Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (40%)

22 أغسطس 1951
سافرنا أنا وشخبوط، ‎بيننا وبين شركة تطوير بترول الساحل. عندما قمت بزيارة أخي لأعرض عليه تظلماتي أثار هذه القضية جزئياً رافضاً في الوقت ذاته إطلاعي على
‎التفاصيل، ‎كانت القضية بسيطة ومعقدة في آن. ‎في عام 1939 منح الشيخ شخبوط هذه الشركة امتيازاً
وكذلك جميع الجزر والمياه الإقليمية». لكن في عام 1945 أبصر النور مفهوم جديد للقانون الدولي بإيعاز من الولايات المتحدة هو مصطلح «الأوفشور» ينصّ هذا المصطلح على أن أعماق البحر الواقعة في أعالي البحار لكنها مجاورة لسواحل بلد ما هي ملك لهذا البلد. الساري حتى
كان رد فعل الشركة مباشراً. اعتبرت أن هذه المنطقة الجديدة هي جزء من امتياز عام 1939 الموقع مع أخي. والحال أن مصطلح «الأوفشور» لم يكن موجوداً آنذاك. لم يرفض شخبوط طلب الشركة، وله كل الحق في ذلك، فحسب بل عمد في ديسمبر 1950 إلى منح امتياز «الأوفشور» إلى شركة «سوبريور أويل
‎باريس. ‎كان القاضي الناظر في القضية يدعى لورد أسكويث، وهو في الستين من العمر ابن رئيس وزراء إنجليزي سابق، أي قبل أسبوع من وصولنا إلى باريس، وبالتالي تعود ملكية منطقة «الأوفشور» لنا ونحن أحرار في منح امتيازها لمن نشاء. أنا وشخبوط، الصعداء، على الرغم من المرارة التي شعرنا بها جراء وصف
‎بدائية، فسّر لي ذلك ستيفان شامبان أحد المحامين الإنجليز الذي دافع عنا. ومنذ ذلك الحين دأب زوار المدينة العابرون الذين أعجبوا بهذه الإضاءة العامة التي يبدو أنها الأولى في العالم، ‎إعطاء العاصمة الفرنسية هذا اللقب: «مدينة النور». التهمت بعيني كل تفصيل فيه. شخصاً غير عادي في نظر أولئك الذين يشاهدونني في لباسي البدوي مغطى الرأس بغترة. لكل بلد عاداته وتقاليده وثقافته، وأسوأ المواقف ليس أن ترتدي هذا الزي أو ذاك، ذلك أن الله أرادنا أن نكون
كانت زيارة متحف اللوفر لحظة افتتان رائعة عندما دخلت إلى حرم المتحف شعرت وكأنني ألج بقدم ثابتة تاريخ البشرية العالمي حضارات شرقية قديمة مصرية، رومانية، من قاعة إلى قاعة كان هذا المتحف الرائع يكشف لي عن نفائسه. أفكان من الطبيعي ألا أحلم بأننا نستطيع أن ننعم ذات يوم بصرح
‎وأثناء إقامتنا في باريس حصل شيء من الاستلطاف بيني وبين وزير الخارجية الفرنسي موريس شومان، وهو رجل ذو مكانة. أخبرني أنه توجد في فرنسا، إدارة مهمتها الحرص على ألا تعمد بعض الأمهات البائسات اللواتي لا يمكنهن الاحتفاظ بأطفالهن، إلى التخلي عنهم. وتستدعى قابلات لزيارة الحوامل منهنّ في بيوتهن لمساعدتهن عندما يحين وقت ولادتهن. وعند حلول الليل تنار الشوارع في أقل من ثلاثين دقيقة. حدثت كل هذه التغييرات بإيعاز من رجل واحد هو نابليون الثالث، يكفي أن نريده. 6 فبراير 1954
أوقف زايد سيارته اللاندروفر عند كثيب، قريباً جداً من سيارتين أخريين، الجو خانق مع أن الفصل شتاء، كان برفقة الشيخ نجله الأكبر خليفة الداخل في عامه السادس عشر. تغطي رأس الفتى غترة ناصعة البياض تعطيه سنتين أو ثلاث سنوات زيادة في العمر. وتضرب الأرض بأخفافها، في نظام مشتت إلى حد ما. بخلاف الجمال ذات السنامين هذه الجمال العربية صالحة للسباق. كان على ظهر بعضها غطاء صغير مرقش، وكان أصحابها، وهم مدربوها أيضاً، يقودونها
ودرّبوها، واعتنوا بها لهذا اليوم
‎المشهود سباق الثمانية كيلومترات عبر الرمال. يتبعه ابنه خليفة مصحوباً بصيحات الابتهاج وهتافات الترحيب وطلقات البنادق. وكفل آخر، ‎الصغيرة الخشبية. ‎سأل خليفة مشيراً إلى سنام جمل:
‎أهنا يحتفظ باحتياطي الماء؟
‎آه، لا يظنّ ذلك الغربيون وحدهم. هذا مخزن الشحم لا الماء الشحم غني جداً بالمعادن ويمكن الجمل من الصمود ثلاثة أسابيع تقريباً من دون أن يأكل أو يشرب لأن
لكن بعد فترة طويلة من الصوم
‎ماذا تقول يا زايد هتف ، فارس، ‎أحمد، ‎أتريد أن تضحك؟ على جملك الهزيل؟
وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف، ‎عنقه غير سوي، وجلده مترهل. ‎رفع البندقية نحو السماء وأطلق رصاصة. ‎في الحال، ثارت الصحراء وعلا الغبار واهتزت الأرض كما لو أنها تعرضت لزلزال مرت الجمال المستحقة من السهام مندفعة إلى الأمام. ‎إلى سيارتهما. ‎العداد الـ 50 كلم في الساعة. ‎ما إن أطلق هذا التحذير حتى - وهذا ما أسعد خليفة كل السعادة - طفرت اللاندروفر متراً وارتفع الدولابان الأماميان
‎سجلت إبرة العداد 60 كلم في الساعة. ‎ألقى زايد نظرة على المرآة الخلفية. أما بقية البدو فكانوا يحاولون اللحاق بهم حاثين جمالهم على الجري بأسرع ما تستطيع. ‎لم يمض وقت طويل حتى بان العمود الذي يحدد خط
‎الأولى. وتقاطرت الجمال الأخرى إثرها. ‎كبح زايد اللاندروفر فجأة نزل منها مع ابنه وتوجها نحو بدوي مُسنّ كان يقف منذ بداية السباق قرب العمود. تبعهما
‎ماذا؟ سأل زايد. ‎لم يكمل عبارته في هذه اللحظة كان فارس يطلق صيحة
‎لم يعد أمامه عمر، وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف عنقه غير سوي، وجلده مترهل». وأنه لا تخفى عليه خافية في أحوال الصقور والبشر والجياد والجمال. لكن فراستي في السباقات لا تخطئ أحياناً
لكن لا يهم أن تفقد جهة الشمال إذا كنت تعرف أين الجنوب تهاني. ‎الحظ وحوّل جملك إلى جواد أصيل. ‎رأسيهما فخراً واعتزازاً. وحين أعطى فارس المبلغ الذي يستحقه ابنه استأذن فارس الشيخ زايد بأن يوزّع جائزة ابنه على الفائزين
قال مشيراً إلى الرجلين، ‎أيده الشيخ زايد ثم جلس مع خليفة على الرمل، وتحلّق حولهما الآخرون وشرعوا في تقييم السباق، وحين هم الشيخ بالاستئذان للمغادرة وصل فارس
‎هذا الرجل. أبيض بالكامل، وقد أثار فضولي تفصيلان: كرة ضخمة، ‎- أرى أن كاليبسو، ‎وعلى رأسه طاقية حمراء لكلامه باللغة الإنجليزية لكنة مغايرة
ممشوقة. ‎| ممتلئة ممتلئة بالفواكه والخضار. قال الرجل الذي بادرني بالكلام، أنا
سيمون. ‎في تلك المرحلة لم أكن متمكناً من اللغة الإنجليزية لكن
‎كنت أتوصل إلى فهم ما يقال. ‎سالت
‎عسكري متقاعد. كنت في سلاح البحرية الفرنسية
‎إبان حرب الأربعين. ‎- أنت فرنسي إذن. ‎- تماماً. ولدت في سانت أندريه دو كوبزاك. أظن أنك لا تعرفها. هل سبق لك أن
‎ا زرت بلادنا؟
أنا وأخي الشيخ شخبوط، منذ أربع
‎سنوات وأحتفظ عنها بذكرى رائعة. ‎حملقت المرأة مندهشة. ‎يا لها من مصادفة مدهشة. ‎هتف كوستو متعجباً:
‎إذن، ‎لي مزيد الشرف، أضاف الفرنسي، حدثت عنك كثيراً، وعن أخيك طبعاً. هل تعلم أن التنقيبات التي أعتزم القيام بها
‎سدد إصبعه نحو المركب الراسي في عرض البحر. ‎- هب لنا شرف دعوتك إليه،


Original text

‎باريس، 22 أغسطس 1951


‎كنت أفضّل أن تكون هذه الرحلة للاستجمام فقط. للأسف، سافرنا أنا وشخبوط، لتسوية خلاف نجم منذ أشهر


‎بيننا وبين شركة تطوير بترول الساحل.


‎قبل عام، عندما قمت بزيارة أخي لأعرض عليه تظلماتي أثار هذه القضية جزئياً رافضاً في الوقت ذاته إطلاعي على


‎التفاصيل، وقد عرفت عنها المزيد مذاك.


‎كانت القضية بسيطة ومعقدة في آن.


‎في عام 1939 منح الشيخ شخبوط هذه الشركة امتيازاً


‎بموجب المادة 2 من العقد يغطي الامتياز جميع الأراضي الخاضعة لسلطته وملحقاتها، وكذلك جميع الجزر والمياه الإقليمية». لكن في عام 1945 أبصر النور مفهوم جديد للقانون الدولي بإيعاز من الولايات المتحدة هو مصطلح «الأوفشور» ينصّ هذا المصطلح على أن أعماق البحر الواقعة في أعالي البحار لكنها مجاورة لسواحل بلد ما هي ملك لهذا البلد. أي أبعد من الحد التقليدي للمياه الإقليمية المقدر بثلاثة أميال، أو خمسة كيلومترات، الساري حتى


‎ذلك الحين.


‎عندما علم شخبوط بهذا الوضع الجديد سارع - باستحقاق إلى بسط سلطتنا على هذا الجزء المسمى أو فشور». كان رد فعل الشركة مباشراً. اعتبرت أن هذه المنطقة الجديدة هي جزء من امتياز عام 1939 الموقع مع أخي. والحال أن مصطلح «الأوفشور» لم يكن موجوداً آنذاك. لم يرفض شخبوط طلب الشركة، وله كل الحق في ذلك، فحسب بل عمد في ديسمبر 1950 إلى منح امتياز «الأوفشور» إلى شركة «سوبريور أويل


‎أوف كاليفورنيا». طبعاً اعترضت شركة تطوير بترول الساحل على القرار وتعيّن أن تخضع القضية للتحكيم في


‎باريس. وهذا ما جاء بنا إلى العاصمة الفرنسية.


‎كان القاضي الناظر في القضية يدعى لورد أسكويث، وهو في الستين من العمر ابن رئيس وزراء إنجليزي سابق، وشخصية متميزة جداً ! استعلمت عنه ووثقت به. كان قد


‎أظهر في أحكامه السابقة حكمة ونزاهة مثالية.


‎في الثامن والعشرين من شهر أغسطس، أي قبل أسبوع من وصولنا إلى باريس، أصبح تفاؤلي مؤكداً. حكم لورد أسكويث بأحقيتنا. لا يمكن للشركة المعترضة أن تدعي لنفسها أي حق في ما يتعدى الحد التقليدي المقدر بثلاثة أميال. وبالتالي تعود ملكية منطقة «الأوفشور» لنا ونحن أحرار في منح امتيازها لمن نشاء. تنفسنا، أنا وشخبوط، الصعداء، على الرغم من المرارة التي شعرنا بها جراء وصف


‎لورد أسكويث لبلادنا في ديباجة حكمه بأنها: «بلاد واسعة،


‎بدائية، فقيرة، وقليلة السكان.


‎أثناء إقامتنا في باريس تساءلت غير مرة عن السبب الذي من أجله لقبت مدينة النور». فسّر لي ذلك ستيفان شامبان أحد المحامين الإنجليز الذي دافع عنا. قال إن ذلك يعود إلى عهد الملك لويس الرابع عشر حين وضعت آلاف الفوانيس والمشاعل في الشوارع وعلى واجهات المباني بأمر من رئيس شرطة باريس. بذلك كان الموظفون يأملون أن يتحسن الوضع الأمني في الشوارع لردع قطاع الطرق عن مهاجمة المارة. ومنذ ذلك الحين دأب زوار المدينة العابرون الذين أعجبوا بهذه الإضاءة العامة التي يبدو أنها الأولى في العالم، على


‎إعطاء العاصمة الفرنسية هذا اللقب: «مدينة النور».


‎من أعلى برج إيفل كان المشهد غير عادي. التهمت بعيني كل تفصيل فيه. لكن أفترض أنني كنت أنا أيضاً، شخصاً غير عادي في نظر أولئك الذين يشاهدونني في لباسي البدوي مغطى الرأس بغترة. لم أنس تعبير المارة عندما رأوني نازلاً جادة الشانزليزيه. كنتُ مثاراً للدهشة في كل مكان. ومن غير المستبعد أن يتخيل من يراني من الباريسيين أنني شخصية خارجة من صفحات ألف ليلة وليلة وأن ثمة شهرزاد تنتظرني في مكان ما. لكل بلد عاداته وتقاليده وثقافته، وكلها توحي بالاحترام. وأسوأ المواقف ليس أن ترتدي هذا الزي أو ذاك، أو أن تعيش بهذه الطريقة أو تلك، لا أسوأ المواقف هو أن تسعى لتفرض على غيرك نمط تفكيرك. فمن اختلافاتنا يجب أن تنشأ الرابطة التي توحد الناس. ذلك أن الله أرادنا أن نكون


كما نحن مختلفين.


كانت زيارة متحف اللوفر لحظة افتتان رائعة عندما دخلت إلى حرم المتحف شعرت وكأنني ألج بقدم ثابتة تاريخ البشرية العالمي حضارات شرقية قديمة مصرية، يونانية اثرورية»، رومانية، وفنون الخط وفنون الإسلام، من قاعة إلى قاعة كان هذا المتحف الرائع يكشف لي عن نفائسه. أفكان من الطبيعي ألا أحلم بأننا نستطيع أن ننعم ذات يوم بصرح


عظيم كهذا الصرح خدمة لرفاهية شعبنا ؟


‎وأثناء إقامتنا في باريس حصل شيء من الاستلطاف بيني وبين وزير الخارجية الفرنسي موريس شومان، وهو رجل ذو مكانة. أخبرني أنه توجد في فرنسا، منذ قرن تقريباً، إدارة مهمتها الحرص على ألا تعمد بعض الأمهات البائسات اللواتي لا يمكنهن الاحتفاظ بأطفالهن، إلى التخلي عنهم. من أجل ذلك خصصت لهنّ مساعدات مالية وعينية على شكل بياضات وملابس، إضافة إلى دفع أجرة المرضعات. وتستدعى قابلات لزيارة الحوامل منهنّ في بيوتهن لمساعدتهن عندما يحين وقت ولادتهن. ومنذ قرن تقريباً طوّرت في المستشفيات وسائل التدفئة والتهوية والحمامات، وحلت مكان الأسرة الحديدية أسرّة خشبية. وتم بناء العديد من خزانات المياه في أنحاء المدينة ليعمّ استخدام المياه الجارية البيوت كافة. وفي أقل من ثماني سنوات شُيّد أكثر من 62 مدرسة تستوعب 17 ألف تلميذ. وعند حلول الليل تنار الشوارع في أقل من ثلاثين دقيقة. وفي تلك المرحلة نفسها ظهرت الجادات العريضة المحفوفة بالأشجار. وعلى قول السيد شومان، حدثت كل هذه التغييرات بإيعاز من رجل واحد هو نابليون الثالث، أوّل رئيس للجمهورية الفرنسية. قلت في نفسي إن ما استطاع أن


‎يحققه حاكم فرد بعزيمته وحدها قبل مائة سنة يمكننا نحن أيضاً أن نحققه. يكفي أن نريده.




مكان في الصحراء، 6 فبراير 1954


أوقف زايد سيارته اللاندروفر عند كثيب، قريباً جداً من سيارتين أخريين، إحداهما لشيخ من المنطقة، والثانية لصديقه فارس. الجو خانق مع أن الفصل شتاء، لكن الشمس ما انفكت ترمي بسهام أشعتها على المدى الرحب. كان برفقة الشيخ نجله الأكبر خليفة الداخل في عامه السادس عشر. تغطي رأس الفتى غترة ناصعة البياض تعطيه سنتين أو ثلاث سنوات زيادة في العمر. غير بعيد كان حوالي عشرة مراهقين يمتطون جمالاً ذات وبر أصهب، ترغي، وتضرب الأرض بأخفافها، في نظام مشتت إلى حد ما. بخلاف الجمال ذات السنامين هذه الجمال العربية صالحة للسباق. إنها حيوانات ضخمة، فارعة، مطوقة بحزام تحت البطن والخطم بالمرصاد. كان على ظهر بعضها غطاء صغير مرقش، وعلى غيرها قطع من نسيج خام. وكان أصحابها، وهم مدربوها أيضاً، يقودونها


بحبال رفيعة لقد غذوها، ودرّبوها، واعتنوا بها لهذا اليوم


‎المشهود سباق الثمانية كيلومترات عبر الرمال.


‎على ظهور الجمال أيضاً، متأخرين قليلاً، كان آباء المتبارين المراهقين والعديد من المشاهدين الذين جاؤوا من القرى المجاورة، يترقبون متوترين إشارة الانطلاق من يد الشيخ زايد تناول الشيخ بندقيته وخرج من اللاندروفر، يتبعه ابنه خليفة مصحوباً بصيحات الابتهاج وهتافات الترحيب وطلقات البنادق. مر من متبار إلى آخر، مداعباً عُنق بعير، وكفل آخر، مشجعاً راكبيها المنتصبين بفخر على رحالهم


‎الصغيرة الخشبية.


‎سأل خليفة مشيراً إلى سنام جمل:


‎أهنا يحتفظ باحتياطي الماء؟


‎آه، لا يظنّ ذلك الغربيون وحدهم. هذا مخزن الشحم لا الماء الشحم غني جداً بالمعادن ويمكن الجمل من الصمود ثلاثة أسابيع تقريباً من دون أن يأكل أو يشرب لأن


‎هذا الشحم ينتج الماء أيضاً، لكن بعد فترة طويلة من الصوم


‎يمكنه أن يبتلع حتى مائة ليتر من الماء.


‎ماذا تقول يا زايد هتف ،فارس، أما زلت ترى أن ابني


‎أحمد، لن يفوز بهذا السباق؟


‎أتريد أن تضحك؟ على جملك الهزيل؟


‎واتخذ الشيخ خليفة شاهداً:


‎- يا بني، انظر إلى هذا الحيوان: لم يعد أمامه عُمر، أُذناه قصيرتان جداً، وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف،


‎عنقه غير سوي، وجلده مترهل.


‎والتفت نحو فارس ليرد على سؤاله


‎- لا حظ له البتة !


‎سوف نری


‎خطا زايد خطوة إلى الوراء لوّح ببندقيته. انتظر حتى صف المتبارون جمالهم - وهذا ليس بالمناورة السهلة - ثم


‎رفع البندقية نحو السماء وأطلق رصاصة.


‎في الحال، ثارت الصحراء وعلا الغبار واهتزت الأرض كما لو أنها تعرضت لزلزال مرت الجمال المستحقة من السهام مندفعة إلى الأمام. ركض فارس نحو سيارته، وهرع زايد وابنه


‎إلى سيارتهما. استقرّ الشيخ أمام المقود وضغط برجله على الدواسة فانطلقت اللاندروفر كأنها تقفز وحادت إلى اليسار لكي ترقى إلى مستوى المتبارين بأية سرعة؟ لامست إبرة


‎العداد الـ 50 كلم في الساعة.


‎تمسك جيداً! أمر زايد ابنه.


‎ما إن أطلق هذا التحذير حتى - وهذا ما أسعد خليفة كل السعادة - طفرت اللاندروفر متراً وارتفع الدولابان الأماميان


‎في الهواء لينحدرا بسرعة خاطفة على أحد الكثبان.


‎سجلت إبرة العداد 60 كلم في الساعة.


‎ألقى زايد نظرة على المرآة الخلفية. كان فارس خلفه مباشرة. أما بقية البدو فكانوا يحاولون اللحاق بهم حاثين جمالهم على الجري بأسرع ما تستطيع. كل ذلك وسط ضوضاء اختلطت فيها أصوات الصراخ والحث بأزيز


‎المحركات وارتجاج الصحراء.


‎لم يمض وقت طويل حتى بان العمود الذي يحدد خط


‎الوصول في السباق. وفي اندفاعة أخيرة تخطته الجمال الثلاثة


‎الأولى. وتقاطرت الجمال الأخرى إثرها.


‎كبح زايد اللاندروفر فجأة نزل منها مع ابنه وتوجها نحو بدوي مُسنّ كان يقف منذ بداية السباق قرب العمود. تبعهما


‎فارس مسرعاً.


‎سلم البدوي المسن على الشيخ أنفاً لأنف.


‎ماذا؟ سأل زايد.


‎الرقم ستة، أعلن البدوي، أنا ....


‎لم يكمل عبارته في هذه اللحظة كان فارس يطلق صيحة


‎النصر.


‎ماذا كنت أقول لك؟ ابني.


‎ثم مال نحو خليفة وكرّر الكلمات التي سبق لزايد أن


‎قالها :


‎لم يعد أمامه عمر، أذناه قصيرتان جداً، وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف عنقه غير سوي، وجلده مترهل». ها أنت ترى يا عزيزي اعلم أن أباك على حق دائماً، وأنه لا تخفى عليه خافية في أحوال الصقور والبشر والجياد والجمال. لكن فراستي في السباقات لا تخطئ أحياناً


‎هر زايد رأسه مبتسماً :


‎الحق معك يا صديقي. لكن لا يهم أن تفقد جهة الشمال إذا كنت تعرف أين الجنوب تهاني. الآن ابتسم لك


‎الحظ وحوّل جملك إلى جواد أصيل.


‎أخرج مُغلّفاً من جيب كندورته لدى وصول والدي الفائزين اللذين جاءا ثانياً وثالثاً في السباق، وكانا يرفعان


‎رأسيهما فخراً واعتزازاً.


‎أعطى زايد مبلغاً من المال لوالد الفائز الثالث. ومبلغاً آخر لوالد الفائز الثاني. وحين أعطى فارس المبلغ الذي يستحقه ابنه استأذن فارس الشيخ زايد بأن يوزّع جائزة ابنه على الفائزين


‎الآخرين تشجيعاً لهما.


‎- وزّعه عليهما، قال مشيراً إلى الرجلين، أنا كفاني الله


‎من فضله.


‎أيده الشيخ زايد ثم جلس مع خليفة على الرمل، وتحلّق حولهما الآخرون وشرعوا في تقييم السباق، ومزايا الإبل


‎وسرعتها. وحين هم الشيخ بالاستئذان للمغادرة وصل فارس


‎على حين غرة.


‎زايد، قال وهو يتصبب عرقاً، وفد علينا زائر أجنبي وصل على متن سفينة حربية. كان يريد مقابلة الشيخ شخبوط لكنه غادر فجراً إلى دبي، وهو يرجوك أن تتحقق من مقاصد


‎هذا الرجل.




‎بعد ثلاث ساعات كنت في العاصمة.


‎في الواقع كان هناك سفينة راسية على بعد أمتار من الساحل، لكن لا شيء فيها يدل على أنها سفينة حربية. كانت مركباً يبلغ طوله حوالي خمسين متراً، أبيض بالكامل، ذو هيكل خشبي، وخط تعويم أسود على متنه أكوام متناثرة من المعدات. وقد أثار فضولي تفصيلان: كرة ضخمة، بيضاء هي أيضاً، مشرفة على الجسر الضيق، وما كان في نظري اكتشافاً


‎هو مروحية جاثمة على مزلقة القذف في مؤخرة المركب.


‎- أرى أن كاليبسو، سفينتي، تثير اهتمامك.


‎استدرت. كان مكلمي رجلاً أربعينياً، نحيلاً، عظمي


‎الوجه عيناه صغيرتان زرقاوان تحيط بهما نظاراتان معدنيتان


‎وعلى رأسه طاقية حمراء لكلامه باللغة الإنجليزية لكنة مغايرة


‎تميزه حتى أنني لم أستطع أن أتبين هويته للوهلة الأولى.


‎وكانت برفقته امرأة شقراء، ممشوقة.


‎كان كلاهما يحمل سلة مصنوعة من سعف النخيل،


‎| ممتلئة ممتلئة بالفواكه والخضار.


‎أعرفك بنفسي، قال الرجل الذي بادرني بالكلام، أنا


‎الرائد جان إيف كوستو.


‎وتابع مشيراً إلى المرأة:


‎زوجتي، سيمون.


‎في تلك المرحلة لم أكن متمكناً من اللغة الإنجليزية لكن


‎كنت أتوصل إلى فهم ما يقال.


‎سالت


‎رائد؟ أنت عسكري إذن.


‎عسكري متقاعد. كنت في سلاح البحرية الفرنسية


‎إبان حرب الأربعين.


‎- أنت فرنسي إذن...


‎- تماماً. ولدت في سانت أندريه دو كوبزاك. أظن أنك لا تعرفها. إنها بلدة في جنوب شرق فرنسا. هل سبق لك أن


‎ا زرت بلادنا؟


‎طبعاً. زرناها، أنا وأخي الشيخ شخبوط، منذ أربع


‎سنوات وأحتفظ عنها بذكرى رائعة.


‎حملقت المرأة مندهشة.


‎- أنت أخو الشيخ؟


‎أكدت.


‎يا لها من مصادفة مدهشة. كنا نعتزم زيارته لكن قيل


‎لنا إنه غائب للأسف.


‎هتف كوستو متعجباً:


‎إذن، لعلك زايد؟ الشيخ زايد؟


‎أكدت مجدداً.


‎لي مزيد الشرف، أضاف الفرنسي، حدثت عنك كثيراً، وعن أخيك طبعاً. هل تعلم أن التنقيبات التي أعتزم القيام بها


‎تعنيكم بصورة غير مباشرة؟ لدينا مصالح مشتركة.


‎- لا أفهم.


‎سدد إصبعه نحو المركب الراسي في عرض البحر.


‎- هب لنا شرف دعوتك إليه، سوف نشرح لك الأمر.


‎ركبنا في زورق مطاط. وما هي إلا لحظات حتى كنا على متن كاليبسو حيث استقبلنا الطاقم بحفاوة. أعطاهم الزوجان سلال المؤن وتبعتهما نحو غرفة قالا لي إنها بمثابة


‎صالة الطعام، فيها مقعد طويل وطاولة ومناضد.


‎أعلن كوستو بابتسامة:


‎هذا قصرنا. هنا نجتمع لاتخاذ القرارات الكبيرة. تفضل بالجلوس، أرجوك. هل ترغب في شراب معين؟ شراب طازج؟


‎طلبت ماء.


‎أخرجت سيمون زوجته من ثلاجة صغيرة قنينتي مياه


‎معدنية والتقطت كوبين ووضعت الجميع على الطاولة أمامي.


‎- أترككما، قالت، لدي عمل ينتظرني.


‎حيتني وتوارت.


‎والآن، سألت، هلا شرحت لي؟


‎- طبعاً سأشرح لك. لكن أنبهك، سيكون ذلك طويلاً. وكان الحديث طويلاً بالفعل. لكنني ما زلت أحتفظ


‎بجوهره في ذاكرتي.


‎في سن مبكرة جداً طوّر الفرنسي هواية التصوير في أعماق البحر لكن نظراً إلى نقص الأوكسجين كان من المستحيل أن يبقى طويلاً تحت الماء، وهذا أمر طبيعي. بالاشتراك مع صديق له مهندس عملا على فكرة تطوير جهاز تنفس تحت الماء، أو الرئة المائية. هذا الجهاز يسمح للغواص بالتنفس تحت الماء لأكثر من ساعتين أثار الاختراع اهتمام كوستو للتصوير في أعماق البحر بحثاً عن حطام أو مواقع أثرية. لكن هل من غواص بلا مركب ؟ في عام 1950 عثر على المركب


‎المثالي، في شكل كاسحة ألغام قديمة تابعة للبحرية الملكية كانت تستخدم كمُعَدِّية، سماها صاحبها كاليبسو. ولكن


‎يا للأسف، لم يكن كوستو يمتلك المال اللازم لشرائها. إلا أن صديقاً له اشتراها وأجرها له بمبلغ رمزي قدره فرنك واحد في السنة أعمال إعادة التأهيل مولتها شركات خاصة والبحرية الفرنسية وآل كوستو أنفسهم. اعتقد أني فهمت أن


‎حلي السيدة كوستو كانت جزءاً من التمويل.


‎في هذه المرحلة من الحكاية فهمت لماذا أشار الفرنسي


‎إلى «مصالحنا المشتركة».


‎عام 1950، في أعقاب النزاع الذي نشأ بيننا وبين شركة تطوير بترول الساحل منح أخي امتياز التنقيب في منطقة الأوفشور لشركة سوبريور أويل أوف كاليفورنيا. لكن بعد سنتين قررت هذه الشركة الانسحاب من الخليج العربي تاركة


‎الشخبوط ملء الحرية في منح الامتياز لمن يرغب. وفي عام


‎1953 اختار شركة دارسي إكسبلورايشن كومباني التي ما


‎لبثت أن تحوّل اسمها إلى شركة النفط البريطانية. كانت هذه الشركة قد تعهدت بموجب العقد القيام بعدد معين من عمليات التنقيب تحت الماء قبل نهاية شهر مارس 1954 كنا


‎في شهر فبراير.


‎من ضمن التحديات التي كان على الشركة البريطانية مواجهتها جمع عينات من الصخر في أعماق تصل إلى 250 قدماً تحت الماء، وهذا ما لا يمكن لأي من معدات الغطس المتوافرة أن تسمح به. عندها فكر أحد علماء الجيولوجيا العاملين في الشركة الإنجليزية في كوستو. وكان الفرنسي قد أصدر للتو كتاباً لاقى نجاحاً عالمياً هو «عالم الصمت». باستخدام كاليبسو وجهاز التنفس تحت الماء يمكن الحصول على خرائط وعينات من صخور الأعماق البحرية بنصف كلفة استخدام المنصات المألوفة لاستكشاف البحار . عندئذ أوفدت الشركة البريطانية مبعوثاً إلى كوستو يقترح عليه التنقيب في بلد يدعى أبوظبي. عندها سألت سيمون «أين؟». ابتسمت. في تلك السنوات كنا نعرف باسم «الإمارات المتصالحة».


‎هكذا ارتبط مصير كوستو بمصائرنا.


‎أمضيت العديد من الساعات على متن كاليبسو وأمكنني التحقق بنفسي أن بإمكان فرد مزوّد بجهاز التنفس تحت الماء أن يغوص إلى عمق 300 قدم والبقاء ساعات وهو يتحرك بحرية. وكان كوستو قد صنع قفصاً يمكن للغواصين أن يلجأوا إليه إذا ما هاجمتهم أسماك القرش. لم يوجد منها قرش واحد ولله الحمد. وسرعان ما طرحت مسألة إنشاء قاعدة أرضية توضع فيها المعدات وتكون مؤهلة لاستقبال مروحية. كانت المسافة بين مواقع الاستكشاف والساحل حوالي مائة كيلومتر، أو مئتين ذهاباً وإياباً. لذلك قرر كوستو ورجاله وضع معداتهم في إحدى الجزر التابعة لنا، جزيرة داس آنذاك لم تكن الجزيرة سوى صخرة جرداء وصحراء بطول كيلومترين وعرض كيلومتر واحد. جاؤوا بعمال من الكويت وعمال فلسطينيين ولبنانيين وأردنيين. وما كانوا


‎يدرون أنهم بصدد تغيير وجه المستقبل.


‎في 28 يناير 1958، بعد أربع سنوات على قدوم كوستو،


‎أخبرني أنهم اكتشفوا حقلاً يُحتمل أن يكون غنياً بالنفط.


‎لم يكن على ثقة تامة بكلامه. لكن بعد ذلك تبين أن الحقل


‎يحتوي على أربعة مليارات برميل. ولما انتهت مهمة كوستو قال لي عبارة لم أنسها قط: المهمات المستحيلة وحدها


‎مرصودة للنجاح».


‎في 2 ديسمبر 1996 ، يوم الاحتفال بعيدنا الوطني، سررت باستقبال الفرنسي وقلدته الميدالية المزدوجة للاستقلال اعترافاً بخدماته المسداة للعلم والإنسانية خلال أكثر من 50 عاماً.


‎غادرنا كوستو بعد عام وله من العمر 87 سنة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

تطوير المنهج يش...

تطوير المنهج يشير إلى عملية تحسين وتطوير النظام التعليمي والتعليميات المتعلقة بالمحتوى الدراسي وطرق ...

There are many ...

There are many benefits of giving charity. First, it doesn't only help the person in need but also g...

حدد الموجات الك...

حدد الموجات الكهرومغناطيسية التي لها أكبر طول موجي والموجات الكهرومغناطيسية التي لها أقصر طول موجي. ...

ومن العرب المحد...

ومن العرب المحدثين مصطفي صادق الرافعي في كتابه تاريخ اداب العرب الذي طبعه سنه 1911 من أقوله التي تعد...

لما كانت السلطة...

لما كانت السلطة النقدية وإدارات المصارف الفلسطينية تبدي اهتماماً بأهمية المحافظة على سلامة الوضع الم...

الأنسب لدراسة ا...

الأنسب لدراسة الحياة الاجتماعية ويمنحها صفة المختبر الاجتماعي هو أن هذه المؤسسات تنمو وتتطور بسرعة. ...

The US Healthca...

The US Healthcare System has become a major expenditure in recent years. According to a report by th...

يمكن ان يكون لض...

يمكن ان يكون لضعف هذا التواصل تأثير كبير على وحدة الفريق وأداء المشروع، خاصةً في بيئة العمل مدينة ال...

تطور العلم والت...

تطور العلم والتكنولوجيا ساهم في تطوير مجال تنسيق النباتات وتصميم المناظر الطبيعية. تم استخدام التصمي...

أخصائي في أمراض...

أخصائي في أمراض األذن واألنف والحنجرة: يقوم بفحص األذن والسمع للكشف عن وجود اضطرابات في السمع قد تؤد...

هذا البلاستيك ع...

هذا البلاستيك عبارة عن بولي إيثيلين منخفض الكثافة يُعرف بالاختصار LDPE. يُستخدم البولي إثيلين المنخ...

- We learned fr...

- We learned from experiment is that oil is a substance that is not a substitute for water because i...