ أَقسامِهِ.
    وهَزَّ الوَلدُ برأسه علامةَ المُوافَقة.
    وكان طبيعيّاً أَن يَعْمِدا إلى إعادةِ الكَيْلِ والقِياسِ مَرَّةً بعدَ مَرّةٍ لتأتي الأبعاد متناسبةً مُتَناسِقةً. البيت الكبير لا بُدَّ له مِن حَمَّامٍ بُخاري كبير. ولا بُدَّ له أيضاً مِن إِسْطَبَلٍ كبير . يَجبُّ أَن يَحذَرا الخطأ، فالمَرْءُ لَا يَبني غَيْرَ بيتٍ واحد في حياته. ثُمَّ، أَلَيسَ المَالُ الَّذِي جَمَعَهُ أَنطونُ أكثرَ مِمَّا جَمَعَهُ أَيُّ شَابٌ آخَرَ؟
    وكثيراً ما كان أبناء القريةِ يَمُرُونَ بجانبِ هَذا الموقعِ ويَعْجَبونَ. وكثيرونَ مِنْهُم قَصَدوا مَنزِلَ زَاسْكا يُخبرونَها عَنِ المَنزلِ الكبير الذي يستعد أنطون لبنائه. وكثيرات هُنَّ الفَتَياتُ اللواتي داعَبْنَها ومازَحْنَهَا، مَحبَّةٌ بها، أو غَيرةً مِنها ، مُشيرات إلى أن البناء لَن يَكتمل في الربيع التالي، موعِدِ احتفالاتِ الزَّواج. ولكن زَاسْكا كانَتْ تَشِقُ بأَنطونَ ، وتَعلَمُ أَنَّ التَّأخير ناتج مِن مَشارِيعِهِ الكبيرة وآماله العِظامِ. أَلَيسَ هَذا هو ما لَحَظَتْهُ في فَ يوم غادر القرية للعمل في مَنْجَم بعيد، ويوم عاد بعد طول غياب وفي بَرِيقِ عَيْنَيْهِ وَهْجُ الِانْتِصارِ ؟
    لقَدْ غاظَها وآلَمَها أَن يَتندَّرَ الشَّبَانُ مُتَسائلينَ عمّا يَدورُ في ذهنِ أَنطونَ، مُشكِّكينَ بِإِخلاصِهِ زَاسْكا. وأَثَارَها أَنْ يَتَساءَلُوا هَلِ المَالُ الَّذِي جَمَعَهُ كَافٍ لِإتمامِ مثل هذا البيت؟ ولكثرة ما سَمِعَتْ مِن سُخْرِيَّةِ الشَّبَانِ وانتقادهم أنطون على تأخُرِهِ في البناء، كادَ الخوفُ أَن يُداخِلَ قلبها ، لولا أنَّ شاباً رصينًا وَصَفَ لها مُتَابَرَةَ أنطون وإصراره في غُربَتِهِ، ورَوى لها كيفَ أَنَّ أَنطونَ كانَ لا يُضيعُ أَي وقت أو مال غير مبالٍ إِلَّا باليوم الذي تتضحمُ فيه جيوبه بالمال ليعود به إلى قريته لبناء البيت. وفي حين راع عددٌ مِنَ الشَّبَانِ يَشعرونَ بِالنَّدَمِ على ما أضاعوهُ مِن وقتٍ ومال، وبالحَجَلِ والحَسَدِ لكونهم عاجزينَ عَن مُنافَسة أنطونَ، كَانَتْ زاسكا تَقْصِدُ مَوقع البيتِ لِتَرى التخطيط. سَرَّها ما شَهِدَتْ وأَحسَّتُ بالزَّهْوِ والفَخْرِ، لكنَّها لَم تَستَطِعْ أَنْ تَطرُدَ كُليّاً ما تَسرَّبَ إِلَيْهَا مِن مَخاوف.
    وفي اليوم التالي بَداً أَنطونُ بالحَفْرِ، وراح والده يَرْقُبُه وهُو يَعْمَلُ بِنَشَاطِ . وكانَ يُضَاعِفُ هَذَا النَّشَاطَ إِذا مر به شخص فحدَّثَهُ، وأَضاعَ عَلَيْهِ ولَو دقائق قليلةً مِن وقتِه. ومَضَتْ أيام وأسابيع كانَتْ فيها زاسكا تَقصِدُ الموقع في المساء لترى ما تَحقَّقَ مِنَ البِناءِ. وكانَتْ تُحِسُّ بشيءٍ مِنَ الخَيبَةِ والأَلمِ حِينَ تَرى مَنازِلَ أُخرى صغيرةً أخذَتْ تَرتفعُ عاليةً، في حين أَنَّ مَنزِلَ أَنطونَ، مَنزِلَها في المُستقبل القريبِ، لَم يَرتفعُ مِثْلَهَا. لَكنَّهُ


أكثر منها اتساعاً، وأجمل موقعاً، ومع أن البناء قد تَأَخَّرَ ، إِلَّا أَنَّ أَنطونَ استطاع أن يُواصِل العمل في فصل الشتاء القاسي لتعويض هَذا التَّأخير . فامثلاً قلب زاسكا زَهْواً وإعجاباً، وزادَتْ حبّاً لِفَتاها ، وقرأَ أَنطونُ زَهْوَها وإعجابها في عينيها، وزادَ إصراراً على أن يكون بيته أكبرَ مَنزِلٍ. غيرَ أَنَّ المالَ الَّذِي جَمَعَهُ كَانَ يَتَناقِصُ بسرعة.
ورَفَضَ أَنطونُ أَن يَستعمِلَ الخَشبَ العادي للنوافذ والسَّطحِ، فَقَصد غابة بعيدةً تَخْتلِفُ عَنِ الغاباتِ العاديَّةِ المألوفة، ليأتي بنوع جديدٍ مِنَ الخَشَبِ، أَصلبَ وأَمتَنَ مِنَ الخَشبِ العادي، ولكنَّهُ أَكثرُ كُلْفَةً!
مَرَّةً أُخرى عادَ الشَّبَانُ لِلتَّندرِ والتسَاوْلِ والشَّلِّ. ومَرّةً أُخرى أخذَتِ الفَتَيَاتُ بالحديثِ عَن قُربِ مَوْسِمِ الزَّواجِ فصلُ الرَّبِيعِ يَقترِبُ بسُرعةٍ، وَمَنزِلُ أَنطونَ لَن يَكتمِلَ هَذَا الرَّبِيعَ لَقَدْ تَبَرَّعَ أَنطونُ بِمَبلغ كبيرٍ مِنَ المالِ في حفلة لدار الأيتام، وَفْقَ مَا تَقضي به عادةُ القرية في مِثل هَذِهِ المُناسَبَةِ، فَكانَ بهذا أَسخى مِن أَترَابِهِ الَّذِينَ تَبرَّعُوا بِمبالغ صغيرة. وأُعجبت . زاسكا، ولكنْ تَوَقُفَ أنطونَ عَنِ البِناءِ أَثَارَ شمائَةَ أَمْرائِهِ وحُسّادِه. كيفَ تَرُدُّ زاسكا عَلى هَذِهِ الشَّماتة؟ إنها تُدرِكَ تَمامَ الإدراكِ أَنَّ التَّوقُفَ عَنِ الْعَمَلِ كَانَ نتيجةَ غيابِهِ لجَلب نوع متين وصلبٍ مِنَ الخَشبِ. ولكن الشَّبَانَ الآخَرينَ المُقبلين على الزَّواج كادوا يُنجزونَ بناء منازلهم. والفَتَيَاتُ الأُخْرَياتُ سَيَتزوَّجْنَ بعد أسابيع قليلةٍ. أَمَّا مَنزِلُ أَنطونَ فَلَنْ يَكتمِلَ فِي الرَّبِيعِ، على ما يبدو !
ولَحَظَ أَنطون نظرةً جديدةً في عَينَي فَتاتِهِ ظَنَّها، على ما قال لوالده، تعبيراً عَن شَدَّةِ حبّها له وتَعلَّقِها . ولَكنَّ والدَتَهُ نبَّهتُهُ إلى وُجوبِ الإِسراع في العمل. كانَتْ تَرى أَنَّ الرَّبيعَ أُوشَكَ أَن يُطلَّ، وَكَانَتْ تَخشى أَن يَنْفَدَ صَبْرُ الفتاةِ فَتَتَحَلَّى عَنِ ابْنِهَا. وهُنا قَالَ أَنطونُ معلقاً على تنبيه والديه :



  • النساءُ لَا يَعْرِفْنَ شَيئاً عَن مِثْلِ هَذِهِ الْأُمورِ !
    وسكنت والدته، وعادت تجلس قُربَ النَّارِ، وهي تعجب من حماقة الرَّجالِ وجَهلِهِم في هَذِهِ الأُمور وادعائهم معرفة كلِّ شيءٍ!
    ويوماً بعد يوم بدأت زاشكا ترى في هَذا البطء إهانة لها. أَتُراهُ لا يُحبها؟ ثُمَّ رَاحَتْ تَتَجَنَّبُ المرورأمام موقع البناء.
    وأما أنطون فأعماه حبُّه لفتاتِهِ عَن مُلاحظةِ التَّغَيرِ الذي طرأ عليها . لَقَدْ أَعماهُ فَرَحُه عَن رُوْيَةِ حقيقة ما كان مكتوباً في نَظَراتِها. لقَدْ ظَنَّ أَنَّهُ بِعَمَلِهِ المَدروس المُتَقَنِ البطيء يَزِيدُ حبها له وإعجابها به. غَرَّهُ حبه لها وحرصه على أَن يَكونَ بيته كبيراً ومتيناً، صامداً في وَجْهِ أي عاصفة. وجَهِلَ مَا يَعْتَمِلُ في قلبِ زاشكا
    في ويضطرِبُ فيه مِن استياء للتَّأخيرِ وحِرمانِها مِن مُشارَكَةِ الفتياتِ الأُخرَياتِ في فرحَةِ العُرسِ الَّتِي تَنتَظِرُها بفارغ صَبرٍ . أحلامُهنَّ تَتحقَّقُ أَمَّا أَحلامُها؟ أَلَيسَ البُطْءُ دليلاً على أنَّ أَنطونَ لا يُحبُّها كما يُحبُّ الْآخَرُونَ فَتَيَاتِهِم؟
    أليس في البطء ما يُسيء إلى السعادة؟
    وأقبلَ الرَّبيعُ المَنازِلُ الأُخرى بالتُ جاهزة فرح غامر . َلقَدْ أَعْدَدْنَ العُدَّةَ أَثناء ليالي الشتاء. أما والسبان باتوا يَتَهيَّرُونَ ليوم العُرس. والفَتَياتُ كُن في مَنزِلُ أَنطونَ فَقَدْ ظَلَّ غيرَ مُكتمِلٍ، وهَذا ما زادَ في غُصَّةِ زاسكا وشعورها بالحُزن العميق.
    وفي هذا الربيع عاد إلى القريةِ شَابٌ كَانَ قَد غَادَرَها قبل سنواتٍ ليَعيش في المدينة، عازفاً بِعودِهِ في حَفَلاتِ الزَّواج ومُناسبات الأفراح، يُدعى كانتا. كانَ أَسمر الوجه وحيدا بينَ شَبّان القرية بهذا اللون الناضج شاحب اللون قليلاً، ذا شاربَينِ رقيقين، يتصفُ برقةٍ كرِفَّةِ موسيقاه، وبعذوبة كعُذوبةِ اللَّحنِ الَّذِي يَنطلقُ مِنْ عودِهِ حِينَ يُداعِبُه بريشته. وكانَتْ عَودتُه مُصادفةً ليومِ العُرسِ الأَوَّلِ. لَم يَكُنْ قَدْ جَمَعَ مَالاً مِن عَمِلِهِ، لكنَّه كان معروفاً في دنيا الفنّ، وهي غيرُ دُنيا العمل العادي الذي لا يَستهدِفُ غيرَ بِناءِ المَساكِنِ لايواء الأزواج.
    كانَتْ شُهْرَتُه قَدْ مَلأَتِ المدينةَ الَّتِي قَضى فيها سَنَواتِ الغُربةِ، وسَبَقَتْهُ إِلى بَلدتِهِ. وتَردَّدَ صَاحِبُ العرسِ الأَوَّلِ في دعوتِهِ لِلعزف في الاحتفال، لكنه عاد فدعاه حينَ عَلِمَ أنَّ موسيقاه ستَكونُ مُغرية لأبناء القرية جميعاً لحضور حفلة قِرانِهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ يَجهَلُ أَنَّ بَينَ زُمَلائِهِ مَنْ يُحِبُّ الفن.
    والواقع أن العُرس كان حافلاً، حضَرَهُ الشَّبَانُ كلُّهم بمن فيهم أنطون، وحضَرَتْهُ الفَتَيَاتُ كلُّهنَّ بمَن فيهِنَّ زاسكا. فالعروسان عزيزانِ، ثُمَّ إِنَّهَا مُناسَبَةٌ لِلقاءِ الأحباب إلّا ،زاسكا، فقَدْ تَعمَّدَتْ أَن لا تَقَعَ عَيْناها على أنطونَ . كانَتْ حائرةً بينَ حُبِّ أكيد تأثْرَ بتَصرُّفاتِ الحبيب البطيئة، وغيرتِها مِن صَواحِبها اللواتي ضَمِنَّ المَنازِلَ وحَدَّدْنَ مواعيدَ العُرس، واهتمامها بكانتا الذي كانَتْ أَنغام موسيقاه تُلامِسُ أَوتارَ قَلبِها الحائرِ. لقَدِ استطاع أَن يَخلُقَ جوّاً جديداً جَعَلَ الَّذِينَ تَردَّدوا في دَعْوتِهِ بادئ الأمرِ يَشعرون بالخطا في تَردُّدِهِمْ، فقاموا كلُّهم يَدعونَهُ إِلى الأَعراس التالية.
    وظَنَّ أَنطونُ أَنَّ زاسْكا تميلُ بَنَظرِها عَنْهُ وتَعمَّدُ تَجاهُلَهُ بُغية إِثَارِةِ غَيرِتِهِ. فَانسَحَبَ مِنَ الاحتفال وهُوَ يقول لنفسه إنَّها مُخطئة بهذا الظَّن، لأنه لن يغار من هذه التصرُّفات. أمّا المُحِبّونَ الباقون فكان جو المرح والنَّشوة يُثيرُهُم ويَدفَعُهُم لِلإجادة في الرقص والغناء، وتبادل الأحاديث والنظراتِ العاطفية. لَقَدْ أَدخلَ هَذَا الفنّانُ عُنصُراً جديداً على حياتهم.
    وتحدث كانتا بأناقة عن المدينة التي عاش فيها، وعَن حَفَلاتِ الزَّواج هُناكَ، وَعَنِ الْأَصْواءِ والمَساكِنِ فيها، وعَنِ الفَتَيَاتِ والشُّبَانِ. وكانَ طبيعياً أَن تَحْفُقَ القُلوبُ لسَماعِهِ. وكأنَّ الحُبَّ الَّذِي عَرَفَتْهُ زاسكا فَتحَ قلبها على دنيا جديدة. ولكن... أَينَ أنطونُ؟ كَانَتْ كالثَّمَرةِ الناضجة، فهَلْ تَكونُ أَصابع الموسيقار هي الَّتِي تَقطِفُها بَدَلَ أَصابع أَنطونَ؟
    وانتهى هذا الاحتفال... وتَوالَتِ احتفالات أُخرى تَجنَّبَها أَنطونُ، وتَجنَّبَتْ زاسكا حُضورها. كانَ حُبُّها لأنطونَ أَقوى من استيائها مِنْهُ، وأقوى أيضاً مِن إغراءاتِ كانتا وموسيقاه وأحاديثِهِ، فَفَضَّلَتِ الانتظار .... ومَضَتْ أسابيع... أَنطونُ يُواصِلُ العَمَلَ لِإنجاز
    المسكن، وزاسْكا تُلازِمُ مَنزِلَها إلى جانب والدتها، وكاننا يتساءلُ في نَفسِهِ هَل كَانَتْ ثَروتُه الفنية كافية لإشباع طموحات زاشكا واستمالتها إليه وقبولها به زَوجاً؟ لَم يَستَطِعْ أَن يَجمع مالاً ليَبني بيتاً، فَهَلْ تَقْبلُ به زاسكا؟ وراحَتْ أحاديث أَهلِ القريةِ تدور حول الثلاثة: فمِن قائِلٍ إِنَّ أَنطون أساء إلى زاسْكا ، ومِن قائلٍ إِنَّ زاسْكا لَن تَغفِرَ لَه إِساءَتَهُ، ولذا ستَكونُ لِكانتا، ومِن قائل إن كانتا لَن يَحظى بَيَدِ زاسْكا لَعَجْزِهِ عَن بِناءِ
    منزل.
    ولكن كانتا قرَّرَ في النَّهايَةِ أَن يَتَقَدَّمَ مِن زاسْكا طالباً يَدَها، مُقدِّماً لها ما حقَّقَهُ من نجاح في دنيا الفن، مُصوّراً لها سعادتهما، أو شقاءَهُما، معاً ، بكَلِماتٍ تَزيدُ السَّعادة حلاوة، أو تُضفي على الشَّقاءِ مُتعَةَ الرّضى به. ماذا تفعلُ زاسْكا في مِثلِ هَذهِ الحالةِ؟ وَهَل تَنْسى أنطونَ؟ وَهَل تَجذِبُها مُتعَةُ الفنِّ؟
    الواقع أنَّ أنطونَ جدَّ حَتَّى أَنجِزَ بِنَاءَ المَسكَنِ. إِنَّ قلبه العامر بالحُبِّ دَفَعَهُ إلى إنجاز البناءِ مَعَ انتهاء فصل الربيع كانَ واثقاً بانتصاره. وحمل مفتاح البيت الجديد ولو متأخراً قليلا، وحمل قلبه، وقصد زاسْكا طالباً تحديد موعِدِ الزَّواجِ، وَعَرَفَتْ زاسْكا معنى حُبْ أنطونَ لها. عَرَفَتِ الحُبَّ الحقيقي الذي كانَ يَحمله لها حين كانَ يَعْمَلُ على بِناءِ أَفضلِ مَنزِل وفي يومِ الزَّواجِ اجْتَمَع أهل القرية كما في العادة. وجاءَ الفنّانُ كانتا يَعزِفُ لِلعروسَيْنِ السَّعِيدَينِ أجمل ما عِندَهُ مِن أَلْحانِ. لَم يَكُنْ يَدفَعُه إِلى هَذَا غَيرُ تقديرِهِ واحترامِهِ لحُبِّ زاسْكا لأنطونَ، فَإِنَّ إخلاصها وصَبرَها دَفَعاهُ إلى الإبداع إرضاءً للفنّ وللحُبِّ. أما أنطون وزاسْكا فكانَتْ سعادتُهُما مُزدَوِجةً : ثبات على حُبِّ، وعُرسٌ جَمَعَ المَسكَنَ والفَنَّ اللَّذَينِ بِهِمَا تُوجَ الحُبُّ الراسخ.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

البداية كانت مع...

البداية كانت مع القصة الحزينة والتى سطر بطولتها شاب لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، تمسك بالمبادئ وا...

باكرام، سأقترح ...

باكرام، سأقترح اسم "مملكة الإيمان". سبب اختياري لهذا الاسم يستند إلى عدة عوامل: 1. **القوة الدينية...

Le but de cette...

Le but de cette propriété est de mesurer le rapport de masse volumique de l’huile, Moteur et le liqu...

بالطبع! سأقوم ب...

بالطبع! سأقوم بتوجيهك في بناء مقال حول أنظمة التشغيل. **عنوان المقال:** "أنظمة التشغيل: محركات الحو...

للتسويق بالمحتو...

للتسويق بالمحتوى أثر إيجابي على السلوك الشرائي للمستهلك في المتاجر الغذائية والاستهلاكية في محافظة ر...

تعدير بنية جسم ...

تعدير بنية جسم الإنسان وحدة متكاملة دقيقة مرتبطة ارتباطا قويا بالنفس فهما متلازمان لأن التحكم بالذات...

عندما ال تظهر "...

عندما ال تظهر "آن" في وجبة اإلفطار في صباح اليوم التالي ، يجب على "ماريال" أن تشرح غيابها لماثيو ، ا...

بعد‎ طموح الإدا...

بعد‎ طموح الإدارة العليا وتطلعاتها من أقوى العوامل المحفزة للدخول للاسواق ‎الدولية. فالطوحات الشخصة ...

ج التي توصلت إل...

ج التي توصلت إليها الدراسة: تبين أن للتجارة الإلكترونية بأبعادها مجتمعة أثرا إيجابيا على السلوك الش...

أن هذه الشهادة ...

أن هذه الشهادة قالها عن علم وصدق وإخلاص وتوبة صادقة، فمحت هذه الذنوب وقضت عليها، فقد تاب عند الموت و...

Riders to the S...

Riders to the Sea (John Millington Synge) Introduction The one-act play by J.M. Synge, "Riders to ...

مساعدة الطلبة ع...

مساعدة الطلبة على الاستثمار المبكر لمهاراتهم وميولهم واتجاهاتهم وفق أدوات علمية موثوقة ومحكمة. تعزي...