Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

وانتشار وسائل الإعلام والصحافة، أصبحت اللغة العربية في حاجة ملحة لإدخال بعض التطورات عليها لتواكب العصر. وهناك طرق عديدة لوضع المصطلحات أو تعريبها أو توليد الحديث منها. ناقشت مسألة النحت الذي يعتبر الوسيلة التي لجأ إليها رواد النهضة، وقد حددت الحيز الجغرافي لهذا البحث بمصر حيث تعتبر قبلة الجيل الأول من الشوام وغيرهم من الصحفيين والإعلاميين ودور النشر العربية، 2 ويوجد بها أيض ًا مقر مجمع اللغة العربية الذي يحتل مركز ًا من أهم المراكز العالمية لدراسة اللغة العربية وقضاياها في العصر الحديث. ثم قدمت نبذة مختصرة عن تجربتنا في مشروع تأليف كتب تعليم اللغة العربية لطلبة الدراسات العليا المهتمين بدراسة العالم العربي والحضارة الإسلامية. وقد ذكرت موقفنا ورأينا في تناول ظاهرة النحت وضرورة الإلمام بها كي يتثنى لنا التمعن في الحضارة الإسلامية والمجتمع العربي المعاصر. فبعد جلاء جيش «نابليون بونابرت» عن مصر عام 1801 م، واحتكاك المجتمع المصري بالحضارة اتجه محمد علي نحو الغرب ليقتبس من نظمه وينقل علومه وتقنياته الحديثة في ذلك الوقت. فأنشأ مطبعة بولاق عام 1821 م، وتوس ّع في إرسال البعثات وإنشاء مدارس تعليم اللغات. الذي ابتعث إلى فرنسا من عام 1826 إلى 1831 م. محاضر للغة العربية في جامعة كيوتو بقسم الدراسات العليا لدراسات المناطق الآسيوية والإفريقية-ASAFAS، 1 قمت بكتابة هذا البحث على أساس محاضرة ألقيتها ضمن ندوة بعنوان «ندوة مصرية يابانية: اللغة والدين والمجتمع في والتي عقدت بتاريخ 20 من فبراير عام 2010 م في القاهرة بناء ً على الدعم المقدم من مشروع ITP، بمنحي الفرصة لإنجاز هذا البحث وتطوير نتائجه. النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة خمس سنوات بالمستشرقين أمثال «دوساسي»، وبعد عودته إلى مصر، 3 وتمت ترجمة 114 كتاب ًا إلى اللغة العربية بجهود من تخرجوا منها. علي رئيس ًا لمدرسة الألسن عام 1835 م. ومن العلامات الملحوظة في تاريخ هذه الفترة والتي أثرت بدورها في تطور ونمو اللغة العربية، التي بدأت مع تأسيس جريدة «الوقائع المصرية»5 عام 1828 م، الحكومـة الرسمي في نشر الأخبار ونقل الإعلانات الرسمية. وقد طورها رفاعة الطهطاوي بعد توليه منصب رئاسة تحريرها من عام 1842 حتى عام 1850 م، وتراكيب مولدة من كلمة عربية وأخرى أجنبية للدلالة على أشياء حديثة لم تكن موجودة في اللغة العربية كما في الأمثلة التالية6: العمالة: أي الدائرة الانتخابية أو المقاطعة أو الحي ورشة: من الكلمة الإنجليزية (workshop) إشارة الأخبار أو السلوك البرقية: أي التلغراف واقتباس التقنيات الحديثة في جميع المجالات من الغرب، وتأسست مدرسة الطب في مصر عام 1827 م، وتبعتها لبنان بافتتاحها للكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية فيما بعد) عام 1866 م، الجامعة المصرية الأهلية الأولى عام 1908 م، وفي سوريا أيض ًا أنشئت كلية الطب في دمشق عام 1919 م، 3 راجع كتاب «مدرسة الألسن وتطور حركة الترجمة والتعريب في مصر» للدكتور عبد المنعم الجميعي من ص 7 إلى ص 4 انظر في بحث «المصطلح العربي الحديث : وسائل وضعه وحصيلة تطبيقاتها في المؤسسات العربية المصطلحية المختصة» للدكتور محمود فهمي حجازي ص 404. ثم باللغة العربية ممزوجة بالتركية ، العربية لتصبح ثاني جريدة تصدر باللغة العربية بعد جريدة «الحوادث اليومية» الصادرة عام 1799 م. وأيض ًا في كتاب «المولد في العربية» لحلمي خليل من ص 531 حتى ص 537، الطهطاوي بك» لأحمد أحمد بدوي، دعى تقدم العلوم وازدهار النهضة الأدبية والثقافية إلى ابتكار أسماء للتعبير عن الأشياء التي تختص بالحياة اليومية والتي تدعى بـ «ألفاظ الحضارة» مثل : سيارة8 ومذياع وهاتف وتلفاز كما يعد أحمد فارس الشدياق (1804-1887 م) من أوائل المهتمين بقضية ترجمة وتعريب فقد اتخذ النحت كوسيلة قويمة لمعالجة هذه القضية المستعصية. الشديد وولعه بالنحت أطلق على نفسه لقب «الفارياق»10 بجمعه لفارس والشدياق في كلمة واحدة. ً (وكيفما كان فإن النحت طريقة حسنة تكثر بها مواد اللغة وتتسع بالذكر أنه شجع استخدام النحت قائلا ًا ما هو هذا النحت؟ ومنذ متى بدأ؟ وهل هناك أي تغيرات طرأت على اللغة العربية مع استخدام النحت عند القدامى: كما ورد في المعاجم العربية التراثية المعروفة، والمعنى الاصطلاحي للنحت هو (أخذ كلمة من كلمتين متعاقبتين، ت 791 م / 175 هـ)، ويتضح لنا هذا في كتابه «العين» كما ورد في المثال التالي13: حيعلة). من بعدهم مثل14: الخوري، كما هو موضح في «معجم عطية» ص 220. كلمات مفضلة على الكلمات الشائعة التي يغلبها الدخيل والأجنبي. ص 204. انظر في كتاب «المزهر» للسيوطي، 12 النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة بسمل (بسم الله أو بسم الله الرحمن الرحيم) حمدل (الحمد لله) بلحارث (من بني الحارث بن كعب) شفعنتي أو شفعنفي (وهي النسبة إلى الشافعي مع أبي حنيفة) عبشمي (نسبة إلى عبد شمس) وغيرها من الشواهد التي تظهر في كتب التراث. والغرض من هذا النحت هو تيسير التعبير بالإيجاز والاختزال. وهناك من شغف بظاهرة النحت من القدامى مثل أحمد بن فارس (ت 1004 م / 396 هـ) الذي ألف معجم «مقاييس اللغة» وابتدع لنفسه مذهب ًا جديد ًا في النحت حيث قال (اعلم أن للرباعي والخماسي مذهب ًا في القياس يستنبطه النظر الدقيق وذلك أن أكثر ما تراه منحوت ًا)، وبطلان حقائقها). اللغوي ، إلا بما سمعوا به من كلام العرب، لم ينتشر النحت في هذه الحقبة، ولكنه بدأ في الازدهار مع مع بدايات عصر النهضة من القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين ظهرت كلمات ومفهومات جديدة دخلت على اللغة العربية نتيجة لازدهار حركة الطباعة والترجمة، التي أدت إلى تعريب المثقفين للكثير من الكلمات والمصطلحات المترجمة عن اللغات الأوروبية. فبعد انهيار الدولة العثمانية عام 1922 م، ومع استقلال بعض الدول العربية، أصبحت اللغة العربية لغة رسمية للبلاد كما هو منصوص في الدساتير العربية. وأثر ذلك بدوره في تشكيل اللغة العربية باعتبارها لغة وأصبحت هناك حاجة ملحة من قبل المعلمين ودور العلم لتطويرها وجعلها لغة ملائمة للتعليم. قام ساطع الحصري (1883- 1967 م) الذي يعتبر «أبو القومية العربية» بنشر من أهم المسائل التي تشغل بال المفكرين والمعلمين والمترجمين والمؤلفين). 18 وقد شغل الحصري آنذاك منصب العراق عام 1921، كان الحصري وزير ًا للمعارف، ومع التوغل في نشر اللغة العربية كلغة لتعليم العلوم الحديثة، تحقيق عبد السلام هارون، 17 من المعروف أن عصور الاحتجاج (أي الاستشهاد باللغة) تنتهي في منتصف القرن الثاني الهجري في الحضر وأواخر مجلة دراسات العالم الإسلامي التي تحتاج إليها تلك العلوم. مما جعل ساطع الحصري يشعر بأهمية تطبيق نظرية النحت كوسيلة فعالة في بالتراكيب المطولة، سنضطر إلى استعمال الاصطلاحات الإفرنجية نفسها، يصبح أشد تعرض ًا للخطر). حيوان وعلاوة على ذلك، لا + لا + َار بالتخفيف، ّار»20 لأن (الكبار بالتثقيل أكبر من الك ُ قطار أربعة بنك ومع مطلع القرن العشرين انتقد مصطفى الشهابي (1893- 1968 م) «الك ُ 20 ص 391. 22 وعلى الرغم من ذلـك فقد ظلت بعض المصطلحات مستخدمة وشائعة في المجتمع حتى وقتنا الحاضر مثل كلمة النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة الإفراط في استخدام ظاهرة النحت، وقال عن النحت والمتحمسين لاستخدامه (إنه أداة صغيرة الأثر، 23 وانتقد أيض ًا استخدام مصطلحات مستجدة مثل: خامدرسي (من خارج ومدرسة)، متسائلا واحدة ؟). الذي يقول إن اللغة العربية لغة اشتقاقية25 قادرة على تلبية كل المتطلبات اللغوية، مثل التعبير عن مصطلح «الطب النفسي الجسمي psychosomatic» بمصطلح «النفسجي» أو «النفسجسمي» مما يبعد المعنى ويذهب الفائدة المرتجاة منه. 26 فالعرب لا تنحت إلا الألفاظ التي يتكرر ورودها على ألسنتهم. ومع كل هذه المجادلات بين تيار مؤيد وتيار معارض لمسألة النحت، قام مجمع اللغة العربية بالقاهرة بدور حيث اهتم المجمع اهتمام ًا كبير ًا بمسألة النحت ووضع المصطلحات الجديدة فتم تأليف لجنة تتكون من مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ محمود شلتوت، والشيخ إبراهيم حمروش، والأستاذ مصطفى نظيف، والشيخ عبد القادر المغربي لبحث 27 بدأ الأعضاء بمناقشة مسألة النحت من مختلف أطرافها في جلساتهم العلمية على مدى عام كامل من فأصدروا قرارهم في الجلسة الرابعة عشرة عام 1948 م، النحت في العلوم والفنون للحاجة الملحة إلى التعبير عن معانيها بألفاظ عربية موجزة). 30 من أبرزها: 23 راجع «مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق»، ص 551. ص 29. مجلد 34- جـ 3، ّاب، ومكتوب، وك ُ 27 انظر «مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة»، جـ 7، 28 نشأ مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1932 م تحت اسم «مجمع اللغة العربية الملكي»، وتألف من 20 عضو ًا من علماء اللغة العربية المعروفين نصفهم من المصريين، والنصف الآخر من العرب والمستشرقين. ومع اتحاد مصر وسوريا عام ص 201. أما في نص كتاب «مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاما»، زلال بر + ولم يحد هذا الدور الإيجابي للمجمع من تناوب المناقشات حول مسألة النحت، وثلاثين عام 1965 م، دون الزوائد، فإن كان المنحوت اسم ًا، 31 وبتحقيق هذه الشروط يكون وبالرغم من المحاولات التي باءت بالفتك بكل الألفاظ المنحوتة والسعي إلى الاشتقاق، إلا أن الكثير لحسن سياغتها وسهولة نطقها مثل 32 ومازال هناك الكثير من العلماء والباحثين الذين يؤيدون هذه الظاهرة ويحاولون الإبقاء عليها بتوليد مصطلحات وكلمات جديدة مثل: رائد الدراسات اللغوية العربية، إبراهيم أنيس (1906– 1977 م) الذي اقترح استخدام كلمة «أنفمي» للتعبير عن الصوت الذي يتخذ وأيض ًا الدكتور عبد الصبور شاهين – أستاذ كلية دار العلوم بجامعة القاهرة – الذي ابتكر كلمة «فصعمي»33 أي مزيج من الفصيح والعامي. وذلك حد بدوره على انتشار الغريب منها الذي ذكرناه فيما قبل. الدراسات العربية المعاصرة والنحت في الكتب التعليمية الحديثة: أواسط القرن العشرين. وذلك لمواكبة تقدم العلوم والتقنية، والحاسوب التي أدت بدورها إلى تغير المجتمع العربي. ونتيجة لهذا التغير، فقد ولى الكثير من باحثي اللغة العربية اهتماماتهم بدراسة القضايا اللغوية وتحديث العلوم، وماهية اللغة ومن أبرز هذه الدراسات «العربية لغة وكتابا الدكتور محمد حسن عبد العزيز «لغة الصحافة المعاصرة» ص 22. َّك 32 نجد أيض ًا منحوتات كثيرة في العامية المصرية مثل ماع ْل من (أيش زيك) تعني ما حالك، كما وردت في كتاب الدكتور شوقي ضيف «تحريفات العامية للفصحى» ص 135-141. 2009 م، أثناء قيامي بأبحاث في القاهرة. 16 النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة و«الوضع اللغوي في الفصحى المعاصرة»، فايد، التي تطرقت إلى موضوع وضع المصطلحات الجديدة وتطوير اللغة العربية. وكل هذه الدراسات تحمل في طياتها أبواب ًا عن قضية التعريب وتوليد المصطلحات تتناول فيها موضوع وقد أصبحت اللغة العربية التي تتضمن هذه الكلمات الجديدة المنحوتة وغيرها من الكلمات المعربة والدخيلة منتشرة بين الدول العربية كوسيلة مشتركة للتواصل تتمركزها وسائل الإعلام، الباحثين العرب اسم «فصحى العصر» أو «اللغة العربية المعاصرة»، تم إضافة باب عن النحت والتركيب المزجي في الطبعة الثانية عام 1965 م لكتاب النحو التعليمي صوتي بيسطري (interlinear) حربي بنفسجي قبل + بين + فوق + أما كتب قواعد اللغة العربية التعليمية الحديثة عند العرب لم تخصص أبواب ًا لموضوع النحت، واقتصر النحت على المتخصصين في علم النحو وفقه اللغة، فقد يتجلى في الكتب والأبحاث المتخصصة كجانب من 35 انظر في ملحق الكتاب ص i 511. 36 راجع ص 268 إلى ص 269. 37 ينبغي التفريق بين ظاهرتي النحت والتركيب المزجي، ولكن كتب النحو التعليمية الغربية المذكورة في هذه الفقرة تجمع بينهما تحت مسمى «compound words» أو «composite words». 38 راجع ص756 إلى ص 761. 17 جوانب قضية التعريب ووضع المصطلحات. المتخصصين في دراسات العالم الإسلامي، فقد ألفنا كتاب «دليل اللغة العربية المعاصرة لدراسات العالم الإسلامي» الذي يهدف إلى استيعاب أحوال العالم العربي المعاصر من خلال الوسائل الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية مع عدم تجاهل الذخائر التراثية العربية العتيقة لتكون أول تجربة في اليابان تعيد النظر في منهجية وضع كتب تعليم اللغة العربية، في الصحف والمجلات العربية وغيرهما من الوسائل الإعلامية (مثل: درعمي وزمكان إلخ. الكتب والمعاجم العربية التراثية المشهورة. ولكن غير الناطقين باللغة العربية أمثالنا يقابلون مثل هذه خاتمة: بعد تطور العلوم والصحافة ووسائل الإعلام، ظهرت مصطلحات علمية وألفاظ حضارية جديدة، وكان لا بد للغة العربية أن تتعامل مع هذه بانتقاء ونحت كلمات وتراكيب تتناسب مع تلك المصطلحات الحديثة. فمنذ القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين، ومع النهضة الأدبية والثقافية، والدور البارز الذي قامت به القومية العربية في تعزيز انتشار التعليم، فانقسموا إلى ثلاث تيارات وهي: شكل كلمات وتراكيب منحوتة للغة العربية، وأن الاشتقاق وحده غير كاف لسد النقص في هذا المجال. الاشتقاق، وأنه لا يوجد سبب لاستخدام كلمات منحوتة، ج - تيار المعتدلين: هم الذين يرون أن اللغة العربية لغة غنية بما يقدمه الاشتقاق، علمية يصعب وجود مقابل لها، اللغة العربية. وكما رأينا أن اللغة العربية لغة حية ثرية تماشت مع كل العصور وتغلبت على تحديات كل حقبة، فمع التطور السريع للتقنية والمعلومات في الوقت الراهن تتولد كلمات جديدة كل يوم كي تتوافق مع عصر العولمة انظر إلى بحثنا المقدم عام 2009 40 راجع ص 231 إلى ص 3. النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة والحوسبة والرقمنة الذي نعيشه. ولكن بالنظر إلى واقع العالم العربي الآن، نجد أن عدد ًا محدود ًا من الدول العربية يدرس العلوم باللغة


Original text

قدمة:
هذا البحث يهدف إلى دراسة قضية التعريب ووضع المصطلحات في العصر الحديث، فمع تطور العلوم
والفنون في جميع المجالات، وانتشار وسائل الإعلام والصحافة، وارتفاع نسبة المتعلمين، أصبحت اللغة العربية
في حاجة ملحة لإدخال بعض التطورات عليها لتواكب العصر.
وهناك طرق عديدة لوضع المصطلحات أو تعريبها أو توليد الحديث منها. ولكن في هذا البحث،
ناقشت مسألة النحت الذي يعتبر الوسيلة التي لجأ إليها رواد النهضة، والمثقفون، والصحفيون المحدثون من
عصر النهضة وحتى وقتنا الحاضر.
وقد حددت الحيز الجغرافي لهذا البحث بمصر حيث تعتبر قبلة الجيل الأول من الشوام وغيرهم من
الصحفيين والإعلاميين ودور النشر العربية،2 ويوجد بها أيض ًا مقر مجمع اللغة العربية الذي يحتل مركز ًا من أهم
المراكز العالمية لدراسة اللغة العربية وقضاياها في العصر الحديث.
ثم قدمت نبذة مختصرة عن تجربتنا في مشروع تأليف كتب تعليم اللغة العربية لطلبة الدراسات العليا
المهتمين بدراسة العالم العربي والحضارة الإسلامية. وقد ذكرت موقفنا ورأينا في تناول ظاهرة النحت وضرورة
الإلمام بها كي يتثنى لنا التمعن في الحضارة الإسلامية والمجتمع العربي المعاصر.
المدخل التاريخي للتعريب في مصر:
إن القرن التاسع عشر يعتبر عصر ازدهار حركة الترجمة، مثل العصر العباسي الذي كان يطلق عليه اسم
«العصر الذهبي للترجمة».
فبعد جلاء جيش «نابليون بونابرت» عن مصر عام 1801 م، واحتكاك المجتمع المصري بالحضارة
الغربية، اتجه محمد علي نحو الغرب ليقتبس من نظمه وينقل علومه وتقنياته الحديثة في ذلك الوقت. فقد رسم
سياسة إصلاحية للنهوض بمصر، فأنشأ مطبعة بولاق عام 1821 م، واجتهد في ترجمة الكتب العلمية ونشرها
وتوس ّع في إرسال البعثات وإنشاء مدارس تعليم اللغات. ولم يتخصص في مجال الترجمة من المبعوثين إلا رفاعة
الطهطاوي (1801-1873 م)، الذي ابتعث إلى فرنسا من عام 1826 إلى 1831 م. وقد تأثر على مدار
محاضر للغة العربية في جامعة كيوتو بقسم الدراسات العليا لدراسات المناطق الآسيوية والإفريقية-ASAFAS، وباحث
*
بمركز دراسات الحضارة الإسلامية بجامعة كيوتو-KIAS.
1 قمت بكتابة هذا البحث على أساس محاضرة ألقيتها ضمن ندوة بعنوان «ندوة مصرية يابانية: اللغة والدين والمجتمع في
العصر الحديث»، والتي عقدت بتاريخ 20 من فبراير عام 2010 م في القاهرة بناء ً على الدعم المقدم من مشروع ITP، وقد
تفض ّل مشروع: .JSPS Global COE Program “In Search of Sustainable Humanosphere in Asia and Africaˮ
بمنحي الفرصة لإنجاز هذا البحث وتطوير نتائجه.
2 مثل مكتبة مصطفى البابي الحلبي (عام 1859 م) ومكتبة الخانجي (عام 1885 م) وغيرهما.
10
النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة
خمس سنوات بالمستشرقين أمثال «دوساسي»، و كتابات الفيلسوف الفرنسي المشهور «مونتيسيكو» وغيرهما،
فبدأ في كتابة مذكراته في كتاب سماه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز». وبعد عودته إلى مصر، عينه محمد
3 وتمت ترجمة 114 كتاب ًا إلى اللغة العربية بجهود من تخرجوا منها.4
علي رئيس ًا لمدرسة الألسن عام 1835 م.
ومن العلامات الملحوظة في تاريخ هذه الفترة والتي أثرت بدورها في تطور ونمو اللغة العربية، نشأة
الصحافة المصرية، التي بدأت مع تأسيس جريدة «الوقائع المصرية»5 عام 1828 م، حيث كانت لسـان حـال
الحكومـة الرسمي في نشر الأخبار ونقل الإعلانات الرسمية. وقد طورها رفاعة الطهطاوي بعد توليه منصب رئاسة
تحريرها من عام 1842 حتى عام 1850 م، مستخدم ًا لألفاظ ًا مفردة، وتراكيب مولدة من كلمة عربية وأخرى
أجنبية للدلالة على أشياء حديثة لم تكن موجودة في اللغة العربية كما في الأمثلة التالية6:
الألفاظ المفردة:
مشغول: أي مطرز
العمالة: أي الدائرة الانتخابية أو المقاطعة أو الحي
ورشة: من الكلمة الإنجليزية (workshop)
المشورة: أي المجلس
التراكيب:
أهل الجورنال: أي المحررون
أكدمة الحكمة: أي أكاديمية الطب
بيت الصحة: أي مستشفى
إشارة الأخبار أو السلوك البرقية: أي التلغراف
ومع انتشار حركة الترجمة والنشر، واقتباس التقنيات الحديثة في جميع المجالات من الغرب، زادت الحاجة
إلى تعريب المصطلحات العلمية، وتأسست مدرسة الطب في مصر عام 1827 م، ليبدأ التدريس فيها باللغة
العربية، وتبعتها لبنان بافتتاحها للكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية فيما بعد) عام 1866 م، ثم أنشئت
الجامعة المصرية الأهلية الأولى عام 1908 م، وفي سوريا أيض ًا أنشئت كلية الطب في دمشق عام 1919 م،
3 راجع كتاب «مدرسة الألسن وتطور حركة الترجمة والتعريب في مصر» للدكتور عبد المنعم الجميعي من ص 7 إلى ص
13 لمزيد من التفاصيل عن تاريخ المدرسة ودورها العلمي والثقافي في عصر محمد علي.
4 انظر في بحث «المصطلح العربي الحديث : وسائل وضعه وحصيلة تطبيقاتها في المؤسسات العربية المصطلحية المختصة»
للدكتور محمود فهمي حجازي ص 404.
وقد ظهرت الجريدة باللغة التركية في بادئ الأمر، ثم باللغة العربية ممزوجة بالتركية ، ثم عادت تركية وأخير ًا صدرت باللغة
العربية لتصبح ثاني جريدة تصدر باللغة العربية بعد جريدة «الحوادث اليومية» الصادرة عام 1799 م.
ألفاظ الحضارة والمصطلحات التي اقترحها واستخدمها رفاعة الطهطاوي مذكورة في بحث:
5
6
J. Heyworth-Dunne. 2009. “Rifā‘ah Badawī Rāfi‘ aṭ-Ṭahṭāwī: The Egyptian Revivalist,”
Bulletin of the School of Oriental Studies 10(2), pp. 407–415.
وأيض ًا في كتاب «المولد في العربية» لحلمي خليل من ص 531 حتى ص 537، ولمزيد من التفاصيل راجـع كتاب «رفاعة
الطهطاوي بك» لأحمد أحمد بدوي، من ص 256 حتى ص 284.
11
مجلة دراسات العالم الإسلامي
وكل هذه الأحداث المتوالية7 زادت من الحاجة للتعريب ووضع المصطلحات المتخصصة.
ومن ناحية أخرى، دعى تقدم العلوم وازدهار النهضة الأدبية والثقافية إلى ابتكار أسماء للتعبير عن
الأشياء التي تختص بالحياة اليومية والتي تدعى بـ «ألفاظ الحضارة» مثل : سيارة8 ومذياع وهاتف وتلفاز
(مرئاة)9 وغيرها.
كما يعد أحمد فارس الشدياق (1804-1887 م) من أوائل المهتمين بقضية ترجمة وتعريب
المصطلحات، وهو أحد أشهر رواد النهضة الذين عاصروا روح التجديد مع رفاعة الطهطاوي وشاركه في
كتابة جريدة «الوقائع المصرية»، فقد اتخذ النحت كوسيلة قويمة لمعالجة هذه القضية المستعصية. ومن حبه
الشديد وولعه بالنحت أطلق على نفسه لقب «الفارياق»10 بجمعه لفارس والشدياق في كلمة واحدة. والجدير
ً (وكيفما كان فإن النحت طريقة حسنة تكثر بها مواد اللغة وتتسع
بالذكر أنه شجع استخدام النحت قائلا
أساليبها).11
ًا ما هو هذا النحت؟ ومنذ متى بدأ؟ وهل هناك أي تغيرات طرأت على اللغة العربية مع استخدام
إذ
النحت؟ هذا هو ما سنناقشه من الفقرة التالية.
النحت عند القدامى:
إن النحت في اللغة العربية يعني القطع، والنشر، والاختزال، والتنقيص، والتسوية، والبناء، كما ورد
في المعاجم العربية التراثية المعروفة، مثل «لسان العرب» و«تاج العروس» و«الصحاح» وغيرها. والمعنى
الاصطلاحي للنحت هو (أخذ كلمة من كلمتين متعاقبتين، واشتقاق فعل منهما)12 كما قال الخليل بن أحمد
(ت 791 م / 175 هـ)، الذي يعتبر أول من اكتشف ظاهرة النحت في اللغة العربية. ويتضح لنا هذا في
كتابه «العين» كما ورد في المثال التالي13:
وكلمة حيعل جمعت من لفظ (حي) ومن (على)، فيقال (حيعل، يحيعل، حيعلة).
وهناك كلمات شاعت عند اللغويين القدامى أمثال الخليل وسيبويه (ت 796 م / 177 هـ) واللغويين
من بعدهم مثل14:
فبات خيال طيفك لي عنيق ًا إراجع التفاصيل التاريخية لنشأة المؤسسات العلمية في كتاب «تعريب التعليم الطبي والصيدل7
الخوري، ص 27 إلى ص 32، وكتاب « تاريخ الجامعة السورية: البداية والنمو» ص 41 -42.
يقال إن َّ أول من أطلق لفظة «سيارة» ودعا إلى استخدامها هو أحمد زكي المعروف بلقب «شيخ العروبة»، كما هو
8
موضح في «معجم عطية» ص 220.
9 تلك الأمثلة من ألفاظ الحضارة مذكورة في كتاب «معجم الحضارة» لمحمود تيمور، والذي أدلى فيه بمقترحات لترشيح
كلمات مفضلة على الكلمات الشائعة التي يغلبها الدخيل والأجنبي.
10 وقد أدخل هذا اللقب على عنوان كتابه «الساق على الساق في ما هو الفارياق».
11 راجع كتاب «كنز الرغائب في منتخبات الجوائب» ج 1، ص 204.
12 راجع «كتاب العين» للخليل بن أحمد، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، ص 60.
13 راجع نفس الصفحة من المصدر السابق.
14 ولمزيد من الأمثلة، انظر في كتاب «المزهر» للسيوطي، طبعة دار الكتب العلمية من ص 371 إلى ص 374 في باب
«معرفة النحت».
12
النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة
بسمل (بسم الله أو بسم الله الرحمن الرحيم)
حمدل (الحمد لله)
بلحارث (من بني الحارث بن كعب)
شفعنتي أو شفعنفي (وهي النسبة إلى الشافعي مع أبي حنيفة)
عبشمي (نسبة إلى عبد شمس)
وغيرها من الشواهد التي تظهر في كتب التراث. والغرض من هذا النحت هو تيسير التعبير بالإيجاز والاختزال.
وهناك من شغف بظاهرة النحت من القدامى مثل أحمد بن فارس (ت 1004 م / 396 هـ) الذي
ألف معجم «مقاييس اللغة» وابتدع لنفسه مذهب ًا جديد ًا في النحت حيث قال (اعلم أن للرباعي والخماسي
مذهب ًا في القياس يستنبطه النظر الدقيق وذلك أن أكثر ما تراه منحوت ًا)،15 وصرح بأنه قياسي على الرغم من
قوله (ليس لنا اليوم أن نخترع، ولا نقول غير ما قالوه، ولا أن نقيس قياس ًا لم يقيسوه، لأن في ذلك فساد اللغة
وبطلان حقائقها).16 لذلك لم يتوسع القدامى في دراسة النحت واقتصدوا في استخدامه خوف ًا من الاضطراب
اللغوي ، إلا بما سمعوا به من كلام العرب، أي أنه لا يجوز الخروج عن شواهد عصور الاحتجاج.17
لم ينتشر النحت في هذه الحقبة، لاهتمام القدامى بالرجوع إلى أصول اللغة، ولكنه بدأ في الازدهار مع
الدخول في عصر النهضة عند الكتاب والمفكرين والمثقفين المحدثين.
النحت عند المحدثين:
مع بدايات عصر النهضة من القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين ظهرت كلمات ومفهومات
جديدة دخلت على اللغة العربية نتيجة لازدهار حركة الطباعة والترجمة، التي أدت إلى تعريب المثقفين للكثير
من الكلمات والمصطلحات المترجمة عن اللغات الأوروبية.
فبعد انهيار الدولة العثمانية عام 1922 م، ومع استقلال بعض الدول العربية، أصبحت اللغة العربية
لغة رسمية للبلاد كما هو منصوص في الدساتير العربية. وأثر ذلك بدوره في تشكيل اللغة العربية باعتبارها لغة
وطنية، وأصبحت هناك حاجة ملحة من قبل المعلمين ودور العلم لتطويرها وجعلها لغة ملائمة للتعليم.
فعلى سبيل المثال، قام ساطع الحصري (1883- 1967 م) الذي يعتبر «أبو القومية العربية» بنشر
مقال في «مجلة التربية والتعليم» العراقية، كتب فيه (إن مسألة الاصطلاحات العلمية في اللغة العربية، أصبحت
من أهم المسائل التي تشغل بال المفكرين والمعلمين والمترجمين والمؤلفين).18 وقد شغل الحصري آنذاك منصب
وزير المعارف بدمشق في حكومة الملك فيصل منذ عام 1918 م، وبعد انتقال الملك فيصل أيض ًا إلى عرش
العراق عام 1921، كان الحصري وزير ًا للمعارف، عمل على تعزيز انتشار اللغة العربية حتى عام 1927 م.
ومع التوغل في نشر اللغة العربية كلغة لتعليم العلوم الحديثة، بدأ المفكرون يشعرون بافتقارها للمصطلحات
15 انظر كتاب «مقاييس اللغة» لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، ص 328- 329.
16 من «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها» لابن فارس، تحقيق مصطفى الشويمي، ص 67.
17 من المعروف أن عصور الاحتجاج (أي الاستشهاد باللغة) تنتهي في منتصف القرن الثاني الهجري في الحضر وأواخر
القرن الرابع في البادية.
18 راجع كتاب «في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية» لساطع الحصري، ص 81.
13
مجلة دراسات العالم الإسلامي
التي تحتاج إليها تلك العلوم. مما جعل ساطع الحصري يشعر بأهمية تطبيق نظرية النحت كوسيلة فعالة في
ً عن «النحت» قال فيه إنه (لا يمكن نشر العلم
تكوين اللغة المعاصرة وتحديث المصطلحات، فكتب مقالا
بالتراكيب المطولة، فإذا لم نقبل النحت، سنضطر إلى استعمال الاصطلاحات الإفرنجية نفسها، ولا حاجة
للإثبات أن اتساق اللغة في هذه الحالة، يصبح أشد تعرض ًا للخطر).19
وقد كان يميل إلى استخدام النحت في مقالاته ومنها الأمثلة التالية:
(في الإنجليزية)
أنركزية (egocentrism)
)daydream(
حلقظة
حيثومة (sporozoa)
تحشعوري (subconscious)


=


=
مركز
يقظة
جرثومة
شعور
أنا +
+
حلم
+
حيوان
+
تحت
وعلاوة على ذلك، فقد أثنى على استخدام «التركيب المزجي» مثل اللامركزية، واللاسلكية حيث دعا
إلى نسج صيغ على نفس المنوال كالصيغ التالية:
لاأخلاقي (amoral)
لامائي (anhydrous)
لاأدرية (skepticism)


=


أخلاق
مائي
أدري
لا +
لا +
لا +
ف كتاب «الاشتقاق» عام 1956 م، وقد
وكان من أكثر المتحمسين لنظرية النحت عبد الله أمين الذي أل ّ
َار بالتخفيف، والنحت أكبر أقسام
ّار»20 لأن (الكبار بالتثقيل أكبر من الك ُ
ب
أطلق على النحت اسم «الاشتقاق الك ُ
ب
الاشتقاق)21 كما يقول. وليظهر ضرورة النحت في بعض المواقف اللغوية اقترح وضع بعض المصطلحات مثل:
قطسر أو قطرس
أربجل
بنصر


=


درعم، و نسبوا إليها فقالوا «درعمي»22


سريع
أرجل
مصر
العلوم
+
قطار
+
أربعة
+
بنك
دار +
ولكن من الجدير بالذكر أن المصطلحات التي وضعها ساطع الحصري وعبد الله أمين لم تلاق ترحيب ًا من
بعض اللغويين والباحثين المعاصرين. ومع مطلع القرن العشرين انتقد مصطفى الشهابي (1893- 1968 م)
19 تابع المصدر السابق، ص 90.
َّال» وهي من صيغ المبالغة غير القياسية.
ع
َّار» على وزن صيغة «فـُ
«الك ُ
ب
20
21 انظر كتاب «الاشتقاق» لعبد الله أمين، ص 391.
22 وعلى الرغم من ذلـك فقد ظلت بعض المصطلحات مستخدمة وشائعة في المجتمع حتى وقتنا الحاضر مثل كلمة
«درعمي» التي تعبر عن المنتسبين إلى كلية «دار العلوم» بجامعة القاهرة.
14
النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة
مؤلف كتاب «المصطلحات العلمية في اللغة العربية» ورئيس المجمع العلمي العربي بدمشق حينذاك، الإفراط
في استخدام ظاهرة النحت، وقال عن النحت والمتحمسين لاستخدامه (إنه أداة صغيرة الأثر، إذا قيست
بالأدوات السائرة من اشتقاق وتضمين وتعريب؛ وكأني بالمتساهلين من أنصار النحت لا يبالون بأن تفضي
آراؤهم إلى خلق لغة نبطية جديدة تحل محل اللسان العربي المبين)،23 وانتقد أيض ًا استخدام مصطلحات
مستجدة مثل: خامدرسي (من خارج ومدرسة)، وفوسوي (من فوق وسوي)، وتحشعوري (من تحت وشعور)،
ً ( لماذا يخشى بعض الأساتذة استعمال كلمتين عربيتين مقابل كلمة أعجمية
وقبلغي (من قبل وبلوغ)، متسائلا
واحدة ؟).24
أما المثقف اللغوي العراقي، صاحب مجلة «لغة العرب» أنستانس الكرملي (1866- 1947 م)،
الذي يقول إن اللغة العربية لغة اشتقاقية25 قادرة على تلبية كل المتطلبات اللغوية، انتقد وجود كلمات منحوتة
عن أصلها العربي، مثل التعبير عن مصطلح «الطب النفسي الجسمي psychosomatic» بمصطلح
«النفسجي» أو «النفسجسمي» مما يبعد المعنى ويذهب الفائدة المرتجاة منه.26 فالعرب لا تنحت إلا الألفاظ
التي يتكرر ورودها على ألسنتهم.
ومع كل هذه المجادلات بين تيار مؤيد وتيار معارض لمسألة النحت، قام مجمع اللغة العربية بالقاهرة بدور
الوسيط المنسق بين مختلف الآراء، حيث اهتم المجمع اهتمام ًا كبير ًا بمسألة النحت ووضع المصطلحات الجديدة
منذ نشأته عام 1932 م. فتم تأليف لجنة تتكون من مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ محمود شلتوت،
والشيخ إبراهيم حمروش، والدكتور أحمد زكي، والأستاذ مصطفى نظيف، والشيخ عبد القادر المغربي لبحث
موضوع «النحت ومدى الاستفادة منه».27
موقف مجمع اللغة العربية بالقاهرة28 في مسألة النحت:
بدأ الأعضاء بمناقشة مسألة النحت من مختلف أطرافها في جلساتهم العلمية على مدى عام كامل من
1946 حتى عام 1947 م، فأصدروا قرارهم في الجلسة الرابعة عشرة عام 1948 م، والذي يفيد بـ (جواز
النحت في العلوم والفنون للحاجة الملحة إلى التعبير عن معانيها بألفاظ عربية موجزة).29 ووضعت لجنة
الكيمياء والطبيعة في المجمع نحو 16 كلمة منحوتة،30 من أبرزها:
23 راجع «مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق»، مجلد 34- جـ 3، ص 551. وكتاب «النحت في اللغة العربية - دراسة
ومعجم» لأحمد مطلوب، ص 29.
24 «مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق»، مجلد 34- جـ 3، ص 553.
25 اللغة العربية لغة اشتقاقية، فالجذر الثلاثي مثل (كتب)، يمكن أن يشتق منه كلمات عديدة مثل: كاتب، ومكتب،
ّاب، ومكتوب، واكتتاب وغير ذلك.
وك ِتاب، وك ُ
ت
26 راجع كتاب «المباحث اللغوية في العراق» لمصطفى جواد ص 86.
27 انظر «مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة»، جـ 7، ص 201.
28 نشأ مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1932 م تحت اسم «مجمع اللغة العربية الملكي»، وتألف من 20 عضو ًا من
علماء اللغة العربية المعروفين نصفهم من المصريين، والنصف الآخر من العرب والمستشرقين. ثم تغير اسمه إلى «مجمع فؤاد الأول
للغة العربية» عام 1938 م، وبعدها تغير مرة أخرى ليصبح «مجمع اللغة العربية» عام 1954 م. ومع اتحاد مصر وسوريا عام
1958 م تغير اسمه إلى «مجمع اللغة العربية في القاهرة» منذ عام 1960 م وحتى وقتنا الحاضر.
29 المرجع السابق، جـ 7، ص 201. أما في نص كتاب «مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاما»، (يجوز النحت
عندما تلجئ إليه الضرورة العلمية)، كما ورد في ص 21.
30 انظر «مجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة» جـ 7، الصادر عام 1953 م، ص 201.
15
مجلة دراسات العالم الإسلامي
(في اللغة الإنجليزية)
)hydrolyse to(
حلمأ
برمائي (amphibian)
شبزال (albuminoid)
نزجنة (dehydrogenation)


=


=
ماء
ماء
زلال
الأيدروجين
+
حلل
بر +
شبه +
نزع +
ولم يحد هذا الدور الإيجابي للمجمع من تناوب المناقشات حول مسألة النحت، ففي الدورة رقم واحد
وثلاثين عام 1965 م، تمت إجازة قياسية النحت (على أن يراعى ما أمكن استخدام الأصلي من الحروف
دون الزوائد، فإن كان المنحوت اسم ًا، اشترط أن يكون على وزن عربي).31 وبتحقيق هذه الشروط يكون
النحت – ككل أنواع الاشتقاق – وسيلة فعالة رائعة لتنمية اللغة العربية وتجديد أساليبها في التعبير، دون أي
عدوان على نسيجها المحكم المتين.
وبالرغم من المحاولات التي باءت بالفتك بكل الألفاظ المنحوتة والسعي إلى الاشتقاق، إلا أن الكثير
منها متداول حتى الآن في المجتمعات العربية عامة، والمجتمع المصري خاصة، لحسن سياغتها وسهولة نطقها مثل
الكهرمغناطيسي والبرمائي وغيرهما.32 ومازال هناك الكثير من العلماء والباحثين الذين يؤيدون هذه الظاهرة
ويحاولون الإبقاء عليها بتوليد مصطلحات وكلمات جديدة مثل: رائد الدراسات اللغوية العربية، الدكتور
إبراهيم أنيس (1906– 1977 م) الذي اقترح استخدام كلمة «أنفمي» للتعبير عن الصوت الذي يتخذ
مجراه من الأنف والفم مع ًا في علم الأصوات، وأيض ًا الدكتور عبد الصبور شاهين – أستاذ كلية دار العلوم
بجامعة القاهرة – الذي ابتكر كلمة «فصعمي»33 أي مزيج من الفصيح والعامي.
ولكن بعد تحديد وضع المنحوتات بشروط وضوابط من قبل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، أصبح وضع
المصطلحات المولدة محكم ًا في نطاق ضيق، وذلك حد بدوره على انتشار الغريب منها الذي ذكرناه فيما قبل.
الدراسات العربية المعاصرة والنحت في الكتب التعليمية الحديثة:
هكذا اشتعل الجدال حول كيفية توليد المصطلحات ونحت الكلمات بين أعضاء مجمع اللغة العربية في
أواسط القرن العشرين. وذلك لمواكبة تقدم العلوم والتقنية، وانتشار التعليم، والتطور السريع لوسائل الإعلام
والحاسوب التي أدت بدورها إلى تغير المجتمع العربي.
ونتيجة لهذا التغير، بدأت التساؤلات تثور حول قدرة اللغة العربية على مواجهة عصر العولمة والحوسبة،
فقد ولى الكثير من باحثي اللغة العربية اهتماماتهم بدراسة القضايا اللغوية وتحديث العلوم، وماهية اللغة
العربية المعاصرة، ولغة الإعلام والصحافة وغيرها في السنوات الأخيرة. ومن أبرز هذه الدراسات «العربية لغة
العلوم والتقنية» للدكتور عبد الصبور شاهين، وكتابا الدكتور محمد حسن عبد العزيز «لغة الصحافة المعاصرة»
31 تابع «مجموعة القرارات العلمية في خمسين عام ًا»، ص 22.
َّك
ِيهش من (ما عليه شيء)، وع ُقبالك من (العقبى لك)، وإز َّ
ي
32 نجد أيض ًا منحوتات كثيرة في العامية المصرية مثل ماع ْل
من (أيش زيك) تعني ما حالك، كما وردت في كتاب الدكتور شوقي ضيف «تحريفات العامية للفصحى» ص 135-141.
33 قال هذا اللفظ الدكتور عبد الصبور شاهين خلال لقاء أجريته معه عن «تعريب المصطلحات العلمية» في فبراير عام
2009 م، أثناء قيامي بأبحاث في القاهرة.
16
النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة
و«الوضع اللغوي في الفصحى المعاصرة»،34 كما نجد كتاب «بحوث في العربية المعاصرة» للدكتورة وفاء كامل
فايد، التي تطرقت إلى موضوع وضع المصطلحات الجديدة وتطوير اللغة العربية.
وكل هذه الدراسات تحمل في طياتها أبواب ًا عن قضية التعريب وتوليد المصطلحات تتناول فيها موضوع
النحت مقدمة العديد من الأمثلة للنحت قديمًا وحديث ًا.
وقد أصبحت اللغة العربية التي تتضمن هذه الكلمات الجديدة المنحوتة وغيرها من الكلمات المعربة
والدخيلة منتشرة بين الدول العربية كوسيلة مشتركة للتواصل تتمركزها وسائل الإعلام، وقد أطلق عليها بعض
الباحثين العرب اسم «فصحى العصر» أو «اللغة العربية المعاصرة»، كما أطلق عليها العالم الغربي اسم
«MSA: Modern Standard Arabic» أي اللغة العربية المعيارية المعاصرة.
ً وأمثلة عن ظاهرة النحت في كتب
ومن الملحوظ أن الباحثين الغربيين بدءوا مؤخر ًا في إدراج أبواب ًا وفصو لا
النحو التعليمية لغير الناطقين باللغة العربية وذلك للتعريف به كسمة من سمات تحديث اللغة العربية. فمن المثير
ً
تم إضافة باب عن النحت والتركيب المزجي في الطبعة الثانية عام 1965 م لكتاب النحو التعليمي
للاهتمام أنه مثلا
35
،Nahmadو Haywood الذي ألفه »A New Arabic Grammar of the Written Language«
كما تناول Ryding في كتابه «A Reference Grammar of Modern Standard Arabic»36
بعض أمثلة للنحت37 مثل:
فوصوتي (supersonic)
قبميلادي (Before Christ: BC)
قبتاريخي (prehistoric)


=


صوتي
ميلادي
تاريخ
فوق +
قبل +
قبل +
وأيض ًا في كتاب «Modern Written Arabic» لـ Badawi وآخرين، قد تم تقديم النحت في باب
مستقل38 على أنه ظاهرة ليس لها قوانين محددة ولكنه قد طرح العديد من الأمثلة كالتي رأيناها عند الحصري
مثل:


=


قبحربي (pre-war)
بيسطري (interlinear)
فوبنفسجي(ultraviolet)
حربي
سطرين
بنفسجي
قبل +
بين +
فوق +
أما كتب قواعد اللغة العربية التعليمية الحديثة عند العرب لم تخصص أبواب ًا لموضوع النحت، واقتصر
النحت على المتخصصين في علم النحو وفقه اللغة، فقد يتجلى في الكتب والأبحاث المتخصصة كجانب من
34 وقد ألف الدكتور محمد حسن عبد العزيز أيض ًا مرجعين مهمين في قضية التعريب وظاهرة النحت وهما «التعريب في
القديم والحديث» و«النحت في اللغة العربية».
35 انظر في ملحق الكتاب ص i 511.
36 راجع ص 268 إلى ص 269.
37 ينبغي التفريق بين ظاهرتي النحت والتركيب المزجي، ولكن كتب النحو التعليمية الغربية المذكورة في هذه الفقرة تجمع
بينهما تحت مسمى «compound words» أو «composite words».
38 راجع ص756 إلى ص 761.
17
مجلة دراسات العالم الإسلامي
جوانب قضية التعريب ووضع المصطلحات.
وبالنسبة لتجربتنا في تطوير مناهج تعليم اللغة العربية ووضع مواد تعليمية لطلبة الدراسات العليا
المتخصصين في دراسات العالم الإسلامي، فقد ألفنا كتاب «دليل اللغة العربية المعاصرة لدراسات العالم
الإسلامي» الذي يهدف إلى استيعاب أحوال العالم العربي المعاصر من خلال الوسائل الإعلامية المكتوبة
والمسموعة والمرئية مع عدم تجاهل الذخائر التراثية العربية العتيقة لتكون أول تجربة في اليابان تعيد النظر في
منهجية وضع كتب تعليم اللغة العربية،39 وقد وضعنا فيه باب ًا للنحت40 قدمنا فيه أمثلة وافرة مستخدمة فعلي ًا
في الصحف والمجلات العربية وغيرهما من الوسائل الإعلامية (مثل: درعمي وزمكان إلخ...)، وأيض ًا أمثلة من
الكتب والمعاجم العربية التراثية المشهورة.
وهذه الأمثلة التى طرحناها مازال بعضها محل جدل من ناحية استقرارها بين قوانين صياغة الكلمات،
وتدوينها ضمن قواميس اللغة والمعاجم المختصة، ولكن غير الناطقين باللغة العربية أمثالنا يقابلون مثل هذه
الكلمات من ألفاظ الحضارة والمصطلحات الجديدة يومي ًا في دراستهم للعالم العربي، لذا أحتمت الضرورة علينا
معرفتها للتوغل في سراديب المجتمع العربي ولتفهم الواقع الحي للغة.
خاتمة:
بعد تطور العلوم والصحافة ووسائل الإعلام، ظهرت مصطلحات علمية وألفاظ حضارية جديدة، وكان
لا بد للغة العربية أن تتعامل مع هذه بانتقاء ونحت كلمات وتراكيب تتناسب مع تلك المصطلحات الحديثة.
فمنذ القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين، ومع النهضة الأدبية والثقافية، والدور البارز
الذي قامت به القومية العربية في تعزيز انتشار التعليم، ظهرت لغة تعليم وتواصل مشتركة بين الأقطار العربية،
وصارت اللغة العربية محل جدل ونقاش بين المؤسسات العلمية التي تسعى للحفاظ على سلامة اللغة العربية.
وصار النحت موضع المناقشات بين علماء اللغة العربية. فانقسموا إلى ثلاث تيارات وهي:
أ - تيار المتحمسين: وهم من يأيدون فكرة نقل المصطلحات العلمية من اللغات الأوروبية وإدخالها على
شكل كلمات وتراكيب منحوتة للغة العربية، وأن الاشتقاق وحده غير كاف لسد النقص في هذا المجال.
ب - تيار المعارضين: الذين يرون أن اللغة العربية كفيلة بتغطية كل هذه المصطلحات عن طريق اللجوء إلى
الاشتقاق، وأنه لا يوجد سبب لاستخدام كلمات منحوتة، إلا ما ورد على ألسنة العرب.
ج - تيار المعتدلين: هم الذين يرون أن اللغة العربية لغة غنية بما يقدمه الاشتقاق، ولكن هناك مصطلحات
علمية يصعب وجود مقابل لها، وفي هذه الحالة يمكن الاستعانة بالنحت عند الضرورة بدون المساس بجوهر
اللغة العربية. وهذا ما قرره مجمع اللغة العربية بالقاهرة لكي يضع حد ًا لهذا الجدال.
وكما رأينا أن اللغة العربية لغة حية ثرية تماشت مع كل العصور وتغلبت على تحديات كل حقبة، فمع
التطور السريع للتقنية والمعلومات في الوقت الراهن تتولد كلمات جديدة كل يوم كي تتوافق مع عصر العولمة
39 لمعرفة المزيد من التفاصيل، انظر إلى بحثنا المقدم عام 2009 40 راجع ص 231 إلى ص 3.
18
النحت في اللغة العربية بين الأصالة والحداثة
والحوسبة والرقمنة الذي نعيشه.
ولكن بالنظر إلى واقع العالم العربي الآن، نجد أن عدد ًا محدود ًا من الدول العربية يدرس العلوم باللغة
العربية بالرغم من جهود المجامع العربية البارزة واقتراحها للكثير من المصطلحات العلمية الجديدة. فقد كانت
قضية تعريب ووضع المصطلحات وتوحيدها وتطبيقها في التعليم العالي قضية ملحة لا يمكن تجاهلها إلى يومنا
هذا.
ومع أن هناك العديد من الكلمات الجديدة والمنحوتات ليس فقط في المجال العلمي بل في الحياة اليومية،
فقد تجاهلت القواميس والمعاجم المختصة الحديثة وجودها. ولكني كباحث للغة العربية آمل يوم ًا أن أجد بين
يدي قاموس ًا تدون فيه تلك الكلمات حتى لا تلقى مصيرها وتفنى كما فنى الكثير مما سبقها مع هبوب رياح
العصر الجديد.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...