Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (8%)

أن مصر مهد املذهب الشافعي، العظمى في مصر تدين بالإسلام، ومهما يكن من الأمر فإن لذي النون فضلا كبريًا في وضع كثري من
ً كان من شهرتها أن كتب لها زهاء تسعني شرحا بالعربية والفارسية والتركية والبربرية
والحق أن الأزهر كان له شأن عظيم
املقدسة من رعاية. ً ملكا على الحجاز لم يسمح بدخول جند مصريني يحرسون املحمل أو موسيقى تتقدم
بماضيه، ومن خري ما كتب بإيجاز في شرح مدرسة الشيخ محمد عبده ما
لم
تكييف نفسه مع البيئات التي حل فيها، ً في بعض الأحيان إلى أبيه محمد
الكندي صاحب كتاب «ولاة مصر وقضاتها». ولعل شهرة املقريزي ترجع قبل كل شيء إلى كتابه «املواعظ والاعتبار في ذكر
ولا ننسى في هذه املناسبة أن مصر
وكان ابن منظور صاحب «لسان العرب» من رجال ديوان الإنشاء
اتجه بعض الأساتذة إلى البحث في أثر البيئة املصرية البحتة في العلوم والفنون الإسلامية
ولكن البيئة التي تشري إليها بعض القصص املذكورة هي
وكانت مصر والشام مهد املوسوعات واملجاميع الإسلامية، فإن معظم الذين ألفوا
أو كانوا من الشاميني في عصر
وأبو العباس أحمد القلقشندي
وكتب ابن النفيس
والشام في القرنني السادس والسابع بعد الهجرة (١٢ و١٣م) بأسلوب علمي يفوق كل
بل لقد استطاعوا سنة ٣٤ه٦٥٥/م
وبعد أن كان البحر الأبيض املتوسط في عهد جستنيان بحرية بيزنطية
الزخرفية التي استخدمها الفنانون املسلمون في مصر مشتقة من املوضوعات الزخرفية
كما أن أقدم ما نعرفه من جلود الكتب الفنية الإسلامية
وحسبنا أن نقرأ وصف
التحف الفنية التي جمعها الخلفاء الفاطميون،


Original text

ولنعرج الآن على بعض مظاهر الحضارة الإسلامية لنرى الدور الذي كان ملصرفي تطورها،
ً ولكن علينا أن نذكر دائم ً ا أن وادي النيل كان من أكثر الأقاليم التي فتحها العرب إقبالا
ً على اعتناق الإسلام، وأن الدين الجديد أيقظ مصر، وكان حافزا لها على أن تنهض بعد
أن ظلت نحو عشرة قرون خاضعة لحكم الروم. ولا يفوتنا أن مصر إحدى الأمم القليلة
التي تخلت نهائيٍّا عن ماضيها الوطني، وعن لغتها القومية، ورمت بنفسها في أحضان
الإسلام واملدنية الإسلامية، وفي الحق أننا نستطيع أن نتتبع تطور الثقافة في مصر منذ
فجر الإسلام إلى العصر الحاضر، فنجد سلسلة متصلة الحلقات من الآثار الأدبية والعلمية،
ً ولا غرو فقد أصبحت منذ دخول العرب إليها مركزا علميٍّا في اململكة الإسلامية كما هي
1
مركز سياسي.
َّ فكان للمصريني شأن واضح في علم القراءات، وكانوا أساتذة القراء في الأندلس
واملغرب، وفي علم الحديث زار أصحاب الكتب الستة مصرفيما زاروه من الأقاليم الإسلامية،
واعتمدوا على رواية كثري من املصريني. وكان أحدهم — وهو النسائي صاحب «السنن» —
عظيم الاتصال بمصر، فقد عاش فيها حقبة طويلة من عمره، ومن أقدم علماء الحديث
عبد الله بن وهب املصري صاحب كتاب «الجامع في الحديث»، وقد عثر على نسخة بردية
منه ترجع إلى القرن الثالث الهجري.
وممن نبغوا في علوم الدين من املدرسة املصرية في فجر الإسلام عبد الله بن لهيعة،
والليث بن سعد. وقد انتشر مذهب الإمام مالك في مصر منذ البداية، والحق أن لواديالنيل الفضل الأكبر في انتشار هذا املذهب في إفريقية واملغرب والأندلس. وكذلك وفد الإمام
الشافعي على مصر، وقويت مدرسته فيها، وأخذ عنه املصريون طريقته في املناظرات
2 وصفوة القول
َّ الفقهية، والكتابة العلمية، ولكنه تأثر بمصر، وكون مذهبه الجديد فيها.
أن مصر مهد املذهب الشافعي، وأن من املصريني أعظم رجاله.
ونلاحظ في هذه املناسبة أن تغيريًا كبريًا تم في وادي النيل منذ القرن الثالث الهجري
ً (التاسع امليلادي)، فقد اندمج املسلمون اندماجا كليٍّا في الأمة الإسلامية، وأصبحت الأغلبية
العظمى في مصر تدين بالإسلام، كما أصبحت العربية لغة املصريني من مسيحيني
ومسلمني، وتزوج العرب من بنات املصريني الذين اعتنقوا الإسلام، فهوى الحاجز الذي
كان يفصل في البداية بني العرب وغري العرب.
وقد كان ملصر شأن يذكر في حياة املذهب الشيعي، وتطور تعاليمه، فلم تكن مصر
حاضرة الإمبراطورية الفاطمية الشيعية فحسب، بل إن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر
ٍّ الله ادعى الألوهية نتيجة للعقائد الفاطمية في أشد درجاتها غلوا، وأعلن أنصاره عبادته
وتوحيده وتنزيهه، وكان على رأس هؤلاء الأنصار داع اسمه درزي، وإليه ينسب مذهب
الدروز الذين يعيشون في الشام، ويعبدون الحاكم بأمر الله إلى اليوم، ويعتقدون بأنه لم
3
ً يمت، وإنما اختفى وسيظهر يوما من الأيام.
وكذلك كان ملصر سبق مذكور في ميدان التصوف، فاملعروف أن ذا النون املصري
كان من أكبر النساك في بداية التصوف، وقد عاش ذو النون في مصر وتوفي في الجيزة
سنة ٢٤٥ه٨٦٠/م، ويعدونه من أقطاب الصوفية، بل يقال إنه أول شيخ أعلن اعتناقه
ً العقيدة الصوفية، ومهما يكن من الأمر فإن لذي النون فضلا كبريًا في وضع كثري من
التعاليم الصوفية كما نعرفها الآن، وإليه ينسب القول بأن الوجد وليس العلم هو السبيل
الوحيد ملعرفة الله املعرفة الحقيقية.
وفضلا عن ذلك فإن أكبر الشعراء الصوفية هو ابن الفارض املصري (٥٧٧–
٦٣٢ه١١٨١/–١٢٣٥م)، وقصيدته التائية الكبرى التي مطلعها:
وفضلا عن ذلك فإن أكبر الشعراء الصوفية هو ابن الفارض املصري (٥٧٧–
٦٣٢ه١١٨١/–١٢٣٥م)، وقصيدته التائية الكبرى التي مطلعها:
نعم بالصبا قلب صبا لأحبتي فيا حبذا ذاك الشذا حين هبت
فيها زهاء سبعمائة وخمسني بيتًا، وليست من العيون الفريدة في الأدب العربي
فحسب، ولكنها ذات شأن عظيم في دراسة التصوف الإسلامي.
وممن كان لهم شأن عظيم من شعراء مصر محمد بن سعيد البوصريي املتوفى
نحو ٦٩٦ه١٢٩٧/م، فقد نظم في مدح النبي — عليه السلام — عدة قصائد، أشهرها
قصيدته املشهورة بالبردة، والتي مطلعها:
أمن تذاكر جيران بذي سلم مزجت دمعا جرىمن مقلة بدم
وقد أتيح لهذه القصيدة أن تصيب من الذيوع والانتشار أكثر من أي قصيدة عربية
ً أخرى، واملعروف أن الشاعر نظمها توسلا إلى الله أن يشفيه من فالج نصفي أصيب
ً به، فرأى النبي في املنام يلقي عليه بردته فانتبه من النوم سليم ً ا معافى، وبعد أن كانت
القصيدة تسمى «الكواكب الدرية في مدح خري البرية» أصبحت تعرف باسم «البردة»، وقد
ً كان من شهرتها أن كتب لها زهاء تسعني شرحا بالعربية والفارسية والتركية والبربرية
كما ترجمت إلى شتَّى اللغات واللهجات، ولا زالت أبياتها ترتل في الجنازات، وتكتب في
التعاويذ حتى اليوم.
وقد بلغ الصوفية أوج عزهم في مصر في أيام صلاح الدين الأيوبي وخلفائه كما
يشهد بذلك العدد الوافر من البيوت التي شيدت لهم، والتي تعرف باسم الخوانك (جمع
خانكاه)، وعلى رأسها الخانكاه الصلاحية التي فتحها صلاح الدين «للفقراء الصوفية
4
الواردين من البلاد الشاسعة»، ورتب الأوقاف للإنفاق عليهم.
وقدر للجامع الأزهر الذي شيده الفاطميون أن يصبح أكبر جامعة إسلامية للعلوم
الدينية العالية يفد إليها الطلاب من جميع أصقاع العالم الإسلامي، ويحملون إلي بلدانهمما يفيدونه من الحركات العلمية في وادي النيل، والحق أن الأزهر كان له شأن عظيم
جدا في املحافظة على التراث الثقافي الإسلامي، وفي إعلاء مكانة مصر بني الأمم الإسلامية.
ٍّ
ومن الطقوس الدينية التي كان ملصر صلة وثيقة بها إرسال املحمل إلى الحجاز،
فقد قيل أن شجرة الدر هي التي ابتدعت هذه السنة، وجاء في بعض املصادر القديمة
أنها ترجع إلى عصر الحجاج عامل بني أمية على العراق. ومهما يكن من الأمر فإن
السلطان اململوكي الظاهر بيبرس كان أول من أقام الحفلات والطقوس في هذه املناسبة،
وتبعه في ذلك أمراء مصر حتى العصر الحديث. وكان الأمراء في مصر والشام والعراق
واليمن يقصدون بإرسال املحمل إظهار استقلالهم وعظمتهم، وما يشملون به الأماكن
املقدسة من رعاية. واملعروف أن الوهابيني حني فتحوا مكة منعوا إرسال املحمل، ولكن
هزيمتهم على يد محمد علي أعادت إلى املحمل املصري مكانته. وملا أصبح ابن السعود
ً ملكا على الحجاز لم يسمح بدخول جند مصريني يحرسون املحمل أو موسيقى تتقدم
موكبه، وكان هذا املوقف سببًا في منع املحمل من السفر إلى أن نجحت مصر والحجاز في
السنني الأخرية في عقد اتفاق بهذا الشأن.
وأصبحت مصر في العصر الحديث املركز الثقافي في العالم الإسلامي، ونبغ من
رجالها الشيخ محمد عبده الذي يعد من أعظم الفقهاء املسلمني نفوذًا في العصور
الأخرية، وإليه يرجع الفضل في إزالة العوائق التي كانت تشل حركة الإسلام، وتمنعه من
التجديد على أساس تحكيم العقل، فأطلق الهمم لتعمل على التوفيق بني الإسلام والحياة
الجديدة في العالم الإسلامي املتأثر بالثقافة الغربية. وكان للشيخ محمد عبده الفضل
في إدخال العلوم الحديثة في الأزهر، وفي تفسري الإسلام تفسريً ً ا جديدا، لا يقطع صلته
بماضيه، ولا يقعده عن مسايرة النهضات الحديثة. والحق أن الأستاذ الإمام وتلاميذه
من بعده عملوا كثريًا في هذه السبيل، وانتشر نفوذهم في العالم الإسلامي كله، فبعث فيه
نهضة فكرية مباركة. ومن خري ما كتب بإيجاز في شرح مدرسة الشيخ محمد عبده ما
كتبه املستشرق الإنجليزي الأستاذ جب في كتابه «وجهة الإسلام»، وإلى القارئ نبذة منه
منقولة عن الترجمة العربية للأستاذ محمد عبد الهادي أبو ريدة (ص٤٩-٤٨):
غري أن الأفكار التي تأسست عليها كلية عليكرة (الجمع بني الإسلام والرقي
ً العلمي الحديث) أخذت تدب أيضا في نفوس أهل السنة في مصر، ولكنها هنا
ً نزعت نزعة أعظم خطورة، وأوسع شمولا للجماعة الإسلامية في جملتها، لم
تكن هذه النزعة أقل من محاولة تأويل العقائد الإسلامية من جديد، وصوغهابما يتلاءم مع الفكر الحديث، ولكن الذين قاموا بهذا لم يكونوا من العلمانيني
املثقفني ثقافة أوروبية، بل قام به جماعة من الفقهاء الإخصائيني. وإذا أردنا
أن نفهم الخطورة التامة لهذه الحركة ولوسائلها يجب أن نلقي نظرة عجلى
على إحدى مميزات منهج علم الفقه الإسلامي، لقد رأينا أن الإسلام الأول خرج
من جزيرة العرب مرنً ً ا بعض املرونة، وأنه قضى قرنني أو زهاءها عاملا على
تكييف نفسه مع البيئات التي حل فيها، وعلى وضع تفاصيل علومه الفقهية،
وقد بلغ هذا الأمر كماله بفضل جهود العلماء والفقهاء الذين أقر لهم الجميع
بالقدرة على الاجتهاد، أو استنباط أحكام حاسمة في مسائل العقائد والأحكام،
ومتى صدرت هذه الأحكام اعتبرت غري قابلة للتغيري، ثم أخذ باب الاجتهاد
يضيق تدريجيٍّ َّ ا إلى أن انتهى إلى مسائل قليلة الخطر، حتى إذا ما بت في أمرها
أغلق باب الاجتهاد نهائيٍّا، ومن ذلك الحني لم يكن لعالم عند أهل السنة مهما
َّ ارتفع شأنه أن يدعي لنفسه لقب مجتهد (أما عند الشيعة، فإن النابهني من
علماء الدين لا يزالون يحملون هذا اللقب حتى اليوم).
وظل أهل السنة ما يقرب من عشرة قرون يسريون في حياتهم الدينية
«بالتقليد»، أعني بمقتضى أحكام السلف املتقدمني، كانت هذه العقيدة هي
موضوع الجدل بني الأحرار من فقهاء مصر الذين ذهبوا يؤكدون أن تغري
ظروف الحياة، وأن النزعات الفكرية الجديدة يجعلان اطراح مجرد التقليد،
ً وفتح باب الاجتهاد من جديد أمر ً ا محتما، ويؤكدون أن تنافر الإسلام مع
الفكر الحديث إنما يعزى إلى ما يحيط به من املذاهب الجدلية البالية للعصور
املتوسطة، وأن الإسلام — على عكس ذلك — إذا فهم حق الفهم في صورته
الأصلية فإنه يكون على تمام الوفاق مع نتائج البحث العلمي املمحصة، بل
إنه ليكون أكثر توافقً ا مع تلك النتائج من أي نظام ديني آخر. وقد وجدوا
ً زعيم ً ا عظيما في شخص الشيخ محمد عبده (املتوفى سنة ١٩٠٥م) الذي
يعد من أشهر الشخصيات املحترمة في تاريخ الإسلام الحديث، والذي جذبت
ً إليه شخصيته ومواهبه طائفة كبرية من املعجبني به، وأكسبت الحركة أتباعا
كثريين لا في مصر فحسب، ولكن في البلاد الإسلامية الأخرى.
ولنعرج الآن على نصيب مصر من النواحي الأدبية والعلمية من الثقافة الإسلامية.
والحق أن مصر كانت لها منذ البداية مكانة خاصة عند املسلمني، إذ إنها ذُكرت في عدة مواضع في القرآن، وفي الأحاديث، وهي فضلا عن ذلك موطن مارية القبطية زوج النبي
— عليه السلام. وقد كانت بعض الأحاديث التي تنسب إلى النبي عن «فضائل مصر»
نواة لفصول في هذا الصدد كتبها املؤرخون واملؤلفون املصريون في العصور الوسطى،
بل قد ألف فيه بعضهم كتبًا مستقلة، ومنها كتاب «فضائل مصر» الذي ألفه عمر بن
ً في بعض الأحيان إلى أبيه محمد
محمد الكندي لكافور الإخشيدي، والذي ينسب خطأ
الكندي صاحب كتاب «ولاة مصر وقضاتها».
على أننا نذهب إلى أن أكبر نصيب ملصر في الثقافة الأدبية الإسلامية إنما هو ما
كتبه املصريون في التاريخ. والحق أنه ليست هناك أمة إسلامية أخرى تستطيع أن تفخر
بمثل ما خلفه املصريون من دراسات في تاريخ بلادهم، وأنظمتها السياسية. واملؤرخون
املصريون في العصور الوسطى لم يكتبوا في التاريخ السياسي، وفي التراجم فحسب، بل
فاقوا سائر الكتاب املسلمني في دراسات الخطط والآثار، التي يعتبر املقريزي بطلها
املمتاز.
ولعل شهرة املقريزي ترجع قبل كل شيء إلى كتابه «املواعظ والاعتبار في ذكر
الخطط والآثار»، فهو على رأس املراجع الأساسية ملن يشتغلون بتاريخ مصر وآثارها،
ونظمها في العصر الإسلامي.
ومن املؤلفني املصريني الذين كتبوا في الخطط ابن عبد الحكم، والكندي، وابن
زولاق، والقضاعي، والأوحدي، ثم اقتفى أثرهم في العصر الحديث علي مبارك باشا في
كتابه «الخطط التوفيقية الجديدة ملصر والقاهرة»، والأستاذ محمد كرد علي بك في كتابه:
«خطط الشام»، وهو وثيق الصلة بمصر ملا كان بني البلدين من اتحاد سياسي في العصر
الإسلامي.
ً وقد أنجبت مصر عدد ً ا وافرا من املؤرخني، وحسبنا أن نذكر ابن الحكم، وابن الداية،
والكندي، وابن زولاق، وابن أبي أصيبعة، وابن الراهب القبطي، والعماد الأصفهاني، وأبا
شامة، وابن واصل، والقفطي، وابن خلكان، وابن شداد، والذهبي، واملقريزي، والعيني،
وابن تغري بردي، وأبا الفدا، والسخاوي، وابن إياس. ولا ننسى في هذه املناسبة أن مصر
كان لها أثر ظاهر في حياة ابن خلدون، فقد ولي القضاء بها، وكتب فيها الجزء الأكبر
ً من كتابه في التاريخ، ثم توفي بعد أن أقام بها زهاء عشرين عاما.
وقد نبغ من علماء اللغة العربية في مصر طاهر بن بابشاذ الذي تولى ديوان
الإنشاء في العصر الفاطمي، وكان إمام عصره في النحو، وكذلك ابن بري، وابن الحاجب،وابن مالك الطائي. وكان ابن منظور صاحب «لسان العرب» من رجال ديوان الإنشاء
بمصر في عصر املماليك، وكان للمصريني طريقة أدبية في البلاغة، ومذهب يختلف عن
5 واملعروف أن في كلية
املذهب الفلسفي أو الكلامي الذي اتخذ في سائر الأقطار العربية،
الآداب بجامعة فؤاد الأول حركة ترمي إلى العناية بدرس الأدب املصري الإسلامي، وقد
اتجه بعض الأساتذة إلى البحث في أثر البيئة املصرية البحتة في العلوم والفنون الإسلامية
التي ازدهرت في مصر.
وأكبر الظن أن وادي النيل كان مهد القصص الشعبية الشرقية، فإن هذه القصص
اليت يحفظها القصاص، ويقبل العامة على سماعها أو قراءتها قد تم صوغها في مصر
فاتخذت فيها شكلها الحالي، إن لم تكن قد نشأت فيها منذ البداية. والحق أن قصص
عنتر، والظاهر بيبرس، وأبي زيد، وسيف بن ذي يزن يبدو عليها الطابع املصري، بالرغم
من أن بعضها تدور حوادثه في بيئة غري مصرية.
ولا ريب في أن مصر كان لها نصيب وافر في «قصص ألف ليلة وليلة» التي نعرفها
الآن، ولسنا ننكر أن هذه القصص مختلفة العناصر، وأن بعضها يرجع إلى العراق في
القرن الرابع الهجري (١٠م)، ولكن البيئة التي تشري إليها بعض القصص املذكورة هي
ً البيئة املصرية، فضلا ً عن أن مؤرخا مصريٍّا اسمه القرطي كتب تاريخ مصر في عصر
ً العاضد آخر خلفاء الفاطميني، أشار إلى وجود قصص ألف ليلة وليلة، وفضلا عن ذلك
6
فإن في هذه القصص ما يشري إلى مصر في عصر املماليك.
وكانت مصر والشام مهد املوسوعات واملجاميع الإسلامية، فإن معظم الذين ألفوا
الكتب الجامعة للموضوعات املختلفة كانوا من املصريني، أو كانوا من الشاميني في عصر
اتحاد البلدين. فالنويري صاحب «نهاية الأرب في فنون الأدب» كان من رجال السلطان
اململوكي الناصر محمد بن قلاوون، وابن فضل الله العمري صاحب «مسالك الأبصار في
ممالك الأمصار» تولى القضاء بمصر في عصر املماليك، وأبو العباس أحمد القلقشندي
ً صاحب «صبح الأعشى» كان أيضا من املوظفني املصريني في ذلك العصر، وجلال الدينالسيوطي تولى الإفتاء بمصر وتوفي في بداية القرن العاشر الهجري (١٦م) بعد أن ألَّف
الكتب والرسائل العديدة في التفسري والحديث والتاريخ والفقه وعلوم اللغة، وغريها.
ِّ والحق أن كتابة املوسوعات من أخص مميزات الحركة الأدبية بمصر في العصر اململوكي.
ولا ننسى في هذه املناسبة أن بطرس البستاني اللبناني الأصل قام في العصر الحديث
بكتابة دائرة املعارف املنسوبة إليه، وكانت رعاية هذا املشروع للخديوي إسماعيل الذي
يرجع إليه الفضل في تشجيع البستاني من الناحيتني املادية والأدبية.
ومن العلماء املصريني الذين نبغوا في ميدان العلوم أبو كامل شجاع ابن أسلم، وعلي
بن يونس، وابن الهيثم، وعلي بن النفيس. أما شجاع بن أسلم، فقد ذاع صيته في علم
الجبر في بداية القرن الرابع الهجري (١٠م)، وكتب فيه فزاد على ما خلفه الخوارزمي
في كتابه «الجبر واملقابلة». وابن يونس اشتهر بالرياضيات والفلك في العصر الفاطمي،
واخترع الرقاص أو بندول الساعة الدقاقة، وكان لأرصاده الفلكية وبحوثه العلمية أثر
كبري في علم الفلك. أما ابن الهيثم، فكان أكبر علماء املسلمني في الطبيعة، بل أعظم علماء
الطبيعة في العصور الوسطى، ولولاه ملا أتيح لعلم البصريات أن يصل إلى ما هو عليه
الآن، وقد ترجم كتابه في هذا العلم إلى اللاتينية سنة ١٥٧٢م، وأخذ عنه علماء أوروبا
جميع معلوماتهم، ولا سيما في موضوعات انكسار الضوء، وتشريح العني، وكيفية تكوين
7
الصور على شبكية العني.
وممن ازدهروا بمصر في ميدان الطب علي بن النفيس الذي كان رئيس الأطباء
في مارستان قلاوون بالقاهرة، واملتوفى سنة ٦٨٧ه١٢٨٨/م، وقد كان فوق اشتغاله
بالطب من البارزين في العلوم الدينية واللغوية والأدبية في عصره. وكتب ابن النفيس
ًشرحا لتشريح ابن سينا وصلت إلينا نسخة مخطوطة منه، وقد ظهر من دراستها أن
هذا الطبيب املصري اهتدى إلى حقيقة الدورة الدموية الصغرى «دورة الدم من البطني
الأيمن في القلب إلى الرئتني ثم إلى البطني الأيسر» قبل أن يكشفها الأوربيان ميشيل سرفت
Serfet Michel سنة ١٥٥٦م، وريالدو كولومبو Colombo Realdo سنة ١٥٥٩م،
وسبقهما إلى ذلك بنحو ثلاثة قرون.
وكتب البيطرة نادرة في اللغة العربية، ولكن من أعظمها كتاب قدمه إلى الناصر
محمد بن قلاوون طبيب كان له الإشراف على إسطبله وخيوله.
ومن املسلم به عند املشتغلني بالطب وتاريخه أن أمراض العني كانت تعالج بمصر
والشام في القرنني السادس والسابع بعد الهجرة (١٢ و١٣م) بأسلوب علمي يفوق كل
ما كان معروفًا حينئذ في سائر بلاد العالم.
ولا ريب في أن أعظم علماء الحيوان عند املسلمني هو محمد بن عيسى الدمريي
املصري املتوفى بالقاهرة سنة ٨٠٨ه١٤٠٥/م، وأحسن مؤلفاته كتاب «حياة الحيوان
الكبرى»، وقد ترجم إلى الإنجليزية والتركية.
ومن خري من أنجبهم عصر املماليك أحمد بن ماجد الذي وضع الكتب والرسائل
في علم البحار وتسيري السفن، وكان ملؤلفاته وخبرته فضل كبري على امللاحة البرتغالية
في القرنني الخامس عشر والسادس عشر بعد امليلاد. وقد ثبت لبعض علماء أوروبا أن
فاسكو دي جاما استعان بابن ماجد في تسيري أسطوله من مالندي على ساحل إفريقيا
9
الشرقية إلى قاليقوت في الهند.
والحق أن مصر ساهمت بنصيب وافر في إنشاء الأساطيل املصرية الأولى. وفي
السنني التي تلت فتح مصر استطاع العرب النزول في الجزائر الواقعة شرقي البحر
الأبيض املتوسط مثل: قبرص، ورودس، وكريت، بل لقد استطاعوا سنة ٣٤ه٦٥٥/م
أن يكسبوا أول معركة حربية كبرية ضد الروم. وهي موقعة ذات الصواري التي مني
فيها البيزنطيون بخسارة كبرية. ويمكننا القول بأن عبد الله بن سعد الذي خلف عمرو
بن العاص في حكم مصر كان أمري البحر الثاني في الإسلام، أما أمري البحر الأول فكان
معاوية بن أبي سفيان أثناء ولايته على الشام، وقبل أن تصري له الخلافة. فكان املسلمون
يقومون بغزواتهم البحرية ضد البيزنطيني من الشام بقيادة معاوية، ومن مصر بقيادة
عبد الله بن سعد. وبعد أن كان البحر الأبيض املتوسط في عهد جستنيان بحرية بيزنطية
ً أصبح بفضل مصر والشام بحرا إسلاميٍّا، ولا ننسى أن سكان مصر — ولا سيما القبط
— كان لهم الفضل في بناء السفن، وتشييد دور الصناعات في وادي النيل، وفي تونس
والشام.
أما في ميدان الفنون الإسلامية فقد كانت مصر مهد طرازين من أبدع الطرز
الإسلامية، هما: الطراز الفاطمي، والطراز اململوكي.
ووجد الفاتحون العرب في وادي النيل فنانني مهرة ولا سيما في النسج والحفر في
الخشب وصناعة الزجاج، وكان للمعماريني املصريني شهرة واسعة في فجر الإسلام، فقد
وجدت أوراق بردية على مقربة من سوهاج ثبت من نصوصها أن فريقً ا من مهرة البنائني
املصريني استخدموا في املسجد الجامع بدمشق، وفي املسجد الأقصى ببيت املقدس.
واملعروف أن املحاريب املجوفة التي تعني اتجاه القبلة في املساجد لم تكن فيها
منذ البداية، بل كانت ظاهرة حادثة في عمارتها. وقد تبني علماء الآثار الإسلامية أن
هذه الظاهرة املعمارية منقولة عن الكنائس املسيحية، وأن أول محراب مجوف بني في
الإسلام شيده بناءون من القبط كانوا يعملون في الحرم النبوي باملدينة املنورة، ولا ريب
في أن العمارة والفنون الزخرفية الإسلامية في مصر احتفظت بطابع مصري يميزها إلى
ً حد ما عن الطرز الفنية في سائر العالم الإسلامي. فضلا عن أن كثريًا من املوضوعات
الزخرفية التي استخدمها الفنانون املسلمون في مصر مشتقة من املوضوعات الزخرفية
القبطية، والإغريقية الرومانية في وادي النيل.
وكانت املنسوجات املصرية الإسلامية، والتحف املصنوعة من البلور الصخري ذات
شهرة عاملية في العصور الوسطى، كما أن أقدم ما نعرفه من جلود الكتب الفنية الإسلامية
تنسب إلى مصر في القرنني الثاني والثالث بعد الهجرة (٩-٨م)، ولا ريب في أن سائر
الأقطار الإسلامية تأثرت بزخارفها وأساليبها الصناعية، بل إن تأثريها امتد إلى جنوبي
أوروبا، ولا سيما إيطاليا.
ً وكان الإنتاج املعماري والفني في مصر الإسلامية عظيما في مقداره ونوعه، بل إننا
لا نجد له نظريًا في سائر الأقطار الإسلامية اللهم إلا في إيران، وحسبنا أن نقرأ وصف
التحف الفنية التي جمعها الخلفاء الفاطميون، أو أن نرى التحف املحفوظة في املتاحف
واملجموعات الفنية الخاصة، أو نقلب النظر في العمائر الإسلامية التي تزدحم بها مدينة
القاهرة، والتي جعلت أعظم متحف للطرز املعمارية الإسلامية في ممر العصور.
ولا غرو فقد كانت خريات مصر واسعة إلى أبعد حد، وكان بني يدي حكام مصر
ً ثروتها الطبيعية، فضلا عن الأرباح الوافرة التي كانوا يجنونها من مرور تجارة الشرق في
مصر والشام. وأصبحت مصر املركز الرئيسي لتبادل التجارة بني آسيا وأفريقية وأوروبا
منذ أن ضعفت بغداد، ثم سقطت في يد املغول؛ فصار ثغر الإسكندرية «مخزن العالم»كما كانوا يسمونه إلى أن كشف طريق رأس الرجاء الصالح، فكان ذلك سببًا في خراب
مصر املالي، وإيذانًا بسقوط دولة املماليك.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

اما ماري وارتز ...

اما ماري وارتز فترى ان الخدمه الاجتماعيه تتضمن ما يؤديه الاخصائيون الاجتماعيون وكيفيه تطبيق المعارف ...

الفرق بين الكبت...

الفرق بين الكبت والقمع Suppression - الكبت عملية لاشعورية تدفع بالمكبوت إلى اللاشعور، أما القمع فهو...

The star child ...

The star child grew up with the woodcutter's children. He sat at the table for meals with them and p...

المهندسين المعم...

المهندسين المعماريين - من فيتروفيوس إلى لو كوربوزييه، ومن ألبرتي إلى رايت، ومن فيوليت لو دوك إلى كان...

النظرية الديمقر...

النظرية الديمقراطية للدولة ينبع االهتمام بموضوع الديمقراطية كرافد من روافد "نظرية الدولة" من األهمي...

Instead of the ...

Instead of the teacher setting the objectives and explaining them to the students, the students can ...

يجب أن تتضمن مر...

يجب أن تتضمن مراجعة الأدبيات المكتوبة جيدًا المكونات الرئيسية التالية: الغرض والنطاق: بحيث يذكر بوض...

يتماثل استهلاك ...

يتماثل استهلاك الخدمات مع استهلاك السلع كونه يستهدف إشباع حاجة ولكنه يختلف عن بعض الشيء عن استهلاك ا...

The third categ...

The third category of Perils or cause of Risk is economic in nature and the examples of this type of...

1. الخلفيات الف...

1. الخلفيات الفكرية والأنساق المعرفية في الثقافة والفكر الغربيين للمنهج السيميائي : إن البحث في الأص...

ففي القرن الساب...

ففي القرن السابع الميلادي حوالي سنة 27هـ /627 م تمكن الفاتح عقبة بن نافع من فتح شمال افريقيا ومن ضمن...

على الرغم من تط...

على الرغم من تطور منصات التمويل التساهمي عالميًا، إلا أن نموها في الدول العربية لا يزال محدودًا. ومع...