Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (34%)

ذكر سلطنة يمين الدولة محمود بن سبكتكين الثالث من ملوكهم وهو أول من تلقب بالسلطان ، ولم يتلقب بها أحد وهو قال : ولم بلغه خبر وفاة والده كان بنيسابور ، ثم أرسل إلى أخيه إسماعيل يعزيه ، ويعرفه أن أباه إنما عهد إليه بالملك لبعده عنه ، ويذكر له ما يتعين من تقديم الكبير وطلب منه الوفاق ، وإنفاذ ما يخصه من ميراث أبيه ، وترددت الرسائل بينهما ، فلم تستقر قاعدة فسار محمود عن نيسابور إلى هراة ) عازما على قصد غزنة ، واجتمع بعمه بغراجق فساعده على إسماعيل ، وسار إلى بست ، نصر فتبعه وأعانه ، وسار إلى غزنة ، وبلغ الخبر إسماعيل وهو ببلخ ، فسار عنها مُجدا فسبق أخاه محمودًا إلى غزنة ، وكان الأمراء الذين مع إسماعيل قد كاتبوا أخاه محمودًا يستدعونه ، ووعدوه الانحياز إليه فجد في السير ، والتقى هو وإسماعيل بظاهر غزنة واقتتلا قتالاً شديدًا فانهزم إسماعيل ، واعتصم بقلعة غزنة ، محمود واستنزله منها بأمان ، فلما نزل إليه أكرمه ، وعاد إلى بلخ واستقامت له الممالك ،كان سبب ذکر استيلاء يمين الدولة محمود على خراسان و انتزاعها من السامانية ( 1 ) ( ۲ ) ذلك أن فائقا وبكتوزون مدبري دولة الأمير منصور بن نوح قبضا عليه ، وسملاه كما قدمنا ذكر ذلك في أخبار السامانية فسار السلطان محمود نحوهما ، والتقوا بمرو في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة ، واقتتلوا قتالاً شديدا ، فلحق عبد الملك ، وقصد بكتوزون نيسابور ، ثم قصد نواحي جُرجان فأرسل محمود خلفه أرسلان الجاذب ، فاتبعه حتى ألحقه بجرجان وعاد فاستخلفه محمود على طوس ، وسار إلى هراة ، فلما علم بکتوزون بمسير محمود عن نيسابور عاد إليها وملكها ، فهرب منه إلى بخارى بعد أن نهب مرو على طريقه واستقر ملك محمود بخراسان وزال ملك السامانية منها ، وخطب بها للقادر بالله وكان يخطب بها إلى هذا التاريخ للطائع بعد خلعه وولی محمود قيادة جيوش خراسان أخاه نصرا وجعله بنيسابور ، وسار هو إلى بلخ ، أبيه واتخذها دار مُلك واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته كآل قريغون أصحاب الجَوْزَجَان ( ٣ ) . وكالشار الساه صاحب غَرْشِستان ( ٤ ) ، والشار : لقب لمن ملك غَرْشستان ككسرى الفرس ، وفي سنة تسعين وثلاثمائة قتل بغراجق عم يمين الدولة ؛ قتله طاهر بن خلف أحمد بن صاحب سجستان في حرب بينهما فسار يمين الدولة نحو خلف بن أحمد أبو طاهر ، فتحصن منه بحصن أصهنه ، فأجابه إلى ما طلب ، وأخذ رهائنه على ما تقرر من المال .ذكر غزوة الهند وفي المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أحب يمين الدولة أن يغزو الهند ويجعل ذلك كفارة لقتاله المسلمين ، فسار ونزل على مدينة برشور ، والتقى هو مع مقتلة وجيبال ملك الهند واقتتلوا إلى نصف النهار ، وأسر ملكهم جيبال وجماعة كثيرة من أهله وعشيرته ، وغنم المسلمون أموالهم وجواهرهم وأخذ من عنق جيبال قلادة من الجوهر قومت بمائتي ألف دينار ، وأخذ أمثالها من أعناق مقدميه الأسرى ، وغنم المسلمون خمسمائة ألف من الرقيق ، وفتح كثيرًا من بلاد الهند ثم أحب أن يطلق جيبالاً ليراه الهنود في شعار الذل ، فأطلقه على مال قرره ، عليه فأدى جيبال المال ومن عادة الهنود أنه من حصل منهم أيدي المسلمين أسيرًا لم يُعقد له بعدها رئاسة فلما رأى جيبال حاله بعد خلاصه حلق رأسه ، في ثم سار محمود نحو ويهند ( ۱ ) ، ثم بلغه أن طائفة من الهند اجتمعوا في شعاب تلك الجبال فجهز إليهم من عساكره من قتلهم ، وعاد إلى غزنة مؤيدا منصورًا سالما ظافرا . ذکر ملکه سجستان خلف وفي سنة تسعين وثلاثمائة ملك يمين الدولة سجستان ( ۲ ) ، وكان سبب ذلك أن يمين الدولة لما رحل عن خلف بعد مصالحته على المال كما قدمناه عَهِدَ خلفٌ لولده طاهر ، وانقطع للاشتغال بالعلم ، وإنما فعل ذلك ليظهر ليمين الدولة تخليه طمعه عن بلاده الملك لينقطع عن فعفّه ولده ، واستقل بالملك ، فأخذ أبوه يلاطفه وادعى المرض ، فزاره ابنه طاهر ، وسجنه إلى أن مات في سجنه فتغير العسكر لذلك ، وكاتبوا يمين الدولة في تسليم سجستان إليه ، وهو في حصن الطاق وهذا الحصن له سبعة أسوار محكمة يحيط بها خندق عريض لا يعبر إليها ( 1 ) إلا من جسر منه فرفع الجسر وأمر يمين الدولة بطم الخندق بالأخشاب والتراب ، فطموا منه ما يعبرون عليه إلى السور ، وتقدم الفيل الكبير إلى باب السور واقتلعه بنابيه ، وملك سورًا بعد ، وخير خلفا في المقام حيث شاء فاختار أرض الجوزجان ، ثم بلغ يمين الدولة أنه كاتب إيلك خان ملك ما وارء النهر يحثه على قصد يمين الدولة ، فنقله إلى جردين ، فكان بها إلى أن مات في شهر رجب سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، فسلم محمود جميع ما خلفه إلى ولده أبي حفص ، وله كتاب صنفه في تفسير القرآن العظيم من أكبر كتب التفاسير . قال : ولما ملك يمين الدولة سجستان استخلف عليها أميرًا كبيرًا من أمرائه يسمّى قنجي الحاجب ، ثم أقطعها لأخيها نصر بن سبكتكين مضافة إلى نيسابور . ذكر غزوة بهاطية ، وفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة غزا يمين الدولة بهاطيه من أعمال الهند وهي وراء المولتان ( ۳ ) ، وصاحبها بجراء وهي مدينة حصينة عالية السور يحيطها خندق عميق فامتنع صاحبها ، وانهزم في اليوم الرابع وقصد المدينة ، فسبقه المسلمون إلى بابها ، وملكوها فهرب بخاصته إلى رؤوس الجبال ، فجهز إليه يمين الدولة من يقاتله ، فلما رأى الغلبة قتل نفسه بخنجر ، يمين الدولة ببهاطية حتى أصلح أحوالها ، وعاد عنها بعد أن ترك بها من يثق به ، ومن يُعَلِّم من أسلم شرائع الإسلام ولقي في عوده شدة كثيرة من كثرة الأمطار ، وغرق من عسكره خلق كثير . ذكر غزوة المولتان وأقام وفي سنة ست وتسعين وثلاثمائة بلغ يمين الدولة أن أبا الفتوح والي المولتان خبث اعتقاده ، ونُسب إلى الإلحاد ، وأنه دعا أهلَ ولايته إلى ذلك ، فسار نحوه فرأى الأنهار التي في طريقه كثيرة الزيادة لا سيما سيحون ( ١ ) فأرسل إلى آننديال عظيم الهند يطلب إذنه في العبور ببلاده إلى المولتان ، فلم يجب إلى ذلك ، به وجاس خلال بلاده وأكثر فيها النهب والقتل والإحراق ، ففر آننديال بين يديه وتبعه إلى أن وصل إلى قشمير ( A ) ، ( ۳ ) سمع الفتوح بمقدم يمين الدولة علم العجز عنه ، فنقل أمواله إلى سرنديب المولتان ، فوصل يمين الدولة إليها وملكها عنوة ، وألزم أهلها عشرين ألف عقوبة لعصيانهم . ( ٤ ) ذكر غزوة كواكير أبو وأخلى درهم قال : ثم سار إلى قلعة كواكير وكان صاحبها يعرف ببيدا ، وكان بها ستمائة صنم فاقتحمها وحرق الأصنام ، فهرب صاحبها إلى قلعته المعروفة « بكالنجار » ، وهي حصن عظيم يسع خمسمائة ألف إنسان ، وفيه من الأقوات ما يكفي الجميع مدة ، فلما صار منه على سبعة فراسخ رأى من الغياض ما يمنعه عن سلوك الطريق ، فأمر بقطعها ، ورأى في الطريق واديًا عظيم العمق بعيد القعر ، فأمر أن يطم بالجلود المملوءة بالتراب فطموه ، ووصلوا القلعة فحاصرها ثلاثة وأربعين يوما فراسله صاحبها في الصلح ، ثم بلغه عن خراسان اختلاف بسبب قصد إيلك خان ، فصالحه على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف من ( ٥ ) الفضة ، ولبس خلعة الدولة بعد أن استعفى یمین من شد المنطقة ( ٦ ) . وشدها وقطع خنصره ، من فيما يعتقدونه على عادة الهنود ، وعاد يمين الدولة إلى خراسان .منهم ذكر عبور عسكر إيلك خان إلى خراسان كان يمين الدولة لما ملك خراسان من السامانية وملك إيلك خان ما وراء النهر تراسلا ، وتوافقا وتزوج يمين الدولة ابنة إيلك خان وانعقدت بينهما مصاهرة ومصالحة ، فلم تزل السعاة حتى أفسدوا ذات بينهما ، وكتم إيلك خان ما في نفسه ، فلما سار يمين الدولة إلى المولتان اغتنم إيلك خان غيبته عن البلاد ، فسير سباشي تكين صاحب جيشه إلى خراسان وذلك في سنة ست وتسعين وثلاثمائة في معظم جنده ، وجهز أخاه جعفر تكين إلى بلخ في عدة من الأمراء ، وكان يمين الدولة قد جعل بهراة أميرًا من أمرائه يقال له أرسلان الجاذب وأمره إذا ظهر عليه مخالف ينحاز إلى غزنة ، فلما عبر سباشي تكين إلى خراسان سار أرسلان إلى غزنة ، وملك سباشي هراة وأرسل إلى نيسابور من استولى عليها فوصلت الأخبار يمين الدولة وهو بالهند فعاد لا يلوي على شيء ، فلما قارب غزنة فرق الأموال في عساكره ، وقواهم واستنفر الأتراك الخَلَجية ، فجاءه منهم خلق كثير ، فسار بهم إلى نحو بلخ ، وبها جعفر تكين أخو إيلك ، فعبر إلى ترمذ ( ۱ ) ونزل نحو « مرو » ليعبر النهر ، التركمان فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة . فتبعه عسكر يمين الدولة ، فوصل إلى جرجان ، فمنعه من قصده وأسر أخو سباشي تكين وجماعة من قواده ، ونجا هو في بعض أصحابه فعبر النهر وانهزم من كان ببلخ مع جعفر تكين ، ، ( 1 ) ; ذكر انهزام إيلك خان من يمين الدولة قال : ولما أخرج يمين الدولة عساكر إيلك خان من خراسان راسل إيلك خان قدر خان بن بغراخان ملك الخُتَن ( ۲ ) لقرابة بينهما ، واستعان به فاستنفر الترك من أقاصي بلادها وسار نحو ، خراسان واجتمع هو وإيلك خان فعبروا النهر ، الدولة وهو بطخارستان فسبقهما إلى بلخ واستعد للحرب ، وجمعالترك الغزية والخلج والهند والأفغانية والغزنوية ، فعسكر على فرسخين منها بمكان فسيح وقدم إيلك ، وقدر خان في عساكرهما ، واقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل فلما كان الغد برز بعضهم لبعض ، فاعتزل يمين الدولة على نشز ( ۱ ) مرتفع ينظر إلى الحرب ، وعفر وجهه على الصعيد تواضعًا الله تعالى وسأل النصر والظفر ، ثم حمل بفيلته على قلب عسكر إيلك ، وتبعهم أصحاب يمين الدولة يقتلون ، ويغنمون إلى أن عبروا النهر وأكثر الشراء القول في تهنئة يمين الدولة بهذا الفتح ، وذلك في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة . ذكر غزوه الهند وعوده قال : ولما فرغ يمين الدولة من حرب الترك بلغه أن بعض أولاد ملوك الهند واسمه نواسد ، شاه وكان قد أسلم على يد يمين الدولة واستخلفه على بعض ما افتتحه من بلادهم ارتد عن الإسلام وعاد إلى الكفر ، فحين بلغ الهندي قربه ( ۲ ) فرَّ من بين يديه واستعاد يمين الدولة البلاد واستخلف عليها بعض أصحابه ، وعاد إلى غزنة في السنة المذكورة . ذكر غزوة بهيم نغز وما غنمه من الأموال وغيرها وفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة استعد يمين الدولة لغزو الهند وسار في شهر الآخر من السنة ، فانتهى إلى شاطيء نهر ، ویهند فلاقاه هناك ابرهمن نال بن ربيع آننديال في جيوش الهند فاقتتلوا مليا من النهار ، وكادت الهند تظفر بالمسلمين ، ثم كان الظفر للمسلمين فانهزم الهند على أعقابهم وأخذهم السيف ، وتبع يمين الدولة الملك حتى بلغ بهيم ، نغر وهي على جبل عال كان الهند قد جعلوها خزانة لصنمهم الأعظم ، فينقلون إليها أنواع الذخائر قرنًا بعد ، قرن وهم يرون ذلك تقربا لآلهتهم وعبادة ، فقاتلهم عليها وحصرها ووالى الحصار ، فلما رأى الهنود كثرة جموعه وشدة قتاله جبنوا ، فصعد يمين الدولة إليه في خواص أصحابه وثقاته ، فأخذ من الجواهر ما لا يحد ، ومن دراهم تسعين ألف ألف درهم شاهيه ومن الأواني الذهب والفضة سبعمائة ألف وأربعمائة من . وكان في الحصن بيت مملوء من الفضة طوله ثلاثون ذراعا وعرضه خمسة عشر ذراعا ، فأخذ جميع ما فيه إلى غير ذلك من الأمتعة ، وعاد إلى غزنة بهذه الغنائم ، ففرش الجواهر في صحن داره وكان قد اجتمع عنده رسل الملوك فشاهدوا ما لم يسمعوا بمثله . وفي سنة أربعمائة غزا يمين الدولة الهند ، فلما رأى ملك الهند أنه لا قوة له به راسله في الصلح والهدنة على مال يؤديه إليه وخمسين فيلاً ، وأن يكون له في خدمة يمين الدولة ألفا فارس لا يزالون ، ذكر غزوة بلاد الغور واستيلائه عليها : ذلك ، وبلاد الغور تجاور غزنة وهي جبال منيعة ومضايق ، وتعديهم يقطعون الطريق ويخيفون السبيل ، فأنف يمين الدولة من فسار إليهم في سنة إحدى وأربعمائة وقاتلهم أشد قتال ثم سار إلى عظيم الغورية المعروف بابن سُورَى وهو بمدينة آهنكران فبرز من المدينة في عشرة آلاف مقاتل فقاتلهم إلى أن انتصف النهار ، فأمر يمين الدولة أن ينهزم المسلمون ، فانهزموا وتبعهم ابن سورى حتى أبعدوا عن المدينة ثم عطف المسلمون على الغورية ، وأسر ابن سُورَى ، وأظهر يمين الدولة شعائر الإسلام في بلاد الغور ، وجعل عندهم من يعلمهم شعائر الإسلام وشرائعهم . ثم سار إلى طائفة أخرى من الكفار ، فقطع مفازة ( ۱ ) رمل ، ولحق عساكره عطش عظيم حتى كادوا يهلكون بسببه فأرسل الله تعالى عليهم مطرا سقاهم ، فوصلوا إلى الكفار ومعهم ستمائة ، فقاتلهم أشد قتال كان الظفر فيه للمسلمين ، وانهزم الكفار وأخذ غنائمهم وعاد سالما . ذکر ملکه قصدار . وفي سنة اثنتين وأربعمائة ملك يمين الدولة قصدار وسبب ذلك أن ملكها كان قد صالحه على قطيعة ( ۲ ) في ل سنة يؤديها إلى يمين الدولة ، ثم قطعها اغترارا بحصانة بلده ، وكثرة المضايق في الطريق إليه واحتمى بإيلك ، خان وكان يمين الدولة إذاالدولة قصد المسير إليه رجع عن ذلك إبقاء لمودة إيلك خان ، فلما فسد ما بينهما سار إليها في جمادى الأولى من السنة فسبق خبره ، فلم يشعر صاحبها إلا وعسكر يمين قد أحاط به ليلاً ، الأمان فأجابه إليه وأخذ منه ما كان قد اجتمع عنده من المال ، وأقره على ولايته وعاد وفي سنة ثلاث وأربعمائة كانت وفاة إيلك خان ، وولاية أخيه طغان خان وكان قد تجهز للعود إلى خراسان لقتال يمين الدولة . فلما مات راسل طغان خان يمين الدولة ، واتفقا أن كلا منهما يستقل بغزو من يليه من الكفار ، فكان يمين الدولة يقاتل الهند وطغان خان يقاتل الكفار . ذكر فتح ناردین وفي سنة أربع وأربعمائة سار يمين الدولة إلى الهند فسار شهرين حتى قارب مقصده ، فسمع عظيم الهند به فجمع ، وبرز إلى جبل صعب المرتقى ، وطاول المسلمين وكتب إلى الهنود فاجتمع إليه كل من حمل السلاح ، فلما تكاملت عدته نزل من الجبل والتقوا ، واقتتلوا واشتد القتال فهزمهم المسلمون وأكثروا فيهم القتل وغنموا ما معهم من مال وفيلة وسلاح ولما عاد إلى غزنة أرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشورًا وعهدًا بولاية خراسان وما بيده من الممالك ، فكتب له ولقب نظام الدين . ذكر غزوة تانيشر ( 1 ) قال : وذُكر ليمين الدولة أن بناحية تانيشر فيلة من جنس فيلة الصليمان الموصوفة في الحرب وأن صاحبها غال في الكفر ، فعزم على غزوه ، فسار في سنة خمس وأربعمائة ، فلقي في طريقه أودية بعيدة القعر وعرة المسالك ، وقفارًا فسيحة الأطراف قليلة المياه ، فلما قارب المقصد لقي نهرا شديد الجرية صعب المخاضة ، وقد وقف صاحب تلك البلاد على طرفه يمنع من عبوره ومعه عساكره وفيلته التي كان يُدِلُّ بها ، فأمر يمين الدولة شجعان عسكره بعبور النهر ، وشغل الهنود بالقتال عن حفظ النهر فما كان إلا وقد عبر سائر العسكر ، وقاتلوهم من جميع جهاتهم إلى آخر النهار ، ماذکر قتل خوارزم شاه وملك يمين الدولة خوارزم وفي سنة سبع وأربعمائة قُتِل خوارزم شاه أبو العباس مأمون بن مأمون . وسبب ( 1 ) ذلك أنه كان قد ملك خوارزم الجرجانية ، وحضر عند يمين الدولة ، وتزوج أخته ثم بعث إليه يمين الدولة أن يخطب له على منابر ، بلاده فأجابه إلى ذلك ، وامتنعوا منه وتهددوه بالقتل إن فعل ، فعاد الرسول إلى يمين الدولة ، ثم خافه الأمراء فقتلوه غيلة ، وأجلسوا أحد أولاده مكانه وتعاهدوا على قتال يمين الدولة إن قصدهم ، وسار نحوهم والتقوا واشتدت الحرب ، فثبت الخوارزمية إلى نصف النهار ثم انهزموا فأخذهم السيف ، وجمع من أسر منهم وسيرهم إلى أطراف بلاده بالهند وملك يمين الدولة خوارزم ، واستناب بها حاجبه التونتاش . ذكر غزوة قشمير وقنوج وغيرهما من الهند ' وفي سنة سبع وأربعمائة أيضا بعد فراغ يمين الدولة من خوارزم سار إلى غزنة ، ثم منها إلى الهند عازما على غزو قشمير واجتمع له من المتطوعة ( ٢ ) من بلاد ما وراء النهر وغيره نحو عشرين ألف مقاتل وسار من غزنة إليها سيرا دائما في ثلاثة أشهر ، وعبر نهر سيحون وجَيْلم وهما نهران عميقان شديدا الجرية ، ووطىء أرض الهند ، وأتته رسل ملوكها بالطاعة وبذل الأتاوة ، فلما بلغ درب قشمير أتاه صاحبها وأسلم على يده وسار بين يديه إلى مقصده فبلغ ماء جون في العشرين من شهر رجب ، وفتح ما حولها من الحصون المنيعة ، حتى بلغ حصن هؤدب ، وهو أحد ملوك الهند فنظر « هودب » من أعلى حصنه فرأى من العساكر ما هاله ، فنزل في نحو عشرة آلاف ينادون بكلمة الإخلاص ، فأقبل عليه يمين الدولة وأكرمه وسار عنه إلى قلعة ، كُجند وهو من أعيان الهند وكان على طريقه غياض ملتفة لا يقدر السالك على قطعها إلا بمشقة ، فسير كلجند عساكره وفيلته إلى أطراف تلك الغياض يمنعون من سلوكها ، فترك يمين الدولة عليهم من يقاتلهم ، وسلك طريقا مختصرًا إلى الحصن ، فلم يشعروا به إلا وهو معهم ، فقاتلهم قتالاً شديدًا ، فانهزموا وأخذهم السيف من ورائهم ولقوا نهرا عميقا ، فكان القتلى والغرقى قريبا من خمسين ألفًا وعمد كلجند إلى زوجته ، فقتلها ثم قتل نفسه وغنم المسلمون أمواله وملكوا حصونه . ثم سار نحو بيت متعبد لهم وهو « مهرة ) بالهند ، وهو من أحصن الأبنية على نهر ولهم فيه كثير من الأصنام من جملتها خمسة أصنام من الذهب الأحمر مرصعة بالجوهر زنتها ستمائة ألف وسبعون ألف وثلاثمائة مثقال وبه من الأصنام لمصوغة من الفضة نحو مائتي صنم ، وسار نحو قَنَوج ) وصاحبها جيبال ، الكنك ( ٢ ) فوصل إليها في شعبان فرأى صاحبها قد فارقها وعبر النهر المعروف بنهر وهو نهر شريف معظم عندهم - وتقدّم خبره في باب الأنهار - فأخذها يمين الدولة وسائر قلاعها وأعمالها وهي على النهر المذكور ، وفيها قريب من عشرة آلاف بيت صنم يذكرون أنها عملت من مائتي ألف إلى ثلاثمائة ألف سنة كذبًا منهم . ولما افتتحها أباحها عسكره . ثم سار إلى قلعة البراهمة فقاتلهم فثبتوا واستسلموا للقتل ، ثم سار نحو قلعة آسي ( ٣ ) وصاحبها جندياك ، فلما قاربها هرب صاحبها ، فأخذها يمين الدولة بما فيها ثم سار إلى قلعة شروه وصاحبها جنداري ، فلما قاربه نقل ماله وفيلته إلى جبال هناك منيعة فنازل يمين الدولة حصنه وافتتحه ، وغنم ما فيه وسار في طلب جنداري جريدة فلحقه في آخر شعبان فقاتله ، وقتل رجاله وأسر كثيرًا منهم ، ونجا جنداري في نفر عاد الدولة إلى غزنة فبنى بها الجامع الذي لم يسمع يسير من أصحابه . وأنفق ما غنم في هذه الغزوة على بنائه . ( ۳ ) ذكر أخبار الملوك الخانية بما وراء النهر والأتراك وفي سنة ثمان وأربعمائة خرج الترك من الصين وسبب ذلك أن طغان خان مرض مرضا شديدا ، وطال به المرض ، فطمعوا في البلاد وساروا من الصين في عدد يزيد على ثلاثمائة ألف خركاه من أجناس الترك منهم الخطا الذين ملكوا ما وراء النهر ، فساروا إلى أن قربوا من بلا ساغون ( 4 ) ، وبقي بينهم وبينها ثمانية أيام واستولوا على أطراف البلاد ، فسأل طغان خان الله تعالى أن يعافيه لينتقم منهم ، فاجتمع له من ثم يفعل به ما يشاء ، فجمع العساكر واستنفر جميع بلاد الإسلام ، المتطوعة مائة ألف وعشرون ألف مقاتل فلما بلغ الترك ذلك رجعوا ، وقتل منهم زيادة على ألف رجل وأسر نحو مائة ألف وغنم من الدواب والخركاهات ، والأواني الذهبية والفضية ومعمول الصين ما لا عهد بمثله وعاد إلى بلا ساغون ، فمات رحمه الله تعالى . وكان عادلاً خيرًا دينا يحب العلم وأهلة ، مائتي خان بسمر ولما مات ملك بعده أخوه أبو المظفر أرسلان خان ، ولقبه شرف الدولة فحالف عليه قدر خان یوسف بن بغراخان هارون بن سليمان وكان ينوب عن طغان رقند ، وكاتب يمين الدولة يستنجده على أرسلان فعقد يمين الدولة على نهر جيحون ( ۱ ) جسرًا من السفن ، وضبطه بالسلاسل وعبر عليه ، ولم تكن تعرف الجسور قبل ذلك هناك ، فلما عبر النهر اتفق قدر خان وأرسلان خان وتعاقدا على قصد بلاد يمين الدولة ، فعاد يمين الدولة إلى بلاده ، وسار قدر خان وأرسلان خان إلى بلخ والتقوا بيمين الدولة واقتتلوا قتالاً شديدًا كان الظفر فيه ليمين الدولة عليهما ، فعادا وعبرا جيحون ، وكان من غرق منهم أكثر ممن نجا . ذكر أخبار قدر خان وأولاده حسن كان قدر خان یوسف بن بغرا خان هارون بن سليمان عادلاً السيرة كثير الجهاد ، فمن فتوحه « خَتَن » ، وهي بلاد بين الصين ، وتركستان كثيرة العلماء والفضلاء واستمر إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة ، وكان يديم الصلاة في الجماعة . ولما توفي ملك أولاده بعده واقتسموا البلاد ، فملك أبو شجاع أرسلان خان ، ولقبه شرف الدولة ، كَاشْغَر ( ۲ ) ، وخُطب له على منابرها . قيل : ولم يشرب الخمر قط . وكان دينا مكرِمًا للعلماء ، وأهل الدين يقصدونه من كل جهة ، وملك بغراخان بن قدر خان طراز ( ۱ ) وأسبيجاب فقصد أخاه أرسلان خان وحاربه ، وأسره وحبسه إلى أن مات وملك بلاده ، ثم عهد بغرا خان بن قدر خان بالملك لولده الأكبر واسمه حسين جغرتكين . وكان لبغرا خان امرأة له منها ولد صغير ، فغاظها ذلك فسمت بغرا خان ، وخنقت أخاه أرسلان خان بن قدر خان ، وذلك في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ، وقتلت وجوه أصحابه ، وملكت ابنها واسمه إبراهيم وسيرته في جيش إلى مدينة برْسُخان ( ۲ ) ، وصاحبها ينالتكين فظفر به ينالتكين وقتله وانهزم عسكره إلى أمه . واختلف أولاد بغرا خان ، فقصدهم طفغاج خان . ذكر ملك طفغاج خان وولده هو أبو المظفر إبراهيم بن نصر بن إيلك ويلقب عماد الدولة ، وكان أبوه زاهدًا متعبدًا ، وكان طفغاج متدينا لا يأخذ مالاً حتى يستعنّى العلماء ، وورد عليه أبو شجاع العلوي الواعظ وكان من الزهاد فوعظه وقال : إنك لا تصلح للملك ، فأغلق طفغاج بابه وعزم على ترك الملك فاجتمع عليه أهل البلد ، وقالوا : قد أخطأ الواعظ ، والقيام بأمورنا متعين عليك ففتح ، بابه واستمر في الملك إلى سنة ستين الملك في ولده شمس الملك وأربعمائة ، فقصده أخوه طغان خان بن طفغاج وحصره بسمرقند ، فاجتمع أهلها إلى شمس الملك وقالوا له : إن طغان خان قد خرب ضياعنا وأفسدها ، ونحن لا ندخل بينكما ، فوعدهم المناجزة ( ۳ ) ، وخرج من البلد نصف الليل في خمسمائة غلام ، ثم قصده هارون بن بغرا خان بن قدر خان وطغرل قرا خان وكان طفغاج خان قد استولى على ممالكهما ، فقصدا سمرقند فلم يظفرا بشيء ، فصالحا شمس الملك ، وعادا فصارت الأعمال المتاخمة لنهر جيحون الشمس الملك ، والحد بينهما خُجَنْدة ( ١ ) . فملك بعده أخوه خضر خان ، ثم مات فملك بعده ابنه أحمد خان وهو الذي قبض عليه السلطان ملکشاه السلجقي ، ثم أعاده إلى ولايته وأحمد هذا هو ابن أخي تركان خاتون زوجة السلطان ملكشاه ، وكان أحمد خان قبيح الصورة والفعل كثير المصادرات ، وكاتبوا السلطان ملكشاه السلجقي ، واستغاثوا به وسألوه أن يقدم عليهم ليملك بلادهم ، فعبر ما وراء النهر في سنة اثنين وثمانين وأربعمائة ، وملك بخارى ( ٢ ) ، ثم سار إلى سمرقند ، فملكها وهرب أحمد خان واختفى في بيوت بعض العامة ، وحُمِل إلى السلطان وفي عنقه حبل فأكرمه السلطان ، وأرسله إلى أصفهان واستولی ملکشاه علی سمرقند و بخارى واستعمل عليها من قبله على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في أخبار الدولة السلجقية . ثم ملك محمود خان ، وكان جده من ملوكهم وكان أصمّ ، فقصده طغان خان صاحب طراز ، واستولى على الملك واستناب بسمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي البغدادي ، فأقام ثلاث سنين وعصى على طغان خان فحاصره ، ثم خرج طغان خان إلى ترمذ ( ۳ ) يريد ، فلقيه السلطان سنجر السلجقي ، فظفر به وقتله ، وصار له أعمال ما وراء النهر فاستناب بها محمد خان بن کمشتكين بن إبراهيم بن طفغاج خان ، فأخذها منه عمر خان ، وملك سمر رقند ثم هرب من جنده ، وقصد خوارزم فظفر به لسلطان سنجر ، وولی محمد خان وولى محمد تكين بن طغان تكين بُخارى هؤلاء ملوك سمرقند وما والاها . ، سمر قند ، فإنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدر خان ، ثم صارت بعده لمحمود بغرا خان صاحب طراز والشاش ( ٤ ) خمسة عشر شهرا ، ثم مات فولّى بعده طغرا خان بن يوسف واستولى على الملك ، وملك بلاساغون ، وكان ملكه ستة عشر سنة ثم توفي وملك ابنه طغرل تكين فأقام شهرين ، ثم أتى هارون بغرا خان أخو يوسف طغرل خان بن طفغاج بغرا خان ، وقبض على هارون ، وملك كاشغر وختن ، وما يتصل بها إلى بلاساغون ، فولّى بعده ابنه أحمد أرسلان خان وراسل الخليفة المستظهر بالله يطلب الخلع والألقاب فأرسل إليه ما طلب ولقبه نور الدولة ، ثم صار ملك ما وراء النهر لملوك الخطا ، وانقرضت الدولة الخانية ، وإنما ذكرناها في هذا الموضع لاتحادها وقربها من الدولة الغزنوية ، منه وسبب نرجع إلى أخبار يمين الدولة محمود بن سبكتكين . وفي سنة تسع ذكر غزوة الهند والأفغانية جمع يمين الدولة من الجموع ما لم يجمع قبله مثله ، هذا الاهتمام أنه لما فتح قنوج وهرب صاحبها منها ويلقب براي قنوج ، وراي لقب للملك ككسرى ، وقيصر فلما عاد إلى غزنة أرسل بيدا عظيم ملوك الهند وقسم مملکته كَجُوراهة ( ۱ ) رسلاً إلى راي قنوج واسمه راجيبال يوبخه على هربه ، وتسليم بلاده للمسلمين وطال الكلام ، فآل ذلك إلى الحرب بينهما ، فقتل راجيبال وأكثر جنوده ، فازداد بيدا بذلك عظمة وعتوا وقصده بعض ملوك الهند الذين ملك يمين الدولة بلادهم وخدموه وصاروا في جُملة جنده ، فاتصل ذلك بيمين الدولة ، وابتدأ كفار يسكنون الجبال ويفسدون ويقطعون الطريق ، فخرب بلادهم ، وهم وأكثر فيهم القتل والأسر ، وبلغ في الهند ما لم يبلغه غيره ، وعبر نهر الكُنك ، فلما جاوزه وجد قافلةً تزيد على ألف جمل ، فأتاه خبرُ ملك من ملوك الهند يقال له تروجنيال أنه قد سار من بين يديه يريد بيدا ليحتمي به فلحقه في رابع عشر شوال فاقتتلوا عامة ، وكثر فيهم القتل والأسر ، وأخذوا منهم جواهرا كثيرة وما يزيد على مائتي فيل وخرج ملكهم ، فسار ثم قتله بعض الهنود ، ولما بلغ ذلك ملوك الهند تابعوا رسلَهم إلى يمين الدولة يبذلون الطاعة والإتاوة ، وسار بعد الوقعة إلى وهي من أخصن البلاد ، وسار يطلب « بيدا » ، وقد نزل إلى جانب نهر ، وأجرى الماء بين يديه فصار وحلا وترك عن يمينه وشماله طريقا يبسا يقاتل فيه إذا أراد القتال وكان عدة من معه ستة وخمسين ألف فارس ومائة ألف وأربعة وثمانين ألف راجل وأربعين فيلا فأرسل يمين الدولة طائفة من عسكره للقتال فأخرج إليهم بيدا مثلهم ، ولم يزل كل عسكر يمُدُّ أصحابه حتى كثر الجمعان ، ودام القتال حتى حجز بينهما الليل فلما كان الغد بكر يمين الدولة للقتال ، فرآهم قد فارقوا موضعهم وانهزموا وركب كل فرقة منهم . واقتفي آثار من انهزم ، فأكثر فيهم القتل والأسر ، ونجا بيدا ) وعاد يمين الدولة إلى غزنة . ، ذكر فتح قلعة من بلاد الهند ( 4 ) ، وفي سنة أربع عشرة وأربعمائة أوْغَل يمينُ الدولة في بلاد الهند ، فغنم وقتل حتى وصل إلى قلعة في رأس جبل منيع ليس يُضعد إليه إلا من طريق واحد ، وفيها خمسمائة فيل وغلات كثيرة ومياه ، الدولة وداوم الحصار ، فطلبوا الأمان فأمنهم وأقرّ مِلكها فيها على خراج يؤخذ وأهدى له هدايا كثيرة وقيل إن هذا الملك هو كابلي وهو صاحب ألف فيل وكان فيما أهداه فيلة حوامل ومراضع وطائر على هيئة القمري ( ۳ ) جلبابه أدكن ( ) وعيناه ومنقاره حمر وجناحاه مخططان بسواد ومن خاصيته أنه إذا حضر على رأس الخوان ، وكان في الطعام سم دمعت عيناه وجرى منهما ماء ويتحجر فإذا أخذ ذلك الحجر ، وحُك وطلي به الجراحات الواسعة ألحمها وإن كان في البدن نصل تعسر اخراجه قوبل به فيجذبه حتى يمكن إخراجه فقبل هديته وأقره على جهته ، وعاد إلى غزنة مؤيَّدًا منصورًا. ذكر فتح سومنات وفي سنة ست عشرة وأربعمائة فتح يمين الدولة عدة حصون ومدن من بلاد الهند ، وأخذ الصنم المعروف بسومنات ( ۱ ) ، وهو أعظم أصنام الهند ، وكانوا يحجون إليه كل ليلة خسوف فيجتمع عنده ما ينوف على ألف إنسان ، وزعم الهنود أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه فينشئها فيما ينشأ ، وأن المد والجزر إنما هو عادة للبحر ويحملون إليه كلّ علق نفيس ، ويعطون سدنته ( ۲ ) الأموال الجليلة ، وفيه من نفيس الجواهر ما لا تُحصى قيمته وبينه وبين نهر الكنك الذي تعظمه الهنود نحو مائتي فرسخ يتحملون من ماء هذا النهر إلى سومنات ماء يغسل به في كل يوم ، وعنده من البراهمة ألف رجل لعبادته وتقديم الورّاد إليه ، وثلاثمائة رجل تحلق رؤوس زواره ولحاهم وخمسمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ، ويرقصون على باب الصنم ، وكان لسومنات من الضياع الموقوفة عليه ما يزيد على عشرة آلاف ضَيْعة قال وكان يمين الدولة كلما فتح فتحا من بلاد الهند ، تقول الهنود : إنا هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات ، ولو ذلك يمين الدولة عزم تقصدها بسوء » ، فلما أنه راض عنها لأهلك غزوه ، وإهلاكه لعل الهنود إذا فقدوه ، ورأوا دعاواهم باطلة دخلوا في دين الإسلام ؛ فاستخار الله تعالى وسار من غزنة في عاشر شعبان من هذه السنة في ثلاثين فارس من عساكره سوى المتطوعة ، وسلك طريق المُلتان فوصلها في منتصف شهر رمضان ، وفي طريقه إلى الهند قفارٌ لا تُسلك لا ماء فيها ولا ميرة ، فحمل ما يحتاج إليه هو وعسكره ، وزاد بعد الحاجة عشرين ألف ، جمل تحمل الماء والميرة ، فلما قطع المفازة رأى في طريقها حصونًا مشحونة بالرجال فيسر الله فتحها عليه ، وسار إلى أنهلوارة ، فهرب عنها صاحبها المدعو نهيم وقصد حصنًا له يحتمي به فاستولى يمين الدولة على المدينة وسار إلى سُومَنَات ، فلقي في طريقه عدة حصون بها كثير من الأوثان تشبه الحجاب والنقباء لسومنات فقاتل من بها ، وفتحها وخربها وكسر أصنامها ، وسار منها إلى مفازة قفر قليلة المياه فلقي فيها عشرين ألف مقاتل من سكانها لا يدينون لملك ، وغنم مالهم وامتار من عندهم ، وسار حتى بلغ دبو أن سومنات يمنعهم ، وقد ثبت أهلها ظنّا يوم منهم الجمعة فاستولى عليها وقتل ، رجالها وغنم أموالها وسار عنها ، فوصل إلى سومنات في الخميس منتصف ذي القعدة فرأى حصنًا حصينا على ساحل البحر تبلغه أمواجه وأهله على الأسوار ينظرون المسلمين فلما كان الغد ، وقاتل حتى قارب السور فصعده المسلمون هذا والهنود تتقدم إلى سومنات ، وتعفّر وجوهها في الأرض وتسأله النصر ، واستمر القتال إلى الليل ، وقاتلوهم فأكثروا في الهنود ، فالتجؤوا إلى بيت صنمهم ، فقاتلوا على بابه أشد قتال فكان الفريق منهم بعد الفريق يفرون إلى الصنم ، به ويبكون ويتضرعون إليه ويخرجون فيقاتلون إلى أن يقتلوا حتى كاد الفناء يستوعبهم وبقي منهم شرذمة دخلوا البحر في مركبين لهم ، فإنه مبني على ست وخمسين سارية من الساج ( ٢ ) المصفح بالرصاص وسومنات حجر طوله خمسة أذرع ثلاثة مدورة ظاهرة ، وليس هو بصورة مصوّرة فكسره يمين ، وأخذ بعضه معه إلى غزنة فجعله عتبة لباب الجامع ، وإنما كان الضوء فيه من قناديل الجوهر ، وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس وزنها مائتا من كلما مضت طائفة من البراهمة من عبادتهم حركوا الجرس فتأتي طائفة أخرى ، وعنده خزانة فيها عدة كثيرة من الأصنام الذهب والفضة وعليها الستور المرصعة بالجوهر . كل منها منسوب إلى عظيم من عظماء الهند وقيمة ما في البيوت يزيد على عشرين ألف دينار فأخذ الجميع وكانت عدة القتلى تزيد على خمسين ألف قتيل ، ثم ورد الخبر على يمين الدولة أن نهيم صاحب أنهلوارة قصد قلعة تسمّى كندهة ، في البحر بينها وبين البر من جهة سومنات أربعون فرسخًا ، فلما حاذى القلعة رأى صيادين فسألهم عن خوض البحر هناك ، ولكن إذا تحرك الهواء غرق من فيه فاستعان بالله تعالى وخاض هو ومن معه ، فسلموا فرأوا نهيم قد فارق القلعة وأخلاها فعاد عنها وقصد المنصورة ، ففارقها واحتمى بغياض منيعة ، فأحاط يمين الدولة بتلك الغياض ؛ فقتل أكثر من بها من الهند وغرق بعضهم ولم ينج منهم إلا القليل ، ثم سار إلى فأطاعه أهلها ، فرحل إلى غزنة فوصلها في عاشر صفر سنة . فكانت غيبته في هذه الغزوة ستة شهور . بهاطية ذکر ملكه الري وبلد الجبل وفي سنة عشرين وأربعمائة سار يمين الدولة نحو الري ، فانصرف منوجهر بن قابوس صاحب جرجان و طبرستان بين يديه وحمل إليه أربعمائة ألف دينار ، وكان مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه قد كاتب يمين الدولة يشكو إليه من جنده ، طمع فيه الجند قال : فلما وصلت كتبه إليه سيّر إليه جيشًا ، وأمره بالقبض على مجد الدولة ، فسار الحاجب بالعسكر ، فلما وصل تلقاهم مجد الدولة ، فقبض عليه الحاجب وعلى ولده أبي دلف ، فانتهى الخبر إلى يمين الدولة ، فسار إلى الري ، ودخلها في شهر الآخر ، وأخذ من الأموال ألف ألف ربيع دينار ، ومن الجواهر ما قيمته خمسمائة ألف دينار ، ومن الثياب ستة آلاف ثوب ، قيمته وأحضر مجد الدولة وسيره إلى خراسان ثم ملك قزوين وقلاعها ، ومدينة ساوة ( ۱ ) ، وآوة ( ۳ ) ، وقبض على صاحبها ، وسيره إلى خراسان ولما ملك يمين الدولة الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر وجد لمجد الدولة من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفا وثلاثين ولدا ، وأنه لما سئل عن ذلك قال : هذه عادة سلفي » ، وصلب من أصحابه الباطنية خلقا كثيرًا ، ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال ، وأخذ ما سواها من الكتب فكانت مائة ، حمل وتحصن منوجهر بن قابوس بن وشمكير بجبال ، فلم يشعر إلا وقد أطلّ يمين الدولة عليه ، فهرب إلى غياض ملتفة حصينة وبذل له خمسمائة ألف دينار فأجابه يمين الدولة إلى ما طلب . وقبض المال وسار عنه إلى نيسابور . ثم توفي منوجهر عقيب ذلك ، وولي بعده ابنه أنو شروان فأقره محمود على ولايته وقرّر عليه خمسمائة ألف دينار أخرى ، وخطب لمحمود في أكثر بلاد الجبل إلى حدود أرمينية . مسعود فقصد أصفهان ، وملكها من علاء الدولة . وعاد عنها واستخلف بها بعض أصحابه فثار أهلها ، فقتل منهم نحو خمسة آلاف قتيل وسار إلى الري فأقام بها . ذكر ملك مسعود بن يمين الدولة محمود همذان وفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة سيّر مسعود جيشًا إلى همذان ، فملكها من نواب علاء الدولة بن بويه ، وسار هو إلى أصفهان ( ۱ ) ، ففارقها علاء الدولة ، فغنم مسعود ما كان له بها من دواب وسلاح وذخائر وغير ذلك ، ثم عاد إلى بلاده . ذكر غزوة للمسلمين بالهند وفي هذه السنة غزا أحمد : ينال تكين النائب عن محمود بن سبكتكين ببلاد الهند مدينة برسي وهي من أعظم مدن الهند وكان معه نحو مائة ألف فارس وراجل فشنّ الغارة على البلاد ونهب وسبى فلما وصل إلى المدينة ، دخل من أحد جوانبها ونهب المسلمون يوما كاملاً ، ولم يفرغوا من سوق العطارين والجوهريين فحسب ، وباقي أهل البلد لم يعلموا بذلك لأن طول البلد منزلة ، وعرضه منزلة من منازل الهند فلما جاء المساء لم يجسر أحد على المبيت فيه لكثرة أهله ، وبلغ من كثرة ما نهب المسلمون أنهم اقتسموا الذهب والفضة بالكيل ولم يصل لهذه المدينة عسكر المسلمين قبله ولا بعده . ذكر وفاة يمين الدولة محمود بن سبكتكين وشيء من سيرته كانت وفاته رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربعمائة ومولده يوم عاشوراء سنة ستين وثلاثمائة ، فكان عمره إحدى وستين سنة وثلاثة أشهرتقريبا ، ومدة سلطنته ثلاثا وثلاثين سنة وشهرين وكان مرضه سوء مزاج وإسهال ، كذلك وبقي نحو سنتين وكان قوي النفس لم يضع جنبه في مرضه بل كان يستند إلى مخدته ، وكان يجلس للناس طرفي النهار ؛ ولم يزل كذلك حتى توفي قاعدًا ، وكان عاقلا دينا خيرًا عنده علم ومعرفة ، وصُنّف له كثير من الكتب في فنون العلوم ، وقصده العلماء من أقطار البلاد ، وكان يكرمهم ويقبل عليهم ويصلهم ، قد ذكرنا من فتوحه وغزواته ما يستدل به على ذلك ، ولم يكن فيه ما يعاب إلا طمعه في الأموال فكان يتحيَّل على أخذها بكل طريق وهو الذي جدد المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى الرضا والرشيد وكان أبوه قد أخربه . قال : وكان يمين الدولة رُبعة القامة حسن الوجه صغير العينين ، ( 1 ) ذكر سلطنة محمد بن محمود أصغر من الآخر وهو الرابع من ملوك الدولة الغزنوية ملك بعد وفاة أبيه في شهر ربيع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة بوصية من أبيه قال : وهو أخيه مسعود ، وكان عند وفاة أبيه ببلخ ، فخطب له من أقاصي الهند إلى نيسابور ، ولقب جلال الدولة ، فأرسل إلى أعيان الدولة يستدعونه ويحثونه على الوصول إليهم ، ويخوفونه أخيه مسعود ، فسار إلى غزنة فوصلها بعد وفاة أبيه بأربعين يوما ، واجتمعت العساكر على طاعته ،


Original text

ذكر سلطنة يمين الدولة محمود بن سبكتكين الثالث من ملوكهم وهو أول من تلقب بالسلطان ، ولم يتلقب بها أحد وهو قال : ولم بلغه خبر وفاة والده كان بنيسابور ، فجلس للعزاء ، ثم أرسل إلى أخيه إسماعيل يعزيه ، ويعرفه أن أباه إنما عهد إليه بالملك لبعده عنه ، ويذكر له ما يتعين من تقديم الكبير وطلب منه الوفاق ، وإنفاذ ما يخصه من ميراث أبيه ، فلم يفعل . وترددت الرسائل بينهما ، فلم تستقر قاعدة فسار محمود عن نيسابور إلى هراة ) عازما على قصد غزنة ، واجتمع بعمه بغراجق فساعده على إسماعيل ، وسار إلى بست ، وبها أخوه ، نصر فتبعه وأعانه ، وسار إلى غزنة ، وبلغ الخبر إسماعيل وهو ببلخ ، فسار عنها مُجدا فسبق أخاه محمودًا إلى غزنة ، وكان الأمراء الذين مع إسماعيل قد كاتبوا أخاه محمودًا يستدعونه ، ووعدوه الانحياز إليه فجد في السير ، والتقى هو وإسماعيل بظاهر غزنة واقتتلا قتالاً شديدًا فانهزم إسماعيل ، واعتصم بقلعة غزنة ، فحصره أخوه ، محمود واستنزله منها بأمان ، فلما نزل إليه أكرمه ، وأحسن إليه ، وشاركه في ملكه ، وعاد إلى بلخ واستقامت له الممالك ، وعظم شأنه ، وأطاعته العساكر .كان سبب ذکر استيلاء يمين الدولة محمود على خراسان و انتزاعها من السامانية ( 1 ) ( ۲ ) ذلك أن فائقا وبكتوزون مدبري دولة الأمير منصور بن نوح قبضا عليه ، وسملاه كما قدمنا ذكر ذلك في أخبار السامانية فسار السلطان محمود نحوهما ، والتقوا بمرو في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة ، واقتتلوا قتالاً شديدا ، فانهزم السامانية ، فلحق عبد الملك ، وفائق بخارى ، وقصد بكتوزون نيسابور ، ثم قصد نواحي جُرجان فأرسل محمود خلفه أرسلان الجاذب ، فاتبعه حتى ألحقه بجرجان وعاد فاستخلفه محمود على طوس ، وسار إلى هراة ، فلما علم بکتوزون بمسير محمود عن نيسابور عاد إليها وملكها ، فقصده محمود ، فهرب منه إلى بخارى بعد أن نهب مرو على طريقه واستقر ملك محمود بخراسان وزال ملك السامانية منها ، وخطب بها للقادر بالله وكان يخطب بها إلى هذا التاريخ للطائع بعد خلعه وولی محمود قيادة جيوش خراسان أخاه نصرا وجعله بنيسابور ، وسار هو إلى بلخ ، وهي مستقر ملك ، أبيه واتخذها دار مُلك واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته كآل قريغون أصحاب الجَوْزَجَان ( ٣ ) . وكالشار الساه صاحب غَرْشِستان ( ٤ ) ، والشار : لقب لمن ملك غَرْشستان ككسرى الفرس ، وقيصر الروم . وفي سنة تسعين وثلاثمائة قتل بغراجق عم يمين الدولة ؛ قتله طاهر بن خلف أحمد بن صاحب سجستان في حرب بينهما فسار يمين الدولة نحو خلف بن أحمد أبو طاهر ، فتحصن منه بحصن أصهنه ، فحاصره ، وضيّق عليه ، فبذل الأموال ، فأجابه إلى ما طلب ، وأخذ رهائنه على ما تقرر من المال . والله أعلم بالصواب .ذكر غزوة الهند وفي المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أحب يمين الدولة أن يغزو الهند ويجعل ذلك كفارة لقتاله المسلمين ، فسار ونزل على مدينة برشور ، والتقى هو مع مقتلة وجيبال ملك الهند واقتتلوا إلى نصف النهار ، فانهزم الهند ، وقتل منهم عظيمة ، وأسر ملكهم جيبال وجماعة كثيرة من أهله وعشيرته ، وغنم المسلمون أموالهم وجواهرهم وأخذ من عنق جيبال قلادة من الجوهر قومت بمائتي ألف دينار ، وأخذ أمثالها من أعناق مقدميه الأسرى ، وغنم المسلمون خمسمائة ألف من الرقيق ، وفتح كثيرًا من بلاد الهند ثم أحب أن يطلق جيبالاً ليراه الهنود في شعار الذل ، فأطلقه على مال قرره ، عليه فأدى جيبال المال ومن عادة الهنود أنه من حصل منهم أيدي المسلمين أسيرًا لم يُعقد له بعدها رئاسة فلما رأى جيبال حاله بعد خلاصه حلق رأسه ، وألقى نفسه في النار ، فاحترق . في ثم سار محمود نحو ويهند ( ۱ ) ، فحاصرها ، وأخذها عنوة ، ثم بلغه أن طائفة من الهند اجتمعوا في شعاب تلك الجبال فجهز إليهم من عساكره من قتلهم ، فلم يسلم منهم إلا الشريد ، وعاد إلى غزنة مؤيدا منصورًا سالما ظافرا . ذکر ملکه سجستان خلف وفي سنة تسعين وثلاثمائة ملك يمين الدولة سجستان ( ۲ ) ، وانتزعها من . ابن أحمد ؛ وكان سبب ذلك أن يمين الدولة لما رحل عن خلف بعد مصالحته على المال كما قدمناه عَهِدَ خلفٌ لولده طاهر ، وسلم إليه مملكته ، وانقطع للاشتغال بالعلم ، وإنما فعل ذلك ليظهر ليمين الدولة تخليه طمعه عن بلاده الملك لينقطع عن فعفّه ولده ، واستقل بالملك ، فأخذ أبوه يلاطفه وادعى المرض ، فزاره ابنه طاهر ، فقبض عليه ، وسجنه إلى أن مات في سجنه فتغير العسكر لذلك ، وكاتبوا يمين الدولة في تسليم سجستان إليه ، فجهز من تسلمها وقصد خلفا ، وهو في حصن الطاق وهذا الحصن له سبعة أسوار محكمة يحيط بها خندق عريض لا يعبر إليها ( 1 ) إلا من جسر منه فرفع الجسر وأمر يمين الدولة بطم الخندق بالأخشاب والتراب ، فطموا منه ما يعبرون عليه إلى السور ، وتقدم الفيل الكبير إلى باب السور واقتلعه بنابيه ، وملك سورًا بعد ، سور ، فطلب خلف الأمان ، فأمنه وحضر إليه ، فأكرمه ، وملك الحصن ، وخير خلفا في المقام حيث شاء فاختار أرض الجوزجان ، فسيره إليها مكرما ، فأقام نحو أربع سنين ، ثم بلغ يمين الدولة أنه كاتب إيلك خان ملك ما وارء النهر يحثه على قصد يمين الدولة ، فنقله إلى جردين ، فكان بها إلى أن مات في شهر رجب سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، فسلم محمود جميع ما خلفه إلى ولده أبي حفص ، وكان خلف هذا من العلماء ، وله كتاب صنفه في تفسير القرآن العظيم من أكبر كتب التفاسير . قال : ولما ملك يمين الدولة سجستان استخلف عليها أميرًا كبيرًا من أمرائه يسمّى قنجي الحاجب ، ثم أقطعها لأخيها نصر بن سبكتكين مضافة إلى نيسابور . والله أعلم . ذكر غزوة بهاطية ، وملكها . وفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة غزا يمين الدولة بهاطيه من أعمال الهند وهي وراء المولتان ( ۳ ) ، وصاحبها بجراء وهي مدينة حصينة عالية السور يحيطها خندق عميق فامتنع صاحبها ، ثم ظهر فقاتل ثلاثة أيام ، وانهزم في اليوم الرابع وقصد المدينة ، فسبقه المسلمون إلى بابها ، وملكوها فهرب بخاصته إلى رؤوس الجبال ، فجهز إليه يمين الدولة من يقاتله ، فلما رأى الغلبة قتل نفسه بخنجر ، يمين الدولة ببهاطية حتى أصلح أحوالها ، وعاد عنها بعد أن ترك بها من يثق به ، ومن يُعَلِّم من أسلم شرائع الإسلام ولقي في عوده شدة كثيرة من كثرة الأمطار ، وزيادة الأنهار ، وغرق من عسكره خلق كثير . ذكر غزوة المولتان وأقام وفي سنة ست وتسعين وثلاثمائة بلغ يمين الدولة أن أبا الفتوح والي المولتان خبث اعتقاده ، ونُسب إلى الإلحاد ، وأنه دعا أهلَ ولايته إلى ذلك ، فأجابوه ، فرأى أنيغزوه ، فسار نحوه فرأى الأنهار التي في طريقه كثيرة الزيادة لا سيما سيحون ( ١ ) فأرسل إلى آننديال عظيم الهند يطلب إذنه في العبور ببلاده إلى المولتان ، فلم يجب إلى ذلك ، فابتدأ محمود ، به وجاس خلال بلاده وأكثر فيها النهب والقتل والإحراق ، ففر آننديال بين يديه وتبعه إلى أن وصل إلى قشمير ( A ) ، فلما ، ( ۳ ) سمع الفتوح بمقدم يمين الدولة علم العجز عنه ، فنقل أمواله إلى سرنديب المولتان ، فوصل يمين الدولة إليها وملكها عنوة ، وألزم أهلها عشرين ألف عقوبة لعصيانهم . ( ٤ ) ذكر غزوة كواكير أبو وأخلى درهم قال : ثم سار إلى قلعة كواكير وكان صاحبها يعرف ببيدا ، وكان بها ستمائة صنم فاقتحمها وحرق الأصنام ، فهرب صاحبها إلى قلعته المعروفة « بكالنجار » ، فسار خلفه إليها ، وهي حصن عظيم يسع خمسمائة ألف إنسان ، وفيه خمسمائة فيل ، وعشرون ألف دابة ، وفيه من الأقوات ما يكفي الجميع مدة ، فلما صار منه على سبعة فراسخ رأى من الغياض ما يمنعه عن سلوك الطريق ، فأمر بقطعها ، فقطعت ، ورأى في الطريق واديًا عظيم العمق بعيد القعر ، فأمر أن يطم بالجلود المملوءة بالتراب فطموه ، ووصلوا القلعة فحاصرها ثلاثة وأربعين يوما فراسله صاحبها في الصلح ، فامتنع عليه ، ثم بلغه عن خراسان اختلاف بسبب قصد إيلك خان ، فصالحه على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف من ( ٥ ) الفضة ، ولبس خلعة الدولة بعد أن استعفى یمین من شد المنطقة ( ٦ ) . فلم يعفه ، وشدها وقطع خنصره ، وأنفذها ليمين الدولة ، توثقة ، من فيما يعتقدونه على عادة الهنود ، وعاد يمين الدولة إلى خراسان .
منهم ذكر عبور عسكر إيلك خان إلى خراسان كان يمين الدولة لما ملك خراسان من السامانية وملك إيلك خان ما وراء النهر تراسلا ، وتوافقا وتزوج يمين الدولة ابنة إيلك خان وانعقدت بينهما مصاهرة ومصالحة ، فلم تزل السعاة حتى أفسدوا ذات بينهما ، وكتم إيلك خان ما في نفسه ، فلما سار يمين الدولة إلى المولتان اغتنم إيلك خان غيبته عن البلاد ، فسير سباشي تكين صاحب جيشه إلى خراسان وذلك في سنة ست وتسعين وثلاثمائة في معظم جنده ، وجهز أخاه جعفر تكين إلى بلخ في عدة من الأمراء ، وكان يمين الدولة قد جعل بهراة أميرًا من أمرائه يقال له أرسلان الجاذب وأمره إذا ظهر عليه مخالف ينحاز إلى غزنة ، فلما عبر سباشي تكين إلى خراسان سار أرسلان إلى غزنة ، وملك سباشي هراة وأرسل إلى نيسابور من استولى عليها فوصلت الأخبار يمين الدولة وهو بالهند فعاد لا يلوي على شيء ، فلما قارب غزنة فرق الأموال في عساكره ، وقواهم واستنفر الأتراك الخَلَجية ، فجاءه منهم خلق كثير ، فسار بهم إلى نحو بلخ ، وبها جعفر تكين أخو إيلك ، خان ، فعبر إلى ترمذ ( ۱ ) ونزل نحو « مرو » ليعبر النهر ، فقاتله ، التركمان فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة . ثم سار نحو أبيوزد ، فتبعه عسكر يمين الدولة ، فوصل إلى جرجان ، فأخرج عنها ، ثم عاد إلى خراسان ، فعاره يمين الدولة ، فمنعه من قصده وأسر أخو سباشي تكين وجماعة من قواده ، ونجا هو في بعض أصحابه فعبر النهر وانهزم من كان ببلخ مع جعفر تكين ، وتسلم يمين الدولة خراسان . ، ( 1 ) ; ذكر انهزام إيلك خان من يمين الدولة قال : ولما أخرج يمين الدولة عساكر إيلك خان من خراسان راسل إيلك خان قدر خان بن بغراخان ملك الخُتَن ( ۲ ) لقرابة بينهما ، واستعان به فاستنفر الترك من أقاصي بلادها وسار نحو ، خراسان واجتمع هو وإيلك خان فعبروا النهر ، واتصل خبرهم بيمين ، الدولة وهو بطخارستان فسبقهما إلى بلخ واستعد للحرب ، وجمعالترك الغزية والخلج والهند والأفغانية والغزنوية ، وخرج عن بلخ ، فعسكر على فرسخين منها بمكان فسيح وقدم إيلك ، خان ، وقدر خان في عساكرهما ، ونزلوا بإزائه ، واقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل فلما كان الغد برز بعضهم لبعض ، فاقتتلوا ، فاعتزل يمين الدولة على نشز ( ۱ ) مرتفع ينظر إلى الحرب ، ونزل عن دابته ، وعفر وجهه على الصعيد تواضعًا الله تعالى وسأل النصر والظفر ، ثم حمل بفيلته على قلب عسكر إيلك ، خان ، فأزاله عن مكانه ، ووقعت الهزيمة ، وتبعهم أصحاب يمين الدولة يقتلون ، ويأسرون ، ويغنمون إلى أن عبروا النهر وأكثر الشراء القول في تهنئة يمين الدولة بهذا الفتح ، وذلك في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة . ذكر غزوه الهند وعوده قال : ولما فرغ يمين الدولة من حرب الترك بلغه أن بعض أولاد ملوك الهند واسمه نواسد ، شاه وكان قد أسلم على يد يمين الدولة واستخلفه على بعض ما افتتحه من بلادهم ارتد عن الإسلام وعاد إلى الكفر ، فسار إليه مجدا ، فحين بلغ الهندي قربه ( ۲ ) فرَّ من بين يديه واستعاد يمين الدولة البلاد واستخلف عليها بعض أصحابه ، وعاد إلى غزنة في السنة المذكورة . ذكر غزوة بهيم نغز وما غنمه من الأموال وغيرها وفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة استعد يمين الدولة لغزو الهند وسار في شهر الآخر من السنة ، فانتهى إلى شاطيء نهر ، ویهند فلاقاه هناك ابرهمن نال بن ربيع آننديال في جيوش الهند فاقتتلوا مليا من النهار ، وكادت الهند تظفر بالمسلمين ، ثم كان الظفر للمسلمين فانهزم الهند على أعقابهم وأخذهم السيف ، وتبع يمين الدولة الملك حتى بلغ بهيم ، نغر وهي على جبل عال كان الهند قد جعلوها خزانة لصنمهم الأعظم ، فينقلون إليها أنواع الذخائر قرنًا بعد ، قرن وهم يرون ذلك تقربا لآلهتهم وعبادة ، فقاتلهم عليها وحصرها ووالى الحصار ، فلما رأى الهنود كثرة جموعه وشدة قتاله جبنوا ، وطلبوا الأمان ، وفتحوا باب ، الحصن فملكه المسلمون ، فصعد يمين الدولة إليه في خواص أصحابه وثقاته ، فأخذ من الجواهر ما لا يحد ، ومن دراهم تسعين ألف ألف درهم شاهيه ومن الأواني الذهب والفضة سبعمائة ألف وأربعمائة من . وكان في الحصن بيت مملوء من الفضة طوله ثلاثون ذراعا وعرضه خمسة عشر ذراعا ، فأخذ جميع ما فيه إلى غير ذلك من الأمتعة ، وعاد إلى غزنة بهذه الغنائم ، ففرش الجواهر في صحن داره وكان قد اجتمع عنده رسل الملوك فشاهدوا ما لم يسمعوا بمثله . وفي سنة أربعمائة غزا يمين الدولة الهند ، وأحرقها واستباحها ، ونكس أصنامها ، فلما رأى ملك الهند أنه لا قوة له به راسله في الصلح والهدنة على مال يؤديه إليه وخمسين فيلاً ، وأن يكون له في خدمة يمين الدولة ألفا فارس لا يزالون ، فقبض ذلك منه ، وصالحه ، وعاد إلى غزنة . ذكر غزوة بلاد الغور واستيلائه عليها : ذلك ، وبلاد الغور تجاور غزنة وهي جبال منيعة ومضايق ، وكان أهلها قد كثر فسادهم ، وتعديهم يقطعون الطريق ويخيفون السبيل ، فأنف يمين الدولة من فسار إليهم في سنة إحدى وأربعمائة وقاتلهم أشد قتال ثم سار إلى عظيم الغورية المعروف بابن سُورَى وهو بمدينة آهنكران فبرز من المدينة في عشرة آلاف مقاتل فقاتلهم إلى أن انتصف النهار ، فأمر يمين الدولة أن ينهزم المسلمون ، فانهزموا وتبعهم ابن سورى حتى أبعدوا عن المدينة ثم عطف المسلمون على الغورية ، ووضعوا فيهم السيف ، وملك المدينة ، وأسر ابن سُورَى ، فشرب سما كان معه فمات ، وأظهر يمين الدولة شعائر الإسلام في بلاد الغور ، وجعل عندهم من يعلمهم شعائر الإسلام وشرائعهم . ثم سار إلى طائفة أخرى من الكفار ، فقطع مفازة ( ۱ ) رمل ، ولحق عساكره عطش عظيم حتى كادوا يهلكون بسببه فأرسل الله تعالى عليهم مطرا سقاهم ، وسهل عليهم سلوك الرمل ، فوصلوا إلى الكفار ومعهم ستمائة ، فيل ، فقاتلهم أشد قتال كان الظفر فيه للمسلمين ، وانهزم الكفار وأخذ غنائمهم وعاد سالما . ذکر ملکه قصدار . وفي سنة اثنتين وأربعمائة ملك يمين الدولة قصدار وسبب ذلك أن ملكها كان قد صالحه على قطيعة ( ۲ ) في ل سنة يؤديها إلى يمين الدولة ، ثم قطعها اغترارا بحصانة بلده ، وكثرة المضايق في الطريق إليه واحتمى بإيلك ، خان وكان يمين الدولة إذاالدولة قصد المسير إليه رجع عن ذلك إبقاء لمودة إيلك خان ، فلما فسد ما بينهما سار إليها في جمادى الأولى من السنة فسبق خبره ، فلم يشعر صاحبها إلا وعسكر يمين قد أحاط به ليلاً ، فطلب ، الأمان فأجابه إليه وأخذ منه ما كان قد اجتمع عنده من المال ، وأقره على ولايته وعاد وفي سنة ثلاث وأربعمائة كانت وفاة إيلك خان ، وولاية أخيه طغان خان وكان قد تجهز للعود إلى خراسان لقتال يمين الدولة . فلما مات راسل طغان خان يمين الدولة ، وتصالحا ، واتفقا أن كلا منهما يستقل بغزو من يليه من الكفار ، فكان يمين الدولة يقاتل الهند وطغان خان يقاتل الكفار . ذكر فتح ناردین وفي سنة أربع وأربعمائة سار يمين الدولة إلى الهند فسار شهرين حتى قارب مقصده ، فسمع عظيم الهند به فجمع ، وبرز إلى جبل صعب المرتقى ، فاحتمى به ، وطاول المسلمين وكتب إلى الهنود فاجتمع إليه كل من حمل السلاح ، فلما تكاملت عدته نزل من الجبل والتقوا ، واقتتلوا واشتد القتال فهزمهم المسلمون وأكثروا فيهم القتل وغنموا ما معهم من مال وفيلة وسلاح ولما عاد إلى غزنة أرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشورًا وعهدًا بولاية خراسان وما بيده من الممالك ، فكتب له ولقب نظام الدين . ذكر غزوة تانيشر ( 1 ) قال : وذُكر ليمين الدولة أن بناحية تانيشر فيلة من جنس فيلة الصليمان الموصوفة في الحرب وأن صاحبها غال في الكفر ، فعزم على غزوه ، فسار في سنة خمس وأربعمائة ، فلقي في طريقه أودية بعيدة القعر وعرة المسالك ، وقفارًا فسيحة الأطراف قليلة المياه ، فقاسى شدة ، ومشقة عظيمة ، فلما قارب المقصد لقي نهرا شديد الجرية صعب المخاضة ، وقد وقف صاحب تلك البلاد على طرفه يمنع من عبوره ومعه عساكره وفيلته التي كان يُدِلُّ بها ، فأمر يمين الدولة شجعان عسكره بعبور النهر ، ففعلوا ذلك ، وشغل الهنود بالقتال عن حفظ النهر فما كان إلا وقد عبر سائر العسكر ، وقاتلوهم من جميع جهاتهم إلى آخر النهار ، فانهزم الهنود ، وغنم المسلمون معهم من الأموال والفيلة ، وعاد إلى غزنة . ماذکر قتل خوارزم شاه وملك يمين الدولة خوارزم وفي سنة سبع وأربعمائة قُتِل خوارزم شاه أبو العباس مأمون بن مأمون . وسبب ( 1 ) ذلك أنه كان قد ملك خوارزم الجرجانية ، وحضر عند يمين الدولة ، وتزوج أخته ثم بعث إليه يمين الدولة أن يخطب له على منابر ، بلاده فأجابه إلى ذلك ، واستشار أمراءه ، فغضبوا من ذلك ، وامتنعوا منه وتهددوه بالقتل إن فعل ، فعاد الرسول إلى يمين الدولة ، وأخبره بما شاهده ، ثم خافه الأمراء فقتلوه غيلة ، ولم يعلم قاتله ، وأجلسوا أحد أولاده مكانه وتعاهدوا على قتال يمين الدولة إن قصدهم ، واتصل الخبر به ، فجمع العساكر ، وسار نحوهم والتقوا واشتدت الحرب ، فثبت الخوارزمية إلى نصف النهار ثم انهزموا فأخذهم السيف ، ولم يبق منهم إلا القليل ، وجمع من أسر منهم وسيرهم إلى أطراف بلاده بالهند وملك يمين الدولة خوارزم ، واستناب بها حاجبه التونتاش . ذكر غزوة قشمير وقنوج وغيرهما من الهند ' وفي سنة سبع وأربعمائة أيضا بعد فراغ يمين الدولة من خوارزم سار إلى غزنة ، ثم منها إلى الهند عازما على غزو قشمير واجتمع له من المتطوعة ( ٢ ) من بلاد ما وراء النهر وغيره نحو عشرين ألف مقاتل وسار من غزنة إليها سيرا دائما في ثلاثة أشهر ، وعبر نهر سيحون وجَيْلم وهما نهران عميقان شديدا الجرية ، ووطىء أرض الهند ، وأتته رسل ملوكها بالطاعة وبذل الأتاوة ، فلما بلغ درب قشمير أتاه صاحبها وأسلم على يده وسار بين يديه إلى مقصده فبلغ ماء جون في العشرين من شهر رجب ، وفتح ما حولها من الحصون المنيعة ، حتى بلغ حصن هؤدب ، وهو أحد ملوك الهند فنظر « هودب » من أعلى حصنه فرأى من العساكر ما هاله ، فعلم أنه لا ينجيه إلا الإسلام ، فنزل في نحو عشرة آلاف ينادون بكلمة الإخلاص ، فأقبل عليه يمين الدولة وأكرمه وسار عنه إلى قلعة ، كُجند وهو من أعيان الهند وكان على طريقه غياض ملتفة لا يقدر السالك على قطعها إلا بمشقة ، فسير كلجند عساكره وفيلته إلى أطراف تلك الغياض يمنعون من سلوكها ، فترك يمين الدولة عليهم من يقاتلهم ، وسلك طريقا مختصرًا إلى الحصن ، فلم يشعروا به إلا وهو معهم ، فقاتلهم قتالاً شديدًا ، فانهزموا وأخذهم السيف من ورائهم ولقوا نهرا عميقا ، فاقتحموه ، فغرق أكثرهم ، فكان القتلى والغرقى قريبا من خمسين ألفًا وعمد كلجند إلى زوجته ، فقتلها ثم قتل نفسه وغنم المسلمون أمواله وملكوا حصونه . ثم سار نحو بيت متعبد لهم وهو « مهرة ) بالهند ، وهو من أحصن الأبنية على نهر ولهم فيه كثير من الأصنام من جملتها خمسة أصنام من الذهب الأحمر مرصعة بالجوهر زنتها ستمائة ألف وسبعون ألف وثلاثمائة مثقال وبه من الأصنام لمصوغة من الفضة نحو مائتي صنم ، يمين الدولة ذلك ، وأحرق الباقي ، وسار نحو قَنَوج ) وصاحبها جيبال ، الكنك ( ٢ ) فوصل إليها في شعبان فرأى صاحبها قد فارقها وعبر النهر المعروف بنهر وهو نهر شريف معظم عندهم - وتقدّم خبره في باب الأنهار - فأخذها يمين الدولة وسائر قلاعها وأعمالها وهي على النهر المذكور ، وفيها قريب من عشرة آلاف بيت صنم يذكرون أنها عملت من مائتي ألف إلى ثلاثمائة ألف سنة كذبًا منهم . ولما افتتحها أباحها عسكره . ثم سار إلى قلعة البراهمة فقاتلهم فثبتوا واستسلموا للقتل ، فقتلوا ، ولم ينج منهم إلا القليل . ثم سار نحو قلعة آسي ( ٣ ) وصاحبها جندياك ، فلما قاربها هرب صاحبها ، فأخذها يمين الدولة بما فيها ثم سار إلى قلعة شروه وصاحبها جنداري ، فلما قاربه نقل ماله وفيلته إلى جبال هناك منيعة فنازل يمين الدولة حصنه وافتتحه ، وغنم ما فيه وسار في طلب جنداري جريدة فلحقه في آخر شعبان فقاتله ، وقتل رجاله وأسر كثيرًا منهم ، وغنم ما معه من مال وفيلة ، ونجا جنداري في نفر عاد الدولة إلى غزنة فبنى بها الجامع الذي لم يسمع يسير من أصحابه . ثم يمين بمثله ، وأنفق ما غنم في هذه الغزوة على بنائه . والله أعلم بالصواب . ( ۳ ) ذكر أخبار الملوك الخانية بما وراء النهر والأتراك وفي سنة ثمان وأربعمائة خرج الترك من الصين وسبب ذلك أن طغان خان مرض مرضا شديدا ، وطال به المرض ، فطمعوا في البلاد وساروا من الصين في عدد يزيد على ثلاثمائة ألف خركاه من أجناس الترك منهم الخطا الذين ملكوا ما وراء النهر ، فساروا إلى أن قربوا من بلا ساغون ( 4 ) ، وبقي بينهم وبينها ثمانية أيام واستولوا على أطراف البلاد ، فسأل طغان خان الله تعالى أن يعافيه لينتقم منهم ، ويحمي البلاد ، فاجتمع له من ثم يفعل به ما يشاء ، فعافاه الله تعالى ، فجمع العساكر واستنفر جميع بلاد الإسلام ، المتطوعة مائة ألف وعشرون ألف مقاتل فلما بلغ الترك ذلك رجعوا ، فسار خلفهم نحو ثلاثة أشهر ، فأدركهم وهم ، آمنون فكبسهم ، وقتل منهم زيادة على ألف رجل وأسر نحو مائة ألف وغنم من الدواب والخركاهات ، والأواني الذهبية والفضية ومعمول الصين ما لا عهد بمثله وعاد إلى بلا ساغون ، فعاوده المرض ، فمات رحمه الله تعالى . وكان عادلاً خيرًا دينا يحب العلم وأهلة ، ويميل لأهل الدين ، ويصلهم ويقربهم . مائتي خان بسمر ولما مات ملك بعده أخوه أبو المظفر أرسلان خان ، ولقبه شرف الدولة فحالف عليه قدر خان یوسف بن بغراخان هارون بن سليمان وكان ينوب عن طغان رقند ، وكاتب يمين الدولة يستنجده على أرسلان فعقد يمين الدولة على نهر جيحون ( ۱ ) جسرًا من السفن ، وضبطه بالسلاسل وعبر عليه ، ولم تكن تعرف الجسور قبل ذلك هناك ، فلما عبر النهر اتفق قدر خان وأرسلان خان وتعاقدا على قصد بلاد يمين الدولة ، واقتسامها ، فعاد يمين الدولة إلى بلاده ، وسار قدر خان وأرسلان خان إلى بلخ والتقوا بيمين الدولة واقتتلوا قتالاً شديدًا كان الظفر فيه ليمين الدولة عليهما ، فعادا وعبرا جيحون ، وكان من غرق منهم أكثر ممن نجا . ذكر أخبار قدر خان وأولاده حسن كان قدر خان یوسف بن بغرا خان هارون بن سليمان عادلاً السيرة كثير الجهاد ، فمن فتوحه « خَتَن » ، وهي بلاد بين الصين ، وتركستان كثيرة العلماء والفضلاء واستمر إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة ، فتوفي . وكان يديم الصلاة في الجماعة . ولما توفي ملك أولاده بعده واقتسموا البلاد ، فملك أبو شجاع أرسلان خان ، ولقبه شرف الدولة ، كَاشْغَر ( ۲ ) ، وخُتن ، وبلا ساغُون . وخُطب له على منابرها . قيل : ولم يشرب الخمر قط . وكان دينا مكرِمًا للعلماء ، وأهل الدين يقصدونه من كل جهة ، ويصلهم ويحسن إليهم . وملك بغراخان بن قدر خان طراز ( ۱ ) وأسبيجاب فقصد أخاه أرسلان خان وحاربه ، وأسره وحبسه إلى أن مات وملك بلاده ، ثم عهد بغرا خان بن قدر خان بالملك لولده الأكبر واسمه حسين جغرتكين . وكان لبغرا خان امرأة له منها ولد صغير ، فغاظها ذلك فسمت بغرا خان ، فمات هو وعدة من أهله ، وخنقت أخاه أرسلان خان بن قدر خان ، وذلك في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ، وقتلت وجوه أصحابه ، وملكت ابنها واسمه إبراهيم وسيرته في جيش إلى مدينة برْسُخان ( ۲ ) ، وصاحبها ينالتكين فظفر به ينالتكين وقتله وانهزم عسكره إلى أمه . واختلف أولاد بغرا خان ، فقصدهم طفغاج خان . ذكر ملك طفغاج خان وولده هو أبو المظفر إبراهيم بن نصر بن إيلك ويلقب عماد الدولة ، كان بيده سمرقند وفرغانة ، وكان أبوه زاهدًا متعبدًا ، وهو الذي ملك سمرقند ، وورثها طفغاج هذا منه ، وكان طفغاج متدينا لا يأخذ مالاً حتى يستعنّى العلماء ، وورد عليه أبو شجاع العلوي الواعظ وكان من الزهاد فوعظه وقال : إنك لا تصلح للملك ، فأغلق طفغاج بابه وعزم على ترك الملك فاجتمع عليه أهل البلد ، وقالوا : قد أخطأ الواعظ ، والقيام بأمورنا متعين عليك ففتح ، بابه واستمر في الملك إلى سنة ستين الملك في ولده شمس الملك وأربعمائة ، ففلج ثم مات وكان في حياته قد جعل نصر ، فقصده أخوه طغان خان بن طفغاج وحصره بسمرقند ، فاجتمع أهلها إلى شمس الملك وقالوا له : إن طغان خان قد خرب ضياعنا وأفسدها ، ولو كان غيره ساعدناك عليه ، ونحن لا ندخل بينكما ، فوعدهم المناجزة ( ۳ ) ، وخرج من البلد نصف الليل في خمسمائة غلام ، فكبس أخاه ، وهو غير متحفظ فهزمه ، وكان هذا وأبوهما باق ، ثم قصده هارون بن بغرا خان بن قدر خان وطغرل قرا خان وكان طفغاج خان قد استولى على ممالكهما ، فقصدا سمرقند فلم يظفرا بشيء ، فصالحا شمس الملك ، وعادا فصارت الأعمال المتاخمة لنهر جيحون الشمس الملك ، وأعمال الخافقة ، في أيديهما ، والحد بينهما خُجَنْدة ( ١ ) . ثم مات شمس الملك ، فملك بعده أخوه خضر خان ، ثم مات فملك بعده ابنه أحمد خان وهو الذي قبض عليه السلطان ملکشاه السلجقي ، ثم أعاده إلى ولايته وأحمد هذا هو ابن أخي تركان خاتون زوجة السلطان ملكشاه ، وكان أحمد خان قبيح الصورة والفعل كثير المصادرات ، فنظر الرعية منه ، وكاتبوا السلطان ملكشاه السلجقي ، واستغاثوا به وسألوه أن يقدم عليهم ليملك بلادهم ، فعبر ما وراء النهر في سنة اثنين وثمانين وأربعمائة ، وملك بخارى ( ٢ ) ، وما جاورها ، ثم سار إلى سمرقند ، فملكها وهرب أحمد خان واختفى في بيوت بعض العامة ، فعُمِز عليه ، وحُمِل إلى السلطان وفي عنقه حبل فأكرمه السلطان ، وأرسله إلى أصفهان واستولی ملکشاه علی سمرقند و بخارى واستعمل عليها من قبله على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في أخبار الدولة السلجقية . ثم ملك محمود خان ، وكان جده من ملوكهم وكان أصمّ ، فقصده طغان خان صاحب طراز ، فقتله ، واستولى على الملك واستناب بسمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي البغدادي ، فأقام ثلاث سنين وعصى على طغان خان فحاصره ، وقتله ، وقتل معه خلقا كثيرًا ، ثم خرج طغان خان إلى ترمذ ( ۳ ) يريد ، خراسان ، فلقيه السلطان سنجر السلجقي ، فظفر به وقتله ، وصار له أعمال ما وراء النهر فاستناب بها محمد خان بن کمشتكين بن إبراهيم بن طفغاج خان ، فأخذها منه عمر خان ، وملك سمر رقند ثم هرب من جنده ، وقصد خوارزم فظفر به لسلطان سنجر ، وولی محمد خان وولى محمد تكين بن طغان تكين بُخارى هؤلاء ملوك سمرقند وما والاها . ، . ، سمر قند ، وأما كاشغر وهي مدينة تركستان ، فإنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدر خان ، ثم صارت بعده لمحمود بغرا خان صاحب طراز والشاش ( ٤ ) خمسة عشر شهرا ، ثم مات فولّى بعده طغرا خان بن يوسف واستولى على الملك ، وملك بلاساغون ، وكان ملكه ستة عشر سنة ثم توفي وملك ابنه طغرل تكين فأقام شهرين ، ثم أتى هارون بغرا خان أخو يوسف طغرل خان بن طفغاج بغرا خان ، وعبر كاشغر ، وقبض على هارون ، وأطاعه عسكره ، وملك كاشغر وختن ، وما يتصل بها إلى بلاساغون ، وأقام في الملك عشرين سنة ، وتوفي في سنة ست وتسعين وأربعمائة ، فولّى بعده ابنه أحمد أرسلان خان وراسل الخليفة المستظهر بالله يطلب الخلع والألقاب فأرسل إليه ما طلب ولقبه نور الدولة ، ثم صار ملك ما وراء النهر لملوك الخطا ، وانقرضت الدولة الخانية ، وإنما ذكرناها في هذا الموضع لاتحادها وقربها من الدولة الغزنوية ، ولتكون أخبارهم متوالية . منه وسبب نرجع إلى أخبار يمين الدولة محمود بن سبكتكين . وفي سنة تسع ذكر غزوة الهند والأفغانية جمع يمين الدولة من الجموع ما لم يجمع قبله مثله ، وأربعمائة . هذا الاهتمام أنه لما فتح قنوج وهرب صاحبها منها ويلقب براي قنوج ، وراي لقب للملك ككسرى ، وقيصر فلما عاد إلى غزنة أرسل بيدا عظيم ملوك الهند وقسم مملکته كَجُوراهة ( ۱ ) رسلاً إلى راي قنوج واسمه راجيبال يوبخه على هربه ، وتسليم بلاده للمسلمين وطال الكلام ، بينهما ، فآل ذلك إلى الحرب بينهما ، فقتل راجيبال وأكثر جنوده ، فازداد بيدا بذلك عظمة وعتوا وقصده بعض ملوك الهند الذين ملك يمين الدولة بلادهم وخدموه وصاروا في جُملة جنده ، فوعدهم بإعادة ممالكهم إليهم ، فاتصل ذلك بيمين الدولة ، فتجهز للغزو ، وقصد بيدا ، وسار من غزنة ، وابتدأ كفار يسكنون الجبال ويفسدون ويقطعون الطريق ، فخرب بلادهم ، بالأفغانية ، وهم وأكثر فيهم القتل والأسر ، ثم استقل في السّير ، وبلغ في الهند ما لم يبلغه غيره ، وعبر نهر الكُنك ، فلما جاوزه وجد قافلةً تزيد على ألف جمل ، فغنمها وسار ، فأتاه خبرُ ملك من ملوك الهند يقال له تروجنيال أنه قد سار من بين يديه يريد بيدا ليحتمي به فلحقه في رابع عشر شوال فاقتتلوا عامة ، نهارهم ، فانهزم تروجنيال ومن معه ، وكثر فيهم القتل والأسر ، وغنم المسلمون أموالهم وأهليهم ، وأخذوا منهم جواهرا كثيرة وما يزيد على مائتي فيل وخرج ملكهم ، وأرسل يطلب الأمان ، فلم يؤمنه ، ولم يقنع منه بغير الإسلام ، فسار ثم قتله بعض الهنود ، ولما بلغ ذلك ملوك الهند تابعوا رسلَهم إلى يمين الدولة يبذلون الطاعة والإتاوة ، وسار بعد الوقعة إلى وهي من أخصن البلاد ، فرآها قد خلت من سكانها ، فأمر بهدمها ، وعشرة قلاع معها ، وقتل من أهلها خلقا كثيرًا ، وسار يطلب « بيدا » ، فلحقه ، وقد نزل إلى جانب نهر ، وأجرى الماء بين يديه فصار وحلا وترك عن يمينه وشماله طريقا يبسا يقاتل فيه إذا أراد القتال وكان عدة من معه ستة وخمسين ألف فارس ومائة ألف وأربعة وثمانين ألف راجل وأربعين فيلا فأرسل يمين الدولة طائفة من عسكره للقتال فأخرج إليهم بيدا مثلهم ، ولم يزل كل عسكر يمُدُّ أصحابه حتى كثر الجمعان ، واشتدت الحرب ، ودام القتال حتى حجز بينهما الليل فلما كان الغد بكر يمين الدولة للقتال ، فرآهم قد فارقوا موضعهم وانهزموا وركب كل فرقة منهم . طريقا ، ووجدوا خزائن الأموال والسلاح ، بحالها ، فغنم المسلمون جميع ذلك ، واقتفي آثار من انهزم ، فأكثر فيهم القتل والأسر ، ونجا بيدا ) وعاد يمين الدولة إلى غزنة . ، ذكر فتح قلعة من بلاد الهند ( 4 ) ، وفي سنة أربع عشرة وأربعمائة أوْغَل يمينُ الدولة في بلاد الهند ، فغنم وقتل حتى وصل إلى قلعة في رأس جبل منيع ليس يُضعد إليه إلا من طريق واحد ، وفيها خمسمائة فيل وغلات كثيرة ومياه ، فحصرها يمين ، الدولة وداوم الحصار ، وضيق عليهم ، وقتل منهم كثيرًا ، فطلبوا الأمان فأمنهم وأقرّ مِلكها فيها على خراج يؤخذ وأهدى له هدايا كثيرة وقيل إن هذا الملك هو كابلي وهو صاحب ألف فيل وكان فيما أهداه فيلة حوامل ومراضع وطائر على هيئة القمري ( ۳ ) جلبابه أدكن ( ) وعيناه ومنقاره حمر وجناحاه مخططان بسواد ومن خاصيته أنه إذا حضر على رأس الخوان ، وكان في الطعام سم دمعت عيناه وجرى منهما ماء ويتحجر فإذا أخذ ذلك الحجر ، وحُك وطلي به الجراحات الواسعة ألحمها وإن كان في البدن نصل تعسر اخراجه قوبل به فيجذبه حتى يمكن إخراجه فقبل هديته وأقره على جهته ، وعاد إلى غزنة مؤيَّدًا منصورًا. ذكر فتح سومنات وفي سنة ست عشرة وأربعمائة فتح يمين الدولة عدة حصون ومدن من بلاد الهند ، وأخذ الصنم المعروف بسومنات ( ۱ ) ، وهو أعظم أصنام الهند ، وكانوا يحجون إليه كل ليلة خسوف فيجتمع عنده ما ينوف على ألف إنسان ، وزعم الهنود أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه فينشئها فيما ينشأ ، وأن المد والجزر إنما هو عادة للبحر ويحملون إليه كلّ علق نفيس ، ويعطون سدنته ( ۲ ) الأموال الجليلة ، وفيه من نفيس الجواهر ما لا تُحصى قيمته وبينه وبين نهر الكنك الذي تعظمه الهنود نحو مائتي فرسخ يتحملون من ماء هذا النهر إلى سومنات ماء يغسل به في كل يوم ، وعنده من البراهمة ألف رجل لعبادته وتقديم الورّاد إليه ، وثلاثمائة رجل تحلق رؤوس زواره ولحاهم وخمسمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ، ويرقصون على باب الصنم ، ولكل منهم في كل يوم شيء معلوم ، وكان لسومنات من الضياع الموقوفة عليه ما يزيد على عشرة آلاف ضَيْعة قال وكان يمين الدولة كلما فتح فتحا من بلاد الهند ، وكسر أصناما ، تقول الهنود : إنا هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات ، ولو ذلك يمين الدولة عزم تقصدها بسوء » ، فلما أنه راض عنها لأهلك غزوه ، وإهلاكه لعل الهنود إذا فقدوه ، ورأوا دعاواهم باطلة دخلوا في دين الإسلام ؛ فاستخار الله تعالى وسار من غزنة في عاشر شعبان من هذه السنة في ثلاثين فارس من عساكره سوى المتطوعة ، وسلك طريق المُلتان فوصلها في منتصف شهر رمضان ، وفي طريقه إلى الهند قفارٌ لا تُسلك لا ماء فيها ولا ميرة ، فحمل ما يحتاج إليه هو وعسكره ، وزاد بعد الحاجة عشرين ألف ، جمل تحمل الماء والميرة ، وقصد أنهلوارة ، فلما قطع المفازة رأى في طريقها حصونًا مشحونة بالرجال فيسر الله فتحها عليه ، وامتار منها ، وسار إلى أنهلوارة ، فوصلها في مستهل ذي القعدة ، فهرب عنها صاحبها المدعو نهيم وقصد حصنًا له يحتمي به فاستولى يمين الدولة على المدينة وسار إلى سُومَنَات ، فلقي في طريقه عدة حصون بها كثير من الأوثان تشبه الحجاب والنقباء لسومنات فقاتل من بها ، وفتحها وخربها وكسر أصنامها ، وسار منها إلى مفازة قفر قليلة المياه فلقي فيها عشرين ألف مقاتل من سكانها لا يدينون لملك ، فهزمهم ، وغنم مالهم وامتار من عندهم ، وسار حتى بلغ دبو أن سومنات يمنعهم ، ويدفع عنهم ، مرحلتين من سومنات ، وقد ثبت أهلها ظنّا يوم منهم الجمعة فاستولى عليها وقتل ، رجالها وغنم أموالها وسار عنها ، فوصل إلى سومنات في الخميس منتصف ذي القعدة فرأى حصنًا حصينا على ساحل البحر تبلغه أمواجه وأهله على الأسوار ينظرون المسلمين فلما كان الغد ، وهو يوم زحف ، وقاتل حتى قارب السور فصعده المسلمون هذا والهنود تتقدم إلى سومنات ، وتعفّر وجوهها في الأرض وتسأله النصر ، واستمر القتال إلى الليل ، ثم بكر المسلمون إليهم ، وقاتلوهم فأكثروا في الهنود ، وأزاحوهم عن المدينة ، فالتجؤوا إلى بيت صنمهم ، فقاتلوا على بابه أشد قتال فكان الفريق منهم بعد الفريق يفرون إلى الصنم ، فيستغيثون ، به ويبكون ويتضرعون إليه ويخرجون فيقاتلون إلى أن يقتلوا حتى كاد الفناء يستوعبهم وبقي منهم شرذمة دخلوا البحر في مركبين لهم ، فأدركهم المسلمون فقتلوا بعضهم ، وغرق بعضهم . وأما البيت الذي فيه سومنات ، فإنه مبني على ست وخمسين سارية من الساج ( ٢ ) المصفح بالرصاص وسومنات حجر طوله خمسة أذرع ثلاثة مدورة ظاهرة ، وذراعان في البناء ، وليس هو بصورة مصوّرة فكسره يمين ، الدولة وأحرق بعضه ، وأخذ بعضه معه إلى غزنة فجعله عتبة لباب الجامع ، وكان بيت الصنم مظلما ، وإنما كان الضوء فيه من قناديل الجوهر ، وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس وزنها مائتا من كلما مضت طائفة من البراهمة من عبادتهم حركوا الجرس فتأتي طائفة أخرى ، وعنده خزانة فيها عدة كثيرة من الأصنام الذهب والفضة وعليها الستور المرصعة بالجوهر . كل منها منسوب إلى عظيم من عظماء الهند وقيمة ما في البيوت يزيد على عشرين ألف دينار فأخذ الجميع وكانت عدة القتلى تزيد على خمسين ألف قتيل ، ثم ورد الخبر على يمين الدولة أن نهيم صاحب أنهلوارة قصد قلعة تسمّى كندهة ، في البحر بينها وبين البر من جهة سومنات أربعون فرسخًا ، فسار يمين الدولة من سومنات ، فلما حاذى القلعة رأى صيادين فسألهم عن خوض البحر هناك ، فقالوا إنه ممكن ، ولكن إذا تحرك الهواء غرق من فيه فاستعان بالله تعالى وخاض هو ومن معه ، فسلموا فرأوا نهيم قد فارق القلعة وأخلاها فعاد عنها وقصد المنصورة ، وكان صاحبها قد ،ارتد عن الإسلام ، ففارقها واحتمى بغياض منيعة ، فأحاط يمين الدولة بتلك الغياض ؛ فقتل أكثر من بها من الهند وغرق بعضهم ولم ينج منهم إلا القليل ، ثم سار إلى فأطاعه أهلها ، فرحل إلى غزنة فوصلها في عاشر صفر سنة . سبع عشرة وأربعمائة ، فكانت غيبته في هذه الغزوة ستة شهور . بهاطية ذکر ملكه الري وبلد الجبل وفي سنة عشرين وأربعمائة سار يمين الدولة نحو الري ، فانصرف منوجهر بن قابوس صاحب جرجان و طبرستان بين يديه وحمل إليه أربعمائة ألف دينار ، وكان مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه قد كاتب يمين الدولة يشكو إليه من جنده ، وكان متشاغلاً بالنساء ، ومطالعة الكتب ، ونسخها . وكانت أمه تدبر المملكة ، فلما ماتت . طمع فيه الجند قال : فلما وصلت كتبه إليه سيّر إليه جيشًا ، وجعل المقدم علهيم حاجبه ، وأمره بالقبض على مجد الدولة ، فسار الحاجب بالعسكر ، فلما وصل تلقاهم مجد الدولة ، فقبض عليه الحاجب وعلى ولده أبي دلف ، فانتهى الخبر إلى يمين الدولة ، فسار إلى الري ، ودخلها في شهر الآخر ، وأخذ من الأموال ألف ألف ربيع دينار ، ومن الجواهر ما قيمته خمسمائة ألف دينار ، ومن الثياب ستة آلاف ثوب ، ومن الآلات وغيرها ما لا يحصى ، قيمته وأحضر مجد الدولة وسيره إلى خراسان ثم ملك قزوين وقلاعها ، ومدينة ساوة ( ۱ ) ، وآوة ( ۳ ) ، وياقت ، وقبض على صاحبها ، وسيره إلى خراسان ولما ملك يمين الدولة الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر وجد لمجد الدولة من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفا وثلاثين ولدا ، وأنه لما سئل عن ذلك قال : هذه عادة سلفي » ، وصلب من أصحابه الباطنية خلقا كثيرًا ، ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال ، وأخذ ما سواها من الكتب فكانت مائة ، حمل وتحصن منوجهر بن قابوس بن وشمكير بجبال ، حصينة ، فلم يشعر إلا وقد أطلّ يمين الدولة عليه ، فهرب إلى غياض ملتفة حصينة وبذل له خمسمائة ألف دينار فأجابه يمين الدولة إلى ما طلب . وقبض المال وسار عنه إلى نيسابور . ثم توفي منوجهر عقيب ذلك ، وولي بعده ابنه أنو شروان فأقره محمود على ولايته وقرّر عليه خمسمائة ألف دينار أخرى ، وخطب لمحمود في أكثر بلاد الجبل إلى حدود أرمينية . وخطب له بأصفهان ، وعاد إلى خراسان ، واستخلف بالريّ ابنه ، مسعود فقصد أصفهان ، وملكها من علاء الدولة . وعاد عنها واستخلف بها بعض أصحابه فثار أهلها ، فقتلوه ، فعاد إليهم مسعود ، فقتل منهم نحو خمسة آلاف قتيل وسار إلى الري فأقام بها . والله أعلم بالصواب . ذكر ملك مسعود بن يمين الدولة محمود همذان وفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة سيّر مسعود جيشًا إلى همذان ، فملكها من نواب علاء الدولة بن بويه ، وسار هو إلى أصفهان ( ۱ ) ، ففارقها علاء الدولة ، فغنم مسعود ما كان له بها من دواب وسلاح وذخائر وغير ذلك ، ثم عاد إلى بلاده . ذكر غزوة للمسلمين بالهند وفي هذه السنة غزا أحمد : ينال تكين النائب عن محمود بن سبكتكين ببلاد الهند مدينة برسي وهي من أعظم مدن الهند وكان معه نحو مائة ألف فارس وراجل فشنّ الغارة على البلاد ونهب وسبى فلما وصل إلى المدينة ، دخل من أحد جوانبها ونهب المسلمون يوما كاملاً ، ولم يفرغوا من سوق العطارين والجوهريين فحسب ، وباقي أهل البلد لم يعلموا بذلك لأن طول البلد منزلة ، وعرضه منزلة من منازل الهند فلما جاء المساء لم يجسر أحد على المبيت فيه لكثرة أهله ، وبلغ من كثرة ما نهب المسلمون أنهم اقتسموا الذهب والفضة بالكيل ولم يصل لهذه المدينة عسكر المسلمين قبله ولا بعده . ذكر وفاة يمين الدولة محمود بن سبكتكين وشيء من سيرته كانت وفاته رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربعمائة ومولده يوم عاشوراء سنة ستين وثلاثمائة ، فكان عمره إحدى وستين سنة وثلاثة أشهرتقريبا ، ومدة سلطنته ثلاثا وثلاثين سنة وشهرين وكان مرضه سوء مزاج وإسهال ، كذلك وبقي نحو سنتين وكان قوي النفس لم يضع جنبه في مرضه بل كان يستند إلى مخدته ، وكان يجلس للناس طرفي النهار ؛ ولم يزل كذلك حتى توفي قاعدًا ، وكان عاقلا دينا خيرًا عنده علم ومعرفة ، وصُنّف له كثير من الكتب في فنون العلوم ، وقصده العلماء من أقطار البلاد ، وكان يكرمهم ويقبل عليهم ويصلهم ، وكان عالي الهمة ، قد ذكرنا من فتوحه وغزواته ما يستدل به على ذلك ، ولم يكن فيه ما يعاب إلا طمعه في الأموال فكان يتحيَّل على أخذها بكل طريق وهو الذي جدد المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى الرضا والرشيد وكان أبوه قد أخربه . قال : وكان يمين الدولة رُبعة القامة حسن الوجه صغير العينين ، أحمر الشعر . ( 1 ) ذكر سلطنة محمد بن محمود أصغر من الآخر وهو الرابع من ملوك الدولة الغزنوية ملك بعد وفاة أبيه في شهر ربيع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة بوصية من أبيه قال : وهو أخيه مسعود ، وكان عند وفاة أبيه ببلخ ، فخطب له من أقاصي الهند إلى نيسابور ، ولقب جلال الدولة ، فأرسل إلى أعيان الدولة يستدعونه ويحثونه على الوصول إليهم ، ويخوفونه أخيه مسعود ، فسار إلى غزنة فوصلها بعد وفاة أبيه بأربعين يوما ، واجتمعت العساكر على طاعته ، ففرق فيهم من الأموال .


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

تتفوق الكتب الإ...

تتفوق الكتب الإلكترونية على الكتب الورقية في كونها سهلة الحمل والتخزين، حيث يمكن الوصول إليها في أي ...

حال المرأة الغر...

حال المرأة الغربية في أوروبا والغرب بالنظر إلى التاريخ الغربي، سنجد أن المرأة لم تكن تُعامل بوصفها ك...

ثانياً: تعريف ا...

ثانياً: تعريف الإعاقة والمعاق: [أ] تعريف الإعاقة: لقد تعددت تعاريف الإعاقة ومنها: * التعريف الأول: ...

● Revenue Trend...

● Revenue Trend Graph: On the left side (for example), we have a line chart showing revenue over tim...

hello students ...

hello students Welcome to our preclinical pharmacology Channel today we are going to discuss some in...

رابعا : خاصية ا...

رابعا : خاصية التدرج و الخضوع الرئاسي خضوع النيابة العامة للسلطة الرئاسية يعني أن على عضو النيابة ا...

عوامل الخطر الم...

عوامل الخطر المرتبطة بمتلازمة الأكل الليلي تشمل مجموعة من العوامل النفسية، السلوكية، والبيئية التي ق...

- كما ان للفطري...

- كما ان للفطريات اهمية كبيرة فى التربة الزارعية حيث انها تقوم بتحليل معظم البقايا النباتية مثل السل...

عيد الفطر في ال...

عيد الفطر في المنطقة الشمالية من المملكة العربية السعودية يحمل طابعًا مميزًا يجمع بين **الترابط الاج...

الصدقة في السنة...

الصدقة في السنة والأحاديث النبوية الصدقة تُعتبر من أفضل الأعمال التي يُثاب عليها المسلم، وقد جاء في ...

المبحث الأول ا...

المبحث الأول الوالدية الإيجابية إن منطق التوفيق المناهض لنفيضه (التلفيق) يوجب عند الكتابة عن ظاهرة...

وطئة ا ً ّد فهم...

وطئة ا ً ّد فهم النماذج النظرية الكربى يف ميدان االتصال أمر ع ُ ي ا لتكوين تصور شامل عن كيفية اشتغال...