Lakhasly

تتناول هذه المحاضرة السيرة الذاتية وعلاقتها بالمذكرات والاعترافات. تُعرّف السيرة الذاتية بصعوبة لارتباطها بأجناس أدبية أخرى، وتتميز بتطابق المؤلف والسارد والشخصية. تُناقش المحاضرة تعريفات متعددة للسيرة الذاتية من قبل باحثين مثل جورج ماي وفيليب لوجون، مشيرةً إلى صعوبة وضع تعريف جامع مانع. وتُبرز الفرق بين السيرة الذاتية والمذكرات، حيث تركز الأولى على حياة الكاتب الداخلية بينما تركز الثانية على الأحداث المحيطة به. كما تُقارن السيرة الذاتية باليوميات والاعترافات، موضحةً أوجه التشابه والاختلاف، مع أمثلة من الأدب العربي والغربي، مثل اعترافات القديس أوغسطين واعترافات جان جاك روسو. وتختم المحاضرة بمناقشة مدى صدق الكاتب في سرد سيرته الذاتية.

محاضرة : السيرة الذاتية وعلاقتها بالمذكرات و الاعترافات:
السيرة الذاتية :العصر الروماني منذ وجودالجنس الجديد )السيرة الذاتية( في الأدب اهتم
اهتماما كبير في الآداب العالمية عامة، والأدب العربي خاصة وبدأ الدارسون يتناولونه
في بحثهم فوضعوا له عدة تعريفات، و مع ذلك ما وضعوا له حتى اليوم تعريف واضحا
لحدوده، و قديعود السبب فيه إلى اتصاله بغيره من الأجناس الأدبية ا يعر هذا الفن عبد
العزيز شرف بقوله: الأخرى، و لذلك كثرت تعريفاته ، و ف . (1 ( حرفي ترجمة حياة
إنسان كما يراها السيرة الذاتية تعني ا مسار قد و السيرة الذاتية تتعلق بالواقع، بأنه يذكر
ويقص حياته وي م فيلب ليجون بميثاق السيرة الذاتية أفكاره و أحاسيسه. وبذلك التصريح
اه سم و شرط وجود السيرة الذاتية هو الميثاق الأوتوبيوغرافي لتكون هناك سيرة ذاتية (2 ( يكون هناك تطابق بين المؤلف والسارد والشخصية . أما السيرة في القواميس اللغوية تعني
الطريقة والسنة والهيئة وتاريخ حياة الفرد فذلك المعنى اللغوي يكون قريبا من المعنى
الاصطلاحي كثيرا، و هناك علاقة وطيدة وصلة قوية بين المدلول اللغوي والمدلول
الاصطلاحي . واجتهد علماء في السيرة الذاتية، و نذكر منهم على سبيل المثال جورج ماي
)ت- 1949 )يقول "فمن المشاكل التي تطرحها السيرة الذاتية في النظرية النقدية الحديثة،
الاهتمام التاريخي بماهيةالسيرة الذاتية وبدايات ظهورها كفن في الآداب العربية والغربية،
وإيجاد مقومات الجنس الأدبي بين الأجناس الأدبية، ومحاولة إيجاد تعريف يتناسب مع
الحدود المبدئية لتصنيف السير الذاتية كجنس له هويته، إذ تنوعت التعريفات والمصطلحات
للدلالة على مفهوم السيرة الذاتية (3 ( بمترادفاا المتعددة " فن السيرة الذاتية وأنواعها في
الأدب العربي..............د. عبدالمجيد البغدادي 193 ويقول جورجماي أا صعب الوصول
إلى حد ما عن تعريف جامع للسيرة الذاتية وسببها أن السيرة الذاتية هو الجنس الأدبي
حديث نسبي، بل لعلّه (4 ( أحدث الأجناس الأدبية . و هذه حقيقة بأن الدراسات لم تجمع على
سبب وجود الإشكالية في تعريف السيرة الذاتية، و لذلك نرى فيليب لوجون في كتابة السيرة
الذاتية يتراجع عن التعريف الذي كان قد وضعه للسيرة الذاتية في دراسته السابقة، و يحاول
لبتعريف جديد لها بواسطة سلسلات منشورة بين مختلف النصوص المقترحة للقراءة ويضع
في سبيل ذلك قيودا شتى إلى وصول تعريف جامع و مانع للسيرة الذاتية. و بذلك نراه
يعترف في النهاية، بأن من الضرورى من وجود نصوص يرجع (5 ( عنها الدارس هل هي
قصة، قصيدة أو سيرة ذاتية . فالسيرة الذاتية موجودة في كل جنس أدبي و من الصعب
الفصل بينها وبين أي جنس فالمبتكر يستذكر أشياء من ذاكرته . واصطلاح السيرة الذاتية قد
ورد من الانجلترا في بداية القرن التاسع عشر، وكلمة السيرة تدل على معنيين قريبين من
حهة و مختلفين من جهة أخرى : و المعنى الأول: قائله لاروس ) 1866 م( بأا حياة شخص
مكتوبة من قلبه. فهي قسم من الاعتراف في ضد المذكرات التي تسرد أحداثا يمكن أن تك ون
غريبة عن السارد . و المعنى الثاني: هي كل نص يبدو أن كاتبه يكتب عن حياته أو
مشاعيره مهما كان الميلان من جهة الكاتب، وهذا المعنى هو الذي قصده فابيروا في إن
المعجم الكوني للأدب 1876 م، حينما قال فيها : السيرة الذاتية عمل أدبي، رواية، سواء كان
قصيدة أم مقالة فلسفية قصد المؤلف فيها بشكل ضمني، أو بشكل صريح رواية حياته
وعرض أفكاره أو رسم حياته و لوجون يقول عن السيرة الذاتية هي كل عمل يجمع في
الوقت نفسه الشروط اللغوية والموضوعية وما يتعلق بالراوي في حين لا تجمع الأنواع
المشابهة للسيرة الذاتية . (6 مجلة القسم العربي العدد الثالث والعشرون 2016 م حسب
التعريفات السابقة نجد أن السيرة الذاتية تشتمل على وصف طريقة الكتابة. والسيرة الذاتية
هي فن من الفنون التي تجعل و تبني المبنى من الثقة بين الكاتب والقارئ، و لذا يجب على
الكاتب بالتزام الصدق عند كتابة سيرته، وهذا يجعله قريبا إلى نظرة القارئين . ا مع ذاته في
كتابة و يرد سؤال بأنه إلى أي حد يمكن أن يكون صادق سيرته؟ ويجيب عن هذا السؤ ال
إحسان عباس حين يقول: الصدق الخالص أمر يلحق بالمستحيل، والحقيقة الذاتية صدق
نسبي، مهما يخلص صاحبها في نقلها (7(
السيرة الذاتية و المذكرات :كما نعرف عن المذكرات بأا تتحدث عما يجري حول كاتبه
وهي تم أه ا كبيرا للأحداث حول كاتبها وخارجها أكثر مما تم للكاتب نفسه. تمام معنى
ذلك بأن ) 8 )كبير عن اتمع الذي يدور حوله قدر ا و نستفيد من المذكرات ا كاتب
المذكرات لا يتكلم عن نف سه بالضرورة، ولكنه يتكلم عما يدورحوله من يدوا ويؤرخ لها ،
وهو لا يكتب عن نفسه إلا شيء بسيط. الأحداث ، و وورد في تعريف المذكرات بأنه
:سرد كتابي لأحداث جرت خلال حياة المؤلف، وكان له فيها دور، وتختلف عن السيرة
الذاتية بأا تخص العصر وشؤونه بعناية كبرى، فتشير إلى جميع الأحداث التاريخية التي
اشترك فيها المؤلف، أو . 9 ( شهدها، أو سمع عنها من معاصريه، وأّثرت في مجرى حياته
وثبت يذلك بأن المذكرات تولي الحياة العامة أثناء الحياة الخاصة للكاتب، لأا توحي إلى
حياة فرد كما تراها. وهناك فرق بسيط بين المذكرات والسيرة الذا تية وهي أن السيرة تعتمد
على الذاكرة ، وتم ا على تسجيل ما مر جزء مهما يشاهد كاتب السيرة على تذكر ماضيه،
أما ا، و المذكرات فقد تكون ا المذكرات فهي تعتمد على الوقائع التاريخية ولا دخل للذاكرة
فيها. نحو مذكرات محمد عزة دروزة التي بدأ نشرها عام 1948 م وجاءت تحت عنوان
"مذكرات (10 ( وتسجيلات مائة عام فلسطينية.
السيرة الذاتية واليوميات : اليوميات فهي كذلك تشبه مع السيرة من وجه وتختلف عنها
في أوجه أخرى، إذ أن اليوميات تشبه السيرة في ذكر ما يتعلق بحياة فردما، وتختلف
اليوميات عن السيرة في عدم تتبع نمط فني. و شرع الاهتمام بكتابة اليوميات في أوائل
القرن السابع عشر الميلادي، وكان أصحاب اليوميات يرغب فن السيرة الذاتية وأنواعها في
الأدب العربي..............د. عبدالمجيد البغدادي 201 نشرها، أو ل رجل شرع فيها
وجعلها يسجل يوميا في الأدب الإنجليزي هو وليم دوجديل الذي كتب في يومياته خمسة
وأربعين سنة من حياته، ولكنها لم تنشر إلا بعد وفاته. و في رأي بعض العلماء والكاتبين
مثل استاوفر، ومسز بور بأا ليست تراجم ذاتية، رغم ذلك بأن لها قيمة ، وأا كانت من
البذور الأولى . (11 ( للترجمة الذاتية الأدبية كما يبدوا من يوميات دوجديل وما تبعه من
كتاا اليوميات تعتبر من أعمال جامدة، وأا لاتلتزم بتقنيات فنية بدرجة الإبداع، وكذلك ليس
من الصعب كتابة الأحداث اليومية التي تجري في حياة شخص ما، و لكن القدرة
والاستيعاب على هذه الأحداث و كتابتها تبقى ضرورية لتصليح الترجمة الذاتية أو الغيرية،
تحتاج إليها ال يوميات التي تركز على رصد الأحداث فقط . وأحسن نموذج على ذلك نجد
كتاب"يوميات الحركة الوطنية الفلسطينية " . (12 ( لأكرم زعيتر)ت - 1996 م
السيرة الذاتية والاعترافات : هناك قسم آخر من أقسام الترجمة الذاتية وهي الاعترافات
،التي شاعت في القرن الثامن عشر تقريبا في أوروبا. وهي رياضة روحانية تشبه بتجربة
الإلهام عند الفنان، فقد كانت الاعترافات الدينية في العصور الوسطى و تعنى عناية شديدة
بتصور تجربة الكشف الصوفي. و أبرز مثال على ذلك هو اعترافات القديس أوغسطين
التي تعتبر في قمة الاعترافات الدينية . ويؤكد الدكتور يحيى عبد الدايم في كتابه الترجمة
الذاتية في الأدب العربي الحديث: الصوفي ينقل لنا تجربة ذاتية تتصل بعالم غير مألوف
لنا، في لحظات بعيدا عن عالمنا الأرضي إلى فورية فجائية، يخرج فيها عن شعوره
الواعي، ا محلق عالم سماوي، ثم لا يلبث وعيه أن يرتد إليه، فيصور مواجيده، وما شاهده
في (13 ( تصوير صادقا. تجربته الكشف 202 مجلة القسم العربي العدد الثالث والعشرون
2016 م عندنا في الأدب العربي أمثال وأشباه عديدة للاعترافات في كلام المتصوفين نحو
النصائح الدينية والنفحات القدسية للحارث بن أسد المحاسبي، والمنقذمن الضلال لأبي حامد
الإمام محمد الغزالي، والطواسين لإبن منصور الحلاج، وكلها تصطبغ بالاعترافات التي
هي أقرب إلى السير الذاتية في مواصفاا وأسلوب كتابتها، والاعترافات تقتصر بالاعتراف
الديني تحت وطأة الإحساس بالذنب أو الخطيئة. و لكن هناك اعترافات جان جاك روسو
التي لاقت شهرة واسعة لم تكن اعترافات دينية لأنها اتصفت بالفحش في الصدق ) 47 )
الهوامش
1 . شوقي ضيف: الترجمة الشخصية، دار المعارف، القاهرة، ط 4 ، 1978 م 2 . عباس، إحسان :فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، ط 2
، 1956 م. دار الجيل، بيروت، لبنان، ط 1 ، 1992 م . 3 . عبد الدايم، يحيى :الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، دار الجيل،
بيروت، لبنان، ط 1 ، 1992 م . 4 . عبد النور، جبور :المعجم الأدبي، دار العلم للملايين، لبنان، ط 2 ، 1984 . 5 . الفيروز أبادي
:القاموس المحيط،، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2 ، 1987 م، مادة سير . 6 . فيليب لوجون :السيرة الذاتية، الميثاق والتاريخ، ترجمة
عمر حلي، المركز الثقافي العربي، ط . م 1994 ، 7 . قاسمية، خيريه :المذكرات والسير الذاتية الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، قسم
الدراسات، الد الثالث، ط 1 ،بيروت، 1990 م .:
8 . شرف، عبد العزيز :أدب السيرة الذاتية، ص : 44 9 . عبد النور، جبور :المعجم الأدبي، ص: 246 . 10 . المرجع نفسه، ص: 247 . 11 . عبد الدايم، يحيى :الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، ص 15 12 . قاسمية، خيريه :المذكرات والسير الذاتية
الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، قسم الدراسات، الد الثالث، ط 1. بيروت، 1990 ،ص : 751 - 756 . 13 . عبد الدايم، يحيى
:الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، ص: 13 - 14 14 - .المرجع نفسه، ص : 14 - 18