Lakhasly

إن المتتبع لنشأت وتطور التعليم والتدريب المهني، يري أنه بدأ منذ وقت مبكر يرجع إلى فترة الثورة الصناعية، وعلى الرغم من ذلك لم تكتسب الوثائق الرسمية للتعليم المنهجي شعبية، إذا كانت موجودة، وذلك لأن كل شيء كان يعتمد على التجربة والخطأ، من خلال تلك المهارات التقنية الأخرى التي نشأت من السيطرة على النار مثل التعدين والحدادة والنجارين والنساجين وغيرها الكثير.
ولقد كانت البدايات الأولى لتعلم المهارات واكتساب الخبرات في الحضارات القديمة تتم بين أفراد العائلة نفسها، وذلك من خلال توارث المهن، فيرى الأب أن خير من يعطيه سر مهنته هو ابنه، فضلًا عن إرشاده إلى إتقان عمله؛ حيث يقوم بتربيته وتقويمه مع حرصه على الاهتمام بمستقبله (حسن والسعودي، 2023، ص.356-357)( ).
فقد عملت أغلب المجتمعات والفلسفات على تقسيم مجتمعاتها إلى طبقات، فمن يقوم بالأعمال المهنية هم الطبقة الدنيا من المجتمع، والطبقة العليا هم المفكرين وأصحاب العقول والفلاسفة، وامتدت آثار هذه الفلسفات وخصوصًا الفلسفة اليونانية إلى المجتمعات العربية؛ حيث يعتبر التعليم والتدريب المهني حديث العهد مقارنة بالتعليم الأكاديمي، فقد كانت جميع الدول العربية تتوسع في التعليم الأكاديمي على حساب التعليم المهني من خلال افتتاح الجامعات والمدارس وتخريج الكم الهائل من الأفراد (ضحاوي وأخرون، 2022، ص.124)( ).

لذا يمكن القول إن بداية ظهور التدريب المهني من خلال المؤسسات الخاصة وذلك في منتصف السبعينيات، قبل ذلك كان مقدمو التدريب المهني الأساسيون هم المؤسسات العامة التي تقودها الحكومة وورش العمل التدريبية الداخلية داخل المؤسسات الفردية، وكشفت الحاجة المتزايدة للتدريب المهني في وقت لاحق عن نقص القدرات التدريبية، وأصبح عدم كفاية مرافق التدريب العامة والخاصة واضحا، وبناء على ذلك ارتفع عدد مؤسسات التدريب المهني وارتفع عدد المتدربين (Ha, 2023, p. 667) .
ومن جهة أخري كانت البداية الرسمية لنظام التعليم وتدريب المهني والفني في الصين مع نشأة المدارس المهنية، وذلك كان في بداية القرن عشرين عام 1904، فقد قامت حكومة كينج بإصدار قانون خاص لعمل مدارس صناعية بجانب المدارس العامة، وبعدها تم إنشاء المدرسة الصينية المهنية في مدينة شنغهاي، وارتكزت المدرسة على أربع مبادئ أساسية: كسب الخبرة العلمية، والاطلاع على الخبرات المطلوبة، واستيعاب الأسس الأخلاقية، وزيادة الإنتاج (المنصوري والسعودي، 2022، ص.342) .
وبالنظر الى نشأة التعليم والتدريب المهني في الصين يُمكن أن نجد بأن الوثيقة الثانية والأربعون الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة إلى أهمية تدريب الشباب العاطلين عن العمل في المدن، والتأكد من حصول الجميع على التدريب المهني اللازم قبل التحاقهم بوظائفهم، وتأكيدًا على هذا الاتجاه، نصت المادة الثامنة من قانون التعليم المهني لجمهورية الصين الشعبية على أن تتبنى الدولة نظامًا يلزم بموجبه العمال بالحصول على التعليم والتدريب الفني والمهني اللازم قبل توليهم أي مهنة أو الذهاب إلى وظائفهم، هذه الجهود الحثيثة لتطوير التعليم والتدريب المهني في الصين تعكس إدراك القيادة السياسية لأهمية هذا النوع من التعليم في إعداد القوى العاملة المؤهلة والماهرة لمواكبة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد (Lê, 2023, p. 34) .
وبناء على هذه التطورات فقد انتهى القرن التاسع عشر والتعليم المهني جزءًا من مناهج التعليم العام، ولكنه لم يأخذ مكانه بالشكل الصحيح، بل استمر الفصل بين التعليم النظري والتعليم المهني، كما استمر التقسيم الاجتماعي الطبقي ملتصقًا بالتعليم المهني ومختصًا بالطبقة الكادحة الفقيرة، بينما التعليم الأكاديمي متاحًا لأبناء الطبقة البرجوازية من المجتمعات التي تتسلم مقاليد الحكم والسلطة في الدول، ومنذ بداية القرن العشرين تسارعت وتيرة نمو وتطور التعليم المهني وأصبح أكثر ارتباطًا بالمنظومة التعليمية (الشرمان والحياري، 2020، ص.24)( ).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التعليم في هذا العصر أصبح قوة تحدد مواقع المجتمعات ونفوذها؛ حيث انقسم العالم في عصر ما بعد الحداثة إلى متقدم يملك العلم والمعرفة، وإلى متخلف يستورد العلم ويستهلك المعرفة، كما يمثل التعليم بشكل عام والتعليم والتدريب المهني بشكل خاص البيئة الأساسية لتكوين وتطوير مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وبات من الواضح أن مقياس التقدم في هذه الآونة لا يعتمد على ما تملكه الدول من ثروات طبيعية بقدر ما يعتمد على ما تملكه من ثروات بشرية متسلحة بالعلم وقادرة على إنتاج المعرفة؛ لذا يعد التعليم والتدريب المهني المحرك الأساسي لإعداد القوى البشرية المنتجة (ضحاوي وأخرون، 2022، ص.124)( ).

وبذلك، يُعد الاستثمار في تطوير التدريب المهني إحدى السمات الأساسية للدول في العالم اليوم، خاصة في ظل التغيرات الهيكلية التي تحدث في ظل إعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية، ففي الواقع هناك علاقة وثيقة بين تطوير التدريب المهني والنمو الاقتصادي والاجتماعي، لذلك، تعتبر الدول النامية الاستثمار في تطوير التدريب المهني مهمة استراتيجية رائدة لتعزيز القوة الوطنية وكذلك تعزيز القدرة التنافسية الدولية، وأيضا يعتبر تطوير التدريب المهني مهم في استراتيجية التدريب الفني للموارد البشرية لدعم عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية (Tuan, 2016, p. 11) .
ومن هذا المنطلق فقد أولت حكومة السلطنة اهتمامًا كبيرًا بإعداد الشباب الإعداد الجيد علميًا وعمليًا ومهنيًا؛ حيث أنها وضعت الخطط والسياسات والبرامج التدريبية الهادفة إلى تنمية قدرات القوى العاملة وذلك بناءً على تخطيط علمي سليم، يهدف إلى تغطية احتياجات سوق العمل من مختلف التخصصات بالتعاون مع المؤسسات التدريبية، سواء الحكومية منها أو الخاصة (سيف، 2015، ص.127)( ).

وهكذا يمكن القول إن التعليم والتدريب المهني أصبح من متطلبات العصر الحالي، وذلك لمواكبة التطورات التكنولوجية والرقمية الحديثة في مختلف المجالات الصناعية والمهنية، وتطوير المهارات التقنية ذات الصلة بتوفير فرص العمل، بهدف مسايرة العصر ومحاربة البطالة والفقر (حسن والسعودي، 2023، ص.359)( ).
فقد قامت حكومة السلطنة بتطوير نظم وبرامج التعليم والتدريب المهني والفني المناسبين للقوى العاملة الوطنية، بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وتطبيق أنماط جديدة من التدريب على نحو برامج المشروعات الوطنية للتدريب، وإنشاء المؤسسات التعليمية والتدريبية لرفد سوق العمل، وزيادة الطاقة الاستيعابية للتعليم المهني والفني والعالي (سيف، 2015، ص.127)( ).